Subjects
-الإهداء
-المقدمة
-ما المقصود من الملك
-النزاع على الحاكمية
-الاختيار لله أم للناس ؟؟!!
-فقهاء السلاطين
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (13) لمن الملك اليوم لله أم للشيطان .. للمهدي أم للأمريكان بقلم الشيخ ناظم العقيلي الطبعة الثانية 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى ذخر الأنبياء والمرسلين … إلى خليفة الله في أرضه … إلى المظلوم المهتضم … إلى المغصوب حقه … إلى سيدي ومولاي صاحب الزمان (مكن الله له في الأرض) أهدي هذه الأسطر القليلة البسيطة المتواضعة -المقدمة الحمد لله مالك الملك مجري الفلك، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين. ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾([1]). ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([2]). خلق الله الخلق حين خلقهم وكان الهدف من خلقهم هو العبادة له سبحانه، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([3]). والعبادة على أقسام: منها عبادة الطاعة، فمن أطاع شيئاً فقد عبده إذ قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾([4]). فالمقصود بعبادة الشيطان طاعته واتباع أوامره ونواهيه، وبديهي أن الطاعة في هذه الدنيا تكون لمن يملك زمام الحكم بين الناس، فإن من ملازمات الحاكم طاعة الناس له في سياسته وتدبيره، وطاعة أوامره ونواهيه، فإن كان الحاكم منصباً من الله تعالى فإنه يطبق حكم الله في الأرض، فتكون الطاعة والحكم والسياسة والتدبير لله تعالى، وأما إذا كان الحاكم منصباً من الناس أي باختيار الناس، فإن للناس آراءهم وأهواءهم المختلفة، والقاصرة عن إصابة الواقع، فإن موسى ع نبي ومن أولي العزم، عندما اختار سبعين رجلاً من قومه لميقات ربه طلبوا منه أن يروا الله جهرة، وفشلوا في الإمتحان الإلهي، فكيف يكون لنا أن نختار من يطبق حكم الله في الأرض. فإن وقع الاختيار على من هو قاصر عن ذلك أعرضت الأمة عن طاعة الله تعالى واتبعت طاعة الشيطان. إذن، الله تعالى وحده الذي له حق تنصيب الإمام والحاكم، ومن ابتغى غير ذلك فهو مشرك بالله تعالى ومتبع للشيطان، ولا يزيده الشيطان إلا رهقاً. عن أبي عبد الله ع في قوله (: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾([5])، قال: (شرك طاعة وليس شرك عبادة ...) ([6]). وكل متفكر عندما يتتبع التاريخ يرى أن كل النكبات وكل الفجائع وكل الظلم والاضطهاد كان بسبب غصب منصب الإمامة والحاكمية من أهلها المعينين من قبل الله تعالى؛ لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته، وهو خالق الناس وهو أعلم بصلاحهم وفسادهم، ولو علم بأن صلاحهم يكون باختيارهم لمن يحكمهم لأعطاهم ذلك، ولكنه علم أنهم قاصرون عن ذلك. فاشترط أن يكون الحكم له وحده لا شريك له ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([7]). * * * -ما المقصود من الملك الـمَلِك لغة: هو القادر الواسع القدرة الذي له السياسة والتدبير، والملكية بالنسبة لله تعالى حقيقية، وبالنسبة إلى غيره اعتبارية، والقرآن الكريم والسنة الشريفة تؤيد هذا المعنى، فإن كل الآيات التي تتحدث عن الحكم والملك تشير إلى أنه لابد أن يكون الحكم بيد خلفاء الله تعالى في أرضه وحججه على خلقه. وأما السنة الشريفة، فقد استفاض عن الرسول الأعظم ص وأهل بيته ص بأنّ الحاكمية والملك وتدبير شؤون الناس لابد أن تكون من خلال دستور إلهي سماوي، ولا يجوز الخضوع أو الإقرار للأنظمة الوضعية التي هي من تفكير العقل البشري الناقص، ويعتبر الإقرار بمشروعية الأنظمة الوضعية شرك بالله تعالى، وسوف نسرد الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تتعرض لذلك بشيء من الإطالة تثبيتاً للمطلب، وحتى يعلم الذين يقرّون بمشروعية الانتخابات لتنصيب حاكم على البلاد، ليعلموا أي سنة اتبعوا، وبأي دليل أفتوا، وإنه ضَحكٌ على ذقون الرجال الذين غفلوا أو تغافلوا عن هذا الانحراف الصارخ، والذي دونه التاريخ في صفحات مظلمة مسودة بالعار والشنار. ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([8]). عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله ع، قال: (قلت له: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ أليس قد آتى بني أمية الملك ؟ قال ع: ليس كما تذهب، إن الله ( آتانا الملك وأخذته بنو أمية، بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر فليس هو للذي أخذه) ([9]). قال محمد بن موسى الرضا ع: (﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ وهو العالم بتدبيرها ومصالحها وهو يدبركم بعلمه، ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ بإصلاحهم إذ كان العالم بالمصالح هو الله تعالى دون غيره، ﴿وَلا نَصِيرٍ﴾ وما لكم من ناصر ينصركم من مكروه إن أراد إنزاله بكم أو عقاب إن أراد إحلاله بكم) ([10]). قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([11]). فقد جاء في شرح هذه الآية عن أهل البيت ص: (.. ثم قال العالم بعد كلام طويل: فأما التفويض الذي أبطله الإمام الصادق ع وخطّأ من دان به، فهو قول القائل إن الله فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم، وفي هذا كلام دقيق لم يذهب إلى غوره ودقته إلا الأئمة المهديين ص من عترة الرسول ص وآله، فإنهم قالوا لو فوض الله إليهم على جهة الإهمال لكان لازماً رضا ما اختاروه، واستوجبوا به من الثواب، ولم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب إذا كان الإهمال واقعاً. وتنصرف هذه المقالة على نوعين: إما أن يكون العباد تظاهروا عليه، فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحب، فقد لزمه الوهن، أو يكون جل وتقدس عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي عن أرادته، ففوض أمره ونهيه إليهم وأجراها على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي عن أرادته، فجعل الاختيار إليهم في الكفر والإيمان، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً، ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه، وادعى مالك العبد أنه قادر قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب، وأوعده على معصيته اليم العقاب، فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف عند أمره ونهيه، فأي أمر أمره أو نهي نهاه عنه لم يأتمر على إرادة المولى، بل كان العبد يتبع إرادة نفسه، وبعثه في بعض حوائجه وفيما الحاجة له، قصد العبد بغير تلك الحاجة خلافاً على مولاه، وقصد إرادة نفسه واتبع هواه، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد: اتكلتُ على تفويضك الأمر إليّ، فاتبعت هواي وإرادتي؛ لأن المفوض إليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض والتحظير). ثم قال ع: (فمن زعم أن الله فوض قبول أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز، فأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير أو شر فأبطل أمر الله تعالى ونهيه ... ولله الخيرة في الأمر والنهي، يختار ما يريد ويأمر به، وينهي عما يكره ويثيب ويعاقب بالاستطاعة التي ملّكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه؛ لأنه العدل ومنه النصفة والحكومة بالغ الحجة بالإعذار والإنذار، وإليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده، اصطفى محمد ص وآله وبعثه بالرسالة إلى خلقه. ولو فوض اختيار أموره إلى عباده لأجاز إلى قريش اختيار أمية بن أبي الصلت، ومسعود الثقفي، إذ كانا عندهم أفضل من الرسول ص وآله، لما قالوا: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾([12])) ([13]). أقول: المتمعّن في هذا الكلام يجد فيه أكبر دليل على عدم جواز تسلّط من لم يختاره الله تعالى لإدارة شؤون الناس سواء الدينية أو الدنيوية، وأما الذين جوّزوا ذلك أو أقروا بجواز انتخاب الناس لرئيس يدبر شؤونهم الدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها من جوانب الحياة فإن هؤلاء يقولون بفصل الدين عن السياسة متبعين بذلك نعيق وزعيق الأفكار الغربية والشرقية المنحرفة، التي تعتبر الدين عبارة عن طقوس دينية بحتة لا يمت بصلة إلى سياسة شؤون الناس الدنيوية كما هو حال الكنيسة في الغرب الكافر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإن هؤلاء الذين يقرون بهكذا كلام أموات وهم أحياء: لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([14]). (فإن نمرود حاجج إبراهيم؛ لأن الله آتى إبراهيم الملك فكفر نمرود به وكانت بينهم تلك المحاججة) ([15]). عن أبي عبد الله ع، قال: (خالف إبراهيم قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه، فقال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾، قال إبراهيم: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾) ([16]). قوله تعالى: (﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾([17])، أي لا تميلوا إلى الذين ظلموا بمودة أو طاعة أو نصح، فتمسكم النار بركونكم إليهم، وما لكم من دون الله من أنصار يدفعون العذاب عنكم ثم لا تنصرون أصلاً) ([18]). أما الذي أفتى بجواز انتخاب حاكم بغير كتاب الله تعالى فإنّ هكذا شخص يعتبر هو الذي سلّط الظالم على رقاب الناس ومكنه من الظلم؛ لأن الظلم الحقيقي هو الحكم بغير كتاب الله تعالى واللجوء إلى العقل البشري الذي وردت عشرات الروايات بعدم جواز الرجوع إليه، والحكم به مجرداً عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه ص وأهل بيته ص. قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾([19]). عن أبي عبد الله ع، قال: (اتقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، لنبي (كنبي) أو وصي نبي) ([20]). عن أبي عبد الله ع: (لما ولى أمير المؤمنين ع شريحاً القاضي اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه) ([21]). عن أبي عبد الله ع: (قال أمير المؤمنين ع لشريح: يا شريح، قد جلست مجلساً لا يجلسه (ما جلسه) إلا نبي أو وصي نبي أو شقي) ([22]). محمد بن محمد في (المقنعة) عن النبي ص قال: (من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين) ([23]). عن أبي بصير، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: قول الله ( في كتابه: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾([24])، فقال: يا أبا بصير، إن الله ( قد علم أن في هذه الأمة حكاماً يجورون أما أنه لم يعن حكام أهل العدل ولكنه عنى حكام أهل الجور. يا أبا محمد، أنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافقك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن حاكم إلى الطاغوت، وهو قوله (: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾([25])) ([26]). قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع: (إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم فأني جعلته قاضياً فتحاكموا إليه) ([27]). عن جميل، عن أبي عبد الله ع، قال: سمعته يقول: (يغدوا الناس على ثلاث أصناف: عالم، ومتعلم، وغثاء. فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء) ([28]). ومن المعلوم أن الشيعة هم الذين اتبعوا أهل البيت ص وساروا على نهجهم، وهو إعلاء كلمة الله في الأرض وسيادة حكم الله تعالى في جميع أنحاء المعمورة. وأما الذين يسيرون بغير سيرة أهل البيت ص، ونبذوا كتاب الله وحكم الله وراء ظهورهم فهؤلاء هم غثاء الناس، وهم الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق. وبعد كل ذلك نتساءل ونعجب من شخص يدعي الفقه والدين أن يجوّز للناس أن تنتخب لهم حاكماً من هؤلاء الغثاء، الذين يحكمون بحكم الشيطان ويتركون حكم الله تعالى. فهكذا شخص يدعو لحكم الشيطان، وترك حكم الله تعالى وهو الذي يسلط الظلمة والطواغيت على عباد الله؛ لأنه مهزوم من الداخل، قد اخلد إلى الأرض، واشترى بآيات الله ثمناً قليلاً. فهؤلاء سيصبحون مثل بلعم بن باعوراء، ومثل السامري، ومثل علماء اليهود، ومثل الخوارج الذين خرجوا على إمام زمانهم، وسوف يصبحون لعنة على ألسن الناس على مر العصور، وهذا العار، كل العار والخسران المبين. وهؤلاء يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون كما ورد عن أهل البيت ص. روي عن النبي ص، قال: (من سأل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه يوم القيامة بلجام من نار، وهو قوله (: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون﴾([29])) ([30]). الإمام أبو محمد العسكري ع قال: (قيل لأمير المؤمنين ع: من خير الخلق بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى ؟ قال: العلماء إذا صلحوا، قيل: فمن شرار خلق الله بعد إبليس وفرعون وبعد المتسمين بأسمائكم والمتلقبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم، والمتأمرين في ممالككم ؟ قال: العلماء إذا فسدوا وإنهم مظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق، وفيهم قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون﴾([31])) ([32]). وأيضاً قال أمير المؤمنين ع: (وأخر قد تسمى عالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال، ونصب للناس أشراكاً من حبائل الغرور، وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، ويؤمن الناس من العظائم، ويهّون كبر الجرائم، ويقول: أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول: اعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، وذلك ميت الأحياء) ([33]). نعم، فإنّ الفقهاء الذين يجوّزون للناس أن تنتخب حاكماً لهم متبعين بذلك الأطروحة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية - المثلث المشؤوم - فإن هؤلاء هم الذين مكنوا أعداء الله وأعداء الرسول الأعظم محمد وآله أن يحكموا ويتآمروا في ممالك أهل البيت ص. * * * -النزاع على الحاكمية أول من نازع أولياء الله على الحكم والإمامة في هذه الأرض هو قابيل (لعنه الله)، عندما دفع آدم ع مواريث النبوة إلى هابيل بأمر من الله تعالى. فاعترض قابيل على أبيه آدم ع قائلاً: أنا ولدك الأكبر وأنا أحق بذلك من هابيل، فقال له آدم ع: إن الأمر بيد الله يضعه حيث يشاء. فلم يستسلم قابيل للواقع واختيار الله وحسد أخاه هابيل وقتله منفذاً أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية. واستمر أعداء الله تعالى ينازعون أنبياءه ورسله: الإمامة والحكم، فقتل وشرد أكثرهم، إلى أن وصلت الكرة إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب ع عندما عُزل عن مقامه الذي عينه الله تعالى وبنص قراني وينص رسول الله ص في عشرات المواطن، فغصب منه حق الخلافة والإمامة والحكم واخرج من بيته حاسر الرأس وكسر ضلع فاطمة الزهراء ص وأسقط جنينها. كل ذلك من أجل إقامة حكم الله في الأرض ولكن هيهات؛ لأن الناس اتبعت الباطل وتركت علي بن أبي طالب ع وحيداً لا ناصر له ولا معين إلا نفر قليل يقلون عن العشرة. واستمر النزاع بعد الإمام علي ع إلى الإمام الحسن ع حتى قضى مسموماً، وبعده إلى الحسين ع حيث قارع الظلم والجور حتى قتل وقتل أهل بيته وأصحابه وسبيت حريمه، ولم يترك حتى الرضيع، كل هذا من أجل طلب الإصلاح في أمة جده رسول الله ص، والإصلاح هو إعادة الحكم إلى أهله الذين عينهم الله تعالى. ومن بعده استمر العداء والمنازعة على الحكم مع أولاده من الأئمة المعصومين ص حتى يومنا هذا، فإن النزاع قائم مع الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض). وسوف يظهر إن شاء الله تعالى فلا يعطي العرب إلا السيف والموت تحت ظل السيف، وذلك لأنهم انحرفوا عن الأئمة المعصومين ص وتركوا القرآن وراء ظهورهم، ومكنوا القوانين الوضعية أن تحكم البلاد والعباد وهي قوانين منحرفة فاسدة وضعتها عقول مظلمة قد عشش فيها إبليس وباض وأفرخ. اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك. ووالله، إنّ ظلم محمد وآل محمد هو هجر القرآن وأهل القرآن وحكم القرآن، فمن رضي أو أقر بحكم غير الله في الأرض فإنه من ظالمي محمد وآل محمد، وتلحقه لعنة الإمام الباقر ع في زيارة عاشوراء ويعتبر من قتلة الأنبياء وأولاد الأنبياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. * * * -الاختيار لله أم للناس ؟؟!! اختلف الناس في الملك فريقان: فريق وحّد الله في كل شيء وأقر لله تعالى بالهيمنة على كل العوالم، واتخذ لنفسه شعاراً قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([34]). والفريق الآخر رفض اختيار الله تعالى واتبع اختيار المخلوق الناشئ من العقل البشري الناقص، فضلوا وأضلوا ووقعوا في شباك إبليس اللعين فقادهم إلى ظلمات الجهل ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها. والفريق الأول هم الأنبياء والرسل والأوصياء والصلحاء، ومن سار على نهجهم هؤلاء قُرضوا بالمقاريض ونُشروا بالمناشير، وصُلبوا وهُتكت حرماتهم كل ذلك في سبيل تطبيق حكم الله في الأرض، وعدم تمكين الظلمة والطواغيت من التسلط على عباد الله تعالى والإفساد في الأرض. بربكم اسألوا الذين يفتون بجواز اختيار الناس لمن يحكمهم، لماذا قُتل الإمام علي ع والإمام الحسن ع، ولماذا قتل الإمام الحسين ع وقتل أصحابه وأهل بيته وسبيت نساؤه وقدم حتى الرضيع ؟ الجواب يقدمه أبو عبد الله ع عندما خرج إلى كربلاء: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي ص وأبي علي بن أبي طالب ع ...)، ولا يكون الإصلاح إلا بالحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد ص واجتثاث جذور الفساد المتمثلة في تلك الشخصيات التي تسلطت على الحكم بأطروحات شيطانية منحرفة مثل الشورى والانتخابات والديمقراطية وغيرها من النفايات النتنة، اسألوهم لماذا قُتل الأئمة المعصومون من ذرية الحسين ع، قضوا حياتهم بين مسجون في مطامير السجون وبين مشرد ومضطهد قد منع عن شيعته ومواليه وأهله. كل هذا لأنهم أبوا أن يعترفوا للظالمين بمشروعية حكمهم، ولأنهم صرحوا للناس: (قولوا لا اله إلا الله تفلحوا)، لا اله إلا الله ولا معبود ولا مطاع سواه، له الملك وله الحكم والتدبير وإليه ترجع الأمور. فمن قال بخلاف ذلك فهو من أنصار الأول والثاني، مؤسسي هذا المذهب المنحرف عن الولاية الإلهية والداخل في الولاية الشيطانية، فما بال القوم الآن يطالبون (مع أمريكا وأذنابهم) بالانتخابات … هل عجزوا أن يكونوا كبني إسرائيل عندما أرادوا الخروج لحرب جالوت، إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله … حيث كانت النبوة في بيت والملك في بيت آخر ولم يعتمدوا على أنفسهم في اختيار من يكون ملكاً عليهم … قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾([35]). عن أبي عبد الله ع: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، قال: (وكان الملك في ذلك الزمان هو الذي يسير بالجنود والذي يقيم له أمره وبينه بأن الخير من عند ربه، فلما قالوا ذلك لنبيهم قال لهم إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق ولا رغبة في الجهاد، فقالوا إن كتب الجهاد فإذا أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلابد من الجهاد، ويطاع ربنا في جهاد عدونا، قال: فإن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً، فقالت عظماء بني إسرائيل: وما شأن طالوت يُملّك علينا وليس في بيت النبوة والمملكة وقد عرفت أن النبوة والمملكة في آل لاوي ويهودا وطالوت من سبط بنيامين بن يعقوب، فقال لهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾([36])، والملك بيد الله يجعله حيث يشاء ليس لكم أن تختاروا، وأن آية ملكة أن يأتيكم التابوت من قبل الله تعالى تحمله الملائكة ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾([37])، وهو الذي كنتم تهزمون به من لقيتم، فقالوا إن جاء التابوت رضينا وسلمنا) ([38]). فبني إسرائيل وإن اعترضوا على طالوت لكنهم معتقدين بالأطروحة الإلهية وهي أن الملك لله يؤتيه من يشاء، فلم يختاروا لأنفسهم ملكاً بل طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكاً يقودهم لجهاد الطاغوت وجنوده. فمالنا كتاب الله بين أيدينا وإمامنا حي يرزق، ومع ذلك لم نُحكِّم كتاب الله تعالى في قضايانا ولم نطلب من الإمام المهدي ع أن يرشدنا إلى من يقودنا إلى الصراط المستقيم، أو أن نمهد للإمام المهدي ع سلطانه ونتضرع إلى الله أن يعجل ظهوره لنا لكي ينقذنا من كل هذه الفتن والانحرافات. وعن أمير المؤمنين ع: (إنّا لم نحكم الرجال، وإنما حكمنا القرآن. هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، ولابد له من ترجمان، وإنما ينطق عنه الرجال … إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه - وإن نقصه وكرثه - من الباطل وإن جر إليه الفائدة وزاده، فأين يتاه بكم ؟ ومن أين أتيتم ؟ استعدوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحق لا يبصرون، وموزعين بالجور، يعدلون به، جفات عن الكتاب، نكب عن الطرق، ما أنتم بوثيقةٍ يُعلق بها ولا زوامر عز يعتصم إليها، لبأس حشائش نار الحرب ؟ أفٌّ لكم ؟ لقد لقيت منكم برحاً، يوماً أناديكم ويوماً أناجيكم، فلا أحرار صدق عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاء "أي العتاب") ([39]). فوالله الواحد الأحد لو أطعنا أو اقتدينا بمن يجوّز انتخاب الناس للحاكم، فاستعدوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه، كما قال أبو الحسن ع فإن هؤلاء سوف يسلطون علينا حكام، لا يخافون الله تعالى ولا يعملون بكتابه، وسوف يصبحون مثل صدام الملعون، وسيعاد الظلم والجور من جديد وسوف يرتاح هؤلاء الذين أفتوا بجواز الانتخابات ويخلدوا إلى النوم والراحة والترف متسترين بالتقية كما فعلوا ذلك مع صدام لعنه الله وأخزاه. والسبب الرئيسي في الظلم والتعسف من قبل صدام وزمرته الخبيثة هو الحكم بالهوى والعقل البشري الناقص، وترك حكم الله تعالى وحكم عقول أهل البيت الكاملة بكمال الله سلام الله عليهم. وأخذ صدام اللعين ينفذ كل ما يراه منسجماً مع شهواته ورغباته وإن كان بإراقة الدماء وهتك الأعراض، وكل شخص يقف في وجهه فهو خارج عن القانون ومجرم يجب أن يعاقب، فإلى كل من عنده بقايا دين استعدوا للسجون والتعذيب من جديد؛ لأن هؤلاء الحكام المرشحون للحكم سوف يسيرون بدستور غير خاضع للدستور القرآني الإلهي، وكل من يعارض أو لا يطبق يعتبر خارج عن القانون ويجب أن يعاقب حتى لو كان العقاب إعدامه من الحياة الدنيا !! رجاءً أفيقوا من نوم الغفلة .. رجاءً انتبهوا .. قبل أن يأتي يوم لا تنفع الندامة صاحبها .. رجاءً تفكروا في حالكم، لقد أُعيدت فيكم السقيفة، وسوف نضيع حق الله ورسوله ص والأئمة الأطهار كما ضيعها الذين سبقونا في غابر الزمان، وبالنهاية نخاف أن نكون غرضاً لسيف قائم آل محمد ع وفي ذلك خسران الدنيا والآخرة، أعاذنا الله وإياكم من ذلك، وجعلنا من أنصار الإمام المهدي ع الذابين بين يديه، وسوف أُريكم من الأحاديث التي تنفي جواز انتخاب الناس لحكام البلاد مهما كانت مواصفات ذلك الحاكم والأحاديث التي تنفي جواز الحكم بغير القرآن، حتى لا يعتذر أحدٌ ويقول إني لم أطلع على روايات أهل البيت ص في ذلك المجال .. عن أبي عبد الله ع، قال: (من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله ( ممن له سوط أو عصا فهو كافر بما أنزل الله على محمد ص) ([40]). عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله ( فهو كافر بالله العظيم) ([41]). عن معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (أي قاض قضى بين اثنين فأخطأ، سقط أبعد من السماء) ([42]). عن أبي عبد الله ع إنه قال: (الحكم حكمان: حكم الله، وحكم أهل الجاهلية. فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم أهل الجاهلية، ومن حكم بدرهمين بغير ما أنزل ( فقد كفر بالله تعالى) ([43]). عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله ع: ترد علينا الأشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنته ص فننظر فيها ؟ فقال ع: (لا، أما إنّك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله) ([44]). أقول: إذا كان أبو بصير وهو الثقة العادل المقرب من الإمام الصادق ع لا يجوز له العمل برأيه فكيف يكون لغيره ذلك. مع العلم أن أكثر الذين تصدوا لسياسة العباد والبلاد وحكمهم هم فسقة خارجين عن الدين بأفعالهم الشنيعة، بل معظمهم عملاء للغرب الكافر وأذنابه. فهل بعد الحق إلا الظلال المبين ؟؟!! * * * -فقهاء السلاطين ذم الله تعالى الركون إلى الظالمين بقوله: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾([45])، وهذا الذم يشمل كل البشر لا يستثنى منه عالم ولا جاهل، ولكن ركون عامة الناس إلى الظالمين يكون أثره قليل ويمكن علاجه، ولكن إذا ركن العلماء المزيفون إلى الظالمين وأقروا لهم بمشروعية ملكهم فهذا هو الطامة الكبرى؛ لأن (زلة العالم تفسد عوالم)، ولأن (إذا صلح العِالم صلح العَالم، وإذا فِسد العِالم فِسد العَالم)، ولأن العلماء إذا فسدوا انتقل هذا الفساد إلى عامة الناس؛ لأن أكثر الناس تتبع العلماء بكل شيء إجمالاً وكأنهم معصومون، غافلون عن وصايا وكلام أهل البيت ص وإنها بخلاف ذلك، فإنهم ص صرحوا وأكدوا على أن العالم إذا كان سائراً بسيرة أهل البيت ص ولم يخالف كلام الله ورسوله والأئمة صلوات ربي عليهم أجمعين فهكذا عالم يجوز اتباعه، وأما إذا انحرف العالم عن سيرة أهل البيت ص وركن إلى الظالمين وأترف نفسه وأهمل الفقراء والمساكين هكذا عالم لا يجوز اتباعه، بل يجب محاربته وفضحه على رؤوس الأشهاد؛ لأننا إذا اتبعنا هؤلاء العلماء نكون قد عبدنا الشيطان وتركنا عبادة الله تعالى فنكون كالأنعام بل أضل سبيلاً. قال رسول الله ص: (لغير الدجال أنا أخوف عليكم من الدجال الأئمة المضلون ..) ([46]). عن أبي بصير، عن الصادق ع، قال: (قلت له: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾([47])، فقال ع: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون) ([48]). عن أبي جعفر ع في قول الله (: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾([49])، قال: (هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره) ([50]). عن أبي عبد الله ع إنه قال: (... إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة وتصدقه في كل ما قال) ([51]). عن أبي عبد الله ع إنه قال: (قال عيسى بن مريم (على نبينا وآله وعليه السلام) ويل لعلماء السوء كيف تلظى عليهم النار) ([52]). عن أمير المؤمنين أنه قال: (ورجل آتاه الله سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا ينبغي أن يكون للمخلوق حبه لمعصية الله، فلا طاعة في معصيته، ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ص ولولاة الأمر، إنما أمر الله بطاعة الرسول ص؛ لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية) ([53]). عن أبي عبد الله ع في قوله (: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾([54])، قال: شرك طاعة وليس شرك عبادة) ([55]). وهذا غيض من فيض من الأحاديث التي تؤكد على عدم إتباع غير المعصوم والأخذ بكل ما يقول، فليس كل من سمته الناس عالماً فهو عالم، فإن التاريخ ينقل لنا عن كثير من العلماء غير العاملين وقفوا مع الطواغيت والفراعنة، أو داهنوهم ولم ينبهوا الناس ولم يبينوا لهم خطر هؤلاء الطواغيت وإنهم لا يحكمون بكتاب الله تعالى ولا بسنة نبيه ص، ولم يبينوا للناس أن الحكم لله وحده ولا يجوز لغيره. فعندما بعث الله تعالى نبيه موسى ع إلى بني إسرائيل كان في بني إسرائيل بلعم بن باعوراء وهو من أكبر علمائهم، وكان يمتلك الإسم الأعظم أو بعضه كما جاء في بعض الروايات، وكان ينظر ما تحت العرش، وكانت تكتب تحت يده (12) ألف محبرة، ورغم ذلك كان عاقبة أمره أن وقف مع فرعون ضد نبي الله موسى ع وخسر الدنيا والآخرة. قال تعالى في ذمه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾([56])، وكذلك السامري كان من أنصار موسى ع وكان على مقدمة موسى ع وكان يرى جبرائيل ع عندما نزل على دابة يوم أغرق الله تعالى فرعون ونجى موسى ومن آمن معه، ورغم هذا القرب وهذه الفضيلة انحرف عن الحق وأخرج لبني إسرائيل عجلاً وقال لهم هذا إلهكم فاعبدوه، وكان ذلك عندما غاب موسى عن قومه أربعين يوماً. نسأل الله تعالى أن يعيذنا من عبادة العجل وقد غاب عنا أمامنا أكثر من ألف سنة وليس أربعين يوماً فقط. وأيضاً: كان علماء بني إسرائيل يتآمرون على نبي الله عيسى ع وأرادوا أن يوقعوه في قبضة الظالم آنذاك؛ لأنهم تأكدوا أنه سوف يفضح كل انحرافاتهم عن الشريعة الحقة التي عليها وغطوها بغطاء الدين المزيف. وأما قصة الخوارج الذين خرجوا على الإمام علي ع فإن أغلبهم من أصحاب رسول الله محمد ص، وكانوا يُعرفون بأنهم زهاد البلد والعبّاد وحفظة القرآن الكريم وذوو الجباه السود، ورغم كل ذلك خرجوا ضد الإمام علي ع وتأولوا عليه القرأن وقالوا: (لا حكم إلا لله)، وهي (كلمة حق أريد بها باطل)، وهذه مغالطات إبليس (لعنة الله عليه) ومكائده عندما يريد أن يضل المنتسبين للدين فإنه يلبس عليهم الأمور ويأتيهم من حيث لا يشعرون، قالوا لا حكم إلا لله، متناسين أن أمير المؤمنين ع هو القرآن الناطق، وأنه نفس رسول الله تعالى ص، وأنه مع الحق والحق معه ولن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله تعالى ص. وهذا شريح القاضي - وهو من علماء الكوفة - أفتى ليزيد (لعنة الله عليه) بأنّ الإمام الحسين ع خارجي قد خرج على إمام زمانه (لعنة الله عليه)، وجوّز قتله، وهو يعلم بكلام الرسول ص: (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا)، و (حسين مني وأنا من حسين)، و (أحب الله من أحب حسيناً). إنها سنة متبعة، ففي كل زمان بلعم بن باعوراء، وفي كل زمان سامري وعلماء بني إسرائيل، وفي كل زمان خوارج وشريح يجوّز للطواغيت قتل ومحاربة أولياء الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الشيخ ناظم العقيلي 1425 هـ قFooters
[1] - آل عمران: 26.
[2] - المائدة: 44.
[3] - الذاريات: 56.
[4] - يس: 60.
[5] - يوسف: 106.
[6] - وسائل الشيعة: ص18 – 19.
[7] - المائدة: 44.
[8] - آل عمران: 26.
[9] - تفسير البرهان: مج1 ص274.
[10] - تفسير البرهان: مج1 ص140.
[11] - الملك: 1.
[12] - الزخرف: 31.
[13] - بحار الأنوار: ج5 ص20 – 25، رسالة الإمام العسكري ( الى أهل الاهواز لما سألوه عن الجبر والتفويض.
[14] - البقرة: 258.
[15] - تفسير شبر: ص79.
[16] - تفسير البرهان: مج1 ص246.
[17] - هود: 113.
[18] - تفسير شبر: ص238.
[19] - المائدة: 45.
[20] - وسائل الشيعة: ج18 باب3.
[21] - وسائل الشيعة: ج18 باب3.
[22] - وسائل الشيعة: ج18 باب3.
[23] - وسائل الشيعة: ج18 باب3.
[24] - البقرة: 188.
[25] - النساء: 60.
[26] - وسائل الشيعة: ج18 باب1.
[27] - وسائل الشيعة: ج18 باب2.
[28] - وسائل الشيعة: ج18 باب3.
[29] - البقرة: 159.
[30] - تفسير البرهان: مج1 ص171.
[31] - البقرة: 159.
[32] - تفسير البرهان: مج1 ص171.
[33] - نهج البلاغة - تحقيق صبحي الصالح: ص119.
[34] - آل عمران: 26.
[35] - البقرة: 246.
[36] - البقرة: 247.
[37] - البقرة: 248.
[38] - تفسير البرهان: مج1 ص237.
[39] - نهج البلاغة - تحقيق صبحي الصالح: ص182.
[40] - وسائل الشيعة: ج18 باب 5 ص17.
[41] - وسائل الشيعة: ج18 باب5 ص17.
[42] - وسائل الشيعة: ج18 باب5 ص17.
[43] - وسائل الشيعة: ج18 باب5 ص17.
[44] - وسائل الشيعة: ج18 ص24.
[45] - هود: 113.
[46] - الاحتجاج: ص395.
[47] - التوبة: 31.
[48] - أصول الكافي: ج1 ص73، وسائل الشيعة: ج18 ص89.
[49] - الشعراء: 94.
[50] - أصول الكافي: ج1 ص67.
[51] - وسائل الشيعة: ج18 ص91.
[52] - أصول الكافي: ج1 ص66.
[53] - وسائل الشيعة: ج18 ص93.
[54] - يوسف: 106.
[55] - وسائل الشيعة: ج18 ص91.
[56] - الأعراف: 175 – 176.