محطات على ضفاف الوصية المقدسة: المحطة الخامسة: الوصية المقدسة وقانون معرفة الحجة
قالوا: ماذا تقصد بقانون معرفة الحجة ؟
قلت: هو منهج الهي محكم لا يعتريه خلل ولا انفصام أبداً، يتم من خلاله التعرف على حجة الله على خلقه، فهو مقياس يتم عرض المدعين عليه فإن تحلّى به أحد ما ثبت حقه، وإما المدعي الباطل فسرعان ما يتضح كذبه وضلاله بعرضه عليه.
قالوا: ولكنا لم نسمع به من قبل العلماء والخطباء، فهم يتحدثون في كل شيء إلا هذا ؟
قلت: هم يجهلونه كما يجهلون من دين الله الكثير، وإلا لما اقترح بعضهم ما اقترح مما ذكرتم بعضه في المحطة السابقة، وكثير غيرهم اقترح معرفة الإمام عبر طرق أخرى كمعرفته من خلال الحمض النووي، أو عمل برنامج متطور لتشغيل الحاسوب بدل وندوز سفن، وثالث اقترح أن يطير بلا جناحين في الهواء، ورابع أن يقلب لحيته البيضاء إلى سوداء، وخامس أن يأتيه بناقة صالح، وسادس أن يقدم له سؤالاً مضمراً في ورقة بيضاء ليكتب الجواب له تحتها، وهكذا سابع وثامن ..... الخ، وربما ستكون بعدد الأنفس وما انطوت عليه !!!
قالوا: وهل ضمن المقترحين رجال دين (شيوخ) ؟!
قلت: نعم، كان من بين المقترحين الشيخ الكوراني وهو صاحب اقتراح تبديل لحيته البيضاء إلى سوداء ليثبت بذلك أحقية الإمام وإلا فتبطل إمامته !!
قالوا: نعود إلى قانون الله لنسأل عن بداية وجود هذا القانون الإلهي ؟
قلت: منذ يوم الخليقة الأول، حتى يقيم الله به الحجة على خلقه جميعاً ولا يعتذر احدهم إذا ما اختار الجحود بأنه لم يكن بين يديه قانوناً محكماً يستطيع من خلاله تميز صاحب الحق.
قالوا: وهل ذكر الله سبحانه قانونه هذا في كتابه الكريم، وما هي فقرات ذلك القانون ؟
قلت: بكل تأكيد، ذكره في آيات كثيرة، وفقراته تتكون من أمور ثلاثة: (النص، العلم، وراية البيعة لله والدعوة إلى حاكميته سبحانه). وهذا بيانه من القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ النص، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ العلم، ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ حاكمية الله.
قال السيد أحمد الحسن (ع) بعد توضيح القانون الإلهي في فقراته الثلاث: ((هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه وهذه الأمور الثلاثة قانوناً سَنَّه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة. "سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً" "سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً")) إضاءات من دعوات المرسلين: ج3.
قالوا: وهل خلفاء الله (سواء كانوا أنبياء أو مرسلين أو أئمة) احتجوا بهذا القانون ؟
قلت: نعم، انظروا إلى كتاب الله وهو يذكر خلفاء الله فهل تجدون أنّ خليفة الهي لم ينصبه الله وينص عليه، إما بلا توسط خليفة آخر على هذه الأرض كما في آدم (ع) باعتباره الخليفة الأول، وإما عبر وصية خليفة سابق ينص فيها على من يليه (والنص بهذه الكيفية أيضاً نص من الله سبحانه فإنّ المعصوم لا ينطق عن الهوى كما هو واضح).
وأيضاً: تجدون العلم الذي زودهم به الله تعالى الذي استخلفهم واصطفاهم، فعن موسى (ع) يقول تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ القصص: 14. وعن عيسى (ع) يقول: ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ الزخرف: 63. وعن رسول الله محمد (ص) يقول: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ الجمعة: 2.
وأما دعوتهم الناس إلى حاكمية الله ورفض حاكمية الناس (فقرة القانون الإلهي الثالثة)، فهو أمر واضح في جميع الكتب السماوية وليس في القرآن وحده.
قالوا: وهل أوضح آل محمد (ع) هذا الأمر لمن يستمع إلى قولهم ويدين لله بإمامتهم ؟
قلت: أوضحوه غاية الإيضاح ولهذا قالوا (أمرنا أبين من هذه الشمس)، فلا يتحلى بهذه الفقرات (القانون الإلهي) ابن أنثى بعد رسول الله (ص) والى يوم القيامة غيرهم (ع)، وهذا مثال أوضح فيه الإمام الرضا (ع) احتجاج نوح (ع) على قومه ومن تلاه من خلفاء الله: (.. وقد كان آدم أوصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوح في زمانه الذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمداً ..) كمال الدين وتمام النعمة: ص215.
قالوا: وآل محمد (ع) كيف يكون احتجاجهم ؟
قلت: هم أيضاً خلفاء لله وسنة الله في خلفائه واحدة كما اتضح، فاحتجاجهم كاحتجاج من سبقهم من الخلفاء الإلهيين، فوصية جدهم (ص) هي المعرفة بهم وبأحقيتهم كما عرفنا في المحطات السابقة، وأيضاً علمهم، ودعوتهم الناس إلى حاكمية ربهم، وبهذا يكتمل القانون الإلهي فيهم.
ولهذا نجدهم (ع) يؤكدون على أن معرفة صاحب الأمر وراية الهدى في زمن كثرة الأدعياء يكون بهذا القانون الإلهي أيضاً، قال الباقر (ع): (( ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه ..)) إلزام الناصب: ج2 ص96 – 97. وقال الصادق (ع): (( إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله )) غيبة النعماني: ص178. وروى الحارث بن المغيرة النصري، قال: (( قلت لأبي عبد الله (ع): بم يعرف صاحب هذا الأمر ؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية )) الخصال: ص200.
وما بعد الحق إلا الضلال.