Subjects

-الإهداء

-المقدمة

-الغصن الثاني: من هم ورثة الأنبياء

-الجهة الأولى: صفات الوارث

-الوارث مصطفى من الله تعالى

-الوارث معصوم

-الوارث صاحب الوصية

-الوارث عالم لا يجهل

-الوارث واجب الطاعة

-الجهة الثانية: مواريث الأنبياء

-الثمرات:

-الثمرة الأولى: العلماء ورثة الأنبياء

-الثمرة الثانية: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل

-الثمرة الثالثة: رواة حديثنا

-الثمرة الرابعة: فللعوام أن يقلدوه

-الثمرة الخامسة: أمناء الرسل

-الثمرة السادسة: المجتهد إذا أخطأ

-الثمرة السابعة: ينفون عنه التحريف

-الثمرة الثامنة: الرد على اليعقوبي


Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (60) سلسلة الحجة الظاهرة في الدفاع عن العترة الطاهرة (2) من هم وَرَثَة الأنبياء ؟ تأليف الشيخ ناظم العقيلي طبعة مصححة ومزيدة الطبعة الثانية 1432 هـ - 2011 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى صفوة الله ونبيه.. إلى من خلقه الله ونفخ فيه من روحه.. إلى نبي الله آدم ع أبي البشر أهدي هذه الكلمات، وأسأل الله تعالى أن لا يحرمني من شفاعته وشفاعة ذريته من الأنبياء والمرسلين والأئمة والشهداء والصالحين. وكذلك أهدي هذه الكلمات إلى أمّنا حواء ص، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الأئمة والمهديين. وبه تعالى نستعين -المقدمة الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، مجري الفلك، مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين. والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد المصطفى وعلى آله الطاهرين الأئمة والمهديين. لقد ظُلم أهل البيت ص في حياة رسول الله ص ومنذ أول يوم بعد وفاته، عندما أُغتصبت الخلافة من أمير المؤمنين ع في سقيفة بني ساعدة، ورافق غصب الخلافة مظالم عديدة ومريرة على الإمام علي ع وعلى فاطمة الزهراء ص، وأيضاً على الحسن والحسين ريحانتي رسول الله ص، واستمرت المظالم على بيت النبوة إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة. فبالإضافة إلى القتل والسم والسجن والتشريد لهذه الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء وتؤتي أكلها كل حين، قام أعداء الله وأعداء رسوله ص بانتحال فضائل وألقاب أمير المؤمنين وعترته الطاهرة، ليظهروا أمام الناس بمظهر الشرعية والقدسية التي تساعد على جمع الناس حولهم وخفق النعل خلفهم وقبول قولهم بدون مناقشة، مما يسهل عليهم تحقيق غرضهم الدنيوي الرخيص. وتقريباً أول لقب سُرق من أمير المؤمنين ع هو (أُمرة المؤمنين) الذي خص الرسول محمد ص به الإمام علي بن أبي طالب ع، ولا يتسمى به غير الإمام علي ع إلاّ كذاب. والروايات عن المصطفى ص تشهد بذلك. فتسمى بهذا اللقب عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وبنو أمية وبنو العباس ظلماً وعدواناً على آل الرسول ص. وأما تحريف الأحاديث وتأويل الآيات فحدث ولا حرج، فقد حاول أعداء آل محمد ص تحريف أو تأويل كل حديث أو آية تنص على فضل وكرامة العترة الطاهرة، ومنع الرواة من ذكر الأحاديث النبوية التي تصرح بأرجحية الإمام علي ع وفضله على غيره. ومن أجل ذلك ضُربت كثير من الأعناق وقُطعت الأيدي والأرجل، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. ولم تقف مسألة سرقة الألقاب على أعداء آل محمد، بل ترقّت إلى من يدَّعي التشيّع لهم ومحبتهم، فظهر بعض من يدّعي العلم لينتحل ألقاب وصفات الأئمة من آل محمد ص التي سمّاهم الله تعالى بها وخصّهم الرسول ص بها ونفاها عن غيرهم، ومع الأسف فقد استطاع هؤلاء المنتحلون من إقناع الكثير من عامة الناس، مستغلين غفلتهم وعدم اطلاعهم على روايات الأئمة المعصومين ص. ومن هذه الألقاب والصفات المنتحلة هي (ورثة الأنبياء) و (الراسخون في العلم) و (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) و (آية الله العظمى) وغيرها الكثير، مدّعين أن هذه الصفات للعلماء من غير الأئمة المعصومين من آل محمد ص، وفي الحقيقة أن هذا ظلم لآل محمد ص يضاف إلى مظالمهم السابقة. فمن اعتقد بذلك عن جهل وعدم إطلاع على حقيقة الأمر، فنحن ننبهه ونسأل الله تعالى له الهداية، ومن اعتقد بذلك عن علم وتعمد لانتحال صفات الأئمة الأطهار ص، فهو مشمول بلعنة الإمام الصادق ع في زيارة عاشوراء، إذ قال ع: (ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها). قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾([1]). وسيتبين لك عزيزي القارئ أن هذه الصفات كلها خاصة بالأئمة المعصومين من ذرية رسول الله ص، وسأعتمد في إثبات ذلك على القرآن الكريم والسنة المطهرة للرسول ص وعترته الطاهرة ص؛ لأنه لا يسعنا معرفة الحق من الباطل إلا من خلال ذلك، بدليل قول الرسول ص: (أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) ([2]). وقوله ص: (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) ([3]). وما بعد الحق إلاّ الضلال المبين. وأما من ركب رأسه وأصبح منكوساً يُحرِّف الكلم عن مواضعه، فنقول له نعم الحكم الله تعالى، والموعد القيامة، والخصم محمد ص وعترته الطاهرة ص. ومما حثني على الإقدام على كتابة بحث خاص في هذا الموضوع هو سكوت الجميع عن بيان هذا الأمر ووضع النقاط على الحروف ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيي عن بيّنة، وأسأل الله تعالى أن ينتفع المؤمنون بهذا البحث المتواضع، وأن يكتبنا من المدافعين عن محمد وآل محمد باللسان والسنان، وأرجو أن لا يحملني أحد على العداء أو التحامل على العلماء الغير معصومين، فإني أكن كل الاحترام والتقدير للعلماء العاملين المخلصين لآل محمد ص، وأتمنى أن أكون أحد خدمتهم، وإنما حملني على ما سأكتب هو قول الصادقين (عليهما السلام): (إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان) ([4]). وأداء التكليف الشرعي في وجوب هداية الأمة والدفاع عن محمد وآل محمد ص، ولكي لا نحشر يوم القيامة من المهملين لحقهم ص، فإن أحدنا تقوم قيامته ويُضحي حتى بنفسه إن اعتدى شخص على كرامته، فكيف بنا إذا أُعتديَ على أئمتنا ورموز كرامتنا العترة الطاهرة ص ؟ ولا أدّعي أن كل ما سأكتبه في هذا الموضوع هو من تحصيلي العلمي الخاص، وإنما هو بفضل الله تعالى وبمنّه علينا بيماني آل محمد السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع، وكل أملي أن تنتبه الأمة من نوم الغفلة ولا تأخذها العزة بالإثم ويقولوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾، لكي لا يحشروا يوم القيامة من الظالمين لحق محمد وآل محمد ص، فإن في ذلك خسران الدنيا والآخرة. وفقنا الله وإياكم لنصرة الحق وأصحاب الحق، وجمعنا الله وإياكم تحت راية الإمام المهدي ع يوم القيام المقدس مقبلين غير مدبرين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين الطاهرين. ناظم العقيلي 9/ صفر/ 1427 هـ ق -الغصن الثاني: من هم ورثة الأنبياء صدر الغصن الأول من (سلسلة الحجة الظاهرة في الدفاع عن العترة الطاهرة، وهو كتاب ملحمة الفكر الإسلامي والفكر الديمقراطي)، وبين يدي القارئ الغصن الثاني وهو (من هم ورثة الأنبياء، الأوصياء أم العلماء). وأيضاً يتكون من غصن وعدة ثمرات كسابقه. وللوقوف على حدود معنى الوارث والوراثة لابد لنا أولاً أن نعرف ما هي صفات الوارث للأنبياء والمرسلين ص، لكي نميّزه عن غيره ؟ وما هي مواريث الأنبياء والمرسلين ؟ لكي نعرفها من خلال الواقع، هل هي متوفرة عند الأئمة المعصومين فقط ؟ أم أنها أيضاً متوفرة عند العلماء من غير الأئمة ص ؟ حتى يمكننا أن نصفهم بورثة الأنبياء. فإن ثبت عن طريق القرآن والسنة المطهرة أن صفات الوارث للأنبياء ص لا تتوفر إلا في الأئمة المعصومين، وأن مواريث الأنبياء لا توجد إلاّ عندهم ص، يثبت أن من يصف نفسه أو غيره بـ (ورثة الأنبياء)، قد لبس ثوب غيره ونصب نفسه في مقام لم ينصبه الله تعالى فيه، وبهذا يكون من الغاصبين لحقوق غيره، وأي أناسٍ الذين غصبهم، غصب من تتشرف الملائكة المقربون بخدمتهم، وهم العترة الطاهرة للنبي محمد ص. وكالعادة لكي نعرف معنى (الوارث) و (المواريث)، لابد لنا أن نستفهم القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهما الثقلان اللذان أوصانا الرسول محمد ص باتباعهما والاغتراف منهما. فنقسم البحث إلى جهتين: الجهة الأولى (صفات الوارث في القرآن والسنة)، والجهة الثانية (معنى مواريث الأنبياء في القرآن والسنة المطهرة). -الجهة الأولى: صفات الوارث أعلم أن الوارث هو الحجة بعد الحجة، وهو الإمام، لقول الإمام الرضا ع: (إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء. إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول ص ومقام أمير المؤمنين ع وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام) ...) ([5]). فالوارث للأنبياء ص له صفات خصّهُ الله بها، لا توجد في غيره؛ لأنه واحد دهره، كما وصفه الإمام الرضا ع: (... الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير ...) ([6]). وسأتعرض لبعض صفات الوارث والاستدلال على أنها خاصة بالأئمة المعصومين ص ولا تصدق على غيرهم من علماء أو عبّاد ... وسأعتمد في ذلك كتاب الكافي في الأعم الأغلب، لمصنفه ثقة الإسلام الشيخ الكليني (طاب ثراه)؛ لأنه أوثق كتاب عند الشيعة على الإطلاق. -الوارث مصطفى من الله تعالى: لا شك أن الله تعالى هو خالق الخلق وهو الأعلم بمصلحهم ومفسدهم، ومطلع على ما تخفيه ضمائرهم، ولذلك فلا يمكن لأحد أن يُعيَّن إماماً بعد إمام إلاّ الله تعالى، وبما أن ورثة الأنبياء هم الحجج على الخلق بعدهم، فلا بد أن يكون اختيارهم وتعيينهم عن طريق الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([7]). عن سالم، قال: سألت أبا جعفر ع عن قول الله (: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾([8])، قال ع: (السابق بالخيرات: الإمام، والمقتصد: العارف للإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام) ([9]). وعن أبي ولاد، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله ( ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾([10])، قال: (هم الأئمة ص) ([11]). وعن أبي عبد الله ع في قوله تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ( وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾([12])، قال: (أمير المؤمنين وما ولد من الأئمة ص) ([13]). وعن أبي عبد الله ع: (أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد ؟ ! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله ص لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) ([14]). وعن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله (: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾([15])، فقال: (نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين) ([16]). إذن فالإمامة والوراثة اصطفاء من الله تعالى ولا يمكن حتى للأئمة ص تعيين من يرثهم ويكون الحجة على الناس من بعدهم، وإنما ذلك أمر مقدر من الله (، والأوصياء للرسول محمد ص الذين ثبتت حجيتهم على الناس هم اثنا عشر إماماً واثنا عشر مهدياً بعد القائم ع، والدليل هو وصية الرسول ص الآتية، فكل شخص غير هؤلاء لا يمكن أن تنطبق عليه صفة (وارث الأنبياء) سواء كان عالماً أو غيره. عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ع، قال: قال رسول الله ص - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي ع: (يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماماً، سماك الله تعالى في سمائه: علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا برئ منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص. فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين) ([17]). وعن الباقر والصادق ع في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾([18])، قال: (هي لنا خاصة، إيّانا عنى) ([19]). -الوارث معصوم: قد ثبت عن طريق النقل والعقل أن الحجة على الناس لا بد أن يكون معصوماً مطهراً من الذنوب والعيوب، وبما أن ورثة الأنبياء هم أولى الناس بالأنبياء ص؛ لأنهم قد ورثوا العلم والحكمة وكل المواريث، فهم الحجج على الناس بعد الأنبياء. إذن فلا بد أن يكونوا معصومين لا يأمرون الناس بمعصية، وكل شخص لا يتصف بالعصمة لا يمكن أن تكون طاعته واجبة على الناس؛ لأن غير المعصوم ممكن الخطأ والانحراف، ووجوب طاعته يكون أمراً بإتباع المخطئ والمنحرف، وهذا محال على الله تعالى. وقد أكد الله تعالى ورسوله ص والأئمة الأطهار ص على هذه الحقيقة وأوضحوها بصورة لا يعتريها غموض، ولكن الكثير من القوم قد أسدلوا عليها الستار طمعاً بالمنصب والأتباع، ولبقاء قولهم واجب التنفيذ، وبذلك قد اغتصبوا مقام الأئمة الأطهار ص الذين هم ورثة الأنبياء والمرسلين ص. عن أحمد بن عمر، قال: قال أبو جعفر ع: وأتاه رجل فقال له: إنكم أهل بيت الرحمة أختصكم الله تبارك وتعالى بها، فقال له: (كذلك نحن والحمد لله لا ندخل أحداً في ضلالة ولا نخرجه من هدى، إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله ( رجلاً منّا أهل البيت يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكراً إلاّ أنكره) ([20]). وعن أمير المؤمنين ع في حديث أخذت منه مقدار الحاجة، قال ع: (... فلا طاعة في معصية الله ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ص ولولاة الأمر، وإنما أمر الله بطاعة الرسول ص؛ لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية) ([21]). وعن علي بن الحسين ع قال: (الإمام منا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله (: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾([22])) ([23]). وكذلك نجد هذا المعنى واضحاً جلياً في قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([24]). فهذه الآية نفت الإمامة عن كل ظالم، وكل عاصٍ لله تعالى فهو ظالم. إذن لا تكون الإمامة للعاصين بل للمعصومين المهتدين فقط، وهم الأئمة المعصومون من ذرية الرسول الأكرم محمد ص الذين قال عنهم الله تعالى: ﴿ إنما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾([25])، أي مطهرون من الشك والشرك والعصيان. وبعد هذا يكون من التجاسر على مراتب الأئمة ص القول بأن العلماء الغير معصومين هم ورثة الأنبياء؛ لأنه لا يرث المعصوم إلاّ معصوم، وقد أجمعت الشيعة بأن الحجج المعصومين هم العترة الطاهرة فقط. وهم الأئمة والمهديون ص، وإليك البيان من الإمام الرضا ع في حديث طويل بعد بيانه لإمامة إبراهيم ع التي وهبها الله تعالى له بعد النبوة والخلة، فقال ع بعد ذكر قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَاقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾([26])، (فلم تزل في ذريّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرنا حتى ورّثها الله تعالى النبي ص، فقال جل وتعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾([27])، فكانت له خاصة فقلدها ص علياً ع بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([28])، فهي في ولد علي ع خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد ص فمن أين يختار هؤلاء الجهّال) ([29]). وهذا نص صريح بأن الوراثة والإمامة استمرت بعد إبراهيم ع إلى النبي محمد ص، ثم إلى الإمام علي ع، ثم الأئمة من ولده ص إلى يوم القيامة، فكيف يدّعيها غيرهم وصاحبها حيّ موجود بين أظهرنا وهو الحجة محمد بن الحسن العسكري ع، روحي وأرواح العالمين له الفداء ؟ فهو وحده وارث الأنبياء والمرسلين والأئمة ص، ومن بعده ذريته المهديون ص. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين. -الوارث صاحب الوصية: استمرت وراثة الأنبياء ص من آدم ع إلى نبيّنا محمد ص، يوصي بها السابق إلى اللاّحق، فعندما أوصى آدم ع بها إلى هابيل ودفع إليه مواريث النبوة، حسده أخيه قابيل وادعى أنه أحق بها منه؛ لأنه الأكبر سنّاً، فأجابه آدم ع بأن الأمر ليس بيده، وإنه باختيار الله تعالى يضعه حيث يشاء، فحسد قابيلُ هابيلَ فقتله، فكانت هذه الحادثة أول بذرة خبيثة أسست الصراع على وراثة الإمامة، وأستمر قتل آلاف الأنبياء والمرسلين، كل ذلك اعتراضاً على تنصيب الله تعالى ووصايا الأنبياء وتعيينهم لورثتهم. ثم رزق الله تعالى آدم ع ولداً ذكراً أسماه هبة الله، فكان هو وارثه ووصيه. فعن أبي عبد الله ع، قال: (لما انقضت نبوة آدم وأنقطع أكله، أوحى الله إليه: يا آدم، أنه قد انقضت نبوتك وأنقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر) ([30]). واستمرت هذه الوراثة والوصية من وصي إلى آخر حتى مبعث نبي الله نوح ع، ومن بعده حتى انتهت إلى نبي الله إبراهيم ع، فأوصى بها إلى إسماعيل ع ومن بعده ... هلم جراً إلى نبي الله موسى، ثم إلى نبي الله زكريا فيحيى فعيسى ع، ثم ختمت النبوة بالنبي الأكرم محمد ص، فاجتمعت عنده كل مواريث الأنبياء والمرسلين ص ووصاياهم، فكان هو الوارث المنصوص عليه والمبشر به في كل الكتب السماوية السابقة وعلى لسان كل الأنبياء والمرسلين والأوصياء. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([31]). وكما قدَّمت فيما سبق من أن الوصي والوارث لابد أن يكون معصوماً عن إدخال الناس في باطل أو إخراجهم من حق، والعصمة أمر باطني وليس بظاهر، فلا يعلمه إلاّ الله تعالى، فلا بد من اختياره من قبل الله تعالى والوصية به عن طريق الأنبياء والأوصياء ص، كما نص على ذلك الإمام السجاد ع حين قال في حديث له: (الإمام منا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً ...) ([32]). (ومنصوصاً) أي موصَّى به من قبل الله تعالى عن طريق الرسول محمد ص. وقد بيَّن الله تعالى أوصياء الرسول محمد ص في وصيته عند وفاته والتي أتاه بها جبرائيلع عن الله تعالى فسماهم واحداً بعد واحد، من أبيهم وسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب ع فالحسن والحسين (عليهما السلام)، حتى انتهى إلى المهدي المنتظر ع، ثم ولده أحمد، فالمهديين من ذرية أحمد المهدي ولكن بدون تشخيص أسمائهم. والظاهر أن من أسباب تسمية أول ولد ووارث للإمام المهدي ع، هو لوقوع الاختلاف والافتراق فيه من قبل الأمة؛ لأنه يظهر قبل قيام الإمام المهدي ع بالسيف كما تشير إليه الوصية الآتية، وأما بقية ذرية الإمام المهدي ع لم تذكر أسماؤهم في وصية رسول الله ص؛ لأن الإمام المهدي ع هو الذي سيشخص أسماءهم واحداً واحداً بعد قيامه الشريف وقبل استشهاده، كما نص رسول الله ص على أوصيائه واحداً واحداً، فلا تبقى حجة لمحتج ولا عذر لمعتذر في الالتواء على الأوصياء من ذرية القائم ع. وربما يفاجئ البعض ويستغرب من ذكر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع في هذه الوصية، فأقول له: أن هذه الوصية ذكرها الشيخ الطوسي في الغيبة (ص150)، وهذا الكتاب يعتبر من أوثق الكتب الشيعية، ومؤلفه هو شيخ الطائفة وهو غني عن التعريف، وذكرها المجلسي (رحمه الله) في بحاره، وذكرها الحائري في إلزام الناصب، وذكرها السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (ص640)، وغيرها من مصادر الحديث المعتبرة. ثم إنّ هذه الوصية مؤيدة بقرائن كثيرة، مثل قول الإمام الصادق ع لأبي حمزة في حديث طويل: (... يا أبا حمزة، إن منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين) ([33]). وفي الحديث عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد ع: يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك ع أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً. فقال الصادق ع: (إنما قال: أثنا عشر مهدياً ولم يقل أثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([34]). وعن الصادق ع: (إن منّا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين) ([35]). وعن الإمام السجاد ع: (يقوم القائم منّا ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً) ([36]). وغيرها الكثير من الروايات التي تؤكد على حكم المهديين من ذرية الإمام المهدي ع بعد أبيهم، ثم يكون بعد ذلك الرجعة للأئمة ص. وقد ضبط الأستاذ ضياء الزيدي في كتابه (المهديين) ما يناهز الأربعين رواية تذكر ذرية الإمام المهدي ع، ومن أراد المزيد من التوضيح فليراجع كتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم)، و (الوصية والوصي أحمد الحسن). وموضوع الكلام، هو أن ورثة الأنبياء بعد محمد ص هم الأئمة المعصومون من ذرية الإمام علي ع، والمهديون من ذرية الإمام المهدي ع بعد أبيهم ع. فلا يكون الوارث وارثاً أو وصياً إلاّ أن يكون منصوصاً عليه بالاسم والصفة، ويعتبر ذكره والوصية به من أهم العلامات المشخصة له عن غيره. وإلى هذا المعنى أشار الأئمة ص: عن أبي عبد الله ع، قال: (إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً، لم ينزل على محمد ص كتاب مختوم إلاّ الوصية، فقال جبرائيل ع: يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله ص: أي أهل بيتي يا جبرائيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم ع وميراثه لعلي ع وذريتك من صلبه، قال: وكان عليها خواتيم، قال: ففتح علي ع الخاتم الأول ومضى لما فيها، ثم فتح الحسن ع الخاتم الثاني ومضى إلى ما أمر به، فلما توفي الحسن ومضى، فتح الحسين ع الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل وأخرج بأقوام للشهادة ولا شهادة لهم إلاّ معك، قال: ففعل ع...) ([37]). وفي حديث طويل عن تميم بن بهلول، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: (... وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة، لا تخلوا الأرض من حجة منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت وأوان، وهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكل من خالفهم ضال مضل تارك للحق والهدى، وهم المعبرون عن القرآن، الناطقون عن الرسول ص، من مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية)([38]). وفي محاججة الإمام الرضا ع في مجلس المأمون (لعنه الله)، إذ سأل أحدهم: (يا ابن رسول الله بأي شيء تصح الإمامة لمدّعيها ؟ قال ع: بالنص والدليل، قال له: فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال ع: في العلم واستجابة الدّعوة) ([39]). بل ورد أن الإمام المهدي ع عند قيامه يعرف بالوصية ووراثته العلماء أي الأئمة إمام بعد إمام. فعن الباقر ع في حديث طويل: (... فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول الله ص، قد توارثته الأبناء عن الآباء. والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله أمره في ليلة، فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكلن عليهم ولادته من رسول الله ص، ووراثته العلماء عالم بعد عالم) ([40]). ومن الواضح أن العهد الذي توارثه الأئمة ص عن رسول الله ص هو الوصية على الأئمة واحداً بعد الآخر، فالإمام المهدي ع هو صاحب الوصيات، أي إن وصايا الأئمة قد اجتمعت عنده، وبيّن هذا الحديث أيضاً أن الإمام المهدي ع هو وارث الأئمة والأنبياء ص وليس غيره، بل عدّ الإمام الباقر ع هذه من العلامات التي لا ينبغي أن تشكل على الناس. وقد وردت الإشارة إلى أن قبل قيام الإمام المهدي ع يخرج ابن له من ذريته يوصف بأنه ابن صاحب الوصيات. عن أبي الحسن ع، قال: (كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات، فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([41]). وتهدى أي تبايع ابن صاحب الوصيات، الذي هو ابن الإمام المهدي ع؛ لأن صاحب الوصيات ووارثها هو الإمام المهدي ع. عن أبي جعفر ع في خبر طويل نقتطف منه مقدار الحاجة: (... ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء حتى يسمعه أهل السماء كلهم، اسمه اسم نبي، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه والنفس الزكية من ولد الحسين .... إلى أن يقول: ... وإيّاك وشذّاذ من آل محمد ص، فأن لآل محمد وعلي راية، ولغيرهم رايات. فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء ...) ([42]). ولا يخفى على القارئ الفطن شدة التأكيد على عهد رسول الله ص (الوصية)، وبها يعرف القائم وذريته ص. ولا يخفى أيضاً أن ورثة الأنبياء ص هم الأئمة خاصة الذين معهم وصية رسول الله ص. وإليك هذا الحديث الذي ينص أيضاً على أن ورثة الأنبياء هم علماء آل محمد خاصة، أي الأئمة المعصومين ص. عن أمير المؤمنين ع في حديث طويل: (أيها الناس، عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون بجهالته، فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما (فضلت به) النبيون إلى خاتم النبيين في عترة محمد المصطفى ص، فأين يتاه بكم ؟ بل أين تذهبون ؟! يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هذه مثلها فيكم فأركبوها، فكما نجا في هاتيك من نجا، فكذلك ينجو في هذه من دخلها، أنا رهين بذلك قسماً حقاً وما أنا من المتكلفين...)([43]). وبعد هذا كله نختم ونقول: إن وراثة الأنبياء والأئمة لا تكون إلاّ بوصية خاصة من الله ورسوله ص، قال تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([44])، وهم الأئمة المعصومون والمهديون من ذرية القائم ع، فمن أدعى من غيرهم أنه من ورثة الأنبياء، فنقول له هات الوصية، وإلاّ فأنت سارق لحق غيرك !! ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. -الوارث عالم لا يجهل: اختص الله تعالى الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين بالعلم والحكمة؛ ليغنيهم عن غيرهم وليميزهم عن سواهم من سائر الناس، ولإقامة الحجة على الخلق بهم ص. فالحجة على الخلق لا يتعلم من غيره، بل علمه من الله تعالى، بخلاف سائر الناس، فإنهم مفتقرون إلى تحصيل العلوم من غيرهم، فلابد لهم من معلم يميرهم العلم والمعرفة. فمن جعل معلمه الأنبياء والمرسلين والحجج الميامين، فقد انتهل من العين الصافية التي لا يشوبها كدر، ومن أعرض عن أبواب الله تعالى، اغترف من آجن وضل وأضل من حيث يعلم أو لا يعلم. قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾([45]). ومن البديهي أن من يستحق وراثة الأنبياء ص هو أعلم الناس وأفضلهم وأتقاهم بعد الأنبياء ص، فمن هو بهذه الصفة غير الأئمة المعصومين ص من ذرية الرسول محمد ص، وقد فصل الإمام الرضا ع هذا المعنى في كلام طويل، نقتطف من ما يناسب هذا البحث، حيث قال في وصف الإمام: (... الإمام المطهر من الذنوب، المبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب ... إلى أن يقول ع: فكيف لهم باختيار الإمام ؟! والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة .. نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة ... أن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ولا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾([46])... إلى أن يقول: وأن العبد إذا اختاره الله ( لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي بجواب، ولا يحير فيه عن صواب، فهو معصوم مؤيد موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته (البالغة) على عباده وشاهده على خلقه و (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه ؟ أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه ؟ تعدوا - وبيت الله - الحق ونبذوا (كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ... الحديث) ([47]). والحق أقول: إن الإمام الرضا ع لم يبقِ حجة لمحتج ولا عذر لمعتذر في اتباع غير الأئمة المعصومين ص، وجعلهم أئمة يأخذون كلامهم أخذ المسلمات ويصفونهم (بورثة الأنبياء)، وهو ثوب الأئمة المعصومين والمهديين ص من ذرية القائم ع لا يدّعيه غيرهم إلاّ منتحل لغير صورته ولابس لثوب غيره. فعن الصادق ع: (... إن الله لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري)([48]). وعن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله ع، قال: سمعته يقول: (إن الأرض لا تُترك إلاّ بعالم يحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى الناس، يعلم الحلال والحرام) ([49]). نعم، فالوارث والحجة لا يحتاج إلى أحد ولا يسأل أحداً، بخلاف غيره من الناس، فإنهم لا بد لهم من التلمذة على أيدي الناس؛ لأن علمهم يأتيهم عن طريق الاكتساب، وأما ورثة الأنبياء فعلمهم وراثة عن الأنبياء، فلذلك لا يحتاجون إلى سؤال الناس. وهذه الصفة لا توجد إلاّ في الأئمة المعصومين ص من ذرية الرسول محمد ص، ومن ادعاها من غيرهم فهو كذاب مفتر بدليل قول الإمام الباقر ع: (إن العلم الذي هبط مع آدم ع لم يرفع، والعلم يتوارث، وأنه لم يمت عالم إلاّ خلف من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله) ([50]). وعن الحارث بن المغيرة أيضاً، عن أبي عبد الله ع، قال: (قلت له: العلم الذي يعلمه عالمكم بما يعلم ؟ قال ع: وراثة من رسول الله ص ومن علي ع يحتاج الناس إليه ولا يحتاج الناس) ([51]). فإذا عرفت هذا فاعلم أن الوارث للأنبياء وللرسول محمد ص لابد أن يكون عنده تفسير كل القرآن، ظاهره وباطنه، ولا يوجد ذلك إلاّ عند الأئمة المعصومين ص بدليل قول الباقرع: (ما أدّعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب ع والأئمة من بعده ص) ([52]). وعن الباقر ع أنه قال: (ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء) ([53]). وعن أبي عبد الله ع أنه قال: (إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وأن الناس ليحتاجون إلينا، وإن عندنا كتاباً إملاء رسول الله ص وخط علي ع صحيفة فيها كل حلال وحرام، وأنكم لتأتوننا بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه) ([54]). وعن سيف التمار، قال: (كنا مع أبي عبد الله ع جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نرَ أحداً فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة ورب البنية - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما إني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما؛ لأن موسى والخضر (عليهما السلام) أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله ص وراثة) ([55]). فالأئمة ص هم ورثة رسول الله ص لا غيرهم، وهم أعلم الناس، ولا يكون الوارث للأنبياء إلاّ معصوماً منصوصاً عالماً بلا تعلم من أحد من الناس، ولا تتوفر هذه الصفات في أحد ولم يدّعِها أحد من علماء الشيعة ولا غيرهم، فيثبت أن الوراثة خاصة بالأئمة ص؛ لعدم توفر شروط الوارث في غيرهم ولا يخالف في ذلك إلاّ جاهل لا يحُسن مكالمته. -الوارث واجب الطاعة: ثبت فيما سبق أن الوارث مصطفى من الله تعالى، ومعصوم ومنصوص عليه بوصية، وإنه أعلم الناس بعد الأنبياء والرسل ص. وبما أن من يمتلك كل هذه الصفات يكون أفضل الخلق على الإطلاق في عصره وأقربهم إلى الله تعالى، فتعين أن يكون هو الواسطة بين الخلق وخالقهم؛ لأن الله تعالى تنزّه أن يواجه الخلق بالمباشرة، فلذلك تجب طاعة الأنبياء والرسل وورثتهم؛ لأنهم معصومون عن الخطأ والزلل، ولا يدخلون الناس في باطل ولا يخرجونهم من حق أبداً. قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾([56]). وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ﴾([57]). وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾([58]). وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾([59]). وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾([60]). وغيرها عشرات الآيات التي تنص على وجوب طاعة الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين ص. وبما أن الله سبحانه وتعالى ورسوله ص حددا لنا مصادر التشريع والهداية وهما القرآن والسنة المطهرة للرسول ص والأئمة الطاهرين، وجب عليناا الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة لمعرفة العلة التي من أجلها أمر الله تعالى بطاعة الأنبياء وورثتهم. قال تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾([61]). وقال تعالى: ﴿تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾([62]). وعن سماعة، عن أبي الحسن موسى ع، قال: (قلت له: أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه ص، أم تقولون فيه ؟ قال: بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه ص) ([63]). وإليك البيان من القرآن الكريم والسنة المطهرة: ففي بيان، أن الأنبياء وورثتهم لا يقولون بآرائهم ولا يعصون الله تعالى، قال (: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾([64]). وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ( لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾([65]). وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([66]). وقال تعالى على لسان مؤمن ياسين: ﴿اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾([67]). وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ( مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾([68]). وغيرها العشرات بل المئات من الآيات الشريفة التي أوجب الله تعالى فيها طاعة الأنبياء وورثتهم؛ لأنهم معصومون لا يأمرون الناس بمعصية، وأنهم ينطقون عن الله تعالى لا عن أنفسهم. وعن أمير المؤمنين ع، قال: (... فلا طاعة لمخلوق في معصيته، ولا طاعة لمن عصا الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ص ولولاة الأمر، وإنما أمر الله بطاعة الرسول ص؛ لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية) ([69]). وعن سفيان بن خالد، قال: قال أبو عبد الله ع: (إيّاك والرياسة، فما طلبها أحد إلاّ هلك، فقلت: قد هلكنا إذن، ليس أحد منّا إلاّ وهو يحب أن يُذكر ويُقصد ويُؤخذ عنه، فقال: ليس حيث تذهب، إنما ذلك أن تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال وتدعو الناس إلى قوله) ([70]). وروي عن النبي محمد ص: (ألا أن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً، فلا تعلموهم فأنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلالة) ([71]). وقال الإمام الرضا ع في حديث طويل في وصف الإمام فقال: (... فهو معصوم مؤيد موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته (البالغة) على عباده وشاهده على خلقه ...) ([72]). أقول: لقد تبين من الكتاب والسنة المطهرة، أن العلة التي من أجلها أوجب الله تعالى طاعة الأنبياء والأئمة الطاهرين هي: عصمتهم عن الانحراف والضلال. وأن العاصم لهم هو الله تعالى، ولولا ذلك لما وجبت طاعتهم على الناس. وبذلك يثبت أن كل شخص غير معصوم لا تجب طاعته على الناس، سواء كان هذا الشخص عالماً أو حاكماً أو غيره، لعدم اتصافه بالعلة الموجبة لطاعته وهي العصمة. فمن أعتقد بغير المعصوم أنه واجب الطاعة فهو كمن يقول بوجود المعلول بدون علته، وبعبارة أوضح: كمن يقول بإمكان وجود الحرارة بدون النار، أو وجود الضوء من غير سراج !! وهكذا إنسان لا تحسن مكالمته ونقول له: دلنا على نهار قبل شروق الشمس ! ثم نناقشك بعد ذلك. وأما بالنسبة إلى قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ فقد تأولها أبناء العامة وطبقوها على الحكام الذين يحكمون البلاد سواء كانوا عدولاً أم فساقاً، وبذلك تعدوا حدود الله تعالى وخالفوا صريح القرآن في قوله تعالى: ﴿... لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([73]). وغيرها من الآيات الدالة على حرمة طاعة المنحرفين والمتسلطين بغير حق. وخالفوا أيضاً مئات الأحاديث للرسول محمد ص التي بيَّن فيها أن خلفاءه من بعده هم عترته الطاهرة وآل بيته الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾([74]). وأما الطائفة المحقة وهم شيعة آل محمد ص، فقد ذهب أكثر أو كل علمائنا المتقدمين والمتأخرين إلى أنها خاصة بالعترة الطاهرة وقد وفقوا بذلك إلى الرشد والصواب. وقد شذّ بعض الشيعة وقالوا بإمكان شمول قوله تعالى: ﴿وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ للعلماء من غير آل محمد ص، وكفانا بالرد على هؤلاء هو قول العترة الطاهرة المعصومة: عن الحسين بن أبي العلاء، قال : قلت لأبي عبد الله ع: الأوصياء طاعتهم مفترضة ؟ قال: نعم، هم الذين قال الله (: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾([75])، وهم الذين قال الله (: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾([76])) ([77]). وعن الحسين أنه سأل جعفر بن محمد ع عن قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ قال: (أولوا العقل والعلم. قلنا: أخاص أو عام ؟ قال: خاص لنا) ([78]). وهذا هو الصادق ع يقول بأن الآية خاصة بهم ولا تشمل غيرهم، فمن وسع دائرة انطباقها على غير الأئمة المعصومين ص يعتبر مجتهداً في قبال النص، وهذا بديهي البطلان عند الأمة الإسلامية جمعاء شيعة وسنة، ولا سنة إلاّ سنة محمد وأهل بيته ص. وقد فصلتُ القول في هذا الموضوع في كتاب (الإفحام) فمن أراد المزيد فليراجع، وسيأتي في مستقبل هذا البحث ما يؤكد ذلك فأرتقب. وقد تحصّل من كل ما تقدم من صفات الوارث: أن الوارث لابد أن يكون مختاراً من الله تعالى، ومنصوصاً عليه بوصية رسول الله ص، وأن يكون أعلم الناس على الإطلاق، وأن يكون واجب الطاعة ومعصوماً، وكل هذه الصفات لا توجد إلاّ في الأئمة المعصومين من ذرية النبي محمد ص. فمن أدعى أنه من ورثة الأنبياء ولا توجد عنده هذه الصفات فهو كمن يريد نقل الماء في غربال أو كساع إلى الهيجاء بغير سلاح. وكان من نيتي أن أذكر المزيد من صفات الوارث الخاصة بالأئمة المعصومين ص، ولكن المجال لا يسع ذلك، فأعرضت عنها للاختصار، ولأن بما تقدم كفاية لطالب الحق. وأما طالب الباطل (فلو جئتهم بكل آية لا يؤمنون) ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. وبعد كل هذا نعرّج على مواريث الأنبياء لنتعرف على حقيقتها، وهل هي موجودة عند الأئمة فقط ؟ أم توجد عند غيرهم ؟ * * * -الجهة الثانية: مواريث الأنبياء بعد أن تعرضتُ لصفات ورثة الأنبياء ص وتبين أنها لا تتوفر إلاّ عند الأئمة المعصومين من ذرية النبي محمد ص لا يشاركهم فيها أحد، وأما الآن فنتعرض لبعض المواريث، ولنرى هل توجد عند غير الأئمة المعصومين ص حتى يمكن تسميتهم (بورثة الأنبياء) ؟ أم أنها منحصرة عند الأئمة ص فقط ؟ فيثبت أن كل من يُسمّي نفسه بـ (ورثة الأنبياء) من غير الأئمة ص فهو كاذب منتحل لصفة غيره. وسأسرد باختصار بعض الأخبار التي تذكر مواريث الأنبياء ص، وأنها تنتقل بالوراثة من نبي إلى وصي، ومن وصي إلى وصي، إلى أن وصلت إلى الإمام المهدي ع. عن النعمان الرازي، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (لما انقضت نبوة آدم وأنقطع أكله أوحى الله إليه: يا آدم، أنه قد انقضت نبوتك وأنقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فأني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد ما بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر) ([79]). فمن خلال هذه الرواية نعرف أن من مواريث الأنبياء هي: العلم والإيمان وآثار العلم والاسم الأعظم. ولا يوجد الآن أحد يدّعي أن عنده علم الأنبياء كله ولا إيمانهم ولا الاسم الأعظم لا كله ولا بعضه غير الأئمة المعصومين ص، فيثبت أن ورثة هذه المواريث هم الأئمة ص فقط، وإن العلماء من غير الأئمة ص لا يعلمون من ذلك شيئاً إلّا ما أظهره الأنبياء والأئمة ص للناس كافة. ومن يتعلم من الأنبياء أو الأئمة ص ليس بالضرورة أن يكون حجة على الناس وواجب الطاعة إلا ما نص عليه بنص واضح وصريح، وهذا النص لا يوجد إلا عند الأوصياء فقط أو من ناب عنهم بالخصوص. عن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه الرضا ع: (أما بعد، فأن محمداً ص كان أمين الله في خلقه، فلما قبض ص كنا أهل البيت ورثته. فنحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ... إلى أن يقول: نحن ورثة أولي العزم من الرسل...) ([80]). وعن رسول الله ص أنه قال: (إن أول وصي كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم، وما من نبي مضى إلا وله وصي، وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبي وعشرين ألف نبي، منهم خمسة أولو العزم؛ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ص، وأن علي بن أبي طالب كان هبة الله لمحمد، وورث علم الأوصياء، وعلم من كان قبله، ... الحديث) ([81]). وقد أكد وأوضح الرسول محمد ص بأن وراثة كل الأنبياء والمرسلين انتهت إليه ومن بعده إلى الإمام علي ع، وورثة الإمام علي ع هم الأئمة من ذريته إلى أن انتهت إلى إمام زماننا الحجة محمد بن الحسن العسكري ع، فلا يمكن تعدية هذا الوصف إلى غير الأئمة ص إلاّ بدليل ولا دليل. عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله ع: (إن سليمان ورث داود، وإن محمداً ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمداً، وأن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وتبيان ما في الألواح، قال: قلت: إن هذا لهو العلم، قال: ليس هذا هو العلم، إن العلم الذي يحدث يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة) ([82]). وهذا هو الإمام الصادق ع ينص على أنهم هم ورثة الأنبياء وأنهم ورثوا التوراة والإنجيل والزبور، فهل يوجد أحد يدّعي أنه عنده هذه المواريث غير الأئمة المعصومين ص، ومعنى وراثة التوراة والإنجيل والزبور هو كما أنزلها الله تعالى على موسى وعيسى وداود ص لا كما هي محرفة الآن عند اليهود والنصارى، وقد تواترت الروايات بأن هذه الكتب عند الإمام المهدي ع يستخرجها عند قيامه المقدس ليحاجج بها اليهود والنصارى ويقيم عليهم الحجة البالغة. إذن فوارث الأنبياء والمرسلين الوحيد في زماننا هو الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) ومن بعده الأوصياء من عترته ص. روى جابر قال: (أقبل رجل على أبي جعفر ع وأنا حاضر فقال: رحمك الله، أقبض هذه الخمس مائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة أموالي، فقال له أبو جعفر: بل خذها أنت ضعها في جيرانك والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسويّة ويعدل في خلق الرحمن البر منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله، فإنما سمي المهدي؛ لأنه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر الكتب من غار (بأنطاكية) فيحكم بأهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل ألزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطّعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله) ([83]). وأيضاً من مواريث النبي محمد ص والأئمة الأطهار ص هو علم القرآن الكريم ظاهره وباطنه، محكمه ومتشابهه، ناسخه ومنسوخه، خاصه وعامه ... ولا يوجد ذلك عند غير الأئمة المعصومين ص، والدليل قول الإمام الباقر ع: (ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء) ([84]). وعن أبي الحسن صاحب العسكر ع، قال: (اسم الله الأعظم ثلاث وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا اثنان وسبعون حرفاً وحرف عند الله، مستأثر به في علم الغيب) ([85]). فهل يستطيع أحد من الذين يدّعون أنهم ورثة الأنبياء أن يدّعي أن عنده جزء حرف من الاسم الأعظم فضلاً عن ثلاث وسبعون حرفاً، فلا أدري ماذا ورثوا لا علم الكتاب ولا الاسم الأعظم ولا التوراة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا .. ولا .. ولا .. فبماذا استحقوا هذا الإسم (ورثة الأنبياء)، وهل يكون الوارث وارثاً إذا كان صفر اليدين من الإرث ؟!! رحم الله عبداً عرف حدّه فوقف عنده. ومن مواريث الأنبياء ص عصا موسى ع، وهي عند الأئمة المعصومين ص يتوارثونها واحداً بعد الآخر، وهي الآن عند القائم ع. فعن أبي جعفر ع، قال: (كانت عصا موسى لآدم ع، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران، وأنها لعندنا، وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وأنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا ع يصنع بها ما كان يصنع موسى، وأنها لتروع وتلقف ما يأفكون وتصنع ما تؤمر به) ([86]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (ألواح موسى ع عندنا، وعصا موسى عندنا، ونحن ورثة النبيين) ([87]). وأظن أن هذه صفعة قوية حيث ربط الإمام الصادق ع بين ألواح موسى وعصاه وبين وراثة النبيين، أي أن الوارث للأنبياء يجب أن يمتلك مواريثهم كعصا موسى وألواحه ع، وأما من لم يمتلك هذه المواريث فلا يسمى وارثاً للأنبياء بل يكون حاله كحال العنكبوت، اتخذت بيتاً وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت، وما بعد الحق إلاّ الضلال المبين. وعن أبي عبد الله ع في حديث أقتطف منه نهايته، قال: (... كل نبي ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد ص) ([88]). وتواترت الروايات بأن الإمام المهدي ع هو وارث ذلك العلم، ولن يظهره إلاّ عند قيامه، فمن أين لغيره وراثة هذا العلم وهو مخزون عند صاحبه لا يظهره إلاّ في حينه ليكون حجة على الجهلاء من علماء السوء الذين يدّعون أنهم ورثة الأنبياء كذباً وبهتاناً ليستغفلوا الناس بذلك ويجمعونهم حولهم طلباً للمنصب والجاه والمال وغيرها من الأمور الدنيوية الرخيصة. وإليك أيها القارئ هذه الرواية التي تبين عظيم منزلة ورثة الأنبياء وعظمة المواريث التي عندهم والتي ميزهم الله تعالى بها عن سائر الناس بحيث لا يشركهم بها غيرهم. عن أبي بصير، قال: (دخلت على أبي عبد الله ع فقلت له: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة ها هنا أحد يسمع كلامي ؟ قال: فرفع أبو عبد الله ع ستراً بينه وبين بيت آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد، سل ما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله ص علّم علياً ع باباً يفتح له منه ألف باب ؟ قال: فقال: يا أبا محمد، علّم رسول الله ص علياً ع ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك، قال: ثم قال: يا أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة، قال: قلت: جعلت فداك، وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله ص وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ وقال: تأذن لي يا أبا محمد ؟ قال، قلت: جعلت فداك، إنما أنا لك فأصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا، كأنه مغضب، قال، قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: وأن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر، قال: قلت: وما الجفر ؟ قال: وعاء من أُدُم، فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم، قال: أنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا مصحف فاطمة ص، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ص، قال: قلت: وما مصحف فاطمة ص ؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله علم، قال: أنه لعلم وما هو بذاك، ثم سكت ساعة، ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: أنه لعلم وليس بذاك، قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة)([89]). نعم، هؤلاء هم ورثة الأنبياء حقاً وصدقاً ينحدر عنهم السيل ولا يرقى إليهم الطير، هؤلاء هم الذين قال عنهم رسول الله ص: (علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل) ([90])؛ لأنهم جمعوا كلَّ مواريث الأنبياء وعلمهم والاسم الأعظم وعلم رسول الله ص أفضل الخلق على الإطلاق، فلا بد أن يكونوا أفضل من أنبياء بني إسرائيل. ثم نسأل هؤلاء الذين يدّعون أنهم ورثة الأنبياء ص، هل عندكم الجامعة؟ وهل عندكم الجفر؟ وهل عندكم مصحف فاطمة ؟ وهل عندكم علم ما كان وما يكون ؟ هل عندكم علم القرآن ظاهره وباطنه ؟ والجواب أكيداً كلاّ. إذن فلا يصدق عليكم ورثة الأنبياء، بل تنحصر الوراثة بالأئمة والمهديين المعصومين من آل محمد ص. وفي نهاية هذا الفصل تحصل مما تقدم أن العلماء من غير آل محمد ص لم ولن تتوفر فيهم صفات الوارث كالعصمة والوصية والاختيار من الله تعالى والعلم الذي لا يشوبه جهل، وأيضاً لا توجد عندهم مواريث الأنبياء كالاسم الأعظم والعلم والتوراة والإنجيل والزبور وعصا موسى وخاتم سليمان وتابوت بني إسرائيل والجامعة والجفر ومصحف فاطمة وعلم ما كان وما يكون وغيرها من المواريث، وعدم امتلاك غير الأئمة ص لهذه المواريث ثابت واقعاً وبداهة ومجمع عليه عند الجميع، فلا يناقش فيه إلاّ منحرف التفكير والعقيدة. وقد أستحق الأئمة ص اسم (ورثة الأنبياء) لامتلاكهم هذه المواريث، فمن السّفه أن يطلق هذا الاسم أو الصفة على أشخاص لا يمتلكون مواريث الأنبياء. قال تعالى: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾([91]). وبعد إكمال هذا الغصن بتوفيق الله تعالى نتوجه إلى قطف ثماره، سائلين الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يجمعنا مع محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد ورثة الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً. * * * -الثمرات: سأجعل ثمرات هذا الغصن عبارة عن رد بعض الإشكالات التي ترد عليه، وأيضاً لرد بعض آراء الشيخ اليعقوبي في هذا الموضوع، وإن شاء الله تعالى سأعتمد الموضوعية في البحث والاعتماد على الثقلين (القرآن والسنة المطهرة) ومن الله العون والتسديد. -الثمرة الأولى: العلماء ورثة الأنبياء ربما يعترض بعض الناس ويقول: كيف لا يمكن وصف العلماء (بورثة الأنبياء) وقد قال عنهم الإمام الصادق ع: (إن العلماء ورثة الأنبياء؛ وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) ([92]). فإن المقصود بالعلماء في هذا الحديث هم العلماء من غير الأئمة ص. ويرد عليه: أن تفسير كلمة (العلماء) الواردة في الحديث السابق بالعلماء غير المعصومين تفسير خاطئ، ولعل الكثير وقع في هذا الاشتباه لعدم التدقيق في أجزاء ذلك الحديث. فذكر مفردة (العلماء) في كثير من كلام أهل البيت ص المقصود منها هم علماء آل محمد وهم الأئمة المعصومون ص، وخصوصاً الأحاديث التي تنص على وجوب طاعة العلماء مثلاً، والأحاديث التي تنص على أن العلماء أفضل من أنبياء بني إسرائيل، وغيرها من الأحاديث التي يراد منها الأئمة المعصومون ص. فتارة يطلق أسم (العالم) ويراد منه العالم المطلق، أي الذي لا يجهل شيئاً تحتاج إليه الأمة، والذي يكون واجب الطاعة على الناس لاتصافه بالعصمة. والعالم بهذا المعنى لا يصدق إلاّ على الأئمة المعصومين ص. وتارة أخرى يطلق اسم (العالم) ويراد منه مطلق العالم، أي كل شخص لديه علم محدود اكتسابي، وهكذا شخص لا يتصف بوجوب طاعة الناس له؛ لأنه يفتقر إلى العصمة المانعة من الخطأ والانحراف، والعالم بهذا المعنى يصدق على العلماء غير المعصومين في كل عصر، وهؤلاء العلماء ينقسمون إلى: علماء ربانيين عاملين مجاهدين، وعلماء سوء ضالين مضلّين. وأحياناً يصف الأئمة ص العلماء غير المعصومين بـ (المتعلمين)، ويصفون الأئمة المعصومين بـ (العلماء). عن أبي عبد الله ع، قال: (يغدوا الناس على ثلاثة أصناف: عالم، ومتعلم، وغثاء. فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء) ([93]). وهذا الحديث يفسر ويحكم كلام أمير المؤمنين ع في أصناف الناس بعد رسول الله ص، حيث قال ع: (إن الناس آلوا بعد رسول الله ص إلى ثلاثة: آلوا إلى عالم على هدى من الله قد أغناه الله بما علم عن علم غيره، وجاهل مدّع للعلم له معجب بما عنده وقد فتنته الدنيا وفتن غيره، ومتعلم من عالم على سبيل هدى من الله ونجاة ثم هلك من ادعى وخاب من افترى) ([94]). وبالجمع بين الحديثين ينتج أن المقصود بالعلماء هم أهل البيت ص فقط بدليل قول الإمام علي ع: (عالم على هدى من الله قد أغناه الله بما علم عن علم غيره)، أي أنه معصوم لا يحتاج إلى علم غيره؛ لاستغنائه بما علّمه الله تعالى وما ورثه من الأنبياء والأئمة ص، وقد هلك من ادعى أنه عالم ولم يكن معصوماً من أهل البيت ص. وفي حديث عن الرضا ع اخترنا منه ما يخص المقام حيث قال لأحد أصحابه: (... أو تدري من العلماء ؟ قلت: لا يا ابن رسول الله، قال: فقال: هم علماء آل محمد ص الذين فرض الله ( طاعتهم وأوجب مودتهم...) ([95]). إذن، العلماء الذين أوجب الله طاعتهم هم الأئمة المعصومون فقط دون غيرهم من العلماء الغير معصومين، ولذلك قال أمير المؤمنين ع لكميل: (يا كميل، لا غزو إلاّ مع إمام عادل، ولا نقل إلاّ من إمام فاضل. يا كميل، هي نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إلاّ موالين متبعين أو منادين مبتدعين إنما يتقبل الله من المتقين، لا تأخذ إلاّ عنا تكن منا.. الحديث)([96]). أي ليس بعد النبوة والرسالة والإمامة شيء تجب طاعته على الناس لعدم توفر العصمة من الله تعالى، فأما أن يكون الشخص نبياً أو رسولاً أو إماماً مفترض الطاعة، أو متبعاً لمن فرض الله طاعته من الأنبياء والرسل والأئمة ص، وما عدا ذلك فهو بدعة والبدعة في النار. وعن أمير المؤمنين ع، قال: (يا أيها الناس، اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون، فإن رسول الله ص قد قال قولاً آل منه إلى غيره، وقد قال قولاً من وضعه غير موضعه كذب عليه. فقام عبيدة وعلقمة والأسود وأناس معهم فقالوا: يا أمير المؤمنين، فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف ؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد ص) ([97]). علماء آل محمد أي الأئمة المعصومين وهم علي ع وذريته المطهرون من الرجس؛ لأنهم هم ورثة الكتاب وهم أعلم بتفسيره وتأويله من غيرهم. وعن أبي جعفر ع، قال: (قال رسول الله ص: إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد ص فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد ص، وإنما الهالك أن يحدّث أحدكم بشيء منه فلا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا، والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر) ([98]). وهذا الحديث صريح بتسمية المعصوم بـ (العالم) ويقصد به العالم الذي افترض الله طاعته بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾([99]). وسلمان الفارسي (المحمدي) لم ينسب إلى العلماء إلاّ لأنه مُلئ إيماناً، حيث قال عنه الرسول محمد ص ما معناه: (الإيمان عشر درجات، وقد نال سلمان العاشرة) ([100]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (... لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله ص بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق، إن علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن أمتحن الله قلبه للإيمان. فقال: وإنما صار سلمان من العلماء؛ لأنه امرؤ منّا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء) ([101]). وفي هذا الحديث الشريف كفاية لكل طالب حق، وهناك كثير من الأحاديث التي تنص على أن العلماء هم الأئمة المعصومون ص وشيعتهم هم المتعلمون، ويمكن تسميتهم بـ (العلماء) مجازاً أو أنهم علماء غير واجبي الطاعة من الله تعالى؛ لافتقارهم إلى العصمة المانعة عن الخطأ والوهم كما قدمت. وبعد هذه المقدمة نرجع إلى الحديث الذي بدأنا به هذه الثمرة، والذي يذكر أن العلماء ورثة الأنبياء، ونقرأه قراءة جديدة فنقول: إنّ هذا الحديث يدل على أنّ العلماء هم الأئمة ص عكس ما فهمه بعض الناس، وذلك لأن الإمام الصادق ع قال: (العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ...)، وإلى هنا يُفهم بأن الأنبياء ورَّثوا أحاديث أي علماً، وقد ثبت فيما سبق من هذا البحث أن علم كل الأنبياء ومواريثهم صار عند الرسول محمد ص ومن ثم إلى الإمام علي ع فالأئمة من ذريته واحداً بعد الآخر، إلى أن وصل الأمر إلى الإمام المهدي ع فهو من انتهت إليه مواريث الأنبياء والأئمة ص. ثم أكمل الإمام الصادق ع حديثه فقال: (فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً...)، أي من أخذ أحاديث الأنبياء ص من ورثتهم الأئمة المعصومين لا من غيرهم بدليل تكملة الحديث: (فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، أي لا تأخذوا علم الأنبياء وأحاديثهم إلاّ منا أهل البيت؛ لأننا ورثتهم، وأن في كل جيل منّا أئمة معصومون يحامون عن شريعة سيد المرسلين ص، ولا تأخذوا من غيرنا؛ لأن الحق لا يصدر إلاّ منّا. والدليل على أن الحق يصدر منهم ص فقط لا من غيرهم، قول الإمام الباقر ع لسلمة بن كهيل والحكم بن عتبة: (شرقاً وغرباً فلا تجدان علماً صحيحاً إلّا شيئاً صحيحاً خرج من عندنا أهل البيت) ([102]). وقول الإمام الرضا ع لإبراهيم بن أبي محمود: (يا ابن محمد، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فألزم طريقتنا، فإنه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه...) ([103]). وعن الرضا ع، عن آبائه ص، قال: (قال رسول الله ص: من دان الله بغير سماع ألزمه الله البتة إلى الفناء، ومن دان بسماع من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك، والباب المأمون على وحي الله محمد ص) ([104]). إذن فأخذ الدين والعلم لابد أن يكون من بابه الذي فتحه الله لخلقه وهم محمد وآل محمد ص لا غيرهم، والحديث الذي يقول: (العلماء ورثة الأنبياء) يقصد العلماء من عترة محمد ص خاصة (فمن أخذ بشيء منها أخذ حظاً وافراً) أي من أخذ من ورثة الأنبياء وهم الأئمة المعصومين ص، أخذ بحظ وافر، لأنهم هم خزان علم الأنبياء ولا يوجد بديل عنهم، وبذلك يكون العلماء غير المعصومين هم المتعلمين من ورثة الأنبياء والتابعين لهم، والحديث الذي هو مدار البحث لا يشملهم، فلا يكونون ورثة للأنبياء ص، بل الورثة هم محمد وآل محمد خاصة، والحمد لله الذي شرَّفنا بولاية محمد وآل محمد ص. وتأمل في قول الإمام ع: (فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، فهنا يؤكد الإمام ع على ضرورة أن تأخذ الناس العلم عن الأئمة ص فقط؛ لأنهم الباب المأمون ولأنهم هم ورثة الأنبياء، فلو كان المقصود من (العلماء) هم العلماء الغير معصومين لأرشدنا الأئمة ص لأخذ العلم منهم، فهل يكونون ورثة للأنبياء ولا يجوز أخذ العلم منهم ؟!!! و (عمن تأخذونه) في نهاية الرواية مرتبط بـ (فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً ) في بداية الرواية، أي إن أخذ تراث رسول الله ص يكون عن طريق الأئمة العدول من أهل البيت ص في كل عصر. -الثمرة الثانية: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل قد يعترض البعض ويقول: كيف لا يمكن وصف العلماء بأنهم ورثة الأنبياء وقد ورد عن الرسول محمد ص أنه قال: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) ([105])، وفي حديث آخر: (أفضل من أنبياء بني إسرائيل) ([106]) ؟ ويرد عليه: إن هذا الاعتراض لا يحتاج إلى مزيد من العناء في رده، فبطلانه ضروري؛ لأنه لا يعقل شرعاً أن يساوى أو يفضل عالم غير معصوم على نبي معصوم كعيسى ع الذي كان يمشي على الماء، أو موسى كليم الله ع. فغير المعصوم لا يفضل على المعصوم إطلاقاً، نعم يصح تفضيل معصوم على معصوم كتفضيل الرسل أولي العزم على سائر الرسل، وكتفضيل الرسول محمد ص على سائر الأنبياء، وكتفضيل الإمام علي ع على سائر الأنبياء والأوصياء والأئمة ص عدا الرسول محمد ص فهو أفضل ما خلق الله على الإطلاق. وقد تقدم في الثمرة الأولى أن معنى العالم هو الإمام المعصوم، وبيّنت ذلك من خلال روايات أهل البيت ص. وقد تعارف عند علمائنا المتقدمين كالشيخ الكليني والصدوق وغيرهم تسمية الإمام المعصوم بـ (العالم،) فيقولون في كتبهم: قال العالم وسُئِل العالم، ويقصدون بذلك الإمام المعصوم لا غير. وإن شئت فراجع كتبهم كالكافي للكليني، ومعاني الأخبار للصدوق (رحمهما الله تعالى). فيكون المقصود من قول الرسول محمد ص: (علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل) هم الأئمة المعصومون من ذرية الرسول محمد ص لا غيرهم من العلماء غير المعصومين. ونحن بذلك لا ننكر فضل علماء الشيعة العاملين المجاهدين كالشيخ الكليني والصدوق والطوسي والمفيد والحر العاملي والإسترآبادي والمجلسي والكركي والسيد الخميني والسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد محمد صادق الصدر وغيرهم من العلماء العاملين، فإن هكذا علماء هم الذين دافعوا عن مذهب الحق وبذلوا الغالي والنفيس من أجل الحق وأهل الحق محمد وآل محمد ص، ولكن هناك خطوط حمراء يجب أن لا نتجاوزها، فنكون مغالين؛ لأن الإفراط ربما يؤدي إلى الغلو في كثير من الأحيان، فلا يمكن أن نساوي العلماء غير المعصومين بالأئمة المعصومين ص، أو نصف العلماء بالصفات التي خص الله تعالى بها الأئمة ص فنكون بذلك ممن أشترى رضا المخلوق بسخط الخالق، أعاذنا الله وإيّاكم من ذلك، وقد ناقشتُ هذه الرواية بالتفصيل في كتاب (الصرخي في الميزان) فمن أراد المزيد فليراجع. والحمد لله أولاً وآخراً. -الثمرة الثالثة: رواة حديثنا اعتاد كثير من الناس ومنهم من يدّعون العلم الاحتجاج بالتوقيع الصادر عن الإمام المهديع في زمن الغيبة الصغرى على يد السفير الثاني محمد بن عثمان العمري ع، والتوقيع هو: (عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ع: أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك .. إلى أن قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي) ([107]). فقد فسَّر البعض عبارة: (رواة حديثنا) في التوقيع السابق على العلماء غير المعصومين، واستدلوا بذلك على أن طاعتهم واجبة؛ لأن الإمام المهدي ع قال عنهم: (فإنهم حجتي عليكم). ويرد عليه بعدة نقاط: 1- إن هذا التوقيع خبر آحاد، فلا يستدل به على قضية عقائدية كقضية النيابة عن المعصوم، هذا حسب قواعدهم في الاستدلال، وإنكم تشترطون في حجية الخبر التواتر أو ما أفاد مرتبته. 2- ويشترطون في الخبر أيضاً أن يكون صحيح السند، وهذا التوقيع ضعيف السند؛ لأن رواية (إسحاق بن يعقوب) مجهول في الرجال، كما نص على ذلك محقق كتاب وسائل الشيعة الشيخ أبي الحسن الشعراني، حيث قال عنه: (مجهول لا نعرفه في الرجال) ([108]). والخبر الضعيف - حسب قواعدهم - لا يستدل به في الفقه فضلاً عن العقائد، فكيف يمكن لمن يدّعي العلم أن يستدل به في مسألة عقائدية كالنيابة عن المعصوم ؟!!!! 3- فإن قلت بأن الإمام مدح إسحاق بن يعقوب في نفس التوقيع إذ قال له: (أرشدك الله وثبتك). فأقول: إن هذا يستلزم الدور لتوقف توثيق إسحاق بن يعقوب على ثبوت هذا التوقيع، وثبوت هذا التوقيع متوقف على وثاقة إسحاق بن يعقوب، فلا بد أولاً إثبات صحة سند هذا التوقيع ثم الأخذ بمضمونه، أو إثبات توثيق إسحاق بن يعقوب من حديث آخر غير هذا التوقيع، فكيف يستدل بحديث لم يثبت صحة سنده، وهذا غير جائز عندكم وقد روي عنهم ص: (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) ([109]). 4- وحتى لو سلّمنا بصحة سند التوقيع، فإن المقصود من (رواة حديثنا) في التوقيع الشريف هم النواب في زمن الغيبة الصغرى، وليس علماء زمن الغيبة الكبرى كما يزعم البعض؛ لأن الإمام المهدي ع عبر عنهم بـ (حجتي عليكم)، والحجة على الناس لابد أن يكون معصوماً بالنقل، والمعصوم لا يعرفه إلاّ الله والإمام الحجة ع، فلا بد أن يكون منصوصاً عليه بالمباشرة من الإمام المهدي ع، والسفراء المنصوص عليهم هم السفراء الأربعة لا علماء الغيبة الكبرى، فلا يمكن إثبات وجوب طاعة علماء الغيبة الكبرى لافتقارهم للعصمة وللتنصيب المباشر من الإمام المهدي ع بالاسم. فيكون المقصود من (رواة حديثنا) هم السفراء الأربعة لا غيرهم، مع ملاحظة أن هذا التوقيع صدر على يد السفير الثاني محمد بن عثمان العمري الذي استمرت سفارته نحو أربعين سنة، وبعده الحسين بن روح استمرت سفارته نحو واحد وعشرين سنة، ثم علي بن محمد السمري الذي استمرت سفارته حوالي ثلاث سنوات، فتكون مدة السفارة من محمد بن عثمان - السفير الثاني - إلى نهاية سفارة علي بن محمد السمري آخر سفير (64) سنة تقريباً، فتكون هذه الفترة هي التي أمر بها الإمام المهدي ع بالرجوع إلى رواة حديثه؛ لأنهم ينقلون تشريعه في الحوادث الواقعة لا رأيهم الخاص، وبذلك تكون حجة قولهم مستمدة من قول الإمام المهدي ع لا من قولهم مجرداً عن قول المعصوم ع، بخلاف علماء الغيبة الكبرى وخصوصاً متأخري المتأخرين والمعاصرين منهم فإنهم لا يعتبرون رواة للحديث؛ لأنهم لا يروون عن الإمام، بل وصلت الأحاديث إليهم في كتب مبوبة ومرتبة من قبل علمائنا المتقدمين كالشيخ الكليني والصدوق والطوسي (رضوان الله عليهم). 5- ومما ما يؤيد ما تقدم في النقطة الرابعة أن راوي التوقيع إسحاق بن يعقوب عاش قبل انتهاء الغيبة الصغرى بعشرات السنين، والظاهر أنه يسأل عن الحوادث الواقعة أي المستجدة في زمن الغيبة الصغرى من أين يأخذ حكمها، ويدل على ذلك قرينة الحال، وإجابة الإمام المهديع بأن يأخذ حكمها من رواة حديثه في تلك الفترة، حيث قال ع: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم ...) والكلام موجه إلى إسحاق بن يعقوب ومن عاصره بكونهم معاصرين للسفراء المنصبين من الإمام مباشرة وهم الواسطة بين الإمام المهدي وبين شيعته، فأمَرَه بأن يأخذ الأحكام الشرعية منهم، فلا يمكن تعدية هذا الكلام وتجريده عن الخصوصية إلى علماء الغيبة الكبرى لعدم وجود القرينة الدّالة على ذلك، بل هناك قرينة كلامية متصلة تخصص معنى (رواة الحديث) بالسفراء الأربعة، وهي قول الإمام المهدي في نهاية ذلك التوقيع: (وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي)، وهنا الإمام المهدي ع أعطى المصداق لرواة الحديث وهم محمد بن عثمان وأبيه ع، أي السفراء الأربعة بانضمام الحسين بن روح وعلي بن محمد السمري، ثم قال الإمام عن محمد بن عثمان: (فإنه ثقتي وكتابه كتابي) وهذا الكلام نظير قولهع: (فإنهم حجتي عليكم). وبالتالي ينتج أن (رواة الحديث) هم السفراء الأربعة لا غيرهم، وفي زمن الأئمة ص قبل القائم ع هم أصحاب الأئمة ص ولكن ضمن شروط ليس الآن محل تفصيلها. 6- ثم حتى لو تنزلنا عن الكلام السابق فنقول: بأن رواة الحديث في التوقيع الشريف يحتمل احتمالاً كبيراً انطباقها على السفراء الأربعة فقط، وكذلك يحتمل انطباقها على علماء الغيبة الكبرى، وبذلك يكون التوقيع متشابهاً وليس محكماً، وكما هو معلوم يشترط في حجية الحديث أن يكون محكماً غير متشابه، أي لا يحتمل أكثر من وجه، وبذلك لا يمكن الاستدلال بهذا التوقيع على وجوب طاعة العلماء في زمن الغيبة الكبرى ويحتاج إلى قرينة متصلة أو منفصلة لإثبات ذلك، ولا قرينة بل القرينة المتصلة تدل على خلاف ذلك، إضافة إلى وجود عدة قرائن منفصلة أيضاً تدل على تخصيص التوقيع بالسفراء الأربعة فقط. وقد فصّلت القول في هذا التوقيع في كتاب (الإفحام) فمن أراد المزيد فليراجع. -الثمرة الرابعة: فللعوام أن يقلدوه وقد يستدل البعض بالرواية الواردة عن الإمام العسكري ع عن الصادق ع والتي يقول فيها: (... فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه ...) ([110]) على وجوب طاعة العلماء. ويرد عليه: إنّ هذه الرواية لا يمكن للأصوليين الاستدلال بها؛ للأسباب التالية: إن هذا الحديث ضعيف ومرسل، وقد ورد في تفسير الحسن العسكري، وهذا التفسير لم يثبت بطريق صحيح أو موثق ولا حتى حسن عند الأصوليين، بل سنده عندهم في غاية الضعف، بل جزم المحقق الخوئي بوضع الكتاب حيث قال: (أقول: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، إنما هو برواية هذا الرجل([111]) وزميله يوسف بن محمد بن زياد، وكلاهما مجهول الحال، ولا يعتد برواية أنفسهما عن الإمام عليه السلام، اهتمامه عليه السلام بشأنهما، وطلبه من أبويهما إبقاءهما عنده، لافادتهما العلم الذي يشرفهما الله به. هذا مع أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع، وجل مقام عالم محقق أن يكتب مثل هذا التفسير، فكيف بالإمام عليه السلام)([112]). وقد ذكر محقق كتاب (تفسير العسكري)([113]) اثني عشر عالماً بين قائل بأن هذا التفسير موضوع مكذوب، وبين نافٍ لحجيته، راجع رسالة في نهاية الكتاب (ص681 – 688) للاحاطة بالتفاصيل. إضافة إلى ذلك فهو خبر آحاد مؤول بالرواة ونقلة الأخبار. 2- وبغض النظر عن مسألة السند فإن هذه الرواية تدل على قبول نقل الرواية عن الإمام المعصوم لا قبول الرأي، كما صرح بذلك الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة، فمن حملها على قبول الرأي فتكون دلالة الرواية على هذا المعنى ظنية وليس قطعية، ومن المعلوم أنه يشترط في حجية الرواية أن تكون قطعية الدلالة. 3- إن الرواية ليس فيها نص ولا ظهور في وجوب التقليد بل ظاهرة في التخيير؛ لأن الإمام ع قال: (فللعوام أن يقلدوه)، ولم يقل: (فعلى العوام أن يقلدوه). وبهذا لا تكون طاعتهم واجبة مطلقاً. 4- إن كثيراً ممن يدّعي العلم يستدل بهذا المقطع من الرواية، والرواية طويلة لم ينقلوها بتمامها؛ لأن فيها ذماً للعلماء غير العاملين، إضافة إلى أن الشروط التي وضعها الإمام لمن يجوز قبول روايته - على نحو التقليد أو المرجعية - وأصحابها كالكبريت الأحمر في الندرة والشروط: صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه. فمن منهم أحرز رضا الإمام المهدي ع حتى يجوز قبول روايته أو رأيه كما يدّعون ؟ ونحن نرى بأم أعيننا عداوة العلماء بعضهم للبعض الآخر، حيث وصل الأمر الى التفسيق والتكفير، بل وصل الأمر للقتل والقتال فيما بين العلماء. فمَنْ منهم يجوز تقليده ؟ ومَنْ لا يجوز تقليده ؟ وما الدليل على الطرف المختار ؟ فكل يدّعي أنه الحق المطلق وغيره ضلال، وأمست الناس في حيرة بين فلان وعلان. وإلى القارئ الرواية بتمامها مع تعليق الحر العاملي مؤلف كتاب وسائل الشيعة، ليتسنى معرفة الذم الوارد فيها للعلماء غير العاملين. (أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في (الاحتجاج) عن أبي محمد العسكري ع في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ﴾، قال: "هذه لقوم من اليهود - إلى أن قال: - وقال رجل للصادق ع: إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم - إلى أن قال: - فقال ع: بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة وتسوية من جهة، أما من حيث الاستواء فان الله ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم، وأما من حيث افترقوا فان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح وأكل الحرام والرشاء وتغيير الأحكام واضطروا بقلوبهم إلى أن من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم، وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها، فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فان من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره لجهلهم ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم، وآخرون يتعمدون الكذب علينا" الحديث). وأورده العسكري ع في تفسيره. (أقول: التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد والظن وهذا واضح، وذلك لا خلاف فيه، ولا ينافي ما تقدم وقد وقع التصريح بذلك فيما أوردناه من الحديث وفيما تركناه منه في عدة مواضع، على أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع، لأنه خبر واحد مرسل، ظني السند والمتن ضعيفاً عندهم، ومعارضه متواتر، قطعي السند والدلالة، ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية) ([114]). -الثمرة الخامسة: أمناء الرسل وربما يستدل البعض على أن العلماء هم ورثة الأنبياء وطاعتهم واجبة بالحديث المروي عن النبي محمد ص: (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا ؟ قال: إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم) ([115]). ويرد عليه بعدة نقاط: 1- إن الرواية ليست نصاً في وجوب طاعة العلماء ولا ظاهرة في ذلك، وغاية ما تدل عليه أن الفقهاء الأمناء العاملين هم أمناء على ما وصل إليهم من أحاديث وأحكام الشريعة. ومطلق الأمين ليس بالضرورة أن يكون واجب الطاعة، وإنما الطاعة للأمين المطلق وهم الأئمة المعصومون ص الذين هم ورثوا كل مواريث الأنبياء ص. فقد ائتمن الله تعالى بلعم بن باعوراء عالم بني إسرائيل على بعض آياته، وفي بعض الروايات على الاسم الأعظم أو جزء منه، ولكنه لم يُوجب طاعته على الناس، وكان عاقبة أمره أنه خان الأمانة وأتبع فرعون (لعنه الله) وحارب نبي الله موسى ع، وقد ذمّه الله تعالى في كتابه إذ قال: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾([116]). وكذلك علماء بني إسرائيل ائتمنهم الله تعالى على شريعة موسى ع ولكنهم خانوا الأمانة واتبعوا الملوك بيلاطس وهيرودس، وحاربوا نبي الله عيسى ع وكذّبوا رسالته، وقد ذمهم الله في كتابه الكريم إذ قال عنهم: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([117]). فبئس المقام مقام العلماء غير العاملين الخائنين لأمانتهم حيث وصفهم الله تعالى بالكلاب والحمير وهذا هو الخسران المبين. 2- إن أكثر الذين يذكرون هذه الرواية يذكرون المقطع الأول منها فقط (الفقهاء أمناء الرسل) ويبترون الرواية؛ لأن في تكملة الرواية فضيحة لعلماء آخر الزمان الذين اتبعوا السلطان وهادنوا أمريكا وعملاءها، ورضوا بتنصيب الناس، وحكموا بغير كتاب الله تعالى، حيث أوجبوا على الناس قبول دستور وضعي وضعه الغرب الكافر وأذنابه بعقولهم الناقصة المنحرفة!!! وتكملة الرواية هي: (ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا ؟ قال: إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم). وفي هذه التكملة للرواية تحذير من رسول الله ص بالاجتناب عن الفقهاء الذين اتبعوا السلطان، وعدم قبول أي شيء منهم؛ لأنهم خونة قد خانوا الأمانة ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ديمقراطية أمريكا وتركوا الفكر الإسلامي المتمثل بالإمام المهدي ع والقرآن الكريم، وهما الثقلان اللذان أوصى بهما النبي محمد ص وأكد على أن المتمسك بهما لن يضل أبداً. وذلك ما فعله كل علماء آخر الزمان إلا كالكبريت الأحمر الذي لا يصغى إلى قولهم وخصوصاً في العراق. وهذه الخيانة قد أخبر بها الر سول محمد ص قبل أكثر من ألف سنة، حيث قال في وصف علماء آخر الزمان في حديث طويل؛ وهو حديث المعراج: (... قلت: إلهي فمتى يكون ذلك (أي قيام القائم ع)، فأوحى إليَّ (: ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر الفتك، وقل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة الخونة) ([118]). ووصفهم بالخونة؛ لأنهم خانوا الأمانة، واشتروا رضا الناس بسخط الخالق، وأوجبوا طاعة الناس، وجوّزوا معصية الخالق، حيث جعلوا الحاكم في البلاد هو الفكر الديمقراطي الذي يعتمد على آراء الناس، والله تعالى يقول: ﴿لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾([119]). ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾([120]). ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾([121]). وأيضاً وصفهم ص في حديث آخر فقال: (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([122]). 3- يستفاد من كثير من الروايات أن قول الرسول محمد ص: (الفقهاء أمناء الرسل ...) خاصة بالصحابة المخلصين الذين عاصروا الأنبياء والأئمة ص وتحملوا أحاديثهم مباشرة وصانوا الأمانة واجتنبوا الخيانة، وهؤلاء هم الذين وصفهم الأئمة ص بأن الراد عليهم كالراد على الأئمة ص؛ لأنهم إنما يبلغون ما سمعوه من الأئمة ص، فمن ردهم فقد رد كلام الأئمة ص فيعتبر راداً عليهم ص. ومن الأحاديث التي تنص على أن أصحاب الأئمة ص المخلصين هم أمناء الله تعالى وأمناء الأئمة ص، الحديث الوارد عن الإمام الصادق ع: عن جميل بن دراج، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير ليث ابن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست) ([123]). وعن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (ما أجد أحداُ أحيا ذكرنا وأحاديث أبي ع إلاّ زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفّاظ الدين وأمناء أبي ع على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة) ([124]). وعن علي ابن المسيب الهمداني، قال: (قلت للرضا ع: شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت، فممن آخذ معالم ديني ؟ قال: من زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا) ([125]). فإن قيل: لا فرق بين أصحاب الأئمة ص وبين العلماء فكلاهما أمناء على علم الأئمة ص. أقول: إن هذا قياس مع الفارق؛ لأن أصحاب الأئمة ص بمثابة نواب خاصين عن الأئمة ص، وهم سمعوا أحاديث المعصومين بالمباشرة لا بالواسطة، وأصحاب الأئمة ص قد علمنا أمانتهم وعدم خيانتهم من الأئمة ص، بخلاف الذين لم يعاصروا الأئمة ص فحالهم مجهول لدينا إلاّ الأندر. نعم، قد وصل بعض علماء الغيبة الكبرى إلى هذه المنزلة بمرتبة من المراتب، كالسيد الخميني والشهيد محمد باقر الصدر والشهيد محمد محمد صادق الصدر (رحمهم الله تعالى)، ولكن ليت شعري هل عرفتهم الأمة وصدقتهم أم كذبتهم وحاربتهم ؟ فقد كُذبوا وحوربوا وأستهزئ بهم، وخصوصاً من قبل علماء السوء المترفين وأتباعهم، فهؤلاء وأمثالهم من فلتات التاريخ، وكالكبريت الأحمر، ولا يبعث أحدهم إلاّ واجهته الأمة بالتكذيب والافتراء وهي سنة الله تعالى. قال تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون﴾([126]). فإذا مات أو قتل هؤلاء العظماء لطمت عليهم الأمة الصدور وناحت عليهم، كما فعلت ذلك الأمم السابقة التي حاربت أنبياءها في حياتهم ثم بكت عليهم بعد مماتهم. فأمناء الله تعالى وأمناء الرسل مجهولون في الأرض معروفون في السماء، لا يعرفهم إلاّ الأولياء الذين ينظرون بنور الله تعالى. وأكثر هؤلاء الذين وصلوا إلى منزلة (أمناء الرسل) بمرتبة من المراتب قد تشرفوا بتسديد الإمام المهدي ع في أكثر أفعالهم، بل بعضهم تشرف بلقاء الإمام المهدي ع سواء بالمنام أم باليقظة، كالسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (رحمه الله) كما نُقل إلينا من بعض ثقاته. ثم إننا لا يمكن أن نجزم بوصول أحد الى تلك المرتبة بدون شهادة المعصوم وتزكيته، أو بصفات وأفعال توجب القطع بذلك وهي نادرة إن لم تكن معدومة. والنتيجة: أن أمناء الرسل من أصحاب الأئمة أو من سار على نهجهم حذو النعل بالنعل، فالأمة مأمورة أن تأخذ ما ينقلوه من أحاديث الأئمة ص لا الرأي والاجتهاد كما يدعي البعض، وهذا المعنى واضح في كلام الهشام بن الحكم حيث قال: (اللهم ما عملت من خير مفترض وغير مفترض فجميعه عن رسول الله ص وأهل بيته الصادقين، فتقبل ذلك مني وعنهم)([127]). وعن أحمد بن إبراهيم المراغي، قال: ورد عن القاسم بن العلا - وذكر توقيعاً شريفاً يقول فيه -: (فأنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرنا ونحملهم إياه إليهم) ([128]). فجعل الإمام ع علة منع التشكيك فيما ينقله الثقات؛ لأنهم قد تشرفوا بمفاوضة الأئمة ص بالمباشرة وأطلعوهم على الأسرار وكلفوهم بتبليغها إلى شيعتهم، فإذا وجد من لم يتشرف بمفاوضة الأئمة ص بالمباشرة وتكليفه بالتبليغ جاز التشكيك في قوله ولم يجب تصديقه وطاعته. وهذا التوقيع يفسر التوقيع الصادر عن الإمام المهدي ع والقائل: (وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم ...) أي السفراء الأربعة الذين كان يفاوضهم الإمام المهدي ع ويطلعهم على سره ويكلفهم بتبليغ شيعته الحلال والحرام، وهؤلاء هم الذين لا عذر لأحد في التشكيك فيما يروونه عن الإمام ع، لا الذين يفتقرون إلى هذه الصفة. وبعد كل هذا اتضح أن قول الرسول ص: (الفقهاء أمناء الرسل...) لا يستدل به على وجوب طاعة العلماء، إلاّ العلماء الذين نصبهم الإمام ع بالمباشرة، ولأنها ليس فيها نص ولا ظهور على هذا المعنى. -الثمرة السادسة: المجتهد إذا أخطأ واحتجح البعض جهلاً أو غفلة بالحديث المروي عن طريق أبناء العامة عن رسول الله ص. عن عمرو بن العاص وأبي هريرة، أنهما سمعا رسول الله ص يقول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) ([129]). إذ قالوا المجتهد مأجور سواء أصاب أم أخطأ، فطاعته واجبة على كل حال. ويرد عليه: 1- إن هذا الحديث لا يمكن للشيعة ولا لأبناء العامة الأخذ به، فبالنسبة للشيعة فلأنه منقول عن طريق أبناء العامة فقط، وهكذا حديث لا يمكن الأخذ به لضعفه - حسب قواعدهم -، ولأنه مروي عن طريق عمرو بن العاص وأبي هريرة، وكلاهما مذمومان أشد الذم عند الشيعة، وخصوصاً عمرو بن العاص العدو اللدود للإمام علي ع، ولأنه موافق لآراء أبناء العامة ومخالف لما ورد عن الأئمة المعصومين ص كما سيأتي. وقد روي عن العترة الطاهرة روايات متواترة تنهى عن الأخذ بما وافق أبناء العامة عند تجرده عن القرآن والسنة الصحيحة، فعن الإمام الصادق ع في خبر طويل قال: (... ما خالف العامة ففيه الرشاد ...) ([130]). وأما أبناء العامة فأيضاً لا يمكنهم الاعتماد على هذا الحديث؛ لوجود مناقشة في رواته، ولأنه مخالف للقرآن والسنة الصحيحة عن الرسول محمد ص وأصحابه البررة، فقد وردت آيات عديدة وروايات تنص على أن حكم الله واحد ولا يمكن أن يتعدد، ومن حكم بالخطأ كيف يكون له أجر ؟!! والكلام طويل ليس هنا محله. قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([131]). 2- إضافة إلى أن هذا الحديث منقول عن طريق أبناء العامة ورواته مذمومون أشد الذم وقد وضعوا الكثير من الأحاديث الكاذبة على رسول الله ص، فهو مخالف لما ورد عن الأئمة المعصومين ص، وإليك أيها القارئ بعض الروايات المعارضة لهذا الحديث: عن أبي بصير، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها ؟ قال ع: لا، أما أنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله () ([132]). وعن أمير المؤمنين ع في حديث طويل في ذم أصحاب الرأي قال: (... حتى إذا ارتوى من آجن وأكتنز من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضياً سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشواً من رأيه ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شيء مما أنكر، ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهباً...) ([133]). وعن محمد بن حكيم، قال: (قلت لأبي الحسن موسى ع: جعلت فداك، فقّهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى أن الجماعة منّا لتكون في المجلس، ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما منَّ الله علينا بكم، فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به ؟ فقال: هيهات هيهات، في ذلك والله هلك من هلك يا بن حكيم، قال: ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت) ([134]). وعن يونس بن عبد الرحمن، قال: (قلت لأبي الحسن الأول ع: بما أوحد الله ؟ فقال: يا يونس، لا تكونن مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه ضل، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر) ([135]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (من شك أو ظن فأقام على أحدهما فقد حبط عمله، إن حجة الله هي الحجة الواضحة) ([136]). وعن أبي جعفر ع أنه قال: (لو حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا، ولكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه ص فبينها لنا) ([137]). وفي هذا الحديث عبرة لمن أعتبر، إذ أن الإمام الصادق ع رغم كونه إماماً معصوماً لا يجوز له القول برأيه، فكيف يجوز لغيره ذلك ممن لا يملك العصمة، وربما خطأه أكثر من إصابته؟!! وبعد سماع هذه الروايات التي تنهى عن القول بالرأي وغيرها العشرات، إضافة إلى الآيات القرآنية الناهية عن ذلك أيضاً، فلا يمكن لأحد الأخذ بالحديث الوارد عن عمرو بن العاص والذي يثبت الأجر للحاكم وإن أخطأ، والحق خلاف ذلك بل أن من حكم برأيه ليس له أجر وإن أصاب. 3- إن هذا الحديث له دواعي كثيرة دفعت عمراً بن العاص وأبا هريرة لوضعه، منها لتصحيح خلافة عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان (لعنه الله)؛ لأنهما خالفا كتاب الله وسنة رسوله ص واغتصبا الخلافة من صاحبها الحق الإمام علي بن أبي طالب ع، فعندما يخطأ معاوية فيقول اجتهدت فأخطأت، والحاكم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر ؟!! ليقنعوا عامة الناس بأنهم أئمة حق وطاعتهم واجبة سواء أخطأوا أم أصابوا. وعلى ضوء هذا الحديث يكون يزيد مأجوراً بقتل الإمام الحسين ع؛ لأنه اجتهد فأخطأ في قتل الإمام الحسين ع فله أجر واحد !!! وهذا الكلام لا يقوله إلاّ من فقد عقله وأصبح تائهاً في غابة إبليس وجنده، فهو منكوس يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. -الثمرة السابعة: ينفون عنه التحريف وأيضاً قد استدل البعض على وجوب طاعة العلماء غير المعصومين بالرواية الواردة عن أهل البيت ص، وهي عن الصادق ع: (... فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)([138])، وقالوا بأن هؤلاء العدول هم العلماء فيجب طاعتهم. ويرد على هذا الكلام بعدة نقاط: 1- إن هذه الرواية هي نهاية الرواية التي صرحت بأن العلماء ورثة الأنبياء، وقد ناقشت هذه الرواية في الثمرة الأولى من هذا الكتاب، وقد أثبتُ أنها خاصة بورثة الأنبياء، وهم الأئمة المعصومون ص، ولا تخص العلماء غير العاملين لا من قريب ولا من بعيد، وما أثبته في الفائدة الأولى يثبت على هذا المقطع من الرواية. 2- إن هذه الرواية مقيدة أو مخصصة بروايات أخرى عن أهل البيت ص تنص على أن هؤلاء العدول الذين ينفون عن الدين التحريف ... هم الأئمة خاصة من ذرية الإمام الحسينع. فعن الرسول محمد ص: (... واختار من الحسين الأوصياء وهم تسعة من ولده، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) ([139]). وفي كمال الدين، عن النبي ص: (في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي، ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من تأخذون في دينكم وصلاتكم) ([140]). وهاتان الروايتان خاصتان، والرواية الأولى عامة - إن سلّمنا - ومن المعلوم عند تعارض العام والخاص يقدم الخاص ويكون حاكماً على العام، فتقدم الروايات التي تنص على أن الأئمة هم العدول الذين ينفون عن هذا الدين التحريف. وحتى الرواية الأولى ليست عامة؛ لأن الإمام الصادق ع قال: (فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً)، وأهل البيت هم الأئمة المعصومون لا غيرهم، بدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾([141])، وهذه الآية خاصة بالعترة الطاهرة المعصومة. نعم، قد وصل بعض أصحاب الرسول محمد ص وأصحاب الأئمة إلى هذه المرتبة، كسلمان الفارسي ع الذي قال عنه الرسول محمد ص: (سلمان منّا أهل البيت)([142])، أو كأبي بصير ونظرائه الذين قال عنهم الإمام الصادق ع في حديث: (.... هم نجوم شيعتي أحياءاً وأمواتاً، هم الذين أحيوا ذكر أبي ع، بهم يكشف الله كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين، ثم بكى، فقلت: من هم ؟ فقال: من عليهم صلوات الله وعليهم رحمته أحياءاً وأمواتاً، بريد العجلي، وأبو بصير، وزرارة، ومحمد بن مسلم) ([143]). وهؤلاء لا يمكن مساواتهم بعلماء الغيبة الكبرى الذين لم يعاصروا الأئمة ص من عدة نواح، منها: أنهم تربية الأئمة ص بالمباشرة وقد اقتبسوا علمهم وأخلاقهم بالمعاشرة، ومنها: أنهم يعتبرون نواباً خاصين للأئمة ص أو مأذونين عن الأئمة بالمباشرة في الدفاع عن الدين ونشر حديث أهل البيت ص. ومن البديهي أن من يمتلك الإذن الخاص بالمباشرة من الإمام المعصوم يختلف عمن لا يملك ذلك الإذن، ومنها: أن هؤلاء عبارة عن وسائط لنقل حديث المعصوم ولا يفتون بآرائهم، وغيرها من الفوارق. فقياس علماء الغيبة الكبرى مع هؤلاء يعتبر قياساً مع الفارق وهو باطل حسب استدلالكم. وحتى لو قلنا بإمكان وجود نوادر من أمثال هؤلاء في عصر الغيبة الكبرى، فهم كالعادة مُحَارَبون ومجهولون، بل وصل الحال إلى تفسيقهم وتكفيرهم من قبل علماء السوء المترفين. ولا تتعرف الناس على حقيقة هؤلاء الأولياء إلاّ من بعد مماتهم أو استشهادهم، كما عاصرنا ذلك ورأينا كيف وقف علماء الضلالة بوجه السيد الخميني والسيد الشهيد محمد باقر الصدر والسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (رحمهم الله تعالى)، وهذه حقيقة لا ينكرها إلاّ مكابر، وما أكثرهم في هذا الزمان، ولكن يبقى أمر مهم وهو أن هؤلاء العلماء الصالحين يفتقرون إلى نص خاص من المعصوم للقول بوجوب طاعتهم ولا يوجد نص يدل على ذلك. 3- إننا قد رأينا - وخصوصاً في هذا الزمان - أكثر العلماء وافقوا ديمقراطية الغرب الكافر إن لم نقل كلهم، وقالوا بوجوب اختيار الناس، وأقروا القانون الوضعي وتركوا القرآن الكريم، والله تعالى يقول: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([144])، وكل هذا مخالف لسيرة أهل البيت ص. وبذلك يكونون هم الذين يحرِّفون الدين، وهم الذين يخرِّبون شريعة سيد المرسلين ص، وليس عدولاً ينفون عن الدين التحريف. قال تعالى: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾([145]). 4- وحتى لو تنزلنا جدلاً عن الكلام السابق فيعتبر هذا الحديث من المتشابهات؛ لأن له أكثر من وجه، ومن المعلوم أن المتشابه لا يمكن الاستدلال به إلاّ إذا حُف بقرينة ولا قرينة عليه، بل القرائن المتصلة والمنفصلة عكس مرادكم كما بيَّنت ذلك وعن طريق كلام العترة الطاهرة والعين الصافية. قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾([146]). وتوجد نقوض أخرى على استدلال القوم أعرضت عن ذكرها مراعاة للاختصار. -الثمرة الثامنة: الرد على اليعقوبي أولاً: قال الشيخ محمد اليعقوبي في خطاب المرحلة رقم (51) الصادر بتاريخ 27/ صفر/ 1425هـ ق الموافق 18/ 4/ 2004: (... وقد أمر الأئمة ص شيعتهم ألًا يُعلموا العلماء بل يتعلموا منهم ويتبعوهم في كل القضايا سواء التي تهم الفرد كالوضوء والصلاة والصوم، أو التي تهم الأمة كالقضايا المصيرية التي تتطلب موقفاً موحداً من المرجعية والعلماء). ويرد عليه: 1- لقد راجعت أمهات الكتب فلم أعثر على حديث واحد فيه أمر من الأئمة ص بعدم تعليم العلماء وأتباعهم بكل شيء، فلا أدري كيف نسب الشيخ اليعقوبي ذلك إلى الأئمة ص وعلى أي شيء أستند ؟ نعم، وردت روايات تخص ذلك بالأئمة المعصومين ص، كقول أمير المؤمنين ع رواية عن رسول الله ص: (إني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا، ولا تخلفوا عنهم فتزلوا، ولا تخالفوهم فتجهلوا، ولا تعلموهم فهم أعلم منكم، هم أعلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً...) ([147]). وهذا خاص بالأئمة المعصومين ص لا يتعدى إلى غيرهم إلاّ إذا وصل الإنسان إلى مرتبة العصمة فيكون من أهل البيت ص كسلمان الفارسي (المحمدي) ع. فهل أن الشيخ اليعقوبي يعتبر نفسه معصوماً ومن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً حتى يتقمص صفاتهم ؟!! هيهات، فهم ص الثريا عن أيدي المتناولين، وهم اللذين ينحدر عنهم السيل ولا يرقى إليهم الطير، ورحم الله امرءاً عرف حدّه فوقف عنده، والفتوى بغير علم من أشد الموبقات وصاحبها تلعنه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب كما ورد عنهم ص. عن أبي جعفر ع، قال: (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه) ([148]). 2- كذلك لم أجد رواية تنص على وجوب طاعة غير المعصوم سواء كان عالماً أو جاهلاً، فمن أين جاء الشيخ اليعقوبي بهذا القول ونسبه للأئمة المعصومين ص، بل أن الأئمة ص قد بيَّنوا في رواياتهم أن لا طاعة إلاّ للمعصوم، وكذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([149]). وقد بيَّنت هذا الموضوع في الجهة الأولى من هذا البحث فمن شاء فليراجع. بل أن الرسول محمداً ص والعترة الطاهرة ص قد حذَّروا من اتباع زلات العلماء، وحذَّروا من العلماء الذين يتبعون آراءهم وأهواءهم، وخصوصاً علماء آخر الزمان. عن أبي عبد الله ع، قال: (قال أمير المؤمنين ع: قال رسول الله ص: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([150]). وعن الباقر ع، قال: (يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون ويتنسكون، حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلاّ أذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتم الفرائض وأشرفها، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض....) ([151]). وعن الرسول محمد ص: (إنما أتخوف على أمتي من بعدي ثلاث خصال: أن يتأولوا القرآن على غير تأويله، أو يتبعوا زلة العالم، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا ويبطروا، وسأنبئكم المخرج من ذلك: أما القرآن فأعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وأما العالم فانتظروا فيئته ولا تتبعوا زلته ... الحديث) ([152]). وأيضاً عن النبي ص: (أخوف ما أخاف على أمتي: زلات العلماء، وميل الحكماء، وسوء التأويل) ([153]). وقال سلمان الفارسي ع: (إني أخشى عليكم ثلاثاً: زلة العالم، وجدال المنافق، ودنيا مطغية) ([154]). وعن الإمام علي ع: (زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتفرق) ([155]). وعنه ع: (زلة العالم تفسد العوالم)، و (لا زلة أشد من زلة العالم)، و (زلة العالم كبيرة الجناية) ([156]). وعن النبي ص: (احذروا زلة العالم، فإن زلته تكبكبه في النار). و (ويل لأمتي من علماء السوء) ([157]). وعن الإمام الصادق ع: (ملعون ملعون عالم يؤم سلطاناً جائراً معيناً له على جوره)([158]). وقد تحقق ما أخبر به النبي محمد ص، وجاء آخر الزمان واتبعت الناس زلات العلماء في مخالفة القرآن والسنة، وفي الحكم بغير كتاب الله تعالى، واتباع السلطان؛ أمريكا وعملائها وأتباعها. فهل يريد منا الشيخ اليعقوبي أن نخالف كلام الرسول محمد ص وآل بيته ص ونأخذ بكلامه في وجوب طاعة العلماء في كل شيء ؟!! فما هذا إلّا استغفال واستحمار للناس وجعلهم مقلدين عميان لا يبصرون، كالأنعام بل أضل سبيلاً. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. 3- ثم إنك كيف تريد من الناس أن تطيعك وقد خالفت كتاب الله تعالى وسنة نبيه ص وعترته الطاهرة، فقد أوجبت على الناس الانتخابات واعتبرتها أفضل من الصلاة والصوم، والقرآن والسنة يهتفان بأن التنصيب لله وحده، ولا يمكن ولا يجوز للناس أن تختار من يسوس البلاد والعباد. قال تعالى: ﴿لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾([159]). وقال تعالى: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾([160]). وقال تعالى: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ﴾([161]). وقال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾([162]). وقال تعالى: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾([163]). فهذا مبدأ الأغلبية الذي تعتمد عليه الانتخابات مذموم أشد الذم في القرآن والسنة المطهرة، وأيضاً أرشدت الناس إلى التصويت لدستور وضعي مخالف للقرآن والسنة المطهرة. قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([164]). وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه﴾([165]). وعن الأئمة ص: (الحكم حكمان: حكم الله، وحكم أهل الجاهلية. فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم أهل الجاهلية) ([166]). إلى غيرها العشرات من الآيات والروايات التي تمنع من الحكم بالأنظمة الوضعية، بل هذا من ضروريات الدين والمذهب، فكيف جعلته وراء ظهرك واتبعت مبررات لا تستدل بها ربات الحجال، قال تعالى: ﴿نبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([167]). وقد أسهبت في الرد على الكثير من آرائك في هذا المجال في كتاب (ملحمة الفكر الإسلامي والفكر الديمقراطي) وطلبت منك الرد على هذا الكتاب، ومرَّت أشهر وأشهر ولا رد ولا جواب ولا .. ولا .. فهذا مجال علمي ولا يكلفك إلاّ القرطاس والقلم وما أكثرهما، وليس جهاداً مسلحاً حتى تتظاهر بالهدوء والسكينة والحفاظ على الدماء، كما سطّرت ذلك في كتاباتك، فأما أن ترد وإلاّ فأنت مهزوم. قال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾([168]). وأخيرا أقول لك ما ورد عن الأئمة ص ما معناه: (الطاعة لمن أطاع الله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وطاعة غير المعصوم تستلزم الطاعة في المعصية؛ لأنه لا يُؤمَن من الانحراف والخطأ، فينتج أنه لا طاعة إلاّ للمعصومين وهم محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين عليهم أفضل الصلاة والسلام. ثانياً: وقد استدل الشيخ اليعقوبي ببعض ما ورد عن العترة الطاهرة على وجوب طاعة العلماء، في بيانه الصادر بتاريخ: 27/ جمادي الأولى/ 1425 هـ ق الموافق: 15/ 7/ 2004 م، والذي عنوانه: (العمل السياسي من الواجبات الشرعية) إذ قال في ذلك البيان: (... وهنا علينا أن نلتفت إلى نقاط: 1- إن العمل السياسي بالشكل المتقدم - أعني تشكيل الأحزاب والمنظمات ونحوها - لا يعني التخلي عن الخيار المرجعي في قيادة الأمة؛ لأنه النظام الأكمل والأقدر على تصحيح مسار الأمة وفق النهج الإلهي، وقد خطط أهل البيت ص ووضعوا له أسسه وقواعده. روي عن الإمام الحسين ع قوله: (مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه). وروي عن الإمام الصادق ع: (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه) ...). ويرد عليه: 1- إنّ الرواية التي تتضمن قول الإمام الحسين ع: (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ...) ([169]) ضعيفة السند، فلا تصح للاستدلال في الفقه فضلاً عن العقائد - هذا حسب قواعدكم -، وقد نص على ذلك السيد محمد سعيد الحكيم في كتاب مصباح المنهاج قائلاً: (مع ضعف سنده جداً حيث حكي عن عوالي أللآلي روايته مرسلاً في ضمن حديث طويل لا يخلو متنه عن ضعف واضطراب: أنه لا يخلو عن إجمال، وقد يظهر منه إرادة الأئمة ص حيث أنه بعد أن تضمن النكير على الناس في تسامحهم في الدين وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ولاسيما مع التعبير فيه بالعلماء بالله لا بالدين) ([170]). 2- المقصود من هذا الحديث: (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ..) هم الأئمة ص خاصة، فهم العلماء بالله، وهم الذين أوجب الله طاعتهم على العباد، وخصوصاً مع ملاحظة الروايات التي تنص على هذا المعنى والتي تعتبر مخصصة ومقيدة لهذه الرواية وتخصها بالأئمة المعصومين ص؛ لأنه لا طاعة لغير المعصوم، وهذا واضح وبيِّن لمن تدبر الروايات التي سبق ذكرها في هذا البحث. وقد أشار إلى هذا المعنى السيد محمد سعيد الحكيم كما مر في النقطة السابقة، وكذلك نص على هذا المعنى المحقق الخوئي في مصباح الفقاهة قائلاً: (مجاري الأمور في يد العلماء بالله، فأن العلماء بالله ليس غير الأئمة ص بل غيرهم العلماء بالحلال والحرام من الطرق الظاهرية) ([171]). وأيضاً أشار إلى ذلك الخوانساري في تقرير بحث النائيني، فقال: (مجاري الأمور بيد العلماء، وقوله: (العلماء ورثة الأنبياء) ونحو ذلك من الأخبار الواردة في علو شأن العالم، فمن المحتمل قريباً كون العلماء فيها هم الأئمة ص كما في الخبر المعروف: (مداد العلماء كدماء الشهداء) ولا سيما الخبر الأول الدال بإطلاقه على الولاية العامة، فإن فيه قرائن تدل على أن المراد من العلماء فيه: هم الأئمة ص فإنهم هم الأمناء على حلال الله وحرامه ..) ([172]). ولو تنزلنا عن كل شيء، نقول: إن هذه الرواية تعتبر من المتشابهات التي لها أكثر من وجه، فلا يمكن الاستدلال بها إلاّ بعد إحكامها، وإحكامها ينتج عكس مرادكم لوجود عشرات الأخبار المخصصة أو المقيدة لهذه الرواية بالأئمة المعصومين ص، وقد تقدم نقلها فلا نعيد. وسأذكر بعض الرواية ثم أضيف بعض آراء العلماء في تأويلها: عن الإمام الحسين أو أمير المؤمنين ع: (... يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله، وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة، فأما حق الضعفاء فضيعتم، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم، فلا مال بذلتموه، ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله ... وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تقرعون (تغضبون)، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تقرعون (تغضبون) وذمة رسول الله ...... وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون (تعون). ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلاّ بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع. ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات ... فالله الحاكم فيما تنازعنا، والقاضي لحكمه فيما شجر بيننا. اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان، ولا التماساً في فضول الحطام، ولكن لنري معالم دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ... فإنكم إلاّ تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم ..) ([173]). وعلق عليها الآخوند الخراساني في حاشيته على المكاسب قائلاً: (... وأما كون مجاري الأمور بيد العلماء. وإن كانت عبارة أخرى عن ولايتهم، إلّا أن الظاهر من (العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه) هو خصوص الأئمة ص، كما يشهد به سائر فقراته التي سيقت في مقام توبيخ الناس على تفرقهم عنهم ص حيث أنه صار سبباً لغصب الخلافة وزوالها عن أيدي من كانت مجاري الأمور بأيديهم، والخبر طويل رواه مرسلاً عن أبي عبد الله الحسينع في تحف العقول، فلاحظ تمامه ...) ([174]). وقال الشيخ الأصفهاني في حاشيته على المكاسب: (وفيها قوله ع: "مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه". بتقريب: أن الأمور التي من شأنها الجريان عن نظر الإمام ع فهي مفوضة إلى العلماء، فيعم جميع الأمور المهمة المتعلقة بنظم البلاد وحفظ العباد، ورعاية شؤون القاصرين في أنفسهم وأموالهم. وأورد عليه: بأن الرواية منقولة في تحف العقول، وسياقها يدل على أنها في خصوص الأئمة ص والظاهر أنه كذلك، فأنه المذكور فيها هم العلماء بالله لا العلماء بأحكام الله، ولعل المراد أنهم ص بسبب وساطتهم للفيوضات التكوينية والتشريعية تكون مجاري الأمور كلها حقيقة بيدهم ص لا جعلاً، فهي دليل الولاية الباطنية لهم كولايته تعالى، لا الولاية الظاهرية التي هي من المناصب المجعولة) ([175]). وعلق السيد محسن الحكيم على هذه الرواية قائلاً: (... لا تخلو من إجمال مع أن العلماء بالله غير العلماء بالأحكام الذين هم موضوع البحث ...) ([176]). وقال الشيخ جعفر السبحاني في تقرير بحث السيد الخميني (رحمه الله): (ثم أنه ربما يستدل ببعض الروايات القاصرة سنداً أو دلالة لا بأس بالإشارة إلى بعضها: منها: التوقيع الرفيع، وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وفيه: أنه قاصر السند. ومنها: رواية تحف العقول، مجاري الأمور على يد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه، وفيه: أن التدبر في الرواية صدرها وذيلها يقضي بورودها في حق الأئمة مضافاً إلى ضعف السند. ومنها: ما رواه في الفقه الرضوي من تنزيل الفقهاء منزلة أنبياء بني إسرائيل، وفيه: أنه ضعيف السند) ([177]). وقال السيد محمد صادق الروحاني في فقه الصادق ع ج5 ص171: (... وأما عن تحف العقول عن علي بن الحسين: مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه. فيرد على الاستدلال به: أولاً: إن الظاهر أن العلماء الأئمة ص، فأنهم العلماء بالله، وأما الفقهاء فهم العلماء بالأحكام الشرعية...). 3- ثم إن المتدبر في أجزاء الرواية يظهر له عدة أمور: منها: قوله ع: (... وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء ...). فالكلام والتوبيخ موجه إلى العلماء الغير عاملين في زمن الإمام علي ع أو الإمام الحسينع، واعتبرهم الإمام ع أعظم الناس مصيبة بسبب (لما غلبتم عليه من منازل العلماء) ومنازل العلماء هي للأئمة ص خاصة، لقول المعصوم ع: (نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء)، وهؤلاء علماء السوء غلبوا عليها خاصة، أي تقمصوها كما تقمصها أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم. فالظاهر من (لما غلبتم عليه) أي ما أخذتموه بالغلبة دون رضا صاحبه، فيتبين أن هؤلاء العلماء الذين هم أعظم الناس مصيبة، غاصبون لمنزلة الأئمة ص وهي الإمامة والولاية والتي يمتاز صاحبها بأنه أعلم الناس. ومنها: قوله ع: (ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه ...). والمقصود بذلك هم الأئمة ص؛ لأن الإمام ع في مقام إثبات حقه في ولاية أمور الناس وإجراء أحكام الله تعالى؛ لأنه خليفة رسول الله ص المنصوص عليه بالقرآن والسنة المطهرة، وقد سُلب هذا الحق من عنده بغياً وعدواناً، وذلك بسبب تقاعس العلماء والصحابة عن نصرته ومداهنتهم لأئمة الضلالة الذين خانوا الرسول ص وخالفوا وصيته في تنصيب الإمام علي ع خليفة له، واتبعوا أهواءهم وشهواتهم. فكيف يعقل أن الإمام علياً ع مع وجوده وهو الحجة على الخلق يشير إلى أن مجاري الأمور والأحكام بيد عامة العلماء وينفيها عن نفسه، وكيف يمكن لشخص أن يتصور صدور هذا المعنى من الإمام علي ع وهو المطالب بحقه في عشرات المواطن. نعم، يمكن أن نتصور هذا المعنى: (أن مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء) على نحو النيابة عن الإمام المعصوم بمباشرة أمر معين، كولاية مالك الأشتر ع على أهل اليمن نيابة عن الإمام علي ع، وغيره من الصحابة الذين استخدمهم الإمام علي ع كولاة على البلدان البعيدة عن مركز الخلافة. وهؤلاء الولاة تكون ولايتهم طولية؛ أي مستمدة من ولاية المعصوم، وليس عرضية؛ أي مستقلة عن ولاية المعصوم. فمجاري الأمور والأحكام بيد الأئمة ص وتكون على أيدي العلماء من أصحابهم بنحو النيابة الخاصة كما قدمت، كنيابة أصحاب الإمام علي ع عنه في إدارة شؤون البلدان والأمصار البعيدة، وكذلك كمسلم بن عقيلع في نيابته عن الإمام الحسين ع في قيادة أهل الكوفة لتمهيد النصرة للإمام الحسين ع، وكأذن الإمام الصادق والباقر وغيرهم من الأئمة لبعض أصحابهم المخلصين في ممارسة الإفتاء للناس بما عرفوه من أحاديث أهل البيت ص، وكنيابة السفراء الأربعة عن الإمام المهدي ع في عصر الغيبة الصغرى. وهذه الصلاحية لا يمكن أن تتوفر لعلماء الغيبة الكبرى؛ لافتقارهم إلى النص والإذن المباشر من المعصوم للنيابة عنه في ممارسة إدارة شؤون الأمة، وكيف يمكن لشخص أن ينوب عن الإمام المعصوم بدون إذنه ورضاه ؟!!! وأما ما ادّعي من النيابة العامة في الغيبة الكبرى فأدلته غير تامة سنداً أو دلالة. نعم، قد تصح مطلق النيابة لا النيابة المطلقة، كنيابة عدول المؤمنين في تدبير أمور من لا ولي له، كالمحافظة على أموال اليتامى، وكممارسة القضاء بين المؤمنين، وغيرها من الأمور التي يضطر لها الناس. وهي لا تستلزم القول بوجوب طاعة العلماء في عصر الغيبة الكبرى، وإنما العامل يعمل على وفق القرآن والسنة ولا يتعداهما إلى النظر والاجتهاد العقلي الناقص. وهذا هو ما عمل به علماؤنا المتقدمون بعد انتهاء عصر الغيبة الصغرى. ومنها: قوله بعد ذلك: (فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ...). فقوله ع: (فأنتم المسلوبون تلك المنزلة ...) ليس المقصود من المنزلة منزلة العلماء كما توهمه البعض، وإنما المقصود أنهم سلبوا منزلة أن تكون مجاري الأمور على أيديهم نيابة عن علماء آل محمد ص، والدليل على ذلك قوله ع: (وما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ...)، أي إنكم سُلبتم ذلك بتفرقكم عن الإمام الحق الذي بيده مجاري الأمور، فخذلتموه فأصبحت مجاري الأمور بيد الظالمين فمكّنوا السفهاء من ولاية أمور الناس وتدبيرها, فظهر الفساد في البر والبحر. فلو أنهم اجتمعوا على الحق وأخذوا بوصية الرسول ص في تنصيبه لآل بيته خلفاء على الأمة لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم، ولكانت ولاية أمور الناس بيد الصحابة المؤتمنين المخلصين لآل محمد، مثل أبي ذر وسلمان المحمدي والمقداد ومالك وغيرهم رضوان الله عليهم. وأيضاً يدل على هذا المعنى قوله ع: (فاستخففتم بحق الأئمة ..)، وقوله: (وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تقرعون [تغضبون]، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تقرعون [تغضبون] وذمة رسول الله محقورة ..)، أي إنكم استخففتم بحق الأئمة عندما لم تطيعوهم ولم تنصروهم على من غصبهم حق خلافة الرسول ص. وبالنتيجة حتى لو تنزلنا جدلاً عمّا سبق فإن غاية ما يدل عليه قوله ع: (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء) إذا حملناه على مطلق العالم فذلك بشرط كونهم منطوين تحت ولاية المعصوم، ومأذونين بالمباشرة منه ع، فإن لم يتحقق الشرط - إذن الإمامع - فالمشروط لا يتحقق وهو جواز جريان الأمور والأحكام على أيدي العلماء. وبعد هذا كله فلا يمكن للشيخ اليعقوبي الاستدلال بهذه الرواية لإثبات مطلبه، بل دونه خرط القتاد. وأما قول الشيخ اليعقوبي: وروي عن الإمام الصادق ع: (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه) ...). فقد تقدم الرد عليه ومناقشته في الثمرة الرابعة من هذا البحث، فراجع. وقد كان من نيتي أن أناقش الكثير من آراء الشيخ اليعقوبي ولكن بسبب حصولي على عدد قليل من بيانات (خطاب المرحلة) وبسبب ضيق الوقت، ولأن فيما كتبته كفاية في إثبات مخالفة الشيخ اليعقوبي للقرآن والسنة المطهرة، واضطراب وتناقض أفكاره العقائدية، اكتفيت بهذا القدر. إلى هنا تم الفراغ من تحرير الغصن الثاني من (سلسلة الحجة الظاهرة في الدفاع عن العترة الطاهرة) والذي هو بعنوان: (من هم ورثة الأنبياء الأوصياء أم العلماء ؟)، وسيليه إن شاء الله تعالى الغصن الثالث. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين. الشيخ ناظم العقيلي الموافق 15/ 5/ 2006 م
Footers

[1] - الشعراء: 227.

[2] - مختصر بصائر الدرجات – للحسن بن سليمان الحلي: ص90.

[3] - بحار الأنوار: ج30 ص352.

[4] - عيون أخبار الرضا – للشيخ الصدوق: ج2 ص103.

[5] - الكافي: ج1 ص200 ح1.

[6] - الكافي: ج1 ص225.

[7] - آل عمران: 26.

[8] - فاطر: 32.

[9] - الكافي: ج1 ص240.

[10] - البقرة: 121.

[11] - الكافي: ج1 ص341.

[12] - البلد: 1 – 3.

[13] - الكافي: ج1 ص470.

[14] - الكافي: ج1 ص307.

[15] - النساء: 59.

[16] - الكافي: ج1 ص317.

[17] - الغيبة – للشيخ الطوسي: ص150.

[18] - فاطر: 32.

[19] - الوسائل: ج18 ص147.

[20] - الروضة: ح579.

[21] - الوسائل: ج18 ص93.

[22] - الإسراء: 9.

[23] - معاني الأخبار: ص132.

[24] - البقرة: 124.

[25] - الأحزاب: 33.

[26] - الأنبياء: 72 – 73.

[27] - آل عمران: 68.

[28] - الروم: 56.

[29] - الكافي: ج1 ص224.

[30] - المحاسن: ج1 ص235.

[31] - الصف: 6.

[32] - معاني الأخبار: 132.

[33] - غيبة الطوسي: ص309.

[34] - كما الدين وتمام النعمة: ص358 ح56.

[35] - بحار الأنوار: ج53 ص148.

[36] - شرح الأخبار: ج3 ص400.

[37] - الكافي: ج1 ص279 ح1.

[38] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص58.

[39] - عيون أخبار الرضا: ج2 ص216.

[40] - غيبة النعماني: ص289.

[41] - الإرشاد: ص250.

[42] - إلزام الناصب: ج2 ص96.

[43] - الإرشاد: ص90.

[44] - آل عمران: 34.

[45] - الملك: 30.

[46] - يونس: 35.

[47] - الكافي: ج1 ص222.

[48] - الكافي: ج1 ص227.

[49] - المحاسن: ج1 ص33.

[50] - المحاسن: ج1 ص235.

[51] - بحار الأنوار: ج2 ص178.

[52] - الكافي: ج1 ص255.

[53] - الكافي: ج1 ص255.

[54] - الكافي: ج1 ص267.

[55] - الكافي: ج1 ص287.

[56] - آل عمران: 31.

[57] - النساء: 64.

[58] - الأحزاب: 36.

[59] - النساء: 59.

[60] - المائدة: 55.

[61] - الأنعام: 38.

[62] - النحل: 82.

[63] - الكافي: ج1 ص83.

[64] - النجم: 3 – 4.

[65] - الحاقة: 44 – 45.

[66] - يس: 3 – 4.

[67] - يس: 21.

[68] - التكوير: 19 – 25.

[69] - الوسائل: ج18 ص93.

[70] - الوسائل: ج18 ص93.

[71] - عيون أخبار الرضا: ج1 ص181.

[72] - الكافي: ج1 ص222.

[73] - البقرة: 124.

[74] - الأحزاب: 33.

[75] - النساء: 59.

[76] - المائدة: 55.

[77] - الكافي: ج1 ص212.

[78] - الوسائل: ج18 ص98.

[79] - المحاسن: ج1 ص235.

[80] - الكافي: ج1 ص250.

[81] - الكافي: ج1 ص250.

[82] - الكافي: ج1 ص251.

[83] - حياة الإمام المهدي ( للقرشي: ص46.

[84] - الكافي: ج1 ص255.

[85] - الكافي: ج1 ص257.

[86] - الكافي: ج1 ص257.

[87] - الكافي: ج1 ص257.

[88] - الكافي: ج1 ص258.

[89] - الكافي: ج1 ص246.

[90] - أوائل المقالات للمفيد: ص178.

[91] - يونس: 35.

[92] - الكافي: ج1 ص49.

[93] - الكافي: ج1 ص51.

[94] - الكافي: ج1 ص51.

[95] - معاني الأخبار: ص180.

[96] - الوسائل: ج18 ص16.

[97] - الوسائل: ج18 ص14.

[98] - الكافي: ج1 ص455.

[99] - النساء: 59.

[100] - عن الإمام أبي عبد الله (: (الإيمان عشر درجات، فالمقداد في الثامنة، وأبو ذر في التاسعة، وسلمان في العاشرة) بحار الأنوار: ج22 ص341.

[101] - الكافي: ج1 ص455.

[102] - الوسائل: ج18 ص26.

[103] - الوسائل: ج18 ص92.

[104] - الوسائل: ج18 ص92.

[105] - مستدرك الوسائل للنوري: ج17 ص320.

[106] - أوائل المقالات للمفيد: ص178.

[107] - الوسائل: ج18 ص101.

[108] - وسائل الشيعة: ج18 ص101 الهامش.

[109] - انظر: تهذيب الأحكام للطوسي: ج9 ص322.

[110] - انظر: وسائل الشيعة: ج27 ص131، نقلها الحر العاملي عن تفسير الإمام العسكري ( والاحتجاج للطبرسي.

[111] - يقصد علي بن محمد بن سيار.

[112] - معجم رجال الحديث ج13 - ص157، في ترجمة علي بن محمد بن سيار برقم 7442.

[113] - تفسير الإمام العسكري (، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (، قم المقدسة، الطبعة الأولى المحققة، لسنة 1409 هـ.

[114] - وسائل الشيعة: ج27 ص131 – 132.

[115] - الكافي: ج1 ص66.

[116] - الأعراف: 175 – 177.

[117] - الجمعة: 5.

[118] - بحار الأنوار: ج52 ص277.

[119] - المؤمنون: 71.

[120] - المؤمنون: 70.

[121] - الأنعام: 116.

[122] - الكافي: ج8 ص479.

[123] - وسائل الشيعة: ج18 ص103.

[124] - وسائل الشيعة: ج18 ص104.

[125] - وسائل الشيعة: ج18 ص106.

[126] - يس: 30.

[127] - وسائل الشيعة: ج18 ص108.

[128] - وسائل الشيعة: ج18 ص109.

[129] - صحيح البخاري: ج8 ص157، صحيح مسلم: ج5 ص131.

[130] - الكافي: ج1 ص87 – 89.

[131] - المائدة: 47.

[132] - الكافي: ج1 ص77.

[133] - الكافي: ج1 ص75 – 76.

[134] - الكافي: ج1 ص77.

[135] - وسائل الشيعة: ج18 ص24.

[136] - الوسائل: ج18 ص26.

[137] - بصائر الدرجات: ص319.

[138] - الكافي: ج1 ص49.

[139] - المعتبر – المحقق الحلي: ج1 ص24.

[140] - كمال الدين: ص221، وسائل الشيعة: ج5 ص416، الفصول المختارة – للمفيد: ص325، بحار الأنوار: ج23 ص30، قرب الإسناد – للحميري القمي: ص77.

[141] - الأحزاب: 33.

[142] - بحار الأنوار: ج10 ص123.

[143] - الوسائل: ج18 ص105.

[144] - المائدة: 44.

[145] - يونس: 35.

[146] - الملك: 30.

[147] - غيبة النعماني: ص52.

[148] - الكافي: ج1 ص61.

[149] - البقرة: 124.

[150] - الكافي: ج8 ص479.

[151] - مختلف الشيعة – للعلامة الحلي: ج4 ص462، التهذيب: ج6 ص180.

[152] - الخصال: ص165.

[153] - ميزان الحكمة: ج1 ص111.

[154] - الاختصاص – للمفيد: ص335.

[155] - بحار الأنوار: ج2 ص58.

[156] - ميزان الحكمة: ج3 ص2099 – 2100.

[157] - ميزان الحكمة: ج3 ص2001.

[158] - ميزان الحكمة: ج3 ص2101.

[159] - المؤمنون: 71.

[160] - المؤمنون: 70.

[161] - الأنعام: 116.

[162] - سبأ: 13.

[163] - هود: 40.

[164] - المائدة: 44.

[165] - الأنعام: 57، يوسف: 40، يوسف: 67.

[166] - الكافي: ج7 ص407 ح1.

[167] - البقرة: 101.

[168] - البقرة: 111، النمل: 64.

[169] - بحار الأنوار: ج97 ص80.

[170] - مصباح المنهاج: ص202.

[171] - مصباح الفقاهة: ج3 ص289.

[172] - منية الطالب: ج2 ص233.

[173] - بحار الأنوار: ج97 ص79 – 81.

[174] - حاشية المكاسب: ص94.

[175] - حاشية المكاسب: ج2 ص388.

[176] - نهج الفقاهة – للسيد محسن الحكيم: ص299.

[177] - تهذيب الأصول: ج3 ص153.