تعدد الأديان أم الدين واحد / الاستاذ عادل السعيدي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
السؤال المطروح في هذا البحث هو: هل حقاً بأن هناك تعدد للأديان أم أن هناك ديناً واحداً ؟
تعارف لدى الباحثين والسامعين مفردة “الأديان” وما يلحقها من مباحث حول الأديان فنقرأ ونسمع “حوار الأديان” و”تعدد الأديان”، وأن هناك أدياناً مختلفة يجب تركها كما هي وعدم فرض دين على دين، وعلينا التنازل عن بعض الامور في الدين لغاية التقريب بين الأديان، وقد انتجت لذلك مجامع مسكونية – المجمع المسكوني يعني ساكني الارض – للتقريب بين الأديان، بل قد تمت هذه المجامع بالفعل بين الدين الواحد نفسه، فهناك مجامع تفرق فيها اليهود الى طوائف بعد انعقادها، وهناك مجامع بين المسيحيين ابتداء بمجمع نيقية ومجمع خلقدونية وافسس وغيرها تفرق فيها المسيحيون الى طوائف وهكذا كلما اجتمعوا للتقريب خرجوا منها وهم اكثر فرقة، وهذا الحال طبعاً ليس مقتصراً على اليهود والمسيحيين بل تعداه للإسلام، فبعد كل مجمع تقريبي يخرجون منه اكثر تباعداً الى أن وصل بنا الحال الى العبارة الشهيرة (موسى بدينه وعيسى بدينه) حتى أصبحت هذه المقولة أشهر من نار على علم فأغلب الناس يستخدمونها عند اشتداد النقاش في موضوع الدين الحق.
كنت في أيام حكم الطاغية صدام من المعارضين الذين تم زجهم في السجون، وفي يوم ادخل معنا السجن أخ صابئي لم يقبل الأخوة الذين كانوا معي أن يأكلوا معه أو يشاركوه فراشهم فشاركته اكلي وفراشي، وبعد فترة جيء بمسيحي وأيضاً رفضه الذين كانوا معي بحجة أنه مسيحي وليس من ديننا فشاركته أكلي وفراشي، فكانت لهذه الحادثة أثراً في حياتي بعد خروجي من السجن، فيدور في خاطري لمَ نحن بهذا التعنت لديننا قِــــبال الأديان الأخرى ؟ وهل حقاً أننا نحمل الحق المطلق وغيرنا لا ؟ وكيف عرفنا بانهم ليسوا على الحق ؟ هل قرأنا كتبهم وبحثنا فيها وعرفنا ما يدعون إليه ؟
كانت هذه الاسئلة تراودني كلما التقيت بمن يخالفني معتقدي حتى دخلت الدعوة اليمانية وعرفت مدى عمق الخلاف بين الطوائف الدينية سواء التي ننتمي إليها او بالنسبة لمن يخالفنا بالمعتقد والدين.
اليوم ونحن أمام هذا الواقع المقسم “يهود ونصارى ومسلمين …” السؤال المطروح هو: هل حقاً هناك تعدد للأديان الإلهية ؟
فقط نظرة فاحصة لهذا السؤال وخط تحت “تعدد الأديان الإلهية” نقف مذهولين لأننا شئنا أم أبينا قد عددنا الآلهة فلم يصبح لدينا إله واحد والحال أنّ كل دين له إله خاص به يضعه ضمن منظومة عقائدية وفكرية مختلفة عن الآخر، وهذا محال عند الله لأنه سبحانه يؤكد على عدم الاختلاف والابتعاد عن الفرقة وتوحيد الجماعة، بينما نرى اليوم اختلافا كثيرا فالله واحد وأنبياؤه ورسله قد جاءوا من عند واحد فرسالتهم وجب أن تكون مستقاة من مشكاة واحدة فكيف يمنهج الله لتعدد الأديان ؟
ففي التوراة تثنية 32 : 39 (اُنْظُرُوا الآنَ! أَنَا أَنَا هُوَ وَلَيْسَ إِلهٌ مَعِي).
وفي الإنجيل يخاطب عيسى (عليه السلام) رجل دين يهودي وهو ينقل له نصوص من التوراة – العهد القديم – وهي وصايا قد اوصى بها الانبياء السابقين وعلى راسهم موسى (عليه السلام) وهي قصة مشهور تعالوا ننصت إليها:
(28 فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ: «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟»29 فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ.30 وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى.31 وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ».32 فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: «جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ) انجيل مرقس الاصحاح 12
وفي القرآن: نقف مذهولين امام دليل قاطع يؤكد عدم تعدد الاديان في قوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً).
ونضع خطاً تحت “اختلافا كثيراً” فبما أن أهل الأديان يقولون إن منبعها الإله الواحد فلابد أن لا يختلف دين الله فاذا اختلف كانت النتيجة التي نحن اليوم بصدد دفعها ليعود الدين الالهي ناصعاً جلياً واضحاً ليس فيه اختلاف.
ربما يقف سائل ممتعضاً من كلامي ويرد على مقالتي فيقول: هل تريد أن تلغي الأديان وتدخلنا بالقوة في دينك ؟
الجواب في قوله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي).
ويقف آخر ويقول: إذن تريد من بقية الأديان أن يصبحوا مسلمين وتلغي الأديان الأخرى حسب قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه) ؟
أولاً: من يريد أن يعرف موضوعاً ما عليه أن يحيط بهذا الموضوع من كل جهاته لا أن يأخذ جهة واحدة ويترك الأخرى، وأيضاً عليه أن لا يستقطع آية من سياقها فالآية قبلها آيات، لنطالعها:
((أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ 83 قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 84 وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 )) سورة آل عمران.
إذن، دين الله أن تسلم لله وما أنزل على أنبيائه ورسله، وهو يؤكد أن لا فرق بينهم، لا تعدد للأديان بينهم.
قد يتبادر للأذهان بأن الإسلام يقصد به هنا المعنى التشريعي الذي يذكره الفقهاء وعلماء الكلام المسلمين اليوم، وهذا غير صحيح فقد صرح الله في محكم كتابه بأن كلمة الاسلام سابقة لهذه المفهوم الضيّق قال تعالى: ((فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 52 )) آل عمران.
وحتى ندلل على كلامنا نذكر قوله تعالى لإبراهيم (عليه السلام): (( إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين )) وقوله تعالى: (( وله أسلم من في السماوات والأرض ))، وقوله: (( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )) وقوله: (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا )) …
وعلى هذا المعنى المتقدّم يكون المقصود من قوله تعالى: (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) هو التسليم لله وأهم التسليم هو اتباع من نصّبه الله علماً هادياً للناس فتتبعه كي لا تضل ولا تهلك.
وهذا لا يعني إلغاء الرسالات السماوية الأخرى وأن دين موسى (عليه السلام) هو غير دين عيسى (عليه السلام) وغير دين محمد (صلى الله عليه وآله)، نقرأ في القرآن قوله تعالى: (( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنّصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )).
إنّ من كَثّرَ وعَدّدَ الفرق في الدين الواحد وجعل منها أدياناً هم من نصّبوا أنفسهم – سواء كانوا من السابقين أو المعاصرين – أمناء على الدين الالهي الواحد، فجعلوا الدين الواحد متعدداً وحكموا بخسران الناس أجمعين فحكموا وأفتوا بكفر المخالفين لهم في الدين أو المذهب.
بينما الله صرح وبنص قاطع بأن الدين الإلهي واحد وأن ما جاء به الأنبياء من عند واحد (( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْـزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْـزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) آل عمران: 84.
آدم (عليه السلام) نص على شيت (هبة الله) ومن بعده أصبحت سنة إلهية لا تتبدل ولا تتغير، فكان عهد إبراهيم مع أبنائه (واقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك عهدا ابديا) وهي نفسها في القران (( … قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) البقرة: 124 .
ومن بعدهم موسى (عليه السلام) يوصي إمام الجماعة يوشع بن نون حتى يرفع يده أمام الجماعة ويكون راعياً للخراف، وداود يوصي الى سليمان وهكذا وصولاً إلى عيسى المسيح (عليه السلام) يوصي إلى وصيه بطرس بأن يرعى الخراف، وهذا رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) يوصي إلى علي (عليه السلام) ويرفع يده أمام الجماعة تماماً كما فعل موسى وداود وعيسى (عليهم السلام) ويختم حياته بوصية عاصمة من الضلال حتى انقضاء الدهر بالأوصياء من بعده الأئمة والمهديين.
((إن الله أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدما للجميع …)) أعمال 17 – 31.
فالجواب على سؤال البحث: هل نقول بعد الآن تعدد الأديان أم أن الدين عند الله واحد ؟
رحم الله من سمع مقالتي فوعاها.