بحث آية إكمال الدين (الثلاثاء 19 مايو 2015 م)

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين و سلم تسليما كثيرا
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
أتقدم بالشكر لإدارة الملتقى الإسبوعي لمعهد الدراسات العليا الدينية واللغوية
كما أشكر الحضور الكريم والمستمعين ...
ورحم الله الذين يستمعون القول ويعونه ويتبعون الحق الذي فيه وإن خالف أهواؤهم وما وجدوا عليه آباؤهم وكبراؤهم ...

موضوعنا اليوم هو آية إكمال الدين ...

قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

الذي اكتمل بحسب هذه الآية هو الدين؛ والدين هو الشريعة والعقيدة، والقول بعدم اكتمال أحدهما يتعارض مع ظاهر الآية كما أن عدم إكتمال أي منهما في واقعِ حال وفي أطروحةِ أي طائفة إسلامية يعني أن هذه الطائفة غيرُ محقةٍ لأن واقع حالها يخالف ظاهراً قرآنياً جلياً.

السلفيون أو الوهابيون والسنة عموماً يشرّعون بالأمس واليوم دون وجود نصٍ عن المعصوم في مسائل كثيرة من المستجداتِ الحياتيةِ التي تتطلب حكماً شرعياً تعبدياً - وكمثال الصلاة في المناطق القريبة من القطب - وبالتالي فواقع حالهم يقول إن الدين عندهم غيرُ مكتملٍ ولهذا اضطَّروا للتشريعِ بالآراءِ عند فقد النص،
كما أنهم أيضاً مختلفون فيما بينهم في العقيدة اختلافا كبيرا؛ فالسلفيون أو الوهابيون مثلاً يعتقدون بأن لله عينين ويدين وأصابع على الحقيقة، والأشاعرة كالأزهر لا يعتقدون بهذا بل يعتقدون بفساد العقائد السلفية الوهابية ...

أما آل محمد (صلوات الله عليهم) فاكتمال الدين عندهم بتنصيب خليفة الله حيث إنه (صلى الله عليه وآله) من يتكفَّل بيان العقيدة الحقَّة والتشريع بأمر الله، وبالتالي لا توجد ثغرةٌ و لا تناقضٌ بين هذه العقيدة وبين ظاهر آية إكمال الدين،
فالدين يكتمل بتنصيب الناطق عن الله أو خليفة الله بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وبهذا يكون الدين عقيدةً وتشريعاً قد اكتمل، فلا توجد ثغرة في هكذا دين يسدّها فقهاء غير معصومين بآرائهم وأهوائهم كما هو الحال في الاعتقاد السني المتعارض مع ظاهر الآية .

أما مسألة غيبة المعصوم فنحن نقول: إن غياب المعصوم هو عبارة عن عملية تغييب له نتيجة عدم وجود القابل له ولمشروعه الإلهي - كما هو لا كما يفترضه ويتوهمه المنتظرون المفتَرَضون - وبالتالي فلا تعارض بين هذه العقيدة وبين ظاهر آية إكمال الدين.
نعم، التعارض مع آية إكمال الدين يكون في ساحة من يعتقدون أنَّ المعصوم غاب وترك التشريع ليتبرّع فقهاءٌ غير معصومين ويشرّعوا في دين الله أو في المستجدات بآرائهم، ثم ليزيدوا الطين بلةً ويفرضوا على المؤمنين عقيدةَ وجوب تقليد غير المعصوم والنيابةَ عن المعصوم.

والحقيقة إنه لا سبيل للتوافق مع ظاهر آية إكمال الدين سوى بما نقول ونعتقد من أنَّ إكمال الدين إنما صار بتنصيب خلفاء الله بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) والذين يشرّعون ويوصلون التشريع من الله للناس،
وأنَّ الإمام مغيّب لعدم وجود القابل،
وأنَّ الزمانَ السابق لظهور المهدي الأول المذكور في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو زمان فترةٍ،
وأنَّ الناس فيه مُرجون لأمر الله وغير مستحقين للثواب وإنما يثابون برحمة الله سبحانه وتعالى.

فالآية تثبت بطلان كل منهج يقول بجواز خلو الزمان من خليفة الله كالمنهج السني أو السلفي الوهابي،
وأيضاً تثبت بطلان كل منهج يقول بغيابٍ للمعصوم دون تقصير الأمة وعدم وجود القابل،
فالآية تتعارض مع هذه المناهج في الصميم.
حيث إن الدين عندهم - وبحسب واقعهم العملي - غير مكتملٍ إلهياً بخليفةٍ إلهي منصب من الله أو من نصبه للتواصلِ مع الناس كالسفراء، وانما يكمّله فقهاءٌ غير معصومين تبرّعاً وتطفّلاً في فترةٍ ما ليشرّعوا بالظن ويُنتجوا أحكاماً - هم يقولون - إنها ليست حكم الله الواقعي،
وبالتالي فهم أنفسهم يقرّون أن الدين عندهم - وبحسب أطروحتهم - ناقص وغير مكتمل،
وبالتالي فهم يقرّون من حيث لا يعلمون أن أطروحتهم العقائدية تتعارض مع آية اكمال الدين.

ويجب الالتفات إلى أمرٍ في غاية الأهمية:
وهو أن كلا المنهجين يرميان التقصير في ساحة الله و ساحة خليفة الله أو المعصوم، حيث يفترضان أنَّ الله ترك الدين لهم ليشرّعوا في كل ما يستجدّوا ويحتاجوا إلى حكمٍ شرعي،
فبدلاً من أن يقرّوا هم بالتقصير - كونهم رافضين لخليفة الله المنصب أو من ينوب عنه - يفترضون أنَّ الله ترك الدين لأشخاصٍ غير معصومين وغير منصبين من المعصوم ليشرّع كلٌ منهم برأيه وبدون أي نصٍ شرعي،
وهذا في الحقيقة طعن صريح بحكمة الله إضافة إلى أنه - كما تقدم - يتعارض مع قول الله سبحانه من أنَّه أكمل الدين.

إذاً؛ خلصنا في هذا المختصر إلى :
• ان هناك منهجاً يفترض خلو الأرض من الحجة؛ ومثاله المنهج السني أو السلفي، وهو منهج واعتقاد يعارض ظاهر النص القرآني في مواضع منها آية اكمال الدين كما تبين.
• أما المنهج الآخر فهو الذي يقر بأن الزمانَ لا يخلو من الحجةِ و لكنه يقول بأن الحجةَ يمكن أن يغيب مع وجود القابل دون أن ينصب وينص على من يقوم مقامه بعينه ليقوم هذا النائب بإيصال حكم الله الواقعي، وبالتالي فمن يسد النقص في الدين هم فقهاء متبرعون من أنفسهم وغير منصبين من حجة الله، وتعارض هذا المنهج مع آية إكمال الدين واضح، فبحسب واقع حالهم؛ الله لم يكمل الدين ولهذا فالحل عندهم أن يتبرّع فقهاء غير منصبين ولا منصوصاً عليهم بأعيانِهم لسد النقص بأحكامهم وفتاواهم التي لا تمثّل حكم الله الواقعي، والحقيقة إن هذا المنهج لا يفترق عن سابقه كثيراً فكلاهما يتعارضان مع آية اكمال الدين.
• أما المنهج الثالث - فهو ما طرحناه - وهو أن الزمان لا يخلو من الحجة و لا يصح أن يغيب الحجة ما لم ينصب من ينوب عنه، وفي حال غاب ولم ينصب من ينوب عنه علناً فتكون الأمة ككل مقصرةً ومنحرفةً عن الحق وليس فيها القابل للمنهج الإلهي الصحيح، وفي هذا الحال تُقام الحجة بتعيين الرسول أو النائب ولكن لا يُطلب منه الإعلان والتواصل مع الناس لعدم وجود القابل له
وفي هذا الحال تكون الأمة المؤمنة بخلفاء الله في زمانِ فترة (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ويكون حال أفرادها أنهم مُرجَون لأمر الله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) كحالِ الأحناف قبل بعث الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وكحالِ الشيعة قبل بعث المهدي الأول المذكور في وصية الرسول محمد (صلى الله عليه وآله).
في كتاب الغيبة للنعماني ... عن شعيبِ بن أبي حمزةِ، قال:
"دخلتُ على أبي عبد اللهِ (عليه السلام) فقلتُ له:
أنتَ صاحبُ هذا الأمر؟ فقالَ: لا.
فقلتُ: فولدُك؟ فقالَ: لا.
فقلتُ: فولَدُ ولَدِك؟ فقالَ: لا.
قلتُ: فولَدُ ولَدِ ولَدِك؟ قالَ: لا.
قلتُ: فمن هو؟
قالَ: الذي يملأها عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، لعلى فترةٍ من الأئمةِ يأتي كما أنَّ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ) بُعثَ على فترةٍ من الرسُل"

فالخلاصة: أنه لا يوجد منهج ينزّه ساحة الله من التقصير وكذلك يتطابق مع آية إكمال الدين ولا يتعارض معها غير المنهج الذي طرحناه وهو أن الزمان لا يخلو من
• حجةٍ ظاهرٍ متصلٍ بالأمةِ مباشرةً
• أو من خلال سفراء في حالِ وجود مانعٍ
• أو حجةٍ غائبٍ غير متصلٍ بالناس وفي هذا الحال فالزمان هو زمان فترة لعدم وجود قابل والمؤمنون فيه مقصّرون وحالهم أنهم مُرجَون لأمر الله.

والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
]

السيد أحمد الحسن عليه السلام
30 رجب 1436 هـ . ق
الثلاثاء 19 مايو 2015 م