محطات على ضفاف الوصية المقدسة: المحطة السابعة: الوصية المقدسة وسرّ الظهور المقدس
قالوا: انتهيت بنا إلى وجود رجل آخر من آل محمد (ع) في زمن الظهور المقدس أسماؤه ثلاثة هي: (أحمد، عبد الله، المهدي)، ويطلق عليه قائم وصاحب الأمر أيضاً، والسؤال الذي طرحناه عليك لا زال قائماً وهو: كيف سنحدد المقصود منهما في الروايات ؟
قلت: لو تُرك الأمر لنا فلا نستطيع التمييز أبداً، ولذا هم (ع) في رواياتهم قالوا عن الظهور وكيفيته إنه سر من الأسرار، وإنه أمر جديد، وإن المختص بحل أسراره وفك رموزه صاحب الحق فقط.
عن مالك الجهني، قال: (قلت: لأبي جعفر (ع) إنا نصف صاحب الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس، فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) غيبة النعماني: ص220.
قالوا: إذا كان الأمر كذلك، فما قولك بما وضعه العلماء المتخصصون في القضية المهدوية من مناهج وبرامج للمنتظرين، بل ورسموا خرائط لطريقة ظهور الامام (ع) وحركته، مؤيدة بتوقيعهم، ويصورون للناس أنهم بالأخذ بها يتعرفوا على الامام المهدي (ع) وينصروه ؟
قلت: أنتم قرأتم معي قَسَم الامام الباقر (ع) لمن زعم أن بوسعه ان يصف صاحب هذا الامر بشكل دقيق جداً، وكان قَسَمه (ع) أنّ ذلك لا يكون أبداً حتى يأتي هو ويحتج عليكم !! فهل تظنون أنّ آل محمد (ع) يخلفون وعداً قطعوه لشيعتهم ؟! لا والله، وبذلك يتضح ضلال كل المناهج التي وضعت من قبل من يدعون التخصص، وأنهم بهذا يبعدون الناس عن نصرة إمامهم (ع) المغيب بل ويحملونهم على قتاله لما سيبتدئ (ع) ظهوره بنهج يختلف تماماً عن النهج الذي صوروه وزرعوه في ثقافة الناس ووعيهم، وهذا أحد الاسباب التي تكشف السر في قلة أنصار الامام المهدي (ع) وأنهم كالملح في الزاد وكالحل في العين بنص عشرات الروايات.
قالوا: ولماذا جعل ال محمد (ع) طريقة الظهور وتكتموا عليها بالنحو المذكور بحيث بقيت سراً من الاسرار ؟
قلت: ذلك رحمة بشيعتهم المنتظرين، فإنهم (ع) جعلوها بالطريقة المحكمة والمقفلة تلك كي يفوتوا الفرصة على أدعياء الباطل ولا تكون الناس طعمة لكل من هب ودب، ويبقى الامر مستوراً ولا يكشفه إلا رجل متصل بهم (ع) - بل منهم حقاً وصدقاً - ومؤهل للمهمة الالهية التي يلقيها الامام المهدي (ع) على عاتقه لتبدأ بإرساله عملية التمهيد لقيام دولة العدل الالهي.
قالوا: وضح لنا هذه المسألة بشكل أكبر ؟
قلت: إن الروايات الشريفة قبل وأثناء زمن الظهور موجودة بين الناس جميعا، عالمهم وجاهلهم كبيرهم وصغيرهم، ومتوفرة عندهم تماماً كتوفر الحروف والأرقام للجميع، ولكن كما ان كلمة السر المؤلفة من ارقام وحروف لا يعرفها الا من وضعها أو من هو متصل به واطلعه عليها، فكذلك أسرار روايات الظهور، فمثلا كلمة السر التي يمر بها عارفها إلى خزنة في بنك لا يعرفها غير صاحبها بالرغم من تالفها من أرقام وحروف وهي متوفرة عند الجميع ؟ فكذلك هو الحال بالنسبة للنصوص، فمن يرتبها بالصورة الصحيحة التي تفتح السر هو صاحبها لا غير، ولا يمكن أن يفتحها غير صاحبها. ليكون ذلك دليلاً جلياً على صدقه وأحقيته من بين بقية المدعين المبتدعين.
قالوا: ولكنا نراك الآن تتعرض إلى الكثير من روايات الظهور وتحدد لنا المقصود منها، والمفروض أنك حالك حال غيرك ممن لا علم لهم بها ويبقى صاحبها فقط المختص ببيانها كما جاء في الروايات، فمن أطلعك على أسرارها التي بينت لنا شيئاً منها ؟
قلت: ليس لي ولا غيري أن يعرف ذلك من نفسه، بل لأني وبفضل الله سبحانه أحد أتباع صاحب الحق الذي أوضح لنا بعد مجيئه الكثير من القضايا المبهمة التي حيرت عقول الكثيرين، وقد بث علمه وإحكامه لمتشابه المعارف الدينية في كتبه الشريفة التي أقام بها الحجة الواضحة على الجميع.
قالوا: وهل للوصية المقدسة (التي هي محور حديثك معنا) موقع في تلك الاسرار التي بثها ال محمد (ع) واعطوا مفاتحها بيد رجل الهي منهم يقوم بفكها وحلها ثم طرحها للاحتجاج بها على الناس ؟
قلت: هي أساس حركته الالهية، وبمجيئه تعاد للوصية المقدسة هيبتها التي أغفلها المسلمون جميعا بقصد أو بدونه، رغم تصريح نبيهم (ص) بأنها الكتاب العاصم من الضلال، حتى ان أحدهم رغم زعمه وراثة علوم آل محمد (ع) ليستحي أن يعترف بكتابة نبيه (ص) لذلك الكتاب العاصم، بل ويصرح الكثير من علماء الشيعة فضلاً عن غيرهم بأنه (ص) مات ولم يكتبها وصاروا بصدد ابداء التبريرات التي يريدون بها تحسين قبح اقرارهم بعدم كتابتها !!
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الوصية المقدسة وبالرغم من أنها كانت بين أيدي الجميع ويقرؤونها مراراً وتكراراً إلا أن فيها من المضامين والأسرار ما كان أمره مستوراً حتى لأتباع ائمة الهدى (ع) فضلاً عمن سواهم، ولكن صاحبها (صاحب الحق) يقوم بكشفها للناس أيضاً عند بعثته ويوضح حقائقها بعد أن كانت مجهولة لديهم.
وبهذا تلتقي حلقة الوصية مع حلقة كشف الاسرار الاخرى في الروايات الشريفة لتكون معرفاً واضحا ودليلاً جلياً على أحقية ذلك الداعي الكاشف لتلك الاسرار. وقد تقدم قول الامام الصادق (ع) عن معرفة صاحب هذا الامر بالعلم والوصية.
قالوا: كنا نعتقد أنّ صاحب الأمر المقصود في هذه الرواية هو الامام المهدي (ع)، ولكن الآن نسأل عمن يكون ؟ فإن الروايات جعلتنا بصورة نتردد في إبداء رأي قبل قراءتها خصوصاً وأنها لم تترك شيئاً إلا وأوضحته ؟
قلت: أوضحت لكم أنّ وصف صاحب الأمر يطلق على الشخصية الأخرى من آل محمد (ع) الموجودة في زمن الظهور كما يطلق على الامام المهدي (ع) نفسه، وقد توضح لكم هذا في المحطة السابقة.
قالوا: نعم، ولكنا بحاجة الى تفصيل أكثر في بيان أن المحتج بالوصية هو المهدي الاول (احمد) وليس الامام (ع) نفسه ؟
قلت: هذا أتركه إلى المحطة القادمة إن شاء الله تعالى.