محطات على ضفاف الوصية المقدسة: المحطة الرابعة: الوصية المقدسة طريق يُعرِّف بأحقية الإمام بقول العلماء

قالوا: انتهيتَ إلى أنّ الوصية المقدسة أحد وجهي الطريق المعرِّف بأحقية الإمام من آل محمد (ص)، واستدللتَ على ذلك بالروايات وقلتَ إنه قول علماء الشيعة أيضاً، هلا ذكرتَ لنا بعض أقوالهم مع مصادرها ؟

قلت: أقوالهم في بيان ذلك واضحة، وهذا نصان منها لعالمان كبيران:

قال الشيخ المفيد: ((.. فأما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو عَلَم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ..)) أوائل المقالات: ص38.

وقال الشيخ الطوسي: ((.. الإمام لا يعلم أنه إمام إلا ينصّ عليه نبي، فإذا نص عليه النبي، أو ادعى هو الإمامة جاز أن يظهر الله تعالى على يده علماً معجزاً، كما نقوله في صاحب الزمان إذا ظهر، فصار النص هو الأصل ..)) الاقتصاد: ص194.

وفي ذكر الطريقين معاً تفصيلاً، قال العلامة الحلي: ((.. اعلم أن الناس اتفقوا على أنّ الإمام لا يصير إماماً بنفس الصلاحية للإمامة، بل لابد من أمر متجدد .. ثم اتفقت الأمة بعد ذلك على أنّ نص النبي (ص) على شخص بأنه الإمام طريق إلى كونه إماماً، وكذلك الإمام إذا نص على إنسان بعينه على أنه إمام بعده، ثم اختلفوا في أنه هل غير النص طريق إليها أم لا، فقالت الإمامية: لا طريق إليها إلا النص بقول النبي (ص) أو الإمام المعلومة إقامته بالنص، أو بخلق المعجز على يده ..)) كتاب الألفين: ص42.

 

قالوا: إذا كانت مسألة معرفة الامام بالنص واضحة بالروايات وأقوال كبار علماء الشيعة إلى هذا الحد، فما معنى ما نسمعه من بعض المحسوبين على أهل العلم اليوم ؟!

قلت: وماذا تسمعون منهم بخصوص منهج وقانون التعرف على الامام من آل محمد (ص) ؟

 

قالوا: يقولون إنه يتم التعرّف عليه من خلال أمور أخرى كحفر بركة والاتيان بالسباع فيها ثم رميه لها، فإن أكلته فقد بطلت إمامته ودعوته وإلا صدقناه !! أو أنّ قدمه تؤثر وتنطبع في الحجر أينما سار !! أو من خلال معرفته بكل اللغات، أو أنه لا ظل له !! وما شابه، ويزعمون أنّ هذا هو ما دلت عليه الروايات.

قلت: أسفي على زمن صار العباد فيه يقترحون قانوناً للتعرف على خليفة الله في قبال قانون الله الذي خص به خلفاءه وارتضاه طريقاً معرفاً بهم !!

من تشيرون لهم، يعرفون قبل غيرهم أن الكلام هو في مسألة عقائدية والعقيدة لا يصح فيها الاستدلال اثباتاً أو نفياً إلا إذا كان الدليل يورث العلم لا الظن، ولهذا اشترط العلماء أن يكون الدليل المقام فيها إما آية قرآنية محكمة الدلالة، او رواية متواترة، وبعضهم اضاف الدليل العقلي القطعي الذي لا يختلف فيه اثنان. ومن ثم نسألهم: هل أقمتم شيئاً من هذا وهم يؤسسون لمسألة عقائدية غاية في الخطورة ألا وهي بيان طريق التعرف على خلفاء الله ؟!!

نعم، ما ذكروه ليس إلا ظنون وتخرصات، وبالوسع الرجوع الى كتاب (رسالة في وحدة شخصية المهدي الاول والقائم واليماني) أحد اصدارات الدعوة اليمانية المباركة، فقد تمت مناقشة ما أتوا به كحجة على عقيدتهم المبتدعة.

 

قالوا: لا تكتفي بإحالتنا إلى الكتاب المذكور، وليتك ذكرت مثالاً لما احتجوا به لتتوضح الحقيقة ونعدك بالرجوع الى ما أشرت إليه ؟

قلت: إنّ ما يستدلون به إما أنه لا أصل له أساساً، كالحكاية المنسوبة لامرأة اسمها زينب الكذابة وهي تُروى مرة أنها حصلت في زمن الامام الرضا (ع) وأخرى أنها حصلت في زمن الامام الهادي (ع)، فهم يحتجون بها لإثبات عقيدة والحال أنها مجرد حكاية لا يعرف لها أصل ولا فصل، بل فيها مخالفة للثابت من سيرة رسول الله (ص) الذي نهى عن المثلة ولو بالكلب العقور في حين أنّ الحكاية تصور أنّ الامام (وحاشاه) مثّل بالمرأة وأمر برميها إلى السباع لتقطيع جسدها !! تعالوا آل محمد (ع) عن ذلك علواً كبيراً.

ثم مَنْ من خلفاء الله جاء قومه في يوم دعوته الأول محتجاً بما اقترحه هؤلاء السفهاء، فهل قال علي (ع) أو أحد أبنائه المعصومين (ع) لأقوامهم تعالوا واحفروا لنا حفائر وإن لم تأكلنا السباع فصدقوا بإمامتنا لكم !! أو انظروا إلى أجسادنا فهي لا ظل لها أو أقدامنا فهي تؤثر في الارض الصلبة أينما سرنا ؟! 

هل سمعوا كلام الحسين (ع) يوم عاشوراء وهو يحتج على من خرج لحربه بفتوى شريح الملعون بماذا أثبت حقه ليقتدوا به وهم يزعمون أنهم شيعة !! هل قال (ع) لهم ما يقولونه هم اليوم لاتباعهم، أم رأيناه (ع) ناشدهم حقه من خلال وصية جده المصطفى (ص) به بأخيه الحسن (ع) ومن خلال علمه بكتاب الله !!

ولكن حقاً إذا لم تستح فاصنع ما شئت ولله في خلقه شؤون.

 

قالوا: رأيناك ذكرت أنّ لله سبحانه قانوناً به يعرف الناس حجته، فهل للوصية المقدسة – موضع البحث – ربط بذلك القانون الالهي ؟

قلت: نعم، لها تمام الربط وهي أس معادلة القانون الالهي، وهذا ما سنتعرف عليه في محطتنا اللاحقة باذن الله.