كلمة السيد احمد الحسن عليه السلام بمناسبة ذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
"بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عظم الله أجوركم بذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه. وفي هذه المناسبة الأليمة أتعرض لثلاثة أمور أرى ضرورة التعرض لها والتذكير بها. أولاً: حكومة بني العباس في زمن القائم من آل محمد صلوات الله عليهم، وقد تعرضت لها وتعرض لها كثيرون، وهنا أحب التذكير لعل الذكرى تنفع المؤمنين. ورد ذكر حكومة بني العباس الظالمة الطاغية في آخر الزمان وقد كرر الأئمة عليهم السلام ذكرها والتأكيد عليها، وعلى أنها تكون في زمن الإمام القائم من آل محمد في آخر الزمان، وأنها محاربة ومنكرة له مع ادعاء موالاة آبائه عليهم السلام. وبالطبع تسمية الأئمة عليهم السلام لهؤلاء بالعباسيين لكون حالهم كحال العباسيين؛ فكانوا يدعون موالاة علي وآل محمد ولكنهم يحاربون الإمام الصادق والكاظم صلوات الله عليهم وينكرون حجيتهم وإمامتهم. وما تأكيد الأئمة عليها إلا لعلة حكيمة، ولا يوجد علة أرقى وأعظم وأبين في المقام من كون التعرف على نظام حكم بني العباس في آخر الزمان يكفي للتعرّف على قائم آل محمد ودعوته حيث يكون هَمُّ حكومتهم العباسية هو القضاء عليه وعلى دعوته وشيعته. ثانياً: قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "همج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق". ما هي الريح؟ باختصار هي ما يسود في الأجواء في وقتهم سواء نتيجة التطبيل الإعلامي أو القوة والسلطة… إلى آخره، والهمج الرعاع وتصفيقهم لشخص لا يعني أنه محق بحال بل كل ما يعنيه في كثير من الأحيان هو مصداق لقوله تعالى {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، فجيش الأمويين قتل الحسين عليه السلام وأخذوا بنات محمد صلى الله عليه وآله سبايا وكان الهمج الرعاع يصفقون ويرقصون فرحاً أو صامتون، ولكن هذه الحفلة ودك ورقص بعض رجال الدين والسلطة الحاكمة ومن شايعها في وقتها، هل دام؟ هل استمر؟ الواقع يقول لا! بل جاء جيل بعد جيل المطبلين والراقصين وبصق على قبورهم ولعنهم وهكذا تحقق خسرانهم للدنيا تماما بعد خسرانهم الآخرة. فهكذا أصبحوا سبة ولعنة على لسان كل الناس صغيرهم وكبيرهم. حقيقة حياة الإنسان قصيرة. لا تستحق هذه الحياة القصيرة المكتظة بالألم والمواجع والمنغصات التضحية بالآخرة لأجلها أو خسران الإنسان لنفسه ليصبح وحشاً مسخاً كل همّه نفسه وسمعته وحياته، بل الأمَرُّ والأعظم خسراناً أن يفعل كل هذا الشر للدفاع عن آخر يتوهم صلاحه أو حتى يعلم بفساده ولكنه يفعل ليرضيه لأجل مصلحة دنيوية رخيصة فيكون بهذا قد باعَ آخرته بدنيا غيره. ثالثاً: ما نسمعه اليوم من الحكم بسجن بعض الأشخاص الذين ينشر بعضهم فيديويات تافهة أو لا أخلاقية أو كما تسميها الحكومة العراقية "مستوى هابط" يحكم عليهم بالسجن، بالحقيقة هذا الحكم بالسجن على هؤلاء هو جريمة ولا علاقة له بالعدالة أو الإصلاح، وأنا مضطر للكلام عن هذا الموضوع لتعليم وتعريف الناس بالإصلاح الحقيقي وطرقه والتي ليس منها الانتقام والمبالغة في العقوبة والسجن والتنكيل والإهانة، فإصلاح المجتمع أو المفسدين في المجتمع بعيد كل البعد عن هذه التصرفات التي يمكن وصفها بأنها ردود أفعال انتقامية ومبالغ بها لا تصدر من شخص عاقل متزن فضلا عن أنه يدعي تمثيل العدالة وإجراءها بين الناس كبعض القضاة في العراق. ونحن في أيام ذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر، فلنمر على سلوكه الإصلاحي والأخلاقي مع الفسقة والمفسدين والذين ينشرون الفسق والرذيلة في المجتمع، ولعل أبرز قضية هي قضية بشر الحافي أو ما عرف بعد ذلك بشيخ بشر الحافي، وقد رواها العلامة الحلي رحمه الله في منهاج الكرامة عن سلفه، وسأقصها كما أعرفها وهو الصحيح: وبشر هو شخص ثري ومن كبار تجار بغداد في العصر العباسي وله علاقات مع الخلفاء والوزراء وغيرهم، فكان يقيم حفلات الغناء وشرب الخمر والرقص والتعري في قصره، باختصار كان بيته عبارة عن ملهى للأثرياء ورجال السلطة ومكان لنشر الفساد والرذيلة، يعني هؤلاء الذين ينشرون المحتوى الهابط، كما يوصفون والذين يحكم عليهم نظام الحكم الحالي في العراق وبعض القضاة بالسجن سنتين أو أكثر أو أقل، لا يمثلون شيئا أمام بشر أو ما كان يفعله من نشر للفساد والرذيلة. عموماً… مرت الأيام والأشهر والسنين وهذا حال بشر وبيته. وفي يوم خلال فترة إطلاق سراح موسى بن جعفر - وطبعا سألني أيضا بعض الأحبة هل أطلق سراح موسى بن جعفر؟ نعم أطلقه هارون في فترة وأبقاه في بغداد طبعاً لأن هارون رأى رؤيا منذرة في وقتها فأطلقه فترة من الزمن وبقي في بغداد - عموماً… أثناء سير الإمام في بغداد مر من أمام قصر بشر وكان ملهى بشر يضج بالفساد والصوت يسمعه المارة، وفي هذه الأثناء خرجت جارية من الباب فسألها الإمام عليه السلام: "لمن هذه الدار؟"فقالت: "لسيدي". قال لها الإمام: "سيدك هذا حر أم عبد؟" قالت: "بل حر." قال: "صدقتِ، لو كان عبدا لله لاستحى من الله." ومضى الإمام في طريقه، وكان الإمام يعرف من هو بشر ومكانته عند السلطة الحاكمة ويعرف أن القصر عائد لبشر. المهم… عادت الجارية وقصت لبشر ما جرى، ووصفت المتكلم لبشر فعرف أنه الإمام موسى عليه السلام الذي سجنه هارون وتضيق عليه السلطة العباسية. وقال: هذا والله موسى بن جعفر! فخرج بشر حافيا يركض في الطريق العام لعله يلحق الإمام موسى بن جعفر، ولم يلحق بشر الإمام بوقتها لكن كلمة الإمام غيرت بشر، فتحول من شخص فاسق مفسد ناشر للفساد إلى عابد صالح مخلص وولي من أولياء الله سبحانه، ولما توفي بشر خرج أهل بغداد لتشييعه، سنتهم وشيعتهم، وضجت بغداد في يوم وفاته من الفجر حتى المساء. لم يرفع الإمام موسى بن جعفر سوطاً، ولم يسجن أو يعاقب بشر بل حتى لم يصف بشراً بكلمة يمكن أن تزعجه هذا هو المصلح الحقيقي، والقدوة الحقيقي في الإصلاح، أما السجن المبالغ به والعقوبات الانتقامية فهي غالبا سلوك الطغاة وقضاتهم المسيسين وهو سلوك عبثي وظالم ومؤشر على الطغيان لا أكثر وعاقبته وخيمة، وعند الصباح يحمد القوم السُرى الذين أخلصوا لله وتركوا الظلم والطغيان وتبرؤوا منه. السلام عليكم أيها الأحبة وعظم الله أجوركم بذكرى فقد راهب بني هاشم وباب الحوائج سيدنا ومولانا الإمام موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه عليه. والحمد لله رب العالمين."