بطلان علم الرجال
وهذا يعني أن عدد الرواة في تراثنا الحديثي كبير جداً، ولعل قد فات النمازي كثير من الرواة لم يحط بهم .. ولو نظرنا الى الأصول الرجالية نظرة سريعة لوجدنا أنها لم تتناول حتى عشر الرواة ... فضلاً عن التناقض بينها والخطأ الواقع فيها .. واعوجاج المنهج ...الخ، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك في المداخلات الآتية إن شاء الله تعالى.
وباختصار أقول:
1 – لا توجد مادة رجالية كافية ولا معتد بها مقارنة مع عدد الرواة الهائل الذي اثبتته المستدركات المعاصرة .. فلا يمكن القول بأن كل من لم يذكره علماء الرجال فهو مجهول أو مهمل أو ضعيف.
2 – بل لا يمكن الجزم بأن كل من وثقه علماء الرجال فهو ثقة وكل من ضعفه علماء الرجال فهو ضعيف .. لعدم ابتناء الكتب الرجالية على أساس ومستند تطمئن اليه النفس .. فضلاً عن عدم المؤمن الشرعي لهكذا نهج مبتدع.
3 – لا يوجد كتاب – الان - مختص بذكر أحوال الرواة بنصوص أهل البيت (ع) سوى كتاب اختيار معرفة الرجال الذي هو مختصر لرجال الكشي ..اختصره وانتقاه الشيخ الطوسي رحمه الله، مع أنه أيضا تطرق كثيراً الى وصف الرواة بكلمات العلماء .. أي إنه ليس مقتصراً على نصوص أهل البيت (ع) فقط.
وهذا الكتاب لم يذكر إلا عدداً قليلاً جداً من الرواة نسبة الى العدد الذي اثبتته المستدركات المتأخرة، فقد بلغ ترقيم كتاب رجال الكشي (519) ترجمة (حسب طبعة مؤسسة الأعلمي ط1 1430 هـ تقديم وتعليق السيد أحمد الحسيني) مع أن هناك أسماء مكررة كثيرة في هذا العدد.
فهذا العدد قليل جداً إن قسناه مع (15000) راوٍ حسب ما ثبت كما تقدم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الروايات الواردة في كتاب رجال الكشي بلغت تقريبا (1151) حسب تتبعي، الضعيف منها - حسب نظرة سريعة عليها وحسب ما افاده المحقق الخوئي في بعض رواتها – (530) رواية وخبر .. أي ما يقارب النصف .. وطبعاً كانت متابعتي هذه سريعة وحسب ما يحضر في ذهني من تراجم الرواة ولو دققت أكثر لفاق العدد نصف روايات رجال الكشي.
ونتج عن ضعف (530) رواية أن تكون (164) ترجمة ضعيفة السند، فإن طرحناها من مجموع (519) ينتج (355) ترجمة معتبرة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك (60) ترجمة مشهورة، لا تتوقف معرفتها على رجال الكشي، وهناك (24) ترجمة لا يستفاد منها مدح أو ذم، أي أن مجموع تراجم الكشي التي يمكن – ابتداء – أن نقول أن لها قيمة وأفادت بجديد هو (248) ترجمة فقط ، وما زال المقص يتتبعها.
فهذا أبرز أصل رجالي لم نجد له قيمة علمية مختصة به إلا في (248) راوٍ، فبربكم إذا قسنا هذا العدد الى (15000) أي نسبة تظهر ؟!
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تراجم الكشي سواء كانت الضعيفة السند أم المعتبرة السند كثير منها توثيق أو مدح أو جرح صادر من قبل بعض العلماء المتقدمين، وهذا فيه كلام طويل يأتي إن شاء الله تعالى، وأما ما كان عبارة عن روايات عن أهل البيت (ع) فما كان منها ذماً فكله إلا ما ندر لا يعني رد روايات المذمومين، لأنه إما ذم بسبب انحراف عقائدي أو فسق، والمشهور عندكم أن الفسق والانحراف العقائدي لا يستلزم الضعف في النقل، وما كان منها مدح وتوثيق فنحن لا نرفضه وفي نفس الوقت لا نجعله ميزاناً لقبول الرواية.
بل حتى الذي روى فيهم الكشي النص عن أهل البيت بكذبهم، نجد مثلا المحقق الخوئي يوثق أحدهم وهو أبو الجارود.
فقد روى الكشي بسنده الى أبي بصير قال : [ذكر أبو عبد الله عليه السلام كثير النواء ، وسالم بن أبي حفصة ، وأبا الجارود ، فقال : كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله ، قال قلت : جعلت فداك كذابون قد عرفتهم فما معنى مكذبون ؟ قال : كذابون يأتونا فيخبرونا أنهم يصدقونا وليسوا كذلك ، ويسمعون حديثنا فيكذبون به] اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 495 – 496.
وغيرها من الروايات الذامة بشدة، ورغم ذلك نجد المحقق الخوئي ينتهي الى توثيقه في النقل، راجع معجم رجال الحديث - السيد الخوئي ج 8 ص 332 – 336 برقم 4814.
بل حتى النجاشي والطوسي نجدهم قد ترجموا له ونصوا على انحرافه ولكنهم لم يضعفوه !
وبعد ما تقدم ماذا يبقى من العدد القليل جدا لتراجم الكشي الـ (248)، يا ترى هل يسلم على خمسين ترجمة أم أن المقص ما زال ورائها ؟
فهكذا يجب أن يكون النقد بدون محاباة أو مداهنة، فالحق أحق أن يقال، حتى لا نركض خلف سراب بقيعة يحسبه الضمان ماءً.
4 – بالنسبة الى الأعلام المتقدمين الذين كتبوا في الرجال – على نحو التوثيق او التضعيف - أو في ذكر المصنفين، وقد وصلتنا كتبهم هم:
-
الشيخ الكشي.
-
ضعفاء ابن الغضائري.
-
فهرست الشيخ النجاشي.
-
فهرست ورجال الشيخ الطوسي.
أما كتاب ضعفاء ابن الغضائري فالحديث عنه ذو شجون واختصر على ذكر كلام صاحب الذريعة والمحقق الخوئي، في الجزم بأن هذا الكتاب موضوع ومزور، وانه لم يثبت:
قال آقا بزرك الطهراني صاحب الذريعة:
( وبالجملة لم يعلم بما جرى على كتاب الضعفاء الذي وجده ابن طاوس بعده ، إلى أن استخرج المولى عبد الله التستري المتوفى عن نسخة " حل الاشكال " الممزقة المقالات المنسوبة إلى أبى الغضائري ، ودونها مستقلة وذكر ذلك في ديباجته وأدخلها القهپائي تلميذ المولى عبد الله في طي تراجم كتابه " مجمع الرجال " وأورد ديباجته بعينها في كتابه المؤلف الموجود عندنا بخطه . وقد ذكرنا في ( ج 4 ص 290 ) ان نسبة كتاب الضعفاء هذا إلى ابن الغضائري المشهور الذي هو من شيوخ الطائفة ومن مشايخ الشيخ النجاشي اجحاف في حقه عظيم وهو أجل من أن يقتحم في هتك أساطين الدين حتى لا يفلت من جرحه أحد من هؤلاء المشاهير بالتقوى والعفاف والصلاح ، فالظاهر أن المؤلف لهذا الكتاب كان من المعاندين لكبراء الشيعة وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة ووجه ، فألف هذا الكتاب وادرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويها ليقبل عنه جميع ما أراد اثباته من الوقايع والقبايح والله أعلم . وقد أومى إلى ذلك السيد بن طاوس في تأسيسه القاعدة الكلية في الجرح والتعديل . بان الجرح لو كان معارضا يسقط بالمعارضة ، ولو لم يكن له معارض فالسكون والاطمينان به مرجوح ، بخلاف المدح الغير المعارض فان السكون إليه راجح . . وقد بيناه في ( ج 4 ص 288 س 31 ) ولكون هذه القاعدة مرتكزة في الأذهان جرت سيرة الأصحاب على عدم الاعتناء بتضعيفات كتاب الضعفاء على فرض معلومية مؤلفه ، فضلا على أنه مجهول المؤلف ، فكيف يسكن إلى جرحه ) الذريعة ج 10 ص 89.
وقال المحقق الخوئي: ( وأما الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري فهو لم يثبت ، ولم يتعرض له العلامة في إجازاته ، وذكر طرقه إلى الكتب ، بل إن وجود هذا الكتاب في زمان النجاشي والشيخ أيضا مشكوك فيه ، فإن النجاشي لم يتعرض له ، مع أنه – قدس سره - بصدد بيان الكتب التي صنفها الامامية ، حتى إنه يذكر ما لم يره من الكتب ، وإنما سمعه من غيره أو رآه في كتابه ، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيد الله أو ابنه أحمد وقد تعرض - قدس سره - لترجمة الحسين بن عبيد الله وذكر كتبه ، ولم يذكر فيها كتاب الرجال ، كما أنه حكى عن أحمد بن الحسين في عدة موارد ، ولم يذكر أن له كتاب الرجال . نعم إن الشيخ تعرض في مقدمة فهرسته أن أحمد بن الحسين كان له كتابان ، ذكر في أحدهما المصنفات وفي الآخر الأصول ، ومدحهما غير أنه ذكر عن بعضهم أن بعض ورثته أتلفهما ولم ينسخهما أحد .
والمتحصل من ذلك : أن الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري لم يثبت بل جزم بعضهم بأنه موضوع ، وضعه بعض المخالفين ونسبه إلى ابن الغضائري .
ومما يؤكد عدم صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن الغضائري : أن النجاشي ذكر في ترجمة الخيبري عن ابن الغضائري أنه ضعيف في مذهبه ولكن في الكتاب المنسوب إليه أنه ضعيف الحديث غالي المذهب ، فلو صح هذا الكتاب لذكر النجاشي ما هو الموجود أيضا ، بل إن الاختلاف في النقل عن هذا الكتاب ، كما في ترجمة صالح بن عقبة بن قيس وغيرها يؤيد عدم ثبوته ، بل توجد في عدة موارد ترجمة شخص في نسخة ولا توجد في نسخة أخرى ، إلى غير ذلك من المؤيدات .
والعمدة : هو قصور المقتضي ، وعدم ثبوت هذا الكتاب في نفسه ، وإن كان يظهر من العلامة في الخلاصة أنه يعتمد على هذا الكتاب ويرتضيه . وقد تقدم عن الشهيد الثاني ، والآغا حسين الخونساري ذكر هذا الكتاب في إجازتيهما ، ونسبته إلى الحسين بن عبيد الله الغضائري ، لكنك قد عرفت أن هذا خلاف الواقع ، فراجع ) معجم رجال الحديث ج 1 ص 95 – 96.
وأما فهرست النجاشي المشهور بـ (رجال النجاشي)، فالكلام فيه أيضا ذو شجون، فلا يخلو أن تكون توثيقات وتضعيفات النجاشي إما اجتهادية أو نقلية:
والتوثيقات والتضعيفات الاجتهادية: ليست بحجة علينا وخصوصاً أنها مبهمة أي غير مفسرة، فلا نعرف ما هو منهج النجاشي ولا اسباب جرحه أو توثيقه، فلعل ما يعده قادحاً بنظره في الرواية ليس كذلك عندنا، وكذا العكس.
والتوثيقات والتضعيفات النقلية: فإما أن تكون نقولاً تنتهي الى غير المعصومين، وهذه تفتقر الى السند ثم الى مستند وملاك ومنهج المضعفين، لأن النجاشي لم يعاصر أحداً من أصحاب الأئمة فلابد أن تنقل له أحوالهم بسند.
وإما إن كان هذا النقل ينتهي الى المعصومين (ع) فهو أيضاً يفتقر الى السند ثم ثوثيق رجاله ثم النظر الى هل أن المعصوم تكلم بالذم مثلاً تقية أم على نحو الحقيقة .. ثم النظر الى هل أن ذم المعصوم يقضي التضعيف عندكم أم لا ...الخ.
ولا يخفى أن رجال النجاشي من هذه الجهة مرسل برمته إلا ما ندر ومبهم أيضاً، وباختصار النتيجة أن علم الرجال قتل نفسه بنفسه، وللاخ يا صاحب العصر أن يقيم عليه مأتماً.
وأما رجال وفهرست الشيخ الطوسي، فالكلام فيهما كالكلام عن فهرست النجاشي.
5 – الأعلام المتأخرين هم عيال على المتقدمين في الأعم الأغلب، والكلام فيهم كالكلام في المتقدمين، وزيادة تأتي أن شاء الله تعالى