محطات على ضفاف الوصية المقدسة: المحطة العاشرة: بين الوصية المقدسة ورواية اليماني ؟!

قالوا: تحدثت إلينا عن المهدي الأول الوارد ذكره في وصية جده المصطفى (ص)، وذكرت قرائن عدة توضح لنا اسمه ونسبه ومقامه ودوره الإلهي في زمن الظهور المقدس، ولكنا قرأنا عن شخصية ورد ذكرها في روايات أهل البيت (ع) ووصفت باليماني، فما هي العلاقة بين اليماني والمهدي الأول (أحمد) ؟

قلت: نعم، ورد ذكر اليماني في روايات عديدة، تارة ضمن العلامات الحتمية، وأخرى تصف مقامه وأنه الممهد الرئيسي للامام المهدي (ع) وأن الملتوي عليه من أهل النار.

قال الامام الباقر (ع): (.. خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد في يوم واحد ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم. وليس في الرايات أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم .. ) غيبة النعماني: ص262 – 264.

فهل عرفتم ما يريد الامام الياقر (ع) بيانه وهو يحدد معالم شخصية اليماني ؟

 

قالوا: قرأنا هذه الرواية مراراً، وسمعنا بعض من يدعي التخصص من العلماء يقول إنّ اليماني مجرد قائد عسكري، والناس بالخيار بالنسبة الى نصرته وطاعته ؟!

قلت: الامام الباقر (ع) أوضح في كلامه الشريف التالي:

1- إنّ راية اليماني راية هدى وارتباطها بالامام المهدي (ع) واضح بيِّن.

2- إنّ اليماني خليفة من خلفاء الله في أرضه بدليل قوله (ع): (لا يحل لمسلم ان يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من اهل النار)، فلا يكون شخص حجة على الناس بحيث إنّ إعراضهم وصدهم عنه يدخلهم جهنم حتى وإن صلوا وصاموا إلا إذا كان خليفة من خلفاء الله وولي من أوليائه.

3- إنّ اليماني معصوم والرواية نص على عصمته لأنها قالت: (لأنه يدعو الى الحق والطريق المستقيم)، فمقتضى إطلاق الامام الباقر (ع) كلامه وعدم تفصيله (اذ لم يقل إنّ اليماني يدعو الى الحق في النهار دون الليل، أو السلم دون الحرب، أو في قول دون قول أو فعل دون فعل وهكذا)، هو أنّ اليماني يدعو الى الحق دائماً، أي في كل أقواله وأفعاله ولا يتصرف ولو لمرة واحدة بشكل يخرج أتباعه من الحق ويدخلهم في ضلال، وهذا هو معنى العصمة.

 

قالوا: ربما يكون حال اليماني كحال مسلم بن عقيل (ع)، فإنّ من أعرض عن نصرته وقاتله أيضاً مصيره النار، والحال أنه ليس من خلفاء الله في أرضه، وكذلك حال السفراء الاربعة مثلاً ؟

قلت: إنّ مسلم بن عقيل (ع) أو السفراء الاربعة (رحمهم الله) لا يصح الالتواء عليهم أيضاً، ولكن النار التي تكون مصير المعرض والصاد إنما هي لأجل الالتواء على قول المعصوم فيهم لا لأجلهم هم بأنفسهم، ولذا لا يوجد نص يقول إنّ الملتوي عليهم بأشخاصهم تكون النار مصيره، وحال اليماني ليس كذلك، فإنّ الرواية صريحة في أنّ الالتواء عليه (هو) يوجب النار، وهذا يعني أنه بنفسه خليفة من خلفاء الله في أرضه.

 

قالوا: إذا كان اليماني خليفة من خلفاء الله في أرضه، فإننا نعرف أن آل محمد (ع) هم خلفاء رسول الله (ص) الى يوم القيامة، ولا تخرج الخلافة الالهية منهم، فهل يا ترى اليماني واحد منهم ؟

قلت: بكل تأكيد، فالنبي (ص) في وصيته المقدسة حدد الاوصياء من بعده الى يوم القيامة، وبيّن أنهم 12 اماماً و12 مهدياً، ولما تبيّن أنّ اليماني خليفة من خلفاء الله وحجة الهي واجب الطاعة فأكيد أن الوصية المقدسة ذكرته وكان له فيها نصيب.

 

قالوا: ولكنا عرفنا منك سابقاً أنّ الموجود من آل محمد (ع) في زمن الظهور المقدس رجلان لا غير؛ أولهما الامام المهدي (ع) وثانيهما ابنه المهدي الاول أحمد (ع)، والآن نسمع أن هناك شخصية ثالثة من آل محمد (ع) واجبة الطاعة أيضاً وهي اليماني ؟

قلت: اليماني هو نفسه المهدي الأول أحمد الوارد ذكره في الوصية المقدسة لا غير، فقد توضح للجميع ان المهدي الاول موجود في زمن الظهور وهو خليفة الهي، واليماني ايضاً موجود في زمن الظهور وهو خليفة الهي، ومن ثم فأما أن يكونا شخص واحد وهو المطلوب، والا فعلى من يقول بتعدد الشخصية أن يلتزم بعدم ذكر اليماني في الوصية المقدسة مع كونه خليفة الهي، وهو باطل جزماً.

وأيضاً: إن كان شخصهما متعدد وكلاهما موجود في زمن الظهور، فمن يتبع من ؟ إن أُجيب بأن اليماني يتبع المهدي الاول، صار دور اليماني ثانوياً، والحال ان الروايات بينت أنه صاحب راية الهدى وقائد عملية التمهيد ورجل واجب الطاعة وأن الملتوي عليه من أهل النار. وإن أُجيب بأنّ المهدي الاول يتبع اليماني، فهو باطل ايضاً لأنه وصي من الاوصياء بنص الوصية المقدسة وهو الآخذ البيعة من الناس والمولى الوحيد الذي يطلع على موضع أبيه ؟!

فلم يبق إلا القول باتحاد الشخصية.

 

قالوا: بيانك واضح، ولكن ما وجه تلقيبه باليماني ؟

قلت: وجوه كثيرة، فآل محمد (ع) كلهم من محمد (ص) وهو (ص) من مكة كما هو معروف ومكة تابعة لتهامة التابعة بدورها ادارياً لليمن يومذاك، لذا ورد في الاخبار أنّ الكعبة يمانية والايمان يمان، فمحمد وآل محمد (ع) كلهم يمانية بهذا اللحاظ، واليماني من آل محمد (ع) كما عرفنا. وأيضاً: الوصي يمين الموصي ويده الضاربة التي يصول بها على الباطل، وهذا هو وصف علي (ع) بالنسبة الى رسول الله (ص) وكذلك هو وصف للمهدي الاول بالنسبة إلى أبيه الامام المهدي (ع).

 

قالوا: ولكنا سمعنا من أدعياء التخصص والخطباء أنّ اليماني يظهر من بلاد اليمن ؟

قلت: ما أكثر جهلهم !! فقد تبين لكم بروايات أهل البيت (ع) الكثيرة أنّ اليماني هو المهدي الاول أحمد، وأنه طالع المشرق وقائد الرايات السود الممهدة للامام المهدي (ع) دولته وسلطانه، وأما أولئك المتخرصون فقد أوهمتهم النسبة الى اليمن، وتصوروا ان تلقيبه باليماني يعني بالضرورة ظهوره من أرض اليمن، والحال أن لا ملازمة بين الأمرين كما هو معلوم، فالسيد الخوئي رحمه الله بقي على لقبه رغم أنه عاش ومات في العراق. ثم ماذا يصنع اليماني بظهوره في اليمن، وإلى يوم الناس هذا (الذي ابتدأ فيه السفيانيون حركتهم بالشام والعرب تخلع أعنتها كما وعد خلفاء الله) لا شيعة للامام المهدي (ع) في اليمن ليمهد بهم اليماني للامام المهدي (ع) دولته !! فالحقيقة ان ما يطرحه هؤلاء مجرد أقاويل هوجاء تدل على بلاهة أصحابها وعنادهم لآل محمد (ع) لا أقل ولا أكثر.

 

المحطة الحادية عشرة /

هل تكفي الوصية المقدسة لإثبات صدق المحتج بها ؟!

هذا ما ياتي بيانه قريباً باذن الله تعالى ...