حديث الثقلين : كتاب الله وعترتي اهل بيتي

ولنذكر قبل الورود بالبحث لفظا أو لفظين من ألفاظ هذا الحديث الشريف: في صحيح الترمذي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي[1]. وفي صحيح الترمذي أيضا بإسناده عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما[2]. فهذان لفظان من ألفاظ الحديث ، عن صحابيين من رواة هذا الحديث الشريف من الصحابة.

- في تحقيق دلالة حديث الثقلين:

يقول صاحب القاموس : والثقل - محركة - متاع المسافر وحشمه وكل شيء نفيس مصون ، ومنه الحديث : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي[3].رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول في حديث الثقلين : إني قد دعيت فأجبت ، أو : يوشك أن أدعى فأجيب ، هذه مقدمة حديث الثقلين ، فيخبر رسول الله عن دنو أجله وقرب رحيله عن هذه الحياة ، وحينئذ يقول : وإني تارك ، ولا يخفى أن أغلى الأشياء عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأثمنها في حياته : القرآن والعترة ، فكان ينبغي أن يأخذ القرآن والعترة معه ، لكن مقتضى رأفته بهذه الأمة وحرصه على بقاء هذا الدين هو أن يبقي أغلى الأشياء عنده في هذا العالم ، ويترك الثقلين الأمرين اللذين كان مقتضى الحال أن يأخذهما معه ، فيقول : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ثم يوصيهم بقوله : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، فالغرض من إبقاء هذين الأمرين بين الأمة ، والهدف من تركهما فيهم هو أن لا يضلوا من بعده .وقد لاحظتم في اللفظين المذكورين أنه في اللفظ الأول يقول : ما إن أخذتم بهما لن تضلوا ، وفي اللفظ الثاني يقول : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، وهذان اللفظان موجودان عند غير الترمذي أيضا . فلفظة ما إن أخذتم أو لفظة الأخذ موجودة في مسند أحمد[4]، وفي مسند ابن راهويه[5]، وفي طبقات ابن سعد[6]، وفي صحيح الترمذي[7]، وفي مسند أبي يعلى[8]، وفي المعجم الكبير للطبراني[9]، وفي مصابيح السنة للبغوي[10]، وفي جامع الأصول لابن الأثير[11]، وفي غيرها من المصادر . ولفظ التمسك تجدونه في مسند عبد بن حميد[12]، وفي الدر المنثور[13]، وغيرهما من المصادر. ولو راجعتم اللغة لوجدتم معنى الأخذ في مثل هذا المقام ، ومعنى التمسك في مثل هذا المقام هو الإتباع . وكلمة الإتباع أيضا من ألفاظ حديث الثقلين، وهذا ما تجدونه في رواية ابن أبي شيبة[14]. وفي رواية الخطيب البغدادي[15] لفظ الاعتصام بدل لفظ التمسك والأخذ ، يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إني تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به كتاب الله وعترتي. والاعتصام في اللغة العربية في الكتاب والسنة وفي الاستعمالات الفصيحة هو التمسك.ولذا نرى في الحديث المتفق عليه - أي الموجود في كتب أصحابنا وفي كتب القوم - عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) بتفسير قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )، يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : نحن حبل الله . حديث الصادق ( عليه السلام ) هذا بتفسير الآية المباركة موجود في تفسير الثعلبي ، وفي الصواعق المحرقة[16]، وبعض المصادر الأخرى . وإذا راجعتم تفسير الفخر الرازي[17] في تفسير هذه الآية المباركة ، وأيضا تفسير الخازن[18]، وبعض التفاسير الأخرى ، لرأيتم أنهم يذكرون حديث الثقلين في تفسير الآية المباركة ، وقد عرفنا أن الاعتصام هو التمسك ، والتمسك يرجع إلى الإتباع أيضا ، وذلك موجود أيضا بسند صحيح في مستدرك الحاكم[19]. وإذا وجب الإتباع ثبتت الإمامة بلا نزاع ، فيكون علي وأهل البيت ( عليهم السلام ) خلفاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من بعده .لكن حديث الثقلين ورد بلفظ الخليفتين أيضا ، كما تجدونه عند أحمد في المسند[20]، وابن أبي عاصم في كتاب السنة[21]، وفي المعجم الكبير للطبراني ، يقول الحافظ الهيثمي بعد أن يرويه عن المعجم الكبير للطبراني يقول : ورجاله ثقات[22]، وكذا صحح الحديث جلال الدين السيوطي[23]. والألطف من هذا ، عندما نراجع فيض القدير في شرح الجامع الصغير[24] يقول المناوي بشرح كلمة عترتي يقول : وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . فلاحظوا ، ألفاظ هذا الحديث كيف تنتهي إلى الإمامة والخلافة ، وإلى تعيين الإمام والخليفة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . فظهر : أن هذا الحديث بجميع ألفاظه يؤدي معنى واحدا ، وهو معنى الإمامة ، أما بلفظ الخليفتين فهو نص ، ولا خلاف في هذا ، وأي لفظ يكون أصرح في الدلالة على الإمامة والخلافة من هذا اللفظ ؟ إني تارك فيكم خليفتين - أو الخليفتين - : كتاب الله وعترتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي . إذن ، رأينا كيف يصدق الحديث القرآن الكريم ، وكيف يصدق القرآن الكريم الحديث النبوي الشريف. ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ).يقول المناوي : في هذا الحديث تصريح بأنهما - أي القرآن والعترة - كتوأمين خلفهما وأوصى أمته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقهما على أنفسهم ، والاستمساك بهما في الدين[25]. ويقول القاري في شرح الحديث : معنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهداهم وسيرتهم[26]. ويقول الزرقاني المالكي وهو أيضا محقق في الحديث يقول : وأكد تلك الوصية وقواها بقوله : فانظروا بم تخلفوني فيهما بعد وفاتي ، هل تتبعونهما فتسروني أو لا فتسيئوني[27]. ويقول ابن حجر المكي : حث ( صلى الله عليه وسلم ) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم[28]. وحينئذ ، يكون من دلالات حديث الثقلين : أعلمية أهل البيت من غيرهم ، والأعلمية المطلقة ، وهي تستلزم أفضليتهم ، والأفضلية مستلزمة للإمامة. إذن، كل الصحابة كانوا مأمورين بالرجوع إلى أهل البيت ، والاقتداء بهم ، والتعلم منهم ، وإطاعتهم والانقياد لهم . ومن هنا ، فقد جاء في بعض ألفاظ حديث الثقلين - كما هو عند الطبراني[29]، وفي مجمع الزوائد[30]، وعند ابن الأثير في أسد الغابة[31]، وأيضا في الصواعق المحرقة[32] - قال رسول الله بعد : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما . . . قال : فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، ففي نفس حديث الثقلين توجد هذه الفقرة في رواية القوم . أما الشراح فيوضحون هذه الناحية أيضا ، مثلا يقول القاري في المرقاة : الأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته ، الواقفون على طريقته ، العارفون بحكمه وحكمته ، وبهذا يصلح أن يكونوا عدلا لكتاب الله سبحانه ، كما قال تعالى : ( يعلمهم الكتاب والحكمة )[33]. وإذا راجعتم الصواعق لوجدتم هذه العبارة بالنص يقول : وفي قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم في قوله هذا دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره . فتكون هذه الفقرة الدالة على وجوب التعلم منهم دالة على إمامتهم وتقدمهم على غيرهم . وهذه أيضا من دلالات حديث الثقلين . وفي قران أهل البيت بالقرآن دلالة على عصمة أهل البيت ، وعلى وجود الإمام من أهل البيت في كل زمان ، يصلح للإمامة ، ولأن يكون قدوة للناس ، ولأن يتعلم منه الناس جميع العلوم الإسلامية وجميع الأمور المحتاج إليها ، لا بد وأن يكون موجودا في كل زمان ما دام القرآن موجوداً.

رواة حديث الثقلين:

إن رواة حديث الثقلين من الصحابة هم أكثر من ثلاثين شخص ، على رأسهم :1 - أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . 2 - الإمام الحسن السبط ( عليه السلام ) . 3 - أبو ذر الغفاري . 4 - سلمان الفارسي . 5 - جابر بن عبد الله الأنصاري . 6 - أبو الهيثم ابن التيهان . 7 - حذيفة بن اليمان . 8 - حذيفة بن أسيد أبو شريحة أو سريحة . 9 - أبو سعيد الخدري . 10 - خزيمة بن ثابت . 11 - زيد بن ثابت . 12 - عبد الرحمن بن عوف . 13 - طلحة . 14 - أبو هريرة . 15 - سعد بن أبي وقاص . 16 - أبو أيوب الأنصاري . 17 - عمرو بن العاص . وغير هؤلاء من الصحابة . 18 - فاطمة الزهراء بضعة الرسول صلوات الله عليها . 19 - أم سلمة أم المؤمنين . 20 - أم هاني أخت الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .أشهر رواة الحديث:1 - سعيد بن مسروق الثوري . 2 - سليمان بن مهران الأعمش . 3 - محمد بن إسحاق ، صاحب السيرة . 4 - محمد بن سعد ، صاحب الطبقات . 5 - أبو بكر ابن أبي شيبة ، صاحب المصنف . 6 - ابن راهويه ، صاحب المسند . 7 - أحمد بن حنبل ، صاحب المسند . 8 - عبد بن حميد ، صاحب المسند . 9 - مسلم بن الحجاج ، صاحب الصحيح . 10 - ابن ماجة القزويني ، صاحب السنن الذي هو أحد الصحاح الستة . 11 - أبو داود السجستاني ، صاحب السنن وهو أحد الصحاح . 12 - الترمذي ، صاحب الصحيح . 13 - ابن أبي عاصم ، صاحب كتاب السنة . 14 - أبو بكر البزار ، صاحب المسند . 15 - النسائي ، صاحب الصحيح . 16 - أبو يعلى الموصلي ، صاحب المسند . 17 - محمد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير 18 - أبو القاسم الطبراني ، صاحب المعاجم . 19 - أبو الحسن الدارقطني البغدادي ، الإمام المعروف . 20 - الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك . 21 - أبو نعيم الإصفهاني ، صاحب المؤلفات المعروفة . 22 - أبو بكر البيهقي ، صاحب السنن الكبرى . 23 - ابن عبد البر ، صاحب الإستيعاب . 24 - الخطيب البغدادي ، صاحب تاريخ بغداد . 25 - محي السنة البغوي ، صاحب مصابيح السنة . 26 - رزين العبدري ، صاحب الجمع بين الصحاح الستة 27 - القاضي عياض ، صاحب كتاب الشفاء . 28 - ابن عساكر الدمشقي ، صاحب تاريخ دمشق . 29 - ابن الأثير الجزري ، صاحب أسد الغابة . 30 - الفخر الرازي ، صاحب التفسير الكبير . 31 - الضياء المقدسي ، صاحب كتاب المختارة . 32 - أبو زكريا النووي ، صاحب شرح مسلم . 33 - أبو الحجاج المزي ، صاحب تهذيب الكمال . 34 - شمس الدين الذهبي ، صاحب الكتب المشهورة . 35 - ابن كثير الدمشقي ، صاحب التاريخ والتفسير . 36 - نور الدين الهيثمي ، صاحب مجمع الزوائد . 37 - جلال الدين السيوطي ، صاحب المؤلفات المعروفة. 38 - شهاب الدين القسطلاني ، شارح البخاري . 39 - شمس الدين الصالحي الدمشقي ، تلميذ الحافظ السيوطي ، صاحب السيرة النبوية . 40 - شهاب الدين ابن حجر العسقلاني ، شيخ الإسلام ، وصاحب المؤلفات الكثيرة المعتبرة . 41 - شمس الدين ابن طولون الدمشقي . 42 - شهاب الدين ابن حجر المكي ، صاحب الصواعق . 43 - المتقي الهندي ، صاحب كنز العمال . 44 - علي القاري الهروي ، صاحب المرقاة في شرح المشكاة . 45 - المناوي ، شارح الجامع الصغير . 46 - الحلبي ، صاحب السيرة . 47 - دحلان ، صاحب السيرة .48 - منصور علي ناصف ، صاحب التاج الجامع للأصول 49 - النبهاني ، صاحب المؤلفات . 50 - المبارك پوري ، شارح صحيح الترمذي . هؤلاء خمسون نفر ، وهذا العدد عشر رواة حديث الثقلين من أعلام أهل السنة في القرون المختلفة .

- محاولات القوم في رد حديث الثقلين وإبطاله:

1- ما مشى عليه أبو الفرج ابن الجوزي ، حيث أدرج حديث الثقلين في كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية[34]، فقد ذكر فيه هذا الحديث بسند واحد ، وجعل يناقش في سنده ويضعفه ، وهذا الكتاب خاص بالأحاديث الضعيفة بنظره ، كما أن له كتابا آخر عنوانه كتاب الموضوعات جعله للأحاديث الموضوعة بنظره ، فأدرج هذا الحديث في كتاب العلل المتناهية ليقول بأنه حديث ضعيف ، ونحن إلى الآن لم نجد أحدا ضعف هذا الحديث قبل أبي الفرج ابن الجوزي .وتضعيفه مردود حتى من قبل كبار العلماء المحققين المتأخرين الذين خطأوه في عمله هذا . مضافا إلى أن هذا الحديث موجود في صحيح مسلم وإن كان مبتورا ، وفي صحيح الترمذي ، وفي صحيح ابن خزيمة الملقب عندهم بإمام الأئمة ، وفي صحيح أبي عوانة ، وفي الجمع بين الصحيحين ، وفي تجريد الصحاح ، وقد صحح الحاكم هذا الحديث ، وكذا محمد بن إسحاق ، والضياء المقدسي ، والبغوي ، والمحاملي ، وابن النجار ، والنووي ، والمزي ، والذهبي ، وابن كثير ، والهيثمي ، والسيوطي ، والقسطلاني ، وابن حجر المكي ، والمناوي ، والزرقاني ، وولي الله الدهلوي ، وغيرهم .مضافا إلى أن أبا الفرج ابن الجوزي معروف عندهم بالتسرع في الحكم بالوضع أو الضعف ، ومعروف عندهم بالتعصب ، وفي خصوص هذا الحديث خطأه غير واحد من المحققين كما أشرنا ، منهم :1 - سبطه[35]، في كتاب تذكرة الخواص . 2 - الحافظ السخاوي ، في كتاب إرتقاء الغرف . 3 - الحافظ السمهودي ، في كتاب جواهر العقدين . 4 - ابن حجر المكي ، في الصواعق . 5 - المناوي ، في فيض القدير . وكلهم قالوا : قد أخطأ ابن الجوزي ، وحذروا من الاغترار بفعله ، حتى أن بعضهم يقول : وإياك أن تغتر بما صنع .2 - الحكم بنكارة المتن ، متن الحديث منكر ، نسبه البخاري إلى أحمد بن حنبل ، ففي التاريخ الصغير للبخاري[36] يقول : قال أحمد في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : تركت فيكم الثقلين قال : أحاديث الكوفيين هذه مناكير .ونقول : أما نسبة هذا الكلام إلى أحمد ، فنسبة كاذبة ، لأن أحمد يروي هذا الحديث في مسنده ، وفي كتاب فضائل الصحابة، بأسانيد كثيرة عن عدة من الصحابة ، وأين قال أحمد هذا ؟ ومتى قال ؟ وأما دعوى : أن هذا الحديث منكر ، فنقول : صحيح ، إنه منكر عند البخاري ، لأنه يدل على إمامة أمير المؤمنين وأهل البيت ، عن طريق الأفضلية ، عن طريق الأعلمية ، بالقران مع القرآن ، بدلالته على العصمة ، وغير ذلك من جهات الدلالة الموجودة في هذا الحديث !؟3 - تحريف الحديث ، وهذا ما صنعه مسلم في صحيحه ، وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي[37]، يقول : أخبرنا المطين ، حدثنا نصر بن عبد الرحمن ، حدثنا زيد بن الحسن ، عن معروف ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : يا أيها الناس إني فرط لكم وأنتم واردون علي الحوض ، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما : الثقل الأكبر كتاب سبب طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا انتهى الحديث. وهذا الحديث بنفس السند ، أي عن طريق نصر بن عبد الرحمن عن زيد بن الحسن عن معروف عن أبي الطفيل عن حذيفة ، فبنفس السند وبنفس اللفظ موجود في المصادر ، أقرأ لكم نص الحديث عن واحد منها ، عن نوادر الأصول للحكيم الترمذي[38] ففيه : إني فرطكم على الحوض وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما : الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإني قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . فهذا كتاب نوادر الأصول ، وهذا كتاب تاريخ بغداد ، وكلاهما موجودان بين أيدي الناس ، وهل المتصرف بالحديث هو الخطيب نفسه أو النساخ أو الناشرون ؟ الله أعلم .5 - المعارضة بأحاديث يروونها في كتبهم ، يعارضون بها حديث الثقلين ، والمعارضة معناها أن هناك حديثاً صحيحا في سنده وتاما في دلالته ، يعارض هذا الحديث الصحيح التام دلالة ، والمعارضة كما يقولون فرع الحجية ، فلا بد وأن يكون الخبران كلاهما حجة ، فإذا كانا تامين سندا ودلالة فيتعارضان فيكون أحدهما صدقا والآخر كذبا ، فإن تمكنا من ترجيح أحدهما على الآخر فهو ، وإلا يتعارضان ويتساقطان ، فالبحث عن طريق المعارضة بحث على القاعدة . لكن بأي شئ يعارض حديث الثقلين وهو حديث الوصية بالقرآن وأهل البيت ؟ يعارضون حديث الثقلين بأشياء ، أهمها : حديث الاقتداء بالشيخين ، وأي حديث هذا ؟ إنهم يروونه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنه قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر هذا الحديث موجود في بعض كتبهم ، فإذا كان حديث الثقلين أي الوصية بالكتاب والعترة ، دالا على وجوب الاقتداء بالقرآن والعترة ، فهذا الحديث يدل على وجوب الاقتداء بالشيخين ، إذن يقع التعارض بين الحديثين .أقوال علمائهم في الجرح والتعديل، تجمع على أن أسانيده ضعيفة ، وكبار علمائهم ينصون على كثير من رجال هذا الحديث بالضعف ، ويجرحونهم بشتى أنواع الجرح.  قال المناوي في شرح هذا الحديث في فيض القدير في شرح الجامع الصغير: أعَلّه أبو حاتم [ أي قال : هذا الحديث عليل ] وقال البزار كابن حزم لا يصح[39]. فهؤلاء ثلاثة من أئمتهم يردون هذا الحديث : أبو حاتم ، أبو بكر البزار ، وابن حزم الأندلسي . والترمذي حيث أورد هذا الحديث في كتابه بأحسن طرقه ، يضعفه بصراحة[40]. وإذا ما رجعتم إلى كتاب الضعفاء الكبير لأبي جعفر العقيلي لرأيتموه يقول : منكر لا أصل له[41]. وإذا رجعتم إلى ميزان الاعتدال يقول نقلا عن أبي بكر النقاش : وهذا الحديث واه[42]. ويقول الدارقطني - وهو أمير المؤمنين في الحديث عندهم في القرن الرابع الهجري - : هذا الحديث لا يثبت[43]. ولو رجعتم إلى ميزان الاعتدال لرأيتم الحافظ الذهبي يذكر هذا الحديث في مواضع عديدة من هذا الكتاب ، وهناك يرد هذا الحديث ويكذبه ويبطله ، فراجعوا[44]. وإذا رجعتم إلى تلخيص المستدرك ترونه يتعقب الحاكم ويقول : سنده واه جدا[45]. وإذا رجعتم إلى مجمع الزوائد للهيثمي حيث يروي هذا الحديث عن طريق الطبراني يقول : وفيه من لم أعرفهم[46]. وإذا رجعتم إلى لسان الميزان لابن حجر العسقلاني الحافظ شيخ الإسلام لرأيتم يذكر هذا الحديث في أكثر من موضع وينص على سقوط هذا الحديث ، فراجعوا لسان الميزان[47]. وإذا رجعتم إلى أحد أعلام القرن العاشر من الهجرة ، وهو شيخ الإسلام الهروي ، له كتاب الدر النضيد من مجموعة الحفيد - وهذا الكتاب مطبوع موجود - يقول : هذا الحديث موضوع[48]. وابن درويش الحوت يورد هذا الحديث في كتابه أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ، ويذكر الأقوال في ضعف هذا الحديث وسقوطه وبطلانه[49]. فهذا الحديث - إذن - لا يليق أن يستدل به على مبحث الإمامة. ولذا نرى بعضهم لما يرى سقوط هذا الحديث سندا ، ومن ناحية أخرى يراه حديثا مفيدا لإثبات إمامة أبي بكر دلالة ومعنى ، يضطر إلى أن ينسبه إلى الشيخين والصحيحين كذبا . فالقاري - مثلا - ينسب هذا الحديث في كتابه شرح الفقه الأكبر إلى صحيحي البخاري ومسلم ، وليس الحديث موجودا في الصحيحين ، مما يدل على أنهم يعترفون بسقوط هذا الحديث سندا ، لكنهم غافلون عن أن الناس سينظرون في كتبهم وسيراجعونها ، وسيحققون في المطالب التي يذكرونها . ثم كيف يأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالاقتداء بالشيخين ، مع أن الشيخين اختلفا في كثير من الموارد ، فبمن يقتدي المسلمون ؟ وكيف يأمر رسول الله بالاقتداء بالشيخين ، مع أن الصحابة خالفوا الشيخين في كثير مما قالا وفعلا ؟ وهل بإمكانهم أن يفسقوا أولئك الصحابة الذين خالفوا الشيخين في أقوالهما وأفعالهما ، وتلك الموارد كثيرة جدا.الحديث الآخر المهم الذي يحاول بعض كتاب عصرنا أن يعارض به حديث الثقلين ، أي الوصية بالكتاب والعترة ، هو حديث الثقلين والوصية بالكتاب والسنة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي ، فحديث الوصية بالكتاب والعترة يدل على وجوب الاقتداء بالكتاب والعترة الأخذ والتمسك بهما ، وهذا الحديث يقول بوجوب الأخذ والتمسك بالكتاب والسنة ، إذن يقع التعارض بين الحديثين.في الجواب أقول:1 - إن هذا الخبر مما أعرض عنه البخاري ومسلم ولم يخرجاه في كتابيهما المعروفين بالصحيحين ، وكم من حديث صحيح سندا لم يأخذ القوم به معتذرين باتفاق الشيخين على تركه !2 - انه خبر غير مخرج في شئ من سائر الكتب المعروفة عندهم بالصحاح ، فهو خبر اتفق أرباب الصحاح الستة وغيرهم على تركه !3 - انه خبر غير مخرج في شئ من المسانيد المعتبرة كمسند أحمد بن حنبل ، وقد نقلوا عن أحمد أن ما ليس في المسند فليس بصحيح !4 - انه قد صرح غير واحد من رواة هذا الخبر بغرابته ، قال الحاكم : ذكر الاعتصام بالسنة في هذه الخطبة غريب وقد نص على صحة سند الخطبة المشتملة على الاعتصام بالعترة ، وقال السجزي - كما في كنز العمال - : غريب جدا . ثم لننظر في أسانيده في الكتب التي نقلته:سند الخبر في الموطأ:وعمدة ما في الباب هو رواية مالك في الموطأ ، وهنا بحوث ثلاثة :الأول : البحث عن الموطأ . قال كاشف الظنون : هو كتاب قديم مبارك ، قصد فيه جمع الصحيح ، لكن إنما جمع الصحيح عنده لا على اصطلاح أهل الحديث ، لأنه يرى المراسيل والبلاغات صحيحة[50]. وقال السيوطي : صرح الخطيب وغيره بان ( الموطأ ) مقدم على كل كتاب من الجوامع والمسانيد ثم قال : فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم[51]. وقال السيوطي : قال ابن حزم في كتاب مراتب الديانة : أحصيت ما في موطأ مالك ، فوجدت فيه من المسند خمسمائة ونيفا ، وفيه ثلاثمائة ونيف مرسلا ، وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها ، وفيه أحاديث ضعيفة وهاها ( أي قالوا عنها واهية ) جمهور العلماء[52].الثاني : ترجمة مالك . ومالك بن أنس مقدوح مجروح من جهات ، نذكر بعضها باختصار:1 - كونه من الخوارج . قال أبو العباس المبرد في بحث له حول الخوارج : وكان عدة من الفقهاء ينسبون إليهم ، منهم عكرمة مولى ابن عباس ، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس ، ويروي الزبيريون : أن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليا وطلحة والزبير فيقول : والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر[53].2 - كونه من المدلسين . ذكر ذلك الخطيب البغدادي في أخبار بعض المدلسين[54].3 - اجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم . فقد قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول : كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء ، فيتكلم ابن أبي ذئب ، يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت . قال أبي : ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل[55].4 - كان يتغنى بالآلات . حتى ذكر ذلك أبو الفرج الأصبهاني في كتابه[56].5 - تكلم الأئمة فيه . قال الخطيب : عابه جماعة من أهل العلم في زمانه ثم ذكر : ابن أبي ذئب ، وعبد العزيز بن الماجشون ، وابن أبي حازم ، ومحمد بن إسحاق[57]. وقال ابن عبد البر : تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره[58]. وممن تكلم فيه أيضا : إبراهيم بن سعد ، وكان يدعو عليه ، وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ، وابن أبي يحيى[59].الثالث : النظر في سند حديثه ، والحديث المذكور لا سند له في الموطأ ، قال السيوطي بشرحه : وصله ابن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده[60]. قلت : وسنتكلم على هذا السند في رواية ابن عبد البر ، فانتظر .سند الخبر في سيرة ابن هشام : وأما الخبر في سيرة ابن هشام فلا سند له كذلك ، غير إنه جاء فيها : خطبة الرسول في حجة الوداع . قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم على حجة . . . وخطب الناس . . .[61]. وابن إسحاق مقدوح ومجروح كذلك عند أكثر العلماء الأعلام ، فقد رمي بالتدليس ، وبالقدر ، وبالتشيع ! وقال غير واحد منهم : سليمان التيمي ، ويحيى القطان ، ووهب بن خالد ، ومالك بن أنس : كذاب. وإن شئت التفصيل فراجع ما ذكره الحافظ ابن سيد الناس - المتوفى سنة 734 ه‍ - في مقدمة سيرته عيون الأثر. سند الخبر في المستدرك : وأما الخبر في المستدرك : * فالمدار في روايته عن ابن عباس على إسماعيل بن أبي أويس ونكتفي بالتكلم فيه . وهذه كلمات طائفة من أئمة الجرح والتعديل في هذا الرجل وهو ابن أخت مالك ونسيبه ، نوردها نقلا عن ابن حجر العسقلاني[62]: قال معاوية بن صالح عن ابن معين : هو وأبوه ضعيفان . وعنه أيضا : ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث . وعنه : مخلط ، يكذب ، ليس بشئ . وقال النسائي : ضعيف . وقال في موضع آخر : غير ثقة . وقال اللالكائي : بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه ، ولعله بان له ما لم يبن لغيره ، لأن كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف . وقال ابن عدي : روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد . وقال الدولابي في الضعفاء : سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول : ابن أبي أويس كذاب ، كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب . وقال العقيلي في الضعفاء : ثنا أسامة الزفاف بصري ، سمعت يحيى بن معين يقول : ابن أبي أويس لا يسوى فلسين . وقال الدارقطني : لا أختاره في الصحيح . وقال ابن حزم في المحلى : قال أبو الفتح الأزدي : حدثني سيف بن محمد : أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث . قال سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم . * وفي سند روايته عن أبي هريرة : صالح بن موسى الطلحي الكوفي وهذه كلمات أئمتهم فيه نوردها نقلا عن ابن حجر العسقلاني كذلك[63]: قال ابن معين : ليس بشئ . وقال أيضا : صالح وإسحاق ابنا موسى : ليسا بشئ ، ولا يكتب حديثهما . وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين : ليس بثقة . وقال الجوزجاني : ضعيف الحديث على حسنه . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث جدا ، كثير المناكير عن الثقات قلت : يكتب حديثه ؟ قال : ليس يعجبني حديثه . وقال البخاري : منكر الحديث عن سهيل بن أبي صالح . وقال النسائي : لا يكتب حديثه ، ضعيف . وقال في موضع آخر : متروك الحديث . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ، وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب ، وليس يشبه عليه ويخطئ ، وأكثرما يرويه عن جده من الفضائل ما لا يتابعه عليه أحد . وقال الترمذي : تكلم فيه بعض أهل العلم . وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عنه وقال : ما أدري . كأنه لم يرضه . وقال العقيلي : لا يتابع على شئ من حديثه . وقال ابن حبان : كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنها معمولة أو مقلوبة ، لا يجوز الاحتجاج به . وقال أبو نعيم : متروك ، يروي المناكير .سند الخبر في سنن البيهقي : وأما سند الخبر في سنن البيهقي ، فقد رواه بإسناده عن ابن عباس وأبي هريرة . أما الأول فمشتمل على ابن أبي أويس وأما الثاني فمشتمل على صالح بن موسى الطلحي وقد عرفتهما . وعلى الجملة ، فقد تقدم الكلام على السندين في رواية الحاكم .سند الخبر في التمهيد : وأما الخبر في التمهيد لابن عبد البر ، ففي سنده غير واحد من المجروحين ، ولكن يكفي النظر في ترجمة كثير بن عبد الله - الذي وصل ابن عبد البر الخبر من حديثه - كما ذكر ابن حجر العسقلاني[64]: قال أبو طالب عن أحمد : منكر الحديث ، ليس بشئ . وقال عبد الله بن أحمد : ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله في المسند ولم يحدثنا عنه . وقال أبو خيثمة : قال لي احمد : لا تحدث عنه شيئا . وقال الدوري عن ابن معين : لجده صحبة ، وهو ضعيف الحديث . وقال مرة : ليس بشئ . وكذا قال الدارمي عنه . وقال الاجري : سئل أبو داود عنه فقال : أحد الكذابين . وقال ابن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عنه فقال : واهي الحديث . وقال أبو حاتم : ليس بالمتين . وقال النسائي في موضع آخر : ليس بثقة . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه . وقال أبو نعيم : ضعفه علي بن المديني . وقال ابن سعد : كان قليل الحديث ، يستضعف . وقال ابن حجر : ضعفه الساجي . وقال ابن عبد البر : ضعيف ، بل ذكر أنه مجمع على ضعفه . فهذه كلمات في جرح الرجل . * بل يكفي منها قول ابن عبد البر : مجمع على ضعفه . * مضافا إلى أنه يرويه عن أبيه عن جده ، وقد قال ابن حبان : روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية إلا على جهة التعجب . وقال ابن السكن : يروي عن أبيه عن جده أحاديث فيها نظر . وقال الحاكم : حدث عن أبيه عن جده نسخة فيها مناكير . سند الخبر في الإلماع : وأما سند الخبر في الإلماع ففيه غير واحد من الضعفاء والمجروحين فان شعيب بن إبراهيم راوية كتب سيف بن عمر جرحه ابن عدي وقال: ليس بالمعروف[65]. وأبان بن إسحاق الأسدي قال الأزدي : متروك الحديث[66]، والصباح بن محمد الأحمسي لم يرو عنه إلا الترمذي ، فقد روى عنه مرة عن ابن مسعود حديثا واستغربه . وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات ، وقال العقيلي : حديثه وهم ، ويرفع الموقوف[67]. لكن يكفي وجود سيف بن عمر في إسناده ، فإنه - كما ذكر ابن حجر العسقلاني[68] - : قال ابن معين : ضعيف الحديث . وقال أبو حاتم : متروك الحديث . وقال أبو داود : ليس بشئ . وقال النسائي : ضعيف . وقال الدارقطني : ضعيف . وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة ، وعامتها منكرة لم يتابع عليها . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات . قال : وقالوا : إنه كان يضع الحديث . وقال ابن حجر : بقية كلام ابن حبان : أتهم بالزندقة . وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك . وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط .سند الخبر في الجامع الصغير : وأما الخبر في الجامع الصغير فهو عن المستدرك للحاكم ، وقد تكلمنا عليه بالتفصيل فلا نعيد .سند الخبر في كنز العمال: وأما المتقي الهندي فأورده عن الحاكم وأبي بكر الشافعي عن أبي هريرة . وقد عرفت حال الحديث عن أبي هريرة . وكذا أورده عن الحاكم عن ابن عباس . وقد عرفت حاله . وأورده عن البيهقي عن ابن عباس . وقد عرفت حاله . وأورده عن الإبانة عن أبي هريرة . وقد نقل هو عن صاحب الإبانة التصريح بأنه غريب جدا ، على أنه عن أبي هريرة .

تأملات في لفظ الخبر ومدلوله:

قد عرفت أن الخبر بلفظ الثقلين وما شابهه لا أصل له ، إذ لا أثر للوصية بالكتاب والسنة بلفظ الثقلين ونحوه ، لا في الصحاح ولا في المسانيد ، وأن الأخبار الواردة في بعض الكتب - وعمدتها الموطأ والمستدرك - لا أساس لها من الصحة . . . لا سيما ما جاء - في شاذ منها - من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك في خطبته في حجة الوداع . وأغلب الظن أن الغرض من وضع هذا الخبر بهذه الألفاظ هو المقابلة والمعارضة به لحديث الثقلين المتفق عليه بين المسلمين ، المقطوع بصدوره عن رسول رب العالمين ، الذي قاله في غير ما موقف ومن أشهرها حجة الوداع في خطبته المعروفة ، حيث أوصى الأمة بالكتاب والعترة ، وأمر باتباعهما ، وحذر من مخالفتهما ، وأكد على أن الأمة سوف لن تضل ما دامت متمسكة بهما ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليه الحوض . هذا الحديث الذي من رواته : مسلم بن الحجاج ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ، والحاكم ، والطبري ، والطبراني . . . ومئات من الأئمة والحفاظ في القرون المختلفة ، يروونه عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بطرق كثيرة في أفرد بعض كبار العلماء كتبا لجمع طرقه . هذا الحديث الذي يدل بوضوح على وجوب اتباع الأئمة أئمة العترة من أهل البيت عليهم السلام في جميع شؤونهم الدينية والدنيوية . ولثبوت هذا الحديث سندا ووضوح دلالته على إمامة أهل البيت نجد بعض المتعصبين يحاولون عبثا الخدشة في سنده أو دلالته ، أو تحريف لفظه ومتنه ، ومنهم من التجأ إلى وضع خبر الوصية بالكتاب والسنة بعنوان الثقلين زعما منه بأنه سيعارض حديث الثقلين المقطوع الصدور . . . وقد بينا - والحمد لله - أن الخبر موضوع مصنوع . وعلى فرض أن يكون للخبر أصل . . . فإنه ليس هناك أي منافاة بين الوصية بالكتاب والسنة ، والوصية بالكتاب والعترة . . . إذ لا خلاف بين المسلمين في وجوب الالتزام والعمل بالكتاب والسنة النبوية الشريفة . . . غير إن حديث ( الكتاب والعترة ) مفاده وجوب أخذ السنة من العترة النبوية لا من غيرهم ، وهذا هو الذي فهمه علماء الحديث وشراحه ، ومن هنا نرى المتقي الهندي - مثلا - يورد كلا الحديثين تحت عنوان الباب الثاني : في الاعتصام بالكتاب والسنة ، كما لا يخفى على من راجعه .6 -  وهو طريق شيخ الإسلام ! ! ابن تيمية ، إنه يقول : هذا الحديث كذب . وما أسهل هذا الطريق وأيسره ؟ ولماذا يتعبون أنفسهم فيحرفون الحديث ، أو يجيؤون بأحاديث فيعارضون بها حديث الثقلين ، وما الفائدة من تضعيف الحديث من ابن الجوزي فينبري للرد عليه أعلام طائفته ويخطئونه في هذا التضعيف ؟ فأحسن طريق أن لا يصدق بحديث الثقلين ، ويدعي أن ليس هناك سند معتبر لقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، ولماذا يصر الشيعة على هذا الحديث ويبنون عليه إمامة أمير المؤمنين ؟ وهذا هو دأب شيخ إسلامهم في قبال أحاديث إمامة أمير المؤمنين ، ومناقب أهل البيت ( عليهم السلام ).

هوامش

[1] - صحيح الترمذي 5 / 662 رقم 3786 - دار إحياء التراث العربي - بيروت .[2] - صحيح الترمذي 5 / 663 رقم 3788 .[3] - القاموس المحيط 3 / 342 - ثقل - دار الفكر - بيروت - 1403 ه‍ .[4] - مسند أحمد 5 / 492 رقم 18780[5] - أنظر : المطالب العالية لابن حجر العسقلاني ، رقم 1873 .[6] - طبقات ابن سعد 1 / 194 .[7] - صحيح الترمذي 2 / 219 .[8] - على ما في بعض المصادر ، مثل كتاب مفتاح النجا للعلامة البدخشي .[9] - المعجم الكبير للطبراني 3 / 62 رقم 2678 - دار إحياء التراث العربي .[10] - مصابيح السنة 4 / 190 رقم 4816 - دار المعرفة - بيروت - 1407 ه‍ .[11] - جامع الأصول 1 / 278 رقم 66 - دار الفكر - بيروت - 1403 ه‍ .[12] - منتخب مسند عبد بن حميد : 265 .[13] - الدر المنثور ، الجامع الصغير ، إحياء الميت : 12 .[14] - مصنف ابن أبي شيبة 10 / 505 رقم 10127 - الدار السلفية - الهند - 1401 ه‍ .[15] - مفتاح النجا للعلامة - البدخشي عن المتفق والمفترق للخطيب[16] - الصواعق المحرقة : 233 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1414 ه‍ .[17] - تفسير الرازي 8 / 173 .[18] - تفسير الخازن 1 / 277 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1415 ه‍ .[19] - المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .[20] - مسند أحمد 6 / 232 رقم 21068 و 244 رقم 21145 .[21] - كتاب السنة لابن أبي عاصم : 336 رقم 754 - المكتب الإسلامي - بيروت - 1405 ه‍ .[22] - مجمع الزوائد 9 / 165 - دار الكتاب العربي - بيروت - 1402 ه‍ .[23] -  الجامع الصغير بشرح المناوي 3 / 14 .[24] - فيض القدير 3 / 14 شرح حديث 2631 - دار الفكر - بيروت - 1391 ه‍ .[25] - فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 15 .[26] - المرقاة في شرح المشكاة 5 / 600 .[27] - شرح المواهب اللدنية 7 / 5 .[28] - الصواعق المحرقة : 231 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1414 ه‍ .[29] - المعجم الكبير 5 / 186 - 187 .[30] - مجمع الزوائد ، عن الطبراني[31] - أسد الغابة 1 / 490 - دار الفكر - بيروت - 1409 ه‍ .[32] - الصواعق المحرقة : 90 .[33] - سورة آل عمران : 164 ، سورة الجمعة : 2 .[34] - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 1 / 268 رقم 432- دار الكتب العلمية - بيروت - 1403 ه‍.[35] - أي سبط ابن الجوزية[36] - التاريخ الصغير 1 / 302 .[37] - تاريخ بغداد 8 / 442 - دار الكتب العربي - بيروت .[38] - نوادر الأصول : 68 .[39] - فيض القدير شرح الجامع الصغير 2 / 56 .[40] - صحيح الترمذي 5 / 572 .[41] - كتاب الضعفاء الكبير 4 / 95[42] - ميزان الاعتدال 1 / 142 .[43] - لسان الميزان 5 / 237 .[44] - ميزان الاعتدال 1 / 105 ، 141 و 43 / 610 .[45] - تلخيص المستدرك - ط في ذيل المستدرك 3 / 75 .[46] - مجمع الزوائد 9 / 53 .[47] - لسان الميزان 1 / 188 ، 272 و 5 / 237 .[48] - الدر النضيد من مجموعة الحفيد : 97 .[49] - أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب : 48. هذا ، وللحافظ ابن حزم الأندلسي في الاستدلال بهذا الحديث كلمة مهمة جدا ، إنه يقول ما هذا نصه : ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا لاحتججنا بما روي : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، ولكنه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح . الفصل في الملل والنحل 4 / 88 .[50] - كشف الظنون 2 / 1907 .[51] - تدريب الراوي 1 / 83 .[52] - تنوير الحوالك 1 / 9 .[53] - الكامل في الأدب 1 / 159 .[54] - الكفاية في علم الرواية : 365 .[55] - العلل ومعرفة الرجال 1 / 179 .[56] - الأغاني 2 / 75 .[57] - تاريخ بغداد 10 / 224 .[58] - جامع بيان العلم 2 / 157 .[59] - جامع بيان العلم 2 / 158 .[60] - ) تنوير الحوالك 2 / 208 .[61] - السيرة النبوية 4 / 603 .[62] - تهذيب التهذيب 1 / 271[63] - تهذيب التهذيب 4 / 354 .[64] - ) تهذيب التهذيب 8 / 377 .[65] - لسان الميزان 3 / 145 .[66] - تهذيب التهذيب 1 / 81 .[67] - تهذيب التهذيب 4 / 358 .[68] - ) تهذيب التهذيب 4 / 259 .