من هو السيد المسيح (ع)

من هو السيد المسيح (ع)
إضاءات من دعوة عيسى (ع)

الحقيقة إن دعوة عيسى ع هي من أعقد وأصعب أنواع الدعوة إلى الله سبحانه، وذلك لأنها كانت في مجتمع المفروض انه مجتمع أيمان لم تتلوث عقائده بشرك وثني بيِّنٍ، كما إن عيسى ع كانت عليه مواجهة علماء وأحبار بني إسرائيل المتمرسين بالكلام والجدل في العقائد وغيرها من الأمور الدينية، ولهذا امتازت دعوة عيسى بأمور منها:

1- الزهد في الدنيا:

وكان أبرز مصداق لهذا الزهد هو عيسى ع وحواريه الاثنا عشر، وكان هذا الزهد الذي بالغ عيسى ع في إظهاره إلى الناس، علاجاً لحالة الترف المستشرية في علماء بني إسرائيل، الذين انسوا الحياة تحت سلطة الكفار الرومان، وأمسوا كالحيوانات في المعالف لا يهمهم إلا التقمم والاكتراش.

وبهذا أظهر عيسىع وحواريه لبني إسرائيل واليهود بل وللناس جميعاً ما يجب أن يكون عليه حال العالم الرباني العامل المخلص لله من الإعراض عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، وخصوصاً في المجتمعات الإنسانية التي أنهكها التسلط الطاغوتي، ولم يبقَ فيها للفقراء رغيف يقتاتون به بكرامة، كما ولم يبقَ لهم منهج فكري سليم يستضيئون به، بعد أن أغرقهم في الفساد الأخلاقي والاجتماعي.

ومن هنا كان زهد عيسى وحواريه فضيحة أخزت علماء بني إسرائيل وأظهرت للناس الصراط المستقيم والمنهج القويم، الذي يجب أن يسلكه العالم الرباني والقائد الإلهي، ليكون نوراً يستضيء به الناس ويقتدون به، ومخلصاً لهم من سلطة الطاغوت، وقائداً إلى الله الواحد القهار.

2- الإخلاص في عبادة الله سبحانه:

اليهود لم يكونوا يعبدون الأصنام عندما بُعث عيسى، ولكنهم كانوا يدفعون الجزية لقيصر، وكانوا يتابعون علماءهم في كل ما يشرعون لهم، ويقلدونهم تقليداً أعمى، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([1]).

وهذه الأعمال هي شرك بالله سبحانه وتعالى، فهم لم يكتفوا بترك الجهاد ورفض تواجد قوات الرومان الكافرة على الأرض المقدسة، أرض الموحدين، بل عملوا على تقوية دولة المحتل والطاغوت وتثبيت سلطانه بدفع الجزية لقيصر الروم، ليمسوا بهذا العمل عبدة طاغوت لا موحدين يعبدون الله، وإن ادعوا ذلك، ثم إنهم تابعوا علماءهم عندما خالفوا شريعة الأنبياء والأوصياء، وهذا العمل عبادة للعلماء الضالين من دون الله سبحانه، لأن العلماء الضالين يضعون رأيهم مقابل تشريع الله سبحانه، ويطالبون الناس باتباعهم، ويوهمون الناس أن طاعتهم هي طاعة الله، بينما في مثل هذه الحالة تكون طاعتهم طاعة للشيطان لعنه الله وأخزاه.

ولهذا انبرى عيسى ع يعلم الناس ويبين لهم هذه الحقائق الإلهية ويدعوهم للإخلاص في عبادة الله سبحانه وتعالى مرة، وللكفر بالطاغوت ومحاربته وهدم أركان دولته الاقتصادية والعسكرية والإعلامية مرة أخرى.

يدعو عيسى ع الناس للتمرد على علماء بني إسرائيل، الذين نصّبوا أنفسهم للتشريع مقابل الله سبحانه وتعالى، ودعوا الناس لطاعتهم واقتفاء آثارهم، فأضلوا الناس بعد أن كانوا هم أنفسهم ضالين، حيث جعلوا أنفسهم أرباباً تعبد من دون الله سبحانه وتعالى.

3- العدل والرحمة:

بدون عدل ورحمة تمسي الحياة مظلمة ليس فيها إلا الحيف والجور والقسوة والألم، والطاغوت بلا عدل ولا رحمة، فبالجور والغلظة والقسوة يبقى فرعون ونمرود وقيصر وأمثالهم على كرسي الحكم، ويسيطرون على دفة القيادة الشيطانية، ليقودوا أتباعهم ومن سار في ركبهم إلى هاوية جهنم، ومن يتوقع من طاغية شيئاً من الرحمة والعدل، يكون كمن يريد أن يشم من جيفة أو نجاسة ريحاً طيبة.

ولهذا كان السلاح القوي بيد الأنبياء ع هو العدل والرحمة، وهكذا انطلق عيسى ع ينشر ويدعو للعدل والرحمة في المجتمع، العدل الذي ضيعه علماء بني إسرائيل، عندما استأثروا بأموال الصدقات واخذوا يشرعون وفق أهواءهم وتخرصاتهم العقلية الخرقاء، والرحمة التي لم يعرفها الناس في ظل الطاغوت.

وشملت رحمة عيسى ع حتى جبات الضرائب الذين يعملون لقيصر بشكل مباشر، فحاول استنقاذهم وتخليصهم من النهاية السوداء المظلمة التي تنتظرهم إذا استمروا يسيرون في ركب قيصر.

(([1] التوبة:31.