محطات على ضفاف الوصية المقدسة: المحطة الأولى: وجوب الوصية عند حضور الموت

قالوا: أي وصية تريد الوقوف على ضفافها ؟

قلت: وصية رسول الله محمد (ص) عند حضور الموت.

 

قالوا: لماذا نراك ذكرت (الموت) أثناء ذكرك للوصية ؟

قلت: لأن الله سبحانه اشترط فيها ما ذكرت، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} البقرة: 180.

 

قالوا: وما يدرينا أن رسول الله (ص) أوصى ؟ فربما مات ولم يوص كما يتناقل ذلك بعض الشيعة وكثير من السنة ؟

قلت: الآية التي ذكرتها فيها لفظان يؤكدان وجوب الوصية؛ هما: (كتب، حقاً على)، وإذا توضح لكم الوجوب فهل يعتقد مسلم أن نبيه (ص) مات وهو تارك لواجب الهي أو مخالف لمحكم كتاب ربه ؟! حاشاه أرواحنا فداه.

 

قالوا: أن الآية اوجبت الوصية على من ترك خيراً، ورسول الله (ص) لم يترك أموالاً ليوصي بها ؟

قلت: من أين عرفتم أنه (ص) لم يترك أموالاً ؟! ولا أقل أنّ ابنته الطاهرة فاطمة (ع) - التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها كما نصت الروايات لدى الفريقين - جاءت أبا بكر مطالبة إياه بفدك إرثها من أبيها (ص) وقد غصبوه ظلماً، فجرى ما جرى من تكذيبها وعلي (ع) معها، والقصة معروفة تؤلم الغيور. 

 

قالوا: لكن الأموال ليست بذي بال عنده (ص)، وربما لا يراها (ص) خيراً أساساً ليوصي بها، فتراه يوصي بماذا ؟

قلت: الخير غير محصور بالأموال، والله سبحانه يصف الحكمة بأنها خير كثير وهي ليست أموالاً ولا ممتلكات، قال تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 269]. بل واضح أنه (ص) ترك خيراً كثيراً وهو منصب الخلافة الإلهية في الأرض بعد انتقاله إلى ربه، فمن سيخلفه فيه وإلى من يعهد به ؟! وصيته بذلك الخير هي التي توضح ذلك.

 

قالوا: ولكن الآية التي أوجبت الوصية تم نسخها بآية المواريث التي نزلت بعدها وقد وردت في ذلك رواية عن أبي بصير عن المعصوم (ع) قوله: (هي منسوخة نسختها آية المواريث) ؟

قلت: إن خليفة الله هو من يحدد لنا النسخ ومقداره، ومن نقلتم عنه النسخ روحي فداه استشهد بالآية نفسها في بعض موارد وجوب الإيصاء، وأكيد أنّ هذا ينفي وهمكم بأنها منسوخة مطلقاً وفي جميع موارد الايصاء.

 

قالوا: اوضح لنا اكثر ما تريد بيانه ؟

قلت: الايصاء مرة يكون بمال وممتلكات وما شابه لوارث يرثه، وأخرى يكون بأمر آخر كالخلافة الإلهية وسبيل هداية العباد وتقوى الله ونصرة خليفة الله بالمال والنفس وما شابه، ومعلوم أن كل إنسان يوصي بحسبه، ولا ينتظر احد أن تكون وصيته ووصية رسول الله (ص) واحدة !!

وإذا توضح هذا، فأقصى ما يدل عليه الحديث المنقول في السؤال السابق أن آية وجوب الايصاء منسوخة بالنسبة إلى وجوب الوصية بالمال للورثة، فقد نسخته آية المواريث وبينت نصيب كل واحد منهم. وأما وجوب الوصية في أمور الخير الأخرى فلا زال باقياً على حاله والآية دالة على وجوب الايصاء به.

 

قالوا: هلا أتيت بمثال حدد فيه آل محمد (ع) موردا لوجوب الايصاء ذكروا فيه آية (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ..) ؟

قلت: هناك أمثلة عديدة، هذا مثال منها: عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ("الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"، قَالَ: هُوَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ. قُلْتُ: فَهَلْ لِذَلِكَ حَدٌّ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هُوَ ؟ قَالَ: أَدْنَى مَا يَكُونُ ثُلُثُ الثُّلُثِ) [الفقيه: ج4 ص235].

فالامام الصادق (ع) استشهد بالاية على نصرة المؤمن لخليفة الله في زمانه من خلال الوصية بثلث المال او ببعضه إليه، وأنه يجب عليه أن يوصي بذلك. نعم، هم (ع) أهل الكرم والرحمة والفضل علينا دائماً وربما يسقطون ذلك الواجب عن شيعتهم كما فعل الامام المهدي (ع) بالنسبة للخمس في غيبته، ولكنه أمر واجب بنص الآية، ولو كانت منسوخة بالمرة كما توهمتم لما استشهد (ع) بها على وجوب الايصاء بهذا الأمر.

 

قالوا: إذن، لخّص لنا ما تريد قوله في محطتك الاولى ؟

قلت: تبين لنا أنّ الله سبحانه أوجب على المتقين الوصية عند حضور الموت بنص كتابه الكريم، والنبي (ص) سيد المتقين فأكيد أنه (ص) أوصى عند موته.

 

قالوا: ليكن الأمر كما تقول، ولكن ما فائدة معرفتنا بهذا الأمر ؟

قلت: هذا ما سأترك بيانه للمحطة الثانية إن شاء الله

 

المصدر : الفيس بوك .. الصفحة الرسمية للشيخ علاء السالم