محطات على ضفاف الوصية المقدسة: المحطة الثامنة: مَنْ الآتي محتجاً بالوصية المقدسة ؟!
قالوا: خلص بنا حديثك إلى وجود رجلين من آل محمد (ع) في زمن الظهور المقدس، والرجلان كلاهما وصي من الأوصياء؛ الأول هو الإمام المهدي (ع) والثاني ابنه المهدي الأول أحمد، والسؤال الآن: من منهما يأتي الناس محتجاً بالوصية المقدسة ليثبت لهم صدقه وحقه؟
قلت: من يحتج بها هو الوصي الآتي للناس أولاً، وأما من يأتي لاحقاً فأكيد أنه سيُعرف بدلالة الأول عليه، فمن اهتدى للأول وعرفه وآمن به يكون قد كفي مؤونة طلب الثاني (الآتي لاحقاً).
قالوا: عرفنا منك سابقاً أنّ الآتي للناس أولاً هو المهدي الأول، ولكنا نريد توضيح ذلك بشكل أكبر ؟
قلت: نعم، ذكرت لكم في المحطة السادسة بعض الروايات التي تؤكد مجيئه قبل أبيه الإمام المهدي (ع)، والآن أضيف لكم رواية أخرى:
عن سليم بن قيس، عن رسول الله (ص): (.. ثم ضرب بيده على الحسين (ع) فقال: يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام ابن إمام، عالم ابن عالم، وصي ابن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به) كتاب سليم بن قيس: ص429، تحقيق محمد باقر الأنصاري.
قالوا: وكيف تستدل بالرواية على المطلوب ؟
قلت: لا شك أنّ الرواية تتحدث عن زمن الظهور وذكرت (المهدي)، وقد بينت لكم أنّ هذا الاسم يطلق على الامام المهدي (ع) وعلى ابنه (أحمد) في وقت واحد، وإذا امتنع كون المقصود هو الامام المهدي (ع) في الرواية فيتعين حملها على ابنه المهدي الاول (احمد).
قالوا: ولماذا يمتنع حمل الرواية على الامام المهدي (ع) ؟
قلت: لسببين؛ الأول: إنّ الامام المهدي (ع) لا يأتي أبوه الامام العسكري (ع) بعده، والرواية تقول (أبوه الذي يليه). والثاني: إن الامام المهدي (ع) هو أفضل الائمة التسعة من ولد الامام الحسين (ع) بنص روايات كثيرة، في حين أنّ الرواية تؤكد أن هذا المهدي أبوه أفضل منه.
وإذا اتضح أنّ المقصود به المهدي الأول عرفنا أنه يأتي قبل أبيه (ع)، تماماً كما قال أمير المؤمنين (ع) في الرواية المتقدمة: (يخرج رجل قبل المهدي من اهل بيته من المشرق)، وكذلك رواية أبي بصير وغيرها من الروايات الشريفة.
قالوا: ولماذا يحتاج المهدي الأول (احمد) الى الوصية ليحتج بها ؟
قلت: لأنه وصي من الأوصياء وإمام من أئمة أهل البيت (ع)، والوصية هي دليل صدقهم كما عرفناه سابقاً، هذا أولاً. وثانياً: إنه يإتي الناس والامام المهدي (ع) لا زال غائباً عن أنظارهم، وبالتالي فهو بحاجة إلى دليل لإثبات صدقه لهم، خصوصاً وأنّ الزمن الذي يُبعث فيه هو زمن فتنة وحيرة وتيه، تملأ فيه الارض فساداً وظلماً وجوراً. وعلى هذا، صار بوسعنا ربما معرفة سر التركيز على احتجاج صاحب هذا الأمر بالوصية كما نقلنا بعض الروايات في ذلك.
قالوا: كيف ذلك ؟ أوضح لنا لو سمحت.
قلت: عرفنا الآن من هو المحتج بالوصية في زمن الظهور، وعرفنا سابقاً أنّ (صاحب الامر) وصف يطلق على الامام المهدي (ع) وعلى ابنه معاً، ومن ثم فإنّ الروايات التي أكدت أنّ صاحب الامر يُعرف بالوصية وبالعلم تقصد المهدي الأول الآتي قبل أبيه (ع).
ثم إننا قلنا إنّ النص الذي به يُعرف أحقية الامام من آل محمد (ع) يكون بأحد طريقين؛ إما بوصية رسول الله (ص) وإما بنص الامام السابق على من يليه، ولكن المهدي الاول (ع) حيث إنه يأتي قبل إبيه الامام المهدي (ع) فلا مجال للطريق الثاني والإمام بعدُ لا زال غائباً، لذا رأينا الروايات التي تبين طريق التعرف عليه تخص الوصية المقدسة بالذكر.
قالوا: وما هو دور الوصية المقدسة بالنسبة الى الامام المهدي (ع) إذا كان من يحتج بها في زمن الظهور هو ابنه ؟
قلت: الامام المهدي (ع) وبنص الوصية المقدسة إمام ووصي وخليفة لله في أرضه، وإمامته بدأت منذ وفاة أبيه العسكري (ع) عام 260 هـ، فهو (ع) وبرغم غيبته الكبرى إمام ولا يشك في ذلك مؤمن. نعم، هو بحاجة الى من يُعرِّف الناس بشخصه عند ظهوره للناس وليس بحاجة الى من يعرف الناس بإمامته وكونه أحد الاوصياء الكرام، لذا ورد أن المنتظرين الذين يهتدون لاتباع طالع المشرق سيكفون مؤونة الطلب. أما المهدي الأول فالناس لا تعرف عن امامته ووصايته شيئاً وبالتالي فهو بحاجة الى تعريفهم بذلك، ولذا يحتج عليهم بالوصية.
قالوا: رأيناك ذكرت أنّ من يتبعون طالع المشرق يكفون مؤونة الطلب، فماذا تقصد بذلك ؟
قلت: عرفتم قول أمير المؤمنين (ع) الذي يتحدث عن خروج رجل من المشرق من أهل بيت الامام المهدي (ع)، فهو طالع المشرق، وقد توضح لكم أنه ابنه أحمد وأنه وصي من الاوصياء فأكيد أن من يوفقه الله لاتباعه سيتوفق لمعرفة الامام المهدي (ع) وكفي مؤونة طلبه والبحث عنه. ولذا وصفه جده علي (ع) في خطبة له تتحدث عن زمن الظهور قائلاً: ((.. واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول (ص) فتداويتم من العمى والصم والبكم، وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق، ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )) الكافي: ج8 ص66 ح22.
وللحديث تتمة .. تأتي بإذن الله.