Subjects
-الإهداء
-تمهيد
-آدم ع
-نوح ع
-نبي الله صالح ع
-موسى ع
-النبي دانيال ع
-عيسى ع
-محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
-الإمام المهدي ع
-خاتمة في بعض إرشادات أهل البيت (عليهم السلام) للنجاة من الفتن
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (12) فشل المنتظرين بقلم الشيخ ناظم العقيلي الطبعة الثانية 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى من كُسر ضلعها ... إلى من أُسقط جنينها ... إلى من أُغتصب حقها ... إلى أم أبيها وشفيعة مواليها فاطمة الزهراء ص أهدي هذا الجهد البسيط ... راجياً بذلك شفاعتها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. -تمهيد خلق الله سبحانه وتعالى الجن والأنس وكل الكون لأجل عبادته، عبادة قلبية. ومعرفته معرفة حقيقية، وليس عبادة ظاهرية لا تجلب لصاحبها نفعاً ولا تدفع عنه ضراً. ولأجل الوصول إلى المعرفة الحقيقة لله سبحانه وتعالى لابد من وجود سبل توصل إلى هذا الغرض؛ لأن الله تعالى تنزه عن مخاطبة كل الخلق مباشرة وبدون واسطة، فأرسل الله تعالى الرسل وبعث الأنبياء أدلّاء عليه وسبلاً واضحة لمرضاته، فمن وفق لمعرفة الرسل والأنبياء واقتدى بهم وسار على نهجهم وصل إلى حظه من الكمال حسب استعداده وصفو مرآة فطرته، وأما من أعمى عينه الهوى وحب الدنيا نكب عن الطريق وهوى في الجحيم وأصبح في ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾([1]). والأمر المهم هو معرفة حال الناس مع الرسل والأنبياء والوقوف على علة تكذيب الناس للرسل والأنبياء، ولماذا الأكثرية دائماً هم المكذبون، والجواب في قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ﴾([2]). فالهوى هو الشجرة الخبيثة والتي لها فروع عديدة قد تدلت على قلوب المرتابين والمشككين وأخذوا يرتعون ويأكلون من طلعها والذي كأنه رؤوس الشياطين، فامتلأت بطونهم من الظلمات وأصبحوا لا يرون إلا النفس والهوى وكل ما يجر إليهم النفع، فأصبحوا مصداقاً لقول الشاعر: بُنيَّ إنّ منَ الرجالِ بهيمـة ً في صورة الرجلِ السميعِ المبصرِ فطــنٌ لكلِّ رزيـــةٍ في مالـهِ وإذا أُصيـبَ بدينـــــــــهِ لم يشعـــــرِ فهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً، فعندما تنصرف الأمة عن صراط الله المستقيم وتهجر أحكام الله وتركن إلى حب النفس والمنصب وكثرة الأتباع ... فعندها يأتي النبي أو الرسول بالأخلاق السماوية والأحكام الإلهية والتي هي مخالفة لأهواء المنحرفين والذين هم أكثرية المجتمع، يبادرون هؤلاء إلى تكذيب الدعوات الإلهية؛ لأنها مخالفة لأهوائهم المنحرفة، ورموا شخصيات الأنبياء والرسل بشتى أنواع التهم والأكاذيب والتي هي سنة جارية على كل لسان وفي كل زمان كالسحر والجنون والكذب. والذي أريد التأكيد عليه هو أن كثير من الأمم كانت موعودة ومنتظرة لأنبيائها، وكانوا ينتظرونهم ويعرفونهم بأسمائهم وصفاتهم وعانوا ما عانوا من الظلم والاضطهاد، وكانوا يبتهلون ويتضرعون إلى الله أن يبعث لهم نبيهم الموعود لإنقاذهم من الذل والهوان، ولكن عندما يبعث الله تعالى لهم رسولهم الموعود بالتعاليم الإلهية والتي هي مخالفة لأهوائهم بادروا إلى تكذيبه واتهامه بالسحر والجنون والكذب، وأعرضوا عنه، بل بعض الأنبياء قتلوا وصلبوا وشردوا. والطامة الكبرى والداهية العظمى عندما تعاد هذه السنة مع الإمام المهدي ع، عندما يأتينا الإمام بالدين الإلهي السليم والسنة النبوية الصحيحة والتي هي مخالفة لأهوائنا فنقول له: (ارجع يا بن فاطمة لا حاجة لنا بك) كما جاء في الروايات عن أهل البيت ص. ولأجل ذلك توكلت على الله تعالى وشرعت بكتابة هذا البحث المتواضع لمعرفة أحوال بعض الأمم المنتظرة لأنبيائها، ولماذا فشلوا بالانتظار وكذبوا الرسل وطردوهم وقالوا لهم لا حاجة لنا بكم إنما نعبد ما كان يعبد آبائنا وما نراكم إلا قوماً كاذبين، ويجب أن نعرف إن الفشل في الانتظار على نوعين: فشل في استقبال ومعرفة الرسول أو الإمام، وفشل في المسيرة مع الرسول أو الإمام بعد استقباله ومعرفته. فمثلاً قوم نوح ع فشلوا في استقباله ومعرفته، وقوم موسى استقبلوه وعرفوه ولكنهم فشلوا في المسيرة معه، فعندما تبعهم فرعون بجيشه وحاصرهم على البحر قال بنو إسرائيل إنا لمدركون فقال لهم موسى ع إن معي ربي سيهدين، وعندما أمرهم بالقتال قالوا: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون﴾([3])، وعندما غاب موسى أربعين ليلة أطاعوا السامري وعبدوا العجل من دون الله تعالى. وأما الإمام المهدي ع فيجتمع معه كلا النوعين من الفشل، فقوم يفشلون في استقباله ومعرفته وهم الأكثرية في بداية الأمر، ثم الذين آمنوا به واستقبلوه أيضاً يفشل بعضهم في المسيرة مع الإمام المهدي ع. فهذه دعوة لكي نتفكر جميعاً في أحوال الأمم المنتظرة، فإن في قصصهم عبرة لقوم يعقلون، لكي لا نعيد الكرة مع الإمام المهدي ع فنفشل في الانتظار كما فشل الذين من قبلنا نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمعرفة الحق ونصرة بقية الله تعالى الحجة محمد بن الحسن العسكري ع إنه سميع مجيب. * * * -آدم ع: وعد الله تعالى الملائكة بخلق آدم ع وجعله خليفة في الأرض، قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾([4]). فعندما خلق الله تعالى آدم ع أمر الملائكة بالسجود فسجدوا إلا إبليس امتنع عن السجود لآدم وتكبر وقال مقولته المشهورة: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾([5]). وكان إبليس محسوباً على الملائكة بل كان معروفاً عند الملائكة بـ (طاووس الملائكة) ولم يترك بقعة على الأرض إلا وله سجدة عليها. وروي أنه عبد الله ستة آلاف سنة، وروي أيضاً أنه صلى ركعتين لله في ستمائة سنة، ورغم هذا كله فشل إبليس بالامتحان الإلهي وعصى فكان الفاشل الأول بالانتظار هو إبليس عليه لعنة الله تعالى. * * * -نوح ع: (إدريس النبي ع غاب عن شيعته حتى آل الأمر إلى أن تعذر عليهم القوت، وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيهم، ثم ظهر ووعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده وهو نوح ع، ثم رفع الله (إدريس ع فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح ع قرناً بعد قرن وخلفاً عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح ع) ([6]). فكما هو واضح أن شيعة نوح كانوا موعودين بظهوره وهو القائم الذي ينقذهم من الظلم، وكان ذلك الوعد من نبي الله إدريس ع. ولكن فلننظر عندما ظهر نوح ع هل صدقه قومه أم كذبوه، وبعبارة أخرى هل نجحوا بالانتظار أم فشلوا ؟ ينقل إلينا صاحب إلزام الناصب نقلاً عن إكمال الدين للشيخ الصدوق حكايته مع قومه عند مبعثه: (لما أظهر الله نبوة نوح ع وأيقن الشيعة بالفرج واشتدت البلوى وعظمت العزيمة، إلى أن آل الأمر إلى شدة شديدة نالت الشيعة، والوثوب على نوح بالضرب المبرح حتى مكث ع في بعض الأوقات مغشياً عليه ثلاثة أيام يجري الدم من أذنه ثم أفاق، وذلك بعد ثلاثمائة سنة من بعثه، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلاً ونهاراً فيهربون، ويدعوهم سراً فلا يجيبون، ويدعوهم علانية فيولون، فهمّ بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم، وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط عليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة أملاك فسلموا عليه ثم قالوا: يا نبي الله، لنا حاجة. قال: وما هي ؟ قالوا: تؤخر الدعاء على قومك فإنها أول سطوة لله ( في الأرض. قال: أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى. وعاد عليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتى انقضت ثلاثمائة سنة، ويئس من إيمانهم، جلس وقت الضحى والنهار للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السادسة وهم ثلاثة أملاك فسلموا عليه وقالوا: نحن وفد من السماء السادسة خرجنا بكرة وجئناك ضحوة، ثم سألوه ما سأله وفد السماء السابعة، فأجابهم مثل ما أجاب أولئك إليه. وعاد ع إلى قومه يدعوهم فلا يزيدهم دعائه إلا فراراً حتى انقضت ثلاثمائة سنة أخرى فتمت تسعمائة سنة، فصارت إليه الشيعة (القلة التي آمنت به) وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج فأجابهم إلى ذلك. وصلى ودعا فهبط جبرائيل ع فقال له: إن الله تبارك وتعالى أجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلون التمر ويغرسون النوى ويراعونه حتى يثمر فإذا أثمر فرجت عنهم - أي ينزل العذاب على الكافرين -، فحمد الله وأثنى عليه فعرّفهم ذلك فاستبشروا به، فأكلوا التمر وغرسوا النوى وراعوه حتى أثمر ثم صاروا إلى نوح بالتمر وسألوه أن ينجزهم الوعد فسأل الله في ذلك فأوحى الله إليه: قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنكم، فلمّا ظنوا أن الخلف قد وقع عليهم ارتد منهم الثلث، وثبت الثلثان. فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتى إذا أثمر أتوا به نوحاً فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله ( في ذلك فأوحى الله إليه: قل لهم كلوا هذه الثمرة واغرسوا النوى، فارتد الثلث الآخر وبقي الثلث، فأكلوا التمر وغرسوا النوى فلما أثمر أتوا به نوحاً ع فقالوا له: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخر الفرج أن نهلك، فصلى نوح ع فقال: يا رب، لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة وإني أخاف عليهم الهلاك إن تأخر عنهم الفرج، فأوحى ( قد أجبت دعاءك فاصنع الفُلك، وكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة) ([7]). ويصنع نوح ع السفينة وكلما مر عليه قوم يستهزؤن به ويسخرون منه ويقول لهم ع: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾([8]). وجاء الطوفان وغرق المكذبون وفشلوا في الانتظار ولم ينجحوا في معرفة نبيهم الموعود، ونجح في الانتظار أصحاب القلوب والبصائر وهم القلة المستضعفة وهم ثمانون شخصاً كما جاء في كتب التاريخ. * * * -نبي الله صالح ع: عن أبي عبد الله ع، قال: (إن صالحاً ع غاب عن قومه زماناً وكان يوم غاب عنهم كهلاً مبدّح البطن، حسن الجسم، وافر اللحية، خميص البطن، خفيف العارضين مجتمعاً، ربعة من الرجال، فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات: طبقة جاحدة لا ترجع أبداً، وأخرى شاكة فيه، وأخرى على يقين، فبدأ ع حيث رجع بالطبقة الشاكة فقال لهم: أنا صالح فكذبوه وشتموه وزجروه وقالوا: برئ الله منك إن صالحاً كان في غير صورتك، قال: فأتى الجحّاد فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشد النفور، ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة وهم أهل اليقين فقال لهم: أنا صالح، فقالوا: اخبرنا خبراً لا نشك فيك معه أنك صالح، فإنا لا نمتري أن الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحوّل في أي صورة شاء، وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وإنما يصح عندنا إذا أتي الخبر من السماء، فقال لهم: أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة، فقالوا: صدقت وهي التي نتدارس، فما علاماتها ؟ فقال: لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، قالوا: آمنا بالله وما جئتنا به، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ فقال: أهل اليقين ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ وهم الشكاك والجحّاد ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾([9])) ([10]). أقول: هؤلاء قوم صالح ع الذين غاب عنهم هم الذين آمنوا به في بداية إرساله ونجوا من العذاب الذي حل بالكافرين، فلم ينفعهم إيمانهم عندما امتحنهم الله سبحانه بغيبة صالح ع وفشل أكثرهم بالامتحان الإلهي. وهذا الفشل مشابه لما سوف يحدث مع الإمام المهدي ع عندما يظهر للناس بصورة شاب وهم يحسبونه شيخاً كبيراً. عن أبي عبد الله ع: (إنه لو قد قام القائم لأنكره الناس؛ لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول). وفي غير هذه الرواية أنه قال ع: (وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً) ([11]). * * * -موسى ع: روي عن النبي ص: (لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته وأهل بيته، فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم شدة تنالهم يقتل فيها الرجال وتشق فيها بطون الحبالى وتذبح فيها الأطفال حتى يظهر الحق من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طويل، ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك. وقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربعمائة سنة حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدت عليهم البلوى وحمل عليهم بالحجارة والخشب وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، فراسلوه وقالوا: كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجعل يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر وكانت له فترة، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى، وكان في ذلك الوقت حدث السن، وخرج من عند فرعون يظهر النزهة، فعدل عن موكبه وأقبل عليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فلما رءاه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وكب على قدميه ثم قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكراً لله (، فلم يزدهم على أن قال: أرجوا أن يعجل الله فرجكم، ثم غاب بعد ذلك إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما قام، فكانت الغيبة الثانية أشد من الأولى، وكانت نيفاً وخمسين سنة، اشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيب نفوسهم وأعلمهم أن الله ( أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله، فأوحى الله ( قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله. فقالوا: كل نعمة من الله، فأوحى الله إليه: قد جعلتها عشرين سنة. فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله، فأوحى الله ( إليه: قل لهم لا يرجعوا فقد أذنت في فرجهم، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى راكباً حماراً، فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم فقال الفقيه: ما اسمك ؟ قال: موسى. ابن من ؟ فقال: ابن عمران. قال: ابن من ؟ قال: ابن قاهب ابن لاوي ابن يعقوب. قال: بما جئت ؟ قال: بالرسالة من عند الله (، فقام إليه وقبل يده ثم جلس بينهم وطيب نفوسهم ثم أمرهم ثم فرقهم، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم لغرق فرعون أربعين سنة) ([12]). هذه قصة الوعد بقيام النبي موسى ع وغيبته وشدة الناس ومحنتها في تلك الغيبة. ومحل الشاهد هو هل إن بني إسرائيل نصروا موسى ع وآمنوا به أم إنهم فشلوا في الانتظار وكذبوا موسى ع ؟ إن موسى ع آمن معه كثير من بني إسرائيل ولكنهم فشلوا في المسيرة معه، فهم على خمسة أقسام تقريباً: القسم الأول: وهي الفرقة التي اتبعت طاغية زمانهم وهو فرعون (لعنه الله)، وهؤلاء هم عباد الأموال والمنصب والجاه الذين سيطر عليهم الخوف من سلطان فرعون (لعنه الله). القسم الثاني: وهي الفرقة التي اتبعت بلعم بن باعوراء وهو عالم ذلك الزمان الذي كانت تكتب تحت يده إثنا عشر ألف محبرة، أي إنه كان يدرس العلوم الإلهية وكان ينظر إلى ما تحت العرش وكان عنده جزء أو كل الاسم الأعظم كما تصفه بعض الروايات ([13])، ورغم كل هذا العلم وهذه المنزلة استجاب لطلب فرعون عندما طلب منه أن يدعو على موسى والمؤمنين بالاسم الأعظم الذي عنده، مترجياً من فرعون الجاه والأموال والقرب منه. وقال الله تعالى في ذمه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾([14]). القسم الثالث: وهي الفرقة التي اتبعت السامري عندما أخرج لهم عجل من ذهب وقال لهم هذا إلهكم وإن موسى كذب عليكم، وكان ذلك عندما غاب موسى عن قومه أربعين ليلة لميقات ربه، وكان السامري من أول أنصار موسى ع، وكان أيضاً يرى جبرائيل، ورغم هذا كله أزله الشيطان واستغل غيبة موسى ع فأخرج العجل للناس وأمرهم بعبادته وأضل الكثير من بني إسرائيل حينما أصروا على عبادة العجل. القسم الرابع: هي الفرقة التي عصت أوامر موسى ع، فمثلاً عندما أمرهم بقتال العدو قالوا له: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، وامتنعوا عن المسير معه إلى قتال أعدائه. القسم الخامس: وهم الثلة القليلة الذين نجحوا في معرفة نبي الله موسى ع، ونجحوا أيضاً في المسيرة معه ولم تأخذهم في الله لومة لائم؛ لأنهم آمنوا بنور الله نور الفطرة الإلهية، فطوبى لهم وحسن مآب. وأُعيدت سنة الله تعالى من جديد مع موسى الموعود القائم المصلح لبني إسرائيل حيث آمن معه القليل وكفر وفشل في انتظاره الأكثرية من بني إسرائيل ورموه بأنواع التهم كالسحر والشعوذة والكذب وغيرها. * * * -النبي دانيال ع: بعد موت نبي الله سليمان ع كان بعده وصيه آصف بن برخيا ع، وكان بين الشيعة يأخذون منه معالم دينهم (ثم غيب الله تعالى آصف غيبة طال أمدها، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثم إنه ودعهم فقالوا له: أين الملتقى ؟ قال: على الصراط. فغاب عنهم ما شاء الله، فاشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر، منهم دانيال واصطفى من ولد هارون عزيراً، وهم حين إذ صبية صغار فمكثوا في يده، وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجة دانيال أسر في يد بخت نصر (لعنه الله) تسعين سنة، فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج من ظهوره وعلى يده، أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ويجعل معه أسد ليأكله فلم يقربه وأمر أن لا يطعم، وكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشربه على يدي نبي من أنبيائه، فكان يصوم النهار ويفطر الليل على ما يأتي إليه من الطعام. واشتدت البلوى على شيعته وقومه المنتظرين لظهوره وشك أكثرهم في الدين لطول الأمد، فلما تناهى البلاء بدانيال وقومه رأى بخت نصر (لعنه الله) في المنام كأن ملائكة السماء هبطت إلى الأرض أفواجاً إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج، فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال، فأمر بأن يخرج من الجب فلما أُخرج اعتذر إليه مما ارتكب معه، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس فظهر ما كان مستتراً من بني إسرائيل، ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلى دانيال موقنين بالفرج، فلم يثبت إلا القليل على ذلك الحال حتى مات، وانقضى الأمر بعده إلى عُزير..) ([15]). * * * -عيسى ع: (اشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا وترعرع فظهر وله تسع سنين فقام في الناس خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله (، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل وإن العاقبة للمتقين، ووعدهم الفرج بقيام المسيح بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول، فلما ولد المسيح أخفى الله ولادته وغيب الله شخصه؛ لأن مريم لما حملته انتبذت به مكاناً قصياً، ثم إن زكريا وخالتها أقبلا يقصان أمرها حتى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً﴾([16]). فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجتها، فلما ظهر اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكب الجبابرة والطواغيت عليهم حتى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله تعالى به) ([17]). وواجهت دعوة عيسى ع أكبر تيار وهو التيار العلمائي، حيث واجه عيسى ع علماء بني إسرائيل الذين انحرفوا عن شريعة موسى ع، والذين يقولون ما لا يفعلون، والذين عاشوا حياة الترف والبذخ على حساب الفقراء والمساكين الذين يأنون من وطأة الجوع والفقر والفاقة. فواجه هؤلاء العلماء غير العاملين دعوة عيسى ع بأشد المواجهة وعلى رأسهم زعيم بني إسرائيل الديني (حنانيا)، علماً بأنهم كانوا موعودين به وكانوا يعرفونه بالآيات البينات، وتبعهم على ذلك أكثر بني إسرائيل، وكان أكبر توجه عيسى ع نحو فضح هؤلاء العلماء المنحرفين وكشف حقيقتهم أمام الناس والحيلولة دون إتباع الناس لهم. فكان عيسى ع يشنع على ترف علماء بني إسرائيل بقوله: (خادمي يداي، ودابتي رجلاي، وفراشي الأرض، ووسادي الحجر، ودفئي في الشتاء مشارق الأرض، وسراجي بالليل القمر، وأدامي الجوع، وشعاري ولباسي الصوف، وفاكهتي وريحانتي ما أنبتت الأرض للوحوش والأنعام. أبيتُ وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على وجه الأرض أحد أغنى مني) ([18]). وقال أيضاً ذماً لعلماء بني إسرائيل: (اتركوهم، هم عميان قادة عميان، إذا كان الأعمى يقوده الأعمى سقطا معاً في حفرة). وقال أيضاً: (معلمو الشريعة والفريسيون على كرسي موسى جالسون فافعلوا كل ما يقولونه لكم واعملوا به ولكن لا تعملوا مثل أعمالهم لأنهم يقولون ما لا يفعلون ... الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراءون تغلقون ملكوت السماوات في أوجه الناس فلا أنتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون، الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراءون تأكلون بيوت الأرامل وأنتم تظهرون أنكم تطيلون الصلاة سينالكم أشد العقاب الويل لكم أيها القادة العميان ...). وبالنتيجة فإن الفاشلون في الانتظار لعيسى ع هم العلماء غير العاملين وأتباعهم من تلاميذهم ومن عامة الناس، إضافة إلى طاغية ذلك الزمان بيلاطس الحاكم الجائر. * * * -محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل الأنبياء والمرسلين قد بشروا برسالة النبي الخاتم محمد ص. قال تعالى: ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيل﴾([19]). قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ﴾([20]). وكان اليهود والنصارى منتظرين للرسول محمد ص ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾([21]). وقال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾([22]). قال الإمام العسكري ع: (وذم الله اليهود فقال: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ يعني هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم وإخوانهم من اليهود، جاءهم ﴿كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ القرآن ﴿مُصَدِّقٌ﴾ ذلك الكتاب لِمَا ﴿مَعَهُمْ﴾ من التوراة التي بُين فيها أن محمداً الأمي من ولد إسماعيل المؤيد بخير خلق الله بعده علي ولي الله، ﴿وَكَانُوا﴾ يعني هؤلاء اليهود، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ ظهور محمد بالرسالة، ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ يسألون الله الفتح والظفر، ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أعدائهم والمناوئين لهم، فكان الله يفتح لهم وينصرهم، قال الله (: ﴿َلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ جاء هؤلاء اليهود، ﴿مَا عَرَفُوا﴾ من نعت محمد وصفته، ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ جحدوا بنبوته حسداً له وبغياً عليه، قال الله (: ﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾...) ([23]). عن إسحاق ابن عمار، قال: (سألت أبا عبد الله ع عن قوله تبارك وتعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾([24])، قال: كان قوم (في) ما بين محمد وعيسى (عليهما السلام) وكانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي ص ويقولون: ليخرجن نبي وليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم ما يفعلن، فلما خرج رسول الله كفروا به) ([25]). عن الأصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنين ع، قال: (أما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى، يقول الله (: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُم﴾([26]). يعرفون محمداً والولاية في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾([27]). فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الإيمان وسكن أبدانهم ثلاث أرواح: روح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، ثم أضافهم إلى الأنعام فقال: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَام﴾([28])؛ لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن) ([29]). وسكن اليهود مع الأوس والخزرج في المدينة المنورة؛ لأنهم يعلمون أن النبي الخاتم محمد ص سوف يهاجر إلى هذا المكان، ولكن عندما بعث محمد ص وجاءهم بما لا تهوى أنفسهم كفروا به وكذبوه واتهموه بالسحر والشعر والكذب وغيرها من التهم التي اعتاد الناس إلصاقها بالأنبياء والرسل. قال تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾([30]). فالمنتظرون لمحمد ص هم اليهود وعلماؤهم والنصارى وعلماؤهم والأحناف وعلماؤهم، ولكنهم فشلوا في انتظارهم له ولم يؤمن به إلا القليل منهم، وعانى الرسول الأكرم ص أشد المعاناة من الذين كفروا حتى إنهم كانوا يرمونه بالحجارة وينهالون عليه ضرباً حتى يخر مغشياً عليه من نزف الدماء وشدة الضرب. ولكن شاء الله لدينه أن يبدأ بمحمد وعلي وخديجة ثم ينتشر ويملأ الخافقين. قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾([31]). * * * -الإمام المهدي ع: قضية الانتظار للمصلح الذي يأتي في آخر الزمان تكاد لا تخلو منها ديانة من الديانات السابقة، وكل الأنبياء والرسل بشروا بقيام القائم ع، وإنه من ذرية النبي الخاتم محمد ص، وإنه الثاني عشر من خلفائه. ولكن بما أن اليهود الذين لم يؤمنوا برسالة عيسى ع ولا برسالة محمد ص فهم يعتقدون بأن المصلح الذي يأتي في آخر الزمان هو النبي إيليا الذي رفعه الله تعالى إلى السماء ووعدهم بالرجوع إليهم في آخر الزمان، وأما المسيح الذين لم يؤمنوا برسالة الرسول محمد ص فهم يعتقدون بأن عيسى ع هو المصلح المنتظر، وإنه رفع إلى السماء وسوف ينزل في آخر الزمان ويصلح الأرض بعد خرابها. ولكن اعتقاد كلا الفريقين منقوض؛ لأن التوراة والإنجيل تنص على مجيء النبي الخاتم محمد ص، وإن القائم من ذريته الثاني عشر من خلفائه، وإنه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ولذا فإن إيليا وعيسى والخضر ص سوف يرجعون في آخر الزمان لنصرة الإمام المهدي ع محمد بن الحسن العسكري ع. ومن أجل إثبات هذا الكلام نتعرض للبشارات التي جاءت في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم والسنة الشريفة وكلها تبشر وتؤكد على أن المصلح والقائم هو محمد بن الحسن العسكري من ذرية رسول الله ص والثاني عشر من خلفائه. أولاً: البشارة في التوراة والإنجيل: (عن الإقبال: عن أبي المفضل في حديث طويل: إن علماء نصارى نجران احضروا صحيفة آدم الكبرى ونقلوا منها كلاماً طويلاً في الإخبار بالنبي ص ونعته وصفة أهل بيته وأوصيائه ومنازلهم ومرتبتهم عند الله (، إلى أن قال: ثم صار القوم إلى ما نزل على موسى فألغوا في السفر الثاني في التوراة: أني باعث في الأمين من ولد إسماعيل رسولاً أنزل عليه كتابي وأبعثه بالشريعة القيمة إلى جميع خلقي، أتيه حكمي وأؤيده بملائكتي وجنودي، يكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لها كإسماعيل وإسحاق أصلين لشعبين عظيمين، أكبرهم جداً جداً، يكون منهم إثنا عشر قيماً، أكمل لمحمد ص وبما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني، وأختم به أنبيائي ورسلي، فعلى محمد ص وأمته تقوم الساعة) ([32]). (في حسام الشيعة عن الفصل الأول من كتاب صفينا من قوله: قرب زمان الصاحب، ويكون ذلك اليوم يوم مرٌّ تهرب منه الشجعان ويوم ضيق القلب واضطراب الحال، والظلمة والعجة والرياح العاصفة والصوت العظيم في البلاد المعمورة والأماكن والغرف العالية، فيضطرب الناس فيمشون مشي الأعمى لعصيانهم للصاحب، وتهرق دماؤهم وتطحن أجسادهم، فلا ينجيهم ذهبهم وفضتهم يوم غضب الصاحب، لأنه حين غضبه تحرق جميع وجه الأرض) ([33]). (عن عبد الله بن سليمان وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في الإنجيل، وذكر أوصاف النبي ص إلى أن قال تعالى لعيسى: أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان، لترى في أمة ذلك النبي ص العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم، إنهم أمة مرحومة) ([34]). ومن أجل الاستزادة نحيل القارئ إلى كتاب إلزام الناصب الجزء الأول فيذكر فيه ستة وثلاثون بشارة في كتب الأنبياء القديمة. الوعد بالإمام القائم ع في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾([35]). قال ع: (بالقائم من آل محمد ص حتى إذا خرج يظهره على الدين كله حتى لا يعبد غير الله، وهو قوله يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً) ([36]). عن أبي عبد الله ع أنه قال في قول الله (: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾([37]). فقال ع: (الآيات هم الأئمة، والآية المنتظرة هو القائم ع، فيومئذ لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه ص) ([38]). قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾([39]). عن الباقر ع في قوله (: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ قال ع: (هذه نزلت في القائم ع إذا خرج تعمم وصلى عند المقام وتضرع إلى ربه فلا ترد له راية أبداً) ([40]). قال تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى﴾([41]). عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع، قال ع: (سألت أبي عن قول الله (: ﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى﴾. قال ع: الصراط السوي هو القائم ع، والهدى من اهتدى إلى طاعته ومثلها في كتاب الله (: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾([42]). قال: إلى ولايتنا) ([43]). قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾([44]). عن أبي بصير، عن الباقر ع في قول الله (: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾. قال ع: (هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً لا تدرون أين هو فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وحلال الله ( وحرامه) ([45]). وعشرات الآيات التي تتحدث عن الوعد بالإمام المهدي ع مسطرة في كتب الحديث، فمن أراد المزيد فليراجع المطولات. محنة الأمة في غيبة الإمام المهدي ع: المتتبع للروايات الصادرة عن أهل البيت ص يجد أن من أكبر المحن هي محنة غيبة الإمام القائم ع؛ لكثرة الفتن والانحرافات في تلك الفترة العصيبة. ولذلك سوف نقرأ تفاصيل تلك المحنة من خلال روايات أهل البيت ص. عن علي بن أبى طالب ع: (فينا نزلت هذه الآية: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾([46]). فالإمامة في عقب الحسين ع إلى يوم القيامة، وإن للغائب منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى: أما الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ستة سنين، وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرج مما قضينا وسلم لنا أهل البيت) ([47]). عن الرضا ع، عن أبيه، عن آبائه، عن علي ع، قال: (قال رسول الله ص: ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزله عن ملتي ويخرجه عن ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله ( جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) ([48]). عن أصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين ع، قال: (كونوا كالنحل في الطير ليس شيء من الطير إلا يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة ما تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم - أو قال من شيعتي - إلا كالكحل في العين والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه ثم ادخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو أصابه السوس فأخرجه ونقاه وطيبه ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده ولم يزل كذلك حتى بقيت رزمة كرزمة الأندر، لا يضره السوس شيء وكذلك أنتم ثم يزول حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيء) ([49]). عن عبد الله بن عباس، عن رسول الله ص: (... التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مظلمة، فيعلن أمر الله ويظهر دين الله ويؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله...) ([50]). قال تعالى: ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾([51]). عن أبي عبد الله ع، قال: (نزلت هذه الآية في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم، والأمد أمد الغيبة) ([52]). عن موسى ابن جعفر ع: (إذا فقد الخامس من ولد السابع الله الله في أديانكم، لا يزيلنكم أحد عنها. يا بني، إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من يقول به، إنما هي محنة من الله ( امتحن بها خلقه...) ([53]). عن يمان التمار، قال: (كنا عند أبي عبد الله ع جلوساً فقال لنا: لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد. ثم قال - هكذا بيده -: فأيكم يمسك شوك القتاد ؟...) ([54]). عن أبان بن تغلب، قال: (قال أبو عبد الله ع: كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين، فيأزر العلم كما تأزر الحية في جحرها، واختلفت الشيعة، وسمى بعضهم بعضاً كذابين، وتفل بعضهم في وجوه بعض ؟ قلت: جعلت فداك، ما عند ذلك من خير. فقال لي: الخير كله عند ذلك - ثلاثاً -)([55]). عن أبي عبد الله ع، قال: (إن أمير المؤمنين ع لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر وخطب بخطبة ذكرها يقول فيها: ألا إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه ص، والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقن سباقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا، والله ما كتمت وسمة، ولا كذبت كذبة، ولقد نُبئت بهذا المقام وهذا اليوم) ([56]). عن ابن أبي يعفور، قال: (سمعت أبا عبد الله ع يقول: ويلٌ لطغاة العرب من أمر قد اقترب. قلت: جعلت فداك، كم مع القائم من العرب ؟ قال: نفر يسير، قلت: والله إن ما يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لابد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ويستخرج في الغربال خلق كثير) ([57]). عن منصور، قال: (قال لي أبو عبد الله ع: يا منصور، إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس، ولا والله حتى تميزوا، ولا والله حتى تمحصوا، ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد) ([58]). عن أبي جعفر ع، قال: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فمن أقربه فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنه لابد أن يكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا) ([59]). عن أبي عبد الله ع: (وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً) ([60]). عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله: (لينصرن هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان) ([61]). وتوجد تعليقة في هامش غيبة الطوسي على هذا الحديث، نصها: (لعل المراد أن أكثر أعوان الحق وأنصار الشيعة وفي هذا اليوم جماعة لا نصيب لهم في الدين ولو ظهر وخرج القائم يخرج من هذا الدين من يعلم الناس أنه كان مقيماً على عبادة الأوثان حقيقة أو مجازاً، أو كان الناس يحسبونه مؤمناً، أو أنه عند ظهور الإمام يشتغل بعبادة الأوثان). أما محاججة المتدينين وأصحاب الثقافات الواسعة وموقفهم من الإمام فإنهم يتأولون عليه القرآن ويقاتلونه عليه، وتأويل القرآن ومعرفة علوم القرآن لا يتسنى لعامة الناس، بل لا يتسنى لأصحاب الثقافات المتوسطة، بل هو مختص بأصحاب الثقافات الدينية الواسعة ومنهم علماء السوء. عن محمد ابن أبي حمزة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ع سمعته يقول: (إن القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله ص، أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه) ([62]). عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من الناس ما لقي رسول الله ص وأكثر) ([63]). عن محمد ابن منصور العقيلي، عن أبيه، قال: (كنت أنا والحارث ابن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً وأبو عبد الله ع يسمع كلامنا، فقال لنا: في أي شيء أنتم ؟؟ هيهات هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من شقي ويسعد من يسعد) ([64]). الفشل في معرفة الإمام المهدي ع واستقباله: قدمت في مقدمة البحث أن الإمام المهدي ع تفشل مجموعة من الأمة في معرفته واستقباله وهم الأكثرية، وأخرى تفشل في المسيرة معه وطاعته. وسوف نتعرف أولاً على المجموعة الأولى ثم المجموعة الثانية معتمدين على النصوص الشريفة الصادرة عن أهل البيت ص؛ لأننا نرى أن الفائدة فيها لا في غيرها من سائر الكلام. والفشل في معرفة الإمام ع يعزى إلى عدة أسباب، منها: إنه يأتي في منظر الشاب والناس تحسبه شيخاً كبير السن. ومنها: كثرة قتله للمنحرفين وأصحاب البدع. ومنها: إنه يقتل كثير من العلماء غير العاملين الذين كانت تظنهم الناس أنهم صالحين. ومنها: إنه يأتي بكتاب جديد وسنة جديدة ويبدأ الدين من جديد. ومنها: إن أنصاره وأتباعه الضعفاء من المجتمع والبسطاء فيكبر على الناس أن يتبعوا هكذا أشخاص. ومنها: طول الغيبة وقسوة القلوب، وغيرها الكثير. عن أبي عبد الله أنه قال: (لو خرج القائم لقد أنكره الناس، يرجع إليهم شاباً موفقاً لا يثبت عليه إلا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول) ([65]). وتذكر الرواية التالية أنه يقتل سبعين رجلاً هم أصل الفتنة والاختلاف داخل الشيعة، ويبدو أنهم من علماء السوء المضلين. كما ذكر الشيخ الكوراني في كتابه عصر الظهور ([66]). عن مالك ابن ضمرة، قال أمير المؤمنين ع: (يا مالك ابن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا ؟ وشبك أصابعه ودخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير ؟ قال: الخير كله عند ذلك. يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) ([67]). عن الإمام الباقر ع: (إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف أنفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم. ثم يدخل الكوفة فيقتل كل منافق مرتاب، ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله () ([68]). وأما كيفية بداية دعوة الإمام ع واشمئزاز الناس منها ومحاربتهم لها ولعن الناس لراية الإمام ع فنستقرئه من كلام أهل البيت ص. عن أبان ابن تغلب، قال: (سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ع يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب، أتدري لم ؟ قلت: لا، قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه. وفي رواية: مما يلقونه من بني هاشم) ([69]). عن أبي بصير، قال: (قال أبو عبد الله ع: لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة. قلت: وكم تكملة الحلقة ؟ قال: عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها وهي راية رسول الله ص نزل بها جبرئيل يوم بدر...) ([70]). عن أبي يحيى حكيم بن سعد، قال: سمعت علياً ع يقول: (إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد وأقل الزاد الملح) ([71]). عن إبراهيم ابن عبد الحميد، يقول: أخبرني من سمع أبا عبد الله يقول: (إذا خرج القائم ع خرج من هذا الأمر من كان يظن أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر)([72]). وهذا يدل على خروج كثير من الشخصيات التي يظنها الناس أنها تنصر الإمام المهدي ع من نصرة الإمام ع، ودخول كثير ممن لا يتصفون بالتدين في نصرة الإمام المهدي ع بعد ما من الله عليهم بالهداية لمعرفة الإمام ونصرته. الفشل في المسيرة مع الإمام المهدي ع: فشلت كثير من الأمم في المسيرة مع الأنبياء بعد أن عرفوهم وآمنوا بهم، وسوف تعاد هذه المسيرة مع الإمام المهدي ع، حيث إن كثيراً من الذين آمنوا به وصدقوه ونصروه سوف يفشلون في الامتحان ويرتدون على الإمام المهدي ع. عن أبي جعفر ع، قال: (يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء آدم ع، فيقدمهم فيضرب أعناقهم. ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضربوا قدامه بالسيف، وهو قضاء داوود ع، فيقدمهم فيضرب أعناقهم، ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء إبراهيم ع، فيقدمهم فيضرب أعناقهم. ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد ص، فلا ينكرها أحد عليه) ([73]). عن الصادق ع، قال: (كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهد معهود من رسول الله ص، فيجفلون عنه إجفال الغنم، فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى بن عمران ع، فيجولون في الأرض فلا يجدون عنه مذهباً، فيرجعون إليه، وإني أعرف الكلام الذي يقول لهم، فيكفرون به) ([74]). ينبغي لكل مؤمن أن ترتعد فرائصه عندما يقرأ هذه الروايات؛ لأن هؤلاء الذين يرتدون على الإمام المهدي ع هم خلص أصحابه الثلاثمائة وثلاث عشر. نسأل الله تعالى أن ينجينا من كل فتنة وأن يوفقنا لنصرة الإمام المهدي ع والثبات على ذلك والفوز بحسن العاقبة إنه سميع مجيب الدعاء. عن الفضل، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (إن أصحاب موسى ابتلوا بنهر وهو قول الله (: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾([75]). وإن أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك) ([76]). عن الإمام الباقر ع، قال: (حتى إذا بلغ الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا، ما تصنع ؟ فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النعم، أفبعهد من رسول الله ص أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك. فيقول له القائم: اسكت يا فلان، أي والله، إن معي عهداً من رسول الله ص. هات يا فلان العيبة أو الزنفليجة، فيأتيه بها فيقرؤه العهد من رسول الله ص فيقول: جعلني الله فداك، أعطني رأسك أقبله، فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه، ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا البيعة، فيجدد لهم البيعة) ([77]). عن أبي عبد الله ع أنه قال: (بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه إذ قال: أديروه، فيدورونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه) ([78]). عن الصادق ع، عن آبائه، عن النبي ص، قال: (لما أُسري بي أوحى إلي ربي ( وساق الحديث إلى أن قال: فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة ابن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري، قلت: يا رب، من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين فيخرج اللات والعزى (أي الأول والثاني) طريين فيحرقهما فلفتنة الناس بهما يومئذ أشد من فتنة العجل) ([79]). عن بشر النبال، عن الإمام الصادق ع: (هل تدري أول من يبدأ به القائم ع ؟ قلت: لا. قال: يخرج هذين (أي الأول والثاني) رطبين غضين فيحرقهما ويذرهما في الريح ويكسر المسجد. ثم قال ع: إن رسول الله ص قال: عريش كعريش موسى ع، وذكر إن مقدم مسجد رسول الله ص كان طيناً وجانبه جريد النخل) ([80]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (إذا قدم القائم ع وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر (أي قبر الأول والثاني) فيبعث الله ريحاً شديدة وصواعق ورعود حتى يقول الناس إنما ذا لذا، فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد، فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول، ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضرب بالمعول بيده فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه، فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين رطبين فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذرهما في الريح) ([81]). أقول: ينبغي لكل مؤمن أن يعتبر بهذه الوقائع وأن يراجع نفسه وليحذر كل الحذر أن يتورط في معاداة أهل البيت ص وأن يعمل ليلاً ونهاراً من أجل إرضاء الله تعالى عسى أن يمن الله تعالى عليه ويوفقه لمعرفة الحق ونصرته ومعرفة الباطل ومعاداته، وأن يكون دقيقاً في اختيار من يقتدي به، فإن كان ذلك الشخص مطبقاً لأخلاق القرآن الكريم وأخلاق أهل البيت ص فأتبعه وأقتدي به. أما إذا كان ذلك الشخص من محبي الشهرة والمنصب وكثرة الأتباع والأموال ومن الذين يدعون لأنفسهم وتركوا الدعوة للإمام المهدي ع فإن مثل هكذا أشخاص يجب تركهم وعدم إتباعهم، بل يجب محاربتهم؛ لأن هؤلاء سيجعلون المجتمع طوائف وأحزاب يلعن بعضها بعضاً، وبالتالي هؤلاء الأشخاص سوف يقودون المجتمع إلى معاداة الإمام المهدي ع وعدم نصرته؛ لأن الاختلاف لا ينتج الوحدة إطلاقاً. * * * -خاتمة في بعض إرشادات أهل البيت (عليهم السلام) للنجاة من الفتن قبل قيام القائم ع: قدمت في هذا البحث نوع الفتن وشدتها وتيهة الناس فيها وحيرتهم، حتى إن كثيراً ممن يدعون العلم والدين يتيهون في تلك الفتن ويفشلون في الاختبار ويصبحون ضحية لسيف قائم آل محمد ص. وقد يخطر في البال أنّ هذا شيء فوق طاقة الناس، ولابد من وجود طرق تنجي الناس من تلك الفتنة والحيرة وتوصلهم إلى بر الأمان. ويجاب عن هذا التساؤل: بأن كل الناس داخلين في الغربلة والتمحيص التي تسبق قيام القائم ع ولا يستثنى من ذلك عالم ولا جاهل، بل الكل داخلين في هذا الامتحان بدون استثناء. فلا يمكن أن نعرف المخرج والمنجى من الفتن التي تكون في زمن الغيبة إلا عن طريق شخص معصوم من الزلل والخلل ومضمون النجاح في هذه الفتن، وطبعاً لا يوجد هكذا أشخاص غير الأربعة عشر المعصومين ص أو من كان نائباً خاصاً عنهم ص، وقد أشار الأئمة ص إلى كثير من السبل التي يمكن أن تنجي الناس من تلك الفتن إذا امتثلوا لها ولم يسيطر عليهم التعصب والتقليد الأعمى. وسأشير إلى بعض ما أشار إليه الأئمة ص عسى أن ينفعنا وينفعكم في استيضاح الطريق للخروج من تلك الفتن. 1- الرجوع إلى القرآن الكريم: عن الباقر ع: (... انظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه في القرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فإذا كنتم كما أوصيناكم ولم تعدوا إلى غيره فما منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، أو من أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدواً لنا كان له أجر عشرين شهيداً) ([82]). والدليل على أن الأمة سوف تأول القرآن حسب أهوائهم الرواية التالية التي تتحدث عن أحد إنجازات الإمام المهدي ع حين القيام أو بعده. عن أمير المؤمنين ع، قال: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي) ([83]). أي إن الإمام المهدي ع عند ظهوره يجد الأمة قد فسرت القرآن وفق أهواءهم وآرائهم القاصرة، فيهدم هذا الاتجاه الفاسد والمفسد، ويجعل الرأي والهوى تابعاً للقرآن، فإن وافق القرآن أخذ به، وإن خالفه ضرب به عرض الجدار. ومن البديهي أن الذين يفسرون القرآن ويؤلونه وفق أهوائهم أهل الاختصاص في هذا المجال وهم علماء السوء ومن قاربهم، وإلا فعامة الناس لا تستطيع فهم القرآن ومعرفة التأويل أو التفسير، بل هم تابعين للعلماء في هذا المجال. قال الرسول محمد ص: (إنما أتخوف على أمتي بعدي ثلاث خصال: أن يتأول القرآن على غير تأويله، أو يتبعوا زلة العالم، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا ويبطروا. وسأنبئكم المخرج من ذلك، أما القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وأما العالم فانظروا فيه ولا تتبعوا زلته، وأما المال فإن المخرج شكر النعمة وأداء حقه) ([84]). 2- الاقتداء بالإمام المهدي ع قبل قيامه: عن أبي عبد الله ع، قال: (قال رسول ص: طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يتولى وليه ويتورع عن عدوه ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذوو ودي ومودتي وأكرم أمتي عليّ "وأكرم خلق الله عليّ") ([85]). وهذا حث على الاقتداء بأخلاق الإمام المهدي ع قبل قيامه ودعوة الناس إلى معرفة الإمام المهدي ع وانتظاره والتمهيد له وعدم إتباع غيره من الشخصيات التي اهتمت بالدعوة لأنفسها وتركت الإمام المهدي ع وراء ظهرها، وإنا لله وإنا إليه راجعون. 3- الاهتمام بدراسة روايات أهل البيت (عليهم السلام): عن زرارة بن أعين، قال: (سمعت أبا عبد الله ع يقول: ينادي مناد من السماء: إن فلان هو الأمير، وينادي مناد: إن علياً وشيعته هم الفائزون. قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا ؟ فقال: إن الشيطان ينادي: إن فلاناً وشيعته هم الفائزون لرجل من بني أمية. قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: أنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون) ([86]). وهذه دعوة من الإمام الصادق ع إلى الشيعة إلى رواية أحاديثهم للناس وبيان الفتنة التي تسبق الأمام وما هو المخرج منها، حتى لايتفاجئوا بالأحداث ويصبحون حيارى لا يعرفون الحق من الباطل. فيجب على كل أصحاب المنابر وكل طلبة العلم التركيز على قضية الإمام والفتن التي تسبق قيامه وإشباعها بالبحث بدلاً عن البحث في أمور أغلبها قد أكل الدهر عليها وشرب، وأصبح الناس في كل سنة يسمعون نفس الكلام الذي طرح في السنة السابقة. أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف أن تحكمون. وأوضح مصاديق الحق في زماننا الآن هو الإمام المهدي ع أرواحنا لمقدمه الفداء. 4- اللجوء إلى الدعاء والتضرع لله (: عن أبي عبد الله ع: (ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى لا ينجو منها إلا من دعى بدعاء الغريق، قال ع: يقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك...) ([87]). عن زرارة بن أعين، قال: (قال أبو عبد الله ع: لابد للغلام من غيبة. قلت: ولمَ ؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: مات أبوه ولم يخلف، ومنهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين. قال زرارة: فقلت: وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان ؟ قال: ادع الله بهذا الدعاء: "اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرفه قط، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني") ([88]). وفي هذا الحديث تأكيد واضح على اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى (دليل المتحيرين) في النجاة من فتن آخر الزمان التي تسبق قيام الإمام المهدي ع، فيجب على كل المتصدين لإصلاح الناس أن يوجهوهم لله تعالى وللإمام المهدي ع لا أن يوجهوهم إلى أنفسهم طالبين بذلك كثرة الأنصار والأموال والجاه والمنصب. فليغتنموا الفرصة قبل أن يأتي الإمام المهدي ع ولا تنفع الندامة يومئذ وبماذا يعتذرون ؟ عندما يقول لهم لماذا فرقتم الأمة وجعلتموها فرق وطوائف يكذب بعضها بعضاً ويتفل بعضها في وجوه بعض ؟! 5- الفرار بالدين: عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا ع أنه سمعه يقول: (إذا مات ابني علي بدأ سراج بعده، ثم خفي، فويل للمرتاب، وطوبى للغريب الفار بدينه، ثم يكون بعد ذلك أحداث تشيب فيها النواصي، ويسير الصم الصلاب) ([89]). عن عميرة بن نفيل، قال: (سمعت النبي ص يقول وأقبل على أسامة بن زيد، قال رسول الله ص: فقال: يا أسامة، وساق الحديث إلى أن قال، ثم بكى رسول الله ص حتى علا بكاؤه واشتد نحيبه وزفيره وشهيقه، وهاب القوم أن يكلموه فظنوا أنه لأمر قد حدث من السماء، ثم أنه رفع رأسه فتنفس الصعداء ثم قال: أوه أوه، بؤساً لهذه الأمة، ماذا يلقى منهم من أطاع الله، ويُضربون ويُكذبون من أجل أنهم أطاعوا الله فأذلوهم بطاعة الله، ألا ولا تقوم الساعة حتى يبغض الناس من أطاع الله ويحبون من عصى الله، فقال عمر: يا رسول الله، والناس يومئذ على الإسلام ؟ قال ص: وأين الإسلام يومئذ يا عمر، إن المسلم كالغريب الشريد، ذلك زمان يذهب فيه الإسلام ولا يبقى إلا اسمه، ويندرس فيه القرآن فلا يبقى إلا رسمه. قال عمر: يا رسول الله، وفيما يُكذبون من أطاع الله ويطردونهم ويعذبونهم ؟ فقال: يا عمر، ترك القوم الطريق وركنوا إلى الدنيا ورفضوا الآخرة، وأكلوا الطيبات، ولبسوا الثياب المزينات، وخدمتهم أبناء فارس والروم .... وأولياء الله عليهم الفناء، شجية ألوانهم من السهر، ومنحنية أصلابهم من القيام، وقد لصقت بطونهم بظهورهم من طول الصيام، قد أذهلوا أنفسهم وذبحوها بالعطش طلباً لرضى الله وشوقاً إلى جزيل ثوابه وخوفاً من أليم عقابه، فإذا تكلم منهم بحق متكلم أو تفوه بصدق قيل له: اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلالة، يتأولون كتاب الله على غير تأويله ويقولون: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾([90])..)([91]). 6- إتباع الممهدين للإمام المهدي ع قبل قيامه: أحد أوصاف الإمام المهدي ع بأنه الشمس، وأحد صفات الشمس بأنها عندما تغرب تخلف ورائها حمرة تسمى الحمرة المغربية، وقبل طلوع الشمس أيضاً تظهر حمرة تكون علامة على قرب ظهور الشمس. وكذلك الإمام المهدي ع عندما غاب الغيبة الصغرى خلف وراءه حمرة مغربية وهم السفراء الأربعة (رحمهم الله)، الذين كان اتصالهم بالإمام المهدي ع كاتصال الحمرة المغربية بالشمس وجزئيتها منها، وقبل قيام الإمام وطلوعه أيضاً تظهر حمرة تكون دليلاً على قرب قيامه، ومثال هذه الحمرة الممهدون للإمام المهدي ع الذين يقودون الناس لنصرة الإمام المهدي ع، وهؤلاء الممهدون متصلين بالإمام المهدي ع كاتصال الحمرة المشرقية بالشمس قبل طلوعها، ومن البديهي أن تلك الحمرة هي من أثر الشمس وجزء من نورها. وهذه آية آفاقية تبين أمر الإمام المهدي ع. قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾([92]). والحق هو الإمام المهدي كما جاء في تفسير هذه الآية عن أهل البيت ص. وروي عن أهل البيت ص كثير من الروايات تذكر قيام ممهدين قبل قيام القائم ع يدعون الناس إلى نصرة الإمام المهدي ع، ويكونون منذرين ومبشرين بالقيامة الصغرى وهو قيام الإمام المهدي ع لإقامة الحجة على الناس، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾([93]). عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل. قلت له: جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه. قال: يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرحاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقضي ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لآل محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا ذو الخال والشامتين، العادل الحافظ لما استودع، يملأها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفاجر جوراً وظلماً) ([94]). عن أبي عبد الله ع أنه قال: (قال: خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني، يهدي إلى الحق) ([95]). عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) في خبر طويل: (... ويخرج ثلاث نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب ويحظر الناس بدمشق ... ويخرج قبل ذلك من يدعوا لآل محمد ص...) ([96]). عن أبي عبد الله ع أنه قال: (لا يقوم القائم حتى يقوم إثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول أنهم رأوه فيكذبونهم) ([97]). عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) أنه قال: (دعوة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان، فألزموا الأرض وكفوا حتى تروا قادتها...) ([98]). روي عن النبي ص أنه قال: (يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبي، يسرع الناس إلى طاعته المشرك والمؤمن، يملأ الجبال خوفاً) ([99]). وفي النهاية أعتذر عن عدم الإحاطة بإرشادات أهل البيت ص للخروج من الفتنة، وإن شاء الله سوف يصدر بحث مستقل بعنوان: (المخرج من فتنة آخر الزمان) فإن فيه كفاية الطالب إن شاء الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. الشيخ ناظم العقيلي 3/ ربيع الأول/1425 هـ . قFooters
[1] - النور: 40.
[2] - المائدة: 70.
[3] - المائدة: 24.
[4] - البقرة: 30.
[5] - ص: 76.
[6] - إلزام الناصب: ص252.
[7] - إلزام الناصب: ص241، كمال الدين وتمام النعمة: ص164.
[8] - هود: 38 – 39.
[9] - الأعراف: 75 – 76.
[10] - كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص168.
[11] - غيبة الطوسي: ص240 ح398.
[12] - إكمال الدين وتمام النعمة: ص145، إلزام الناصب: ج1 ص254.
[13] - راجع قصص الأنبياء - نعمة الله الجزائري.
[14] - الأعراف: 175.
[15] - إلزام الناصب: ج1 ص258 ط1.
[16] - مريم: 23.
[17] - إلزام الناصب: ج1 ص259، إكمال الدين وتمام النعمة: ص159.
[18] - إرشاد القلوب للديلمي، قصص الأنبياء للجزائري.
[19] - الأعراف: 157.
[20] - الفتح: 29.
[21] - البقرة: 89.
[22] - البقرة: 146.
[23] - تفسير البرهان: ص126.
[24] - البقرة: 89.
[25] - تفسير البرهان: ج1 ص128.
[26] - البقرة: 146.
[27] - البقرة: 147.
[28] - الفرقان: 44.
[29] - تفسير البرهان: ج1 ص161.
[30] - البقرة: 87.
[31] - التوبة: 32.
[32] - إقبال الأعمال: ج2 ص240، إلزام الناصب: ج1 ص130.
[33] - إلزام الناصب: ج1 ص141.
[34] - إلزام الناصب: ج1 ص149.
[35] - الصف: 8 – 9.
[36] - القمي: ج2 ص365.
[37] - الأنعام: 158.
[38] - إكمال الدين: ص18.
[39] - النمل: 62.
[40] - تأويل الآيات: ج1 ص403.
[41] - طه: 135.
[42] - طه: 82.
[43] - تأويل الآيات: ج1 ص323.
[44] - الملك: 30.
[45] - إكمال الدين: ج1 ص325.
[46] - الزخرف: 28.
[47] - إلزام الناصب: ج1 ص244، كمال الدين وتمام النعمة.
[48] - إلزام الناصب: ج1 ص244.
[49] - إلزام الناصب: ص244، غيبة النعماني: ص217.
[50] - إلزام الناصب: ج1 ص186.
[51] - الحديد: 16.
[52] - إلزام الناصب: ج1 ص9.
[53] - إلزام الناصب: ج1 ص202، الكافي: ج1 ص376.
[54] - الكافي: ج1 ص276.
[55] - أصول الكافي: ج1 ص382.
[56] - أصول الكافي: مج1 ، غيبة النعماني: ص209.
[57] - غيبة النعماني: ص212، أصول الكافي: ج1 ص417.
[58] - أصول الكافي: ج1 ص417.
[59] - أصول الكافي: ج1 ص418، غيبة النعماني: ص210.
[60] - غيبة النعماني: ص194.
[61] - غيبة الطوسي: ص297.
[62] - غيبة النعماني: ص308.
[63] - غيبة النعماني: ص308.
[64] - أصول الكافي: ج1 ص418.
[65] - غيبة الطوسي: ص283، غيبة النعماني: ص219.
[66] - ص149.
[67] - غيبة النعماني: ص214.
[68] - بحار الأنوار: ج52 .
[69] - غيبة النعماني: ص308.
[70] - غيبة النعماني: ص320.
[71] - غيبة النعماني: ص330.
[72] - غيبة النعماني: ص332.
[73] - ما بعد الظهور - للسيد الصدر: ص509.
[74] - ما بعد الظهور - للسيد الصدر: ص510.
[75] - البقرة: 249.
[76] - غيبة الطوسي: ص372، بحار الأنوار: ج52 ص332.
[77] - بحار الأنوار: ج52 .
[78] - غيبة النعماني: ص246.
[79] - بحار الأنوار: ج52 ص379.
[80] - بحار الأنوار: ج52 ص386.
[81] - بحار الأنوار: ج52 ص386.
[82] - بحار الأنوار: ج52 ص123.
[83] - غيبة الطوسي: ص282.
[84] - تفسير البرهان.
[85] - غيبة النعماني: ص123.
[86] - غيبة النعماني: ص273.
[87] - إلزام الناصب: ج1 ص417.
[88] - أصول الكافي: ج1 ص348.
[89] - غيبة النعماني: ص192.
[90] - الأعراف: 32.
[91] - إلزام الناصب: ج1 ص62.
[92] - فصلت: 52.
[93] - الإسراء: 15.
[94] - بشارة الإسلام: ص118.
[95] - غيبة الطوسي: ص295.
[96] - غيبة الطوسي: ص303.
[97] - بشارة الإسلام: ص107.
[98] - غيبة الطوسي: ص292.
[99] - غيبة الطوسي: ص94.