هل المهديون مشمولون بآية التطهير / د. بشار باقر
قال تعالى: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً”[1].
نزلت هذه الآية في أصحاب الكساء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ومعهم جبريل (عليهم السلام)، وهي شاملة أيضاً لأوصياء الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) إلى يوم القيامة لكونهم الحجج على الخلق الذين لا تخلو الارض منهم كما سيأتي بيانه.
فكما أن دخول بقية الأئمة (عليه السلام) في هذه الآية كان ولا يزال يغيظ البعض ممن لا يروق له سماع أي فضيلة لهم (عليهم السلام) حسداً من عند أنفسهم، نرى اليوم الجهود الحثيثة من فقهاء آخر الزمان وأتباعهم لإخراج المهديين عن هذه الآية، المتمثلة في سعيهم لحصر أهل البيت (عليهم السلام) في الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين (عليهم السلام)، وهو يقتضي بالضرورة القول بعدم شمول هذه الآية لهم، وبالتالي إبعادهم عن المقام الذي يترتب على دخولهم فيها، مستدلين بالرواية الآتية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثم قال علي عليه السلام لأبي الدرداء وأبي هريرة ومن حوله: أيها الناس، أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً” فجمعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة والحسن والحسين معه في كسائه وقال: اللهم هؤلاء عترتي وخاصتي وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت أم سملة: وانا يا رسول الله ؟ فقال: إنك على خير، وإنما أنزلت فيَّ وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابنيَّ الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني – صلوات الله عليهم – خاصة ليس معنا غيرنا)[2].
والظاهر ان الاستدلال بهذه الرواية يقوم على وجود أسلوب القصر[3] فيها وهو يستفاد من أمرين:
- وجود الأداة (إنما)
- قوله عليه السلام: ( خاصة ليس معنا غيرنا)
ومعلوم أن ما استدل به صاحب الشبهة لا يثبت ما يرمي إليه من حصرها في هؤلاء المذكورين فقط، لكون القصر هنا ليس حقيقياً، بل هو قصر إضافي، للأدلة الاتية:
1- إن مجرد ورود الأداة (انما) في الرواية لا يدل على أن القصر الذي تفيده حقيقي ، كما في قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [4]. فهذه الآية نزلت في علي عليه السلام[5]، وهي سارية في ولده إلى يوم القيامة، لان القرآن يجري على كل الحجج (عليهم السلام) في كل زمان، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن القران حي لم يمت ، وإنه يجري ما يجري الليل والنهار ، وكما تجري الشمس والقمر ، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا)[6].
2- لا يمكن فهم القصر الحقيقي أيضا من قوله (عليه السلام): (خاصة ليس معنا غيرنا)، ومثاله ما جاء عن أبي جعفر (عليه السلام): (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِين)[7] قال: فقال علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة، وإلا فلا أصابني شفاعة محمد عليه وآله السلام)[8].
وعنه (عليه السلام) قال: (لم ينلني شفاعة جدي إن لم تكن هذه الآية نزلت في علي خاصة “قل هذه سبيلي أدعو” الآية)[9].
يقول الامام (عليه السلام) بنزول الاية في علي خاصة ويؤكد قوله بعبارة: (لا أصابني شفاعة محمد عليه وآله السلام) و(لم ينلني شفاعة جدي).
ونقرأ في رواية اخرى عنه (عليه السلام): (في قوله تعالى: “قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي”، قال: «ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والأوصياء من بعدهما عليهم السلام)[10].
3- كما أن اعتبار القصر حقيقياً في الرواية يمنع من دخول جبرائيل (عليه السلام) في الآية، وهو أحد المشمولين بها بنص حديث الكساء الذي رواه الشيخ البحراني في عوالم العلوم، جاء فيه: ( … فقال جبرائيل: يا رب، أتأذن لي ان أهبط الى الأرض لأكون معهم سادسا ؟ فقال الله: نعم قد اذنت لك، فهبط الامين جبرائيل وقال: السلام عليك يا رسول الله، العلي الاعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام ويقول لك: وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية ولا ارضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري ألا لأجلكم ومحبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول الله ؟
فقال رسول الله: وعليك السلام يا امين وحي الله، نعم، قد أذنت لك، فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء …)[11].
وقال الشيخ الصدوق في خصاله: (والمعروف أن أهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير خمسة وسادسهم جبريل عليه السلام)[12].
4- صرحت روايات اخرى عنهم عليهم السلام بشمول آية التطهير للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) وعلي والحسن والحسين وفاطمة ثم علي بن الحسين ثم هي جارية في الأئمة الاوصياء من ولده، ومن هذه الروايات:
عن عبد الرحمان بن كثير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما عنى الله عز وجل بقوله: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا” قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام فلما قبض الله عز وجل نبيه كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين عليهم السلام ثم وقع تأويل هذه الآية: واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ” وكان علي بن الحسين عليه السلام إماما ثم جرت في الائمة من ولده الاوصياء، فطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله عز وجل)[13].
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا” قال: (نزلت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذلك في بيت ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم ألبسهم كساء له خيبريا، ودخل معهم فيه ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فنزلت هذه الآية ، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال: أبشري يا ام سلمة فإنك إلى خير)[14].
وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: “أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام قلت له: إن الناس يقولون لنا فما منعه أن يسمي عليا وأهل بيته في كتابه ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام قولوا لهم: إن الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله هو الذي فسر ذلك لهم [ونزل عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله] وأنزل الحج فلم ينزل طوفوا اسبوعا حتى فسر ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأنزل: “أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم” نزلت في علي و الحسن والحسين عليهم السلام وقال صلى الله عليه وآله في علي: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، إني سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلال، ولو سكت رسول الله ولم يبين أهلها لادعاها آل عباس وآل عقيل وآل فلان وآل فلان! ولكن أنزل الله في كتابه: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا” فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام تأويل هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فأدخلهم تحت الكساء في بيت ام سلمة وقال: اللهم إن لكل نبي ثقلا وأهلا، فهؤلاء ثقلي وأهلي فقالت ام سلمة: ألست من أهلك ؟ قال: إنك إلى خير ولكن هؤلاء ثقلي وأهلي.
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي عليه السلام أولى الناس بها لكبره ولما بلغ رسول الله فأقامه وأخذ بيده، فلما حضر علي عليه السلام لم يستطع ولم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا أحدا من ولده إذا لقال الحسن والحسين: أنزل الله فينا كما أنزل فيك، وأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك: وبلغ رسول الله فينا كما بلغ فيك، وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك ، فلما مضى علي عليه السلام كان الحسن أولى بها لكبره، فلما حضر الحسن بن علي لم يستطع ولم يكن ليفعل أن يقول: “أولو الارحام بعضهم أولى ببعض” فيجعلها لولده، إذا لقال الحسين: أنزله الله ي كما أنزل فيك وفي أبيك، وأمر بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك، وأذهب الرجس عني كما أذهب عنك وعن أبيك، فلما أن صارت إلى الحسين لم يبق أحد يستطيع أن يدعي كما يدعي هو على أبيه وعلى أخيه، فلما أن صارت إلى الحسين جرى تأويل قوله تعالى: “أولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله” ثم صارت من بعد الحسين إلى علي بن الحسين، ثم من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي)[15].
ونفس المضمون ورد عن أبي عبد الله عليه السلام عندما سئل عن اهل بيت محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، عن أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: مَن آل محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: ذريته. فقلت: أهل بيته؟ قال: الأئمة والأوصياء. فقلت: من عترته ؟ قال: أصحاب العباء. فقلت: من امته؟ قال: المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله عز وجل، المتمسكون بالثقلين اللذين أمروا بالتمسك بهما، كتاب الله عز وجل وعترته أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وهما الخليفتان على الأمة بعده عليه السلام)[16].
وإذا كانت آية التطهير شاملة للأئمة والأوصياء ، يبقى ان نعرف من هم الأوصياء لنتبين دخول المهديين في الآية.
فأوصياء الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) هم الأئمة الاثنا عشر والمهديون الاثنا عشر الذين مر ذكرهم في وصية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليلة وفاته: (… يا علي إنه سيكون من بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم اثنا عشر مهديا…)[17].
إضافة إلى الروايات الاخرى التي بلغت حد التواتر المعنوي وحددت خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى اليوم القيامة بمن ذكرناهم.
وإذا كان الائمة هم اهل البيت فإن إمامة المهديين عليهم السلام ثابتة بنص روايات آل محمد (عليهم السلام)، فهم (عليهم السلام) تارة يعبرون عنهم بأنهم مهديون وتارة يعبرون عنهم بأنهم أئمة، وإليك الروايات التي تثبت ذلك:
أ- روى السيد ابن طاووس: حدثني الجماعة الذين قدمت ذكرهم في عدة مواضع من هذا الكتاب بإسنادهم إلى جدي أبي جعفر الطوسي تلقاه الله جل جلاله بالأمان والرضوان يوم الحساب قال: أخبرنا ابن أبي الجيد عن محمد بن الحسن بن سعيد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم ومحمد بن الحسن الصفار، كلهم عن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مولد وصالح بن السندي عن يونس بن عبد الرحمن، ورواه جدي أبى جعفر الطوسي فيما يرويه عن يونس بن الرحمن بعدة طرق تركت ذكرها كراهية للإطالة في هذا المكان، يروى عن يونس بن عبد الرحمن: أن الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السلام بهذا:
((اللهم ادفع عن وليك وخليفتك، وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك بإذنك ……. (إلى قوله – عليه السلام -): اللهم أعطه في نفسه وأهله وولده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه ……. ( إلى قوله – عليه السلام -): اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم واعز نصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم في امرك لهم وثبت دعائمهم، واجعلنا لهم أعوانا وعلى دينك أنصارا، فإنهم معادن كلماتك وأركان توحيدك ودعائم دينك وولاة امرك، وخالصتك من عبادك وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد رسلك، والسلام عليهم ورحمه الله وبركاته)). والولد هو من ضمن الذرية لكن هذا الدعاء اختص ولدا من ذريته بالدعاء[18].
ب- الحديث الوارد عن حبة العرني، قال: (خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحيرة فقال: ليتصلن هذه بهذه – وأومأ بيده إلى الكوفة والحيرة – حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير وليبنين بالحيرة مسجداً له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم ع لان مسجد الكوفة ليضيق عليهم، وليصلين فيه إثنا عشر إماماً عدلا. قلت: يا أمير المؤمنين، ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ؟ قال: تبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة، من هذا الجانب وهذا الجانب – وأومأ بيده نحو نهر البصريين والغريين)[19].
ج- في الدعاء الوارد عن الإمام المهدي عليه السلام نقلا عن المرأة التي كانت واسطة بينه وبين شيعته، ورد فيه: (… اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفا ، وجميع الأْوصياء[ و] مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم. وصل على وليك وولاة عهده والأْئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير)[20].
د- عن الإمام العسكري عليه السلام في دعاء الثالث من شعبان المعظم ورد في هذا الدعاء بكلمة للإمام العسكري قالها لأبي القاسم بن العلاء الهمداني وهو وكيله عليه السلام: (إن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلث خلون من شعبان فصمه وادع فيه بهذا الدعاء: … وسيد الأْسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرة، المعوض من قتله أن الْأئمة من نسله، والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته، والْأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتى يدركوا الْأوتار، ويثأروا الثار، ويرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار…)[21].
هـ- عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناده عن الصالحين عليهم السلام قال: ( وكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً، وعلى كل حال، والشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله عليهم السلام: اللهم كن لوليك القائم بأمرك، محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلا ومؤيداً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلا وعرضاً، وتجعله وذريته من الأْئمة الوارثين) [22].
و- وفي شرح الأخبار ج٢ ص٤٢: (… عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه ذكر المهدي عليه السلام، وما يجريه اللهعز وجل من الخيرات والفتح على يديه فقيل له: يا رسول الله، كل هذا يجمعه الله له ؟ قال: نعم، ما لم يكن منه في حياته وأيامه هو كائن في أيام الأئمة من بعده من ذريته).
5- تحدثت الروايات عن وجود شخص من أهل البيت في عصر الظهور، وهو غير الإمام المهدي عليه السلام قطعا، للقرائن الدالة على ذلك كما سيأتي.
فالرواية الآتية تشير إلى ظهور رجل من أهل البيت وذلك بعد أن ينتهي ملك بني فلان وهم بني العباس في عصر الظهور كما اوضحته الروايات الأخرى، وبعده يأتي الإمام المهدي (عليه السلام) الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال: الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الارض بلا إمام عادل قال: قلت له: جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه، قال: يا أبا محمد ليس يرى امة محمد فرجا أبدا مادام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم، أتاح الله لامة محمد برجل منا أهل البيت، يشير بالتقى، ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا. والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين القائد العادل، الحافظ لما استودع، يملاها عدلا وقسطا كما ملاها الفجار جورا وظلما)[23].
ونجد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يعبر في رواية أخرى عن ذلك الرجل بـ (إمام أهل بيتي) ويكون مجيئه في نفس الوقت الذي أشارت إليه الرواية السابقة، وهو قائد الرايات السود القادمة من المشرق، وهم من يسلمون الراية إلى الإمام المهدي (عليه السلام).
عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، قال: ( … حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون. فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبوا على الثلج. فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملك الارض فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما)[24].
وهذا الرجل من أهل البيت هو الذي يفرج الله به الفتن في زمن يعج بالفتن وهو الفترة التي تسبق ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (…فانظروا أهل بيت نبيكم فان لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم ليفرجن الله برجل منا أهل البيت بأبي ابن خيرة الاماء لا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجاً موضوعا على عاتقه ثمانية حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا فيغريه الله ببني امية حتى يجعلهم حطاما ورفاتا ملعونين أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)[25].
وورد نفس المضمون عنه عليه السلام في خطبته التي حذر فيها من الفتن ، ويكون الفرج من البلاء بهذا الرجل من اهل البيت الذي يحمل السيف كما مر وصفه في الرواية السابقة.
عن سليم بن قيس، قال: ( صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال عليه السلام: …انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإﻧﻬم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء. قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته. ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفًا، ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجًا هرجًا، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقامًا واحدًا فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا: (ما هذا من قريش، لو كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا)، يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى. (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)[26].
وهو صاحب السيف الذي يحمل سيفه على عاتقه ثمانية أشهر، وهو من أهل بيت المهدي (عليه السلام).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (… يخرج رجل قبل المهدي من أًهل بيته من المشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل (يمثل) ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت)[27].
والرجل الذي مر وصفه في الرواية السابقة عبرت عنه رواية أخرى بانه (صاحب الأمر).
فعن أبي بصير قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: في صاحب هذا الامر سنة من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلى الله عليه واله وسلم.
فقلت: ما سنة موسى ؟ قال: خائف يترقب.
قلت: وما سنة عيسى ؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى.
قلت: فما سنة يوسف ؟ قال: السجن والغيبة.
قلت : وما سنة محمد صلى الله عليه واله وسلم ؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلا انه يبيّن آثار محمد، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا مرجا حتى يرضي الله.
قلت: فكيف يعلم رضاء الله؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة)[28].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (… وإنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم، وهي آخر خارجة تكون…)[29].
وقوله (عليه السلام): “أول قائم” يدل على وجود أكثر من قائم، وهو أولهم ووصف بأنه من أهل البيت، وهو غير الإمام المهدي (عليه السلام) لكونه هو من يخوض المعارك، وهو صاحب السيف.
ولتحديد من وصفتهم الروايات السابقة بأنهم من أهل البيت بدقة نقرأ الرواية الآتية:
عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إن منا بعد القائم عليه السلام اثنا عشر مهديا من ولد الحسين عليه السلام)[30].
فالمهديون الاثنا عشر الذين يحكمون بعد ابيهم الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام)، هم من أهل البيت بتعبير الإمام الصادق ع ، فقوله (منا) يعني من أهل البيت وهو الأمر الذي أوضحته رواياتهم عليه السلام : (وإنه أول قائم يقوم منا أهل البيت) و( برجل منا اهل البيت).
وتتجلى هذه الحقيقة بوضوح في الرواية الآتية :
( … ونزلت هذ الآية فيَّ وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابنيَّ والأوصياء واحدا بعد واحد، ولدي وولد أخي: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا …)[31].
فأوصياء الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) مشمولون بآية التطهير بحسب هذا الحديث؛ لأنهم من اهل البيت، والأوصياء هم الأئمة الاثنا عشر والمهديون الاثنا عشر الذين سبق ذكرهم في رواية الوصية: (… يا علي إنه سيكون من بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً…)[32].
فثبت أن المهديين هم من وصفتهم الروايات بأنهم من أهل البيت، فهم الحجج والأوصياء بعد أبيهم الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) والذين لا تخلو الارض منهم.
كما نجزم بعدم انطباق الروايات التي تحدثت عن رجل من اهل البيت على أحد غير المهدي الأول أحمد؛ فقد دلت الروايات الواردة عن اهل البيت (عليهم السلام) على مجيء المهدي الأول قبل أبيه المهدي (عليه السلام)، وإليكم البعض منها:
1- في رواية الوصية: (… فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي وهو أوَّل المؤمنين)[33].
ولابد أن يكون المهدي الاول احمد موجودا قبل أبيه الإمام المهدي (عليه السلام) حتى يصدق عليه وصف (أول المؤمنين)، وإلا فهناك القادة الـ (313) الذين يسبقونه بالإيمان ونصرة الإمام (عليه السلام).
2- عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: )إن لصاحب هذا الامر غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)[34].
وهذا الحديث واضح في ان الإمام المهدي (عليه السلام) لا يطلع على موضعه في غيبته احد إلا الشخص الذي يلي أمره، ومن يلي امره هو ابنه ووصيه والمهدي الأول أحمد كما مر في رواية الوصية.
3- روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه عن سلمان عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في حديث قال: (… ثم ضرب بيده على الحسين عليه السلام فقال : يا سلمان، مهدي امتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما من ولد هذا، إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم.
قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه افضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم، لأن الله هداهم به…)[35]
في هذه الرواية يقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم إن أبا المهدي أفضل منه، ولكننا نعلم من روايات اخرى أن الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) أفضل من أبيه العسكري بل من جميع الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام)، وإليك الرواية الآتية:
عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل اختار من كل شيء شيئا، اختار من الأرض مكة، واختار من مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة، واختار من الأنعام إناثها، ومن الغنم الضأن، واختار من الأيام يوم الجمعة، واختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعليا من بني هاشم، واختار مني ومن علي الحسن والحسين، وتكملة اثني عشر إماما من ولد الحسين تاسعهم باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو أفضلهم، وهو قائمهم)[36].
فيتحصل أن المهديين الاثني عشر ومنهم المهدي الاول أحمد هم من اهل البيت وهو من مصاديق آية التطهير كما اتضح ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1]. الأحزاب: 33.
[2]. كتاب سليم بن قيس: ص298.
[3]. يرد الحصر في كتب البلاغة باسم (القصر)، ويقسمه البلاغيون إلى قسمين:
أ- قصر حقيقي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقية والواقع بألّا يتعداه إلى غيره أصلا، نحو: (لا يروي مصرَ من الأنهار إلا النيل).
ب- قصر إضافي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الإضافة والنسبة إلى شيء آخر معين، لا لجميع ما عداه، مثل (إنما حسن شجاع) ، فإنك تقصد قصر الشجاعة عليه بالنسبة لشخص غيره ، كسعيد مثلا، وليس قصدك أنه لا يوجد شجاع سواه، إذ الواقع يشهد ببطلانه. ينظر: جواهر البلاغة: ص170.
[4]. المائدة: 55.
[5]. ينظر: تفسير القمي: 1/170.
[6]. بحار الأنوار: 35/404.
[7]. يوسف: 108.
[8]. بحار الأنوار: 36/52.
[9]. بحار الأنوار: 36/52.
[10]. تفسير البرهان، وينظر: البحار: 36/52.
[11]. عوالم العلوم: 11/933-943.
[12]. الخصال: 2/403.
[13]. بحار الأنوار: 25/255-256.
[14]. بحار الأنوار: 35/206-207.
[15]. بحار الأنوار: 35 / 210-212.
[16]. معاني الأخبار: ص94.
[17]. الغيبة للطوسي: ص100-101.
[18]. جمال الأسبوع: ص307 – 310.
[19]. بحار الأنوار: ج52 ص374-375.
[20]. الغيبة للطوسي: ص176، بحار الأنوار: ج52 ص22.
[21]. مصباح المتهجد – للشيخ الطوسي: ص826، المصباح – للكفعمي: ص635، بحار الأنوار: ج53 ص94-95.
[22]. إقبال الأعمال: 1/191.
[23]. بحار الأنوار: 52/269.
[24]. معجم احاديث الإمام المهدي (ع): 1/382.
[25]. بحار الأنوار: 51/121.
[26]. كتاب سليم بن قيس – تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص٢٥8-٢٥٩.
[27]. الممهدون – للكوراني: ص110، وينظر: الملاحم والفتن: ص139.
[28]. الغيبة للنعماني: ص168.
[29]. بحار الأنوار: 52/375.
[30]. مختصر بصائر الدرجات: ص49، منتخب الأنوار المضيئة: ص353-354.
[31]. كتاب سليم بن قيس: ص429.
[32]. الغيبة للطوسي: ص101.
[33]. الغيبة للطوسي: ص101.
[34]. بحار الأنوار: 52/153.
[35]. كتاب سليم بن قيس: ص430.
[36]. الغيبة للنعماني: ص73.