محطات على ضفاف الوصية المقدسة: المحطة السادسة: الوصية المقدسة وآل محمد (ع) في زمن الظهور المقدس

 

قالوا: بينت لنا فيما سبق علاقة الوصية المقدسة بالتعرف على حق الإمام من آل محمد (ع)، والسؤال الآن: كم رجل من آل محمد (ع) متواجد في زمن الظهور المقدس وقيام دولة العدل الإلهي، لتكون الوصية دليل صدقه عند احتجاجه على الناس ؟

قلت: موجود منهم (ع) رجلان، أحدهما الإمام المهدي (ع).

 

قالوا: كيف ؟ والمعروف عندنا هو وجود الإمام المهدي (ع) فقط ؟

قلت: لنرجع معاً إلى كلمات آل محمد (ع) ونعرف الحقيقة منهم، فليس كل ما عند الناس حق، والروايات أوضحت أنّ هناك رجلاً آخر من آل محمد (ع) في زمن الظهور المقدس.

 

قالوا: اعرض لنا مثال منها لنطلع عليه ؟

قلت: الروايات كثيرة، هذا مثال منها: 

عن حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله (ص) يقول - وذكر المهدي-: (إنه يبايع بين الركن والمقام اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) غيبة الطوسي: ص454 ح463.

 

قالوا: وكيف تستدل بالرواية على وجود رجل آخر من آل محمد (ع) في زمن الظهور ؟

قلت: إنّ الأسماء المذكورة للمهدي المبايَع له ليست أسماءً للإمام المهدي (ع)، يتضح ذلك بقراءة خاتمة وصية رسول الله (ص) ليلة وفاته والمتضمنة لذكر الإمام المهدي ومهدي آخر موجود في زمن الظهور أيضاً وهو ابنه ووصيه (أحمد)، حيث ذكرت أسماء الأوصياء وعند وصولها إلى الإمام العسكري (ع) قالت: (.. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) غيبة الطوسي: ص151 ح111.

 

قالوا: ولكن هذا أمر جديد بالنسبة لنا، فهل بوسعك الاتيان برواية أخرى تؤكد ذلك ؟

قلت: روى أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)، قال: (يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل الحافظ لما استودع يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) بحار الأنوار: ج25 ص269.

وإذا كان المذكور أخيراً هو الإمام المهدي (ع)، فمن هو الرجل العامل بالهدى (من أهل البيت) الآتي قبله ؟! ثم إنّ الإمام الصادق (ع) يقسم أنه يعرفه باسمه واسم أبيه، ولا وجه لِقَسَمِهِ إلا إذا كان خافياً على بقية الناس ما يعرفه هو (ع)، وهو ما يؤكد وجود رجل من آل محمد (ع) في عصر الظهور مجهول لا تعرفه الناس.

وعن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين (ع): صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: (.. ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) غيبة الطوسي: ص444 ح437.

وليس بخافٍ على أحد أنّ السفياني هو من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (ع)، لا أنه (ع) ظاهر قبله ليختفي عند ظهوره !! فالرواية إذن تتكلم عن مهدي كان ظاهراً قبل السفياني ثم بظهوره يختفي مدة ثم يخرج بعد ذلك.

 

قالوا: إذا كان الأمر كذلك، واتضح وجود رجل آخر من آل محمد (ع) في زمن الظهور لقب بالمهدي أيضاً، فكيف نستطيع أن نميز بينه وبين الإمام المهدي (ع) في الروايات، هل من خلال ألقاب وأوصاف أخرى كـ (صاحب الأمر والقائم) مثلاً ؟

قلت: كلا، لا يمكن التمييز بينهما في الروايات بالطريقة التي أشرتم لها، فإنّ هذين الوصفين يطلقان على الرجل الآخر (المهدي احمد) أيضاً.

 

قالوا: كيف ؟ والمعلوم أنّ هذين الوصفين يطلقان على الإمام المهدي (ع) فقط ؟

قلت: علمكم هذا كعلمكم السابق بأن لا مهدي آخر في زمن الظهور غير الإمام المهدي (ع)، وقد رأينا الروايات وظهر لنا خلاف ما كنتم تعلمونه. والآن نرجع إلى الروايات وسنرى أن وصف صاحب الأمر والقائم كلاهما يطلقان على شخصية أخرى غير الإمام المهدي (ع):

عن محمد بن علي الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) وهو يعدد العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (ع) يقول: (اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم ..) الكافي: ج1 ص310 ح484.

وأكيد أنّ العلامة شيء وما تدل عليه العلامة شيء آخر، ولا يصح أبداً حمل لفظ (القائم) في الرواية على الإمام (ع)؛ لأنها بصدد ذكر العلامات الحتمية لظهوره، وهل يكون الشيء علامة حتمية على نفسه !!!.

كما أنه من الواضح جداً أن السيدة نرجس (ع) ليست بشرتها سوداء ولم يعرف عن الإمام المهدي (ع) انه يسجن، ولكن ورد عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله أمره في ليلة واحدة) غيبة النعماني: ص163. فأكيد أنّ المقصود بصاحب الأمر هنا ليس الإمام المهدي (ع) وإنما الشخصية الأخرى المتصلة به.

والروايات في هذا كثيرة أيضاً ولكني ذكرت لكم مثالين منها.

 

قالوا: لخص لنا ما تريد الانتهاء إليه في هذه المحطة ؟

قلت: إنّ الوصية المقدسة وروايات أخرى شريفة معها كلها تؤكد على وجود شخصية أخرى من آل محمد (ع) في زمن الظهور المقدس.

 

قالوا: وهل تأتي تلك الشخصية قبل الإمام المهدي (ع) أم بعده ؟

قلت: الروايات أكدت أنه يأتي قبله كما ذكرته رواية أبي بصير المتقدمة وروايات كثيرة غيرها، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (.. يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ..) الممهدون للكوراني: ص110.