المواضيع
نص الكتاب
-إضاءة من فاتحة سورة يوسف
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾([35]). في هذه الآيات تفتتح مسيرة يوسف ( إلى الله، أنها تذكير من الله العليم الحكيم ليوسف ( بحقيقته التي ارتقاها في عالم الذر وغفل عنها بسبب حجاب الجسد لما خلقه الله وأنزله إلى هذا العالم الظلماني (عالم الأجسام)، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾([36])، أي إنكم كنتم في عالم الذر مخلوقين وامتحنكم الله ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾([37]). وفي دعاء يوم الغدير الذي رواه عمارة بن الجوين أبي هارون العبدي، قال أبو عبد الله الصادق (: (… فمن صلى ركعتين، ثم سجد وشكر الله ( مائة مرة، ودعا بهذا الدعاء بعد رفع رأسه من السجود، الدعاء: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد وحدك لا شريك لك، وأنك واحد أحد صمد، ولم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، وأن محمدا عبدك ورسولك صلواتك عليه وآله. يا من هو كل يوم في شأن، كما كان من شأنك أن تفضلت عليَّ بأن جعلتني من أهل أجابتك وأهل دينك وأهل دعوتك، ووفقتني لذلك في مبتدأ خلقي تفضلا منك وكرما وجودا، ثم أردفت الفضل فضلا، والجود جودا، والكرم كرما، رأفة منك ورحمة إلى أن جددت ذلك العهد لي تجديدا بعد تجديدك خلقي، وكنت نسياً منسياً ناسياً ساهياً غافلاً. فأقمت نعمتك بأن ذكرتني ذلك ومننت به على وهديتني له فليكن من شأنك يا الهي وسيدي ومولاي، أن تتم لي ذلك ولا تسلبنيه حتى تتوفاني على ذلك، وأنت عنى راض، فانك أحق المنعمين أن تتم نعمتك علي، اللهم سمعنا وأجبنا داعيك بمنك فلك الحمد، غفرانك ربنا واليك المصير، آمنا بالله وحده لا شريك له، وبرسوله محمد / وصدقنا وأجبنا داعي الله واتبعنا الرسول في موالاة مولانا ومولى المؤمنين، أمير المؤمنين على بن أبى طالب عبد الله وأخي رسوله، والصديق الأكبر، والحجة على بريته، المؤيد به نبيه ودينه الحق المبين، علما لدين الله، وخازنا لعلمه، وعيبة غيب الله، وموضع سر الله، وأمين الله على خلقه، وشاهده في بريته. اللهم إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم، فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد. فإنا يا ربنا بمنك ولطفك أجبنا داعيك، واتبعنا الرسول وصدقناه وصدقنا مولى المؤمنين، وكفرنا بالجبت والطاغوت، فولنا ما تولينا، واحشرنا مع أئمتنا فإنا بهم مؤمنون موقنون ولهم مسلمون. آمنا بسرهم وعلانيتهم، وشاهدهم وغائبهم، وحيهم، ورضينا بهم أئمة وقادة وسادة، وحسابنا بهم بيننا وبين الله دون خلقه لا نبتغى بهم بدلاً، ولا نتخذ من دونهم وليجة، وبرئنا إلى الله من كل من نصب لهم حربا من الجن والإنس من الأولين والآخرين، وكفرنا بالجبت والطاغوت والأوثان الأربعة وأشياعهم وأتباعهم وكل من والاهم من الجن والإنس من أول الدهر إلى آخره …) ([38]). وقوله (: (بعد تجديدك خلقي): أي انك خلقتني في هذه الدنيا بعد أن خلقتني في الذر، وقوله (: (جددت ذلك العهد لي تجديداً): أي ذكَّرتَّني وجعلتني أقر بولاية أوليائك (الأنبياء والأوصياء /) في هذه الدنيا كما أقررت بها لما خلقتني في الذر بفضلك. فلماذا لا تتذكرون، وأيضاً لماذا لا تسعون إلى الله ليذكركم ؟! وتتذكرون لما ترفع الحجب ويكشف للإنسان حقائق الملكوت كأنبياء الله / ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾([39]). وأيضاً الخطاب في أول سورة يوسف ( للرسول / وهو خير خلق الله ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾([40])، أي إنك يا محمد / أنزلت إلى هذا العالم، وحجبت عنك حقيقتك وامتحنك الله بهذا الامتحان الثاني في هذا العالم، وكنت الفائز بالسباق مرة أخرى، بعد أن كنت الفائز بالسباق في الامتحان الأول في عالم الذر، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾([41]). قال رسول الله /: (لم أكن أعلم ذلك حتى عرفنيه الآن جبرائيل (، وما كنت أعلم شيئاً من كتابه ودينه أيضاً حتى علمنيه ربي، قال الله (: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾) ([42]). وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عَنِ الْعِلْمِ أَهُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُهُ الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، أَمْ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ تَقْرَءُونَهُ فَتَعْلَمُونَ مِنْهُ ؟ قَالَ (: الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَوْجَبُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَما الْإِيمانُ﴾ ثُمَّ قَالَ: أَيَّ شَيْءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيُقِرُّونَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالٍ لا يدري مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا يَقُولُونَ. فَقَالَ لِي: بَلَى قَدْ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّوحَ الَّتِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، فَلَمَّا أَوْحَاهَا إِلَيْهِ عَلَّمَ بِهَا الْعِلْمَ وَالْفَهْمَ وَهِيَ الرُّوحُ الَّتِي يُعْطِيهَا اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ، فَإِذَا أَعْطَاهَا عَبْداً عَلَّمَهُ الْفَهْمَ) ([43]). إذن، فالأنبياء والأوصياء / ممتحنون بهذا العالم، فكما حجب غيرهم وأغفل عن الامتحان الأول والإيمان الأول في عالم الذر، حجبوا / ليكون هذا الامتحان الثاني عادلاً فالكل أغفلوا عن عالم الذر بحجاب الجسد، والمطلوب تجريد الروح بمرتبة ليعرف الإنسان الحقيقة وينظر في ملكوت السماوات، وقد تجرد الأنبياء والأوصياء، والمطلوب من الكل التجرد لينجحوا في الامتحان كما أن الله سبحانه وتعالى ساوى كل بني آدم في الفطرة لتتم كلمته سبحانه أنه هو العادل الحكيم، فالكل مفطورون على معرفة أسماء الله سبحانه، ليكونوا وجه الله وأسماءه الحسنى، وكل من قصَّر فحظه ضيَّع. إذن، فهذه الرؤيا تذكير ليوسف (، بل وتذكير ليعقوب وتعريف له بهذا الابن، فهو وصيه والحجة من بعده، كحال رؤيا الإمام موسى بن جعفر التي نصت على إمامة الرضا من بعده. عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن أسباط، عن الحسين مولى أبي عبد الله، عن أبي الحكم، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري، عن يزيد بن سليط الزيدي، قال: (لقينا أبا عبد الله ( في طريق مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون والموت لا يعرى أحد منه فأحدث إلي شيئاً ألقيه إلى من يخلفني، فقال لي: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم وأشار إلى ابنه موسى ( وفيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ... وقال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن يعني موسى بن جعفر ( بعد فقلت له: بأبي أنت وأمي إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك، قال: فقال: كان أبي ( في زمن ليس هذا مثله، قال يزيد فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله، قال: فضحك، ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منـزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني فأشركتهم مع ابني علي وأفردته بوصيتي في الباطن ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين / معه ومعه خاتم وسيف وعصا وكتاب وعمامة، فقلت له: ما هذا، فقال: أما العمامة فسلطان الله تعالى ( وأما السيف فعزة الله ( وأما الكتاب فنور الله ( وأما العصا فقوة الله( وأما الخاتم فجامع هذه الأمور، ثم قال رسول الله /: والأمر يخرج إلى علي ابنك، قال ثم قال: يا يزيد إنها وديعة عندك فلا تخبر بها إلا عاقلاً أو عبداً امتحن الله قلبه للإيمان أو صادقاً ولا تكفر نعم الله تعالى وإن سئلت عن الشهادة فأدها فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها﴾([44])، وقال الله (: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّه﴾([45])، فقلت والله ما كنت لأفعل هذا أبداً. قال: ثم قال أبو الحسن (: ثم وصفه لي رسول الله / فقال: علي ابنك الذي ينظر بنور الله ويسمع بتفهيمه وينطق بحكمته يصيب ولا يخطئ ويعلم ولا يجهل وقد ملئ حكماً وعلماً وما أقل مقامك معه، إنما هو شيء كان لم يكن فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك وأفرغ مما أردت فإنك منتقل عنه ومجاور غيره، فاجمع ولدك وأشهد الله عليهم جميعاً وكفى بالله شهيداً. ثم قال: يا يزيد إني أؤخذ في هذه السنة وعلي ابني سمي علي بن أبي طالب ( وسمي علي بن الحسين (، أعطي فهم الأول وعلمه ونصره وردائه، وليس له أن يتكلم إلا بعد هارون بأربع سنين، فإذا مضت أربع سنين فاسأله عما شئت يجيبك إن شاء الله تعالى) ([46]). ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾([47]): هذه الآية تبين أن الإنسان مفطور على الانجذاب إلى عالم الملكوت والرؤيا من هذا العالم القدسي، فالإنسان مفطور على تقبُّلِ الرؤيا وتصديقها والتفاعل معها، بل الرؤيا في كثير من الأحيان عبارة عن إخبار غيبي عما سيحصل في المستقبل، وهذا نراه في واقعنا، كما نراه ذُكر في القرآن والتوراة والإنجيل، فكل ما حصل في الملكوت حصل في الأرض. فأخوة يوسف إذا قص عليهم الرؤيا سيعلمون أنه خليفة الله ووصي يعقوب ( دونهم، وربما تعاد قصة ابني آدم لذا حذَّر يعقوب ( يوسف ( أن يقص الرؤيا على إخوته، لأنهم بهذا الخبر الآتي من ملكوت السماوات، سيعلمون من حال يوسف ( ما يسعر الحسد في نفوسهم ويجعلهم غرضاً للشيطان ليستفزهم بندائه ويعديهم بدائه. لكن يعقوب ( الذي نهى يوسف عن قصِ الرؤيا أصبح شديد الاهتمام بيوسف (، وكان هذا الاهتمام قربة لله، لأن يوسف ( ولي من أولياء الله ووصي يعقوب (، لكن هذا الاهتمام أمسى سبباً ليكون يوسف غرضاً لكيد إخوته ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾([48])، فهم يرون أنهم أحق باهتمام يعقوب ( لأنهم أحق بخلافته من يوسف (، ويرون أن اعتماد يعقوب ( على الرؤيا في تحديد وصيهُ يوسف ( ﴿ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ فلم يكونوا ليصدقوا بالرؤيا لأنها خالفت أهواءهم ولذا قرروا ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ﴾([49])، قَوْماً صَالِحِينَ أرادوا أنهم يكونون أوصياء يعقوب ( وخلفاء الله في أرضه، فهنا تكررت قصة الحسد الأولى على هذه الأرض، قصة ابني آدم. وكذلك يوسف هو وصي الإمام المهدي ( وابنه، وإخوته هم علماء دين: عن سدير، قال: قال الإمام الصادق (: (إن في القائم سنة من يوسف، قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته ؟ فقال لي: وما تنكر هذه الأمة أشباه الخنازير أن أخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا بيوسف وباعوه وهم أخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه حتى قال لهم: ﴿أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله ( في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته عنهم لقد كان يوسف يوماً ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يعرفه مكانه لقدر على ذلك والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة أيام إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله ( يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله ( له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف (حين قال لهم: ﴿هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾([50])) ([51]). وقال الإمام الباقر (: (إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله (أمره في ليلة واحدة) ([52]). فكل ما جرى ليوسف يجري للمهدي الأول وصي الإمام المهدي ( واليماني الموعود. ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾([53]): وهذه الآية تكررت مع عيسى ( فلما أراد علماء اليهود لعنهم الله قتله اعترض عليهم أحدهم ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ لا تقتلوا عيسى ( …… وهذا ديدن علماء الدين غير العاملين في كل زمان يحاولون قتل الأنبياء والأوصياء لكي لا يتبعهم الناس وينجون من النار المستعرة في قلوب هؤلاء العلماء غير العاملين، ولكي يبقى الناس يتوهمون أن العلماء غير العاملين هم الطريق إلى الله بينما هم طريق إلى الشيطان و إلى جهنم بل هم جهنم، ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾([54]). وكما عادت هذه الآية مع علي ( وصي رسول الله وعادت مع وصي الإمام المهدي (، فتدبروا يا أولي الألباب فإن في قصصهم عبرة فاعتبروا بها وتعلموا منها، ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾([55])، فالامتحان كل مرة يعاد وكل مرة تفشلون وبين قولين ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ … وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾، وهكذا كل مرة ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾([56]). متى تلتفتون إلى آيات الله ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾([57])، الآن التفتوا فإنّ في قصة يوسف آيات للسائلين، سائلين الله تمام العقل، في سورة يوسف ذُكرت النبوة وليس الرسالة كما بيَّنتُ، فسورة يوسف في مقام بيان المواجهة بين العبد وربه، بين الرسول وربه، وليست في مقام بيان مواجهة الرسول مع الناس، فهي في بيان النبوة لا في بيان الرسالة، ولذلك فهي آيات لسائلين الله تمام العقل، آيات لأولياء الله، آيات لأصحاب القائم (، آيات للسائرين إلى الله، آيات في طريق الله لسائلين الله الهداية، وقد بيَّن تعالى في أول سورة يوسف ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([58])، أي ترتقون إلى السماء السابعة الكلية سماء العقل فتتم عقولكم. ولا يبعث نبي حتى يتم عقله، ويمسح القائم ( (وهو يد الله) على رؤوس أصحابه فتتم عقولهم، أي يمسح على رؤوسهم بالعلم وتتم عقولهم إذا عملوا بهذا العلم وارتقوا في ملكوت السماوات إلى السماء السابعة، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([59]). -إضاءة من قصة ابني آدم وإخوة يوسف ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾([60]). هابيل تقبل الله منه وأصبح وصي آدم ( وقابيل لم يتقبل الله منه، فحسد قابيلُ هابيلَ وهدده بالقتل، فكان رد هابيل: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، وقتل قابيلُ هابيلَ ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾، إذن ندم وخسارة لا دنيا ولا آخرة. لم يكن الأوصياء / ينظرون أن الدنيا شيء، لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فمالهم وملك لا يبقى وذكر في الدنيا يفنى مع فنائها. وهذه الحالة (حالة ابني آدم) كم تكررت، ولذا قال تعالى: أتل، أي اقرأها عليهم وبينها لهم وعرفهم بها؛ لأنها حالة تتكرر في كل زمان ومع كل وصي، فهذا السامري ابن خالة موسى ( وقائد جيشه يحسده ويقتله، لأنه قتل قضية موسى (، لما أضل بني إسرائيل، بل أراد ومن كان معه قتل هارون ( وصي موسى (، ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([61]). ومع هذا فإن موسى ( لما رجع لم يقتل السامري بل ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاس﴾([62])، وكأنهما هابيل وقابيل، حالة تتكرر مع كل وصي، فهذا يهوذا الاسخريوطي يريد قتل عيسى ( وتسليمه لعلماء بني إسرائيل، وهكذا مع كل وصي تجد قابيل وسامري ويهوذا الاسخريوطي، فمع علي ( تجد عمر حسده وقتله لما قتل قضيته واغتصب إمامته، والأوصياء / ينظرون إلى هداية الناس وتعريفهم بالله، وهؤلاء قابيل والسامري ويهوذا الاسخريوطي وعمر ينظرون إلى الملك والذكر في هذه الدنيا الفانية الزائلة مع أهلها وذكرها. ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ …﴾ في كل زمان اتل عليهم، أي في كل زمان تجدون ابني آدم، وصي مظلوم مهضوم مغصوب الحق مقتول شخصه أو شخصيته، وقاتل ملعون يغتصب حق الوصي، في كل زمان تتلى هذه الآية في أرض الواقع ولا يلتفت الناس ولا يتعضون ولا يتذكرون، بل تستمر الغفلة والجهل، ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾([63]). وكذا الحال مع يوسف ( وإخوته ﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾([64]). ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ﴾ بَنِي إِسْرائيلَ: هم أولاد يعقوب (، الأسباط والمراد منهم هنا الأوصياء /، وفي هذه الأمة هم آل محمد / المفضلون على العالمين: ﴿يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾([65])، ﴿كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ﴾: أي على الأوصياء ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾، فمن قتل وصياً قتل كل الناس، لأن الوصي والنبي هو أبو الأمة وقائدها وإمامها، فالذي يقتل شخص أو شخصية الإمام، يقتل الأمة، لأنه يتسبب في ضلالها وانحرافها، ومن نصر الوصي أو النبي وأظهر أمره وأيده وبيَّن أمره للناس ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾. والرسل / جاءوا بالبينات ومع ذلك فإن الناس قتلوهم، قتلوا أشخاصهم وشخصياتهم، واتبعوا كل مسرف متكبر ملعون ينتحل مقام الأوصياء / كالسامري وأمثاله ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾، وكذا الحال مع وصي الإمام المهدي ( فمن أحياه فكأنما أحيا الناس، كل أهل الأرض، لأنه بعث ليهدي أهل الأرض ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾([66])، ومن قتل وصي الإمام المهدي ( فكأنما قتل الناس جميعاً، كأنما قتل محمداً وعلياً وفاطمة والأئمة والأنبياء والأوصياء والمرسلين /.-إضاءة من الجب
﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾([67]). أراد يعقوب ( بالذئب النفس الأمارة بالسوء، ﴿وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ عن ذكر الله، وتذكر حالكم في الذر، وفي بداية سورة يوسف: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾([68])، فأنتم غافلون عن الذئب المستعر في بواطنكم، أي أنفسكم الأمارة بالسوء، كغفلتكم عن حالكم في الذر الأول، ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾([69]). فلما ألقوه في الجب بيَّن لهم يعقوب هذا الذئب الذي أكل يوسف: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾([70])، وفي الجب رأى يوسف ( أن هذه الذئاب سيهذبها الجوع وستأتيه خاضعة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾([71])، رأى يوسف في الرؤيا هذه الذئاب تتخضع بين يديه ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾([72])، وهو يذكرهم أنهم كانوا الذئاب التي أكلته من قبل ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾([73])، ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾([74])، لا تذكرون الله، غافلون عن ذكر الله وهذه آية للسائلين، فإذا اجتمع الجهل والغفلة أمسى الإنسان ذئباً متوحشاً لا يعرف الرحمة، فيعقوب يخاطبهم ﴿وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾([75])، ويوسف يخاطبهم ﴿إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾، ويوسف الوصي النبي المرسل ماذا يكون رده على إخوته الذين حسدوه وأرادوا قتله ؟ ﴿قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾([76]). إنه كرد هابيل ابن آدم أول وصي مقتول على من أراد قتله: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، وكرد موسى ( على السامري الذي أراد قتل هارون وموسى (: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاس﴾. قصة كل مرة تتكرر، فهل من متذكر، وهل من معتبر إن ﴿فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب﴾([77]). وبعد الجريمة يأتي الإعلام ليقلب الحقائق، وربما يجعل من القاتل مقتولاً ومن المقتول قاتلاً، ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾([78]). ولم يكتفِ الذئب البشري بإلقاء يوسف ( في الجب وتزوير الحقائق، بل ذهب في التنكيل بيوسف إلى أبعد من هذا، فلما أخرجه أهل القافلة من الجب وفرحوا به جاءهم الذئب، وقال هذا عبدي، ولم يقل إخوة يوسف عن يوسف إنه عبدنا ليبيعوه ويحصلوا على المال من أهل القافلة، بل للتنكيل بيوسف وتسليمه إلى الرق والعبودية، فهم باعوه بثمن بخس دراهم قليلة، وذلك لأنهم زاهدون فيه يريدون الخلاص منه بكل صورة، ويريدون أن يجعلوه عبداً مملوكاً بكل طريقة ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾([79]).-إضاءة من الابتلاء الواقع في الطريق إلى الله
في مسيرة يوسف ( إلى الله، في مسيرة التكامل الإنساني التي خاضها يوسف ( على هذه الأرض، كان للابتلاء مساحة واسعة، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل في شدة الابتلاء التمكين، فبعد أن أصبح يوسف ( عبداً مملوكاً في مصر، وفي بيت عزيز مصر بالخصوص ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً …﴾، نجده تعالى يقول: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾([80])، فسيأتي التمكين من هذا القيد قيد العبودية، فالشيطان (لعنه الله) يمكر ويكيد بيوسف (، ولكن ﴿… مَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾([81])، والله سبحانه يبدل السيئات بالحسنات، وذل العبودية بعز الملك ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾([82])، فكلما مكر الشيطان بيوسف وخطط لإيذاء يوسف (، مرة بإخوته ومرة بالجب ومرة بالعبودية ومرة بامرأة العزيز ومرة بالسجن تنقلب هذه الأمور إلى مسيرة يوسف ( إلى ملك مصر، فكل خطط الشيطان ومكره أصبحت أحداثاً توالت وهي تدفع وتقرب يوسف مرة بعد أخرى من ملك مصر، فمع أن الشيطان (لعنه الله) أراد إيذاء يوسف ( والإضرار به باعتباره عدوه، ولكن مكر الشيطان انقلب إلى خطة محكمة لتمكين يوسف ( من ملك مصر ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾([83]). وأرجو أن لا تفوتني وتفوتكم الفرصة من أن نستضيء بنور هذه الآية ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾، وأرجو من الآن أن نتخذ القرار الصحيح، إما أن نكون من الغافلين الجاهلين الذين لا يعلمون، أو أن نصبح من الذاكرين المتذكرين الذين يُعلمهم الله.-إضاءة من السجن
في السجن يوسف ( نبي مرسل لا يترك الدعوة إلى الله، فلابد أن يكون هناك تأثير في نفوس السجناء، كأي مجتمع إنساني في مواجهة رسالات السماء، ولابد أن ينقسم المجتمع إلى جهتين جهة تؤمن وجهة تكفر، هكذا انقسمت المجتمعات التي بعث فيها الرسل ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾([84]). ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾([85])، والفتيان اللذان دخلا معه السجن كذلك فأحدهما كان قريباً من الإيمان برسالة يوسف والثاني مكذباً، وهما مختلفان في هذه الرسالة بين التصديق والتكذيب، أقبلا على يوسف ( أحدهما رأى رؤيا هي: ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً﴾([86])، والثاني مكذب برسالة يوسف (، فكذب ﴿وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾([87]) وكان يريد ان يؤوِّل يوسف ( كذبه، ليطعن برسالة يوسف (، فهما إذن اقبلا على يوسف ليحلا خلافاً بينهما حول رسالة يوسف ( ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ولذا قال يوسف في آخر كلامه معهما ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ فحصول ما أخبرهما به يوسف (، سيثبت أن الرؤيا حق من الله، ولا ينكرها إلا القوم الكافرون وبالتالي تثبت نبوة يوسف (، التي كانت تدور حول الرؤيا، ولذا ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ ترقبا هذا ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ﴾، وبهذا يحسم النـزاع ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾([88]). فعاقبة الإيمان خير الدنيا والآخرة، وعاقبة الكفر خسارة الدنيا والآخرة، وهذا ما حصل معهما، فهما جاءا مختلفان حول رسالة يوسف (. كما أن يوسف لم يُؤوِّل الرؤيا في أول كلامه، بل بيَّن لهم رسالته، وأنه مؤيد بملكوت السماوات، ﴿قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾([89])، وانه يدعو إلى توحيد الله ونبذ عبادة العباد للعباد ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾([90]). ثم انتقل يوسف إلى تأويل رؤيا الصادق، وتأويل الرموز التي رتبها الكاذب، فينجو الصادق بصدقه، ويهلك الكاذب بكذبه وتكذيبه على الله وبرسالة يوسف (. ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا...﴾([91])، والظن هنا بمعنى اليقين قال تعالى: ﴿... قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾([92])، أي أنهم على يقين من لقاء الله. ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾([93])، أي تيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه. وأوحى الله ليوسف (: إن هذا السجين سينجو وسيكون قريباً من الملك (برؤيا السجين)، وأوحى الله ليوسف (: إن الملك سيخرجه من السجن وإن هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن، ولهذا قال له يوسف (: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾، أراد بهذا أن يبين لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطر في المستقبل إلى ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلى حاله وليذكره في المستقبل عند الملك إذا رأى الرؤيا التي ستكون سبباً في خروج يوسف ( من السجن. وهنا التفت يوسف ( إلى الأسباب، ومع أنه لم يغفل عن مسبب الأسباب كما توهم بعضهم أنه طلب معونة السجين والملك وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإن يوسف ( أشرك عندما جعل للأسباب قيمة ووزناً في ميزانه، وهو ( الذي لمس آيات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضى من حياته، وهذا الشرك الخفي ذُكر في آخر سورة يوسف ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾([94]). عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد الله (، قال: (إن يوسف أتاه جبرائيل فقال له: يا يوسف إن رب العالمين يقرؤك السلام ويقول لك من جعلك في أحسن خِلقة ؟ قال: فصاح ووضع خده على الأرض، ثم قال أنت يا رب، ثم قال له: ويقول لك من حببك إلى أبيك دون إخوتك ؟ قال: فصاح ووضع خده على الأرض وقال أنت يا رب، قال ويقول لك: من أخرجك من الجب بعد أن طرحت فيها وأيقنت بالهلكة ؟ قال: فصاح ووضع خده على الأرض، ثم قال أنت يا رب، قال: فإن ربك قد جعل لك عقوبة في استغاثتك بغيره فلبثت في السجن بضع سنين، قال: فلما انقضت المدة، وأذن الله له في دعاء الفرج، فوضع خده على الأرض، ثم قال: (اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فاني أتوجه إليك بوجه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب) ففرج الله عنه. قلت: جعلت فداك أندعو نحن بهذا الدعاء ؟ فقال ادع بمثله: اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فاني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد / وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة /) ([95]). قال يوسف ( للسجين: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾، وسبب التفات يوسف للأسباب هو الشيطان ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ فكانت النتيجة: ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾([96])، وهذا الشيطان (أي الشر) هو الظلمة التي لا يخلو منها مخلوق، فالنور الذي لا ظلمة فيه هو الله سبحانه، ومع ان هذه الظلمة قليلة في كيانات الأنبياء النورانية المقدسة، ولكنها موجودة ولها أثر على حركتهم /، ولهذا فهم يحتاجون إلى العصمة من الله ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾([97]). فلولا هذه الظلمة لما احتاجوا إلى العصمة، ومن يعتقد غير هذا فهو ينـزلهم منـزله الله سبحانه عما يشركون، وهذه المغالاة في التنـزيه لهم / حتى يوصلهم بعض من يجهل الحقيقة إلى مرتبة نور لا ظلمة فيه، هي شرك يخطأ من يعتقده، كما ان من يستخف بعصمتهم وبحقهم ومرتبتهم يكفر بحقهم ويخطأ، وقد بيَّن سبحانه في القرآن أثر هذه الظلمة في مسيرة الأنبياء في مواضع كثيرة، قال تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾([98])، والذي نسى وأنساه الشيطان هو فتى موسى ( وهو يوشع بن نون نبي من أنبياء بني إسرائيل ووصي موسى ( الذي فتح الأرض المقدسة، ومع هذا فلا بد من ملاحظة ان الله سبحانه وتعالى جعل الأنبياء محط نظره، فحتى ما يحصل بسبب هذه الظلمة يكون في النتيجة سبباً يوصلهم ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾ فأصبح نسيان الحوت سبباً دلهم على العالِم ( ﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً﴾([99])، أو يزيد علمهم ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ﴾([100])، فبعد أن تعلم داود ( من هذه الحادثة أن لا يتكلم إلا بعد أن يسمع الخصمين، خاطبه تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾([101]). ثم استفاد يوسف ( من هذه الحادثة قبل وبعد خروجه من السجن وهو في مسيرته التكاملية إلى الله ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾([102]). إذن، يوسف ( يقول: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾، فالذي أخرجه من السجن الله فقط لا غير، والذي جاء بأهله إلى مصر الله فقط لا غير، عمي يوسف عن الأسباب ولم يعد يرى إلا مسبب الأسباب، فمن ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ إلى أن الله فقط هو الذي (أَحْسَنَ بِي، أَخْرَجَنِي، وَجَاءَ بِكُمْ)،لم يعد يوسف يرى إلا الله، أما الملك الذي كان سبباً في خروجه من السجن، فلم يكن يوسف ليراه الآن، وهو الذي جاء بأهله من البدو ومع ذلك لا يرى نفسه، لقد انتقل يوسف ( إلى مرتبة أعلى وارتقى في ملكوت السماوات، لقد أصبح يوسف ( يرى بوضوح كامل انه لم يصب خيراً قط إلا من الله، ولم يصرف عنه سوءاً قط أحد سوى الله. إذن يوسف عرف الحقيقة الآن، والذي يعرف الحقيقة يكون كحمامة الزاجل همها الرجوع إلى البيت الذي أُطلِقت منه، وهكذا لم يكن دعاء يوسف ( في النهاية بعد أن أتاه الله الملك والعلم إلا ..... تَوَفَّنِي ..... ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾([103])، فلأن يوسف عرف الحقيقة يريد أن يعود إلى الحقيقة التي عرفها والتي خرج منها، وهكذا يدعو الحسين ( في يوم عرفة (يوم معرفة الله): (إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار، فأرجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار، حتى ارجع إليك منها كما دخلت إليها منك، مصون السر عن النظر إليها، ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها إنك على كل شيء قدير) ([104]). ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾([105]).-إضاءة من رؤيا ملك مصر
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾([106]). الرؤيا (الصادقة) حق من الله سبحانه وتعالى سواء رآها نبي كيوسف ( أو رآها باحث عن الحقيقة كالسجين الأول أو رآها كافر غافل عن ذكر الله كفرعون مصر. وسورة يوسف ( دارت حول هذه النقطة، الرؤيا حق من الله ينكرها الكافرون بالله كملأ فرعون ويؤمن بها المؤمنون بالله كالسجين الأول ويوسف (، أما من يرى الرؤيا فلابد أن يكون لها أثر في نفسه سواء كان مؤمناً أم كافراً، فملك مصر لم يكن مؤمناً، ولكنه لم يقبل إهمال رؤياه على أنها أضغاث أحلام، كما قرر ملأه وزبانيته. وبدأت رحلة البحث عن حقيقة هذه الرؤيا، فمرت بملأ فرعون الكافرين فأهملوها واستخفوا بها، وكذلك يتابعهم اليوم الجاهلون، ثم انتقلت إلى السجين الأول الذي نجا بايمانه وتصديقه يوسف ( وأُرسِلَ إلى السجن. فبماذا خاطب يوسف ( ؟ خاطبه خطاب مؤمن مصدق له، فإذا رجعنا إلى حاله لما تقدم هو وصاحبه إلى يوسف ( في السجن ليسأله عن رؤياه، قال مع صاحبه: ﴿.. نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾([107])، وهذه العبارة لا تعبِّر عن القطع بصدق يوسف (، أما الآن فهو يقول: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا...﴾ ([108])، أي بيّن لنا ما سيحصل حقاً وصدقاً فأنت صادق بل خيرة الصادقين ﴿أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ فهذا الشخص (السجين الأول) الآن مؤمن بالرؤيا حتى وان كان من رآها فرعون مصر، بل ويأخذ كلام يوسف حول الرؤيا على انه سيحصل يقيناً ﴿.. أَفْتِنَا ..﴾ إلا ما شاء الله رب العالمين. ونتيجة هذه الرؤيا التي رآها فرعون مصر الكافر، أن عمل بها يوسف ( فطلب على أساسها ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾([109])، ثم بنى اقتصاد مصر على أساس هذه الرؤيا، وعمل على أساسها فرعون مصر الكافر، فأخرج يوسف ( من السجن وخاطبه فقال: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾([110])، وكانت نتيجة الرؤيا: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾([111]). وهذه الرؤيا ليس فيها نبي ولا وصي، ولكنها حق من الله، وصدَّقها صاحبها فرعون الكافر، والسجين المؤمن، ويوسف (، واليوم ماذا حصل ؟ يرى المؤمنون رؤيا بالرسول محمد / وفاطمة ( والأئمة ( يقولون هذا هو الحق، فيقول لهم العلماء غير العاملين قرناء ملأ فرعون: هذه أضغاث أحلام. أو أنهم يقولون قولاً ازدادوا به طغياناً وكفراً على ملأ فرعون، وذلك بقولهم: إن الشيطان (لعنه الله) يتمثل بخيرة الله من خلقه محمد وآل محمد والأنبياء والمرسلين /.-إضاءة من نبوة يوسف
الآن، نعود إلى التركيز في ذكر يوسف ( في القرآن كنبي لا كمرسل، أي على علاقته مع الله أو ارتباط قضيته بالله، لا على ارتباط قضيته بالناس وتبليغهم، وقبل بيان الحكمة من ذلك (ومع أنها اتضحت مما سبق)، يجب أن نلاحظ أن نبوة يوسف ( كانت الرؤيا والكشف محوراً أساسياً فيها، فهو يرى رؤيا والسجين يرى رؤيا وفرعون يرى رؤيا، وكلها بالنتيجة تؤيد أحقية يوسف ( ونبوته ورسالته. إذن، فالرؤيا طريق لوحي الله إلى يوسف، والرؤيا طريق لإثبات نبوة يوسف ( ورسالته ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾([112])، ومن البينات الرؤيا التي رآها كثيرون تؤيد نبوة يوسف. وإذا عرفنا أن يوسف في زمن ظهور الإمام المهدي ( هو وصيه (اليماني)، فقولهم /: إن فيه سنة من يوسف وهي السجن، قطعاً ليست في الإمام المهدي (، لأنه لا يسجن كما هو معروف، بل هي في المهدي الأول (اليماني)، إذن فلابد أن تتكرر مع المهدي الأول قصة يوسف ( (بل وقصص الأنبياء والأئمة /)، فتكون الرؤيا محوراً أساسياً لإثبات حقه، كما كانت محوراً أساسياً لإثبات حق يوسف (. عن عبد الله بن عجلان، قال: (ذكرنا خروج القائم ( عند أبي عبد الله ( فقلت: كيف لنا نعلم ذلك ؟ فقال (: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعة معروفة اسمعوا وأطيعوا ) ([113])، وهذه الصحيفة هي رؤيا رآها النائم قبل أن يستيقظ صباحاً. عن البيزنطي، قال: (سألت الرضا ( عن مسألة الرؤيا، فأمسك ثم قال (: إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر() ([114])، أي أن الرؤيا مرتبطة برقبة صاحب هذا الأمر، أي أن الرؤيا دليل يدل المؤمنين على المهدي الأول. عن أبي بكر الحضرمي، قال: (دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله ( وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى، فقال: اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح) ([115])، واجتماع أهل البيت / على رجل في زمن الظهور لا يكون إلا في الرؤيا. إذن، فالحكمة من ذكر نبوة يوسف ( وعلاقته مع وحي الله، والرؤيا منه بالخصوص، هو ليستفاد منها الناس والمؤمنون بالخصوص، فالسنة الإلهية لا تتبدل ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([116]). فالسجينان كانا مع يوسف ( وأحدهما مؤمن ونجا مع يوسف ( وفاز بخير الدنيا والآخرة، والثاني كافر وصلب وأكلت الطير من رأسه، وكذلك مع عيسى ( أو مع شبيه عيسى ( (المصلوب) بالخصوص تكرر السجينان وصلبا معه، وأحدهما مؤمن سقي من خمر الجنة بعد صلبه وموته، والثاني كافر صلب وأكلت الطير من رأسه، وهكذا تتكرر القصة على هذه الأرض، وتتكرر نفس المقدمات ونفس النتائج والمعطيات ولكن: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾([117]).التذييلات
[1] ) غافر: 34.
[2] ) يوسف: 39.
[3] ) يوسف: 40.
[4] ) يوسف: 44.
[5] ) القمر: 15.
[6] ) يوسف:4.
[7] ) من خطبة لأمير المؤمنين (: (… فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذا أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة. فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصية ؟ كلا، ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً إن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد. وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين) نهج البلاغة: ج2، خطب الإمام علي (، ص138.
[8] ) الحج: 18.
[9] ) التوبة: 31.
[10] ) الكافي: ج2 ص398 ح7.
[11] ) الكافي: ج2 ص398 ح8.
[12] ) عن طلحة بن زيد، قال: (سمعت أبا عبد الله ( يقول: العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعداً) الكافي: ج1 ص43 ح1.
[13] ) النساء: 115.
[14] ) القيامة: 13 - 35.
[15] ) إبراهيم: 37.
[16] ) الكافي: ج1 ص392 ح1.
[17] ) في الجاهلية وقبل الإسلام كانت تلبية قريش: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، تملكه وما ملك). وكانت تلبية كنانة: (لبيك اللهم لبيك، اليوم يوم التعريف، يوم الدعاء والوقوف). وكانت تلبية بني أسد: (لبيك اللهم لبيك، يا رب أقبلت بنو أسد أهل التواني والوفاء والجلد إليك). وكانت تلبية بني تميم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لبيك عن تميم قد تراها قد أخلقت أثوابها وأثواب من وراءها، وأخلصت لربها دعاءها). وكانت تلبية قيس عيلان: (لبيك اللهم لبيك، لبيك أنت الرحمن، أتتك قيس عيلان راجلها والركبان). وكانت تلبية ثقيف: (لبيك اللهم، إن ثقيفاً قد أتوك واخلفوا المال، وقد رجوك). وكانت تلبية هذيل: (لبيك عن هذيل قد ادلجوا بليل في ابل وخيل). وكانت تلبية ربيعة: (لبيك ربنا لبيك لبيك، إن قصدنا إليك)، وبعضهم يقول: (لبيك عن ربيعة، سامعة لربها مطيعة). وكانت حمير وهمدان يقولون: (لبيك عن حمير وهمدان، والحليفين من حاشد وألهان). وكانت تلبية الأزد: (لبيك رب الأرباب، تعلم فصل الخطاب، لملك كل مثاب). وكانت تلبية مذحج: (لبيك رب الشعرى، ورب اللات والعزى). وكانت تلبية كندة وحضرموت: (لبيك لا شريك لك، تملكه أو تهلكه، أنت حكيم فاتركه). وكانت تلبية غسان: (لبيك رب غسان راجلها والفرسان). وكانت تلبية بجيلة: (لبيك عن بجيلة في بارق ومخيلة). وكانت تلبية قضاعة: (لبيك عن قضاعة، لربها دفاعة، سمعاً له وطاعة). وكانت تلبية جذام: (لبيك عن جذام ذي النهى والأحلام ) تاريخ اليعقوبي: ج1 ص 255.
[18] ) الأنفال:35.
[19] ) في تفسير الفاتحة للملا صدرا: قال الرسول /: (إن الله لم ينظر إلى الأجسام منذ خلقها).
[20] ) بحار الأنوار : ج24 ص303.
[21] ) البقرة: 115.
[22] ) الفتح: 10.
[23] ) الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية: ص307.
[24] ) قال رسول الله : (قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن) شرح أصول الكافي: ج1 ص302.
[25] ) المؤمنون: 14.
[26] ) آل عمران: 49.
[27] ) يوسف: 100.
[28] ) بحار الأنوار: ج12 ص319.
[29] ) البقرة: 144.
[30] ) البقرة: 142.
[31] ) أي الإمام الحسن العسكري (؛ لأن الحديث وارد في تفسيره.
[32] ) البقرة: 115.
[33] ) البقرة: 143.
[34] ) بحار الأنوار: ج4 ص105 - 107.
[35] ) يوسف: 4 - 6.
[36] ) الواقعة: 62.
[37] ) الأعراف: 173 - 172، وهذه الآية فيها رد على من يقول ما ذنب من لم يصل إليه الإسلام ولم يبلغ برسالات السماء كمن عاش في مجاهل أفريقيا أو في أطراف الأرض أو في أرض بعيدة عن أرض المرسلين عليهم السلام، والرد أن الآية الأولى تثبت أن الناس تم امتحانهم وكل أخذ مقامه وتبين حاله واستحقاقه والآية الثانية تبين أنهم غير معذورين بإتباع ضلال آبائهم في هذه الأرض أو أنهم عاشوا في أرض لم يطأها نبي ولم يصل لها الحق ولم يبلغهم به أحد لان الله يقول لهم إني امتحنتكم في عالم الذر وعلمت حالكم واستحقاقكم فلا تقولوا (إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) الأعراف: 173، أي أن الله يقول لهم أنا اعلم انه لو جاءكم الأنبياء والأوصياء والمرسلون وبلغكم برسالات السماء المبلغون لما آمنتم ولما صدقتم (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) الأنفال: 23، أما من يقول فلماذا لم يسووا مع الكفار في ارض الرسالات في إيصال البلاغ فالرد أن تبليغ هؤلاء فضل على من لا يقبل الفضل ولا يستحقه وأنت تعلم علم مسبق انه لا يقبله يقيناً فعرضه عليه تحصيل حاصل، وبالتالي فلا يضر أن تعرضه على بعضهم لبيان أن الباقي كهؤلاء الذين عرض عليهم الحق فلم يقبلوه فالعرض على بعضهم لإتمام الحجة وانه لا عذر لمن يقول (إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ)؛ لأن نظرائهم عرض عليهم الحق فاختاروا ضلال آبائهم على هدى المرسلين (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الزخرف: 23، بل جعلوا ضلال آبائهم هو الهدى والحق (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) الزخرف: 22.
[38] ) إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني: ج2 ص277.
[39] ) الأنعام: 75.
[40] ) يوسف: 3.
[41] ) الشورى: 52.
[42] ) تفسير الإمام العسكري (: ص641.
[43] ) الكافي: ج1 ص274 ح5.
[44] ) النساء: 58.
[45] ) البقرة: 140.
[46] ) عيون أخبار الرضا( : ج1 ص24 - 26.
[47] ) يوسف: 5.
[48] ) يوسف: 8.
[49] ) يوسف: 9.
[50] ) يوسف: 89 - 90.
[51] ) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص144.
[52] ) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص329.
[53] ) يوسف: 10.
[54] ) القصص: 41.
[55] ) يوسف: 111.
[56] ) البقرة: 87.
[57] ) يوسف: 7.
[58] ) يوسف: 2.
[59] ) غافر: 67.
[60] ) المائدة: 27 - 32.
[61] ) الأعراف: 150.
[62] ) طـه: 97.
[63] ) الروم: 7.
[64] ) يوسف: 13 .
[65] ) البقرة: 47.
[66] ) الفتح: 28.
[67] ) يوسف: 13.
[68] ) يوسف: 3.
[69] ) الواقعة: 62.
[70] ) يوسف: 18.
[71] ) البقرة: 155.
[72] ) يوسف: 88.
[73] ) يوسف: 15.
[74] ) يوسف: 89.
[75] ) يوسف: 13.
[76] ) يوسف: 92.
[77] ) يوسف: 111.
[78] ) يوسف:16.
[79] ) يوسف:20.
[80] ) يوسف: 21.
[81] ) فاطر: 10.
[82] ) النمل: 50.
[83] ) يوسف: 21.
[84] ) النمل: 45.
[85] ) يوسف: 36.
[86] ) يوسف: 36 .
[87] ) يوسف: 36.
[88] ) يوسف: 41.
[89] ) يوسف: 37.
[90] ) يوسف: 39 - 40.
[91] ) يوسف: 42.
[92] ) البقرة: 249.
[93] ) الأنبياء: 87.
[94] ) يوسف: 106.
[95] ) تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي: ج1 ص344.
[96] ) يوسف: 42.
[97] ) الجـن: 27 - 28.
[98] ) الكهف: 63.
[99] ) الكهف: 64.
[100] ) صّ: 24.
[101] ) صّ: 26.
[102] ) يوسف: 100.
[103] ) يوسف: 101.
[104] ) بحار الأنوار: ج95 ص226.
[105] ) الذاريات: 50.
[106] ) يوسف: 43.
[107] ) يوسف: 36.
[108] ) يوسف: 46.
[109] ) يوسف: 55.
[110] ) يوسف: 54.
[111] ) يوسف: 56.
[112] ) غافر: 34.
[113] ) منتخب الأنوار المضيئة للسيد بهاء الدين النجفي: ص311، كمال الدين وتمام النعمة: ص654.
[114] ) قرب الإسناد: ص380.
[115] ) كتاب الغيبة - النعماني: ص203، بحار الأنوار: ج52 ص138 - 139.
[116] ) الفتح: 23.
[117] ) يّـس: 30.