Subjects

-إضاءة الرسول والعذاب

-إضاءة من بين يدي العذاب

-إضاءة من كلمات المرسلين مع المعَذَبين

-إضاءة من المعجزة والعذاب

-إضاءة من أسباب العذاب

-إضاءة من مقدمات العذاب


Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي (/ العدد (9) إضاءات من دعوات المرسلين الجزء الثاني السيد أحمد الحسن طبعة منقحة الطبعة الثالثة 1431هـ - 2010 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org الحمد لله رب العالمين، مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح، ديّان الدين رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها، وترجف الأرض وعمّارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق. -إضاءة الرسول والعذاب ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾([1]). ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾([2]). سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً. سنة الله سبحانه وتعالى في أهل القرى حال إرسال رسول لهم أن يأخذهم بالبأساء والضراء، وهذا البأس الذي عادة يكون بسبب تسلط طاغوتي على أهل الأرض، كما هو حال تسلط فرعون مصر على بني إسرائيل، وتسلط نمرود على قوم إبراهيم (، والضرر الاقتصادي الذي يكون عبارة عن نقص في الأموال وقلة البركة في الحرث والنسل والتجارة، يكونان عادة سبباً أساسياً لحث الناس على التفكر في حالة الفساد التي يعيشونها، وبالتالي رجوع بعض منهم إلى الله والالتجاء إليه، وبهذا يتهيأ جماعة لاستقبال الرسول والإيمان به، ولكن في خضم هذا الإرسال الإلهي تفتح الدنيا ذراعيها لأهلها ولتكون فتنة لهم ترديهم في الهاوية بعد تخلفهم عن الرسول الذي أرسل إليهم، وهؤلاء يجعلون الشبهات عاذراً لسقطاتهم، ويظنون أن أعذارهم الواهية التي تخلفوا بسببها عن نصرة الرسول أو حاربوه بها كافية ليعتذروا بها أمام الله يوم القيامة. وعندما ينبههم المؤمنون إلى أن الحال مشابهة لحال الأمم التي عذبت سابقاً، يردون : إن آباءنا قد جرت عليهم هذه السنة ولم ينـزل بهم عذاب ولا أرسل لهم رسول، فهذا الرجل كاذب أو ساحر أو كاهن أو شاعر أو متوهم أو أي عذر يعتذرون به ليجدوا لهم حجة يحتجون بها على فطرتهم إذا دعتهم إلى اليقظة، وعلى المؤمنين إذا جادلوهم، وهكذا وهم في خضم هذه الحالة الجديدة أي إقبال الدنيا عليهم، ﴿بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾، وفي قمة هذه المتعة وهم في حالة سكر من النعمة والنعيم يأتيهم عذاب بغتة وهم لا يشعرون، ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾([3]). وعندها لا ينفع الندم وترتفع الأصوات ربنا غلبت علينا شقوتنا ... ربنا أخرجنا منها ... فإنا ظالمون ... ربنا ... ربنا ... ويأتيهم الجواب: ﴿قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُون ِ* إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾([4]). -إضاءة من بين يدي العذاب الرسول بين يدي العذاب الإلهي رحمة إلهية، فكيف تميز هذه الرحمة، كيف يعرف الرسول بين دعوات كثيرة باطلة، كيف يعرف الحق ؟! كيف ميز المسلمون محمداً / واتبعوه دون مسيلمة أو سجاح أو الأسود العنسي وغيرهم من علماء النصارى أو علماء اليهود أو علماء الأحناف، هل كان هؤلاء سذجاً، ولم تكن لديهم الحجج والأعذار ليعتذروا بها عن إتباع الحق الذي مع محمد /، وليحتجوا على الناس أن الحق مع دعواتهم الباطلة المحرفة ؟! ألم يكن النصارى يستندون إلى رسالة جاء بها نبي يعترف به محمد / وهو عيسى ( ؟! ألم يكن اليهود يدعون اتباع موسى، والأحناف اتباع إبراهيم ؟! ألم يقل أتباع علماء الأحناف واليهود والنصارى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾([5])، ﴿بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ﴾([6]) ؟! ألم يقولوا عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة، بل لم يكونوا يرون على الشجرة شيئاً، فهم في ريبهم يترددون، وهل كان في أيديهم عصفور أم أنه مجرد وهم وخدعة خدعهم بها الشيطان ؟ ألم يواجهوا محمداً / بتلك الكلمات: مجنون، به جنة، ساحر، كاهن، كذاب، جاهل، وغيرها. كيف يستدل على أن الحق مع المرسلين ؟! مجنون يتكلم الحكمة !! ممسوس بالجن يخرج الشياطين من الناس بكلمة من الله وتهرب منه الجن الكفرة والشياطين !! كاهن يقضي وقته في الصلاة والعبادة !! كذاب كان يعرف بالصادق الأمين !! جاهل يتحدى العلماء ويأتي بعلم يفوقهم ولا يجدون لرده إلا السفسطة والمغالطة والافتراء !! أظن أن هذه التناقضات كافية لمعرفة أن الحق مع الرسول المتهم، ثم الجن هؤلاء المخلوقات الضعيفة المسكينة حتى أشرارهم مساكين أمام أشرار بني آدم، يصورهم علماء الضلالة الذين يحاربون الأنبياء، بأنهم مخلوقات مخيفة ولها قدرات عظيمة، فهم يعلمون أن الشياطين منهم لا يصمدون أمام آية من آيات الله أو كلمة من كلمات الله سبحانه ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَايسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾([7]). ثم انهم يعلمون أنه صادق عابد ناسك، ويقولون تتنـزل عليه الشياطين. فيرد عليهم الله سبحانه الذي خلق الجن والشياطين: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾([8]). ومع ذلك فإن أكثر الناس يتّبعون علماء الضلالة أعداء الأنبياء والمرسلين، فيغوونهم ويضلونهم عن الحق الذي جاء به المرسلون، ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾، الشعراء: أي العلماء الضالون، هذا ما فسَّره أهل البيت / ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾([9]). (واد منخفض وسقوط في الهاوية والضلالة والانحراف عن الحق، وأنهم يقولون ما لا يفعلون). دائماً تجد العالم غير العامل الضال يدعو الناس إلى الخير وترك الشر، ولكن لا تجده يعمل الخير، بل هو يأكل مال اليتيم والأرملة ويستغل الضعفاء ولا يجاهد في سبيل الله، ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾([10]). وفي النهاية إذا جاء العذاب تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا، ولكن هيهات لقد حقت الكلمة و ﴿يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً﴾([11]). ومن قبل ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾([12])، و﴿قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾([13]). وينتهي الأمر بالعذاب .. ﴿فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾([14]). العنكبوت: علماء الضلالة الخونة، ونسجهم مجادلتهم للمرسلين، وسفسطتهم واهنة ضعيفة، فهل من متذكر فيخلص نفسه من شباكهم الضعيفة، ويستفيق من لدغة العنكبوت، والمخدر الذي دفعته في جسمه، ويلتفت إلى الله فيتبع الحق ويعرض عن الباطل وأهله ويلتفت أن القوة بيد الله جميعاً. -إضاءة من كلمات المرسلين مع المعَذَبين تكذيب الرسالات الإلهية عادة اعتاد عليها بنو آدم، فلم يستقبل قوم رسولهم بالأحضان، بل هم على الدوام يستقبلونه بالاستهزاء والسخرية والتهكم، وأخيراً القتل والتهجير، وليس هذا الأمر بالصدفة، أو أنه جاء من الفراغ، بل هو نتيجة حتمية للصدام الذي يحصل عادة بين المرسَل وقومه المنحرفين عن الصراط المستقيم، فهو يحاول الإصلاح ونشر القسط والعدل والرحمة، وأن يصبغ القوم بصبغة الله ويعيدهم إلى فطرة الله، وكبراء القوم من العلماء غير العاملين والمترفين يحاولون جاهدين الإبقاء على الباطل مستشرياً في المجتمع الذي يتبعهم، بعد أن أوهموه أنهم هم الحق، وأن صبغتهم هي الصبغة الصحيحة، لا أنهم عارضوا بها صبغة الله، وأن الفطرة الملوثة التي لوثوها بآرائهم الباطلة هي الفطرة الصحيحة. وهكذا يهيئ العلماء غير العاملين - في المجتمع الذي استخفوه - قاعدة منكوسة ترى المقاييس مقلوبة والحق باطلاً والباطل حقاً والمعروف منكراً والمنكر معروفاً. وفي ميدان المواجهة بين المرسلين وعلماء الضلالة غير العاملين والمترفين والمجتمع الذي استخفوه، ينبري كل مرسل لينذر قومه لعلهم يتذكرون، ويذكرهم بأيام الله لعلهم يتعظون، ويعظهم بالأمثال لعلهم ينتبهون ويستيقظون، وينبههم بالحكمة والآيات لعلهم يهتدون، وها نحن ندخل ميدان المواجهة بين نوح وقومه فها هم قوم نوح يبكتونه ويستهزئون به ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([15])، ثم يهددونه بالقتل ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾([16])، ماذا يفعل نوح لهؤلاء القوم المنكوسين الذين لا يجدون جواباً لكلماته المباركة وحكمته، إلا الاستهزاء والسخرية والتهكم ثم التهديد بالقتل، ومع ان فيهم علماء ولكن علماء غير عاملين علماء ضلالة، بدل أن يستعملوا العلم لمعرفة الحق، استعملوه للمجادلة والسفسطة وإضلال الناس وإبعادهم عن نوح ودعوته الحقة، ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([17])، هذا بعد أن علم نوح من الله سبحانه ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾([18])، لم تنفعهم كلمات نوح، كأنهم أموات لا يسمعون قوله لهم: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([19])، ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾([20])، ﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾([21])، ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾([22]). وعجيب أمر الناس فإذا كان الملوك يخافون على ملكهم الدنيوي الباطل، وإذا كان العلماء غير العاملين يخافون على مناصبهم الدينية، فعلى ماذا يخاف الناس ؟ هل يعقل أن إنساناً يسلم قياده إلى علماء الضلالة كأنه دابة مربوطة يقودها صاحبها أينما يشاء ؟ هل يعقل أن الإنسان يرضى أن يكون تابعاً لأئمة الضلال حتى يردوه في الجحيم ؟ وهل يظن أنه إذا قال يوم القيامة أنا تابع مستضعف سينفعه هذا العذر ؟ في ذلك اليوم يتبرأ أئمة الضلال من أتباعهم، قال تعالى: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾([23]). وقال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ﴾([24]). ولكن هيهات بعد اللتيا والتي، فلا بد لهم أن يذوقوا عذاب الخزي في الحياة الدنيا، ثم جهنم وبئس الورد المورود يوم القيامة. ويهدد نوح قومه: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾([25])، ولا ينفع الإنذار والتهديد ويبقى الظلم لخليفة الله في أرضه نوح، وتكذيبه إلى آخر لحظة، ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾([26])، ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾([27])، ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾([28]). وتكون النتيجة في هذه الحياة الدنيا العذاب، وهو بالنسبة لقوم نوح الغرق، لأنهم لوثوا كل شيء وأفسدوا كل شيء .. جاء الماء ليهلكهم وليطهر الأرض من آثامهم، ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾([29])، ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾([30])، ووقف نوح كما وقف صالح وشعيب من بعده، متأوهاً على قومه متحسراً عليهم: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾([31])، ﴿فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾([32]). -إضاءة من المعجزة والعذاب في الحلقة الأولى من الإضاءات قلت: إن الأنبياء يأتون ليرشدوا الناس إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، ثم يتركونهم يختارون بين الحق الذي جاءوا به أو الباطل الذي عليه الناس وكبراؤهم من علماء الضلالة، وعادة بداية دعوة المرسلين تستند إلى شخصياتهم التي عرفهم بها قومهم واتصافهم بمكارم الأخلاق وصدق الحديث وأداء الأمانة، ولكن الناس - وحتى القريبين من المرسلين- ولأنهم نكسوا فطرتهم لا يستطيعون معرفة الحق الذي جاء به المرسلون، فتبدأ المسالة بطلب الدليل على الرسالة، فيأتي الرسول بالأدلة الكافية ليعلم الناس أنه صادق، ولكنهم يماطلون ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾([33])، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾([34])، ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾([35])، ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾([36]). ما هي الآية المطلوبة ؟! آية علمية، آية روحية ملكوتية، آية مادية !!! الحقيقة، إن الناس يختلفون في الآية المطلوبة والدالة على صدق المرسل عندهم، فبعضهم يعتبر العلم والحكمة هو الآية، وبعضهم يعتبر الآيات الملكوتية التي يراها الإنسان بنفسه أو يراها عدد من الناس يمتنع تواطؤهم على الكذب هي الآية المطلوبة، ومن هذه الآيات الملكوتية الكشف في اليقظة والرؤيا الصادقة في المنام، أما ما تبقى من الناس فيعتبرون الآية المادية هي الدليل لا غيرها، وهؤلاء بالحقيقة منكوسون ماديون، وفي الغالب حتى لو جاءت الآية المادية لا يؤمنون إلا قليل منهم على شك وريبة في الغالب، وبين يديك رسالات الأنبياء. وعلى كل حال، نتعرض هنا إلى هذه الآيات على التوالي: الآية العلمية: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾([37]). ولعل أهم مائز لدعوات المرسلين هو العلم والحكمة وحسن التدبير، ولكن أكثر الناس لا يميزون بين الحكمة الإلهية التي ينطق بها المرسلون وبين السفسطة التي يعارضهم بها علماء الضلالة قطاع طريق الله سبحانه وتعالى، وعدم التمييز ليس بسبب صعوبة تمييز الحكمة كما يدعي أو يتوهم بعض الناس، بل إن أهم أسباب هذا الخلط هو أن الناس لوثوا فطرتهم وأصبحوا كالأعمى لا يميزون بين الخمر واللبن أو بين سفه الشيطان وحكمة الله سبحانه وتعالى، ويا للأسف فهذا حال معظم الناس في كل زمان. وكمثال لتوضيح الحال التي وصل إليها المسلمون، إن محمداً / جاء بالقران كمعجزة، والمسلمون جميعاً على هذا القول، ولكن من الذي يميز أن القرآن آية معجزة ؟ فلو جاء اليوم محمد بن عبد الله / ونزل إلى الأرض ومعه سورة قرآنية جديدة، جاء بها من الله سبحانه وتعالى، فهل يستطيع المسلمون أن يميزوا هذه السورة ويقطعون أنها من الله سبحانه وتعالى ؟ وبالتالي يثبت عندهم أن هذا الشخص الذي جاء بها هو محمد /، أقول وبلا تردد إن معظم المسلمين غير قادرين على التمييز وسواء منهم العلماء أم الجهلاء، إلا إذا كان هناك مسلمون لم يلوثوا فطرتهم، يستطيعون أن يميزوا هذه السورة ويعرفون أنها آية من الله سبحانه، وبالتالي فإن الذي جاء بها ليس شخصاً اعتيادياً. إذن، فالنتيجة المتحصلة أن محمداً بن عبد الله / لو جاء بالقرآن اليوم لكفر به معظم المسلمين ولم يؤمنوا به، ولقالوا ساحر وكذاب. الآية الملكوتية: هناك سؤالان مهمان يطرحان نفسيهما في هذا المقام: ما هي الآية الملكوتية ؟ على من تكون هذه الآيات الملكوتية حجة ؟ والجواب: إن الآيات الملكوتية كثيرة جداً منها الآفاقية الملكوتية ومنها الأنفسية، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾([38])، أي قيام القائم بالحق ومن هذه الآيات: نور البصيرة واطمئنان القلب والسكينة، إذا كان الإنسان على فطرة الله التي فطر الناس عليها لم يلوثها أو أنه عاد إليها بعد تذكره وانتباهه من الغفلة. الفراسة والتوسم في الآفاق والأنفس. الرؤيا الصادقة في النوم. الرؤيا الصادقة في اليقظة ( الكشف ) ومنها: الرؤيا الصادقة في الصلاة . الرؤيا الصادقة في الركوع. الرؤيا الصادقة في السجود. الرؤيا الصادقة في السنة بين النوم واليقظة. الرؤيا الصادقة عند قراءة القران. الرؤيا الصادقة عند السير إلى أبي عبد الله الحسين (. الرؤيا الصادقة عند الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى. الرؤيا الصادقة في أضرحة الأئمة والأنبياء / والمساجد والحسينيات وغيرها كثير. وكل هذه الأنواع من الكشف والرؤيا الصادقة هي آيات إلهية لأنها لا تكون إلا بأمر الله وبمشيئة الله سبحانه وتعالى، ويقوم بها ملائكة الله سبحانه وتعالى وعباده الصالحون، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. فهذه الآيات حجة بالغة لله سبحانه وتعالى على عباده، لأنها كلماته التي يكلم بها الناس، فمن كذب بها فقد كذب الله سبحانه وتعالى، وهذا أعظم أنواع الكفر والتكذيب، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾([39]). أي الآفاق الملكوتية والملكية وفي النفس الإنسانية، ليتبين لهم أنه الحق، أي قيام القائم (، كما جاء في الروايات عنهم (؛ لأن الناس يكذبون به ولا يصدقونه. والله سبحانه وتعالى يعتبر أن معظم الناس غافلون ومعرضون عن الآيات النفسية والآفاقية، ولهذا يكون الكفر بالرسالات الإلهية نتيجة حتمية وحصيلة نهائية لا بد منها، ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾([40])، ﴿وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾([41])، ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾([42]). وفي النهاية يهدد الله سبحانه وتعالى هؤلاء القوم الذين لا يؤمنون بالآيات الأنفسية والآفاقية وخصوصاً علماء الضلالة الذين يسفسطون ويجادلون لإبطال حجية هذه الآيات الإلهية، ويتوعدهم الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾([43])، ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾([44])، ﴿إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾([45])، ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾([46]). فهذه الآيات حجة دامغة سواء على أصحابها أم على الناس القريبين منهم والمعاشرين لهم، أو على الأقل فهي على غير أصحابها إن لم تكن حجة لكثرتها، فهي سبب يحفزهم بقوة للبحث في الدعوة الإلهية وتصديق الرسول الذي أرسل بها، ولكن مع الأسف معظم الناس سيبقون غافلين عن الآيات الملكوتية حتى تخرج دابة الأرض تختم جباههم بأنهم كافرون بآيات الله، ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾([47]). الآية الجسمانية (المادية): وهي آخر العلاج و آخر العلاج الكي، مع إن الكي للحيوان لا للإنسان. وعادة تكون بطلب وإلحاح من الناس، بعد أن اعتذروا بأعذار واهية عن عدم التصديق بالمرسلين والأدلة الدامغة التي واجهوهم بها، والآيات الأنفسية والآفاقية العظيمة التي أظهرها الله سبحانه وتعالى في خلقه، لتصديق دعوة أوليائه ورسله الذين أرسلهم لإصلاح الفساد، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([48]). وفي هذه المرحلة الأخيرة من الآيات، أي مرحلة الآية المادية، يكون العذاب مرافقاً للآية، قال تعالى: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([49]). فبمجرد التكذيب بهذه الآية واتخاذ موقف مضاد ينـزل العذاب، ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾([50]). والحقيقة أن المتوقع هو الإعراض عن الآية المادية، كما حصل الإعراض عن الآيات الأنفسية والآفاقية الملكوتية، لأن المكذبين بملكوت السماوات وبغيب الله سبحانه وتعالى وبكلمات الله في الرؤيا الصادقة حتماً هم أناس منكوسون، قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾([51]). وهؤلاء حقت عليهم كلمة العذاب لأنهم كذبوا كلمات الله وردوا أيدي المرسلين إلى أفواههم ولم يستمعوا كلماتهم وحكمتهم، ﴿وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾([52])، فعند هؤلاء كل آية مؤولة جن .. سحر .. أو أي شيء آخر حتى يروا العذاب الأليم، ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾([53])، ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾([54]). وفي النهاية وعندما يقف المكذبون على حافة جهنم، يتذكرون كيف واجهوا المرسلين واتهموهم بأنهم سحرة، فيأتيهم النداء لينبههم إلى عاقبتهم المخزية: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾([55]). -إضاءة من أسباب العذاب العذاب الإلهي لأمة ما في زمن ما أمر عظيم لا يكون إلا بعد أن تذهب الأمة بالانحراف العقائدي والتشريعي بعيداً، وينكس معظم أبنائها ويمسون يرون المقاييس مقلوبة، (يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً)، وبعد أن يرسل رسول يبين للناس الانحراف والباطل الذي تواضعوا على قبوله والعمل به، ثم يكذب أبناء الأمة الرسول ويعرضوا عنه لا مبالين أو مستهزئين. إذن فأسباب العذاب هي الانحراف والفساد، إضافة إلى رفض أي محاولة إصلاح لهذا الانحراف وتكذيب رسل الله سبحانه وتعالى. والانحراف العقائدي أو التشريعي في أي أمة، لا يمكن أن يحصل إلا إذا تصدى له علماء الدين في تلك الأمة، لأن عامة الناس لا يمكن أن يقوموا بحرف الشريعة وإقناع غيرهم بقبول هذا التحريف، ولما كان التحريف لا يتسنى لغير العلماء، فلا بد أن يكون المحرِّف منهم عادة، بل هو غالباً كبيرهم الذي إليه يرجعون، ثم يحافظ على هذا الانحراف جماعة من هؤلاء العلماء غير العاملين في الفترة التي تلي هذا التحريف. أما الفساد الأخلاقي فهو عادة يستشري بين الناس مع وجود الطاغوت المفسد، وخلو الساحة من العلماء الربانيين المخلصين أو قلتهم وقلة من ينصرهم، بل ووجود العلماء غير العاملين المنكبين على الشهوات والذين بسيرتهم المخزية يحرفون الناس عن الصراط المستقيم، بل ويسببون نفور كثير من الناس من الدين، ورفضهم تعاليم الأنبياء والأوصياء، لأنهم يظنون أنها تعاليم هؤلاء العلماء الفاسدين، وهؤلاء الذين يَنْفرون من الدين، أهون بكثير من أولئك الذين يقلدون هؤلاء العلماء الفاسدين، ويتابعونهم في انحرافهم دونما محاولة نقد أو نظر في هذا الانحراف، بل دون أي محاولة اعتراف بهذا الواقع المخزي لهؤلاء العلماء الفاسدين، وان كان واقعهم بيناً جلياً لا يحتاج إلى البحث والنظر لمعرفته، وهؤلاء المقلدون عميان لا يرون إلا ما يرى علماؤهم غير العاملين الفاسدين، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾([56]). ومع هذا الواقع الجاهلي لا نحتاج إلى الكثير لنعرف النتيجة التي يقصها علينا القران، وهي تكذيب المصلحين المرسلين من الله سبحانه تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([57]). وتتوالى الرسالات ويتكرر موقف العلماء غير العاملين ومقلديهم من الأنبياء والمرسلين / ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ……﴾ ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ برسالته ﴿مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ علماء متكبرون يظنون أن كل من لا يواكب مسيرتهم في السفسطة الشيطانية سفيه ﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([58])، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ………﴾([59])، ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾([60])، ﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾([61]). حتى الطواغيت ربما ترق قلوبهم لحال يتيم جائع أو أرملة مكسورة الجناح، وهؤلاء الشاذون علماء الضلالة غير العاملين وأتباعهم أصحاب الجمعيات اللاخيرية وغيرهم - لعنهم الله وأخزاهم وأظهر عارهم في هذه الحياة الدنيا وكللهم به على رؤوسهم العفنة - يقومون باستغلال الأرملة والمساكين لتحصيل الأموال وجمعها ثم نهبها باسم هؤلاء المظلومين المستضعفين، وإذا أعطوهم منها فالقليل وبأساليب رخيصة، و والله إني لأستحي أن أصرح بها، وأعجب كيف يفعلها هؤلاء الأراذل قوم لوط في هذا الزمان، فأحدهم سود الله وجهه في الدنيا والآخرة عمره ناهز الستين، تأتيه امرأة فيغلق عليها الباب ويدعوها إلى الفاحشة باسم المتعة، والآخر يتزوج فتاة في العشرين وعمره ناهز السبعين، وهؤلاء الشاذون عبيد الشهوات يركبون أحدث السيارات ويضعون الحرس، ولا أدري مما يخاف هؤلاء الجبناء علماء الضلالة الخونة، ويسكنون بيوتاً فارهة مؤثثة بأرقى أثاث. هؤلاء هم أتباع معاوية (لعنه الله) وبقية آل أبي سفيان، ورسول الله منهم براء و إن ادعوا الانتساب إليه /، وجواب هؤلاء المنكوسين وجواب قوم لوط واحد لمن يدعوهم إلى الإصلاح وهو: ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾([62]). ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾([63])، ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾([64])، يستعملون مع شعيب ( الإغراء بالمال والمداهنة والمدح الرخيص، بل والتذلل والظهور بصورة الحمل الوديع، ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُك﴾، ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾، يؤكدون بقوة نحن على يقين من رشدك وحلمك وتصرفاتك، ولكن بعد لحظات لما لم ينفع المدح الرخيص والإغراء مع شعيب (، ابتدأت مرحلة جديدة ﴿قَالَ الْمَلَأُ﴾ الملأ علماء السوء أعداء الأنبياء على الدوام ﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاَ﴾([65]). -إضاءة من مقدمات العذاب إذا تمت أسباب العذاب، وكذب الرسول واستهزأ به القوم وخصوصاً علماء السوء ومقلديهم العميان، بدأت مرحلة جديدة وهي مقدمات العذاب، وهي كمقدمات العاصفة الهوجاء التي تبدأ بنسيم طيب يركن إليه الجاهل ويظن انه سيدوم، ولكن بعد لحظات تصل الريح العاصف التي تدمر كل شيء بإذن ربها، ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون﴾([66]). بداية العذاب بإقبال الدنيا على أهلها الذين كذبوا الرسل، ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ وذلك لسببين: الأول هو إغراقهم في الشهوات والملذات وزخرف الدنيا بعد أن ركنوا إليه، وأمسى هو مبلغهم من العلم لا يعدونه إلى سواه، وليزدادوا غفلة إلى غفلتهم ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾([67]). والثاني ليعظم عذابهم النفسي، لمّا ينـزل بهم العذاب الإلهي الدنيوي، وذلك عندما يفارقون الدنيا التي أقبلت عليهم واستقبلوها بالأحضان، ﴿فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾، دونما تفكر أو تدبر لحالهم المخزي، وهم يرزحون تحت ظل طاغوت محتل متسلط، وكأنهم لم يسمعوا الحديث القدسي: (يا ابن عمران، إذا رأيت الغنى مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته) ([68])، وهكذا الغافلون دائماً يظنون أن الدنيا التي أقبلت عليهم مكافأة لهم، والن/عمة والنعيم ثمناً لأتعابهم، وهي في الحقيقة النسيم الذي يسبق العاصفة !! وهي في الحقيقة ذنب عجلت عقوبته!! أحمد الحسن 26 صفر 1425 هـ.ق النجف الأشرف
Footers

[1] ) الأعراف: 94 - 95.

[2] ) الأنعام: 42 - 44.

[3] ) الحجر: 72.

[4] ) المؤمنون: 108 - 110.

[5] ) الزخرف: 23.

[6] ) البقرة: 170.

[7] ) الشعراء: 210 - 212.

[8] ) الشعراء: 221 - 223.

[9] ) الشعراء: 225.

[10] ) البقرة: 96.

[11] ) الفرقان: 27 - 29.

[12] ) النمل: 47.

[13] ) النمل: 56.

[14] ) العنكبوت: 40 - 41.

[15] ) هود: 32.

[16] ) الشعراء: 116.

[17] ) الشعراء: 117 - 118.

[18] ) هود: 36.

[19] ) الأعراف: 61.

[20] ) هود: 25.

[21] ) هود: 26.

[22] ) الأعراف: 59.

[23] ) إبراهيم: 21.

[24] ) البقرة: 166 - 167.

[25] ) هود: 39.

[26] ) القمر: 9.

[27] ) الذاريات: 46.

[28] ) النجم: 52.

[29] ) يونس: 73.

[30] ) الشعراء: 66.

[31] ) الأعراف: 79.

[32] ) الأعراف: 93.

[33] ) الأنعام: 37.

[34] ) البقرة: 118.

[35] ) يونس: 20.

[36] ) الرعد: 7.

[37] ) الجمعة: 2.

[38] ) فصلت: 53.

[39] ) فصلت: 53.

[40] ) يونس: 92.

[41] ) يونس: 7.

[42] ) الحجر: 81.

[43] ) الحج: 51.

[44] ) سـبأ: 38.

[45] ) يونس: 21.

[46] ) سـبأ: 5.

[47] ) النمل: 82.

[48] ) البقرة: 118.

[49] ) الأعراف: 73.

[50] ) هود: 64.

[51] ) الأعراف: 146.

[52] ) يونس: 95 - 97.

[53] ) الأعراف: 132.

[54] ) القمر: 2.

[55] ) الطور: 15.

[56] ) لقمان: 21.

[57] ) الأعراف: 59 - 61.

[58] ) الأعراف: 66 - 67.

[59] ) الأعراف: 73.

[60] ) الأعراف: 75 - 76.

[61] ) الأعراف: 80.

[62] ) الأعراف: 82.

[63] ) الأعراف: 85.

[64] ) هود: 87.

[65] ) الأعراف: 88.

[66] ) الأنعام: 44.

[67] ) الأعراف: 183.

[68] ) الكافي: ج2 ص263 ح12.