Subjects
-الإهداء
-كـلمــة
-مقدمة
-الواقفة في زمن الرضا ع وفي زمن الظهور المقدس
-دوافع الواقفة في زمن الرضا ع وأشباههم زمن الظهور المقدس
-الذرائع التي تذرع بها الواقفة في زمن الإمام الرضا ع وأشباههم في زمن الظهور المقدس
-تحذير الأئمة ص لفتنة الواقفة في زمن الرضا ع
-تحذير الأئمة ص لفتنة (الواقفة) في زمن الظهور المقدس
-موقف الإمام الرضا ع من الواقفة
-الرؤيا الصادقة والاستخارة بالقرآن الكريم
-توعد الإمام الرضا ع ولعنه للواقفية في زمانه وفي زمان المهدي الأول ع
-علم الإمام الرضا ع وعلم يماني آل محمد ع
-كتاب للرضا ع يفضح فيه الواقفة (في كل زمان)
-الإمام الرضا ع ينص على نفسه والمهدي الأول ع أيضاً نص على نفسه
-الخـاتمـة
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (63) واقفة عصر الظهور بقلــم علاء رزاق الأسدي الطبعة الثانية 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى عبد الله الرضيع أهدي هذه الكلمات ... فأضفني سيدي بأحسن ضيافة .. إلى سيدي ومولاي الإمام المهدي ع .. أهديك هذه الكلمات وأنت المتفضل بالقبول .. يا وقاية الله وستره وبركته أغثني .. أدنني .. أدركني صلني بك ولا تقطعني .. خادمكم الحقير 1/ ذي القعدة/ 1427 هـ . ق -كـلمــة .. [بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، كلمة أتحصن بها من شر أعدائي من الأنس والجن، وأتقوى بها وانتصر على الجاحدين والكافرين من الأنس والجن أجمعين] ([1]). من خلال معاصرتي لهذه الدعوة المباركة (دعوة السيد أحمد الحسن ع) على مدى حوالي ثلاث سنوات، كانت عبارة (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) من أكثر العبارات التي تتردد على مسامعي ولساني، فكلما تحدثت مع أحد من الأنصار بحديث فلابد أن تسبق هذه العبارة لسانه في الكلام، أو تجدها تتكرر في أكثر من موضوع وفي أكثر من مناسبة، فكأنما أصبحت هذه العبارة هي شعاراً لهم من حيث لا يشعرون. فعندما تدخل - عزيزي القارئ - داخل النظام المجتمعي لأنصار هذه الدعوة، تجد نفسك وقد دخلت في مجتمع بسيط خالي من التعقيدات، مجتمع جعل نور الله طريقه في الحياة، وجعل من أولياء الله قادة هذا الطريق. تجد أناساً بسطاء قد جمعهم حبهم لأولياء الله، ووحدهم أمر القائم ع، ولعلي لا أغالي أذا قلت أن 99% من حديث أنصار هذه الدعوة هو ما يدور عن قضية الإمام المهدي ع، حتى أصبح صاحب هذا الامر هو غذائهم وشرابهم والهواء الذي يتنفسون. وأني لأجد نفسي (والأنصار كذلك)، لا يحلو لنا حديث إلا بذكر الإمام المهدي ع، هذا ما لا تجده عزيزي القارئ في غيرها من الدعوات، حتى وإن قلت بأن كثيراً من الناس يلهجون بذكر الإمام، ويكتبون في موضوع الإمام المهدي ع، فصدقني ليس كهؤلاء .. هؤلاء (الأنصار) لم يعد ذكر الإمام المهدي ع بالنسبة إليهم مجرد ذكر أكاديمي، أو موضوع بحث، أو حديث تفرضه مناسبة معينة، بل أصبح ذكره عندهم حلاوة وشوقاً ونعمة إلهية لا يستشعرها من هو خارج هذه الدعوة، كأنما أصبح الإمام يخصهم وحدهم وليس لغيرهم حصة في ذكره ع. وقد أصبحت الرؤى الصادقة والكشوفات بالأئمة ص والتي يتناقلونها بينهم من الأمور المعتادة والتي لا يكاد يخلو حديث منها بين أي من هؤلاء الانصار. تجدهم مجتمع إلهي بسيط يتسابق أنبياء الله للفوز به أو التشرف بخدمته، ولكن الله تبارك وتعالى قد ادخر هذا المجتمع لمن ادخره ليقيم دولة الله في أرضه. فإنك تجد أحدهم لم يعد يرى لهذه الحياة معنى إن لم توظف لخدمة قضية الإمام المهدي، وتجده أيضاً لا يرى لنفسه وجوداً بدون هذه الدعوة المباركة، حتى صاروا يستبشرون بكل كلمة تصدر عن قائدهم ويفرحون بكل معلومة جديدة أو طرح جديد أو توضيح لرواية من روايات أهل البيت ص كانت قد احتفظت بسرها طوال فترة التشيع. فهؤلاء قوم بدأوا يسيرون في طريق التكامل رجوعاً إلى خالقهم وبارئهم، وطريقهم في هذا الرجوع هو الفتح الذي منّ به الله تعالى عليهم بإتباعهم وتصديقهم لرسول الإمام المهدي ع. فعلى الله توكلوا وربطوا الأحزمة واستعانوا به على عبادته واستقووا به على طاعته، فكان شعار (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) شعارهم ودثارهم ومنهجهم في هذه الحياة. والحمد لله وحده وحده وحده. -مقدمة .. لا تزال قضية الواقفة من أخطر القضايا التي واكبت أئمة أهل البيت ص على مدى تاريخ التشيع حيث كانت تأخذ شكلاً معيناً في فترة، ثم تنسلخ وتأخذ شكلاً آخر في فترة أخرى، لكنها كانت دائماً تؤدي إلى نتيجة واحدة ألا وهي معاناة لولي الله وحجته على خلقه كلٌ في زمانه. فقد ظهرت مباشرة بعد وفاة رسول الله ص بارتداد الأمة عن وصيه وخليفته علي بن أبي طالب ع وقالوا: (مات رسول الله ولم يوص لأحد من بعده فهو خاتم الرسل ولا ولي لله ولا وصي بعده)، وثبت معه ع نفر يسير، فكان منهم ما يمكننا تسميته (وقوفاً على ولاية الرسول ص دون الامتداد إلى أوصياءه). بعدها وقف السبأية على الإمام علي ع، ووقف الكيسانية على محمد بن الحنفية، ووقف الناووسية على الإمام الصادق ع، والإسماعيلية قالت بإمامة إسماعيل ابن الإمام الصادق ع، والواقفة وقفوا على الإمام الكاظم ع وقالوا بأنه (أي الكاظم ع) هو قائم آل محمد وإنه لم يمت، وبعد الإمام الرضا ع قالت جماعة بإمامة أخيه أحمد بن موسى الكاظم ع مدعية بأن الإمام الرضا ع كان قد أوصى إليه بالإمامة !! وبعد الإمام الجواد ع عدلت جماعة عن إمامة علي الهادي ع إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد (وهو الملقب بالمبرقع)، وبعد وفاة علي الهادي ع قالت جماعة بإمامة ابنه محمد (وهو الملقب بسبع الدجيل الذي توفي في حياة أبيه ع)، وفي حياة الإمام الحسن العسكري ع كانت جماعة تقول بإمامة أخيه جعفر بن علي الهادي (الملقب بجعفر الكذاب)، وبعد وفاة الإمام الحسن ع تفرقت الشيعة حتى جاوزت العشرين فرقة. ولكن من أخطر مراحل هذا الانحراف عن ولي الله هو ما واجهه الإمام الرضا ع، فقد كان هذا الانحراف في أشد قوته ومحاربته لوصي رسول الله ص وما رافق ذلك من ظروف (أمنية) مشددة كان يواجهها الإمام ع من قبل الحاكم الظالم، فقد كان ع تحت الإقامة الجبرية من قبل هارون اللارشيد (لعنه الله)، ودخول وخروج أصحابه عليه كان من الصعوبة بمكان إلى درجة أنه كان يتصل بهم من خلال الكتب فقط، مما زاد في صعوبة الامتحان الذي واجهته شيعة ذلك الزمان فعدل عنه (خلق كثير) كان من ضمنهم كبار صحابته وصحابة أبيه ع. إضافة إلى ذلك، فقد أضيف مصدر ضغط إضافي على الإمام ع في تلك الأيام، تمثل في انقلاب أكابر علماء الشيعة ووكلاء أبيه ع على أعقابهم ومحاربتهم العلنية لحق الإمام الرضا ع بالإمامة من بعد أبيه ع وتأليب الناس ضده، ومحاولتهم إطفاء نوره بحجج واهية وأحاديث موضوعة ونسيانهم أو تناسيهم للروايات والأحاديث والوقائع التي وردت عن آباءه ص في (إثبات حقه) بالإمامة أو تأويلهم لتلك الروايات والأحاديث حسب أهوائهم وتخرصاتهم. وهذا البحث يعرض بشيء من الاختصار لهذه الفتنة التي حلت بالشيعة لما لها من شبه وتطابق (وتذكير) لما نمر به اليوم من (وقوف) الكثير من الشيعة على إمامة الإمام المهدي ع، ونكرانهم لوصية رسول الله ص للمهديين من ولده ص ومحاربة بعضهم لوصيه وخليفته من بعده السيد أحمد الحسن ع، من بعد ما جاءهم بأدلة وحجج آباءه ص في إثبات إمامتهم ووصايتهم لرسول الله ص، وهذا ما نستعين بالله على إثباته في هذه الصفحات. وأود الإشارة هنا إلى قول السيد أحمد ع في بيانه لمنهجه في هذه الدعوة المباركة حيث قال: [لأن أدلتي كأدلتهم - الأنبياء والمرسلين والأئمة - ولم أتجاوز طريقتهم في إثبات دعواهم ص وقد أخبر الأئمة ص إن صاحب الحق يعرف بالوصية ومعرفة المحكم والمتشابه ...] ([2]). فالمتتبع لقضية الواقفة وموقف الإمام الرضا ع منهم وطريقة معالجته لهذه الفتنة وإثبات حقه بالإمامة يجدها عينها الطريقة والأسلوب الذي نهجه السيد أحمد الحسن ع في إثبات حقه، وأنه وصي من أوصياء رسول الله ص، والإمام من بعد الإمام المهدي ع (... فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) ([3]). وأنا (وأعوذ بالله من الأنا) لم أأت بشيء جديد في هذا البحث، بل الذي يتتبع قضية السيد أحمد الحسن ع وما كتب فيها من بيانات وكتب وخطب يجد فيها الكثير من الإشارات والاحتجاجات بما جرى على الإمام الرضا ع من ظلم وحيف من قبل المنحرفين (علماء الضلالة وأتباعهم)، وكذلك يجد الكثير من أدلة دعوة السيد ع هي هي الأدلة التي أحتج بها الإمام الرضا ع وأصحابه الثابتين معه على الناس. فما كان من بحثي هذا سوى تذكير وحصر (بعض الأدلة) ومقارنتها بشيء من التفصيل بأدلة السيد ع بعدما كانت مجرد (إشارات) وردت في إصدارات هذه الدعوة المباركة. * * * -الواقفة في زمن الرضا ع وفي زمن الظهور المقدس (أول من ابتدع فكرة الوقف وأظهر الاعتقاد بها وروج لها بين الشيعة هم: علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، وهؤلاء من أصحاب الإمام الكاظم ع ذهبوا إلى الوقوف على الإمام الكاظم ع وادعوا بأنه حي لم يمت، وأنه هو القائم من آل محمد ص، وأن غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه، ويلزم على ضوء هذا الإدعاء عدم انتقال الإمامة إلى ولده الإمام الرضا ع) ([4]). وهنا بدأت الفتة بإظهار رأسها (علماء الدين المنحرفين)، أو قل الذين اتخذوا لباس الدين سلاحهم في إضلال الناس ومحاربة أولياء الله، وهذه سنة الله في الخلق، فكان أشد ما عانى منه الأنبياء والمرسلون على مر الزمان هو ما كانوا يلاقونه من علماء الأديان المتزيين بلباس الدين، (فأصحاب الإمام الكاظم ع) لم يكونوا أناساً عاديين، بل كانوا يروون عنه وعن آباءه ص، وكانوا وكلاء الإمام ع في الأمصار، وكانت تجبى إليهم الأموال والحقوق الشرعية، وكانوا واسطة بين الناس والإمام، وكانوا وكانوا .. وهذا هو حال أغلب علماء الأديان في كل زمان، فهم واجهة الشريعة ومنهم تأخذ الناس وحالما يأتيهم أمر الله بالتسليم لوليه وحجته على خلقه تجدهم (ينقلبون على أعقابهم) ويستكبرون على أولياء الله ويحاربونهم بالدين، وبالضبط هذا ما لمسناه من علماء الشريعة (المجتهدين وأتباعهم) بعد انبثاق فجر الدعوة المباركة لظهور أمر الإمام المهدي ع والمتمثلة برسوله إلى الناس السيد أحمد الحسن ع، حيث رأينا علماء هذا الزمان قد تخبطوا العشواء في فتاواهم وكلامهم الذي فضحوا به أنفسهم وبينوا للناس جهلهم بالعقائد وأصول الدين، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فتجاوزوا حدودهم التي ألزموا أنفسهم بها (الفقه) وأخذوا يفتون بالعقائد وأصول الدين ويتقدمون أئمتهم ص ومحاولاتهم المخزية لتوجيه حركة الإمام المهدي ع حسب أهوائهم وفهمهم القاصر عندما قال أحدهم بأنه لا يمكن رؤية الإمام المهدي لا في الواقع ولا في الرؤيا، وصاحبه الآخر الذي قال بأننا عانينا ما عانيناه في زمن الطاغية ولم يأتنا الإمام المهدي، أيأتينا الآن وقد أمسينا قادة للناس وأصبح الأمر في أيدينا ؟ فليتأخر الإمام ثلاثون سنة أخرى. وذلك الذي قال بأن الإمام المهدي أبتر وليس له ذرية. وغيرها الكثير من التجاوزات على أئمة أهل البيت ص، ومن شاء الاطلاع على تجاوزاتهم فليراجع أنصار السيد أحمد الحسن ع. ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾([5]). هذا من ناحية علماء السوء والضلالة الذين هم أحد أطراف المعادلة الشيطانية، أما الطرف الآخر فهم الناس أو قل الرعية أو الأتباع، فهؤلاء هم السبب الرئيسي في تقوية الطرف الآخر (علماء الضلالة)، فكلما زاد إعراض الناس عن الله وعن أولياء الله، زاد استكبار علمائهم وقويت شوكتهم في محاربة الأوصياء وأصحاب الحق، فهي معادلة، زيادة من هنا تعني زيادة هناك. وحتى في يوم الجزاء تجد تحقق هذه المعادلة في تبرأ كل طرف من الطرف الآخر. ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبابُ( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ﴾([6]). فلم يتحرك أحد من (الشيعة) لمواجهة أخطاء وإضلال علماء المذهب وخصوصاً في الفترة التي أعقبت سقوط هدام الملعون، واحتلال جيش (الشيطان الأكبر) للعراق، وإعادة فتنة السقيفة، وهدم بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وقتل الأبرياء، وتسلط (الأحزاب) على رقاب المسلمين، وانتهاك الأعراض، وتهجير الناس فضلاً عن محاربة رسول الإمام المهدي ع. لم يقف أحد من (الأتباع) بوجه هؤلاء علماء السوء، وسكوتهم وصمتهم وهم يرون الإسلام (ينقض عروة عروة) وكأن الأمر لا يعنيهم، أو قل كأنهم وخلال دراستهم وتعمقهم بأمور الدين لهذه السنوات الطويلة لم يسمعوا بشيء اسمه (الجهاد) أو (الدفاع عن النفس والعرض والمال) وهو دون الجهاد. صمتوا عن المحتل، وصمتوا عن (التكفيري)، وصمتوا عن (الأحزاب) التي تسلطت على رقاب الناس، ولم ينطق لسانهم إلا عندما جاءهم رسول منهم يدعوهم لنصرة إمامهم وإمام الأنس والجن. وهذا غير مستغرب ولا بالشيء الجديد، فعلماء السوء على مر الزمان تجدهم صامتين طالما أن مناصبهم محفوظة وتقديس الناس لهم موجوداً، لكن ما إن يسمعوا بنبي أو وصي نبي يقول لهم: ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾([7])، تظهر أنيابهم وتبرز مخالبهم ولا يدعون وسيلة إلا استعملوها مع هذا المرسل، لا لشيء فقط لأجل مناصبهم الدينية وتسلطهم على الناس. * * * -دوافع الواقفة في زمن الرضا ع وأشباههم زمن الظهور المقدس (المتطلع في الروايات والتأريخ وكتب الرجال يلمس أن أبرز الدوافع في نشوء هذه الشبهة والترويج لها هو أن قوام الإمام موسى بن جعفر الكاظم ع وخزنة أمواله التي تجبى له من شيعته طمعوا فيما كان بأيديهم من الحقوق الشرعية والأخماس، ولقد اجتمع عند هؤلاء أموال طائلة خلال الشطر الأخير من حياة الإمام الكاظم ع عندما كان يرزح تحت وطأة سجون الظالمين، ولما استشهد الإمام ع في السجن بالسم، طالبهم الإمام الرضا ربما عندهم من الأموال، فغررت بهم الدنيا، وأنكروا موت أبيه ع، ولقد كان عند علي بن أبي حمزة البطائني ثلاثون ألف دينار، وعند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وست جوار، وعند أحمد بن أبي بشر السراج عشرة آلاف دينار، فنازعتهم نفوسهم وأطماعهم في تسليم هذه الأموال للإمام الرضا ع، متحيلين لذلك بإنكار موت الإمام الكاظم ع، مدعين أنه حي يرزق، وأنهم لم يسلموا من هذه الأموال شيئاً حتى يرجع فيسلموها له، وذلك لأجل التمويه على العامة، ولتمرير جشعهم وطمعهم عبر طريق صحيح حسب اعتقادهم، والحقيقة أنهم ابتعدوا عن جادة الهدى وهووا في قرار الجحيم. وخلاصة القول: إن نشوء هذه الفكرة وانطلائها على أذهان كثير من شيعة الإمام ع يعد من العوامل الهدامة الخطيرة في ذلك الوقت، التي لا بد من التصدي لها بكافة الوسائل المتاحة. والشيء الآخر أن نشوء هذه الفكرة لم يكن عن اعتقاد واقتناع بواقعية وأصالة مبادئها، بل كان لمجرد رغبات مادية وعوامل دنيوية انحرفت بأصحابها عن الطريق المستقيم) ([8]). يا سبحان الله، ما أشبه الأمس باليوم، إمام غائب و (نواب عامون كما يسمون أنفسهم) تجبى إليهم الأموال من كل حدب وصوب، وتأتيهم الناس من كل فج عميق؛ لتقديم فروض الطاعة والولاء باسم (الإمام المهدي ع)، ويتصرفون في الأموال بالأهواء والمعارف الشخصية، وسرقة أموال اليتامى والأرامل، وتضييعهم لسنة رسول الله ص وأئمة الهدى ص بتوزيع الأموال على مستحقيها وبالسوية، لا أحد ينكر ما هم فيه (علماء آخر الزمان) من الثراء الفاحش والأموال المتكدسة والعزائم والولائم واستعمال الأموال في النفوذ إلى السلطة الحاكمة، ومن أنكر ذلك فهو مكابر وقليل المعرفة بحال هذه الطبقة من المجتمع. فطيلة فترة سجن الإمام الكاظم ع في سجن هارون اللعين، والتي دامت حوالي الأربعة سنوات، تجمعت عند هؤلاء (الوكلاء) من الأموال - وهي لا تكاد تذكر أمام الأموال التي تجمعت عند علماء آخر الزمان بعد غيبة الإمام الحجة ع - وعندما علموا باستشهاد الكاظم ع وطالبهم الإمام الرضا بتلك الأموال، أغرتهم وفتنتهم وأظهرت نفاقهم وتكبرهم على ولي الله فجحدوه حقه وناصبوه العداء لا لشيء سوى (الأموال). فما فرق علماء السوء في هذا الزمان عن أولئك، فكلا الفئتين آثرت الدنيا على الدين، وإلا لو كان الدين هو الأساس لما سكتوا عن أمريكا وحربها للإسلام في عقر داره (العراق)، ولما سكتوا عن الأحزاب اللقيطة وهي تجور على العباد وتسلبهم أموالهم وممتلكاتهم، ولما سكتوا عن النواصب وهم يسيؤون للمذهب ويتجرؤون على أهل البيت ص ويهدمون قبورهم ولما.. ولما.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وجاء في رواية أحمد بن حماد: (أن عثمان بن عيسى الرواسي كان في مصر، وعنده للإمام مال كثير وست جوار، فبعث إليه أبو الحسن الرضا ع فيهن وفي المال، فكتب إليه: أن أباك لم يمت. فكتب إليه الإمام ع: "إن أبي قد مات، وقد قسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته" واحتج عليه فيه. فكتب إليه عثمان الرواسي: إن لم يكن أبوك قد مات، فليس لك من ذلك شيء، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن) ([9]). جاء في (الغيبة) للطوسي: (أن الحسين بن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال قال: كنت أرى عند عمي علي بن الحسين بن فضال شيخاً من أهل بغداد، وكان يهازل عمي، فقال له يوماً: ليس في الدنيا شر منكم يا معشر الشيعة. فقال له عمي: ولم لعنك الله ؟ قال: أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السراج، فقال لي لما حضرته الوفاة إنه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر ع، فدفعت ابنه عنها بعد موته، وشهدت أنه لم يمت، فالله الله خلصوني من النار، وسلموها إلى الرضا ع، فوالله ما أخرجنا حبة، ولقد تركناه يصلى في نار جهنم) ([10]). روي بالإسناد إلى أحمد بن الفضل: (أن يونس بن عبد الرحمن قال: مات أبو الحسن موسى بن جعفر ع وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، ومضى يقول: فلما رأيت ذلك، وتبين لي الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا ع ما علمت، تكلمت في ذلك، ودعوت الناس إليه، فبعثا إلي وقالا: لا تدع إلى هذا الأمر، فإن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار على أن أكف وأترك هذا الأمر، فقلت لهما: إنا روينا عن الصادقين أنهم قالوا: "إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب الله عنه نور الإيمان"، وما كنت أدع الجهاد وأمر الله على كل حال، فناصباني وأظهرا لي العداوة) ([11]). وقد كان لـ (شباب الشيعة المخلصين) الدور الواضح في مواجهة هذا التيار الشيطاني المتمثل بعلماء السوء، وقد أشار السيد الوصي ع لهذه النكتة بقوله: [فقد حارب كبار علماء الشيعة الإمام علي بن موسى الرضا ع وحاولوا دفعه عن حقه، لا لشيء فقط ليستأثروا بأموال الصدقات والرئاسة الدينية الباطلة، ومن هؤلاء العلماء الشيعة ظاهراً الضالين (علي بن حمزة البطائني)، وهو من أصحاب الإمام موسى بن جعفرع ومن كبار علماء الشيعة، ولكن لما استشهد الإمام موسى بن جعفر ع حارب علي بن حمزة البطائني الإمام الرضا ع، ولكن تصدى شباب الشيعة لهؤلاء العلماء غير العاملين وثبّتوا المذهب، وبينوا باطل هؤلاء الفقهاء الظلمة، ومن هؤلاء الشباب أحمد بن محمد بن أبي نصر البيزنطي وهو من خلص أصحاب الإمام الرضا ع الممدوحين، والنتيجة علماء السوء غير العاملين والطواغيت وأعوانهم وأتباعهم هم الذين يدفعون اليتامى عن مقاماتهم ولا يحظون على إعطاء المساكين حقهم] ([12]). وقد تصدّى شباب الشيعة في هذا الزمان لعلماء السوء غير العاملين الذين دفعوا وصي ورسول الإمام المهدي ع عن مقامه وحرموه من حقه باستلام زمام الأمور وقيادة المسلمين، وأعرضوا عن نصرته وخذلوه وأغروا به صبيانهم وشياطينهم، كما فعل أهل الطائف من قبل برسول الله ص. فعمل هؤلاء (الشباب) على فضح أولئك المضلين وبينوا باطلهم بالحجة والدليل، وسلاحهم في ذلك الثقلين: القرآن والعترة، فثبتوا المذهب وأظهروا حق أهل البيت ص الذي ضيعه هؤلاء الفقهاء الظلمة، الذين استبدلوا القرآن بالدستور وعدلوا عن ولاية أمير المؤمنين ع إلى الانتخابات وحاكمية الناس، واعتمدوا على العقل القاصر بالتشريع، ونكروا وصية رسول الله ص في أوصياءه الأئمة والمهديين ص. ومن هؤلاء الشباب، الشيخ ناظم العقيلي، والشيخ حبيب السعيدي، والأستاذ ضياء الزيدي، وغيرهم. * * * -الذرائع التي تذرع بها الواقفة في زمن الإمام الرضا ع وأشباههم في زمن الظهور المقدس (لقد اعتذر الواقفة في اعتناق هذه الفكرة بأخبار رووها من الإمام الصادق ع، ولكنهم جهلوا محتواها، وانغلق عليهم فهمها، مفادها أن الإمام الكاظم ع هو القائم بهذا الأمر، ومن أخبر بموته فلا تصدقوه، وأنه يغيب كغيبة يونس ع، أو كغيبة موسى ع. واحتجوا قبل ولادة الإمام الجواد ع بحديث الصادق ع: "أن الإمام لا يكون عقيماً"، وقالوا للإمام الرضا ع: كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟! ولعل بعض هذه الأخبار التي تمسكوا بها هي من موضوعات الواقفة ومفترياتهم لتبرير فكرتهم وترسيخ مذهبهم الذي ابتدعوه في أذهان العامة، على أن الإمام الكاظم ع قد بين في حياته المفاد الواقعي لبعض هذه الأخبار، كما أكد بالنص على ولده الرضا ع بأحاديث صحاح لا مجال للشك فيها، وقد جاء بعض هذه النصوص برواية دعاة الوقف وأقطابه الذين أنكروا على الإمام الرضا ع إمامته، حيث كانوا قبل الوقف من ثقات أبيه ع، وهذا مما يزيد في إبلاغ الحجة عليهم. وبيّن الإمام الرضا ع كذلك خطأ فهمهم لمضامين الأحاديث التي تمسكوا بها، وفسر لهم المضمون الصحيح لها، وأنها على خلاف ما بني عليه دعاة الوقف، فألزمهم الحجة في كذب ما تأوّلوه) ([13]). ومن عجيب أمور الدهر وغريب الشبه والتطابق، بل قل هي سنة الله في الخلق (يكون في هذه الأمة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة) ([14])، فالذين واجهوا الإمام الرضا ع احتجوا عليه بأنه (أبتر) وأن (الإمام الكاظم ع هو القائم ولا يوجد قائم بعده). وبربك أخي القارئ، ماذا قال علماء هذا الزمان للسيد أحمد الحسن ؟ ألم يقولوا بأن (الإمام المهدي ع هو القائم ولا يوجد قائم بعده) ؟! ألم يقولوا بأن الإمام المهدي (أبتر) وليس له أولاد ؟! حذو النعل بالنعل، وحذو القذة بالقذة !!! ولم يكن رد السيد أحمد الحسن ع عليهم إلا كرد أبيه الرضا ع على أشباههم في ذلك الزمان، فتعال معي لننظر كيف كان إثبات الحق ودحض الباطل. فقد أثبت الرضا ع بأن له ذرية تعقبه وتكون (الفارق بين الحق والباطل)، فعن الحسين بن بشار، قال: كتب ابن قياما - وكان من رؤساء الواقفة - إلى أبي الحسن ع كتاباً، يقول فيه: كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟ فأجابه أبو الحسن الرضا ع شبه المغضب: (وما علمك أنه لا يكون لي ولد ؟ والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً، يفرق به بين الحق والباطل) ([15]). وكذلك أثبت السيد أحمد ع بأنه ابن الإمام المهدي ع بوصية رسول الله ص (... فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي، اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين). وعن ابن سنان، قال: (دخلت على أبي الحسن موسى الكاظم ع من قبل أن يقدم العراق بسنة، وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إليّ وقال: يا محمد، إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك، قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني ؟ قال: أصير إلى هذه الطاغية، أما إنه لا ينداني منه سوء، ولا من الذي يكون من بعده. قال: قلت: وما يكون، جعلني الله فداك ؟ قال: يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء. قال: قلت: وما ذاك، جعلني الله فداك ؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي، كان كمن ظلم علي ابن أبي طالب ع إمامته وجحده حقه بعد رسول الله ص، قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن بإمامته. قال: صدقت يا محمد، يمد الله في عمرك، وتسلم له حقه، وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده. قال: قلت: ومن ذاك ؟ قال: ابنه محمد. قال: قلت: له الرضى والتسليم) ([16]). فمن أنكر في هذا الزمان ذرية الإمام المهدي ع كان (كمن ظلم علي ابن أبي طالب ع إمامته وجحده حقه بعد رسول الله ص) حسب كلام الإمام الكاظم ع. بل لم يكفهم (علماء هذا الزمان) للخروج من ولاية علي بن أبي طالب ع بإنكار ولده من ذرية الإمام المهدي ع فحسب، بل ازدادوا ظلماً بإحيائهم للسقيفة (الانتخابات)، واستبدالهم لشريعة محمد ص بـ (الديمقراطية والدستور الوضعي وحرية أمريكا). فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد (الأئمة والمهديين) أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. كذلك قال علماء هذا الزمان وأتباعهم أن الروايات التي تذكر (القائم أو المهدي) هي في الإمام المهدي ع خاصة دون غيره، وقالوا (لا يوجد قائم أو مهدي في آخر الزمان غير الإمام المهدي ع)، وقد فاتهم قول الإمام الكاظم ع: (يا حسن، ما من إمام يكون قائماً في أمة إلا وهو قائمهم، فإذا مضى عنهم فالذي يليه هو القائم والحجة حتى يغيب عنهم، فكلنا قائم) ([17])، فكلمة الكاظم ع (فكلنا قائم) تعني (كلنا المذكورون في وصية رسول ص لأمير المؤمنين ع أي الأئمة والمهديين ص). وكذلك الحال بالنسبة لكلمة (المهدي) التي وردت في روايات أهل البيت ص فهي لا تعني الإمام المهدي ع دائماً، ولذلك أورد هذه الرواية التي وردت عن رسول الله :ص (الفضل بن شاذان)، عن إسماعيل بن عياش، عن الاعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، (قال): سمعت رسول الله ص وذكر المهدي فقال: (إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) ([18]). فَمَنْ (أحمد وعبد الله والمهدي) سوى الذي ذكر بوصية رسول الله ص: (...فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين). فكان احتجاج الإمام الرضا ع على القوم هو وصية آبائه ص به من قبل، وقد احتج أحمد الحسن ع على القوم بوصية آباءه ص به من قبل. وكذلك من جملة ما احتج به الواقفة على الإمام الرضا ع هو فهمهم الخاطئ (أو قل تمسكهم بالفهم الخاطئ) لروايات أهل البيت ص. فعن الفضل بن شاذان بسنده إلى الحسن بن قياما الصيرفي (وكان من كبراء الواقفة)، أنه قال: (حججت سنة ثلاث وتسعين ومائة، وسألت أبا الحسن الرضا ع، فقلت له: جعلت فداك، ما فعل أبوك ؟ قال: مضى كما مضى آباؤه. قلت: فكيف أصنع بحديث حدثني به يعقوب بن شعيب، عن أبي بصير: أن أبا عبد الله الصادق ع قال: إن جاءكم من يخبركم أن ابني هذا مات وكفن وقبر ونفضوا أيديهم من تراب قبره فلا تصدقوا به، فقال: كذب أبو بصير، ليس هكذا حديثه، إنما قال: إن جاءكم عن صاحب هذا الأمر) ([19]). ويعني الإمام بصاحب هذا الأمر الإمام الثاني عشر. فبعدما وضح الإمام الرضا ع حديث الصادق ع لهذا المنحرف (ابن قياما الصيرفي)، لم يسلم للأمام أمره ويحمد الله على ما أتاه من علم ما لا يعلم، بل كذب واستكبر وتمسك (برأيه) واتخذ من فهمه الخاطئ لحديث الصادق ع سلاحاً يحارب به أهل الحق ويدفعهم عن مقامهم ويؤلب الناس ضده. وهذا بعينه ما فعله علماء آخر الزمان (حذو النعل بالنعل)، فقد تمسكوا بفهمهم الخاطئ لروايات أهل البيت ص - رواية السمري -، فكانت دليلهم الوحيد الذي تمسكوا به لدفع يماني آل محمد ص عن حقه، فحاربوا بهذا الفهم الخاطئ ليس سيد أحمد الحسن ع وحده، بل أيضاً قاتلوا أباه الإمام المهدي ع بتجرئهم عليه ع وتقييدهم لحركته وتنظيرهم لقضيته، محاولين بذلك إبقاءه في غيبته وإماتة ذكره بين الناس، وذلك عندما أفتى السيد السيستاني: (إن الموقف الشرعي تجاه من يزعم اللقاء بإمام العصر أرواحنا فداه مباشرة أو عن طريق الرؤيا في زمن الغيبة الكبرى يتمثل في عدم تصديقه فيما يدعيه وعدم الأخذ بما ينسبه إليهع). وهذه الفتوى عزيزي القارئ تذكرني بجواب زهير بن القين على شمر بن ذي الجوشن (لعنه الله) عندما قال له زهير: (... والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة، قال: أفبالموت تخوفني ؟ فوالله للموت معه أحب إلي من الخلد معكم). أفلا تتفق معي عزيزي القارئ أن هكذا فتوى لا تصدر إلا مِن مَن لم يحكم من أحاديث الإمام المهدي حديثين ؟؟ أما رواية السمري فقد كتب فيها سيدنا ومولانا يماني آل محمد الكثير وبين لهم أنها (متشابهاً) من حديث أهل البيت ص فردها إلى محكمها وزاد لهم في البيان والتوضيح (وعلمهم مال م يكونوا يعلمون) فما كان جزاء إحسانه عليهم إلا التكذيب والمماطلة. وكذلك بين أنصاره (رضوان الله عليهم) ما تشابه على القوم من أمر هذا الرواية، ولكن هل من مدكر ؟ ولمناسبة الموقف، أنقل هذا الكلام للسيد أحمد الحسن ع بخصوص رواية السمري، في كتاب (نصيحة إلى طلبة الحوزة العلمية): [.. ومنهم السيد مهدي بحر العلوم صاحب الكرامات والمقامات في الفوائد الرجالية ج3 ص136 ينقل بيان لرواية علي بن محمد السمري عن الإمام المهدي ع هذا نصه: (فقلت: يا سيدي، قد روينا عن مشايخنا أنه روي عن صاحب الأمر ع أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف وفيكم من يراه ؟ فقال: صدقت، إنه ع إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العباس حتى إن الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدث بذكره. وفي هذا الزمان تطاولت المدة وآيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم وببركته ع لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا) ([20])]. وفي مكان آخر من الكتاب يقول السيد ع: [وأنا وأعوذ بالله من الأنا أنصح السيد السيستاني وهؤلاء الكتاب أن ينظروا بعين الإنصاف إلى هذه الدعوة اليمانية المباركة، وأن ينصفوا أنفسهم بالبحث عن الحق وأهله، وإلا فليعلم الجميع أن من يقف اليوم بالضد من هذه الحركة اليمانية المباركة سيلعنه التالون كما يلعن اليوم من وقف ضد رسول الله محمد بن عبد الله ص ... وفي نهاية كتب هذا المركز الذي هو برعاية السيد السيستاني كُتب أحمد الحسن على الغلاف الخارجي دون التفات منهم، لذلك فليراجعوا ما كُتب على غلاف الكتب، وهذه آية أخرى لصاحب الحق ظهرت رغماً عنهم، فما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله ومعه وبعده كما قال ع والعاقبة للمتقين ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([21])]. * * * -تحذير الأئمة ص لفتنة الواقفة في زمن الرضا ع عن عيص، قال: (دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبد الله ع، فقال: يا سليمان، من هذا الغلام ؟ فقال: ابن أختي، فقال: هل يعرف هذا الأمر ؟ فقال: نعم، فقال: الحمد لله الذي لم يخلقه شيطاناً. ثم قال: يا سليمان، عوذ بالله ولدك من فتنة شيعتنا. فقلت: جعلت فداك، وما تلك الفتنة ؟ قال: إنكارهم الأئمة ص ووقوفهم على ابني موسى. قال: ينكرون موته، ويزعمون أن لا إمام بعده، أولئك شر الخلق) ([22]). عن عمر بن يزيد، قال: (دخلت على أبي عبد الله ع فحدثني ملياً في فضائل الشيعة، ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب. قلت: جعلت فداك، أليس ينتحلون حبكم ويتولونكم ويتبرون من عدوكم ؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك، بين لنا نعرفهم فعلنا منهم. قال: كلا يا عمر، ما أنت منهم، إنما هم قوم يفتنون بزيد، ويفتنون بموسى) ([23]). عن ابن أبي يعفور، قال: (كنت عند الصادق ع إذ دخل موسى ع فجلس فقال أبو عبد الله ع: يا بن أبي يعفور، هذا خير ولدي وأحبهم إليّ، غير أن الله ( يضل قوماً من شيعتنا، فاعلم أنهم قوم لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. قلت: جعلت فداك، قد أزغت قلبي عن هؤلاء. قال: يضل به قوم من شيعتنا بعد موته جزعاً عليه فيقولون لم يمت، وينكرون الأئمة ص من بعده، ويدعون الشيعة إلى ضلالهم، وفي ذلك إبطال حقوقنا وهدم دين الله. يا بن أبي يعفور، فالله ورسوله منهم برئ، ونحن منهم براء) ([24]). عن حمزة الزيات، قال: (قلت لأبي جعفر ع: أمن شيعتكم أنا ؟ قال: إي والله، في الدنيا والآخرة، وما أحد من شيعتنا إلا وهو مكتوب عندنا اسمه واسم أبيه، إلا من يتولى عنا. وقال: قلت: جعلت فداك، أو من شيعتكم من يتولى عنكم بعد المعرفة ؟ قال: يا حمران، نعم، وأنت لا تدركهم. قال حمزة: فتناظرنا في هذا الحديث، قال: فكتبنا به إلى الرضا ع نسأله عمن استثنى به أبو جعفر ع، فكتب: هم الواقفة على موسى بن جعفر ع) ([25]). عن محمد بن سنان، قال: ذُكر علي بن أبي حمزة عند الرضا ع فلعنه، ثم قال: (إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد الله في سمائه وأرضه، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، ولو كره اللعين المشرك. قلت: المشرك ! قال: نعم والله، وإن رغم أنفه، كذلك هو في كتاب الله: ﴿ُيرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾([26]). وقد جرت فيه وفي أمثاله، إنه أراد أن يطفئ نور الله) ([27]). وعن أحمد بن محمد، قال: (وقف علي أبو الحسن ع في بني زريق، فقال لي وهو رافع صوته: يا أحمد، قلت: لبيك. قال: لما قبض رسول الله ص جهد الناس في إطفاء نور الله، فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين ع، فلما توفي أبو الحسن ع جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره. وإن أهل الحق إذا دخل عليهم داخل سروا به، وإذا خرج منهم خارج لم يجزعوا عليه، وذلك أنهم على يقين من أمرهم، وإن أهل الباطل إذا دخل فيهم داخل سروا به، وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه، وذلك أنهم على شك من أمرهم، إن الله جل جلاله يقول: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾([28])، قال: ثم قال أبو عبد الله ع: المستقر الثابت، والمستودع المعار) ([29]). عن محمد بن رجاء الحناط، عن محمد بن علي الرضا ع، أنه قال: (الواقفة هم حمير الشيعة، ثم تلا هذه الآية: ﴿هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾([30])) ([31]). -تحذير الأئمة ص لفتنة (الواقفة) في زمن الظهور المقدس عن أمير المؤمنين ع أنه قال: (... والذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم - أو قال من شيعتي- إلا كالكحل في العين أو الملح في الطعام) ([32]). عن الإمام علي ع: ( ... وإن للغائب غيبيتين، إحداهما أطول من الأخرى، أما الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ستة سنين، وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع من هذا الأمر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا وسلم لنا أهل البيت) ([33]). عن أبي عبد الله ع: (ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ولا ينجي منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قال ع: تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ...) ([34]). عن ابن عباس، قال رسول الله ص: (إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً بشيراً ونذيراً، الثابتون على القول بإمامته في زمان الغيبة لأعز من الكبريت الأحمر ..) ([35]). عن موسى بن جعفر ع: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله في أديانكم لايزيلكم أحد عنها، إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع من هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله ( امتحن بها خلقه ...) ([36]). عن أبي جعفر ع: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فمن أقر به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا) ([37]). قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾([38]). عن أبي عبد الله :ع (نزلت هذه الآية في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم، والأمد أمد الغيبة) ([39]). في حديث المعراج: (قلت: إلهي وسيدي متى يكون ذلك (أي قيام القائم) ؟ فأوحى الله (: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر القتل، وقل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة ...) ([40]). عن أبي عبيدة الحذاء، قال: (سألت أبا جعفر ع عن هذا الأمر، متى يكون ؟ قال: إن كنتم تؤملون أن يجيئكم من وجه، ثم جاءكم من وجه فلا تنكرونه) ([41]). فماذا بعد الهدى إلا الضلال !!! * * * -موقف الإمام الرضا ع من الواقفة (بادر الإمام الرضا ع ومنذ البدء إلى تفنيد مزاعم الواقفة وذرائعهم، وهداية أصحابه إلى طريق الحق والهدى. ولقد كانت جهود الإمام ع في التصدي لتيار الواقفة تدور حول ثلاثة محاور أساسية: 1/ الحوار وإلزام الحجة. 2/ إراءة المعجزة. 3/ رميهم بالشرك والزندقة) ([42]). الحوار وإلزام الحجة: فكما واجه أبوه الرضا ع أئمة الضلالة بالحجة والدليل، كذلك واجه السيد أحمد ع علماء آخر الزمان بالحجة والدليل والبرهان مقتفياً بذلك سيرة الأنبياء والمرسلين، وسيرة جده رسول الله ص وآبائه الأئمة ص. فكتب السيد ع وأنصار الإمام المهدي ع العديد من البيانات والمؤلفات والإصدارات التي بينت الحق من الباطل، وأوضحوا فيها العديد من متشابه القرآن الكريم وأحاديث أهل بيت العصمة ص فيما يخص قضية الإمام المهدي ع، فجاءت كتاباتهم ومؤلفاتهم من أهم ما كتب في قضية الإمام المهدي ع لما فيها من نور بيان وتوضيح طريق وهداية لسبل النجاة. وهذا ما أشار إليه يماني آل محمد (عليه وعليهم السلام) بقوله: [... ولست في هذا المختصر أريد أن أناقش أخطاء من كتبوا في قضية الإمام ع، وفي الأخوة الأنصار من طلبة الحوزة المهدية كفاية وهم متصدون إن شاء الله لبيان الحقيقة بالتفصيل. وأنصح هؤلاء الذين يكتبون حول قضية الإمام المهدي ع أن يقرءوا كتب الأنصار، ومنها الرد القاصم والرد الحاسم، والنور المبين، والبلاغ المبين، واليماني الموعود حجة الله، وطالع المشرق، ودابة الأرض.. وغيرها، ليفهموا شيء عن قضية الإمام المهدي ع ولعلهم إذا تجردوا عن الهوى والأنا يدركون الحقيقة. وسيتصدى الأخوة الأنصار إن شاء الله لبيان الخلط الموجود في كتبكم، فأنصفوا أنفسكم وتبينوا الحق. واعلموا أنه على مر السنين وعلى طول تاريخ دين الحق، دين الإسلام المحمدي الحقيقي المتمثل بآل محمد ص، أي منذ الغيبة إلى اليوم لم تبين قضية الإمام المهدي ع وتوضح روايات الرسول والأئمة ص التي تخص الإمام المهدي ع كما حصل اليوم، حيث بُينت هذه الروايات وأُحكمت فتبين المراد منها بفضل الله وبفضل هذه الدعوة اليمانية الحقة. وهذه علامة وآية من آيات هذه الدعوة] ([43]). إراءة المعجزة: كانت المعاجز والكرامات من الأمور التي تميز بها أهل البيت ص على سائر الناس في زمانهم، وقد ألف الشيعة الكثير من الكتب والمؤلفات التي تناولت هذا الجانب من حياتهم ص، فجاءت المعجزة من ضمن أدلة إمامة الإمام الرضا ع التي استدل بها أصحابه (رضوان الله عليهم) على خصومهم من الواقفية حتى رجع عن القول بالوقف العديد من الرجال الذين افتتنوا بهذه الفتنة، ومنهم: (عبد الرحمن بن الحجاج ورفاعة بن موسى ويونس بن يعقوب وجميل بن دراج وحماد بن عيسى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي والحسن بن علي الوشاء وغيرهم) ([44]). فعن صالح بن أبي حماد، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: (كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن ع، وجمعتها في كتاب مما روي عن آبائه ص وغير ذلك، وأحببت أن أتثبت في أمره وأختبره، فحملت الكتاب في كمي وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة، فأناوله الكتاب، فجلست ناحية وأنا متفكر في طلب الإذن عليه، وبالباب جماعة جلوس يتحدثون، فبينا أنا كذلك في الفكرة والاحتيال في الدخول عليه، إذ أنا بغلام قد خرج من الدار وفي يده كتاب، فنادى: أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي؟ فقمت إليه: وقلت: أنا الحسن بن علي الوشاء، فما حاجتك ؟ قال: هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك فهاك خذه، فأخذته وتنحيت ناحية فقرأته، فإذا والله فيه جواب مسألة مسألة، فعند ذلك قطعت عليه، وتركت الوقف) ([45]). وعن البزنطي، قال: (إني كنت من الواقفة على موسى بن جعفر ع، وأشك في الرضا ع، فكتبت إليه أسأله عن مسائل، ونسيت ما كان أهم المسائل إليّ، فجاء الجواب عن جميعها. ثم قال ع: وقد نسيت ما كان أهم المسائل عندك، فاستبصرت) ([46]). وعن جعفر بن محمد بن يونس، قال: (جاء قوم إلى باب أبي الحسن الرضا ع برقاع فيها مسائل، وفي القوم رجل واقفي، واقف على باب أبي الحسن بن موسى ع، فوصلت الرقاع إليه، فخرجت الأجوبة في جميعها، وخرجت رقعة الواقفي بلا جواب، فسألته: لم خرجت رقعته بلا جواب ؟ فقال لي الرجل: ما عرفني الرضا ع ولا رآني فيعلم أني واقفي، ولا في القوم الذي جئت معهم من يعرفني، اللهم إني تائب من الوقف، مقر بإمامة الرضا ع. فما استتم كلامه حتى خرج الخادم، فأخذ رقعته من يده ودخل بها، وعاد الجواب فيها إلى الرجل، فقال: الحمد لله، هذان برهانان في وقت واحد) ([47]). هذه بعض المعاجز التي ظهرت على يد الرضا ع وقد كانت جميعها تدور حول (معرفة ما أضمرت النفوس) وهي من أنباء الغيب التي لا يطلع الله عليها إلا خاصة أولياءه ع، وقد حدث مثل ذلك على يد السيد أحمد الحسن ع أكثر من مرة وكانت هذه الإخبارات النفسية سبباً لبيان مقام السيد ع عند الله، وبنفس الوقت كانت من الأمور التي ثبتت قلوب أنصاره في وقتها على أنه (خليفة يماني) كما ورد في الروايات، وقد جمعت بعض هذه الإخبارات في كتاب (كرامات وغيبيات) وأذكر شيئاً منها هنا للبركة وأيضاً لمقارنتها بما حدث مع الإمام الرضا ع في نفس المضمون فتكون دليلاً لثبوت أن السيد أحمد الحسن ع هو من أهل البيت ص. بشار الفيصلي، عن الشيخ ناظم العقيلي أنه قال: (في أحد الأيام كنا جالسين مع السيد أحمد الحسن وبعض الأنصار في بيت أحد الأنصار، وأطلنا الجلوس فأردت أن أطلب الأذن من السيد بالذهاب إلى البيت، وقبل أن أتكلم بذلك بادرني السيد أحمد قائلاً: إنك تريد أن تذهب إلى أهلك، فإني سمعت روحك تقول ذلك قبل أن تتكلم. فتعجبت أنا والحاضرون من ذلك، ثم على ما أتذكر أن السيد قال لي: استخير الله قبل ذهابك إلى البيت .. والله على ما أقول شهيد والحمد لله وحده). بشار الفيصلي، عن الشيخ حبيب السعيدي أنه قال: (عندما فهمت الدعوة وصدقت بها (مناً من الله عليّ لا مناً مني عليه) أردت الذهاب إلى أهلي وعشيرتي. فقال لي السيد أحمد: إنهم أول الأمر سيصدقون الدعوة وسوف يقومون معك ولكن بعد مدة سوف يجلسون أي يقعدون عن النصرة .. وفعلاً كما أخبرني السيد. عندما بلغتهم فرحوا بذلك وقالوا: كلنا معك، ولكن بعد أن امتحنهم الله بشيء يسير قعدوا مع القاعدين إلا قليل منهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). بشار الفيصلي، عن أبي زهراء وهو أحد الأنصار أنه قال: (في بداية دخولي في دعوة الإمام المهدي وولده السيد أحمد الحسن ساورني شك في القضية فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت في نفسي: إن الشيطان لا يمكن أن يقترب من مكان فيه إمام معصوم. فقال السيد (وكان يتكلم عما في نفسي دون أن أخبره): هل تعلم أن الشيطان نادى عيسى ع وهو على قمة جبل ولم يستطع الاقتراب منه. والحمد لله رب العالمين). فكما كان إخبار الإمام الرضا ع لما أضمرت له نفوس الناس ولما كان لذلك من الأثر على تثبيت قلوب شيعته فكانت نفس نوع المعجزة الغيبية قد جاءت بإخبار السيد أحمد الحسن ع، وكان لها أيضاً نفس التأثير في تثبيت قلوب شيعة أهل البيت ص. فانظر بعين الإنصاف عزيزي القارئ وقارن. * * * -الرؤيا الصادقة والاستخارة بالقرآن الكريم كانت الرؤيا الصادقة من الأمور التي اعتبرها شيعة أهل البيت ص دليلاً ملكوتياً في إثبات إمامة الإمام الرضا ع وكذلك الاستخارة بالقرآن الكريم. فالرؤيا الصادقة كانت بفضل الله تبارك وتعالى سبباً في إنقاذ (رجل واقفي) من الهلاك والتردي في حبائل علماء الضلالة وانحرافهم. فعن الحسن بن علي الوشاء - وقد رجع عن القول بالوقف بسبب إخبار غيبي أخبره به الإمام الرضا ع -، قال: (كنا عند رجل بمرو، وكان معنا رجل واقفي، فقلت له: اتق الله، قد كنت مثلك ثم نور الله قلبي، فصم الأربعاء والخميس والجمعة، واغتسل وصل ركعتين، وسل الله أن يريك في منامك ما تستدل به على هذا الأمر. فرجعت إلى البيت، وقد سبقني كتاب أبي الحسن يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرجل، فانطلقت إليه وأخبرته، وقلت: احمد الله واستخره مائة مرة. وقلت له: إني وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار أن أقول لك ما كنا فيه، وإني لأرجو أن ينور الله قلبك، فافعل ما قلت لك من الصوم والدعاء، فأتاني يوم السبت في السحر، فقال لي: أشهد أنه الإمام المفترض الطاعة. قلت: وكيف ذلك ؟ فقال: أتاني أبو الحسن ع البارحة في النوم، فقال: يا إبراهيم، والله لترجعن إلى الحق، وزعم أنه لم يطلع عليه إلا الله) ([48]). فأين علماء آخر الزمان من هذه الحادثة التي تثبت حجية الرؤيا في الاستدلال على صاحب الحق ؟ وأين الشيخ الكوراني من هذه القصة الذي يعتبر أن الاستدلال بالرؤيا هي في أحسن أحوالها (ظن) !!! فمن كذب بهذه الحادثة، أو أشكل على (الحسن بن علي الوشاء) استدلاله بالرؤيا الصادقة على إمامة الرضا ع، أو اعترض على كتاب الإمام الرضا ع بالاستدلال على طلب الحق بطلب الرؤيا الصادقة من الله، أو استخف بإيمان هذا (الرجل الواقفي) بسبب الرؤيا، أو لم يعر أهمية لقول الإمام المعصوم لصاحب الرؤيا (لترجعن إلى الحق)، أو أشكل على الاستخارة بالقرآن لمعرفة صاحب الأمر .. من أشكل على كل هذا، فليتبوأ مقعده من النار، كائناً من كان (عالماً أو عامياً). فإذا كان الإمام الرضا ع يأمر أصحابه بأن يستدلوا بالرؤيا الصادقة على إثبات إمامته وأن يحتجوا بذلك على الناس، فما عدا مما بدا ؟؟ فهذا السيد أحمد الحسن ع يقول كما قال الرضا ع: (أسألوا الله الرؤيا الصادقة فإنها دليل لا يخالطه الشيطان)، (من رآنا فقد رآنا فإن الشيطان لا يتمثل بي ولا بأحد من أوصيائي)، وكذلك أمرهم الإمام الرضا ع بالاستخارة بالقرآن الكريم؛ (لأن القرآن لا يغش). فالرؤيا الصادقة هي من الله والاستخارة بالقرآن هي سؤال الله وإجابة الله للسائل. ولكن انظر لحال هؤلاء العلماء الخونة الذين استهزؤوا بهاتين الآيتين وكذبوا بهما، فماذا ينتظرون إلا الغضب الإلهي لمن كذب بآياته ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾([49]). * * * -توعد الإمام الرضا ع ولعنه للواقفية في زمانه وفي زمان المهدي الأول ع ورد عن الإمام الرضا ع الكثير من الروايات في لعنه للواقفية واتهامهم بالكفر والزندقة، ولكن مما أثار انتباهي لهذه الروايات هي الرواية التي ربط بها الإمام الرضا ع واقفية عصره بواقفية عصر المهدي الأول ع، وإليك هذه الرواية: فعن سليمان بن الجعفري، قال: (كنت عند أبي الحسن [الرضا] ع بالمدينة إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة، فسأله عن الواقفة، فقال أبو الحسن ع: ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([50])، والله إن الله لا يبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم) ([51]). فهنا يقسم الرضا ع بالله على أن هؤلاء الواقفية سيمتد تأثيرهم إلى زمن ظهور الإمام المهدي ع وسيكون هلاكهم على يد المهدي الأول ع وإليك دليلاً على ذلك. فقد ورد تفسير قوله تعالى: ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾. ما نقل عن أمير المؤمنين ع قوله: (فانظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً، موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر، حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاماً ورفاتاً، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً) ([52]). وإن قلت بأن هذا الرجل الذي ذكره أمير المؤمنين ع والذي يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر هو الإمام المهدي ع وليس غيره، فإليك هذه الرواية التي تثبت أنه رجل يخرج قبل الإمام المهدي ع: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس ...) ([53]). والحمد لله وحده وحده وحده. * * * -علم الإمام الرضا ع وعلم يماني آل محمد ع كان لعلم الإمام الرضا ع الأثر الكبير في هداية الناس إلى معرفة صاحب الحق، فقد شاع علمه ع في ذلك الزمان حتى (ناظر) الكثير من أصحاب الملل والأديان في أمور الشريعة وسيرة الأنبياء ص، فكان علمه ع هو علم رسول الله ص الذي أختص به أهل البيت ص دون غيرهم، فقد فضلهم الله على الناس بالعلم الغزير وبالحكمة اليمانية. وقد كانت مناظرته ع مع (أصحاب المقالات) من أبرز الحوادث التي ألجم بها دعاة الباطل وكانت سبباً في ندامة المأمون (لعنه الله) على تحديه للإمام الرضا ع. فقد روي عن الحسن بن محمد النوفلي أنه قال: (لما قدم علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه على المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات، مثل: الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين، والهربذ الأكبر، وأصحاب زردشت ونسطاس الرومي، والمتكلمين، ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحب بهم المأمون ثم قال لهم: إنما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم عليّ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليّ ولا يتخلف منكم أحد. فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، نحن مبكرون إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا ع إذ دخل علينا ياسر الخادم - وكان يتولى أمر أبي الحسن ع - فقال: يا سيدي، إن أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول: فداك أخوك، أنه اجتمع إلينا أصحاب المقالات، وأهل الأديان، والمتكلمون من جميع أهل الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم، وإن كرهت ذلك فلا تتجشم، وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا. فقال أبو الحسن ع: أبلغه السلام وقل: قد علمت ما أردت، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفلي، أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة، فما عندك في جمع ابن عمي علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات ؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان، وبئس والله ما بنى. فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب ؟ قلت: إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء، وذلك: أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: أن محمداً ص رسول، قالوا: ثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل - وهو مبطل عليهم بحجته - ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك ! قال: فتبسم ثم قال لي: يا نوفلي، أتخاف أن يقطعوا عليّ حجتي ؟! قلت: لا، والله ما خفته عليك قط، وأني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله. فقال لي: يا نوفلي، أتحب أن تعلم متى يندم المأمون ؟ قلت: نعم، قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزبور بزبورهم، وعلى الصابئين بعبرانيتهم، وعلى الهرابذة بفارسيتهم، وعلى أهل الروم بروميتهم، وعلى أهل المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف، ودحضت حجته، وترك مقالته، ورجع إلى قولي، علم المأمون أن الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)([54]). فكان في نهاية المناظرة - تجد بقيتها في المصدر السابق - أن الإمام الرضا ع أسكت الجميع بحجته وبلاغته وقوة بيانه وأحاطته بالعلوم الإلهية، وقد اختتمت هذه المناظرة بإسلام (عمران الصابئي) على يدي الإمام الرضا ع، وقد كان عمران هذا جَدِلاً لم يقطع عليه حجته أحد من قبل. وهذا العلم الذي كان يتحدى به الأئمة ص علماء عصرهم هو نفس العلم الذي جاء به سيد أحمد ع. فالعلم الذي بثه بين الناس قد شهد به الموالي ولم يستطع على رده كل مخالف. وقد تحدى السيد أحمد الحسن ع جميع علماء هذا الزمان بالرد على تفسيره لسورة الفاتحة، أو على أجوبته في كتاب المتشابهات، أو في إصداراته الأخرى. هذا بعد أن دعاهم مراراً وتكراراً للمناظرة العلمية لتبيان صاحب الحق ولكن من دون جدوى. ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾([55]). فعمران الصابئي قد أسلم بعد أن رأى الحق عند الإمام الرضا ع وأنه صاحب ولاية إلهية فأذعن للحق لما جاءه، فما بالكم أنتم يا من تنتظرون الإمام المهدي ع ؟!! ألستم تعترفون بأن الإمام المهدي ع إذا ظهر ضم حرفا العلم إلى الخمسة والعشرين وبثها سبعة وعشرين حرفاً من العلم بين الناس ؟! ألستم تقولون أن الإمام المهدي ع يأتي حاملاً القرآن ؟! ألستم.. ألستم.. ؟! هذا هو العلم الذي وعدكم به أهل البيت ص قد جاءكم على يد رسول الإمام المهدي ع وقد تحداكم بالرد عليه بالعلم الذي تدعون أنكم تحملونه .. وأنى لكم رده وأنتم لا تفقهون شيئاً منه ولا تعلمون !!! ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾([56]). * * * -كتاب للرضا ع يفضح فيه الواقفة (في كل زمان) وعن عبد الله بن جندب، قال: كتب إليّ أبو الحسن الرضا ع: (ذكرت رحمك الله هؤلاء القوم الذين وصفت أنهم كانوا بالأمس لكم إخواناً، والذي صاروا إليه من الخلاف لكم والعداوة لكم والبراءة منكم، والذين تأفكوا به من حياة أبي صلوات الله عليه... (وذكر في آخر الكتاب): إن هؤلاء الأقوام سنح لهم الشيطان اغترهم بالشبهة، ولبس عليهم أمر دينهم، وذلك لما ظهرت فريتهم، واتفقت كلمتهم، وكذبوا على عالمهم، وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا: لم ومن وكيف ؟ فأتاهم الهلاك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد، ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير، ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه؛ لأن الله يقول في محكم كتابه: ﴿َلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾([57]). يعني آل محمد، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجة لله على خلقه) ([58]). ولو طبقت عزيزي القارئ هذا الكلام على علماء هذا الزمان لوجدته منطبقاً انطباقاً تاماً - حذو النعل بالنعل -، فهم قد اتفقت كلمتهم على الباطل (ولاية الشيطان - ديمقراطية أمريكا)، واتفقت نفوسهم على محاربة رسول الإمام المهدي ع وتكذيبه ومحاولة قتل شخصيته. و (أرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم)، أي أردوا أن يأتيهم الإمام المهدي ع من الجهة التي هم يحددونها له وفي الوقت الذي يريدون (طبعاً يريدونه بعد 30 سنة وليس الآن كما قال القبنجي)، فقالوا: لماذا أرسل الإمام المهدي شخصا عادياً ولم يرسل (سماحة السيد المجتهد فلان) ؟ وكيف يرسل الإمام المهدي شخصاً بدلاً عنه، المفروض أن يأتي هو بنفسه ويأخذ رأينا في تفاصيل حركته ؟ وغيرها من الإشكالات التي لا يريدون بها سوى التضليل على الحق وإطفاء نور الله. وقد نصحهم الإمام الرضا ع في هذا الكتاب إلى أن يقفوا في مثل هكذا أمور (إرسال رسول من قبل الإمام المهدي)، وأن يردوا أمورهم إلى (عالمه ومستنبطه) أي القرآن وروايات أهل البيت ص فهم دليل الحق وهم الأمان عندما تأتي الفتن. ولكن بَعُدَ عنهم هذا السبيل؛ لأنهم قد اتخذوا سبيل (الرأي) سبيلهم ودفعوا أهل البيت ص عن مقامهم ونزوا على مراتبهم التي رتبهم الله فيها كما نزت القردة على منبر رسول الله ص - بنو أمية -. بل قال - علماء هذا الزمان - نحن الذين نستنبط من القرآن ونعرف الحلال من الحرام ولا نحتاج الإمام المهدي ع في تسيير أمور الأمة. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾([59]). * * * -الإمام الرضا ع ينص على نفسه والمهدي الأول ع أيضاً نص على نفسه ورد عن الإمام الرضا ع أنه نص على نفسه بالإمامة من بعد أبيه ع، فكانت إشارته إلى نفسه دليلاً استدل بها العلماء والمحدثون ممن كتب في سيرة أهل بيت العصمة ص. روى ابن بابويه بالإسناد عن العباس بن النجاشي الأسدي، قال: قلت للرضا ع: أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال: (إي والله، على الإنس والجن) ([60]). روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أبي جرير القمي - في حديث -، قال: (قلت لأبي الحسن ع: عليك من إخوتك إمام ؟ قال: لا. قلت: فأنت الإمام ؟ قال: نعم) ([61]). وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الحسن بن علي الخزاز، قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ع فقال له: أنت إمام ؟ قال: نعم) ([62]). وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن عقبة بن جعفر، قال: (قلت لأبي الحسن الرضا ع: قد بلغت وليس لك ولد ! فقال: يا عقبة بن جعفر، إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده) ([63]). وروى صاحب ثاقب المناقب بالإسناد عن محمد بن العلاء الجرجاني، قال: (حججت فرأيت علي بن موسى الرضا ع يطوف بالبيت، فقلت له: جعلت فداك، هذا الحديث قد روي عن النبي ص: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"، قال: فقال: نعم، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين، عن علي بن أبي طالب ع قال: قال رسول الله ص: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ... قال: فقلت له: ومن مات ميتة جاهلية ؟ قال: مشرك. قال: قلت: فمن إمام زماننا، فإني لا أعرفه ؟ قال: أنا هو) ([64]). وكذلك فعل السيد أحمد الحسن ع، فهو قد نص على نفسه كما فعل آباؤه ص من قبل (ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقد أظهر الروايات الدالة عليه باسمه وصفته وهذا دليل على صدق دعوته وأنه قد جاء بالحق مصدقاً لمن سبقه من آباءه ص ومبشراً بأبنائه المهديين ص. وإليك بعض هذه النصوص: [لقد بشركم بي جدي رسول الله ص وذكرني في وصيته باسمي وصفتي، ووصلت لكم هذه الوصية بسند صحيح وذكرها علماء الشيعة في كتبهم، وبما وصى رسول الله ص وهو على فراش الموت، أو ليس بأهم شي ! فلقد أوصاكم بآبائي الأئمة الاثنى عشر ص وبي وبأبنائي الاثنى عشر ... فإن تنكروني فأنا ابن الحسن، سبط النبي المرتهن، الويل لمن ناواني واللعنة على من عاداني، أنصاري خير أنصار تفتخر الأرض بسيرهم عليها، وتحفهم الملائكة، وأول فوج يدخل الجنة يوم القيامة، هم والله العلي العظيم وأقسم بـ يس وطه والمحكمات وبـ كهيعص وحمعسق وبالقسم العظيم - آلم - إنهم الفرقة الناجية، وهم أمة محمد ص حقاً وصدقاً، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؛ لأنهم يقرون بحاكمية الله في أرضه دون من سواهم، لا تجرفهم الفتن؛ لأنهم محصوا وغربلوا حتى خرجت المدرة من حب الحصيد، هم رهبان في الليل أسود في النهار مجاهدون شجعان لا تأخذهم في الله لومة لائم، يرون أكل خبز الشعير والنوم على المزابل كثير مع سلامة الدين، ويرون الموت في حب آل محمد ص أحلى من الشهد، فطوبى لهم وحسن مآب] ([65]). [والله ما أبقى رسول الله ص وآبائي الأئمة ص شيء من أمري إلا بينوه، فوصفوني بدقة وسموني وبينوا مسكني فلم يبق لبس في أمري ولا شبهة في حالي بعد هذا البيان، وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وأني أول المهديين واليماني الموعود] ([66]). [... وأنا أتحداك أن تأتي بشخص غيري ادعى أنه المهدي الأول واليماني ووصي الإمام المهدي ع وساق على ادعاءه الأحاديث عن الرسول وأهل البيت ص التي تنص على اسمه وصفاته الجسدية ومسكنه وساق أدلة كثيرة على صحة ادعاءه] ([67]). [أني من ذرية الإمام المهدي ع، وأني وصيه، وأني المهدي الأول من ولد الإمام المهدي (محمد بن الحسن العسكري) روحي فداه] ([68]). فالعجب العجب من أمة أنكرت الإمام الرضا ع بعدما ثبت حقه بنص آباءه ص، والعجب العجب من أمة أنكرت المهدي الأول من آل محمد ص بعدما جاءهم بالحق وبعدما ثبت حقه بنص آباءه ص !!! * * * -الخـاتمـة لقد عانى أنبياء الله وأوصياؤهم على مر العصور والأزمان من (حاكمية الناس) التي دائماً ما كانت تحارب (خليفة الله) في الأرض، وتقطع عليه السبل للارتقاء بالناس إلى خالقهم. وقد أشار السيد الوصي ع لهذا في كتابه (حاكمية الله لاحاكمية الناس) بقوله: [.. ومع الأسف فإن أول الساقطين في الهاوية هم العلماء غير العاملين، حيث أخذوا يرددون المقولة الشيطانية (حاكميه الناس)، والتي طالما رددها أعداء الأنبياء والمرسلين والأئمة ص ...، وهكذا نقض هؤلاء العلماء غير العاملين المرتكز الأساسي في الدين الإلهي: وهو حاكمية الله وخلافة ولي الله سبحانه وتعالى] ([69]). وهذا ما قد وقع فيه سابقاً علماء الضلالة الخونة (البطائني، والقندي، والرواسي، وأشباههم) أيام إمامة الرضا ع، فهم قد نقضوا حاكمية الله في أرضه والمتمثلة بولي الله (الرضا ع) وخالفوه إلى حاكمية أنفسهم (وهم يعرفون الحق وأهله) فسقطوا في الهاوية وأسقطوا معهم من تبعهم من العميان من عوام الناس. فكان هؤلاء المنحرفون عن أئمتهم درساً لمن بعدهم، فهل من متعظ ؟ ولكن للأسف، لم يتعظ علماء آخر الزمان بهؤلاء وكذلك بقي أتباع الفقهاء غير العاملين على عماهم وترديهم في عبادة علماءهم فسقطوا في هاوية (حاكمية الناس) كما سقط أتباع علماء السوء من قبلهم. ﴿وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾([70]). وتعجب من أولئك ويزداد عجبك من هؤلاء !! فلم يحدث شيء جديد يختلف عما حدث على من سبقنا، فهو نفس الامتحان ونفس الابتلاء (إني جاعل في الأرض خليفة)، فهذا الخليفة المنصب من الله هو من كان دائماً فتنة للناس (يضل الله به أقواماً ويهدي أقواماً)، فمن كان يرى نفسه عبداً لله يرى نور الله في أولياءه فتكون معرفتهم - بسبب هذا النور - واضحة لهذا العبد المطيع لله، أما بالنسبة لغيره، فتكون معرفة أولياء الله بالنسبة إليه عسيرة؛ لأنه لا يرى النور. فالله أرحم بالعباد من رحمة الأم لأبنها، ولكن ما العمل إذا كان الناس هم من يسعون وراء سوء العاقبة ؟؟؟!! [... مع أن الحق بيّن لا لبس فيه وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الكلمات حجة من حججه في عرصات يوم القيامة على هؤلاء العلماء غير العاملين، ومقلديهم، ومن سار في ركبهم، وحارب الله سبحانه وتعالى، وحارب آل محمد ص، وأقر بأتباعهم الجبت والطاغوت، وتنحية الوصي علي بن أبي طالب ع والأئمة من ولده ص] ([71]). بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾([72]). عن الإمام الباقر ع: (هذه الآية لآل محمد ص المهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع والباطل، كما أمات السفه الحق، حتى لا يرى أثر من الظلم) ([73]). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * والحمد لله رب العالمينFooters
[1] - المتشابهات – للسيد أحمد الحسن (: المقدمة.
[2] - بيان الحق والسداد من الأعداد: ج2 ص9.
[3] - الغيبة - للطوسي: ص150، بحار الأنوار: ج53 ص147.
[4] - موسوعة المصطفى والعترة- للحاج حسين الشاكري: ج12 ص44.
[5] - المائدة: 64.
[6] - البقرة: 166 – 167.
[7] - الدخان: 18.
[8] - موسوعة المصطفى والعترة- للحاج حسين الشاكري: ج12 ص44 – 45.
[9] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص113 ح 3.
[10] - الغيبة - للطوسي: ص44.
[11] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص112، الغيبة للطوسي: ص43.
[12] - المتشابهات: ج1 في جوابه ( عن قوله تعالى: (فويل للمصلين).
[13] - موسوعة المصطفى والعترة- للحاج حسين الشاكري: ج12 ص48.
[14] - من لا يحضره الفقيه: ج1 ص203.
[15] - الكافي: ج1 ص320 ح4.
[16] - الكافي: ج1 ص256 ح16، الإرشاد: ج2 ص253، غيبة الطوسي: ص32 ح8.
[17] - الغيبة - للطوسي: ص41.
[18] - الغيبة - للطوسي: ص274.
[19] - رجال الكشي: ص475 ح902.
[20] - انظر: بحار الأنوار: ج52 ص172.
[21] - يوسف: 21.
[22] - رجال الكشي: ص457 الرقم866 ، بحار الأنوار: ج48 ص265 ح24.
[23] - رجال الكشي: ص459 الرقم869، بحار الأنوار: ج48 ص266 ح27.
[24] - رجال الكشي: ص462 الرقم881، بحار الأنوار: ج48 ص268 ح28.
[25] - رجال الكشي: ص462 الرقم882 ، بحار الأنوار: ج48 ص268 ح28.
[26] - التوبة: 32.
[27] - الغيبة - للطوسي: ص46.
[28] - الأنعام: 98.
[29] - رجال الكشي: ص445 الرقم837 ، بحار الأنوار: ج48 ص261 ح15.
[30] - رجال الكشي: ص460 الرقم872 ، بحار الأنوار: ج48 ص267.
[31] - الفرقان: 44.
[32] - إلزام الناصب: ج1 ص244.
[33] - إلزام الناصب: ج1 ص89.
[34] - إلزام الناصب: ج1 ص417.
[35] - إلزام الناصب: ج1 ص157.
[36] - إلزام الناصب: ج1 ص202.
[37] - إلزام الناصب: ج1 ص241 ،غيبة النعماني: ص210.
[38] - الحديد: 16.
[39] - إلزام الناصب: ج1 ص93.
[40] - إلزام الناصب: ج1 ص191.
[41] - الإمامة والتبصرة - لأبن بابويه القمي: ص94.
[42] - موسوعة المصطفى والعترة- للحاج حسين الشاكري: ج12 ص52.
[43] - نصيحة إلى طلبة الحوزة العلمية - للسيد أحمد الحسن (، أحد إصدارات أنصار الامام المهدي (.
[44] - موسوعة المصطفى والعترة- للحاج حسين الشاكري: ج12 ص53.
[45] - عيون أخبار الرضا (: ج2 ص228 ح1، بحار الأنوار: ج49 ص44 ح37، العالم: ج22 ص97 ح51.
[46] - الخرائج والجرائح: ج2 ص662 ح5، بحار الأنوار: ج49 ص48 ح48، العوالم: ج22 ص100 ح58.
[47] - الهداية الكبرى: ص288، العوالم: ج22 ص120ح5.
[48] - الخرائج والجرائح: ج1 ص366 ح23، بحار الأنوار: ج49 ص53 ح6، العوالم: ج22 ص104 ح68.
[49] - الكهف: 106.
[50] - الأحزاب: 61 – 62.
[51] - رجال الكشي: ص457 ح864.
[52] - معجم أحاديث الأمام المهدي - للكوراني: ج5 ح1786.
[53] - الممهدون - للكوراني: ص110، القتن - لابن حماد: ص198.
[54] - الاحتجاج - للطبرسي: ص199.
[55] - النمل: 14.
[56] - ق: 5.
[57] - النساء: 83.
[58] - تفسير العياشي: ج1 ص26 ح206.
[59] - الشعراء: 227.
[60] - الإمامة والتبصرة: ص77 ح67 ، بحار الأنوار: ج49 ص106، عيون أخبار الرضا(: ج1 ص26 ح10.
[61] - الكافي: ج1 ص380 ح1، العوالم: ج22 ص62 ح1.
[62] - الغيبة - للطوسي: ص134، بحار الأنوار: ج25 ص251 ح5، العوالم: ج22 ص62 ح2.
[63] - كمال الدين وتمام النعمة: ص229.
[64] - الثاقب في المناقب: ص495 ح424.
[65] - بيان البراءة (13 رجب) الصادر في جمادي الثاني 1425هـ ق .
[66] - بيان السيد أحمد الحسن اليماني الموعود.
[67] - بيان الحق والسداد من الأعداد: ج2 ص9.
[68] - بيان الحق والسداد من الأعداد: ج2 ص11.
[69] - حاكمية الله لا حاكمية الناس - السيد أحمد الحسن (: مقدمة الكتاب.
[70] - هود: 89.
[71] - حاكمية الله لا حاكمية الناس - المقدمة، للسيد أحمد الحسن (.
[72] - الحج: 41.
[73] - بحار الأنوار: ج24 ص165.