Subjects

-أولاً:

-ثانياً:

-ثالثاً:

-والفرق بين إدراك الغرق والغرق هو:

-رابعاً:

-خامساً:

-تفسير الآية من سورة يونس

-الاحتمال الأول:

-الاحتمال الثاني:


Text

أسرار الإمام المهدي (ع) - قسم التفسير / الإصدار الثاني تفسير آية من سورة يونس وصي ورسول الإمام المهدي (ع) السيد أحمد الحسن إصدارات أنصار الإمام المهدي (ع) العدد (66) الطبعة الثانية 1431هـ - 2010 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن (ع) يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org قال سبحانه: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([1]). والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً (ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق، فإذا ظلمت بمظلمة فأرضَ بانتصاري لك فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك) ([2]). اللهم أنا العبد المسكين الضعيف المستضعف رضيت بانتصارك لي ممن ظلمني بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ۞ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾([3]). قبل البدء في بيان معنى الآية: -أولاً: أنقل بعض كلمات الصرخي التي هاجمني بها: (وبهذا يكون المدّعي قد خالف العقل والعقلاء وخالف العرف وأهل العرف وخالف الإنسان السويّ والإنسانية ...... إنّ هذا المدّعي الجاهل الظلامي ..... هو يدّعي هذه الدعوى الباطلة الفاسدة الضالة المضلة ...... السخف والسفه والتهافت والجهل والظلام في الفكر والعقل والقلب والنفس عند المدّعي ...... إنّ ما كتبه المدّعي تافه تافه تافه ضحل ضحل ضحل وهو أتفه وأكثر ضحالة مما تتصورون ...... إنّ ضحالة فكر المدّعي وسقم عقله وانحرافه النفسي ..... الخ) . وهذا الأسلوب وهذه الكلمات التي سطرها الصرخي بعيدة كل البعد عن الأخلاق وينأى أي كاتب يتحلّى بقليل من الأدب بنفسه عنها فضلاً عمّن يدعي أنّه يكتب رداً علمياً، لقد والله ذكرني الصرخي بابن العاص لما كشف عورته لينجو بنفسه. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، ويكفي هذا التفاوت بيننا فكل إناء بما فيه ينضح. والصرخي أخرج ما ضج به صدره من الحسد بكلماته المتقدمة فأضاف بحسده دليلاً لهذه الدعوة اليمانية المباركة، فنحن آل محمد / الناس المحسودون، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾([4])،([5]). -ثانياً: الصرخي نقل العبارة الآتية من كتاب إضاءات من دعوات المرسلين: (أما المعجزة المادية فهي لا يمكن أن تكون وحدها طريقاً لإيمان الناس، بل الله لا يرضى بهكذا إيمان مادي محض، ولو كان يَقبل لقَبل إيمان فرعون بعد أن رأى معجزة مادية قاهرة لا تؤوّل، وهي انشقاق البحر، ورأى كل شق كالطود العظيم، ولمسه بيده فقال: ﴿آمَنْتُ ... ﴾) ([6])، التي هي تعليق على الآية القرآنية وليست تفسيراً كاملاً لها، فلم أكن في معرض تفسير الآية، بل جئت بها كشاهد على عدم قبول الإيمان عندما تكون المعجزة قاهرة لا تؤوّل. وكلامي واضح لا يمكن أن يفهم منه فيما يخص الآية من سورة يونس إلاّ الآتي: وهو أنّ فرعون قال آمنت كما في القرآن بعد أن رأى ولمس بيده ماء البحر الذي كان كالطود العظيم، وأنّ الله لم يقبل إيمان فرعون؛ لأنه أُلجئ إليه بالمعجزة القاهرة التي لا تؤول. ولكن الصرخي حاول إيهام القارئ أني قد قلت إنّ فرعون قال آمنت بمجرد رؤية المعجزة، مع أنّ الكلام المتقدّم الذي نقله عني من كتاب الإضاءات واضح كل الوضوح أني قلت: (ورأى كل شق كالطود العظيم، ولمسه بيده). وحاول الصرخي أيضاً إيهام القارئ أني قلت إنّ فرعون لم يتبع بني إسرائيل، إلى آخر ما جاء من كلام الصرخي البعيد كل البعد عن المصداقية فضلاً عن أن يكون الطرح علمياً. -ثالثاً: إنّ الصرخي قال: (لأهمية القضية وخطورتها ولتوضيح المطلب وترسيخه فلا بأس من تشخيص وإبراز وتأكيد الحقيقة القرآنية الإلهية اليقينية القطعية، ومفادها أنّ فرعون لم يتلفظ ولم يقل آمنت عندما أنفلق البحر، وإن تلفظه وقوله آمنت لم يكن مترتباً على معجزة انفلاق البحر، أي إنّ معجزة انفلاق البحر ليست هي السبب وليست هي الدافع وليست هي الملجئ والمُجبِر لفرعون بأن يقول آمنت) انتهى. ولابد من ملاحظة أمرين في هذا الكلام: مسألة أنّ إيمان فرعون كان بمجرّد أن رأى معجزة انفلاق البحر هذه مسألة واضح من كلامي الذي نقله الصرخي أني لم أقل بها، إلاّ إذا كان الحسد قد جعل غشاوة على بصر الصرخي ومنعه من قراءة (ولمسه بيده)، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾([7]). وأيضاً الصرخي قال: إنّ قول فرعون آمنت لم يكن مترتباً على معجزة انفلاق البحر ولم يلجئ هذا الإعجاز الإلهي فرعون إلى أن يقول: آمنت. واعتبر الصرخي أنّ الذي دفع فرعون إلى قول آمنت هو إدراك الغرق. والصرخي لا يميز بين (أدركه الغرق) و(الغرق)، فلو كان يفهم الفرق بينهما لعلم أنّ ترتيب إيمان فرعون على إدراك الغرق يعني أنّ إيمان فرعون كان بسبب معجزة انفلاق البحر، أي بعد أن لمس جبلي الماء اللذين يحيطانه وجيشه وعلم قطعاً أنّ انفلاق البحر حقيقة وليس سحراً كما كان يتهم موسى من قبل. -والفرق بين إدراك الغرق والغرق هو: إنّ إدراك الغرق لفرعون يعني اقترابه منه ولحوقه به، أي: إنّ حدث الغرق اقترب من فرعون ولم يقع إلى الآن، والغرق يعني وقوع حدث الغرق، فهل فهمت الآن يا صرخي أنّ فرعون إلى أن قال آمنت لم يكن حدث الغرق قد وقع، وبالتالي لم يبقَ إلاّ المعجزة (انفلاق البحر) التي لمسها بيده وتيقن أنها معجزة سبباً لقوله (آمنت). وأيضاً ما يدل بوضوح على أنّ الصرخي لا يميز بين أدركه الغرق والغرق هو ترتيبه إيمان فرعون على الغرق نفسه كما قال الصرخي: (بل الذي دفعه إلى قول آمنت هو الغرق وإدراكه الغرق وأمارات وعلامات الموت؟) وإليك أسئلة الصرخي وكيف أجاب عنها: (هل آمن فرعون قبل الغرق أو قبل أن يدركه الغرق؟ وهل تلفظ فرعون وقال آمنت قبل الغرق أو قبل أن يدركه الغرق؟ هل آمن فرعون قبل الغرق .... وتلفظ وقال آمنت بعد الغرق؟ ........ بل يمكن القول أنه كان على بغيه وظلمه وعدوانه حتى بعد أن أدركه الغرق وبقي على هذه الصفة والحال إلى أنّ قال آمنت (مع ملاحظة أن قوله آمنت يتأخر عن أدراك الغرق أو يتأخر عن بداية إدراك الغرق). ...... بل الذي دفعه إلى قول آمنت هو الغرق وإدراكه الغرق وأمارات وعلامات الموت). فالصرخي كما هو واضح كل الوضوح لمن يقرأ كلماته لا يميز بين الغرق وأدركه الغرق، ولو أنّه ميّز بينهما لعلم أنّ إدراك الغرق حصل بمجرد نزول فرعون وجيشه إلى قاع البحر الذي انحسر عنه الماء إلى جبلين، وقبل أن يقول فرعون آمنت. أمّا الغرق فقد حصل متأخراً عن قول فرعون آمنت، أي: إنّ قول فرعون آمنت متأخر عن إدراك الغرق ومتقدم على الغرق. -رابعاً: قال الصرخي : (....... لاحظ أيها القارئ العاقل، لاحظ أيها المنصف أيها الإنسان السوي. لاحظ كيف أنه فرّع قول فرعون آمنت حيث قال المدعي [فقال: آمنت] فرّعه على انشقاق البحر ورؤية فرعون للمعجزة ولمسه لها بيده...، وعبّر عنها بأنها قاهرة لا تؤول، وهذا الفهم للآيات القرآنية ومعانيها يخالف الحقيقة الإلهية اليقينية التي أثبتناها، وبهذا يكون المدّعي قد خالف العقل والعقلاء وخالف العرف وأهل العرف وخالف الإنسان السويّ والإنسانية وخالف القرآن وآياته ومعانيه الضرورية ........) انتهى. أي: إنّ الصرخي يعتبر أنّ معجزة انفلاق البحر بالنسبة لفرعون بعد أن رآها ولمس جبلي الماء بيده ليست قاهرة ويمكن أن تؤوّل بالنسبة لفرعون. وأترك للقارئ أن يسأل الصرخي السؤال الذي لن يجد له الصرخي إجابة أبداً، وهو كيف يمكن أن تؤوّل معجزة انفلاق البحر بالنسبة لفرعون بعد أن أصبحت أثراً بعد عين لما لمسها فرعون بيده أو بعد أن نزل إلى قاع البحر وأصبح بين جبلي الماء، وهو يسير على أرض انحسر عنها الماء إلى جبلين عن يمينه وشماله ؟؟!! -خامساً: إنّ ما اعتبره الصرخي بحثاً أو كتاباً - كما صرح الناطق باسمه للإعلام للرد على أحمد الحسن - لا يتضمن سوى هذه الأسطر المتقدمة في رابعاً التي توهم الصرخي أنها رد، ولو أنه يعرف كيف يجتنب الإطناب الممل والكلام البذيء لاختصر ما توهم هو أنه إشكال على آية قرآنية جاءت كشاهد في الإضاءات بسطر واحد فهل هذا السطر (الباطل) يسمّى كتاباً في الرد على أحمد الحسن، ولكن لا ضير فأنتم ورثة طبول معاوية وابن العاص، وقديماً قيل: إن لم تستحِ فاصنع ما شئت. وعلى كل حال، فالصرخي وغيره كثير ممن سبقوه توهموا تفسيراً للآية القرآنية، وسأبين خطأهم في التفسير والفهم الذي ذهبوا إليه؛ حيث سيتبين عدم صحته من خلال تفسير الآية القرآنية وإيراد الاحتمالات الخاطئة في التفسير وردّها. * * * -تفسير الآية من سورة يونس قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([8]). متى كان إيمان فرعون الذي جاء في قوله تعالى: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ؟؟ وللجواب هنا عدّة احتمالات هي: أن يكون إيمان فرعون عندما رأى معجزة انفلاق البحر بعينه. أن يكون إيمان فرعون بعد أن نزل إلى قاع البحر لملاحقة بني إسرائيل، ولكن قبل أن يطبق عليه الماء ويغرق فيه. أن يكون إيمان فرعون بعد أن أطبق عليه الماء وغرق فيه، ولكن قبل أن يموت قطعاً، وهذا الاحتمال هو الذي اعتبره الصرخي حقيقة قرآنية يقينية، قال الصرخي: (....... بل الذي دفعه إلى قول آمنت هو الغرق ...........). ولنضع الاحتمالات الثلاثة تحت طائلة النقد العلمي المستند إلى كلام الله سبحانه وتعالى المتقدّم، والواقع الفيزيائي للقول أو ما يلفظه الإنسان من كلمات، وسيكون الترتيب الاحتمال الأول ثم الثالث ثم أعود للاحتمال الثاني. -الاحتمال الأول: وهو إيمان فرعون حال رؤية انفلاق البحر. وهذا الاحتمال غير صحيح؛ لقوله تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ ......﴾ ففرعون اتبع بني إسرائيل، أي: إنّه لم يكتفِ برؤية الانفلاق، بل أمر جيشه بالنزول إلى قاع البحر ومتابعة بني إسرائيل ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً﴾. الاحتمال الثالث: أن يكون إيمان فرعون بعد أن أطبق عليه الماء وغرق فيه، ولكن قبل أن يموت قطعاً. وهذا الاحتمال - الذي توهم الصرخي صحته - غير صحيح؛ لأنّ القول من الإنسان في هذا العالم المادي يعني لفظ الكلمات، ولا يمكن أن يتحقق دون الواسطة التي يلفظ فيها، وهي الهواء ومع إطباق الماء على فرعون تنعدم واسطة اللفظ وهي الهواء فلا يمكنه قول شيء. كما يجب ملاحظة أنّ الماء المحيط بفرعون كان جبلين ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾([9]). ولك أن تتصور كم يحتاج من الوقت جبلان عظيمان عند انهيارهما الكلي لملئ ارتفاع أقصى طول للإنسان في عرض لا يتجاوز عدّة أمتار فقط، ومن درس الفيزياء يعلم أنّ ضغط الماء في قاعدة جبلي الماء هائل، وبالتالي لا يحتاج إطباق الماء على فرعون وجنوده عند انهيار الجبلين إلى دقائق أو حتى ثوانٍ، بل إنّ الأمر لا يتجاوز جزءاً ضئيلاً جدّاً من الثانية لا يكفي أن يلفظ الإنسان فيه عدّة أحرف فكيف يمكن تصور لفظه لأكثر من جملة ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. وأيضاً لابد من ملاحظة حال فرعون لما أطبق عليه الماء فقد كان مثقلاً بالحديد الذي تدرّع به كحال جنده أيضاً؛ لأنهم قد خرجوا لقتال بني إسرائيل فلا يمكن تصور أنه يطفو أو يسبح فتكون عنده فرصة لأنّ يقول شيئاً؛ لأنّ الحديد يمنعه من ذلك؛ ولأنّه مثقل بالحديد فقد كان خروج جثته من الماء بعد هلاكه آية من الله؛ لأنّ المفروض أن يبقيه الحديد في قاع البحر ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾([10]). إذن لا يمكن أن يتصور عاقل أنّ فرعون بعد أن انهار الجبلان وغطّاه الماء ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. وأيضاً يؤكد عدم صحة هذا الاحتمال أنّ الله سبحانه وتعالى لم يقل: حتى إذا غرق قال آمنت، بل قال ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ﴾ أي: إنّ الغرق كان قريباً منه ملاصقاً له لا أنّه غرق فعلاً، وقد تحقق فرعون من إدراك الغرق له بلمسه لجبل الماء، ولمسه لواقع حاله وهو يسير على أرض في قاع البحر بين جبلي ماء يحيطانه. وليتوضّح أكثر الفرق بين أدركه الغرق والغرق نفسه التفت إلى هذه الآية، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾([11]). فهم يؤكدون أنّ فرعون وجنوده قد أدركوهم ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾، مع أنّ فرعون وجنوده فقط اقتربوا منهم إلى درجة أن يتراءى الجمعان ولم يقعوا فيهم. -الاحتمال الثاني: وهو أن يكون إيمان فرعون بعد أن نزل إلى قاع البحر لملاحقة بني إسرائيل، ولكن قبل أن يطبق عليه الماء ويغرق فيه. وهذا هو الصحيح، فقد نزل فرعون وجيشه إلى قاع البحر واتبع بني إسرائيل، ولكنّه في ملاحقته لبني إسرائيل أمر الله الرياح أن تضرب وجه الماء فتساقط بعض الماء على فرعون وجيشه فالتفت إلى أنّه يسير بين جبلي ماء يمكن أن يطبقا عليه في أي لحظة، ولمس جبلي الماء بيده فبانت له أمارات هلاكه وجيشه لما علم أنّ هذه المعجزة قاهرة، ولا يمكن أن تؤوّل بأنها سحر أو أي شيء آخر عندها ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. والإيمان مراتب؛ أولها: التصديق، وهذا القول من فرعون تصديق لا يمكن لإحد إنكاره بعد أن قصه جبار السماوات والأرض في كتابه الكريم، ومن ثم أكده بعد ذكره بقوله تعالى: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾([12]). أي: الآن تؤمن بعد أن ألجأتك المعجزة القاهرة وقبل هذا كنت ترفض الإيمان ﴿وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾، كما أنّه وببساطة يفهمها أي إنسان لماذا قال فرعون آمنت إن لم يكن يرجو النجاة من الله دنيوياً وأخروياً، أو على الأقل كما يفهم بعضهم دنيوياً فقط ومن الغرق بالتحديد؟ وكيف يرجو أن ينجيه الله سبحانه وهو لا يصدق بوجوده؟ فإيمان (تصديق) فرعون لا يمكن إنكاره بحال، بل في أكثر من رواية شهد الأئمة بإيمانه (تصديقه) الذي لم ينفعه، وفي وسائل الشيعة عن مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (: (.. أَلَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ ﴿حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ فَلَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ إِيمَانَهُ وَقَالَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ([13]). بل وفي بداية إرسال الله موسى ( لفرعون (لعنه الله) أشار سبحانه وتعالى إلى أنّ فرعون سيتذكر ويخشى (وإن كانت هذه الذكرى والخشية من الله لم تنفعه؛ لأنها جاءت بسبب معجزة قاهرة ألجأته إلى الإيمان (التصديق). محمد بن عمارة عن أبيه عن سفيان بن سعيد، قال: سمعت أبا عبد الله جعفـر بن محمد الصادق ( وكان والله صادقاً كما سمّي .............. قال سفيان: ( فقلت له: يا ابن رسول الله هل يجوز أن يطمع الله ( عباده في كون ما لا يكون؟ قال: لا. فقلت: فكيف قال الله ( لموسى وهارون / ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى﴾([14])، وقد علم أنّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى؟ فقال: إنّ فرعون قد تذكّر وخشي، ولكن عند رؤية البأس حيث لم ينفعه الإيمان، ألا تسمع الله ( يقول: ﴿حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، فلم يقبل الله ( إيمانه وقال: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ يقول نلقيك على نجوة من الأرض لتكون لمن بعدك علامة وعبرة) ([15]). والبأس الذي رآه فرعون كما قال الإمام الكاظم (: (لا أنه وقع به فهو إلى أن قال آمنت ... لم يكن قد وقع به البأس)، هو المعجزة القاهرة التي ألجأته إلى الإيمان، وهي جبلا الماء اللذان يحيطانه، والذي أدرك فرعون أن هلاكه بانهيارهما ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ﴾. ولو لم تكن هذه المعجزة القاهرة التي لمسها فرعون بيده والتي ألجأته للإيمان لقبل الله سبحانه وتعالى إيمان فرعون ورفع عنه البأس وأخرجه من البحر سالماً، أو على أقل تقدير لقبل إيمانه فقط، فالله سبحانه يقبل التوبة من الإنسان حتى آخر لحظة من حياته. وأيضاً يجب ملاحظة أنّ فرعون قد سمع من موسى (، وقبل مناظرة موسى ( وبما جاء به موسى ( من عند الله سبحانه، ففرعون أهون شرّاً بكثير من فراعنة وطغاة هذا الزمان لعنهم الله وأخزاهم في الدنيا والآخرة. ﴿وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ۞ حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ ۞ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ۞ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ۞ وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ ۞ قالَ الْمَلأَُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ۞ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ ۞ قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ۞ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ﴾. ومسألة عدم قبول التوبة والإيمان والرجوع إلى الاعتراف بولاية ولي الله وحجته على خلقه عندما تأتي معجزة قاهرة لا تؤول كالعذاب الدنيوي (البأس) مسألة مذكورة في القرآن ليس في قضية إيمان فرعون وعدم قبول إيمانه فقط، بل وفي مواضع أخرى وهذه منها على سبيل المثال: - ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾([16]). - ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾([17]). - ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ۞ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾([18]). والسؤال هنا: لماذا ﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾([19]) ؟؟ في حين أنّ الله يقبل توبة العبد كما في الروايات إلى أن يعاين؟ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (، قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ /: مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ السَّنَةَ لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الشَّهْرَ لَكَثِيرٌ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمْعَةٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ الْجُمْعَةَ لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ يَوْماً لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُعَايِنَ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ) ([20]). عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ فِي حَدِيثٍ: (أَنَّ رَجُلًا شَيْخاً كَانَ مِنَ الْمُخَالِفِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْوَلَايَةَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَقَرَّ بِهَا وَشَهَقَ وَمَاتَ قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( فَعَرَضَ عَلِيُّ بْنُ السَّرِيِّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (، فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ السَّرِيِّ إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئاً مِنْ هَذَا غَيْرَ سَاعَتِهِ تِلْكَ! قَالَ: فَتُرِيدُونَ مِنْهُ مَاذَا قَدْ وَاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) ([21]). قَالَ الصَّدُوقُ: وَسُئِلَ الصَّادِقُ ( عَنْ قَوْلِ اللَّهِ ( ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾، قَالَ (: ذَاكَ إِذَا عَايَنَ أَمْرَ الْآخِرَةِ) ([22]). والجواب على السؤال المتقدّم واضح وموجود في نفس الآية المتقدّمة، قال تعالى: ﴿.... يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾([23]). إذن متى: ﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ ؟؟ الجواب: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾. فالأمر الآن واضح أنّ مع إتيان بعض الآيات الإلهية، أي: بعض المعجزات لا ينفع الإيمان، والحقيقة أنّه لا يقبل؛ لأنّه إلجاء وقهر على الإيمان واستسلام للأمر الواقع، وليس إيماناً وإسلاماً وتسليماً؛ لأنّ هذه المعجزات هي معجزات قاهرة ولا تؤوّل. وأمّا باقي المعجزات والآيات الإلهية فيقبل الإيمان وإن جاءت؛ لأنها تركت مساحة للإيمان بالغيب، فالعصا التي جاء بها موسى ( ويده البيضاء تأولها المتأوِّلون فمع أنّ موسى انتصر على السحرة، ولكن ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾([24])، وقال فرعون: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾([25])، فبقي للإيمان بالغيب مساحة مع إتيان المعجزة. أمّا لما آمن فرعون وهو بين جبلي الماء فلم يكن هناك أي مساحة للإيمان بالغيب، بل هو إيمان (تصديق) مادي مئة بالمئة؛ لما يراه من قدرة قاهرة جعلت البحر ينشق نصفين، وهو لم يرَ بعينه فقط ليقال له سحر، بل نزل إلى قاع البحر ولمس جبلي الماء بيده، فلا يمكن أن تؤوّل هذه المعجزة بالنسبة لفرعون وهو على هذا الحال من العلم بها والتحقق منها، فتوقف محتاراً في وسط البحر ولم يجد إلاّ الإيمان والتصديق لينجو، فلم يقبل إيمان فرعون؛ لأنه إيمان وتصديق مادي مئة بالمئة، والله لا يقبل إلاّ الإيمان بالغيب: - ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾([26]). - ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾([27]). - ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾([28]). - ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾([29]). - ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾([30]). - ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ([31]). - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾([32]). ولتتم الفائدة أنقل هذه الأسطر التي خطتها يد هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه في كتاب (الجهاد باب الجنة) حول مسألة اللبس في المعجزة: (.... ولكن فقط سأناقش جزئية في المعجزات التي أُؤيّد بها الأنبياء لأهميتها وغفلة الناس عنها وهي: مسألة اللبس في المعجزة والهدف منه. فالناس يعرفون أنّ من معجزات موسى ( العصا التي تحولت أفعى، وقد كانت في زمن انتشر فيه السحر، ومن معجزات عيسى ( شفاء المرضى في زمن انتشر فيه الطب، ومن معجزات محمد / القرآن في زمن انتشرت فيه البلاغة، وهنا يعلل من يجهل الحقيقة سبب مشابهة المعجزة لما انتشر في ذلك الزمان أنه فقط لتتفوق على السحرة والأطباء والبلغاء ويثبت الإعجاز، ولكن الحقيقة الخافية على الناس مع أنها مذكورة في القرآن هي أنّ المعجزة المادية جاءت كذلك للّبس على من لا يعرفون إلاّ المادة، فالله سبحانه لا يرضى أن يكون الإيمان مادياً بل لابد أن يكون إيماناً بالغيب: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾([33]). ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ َكرِيمٍ﴾([34]). ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾([35]). ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ([36]). فالإيمان بالغيب هو المطلوب والذي يريده الله سبحانه، والمعجزة التي يُرسلها سبحانه لابد أن تُبقي شيئاً للإيمان بالغيب، ولهذا يكون فيها شيء من اللبس؛ ولهذا كانت في كثير من الأحيان مشابهة لما انتشر في زمان إرسالها ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾([37]). ولهذا وُجد أهل المادة والذين لا يعرفون إلاّ المادة في التشابه عذراً لسقطتهم: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾([38]). فالتشابه أمسى عذراً لهم ليقولوا ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ و ﴿إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾، وقال أمير المؤمنين ( وهو يصف أحد المنافقين: (.. جعل الشبهات عاذراً لسقطاته) ([39]). أمّا إذا كانت المعجزة قاهرة ولا تشابه فيها فعندها لا يبقى للإيمان بالغيب أي مساحة ويكون الأمر عندها إلجاء للإيمان وقهراً عليه، وهذا لا يكون إيماناً ولا يكون إسلاماً بل استسلام وهو غير مرضي ولا يريده الله ولا يقبله ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([40])، ففرعون يؤمن ويسلم أو قل يستسلم وقبل أن يموت ولكن الله لا يرضى ولا يقبل هذا الإيمان وهذا الإسلام ويجيبه الله سبحانه بهذا الجواب ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾([41]). هذا لأنه إيمان جاء بسبب معجزة قاهرة لا مجال لمن لا يعرفون إلاّ هذا العالم المادي إلى تأويلها أو إدخال الشبهة على من آمن بها، وبهذا لم يبق مجال للغيب الذي يريد الله الإيمان به ومن خلاله، فعند هذا الحد لا يُقبل الإيمان؛ لأنه يكون إلجاء وقهراً وليس إيماناً ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾([42])، ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾([43]). ولو كان الله يريد إلجاء وقهر الناس على الإيمان لأرسل مع أنبيائه معجزات قاهرة لا مجال معها لأحد أن يقول ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ أو ﴿أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾([44])، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾([45])، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾([46]). فالحمد لله الذي رضي بالإيمان بالغيب وجعل الإيمان بالغيب ومن خلال الغيب ولم يرض بالإيمان بالمادة ولم يجعله بالمادة ومن خلال المادة ليتميز أهل القلوب الحية والبصائر النافذة من عمي البصائر ومختومي القلوب ...) ([47]). والحمد لله رب العالمين. وأسأل الله لكل من يقرأ هذه الكلمات القليلة الهداية ومعرفة الحق ونصرته هو وليي وهو يتولى الصالحين. أحمد الحسن محرم 1429 هـ . ق
Footers

[1] - يونس: 90.

[2] - الكافي: ج2 ص304، دعائم الإسلام: ج2 ص537.

[3] - القلم: 51 - 52.

[4] - النساء: 54.

[5] - وروى الكليني بسنده: عن حمد بن محمد ، عن محمد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبد الله (: (نحن قوم فرض الله ( طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفوا المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: ﴿أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله﴾) الكافي: ج1 ص186.

[6] - الإضاءات: ج2 ق2 ص24.

[7] - النساء: 54.

[8] - يونس: 90.

[9] - الشعراء: 63.

[10] - يونس: 92.

[11] - الشعراء: 61.

[12] - يونس: 91.

[13] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج16 ص90.

[14] - طه: 44.

[15] - معاني‏الأخبار: ص385.

[16] - الأنعام: 158.

[17] - السجدة: 29.

[18] - غافر: 84 - 85.

[19] - الأنعام: 158.

[20] - الكافي: ج2 ص440، وسائل الشيعة (آل البيت): ج16 ص87.

[21] - الكافي: ج2 ص440، وسائل‏الشيعة (آل البيت): ج16 ص87.

[22] - من لا يحضره الفقيه: ج1 ص133، وسائل‏الشيعة (آل البيت): ج16 ص89.

[23] - الأنعام: 158.

[24] - القصص: 48.

[25] - طـه: 71، الشعراء: 49.

[26] - البقرة: 3.

[27] - الأنبياء: 49.

[28] - فاطر: 18.

[29] - يـس: 11.

[30] - قّ: 33.

[31] - الحديد: 25.

[32] - الملك: 12.

[33] - البقرة: 3.

[34] - يس: 11.

[35] - ق: 33.

[36] - الحديد: 25.

[37] - الأنعام: 9.

[38] - القصص: 48.

[39] - قال أمير المؤمنين (: لعمار بن ياسر - وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاماً - : (دعه يا عمار فإنه لم يأخذ من الدين إلاّ ما قاربه من الدنيا، وعلى عمد لبس على نفسه ليجعل الشبهات عاذرا لسقطاته) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص95.

[40] - يونس: 90.

[41] - يونس: 91.

[42] - الأنعام: 158.

[43] - السجدة: 29.

[44] - الأنبياء: 5.

[45] - يونس: 99.

[46] - الأنعام: 35.

[47] - الجهاد باب الجنة: ص47، الطبعة الثانية.