Subjects

-المقدمة

-لماذا كتاب مظلومية فاطمة (عليها السلام) ؟

-الباب الأول

-الفصل الأول: من هم أهل البيت في آية التطهير ؟

-الفصل الثاني: أهل البيت في القرآن الكريم

-الفصل الثالث: أهل البيت في السنّة الشريفة

-الفصل الرابع: ظلامة أهل البيت (عليهم السلام)

-الفصل الخامس: فَلمّا اخْتارَ اللهُ لنَبِيّهِ دارَ أنْبِيائهِ وَمَأْوى أصْفِيائهِ

الباب الثاني

-الفصل الأول: توثيق مظلومية الزهراء (عليها السلام)

-الفصل الثاني: مظلومية الزهراء (عليها السلام) في كلمات العلماء

-الفصل الثالث: ظلامة الزهراء في الشعر العربي

-الفصل الرابع: ظلامـة فاطمـة أصل يوم العـذاب

-الباب الثالث

-الفصل الأول: السقيفة وبيعـة أبي بكر

-المتخلفون عن بيعة أبي بكر

-الفصل الثاني: سياسات خلافة السقيفة

-الفصل الثالث: هجـوم القـوم على بيت الوحي

-الباب الرابع

-الفصل الأول: خطبة الزهراء (عليها السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)

-الفصل الثاني: مصـادرة فـدك

-الفصل الثالث: دعـوى المـيـراث

-الفصل الرابع: إسقـاط سهم ذوي القربى

-الباب الخامس

-الفصل الأول: حزن الزهراء بعد أبيها (صلى الله عليه وآله)

-الفصل الثاني: الزهراء (عليها السلام) على فراش المرض

-الفصل الثالث: في شهادة الزهراء (عليها السلام)


Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (147) فـاطمة (عليها السلام) صديقة شهيدة بقلم عبد العالي المنصوري الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن ع، قال: (إنّ فاطمة "عليها السلام" صديقة شهيدة) الكافي: ج1 ص458. -المقدمــة الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الحمد لله الذي منّ علينا بولاية محمد وآل محمد ص، الحمد لله الذي جعل ولايتهم حسنة لا تضر معها سيئة، وجعل نكرانهم سيئة لا تنفع معها حسنة. وأفضل التحية وأزكى السلام على خير الأنام محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء وعلى علي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ومحمد بن الحسن المهدي وأحمد بن محمد القائم اليماني. اللهم إني أبرأ إليك من أعداء آل محمد وظالميهم، وإني حرب لمن حاربهم وعدو لمن عاداهم، محب لمن أحبهم، وأسأل الله أن يجعلني من شيعتهم ومواليهم ومن خدّام أنصارهم. لقد عانت فاطمة بنت محمد ص أقسى الظلامة والاستخفاف ممن تسلّط على رقاب المسلمين بعد أبيها ص، فتنكّرت خلافة السقيفة لكل القيم الإنسانية فضلاً عن الإسلامية تجاه أهل بيت النبي ص، وراحت تصب ظلمها على أهل بيته وبضعته الوحيدة التي خلّفها في أمته بلا رادع إنساني أو ديني، ولم تنحصر الظلامة بخلافة السقيفة فحسب بل استقطبت الأمة جمعاء إلاّ ما ندر؛ فلذا يقول أمير المؤمنين ع مخاطباً أبيها الرسول ص بعد أن وارى جثمانها الطاهر: (وستنبئك ابنتك بتظافر أُمتك على هضمها). وقالت (عليها السلام) وهي مخاطبة جموع الناس في مسجد أبيها ص: (يا مَعْشَرَ الْفِتْيةِ وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَحَضَنةَ الإِسْلامِ، ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فيِ حَقِّي وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامتِي. أما كانَ رَسُولُ اللهِ أبيِ يَقُولُ: "ألْمَرءُ يُحْفَظُ في وُلْدِهِ"). فلم تحفظ هذه الأمة كرامة بنت الرسول وسيدة نساء العالمين، حتى فارقت هذه الدنيا في حسرة وكمد يعجز القلم عن وصفهما ويكل اللسان عن بيانهما. صبت عليّ مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا ولكن كما قالت (عليها السلام): (فنعم الحكم الله والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون،...). ففارقت الزهراء الدنيا وقلبها يعتصر ألماً من تخاذل الأمة التي تنتسب لأبيها ص، وانقلابها على أهل بيت العصمة الذين اصطفاهم الله سبحانه وجعلهم أبواباً له سبحانه. وهذا الحيف والظلم الذي وقع عليها نجده مسطّراً في التاريخ على الرغم من المحاولات الجادة والمتكررة لحذف وتحريف ما جرى عليها، إلاّ أنّه سبحانه أزاح المستور وكشف حقيقة الظلامة التي وقعت على آل الرسول ص وبضعته الطاهرة، فقد حفلت مصادر السنة قبل الشيعة في بيان مظلومية الزهراء، وهذا ما سيجده القارئ الكريم في هذا الكتاب الذي يبينّ شيئاً من تلك الظلامة، إذ لا يستطيع الإنسان أن يجمع كل أطراف الظلامة التي جرت عليها، وبسط الكلام فيها في هذه الورقات القليلة. ولقد سجل تلك المظلومية العظمى مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لما وارى فاطمة (عليها السلام) الثرى فوقف معتصر القلب مجروح الفؤاد شاكياً آلامه لأخيه الذي ربّاه وحبيبه الذي كان له كالظل لصاحبه، والفصيل لأمّه فقال ع: (السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أنّ لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله [لي] أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين. سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واهاً واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر وإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان) ([1]). عبارات تبين عمق اللوعة بشكل جلي وعميق ...... قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة وأخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله ... أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج ..... وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ...... واهاً واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ولا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية ..... فبعين الله تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها وتمنع إرثها ....... ** ** ** ولأي الأمور تدفن سرّاً بنت مَنْ أم مَنْ حليلة مَنْ بضعة المصطفى ويعفى ثراها ويل لمن سن ظلمها وأذاها وأسال الله أن يكون ما سطّر في هذا البحث نافعاً للقراء الكرام، كما وأرجو منهم النصفة لحبيبة محمد فاطمة (عليها السلام)، فيختاروا نصرتها لا نصرة من ظلمها، والله ولي التوفيق. -لماذا كتاب مظلومية فاطمة (عليها السلام) ؟ أجدني حائراً أمام لطف الله سبحانه وكرمه، ويمتلكني الصمت الذي يخرس لساني ويجعله عاجزاً عن البيان، وكلما نظرت لنفسي وجدتها مليئة بالذنوب والمعاصي التي سودت وجهي أمام الله سبحانه وحججه الكرام، ولكن أملي بالكريم عظيم، فهو المبتدء بالنعم عليّ بلا استحقاق منّي، ولا أقول إنه سبحانه معطي الكثير بالقليل، فأني لا أجد حتى هذا القليل الذي أستحق به هذا التوفيق الإلهي. فهو سبحانه نعمه تتوالا على عباده طرّاً، وهو القائل: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾([2]). وقد مَنّ الله سبحانه على العبد الفقير الأسود الوجه أن درج اسمه وجعله من أنصار ولي الله الأعظم وخليفته في أرضه الإمام محمد بن الحسن العسكري ع وولده وفلذّة كبده، ووصيه ورسوله العظيم، مجمع علي وفاطمة، والعبد الحكيم، السيد أحمد الحسن ع لا حرمنا الله منه، فهو من أرشد لكتابة بحث وكتاب عن ظلامة أمّه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء البتول الحوراء روحي فداها. فقال ع كما جاء في كتاب مع العبد الصالح: (أيضاً: كتاب وبحث مهم حول كسر ضلع الزهراء: - تحقيق الروايات والدلالة على صحتها. - البحث من خلال روايات السنة وروايات الشيعة. - روايات اقتحام الدار. - روايات التهديد الذي صدر من الظلمة. - تحليل الروايات. كمثال: يمكنكم الاستفادة من رواية غضب فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر وعمر وطلبهم من أمير المؤمنين ع أن يدخلا على فاطمة ليطلبا منها أن تصفح عنهما وتغفر لهما ماعملاه، وإنهما دخلا على فاطمة وطلبا منها المغفرة ولم ترضَ عنهما، فلأي شيء طلبا المغفرة إن لم يكن اقتحام دارها وكسر الضلع ؟!! - أيضاً تغييب فاطمة موضع قبرها، ماهو السبب ؟؟؟ لأنها غاضبة منهم. - أيضاً حرص فاطمة (عليها السلام) أن لا يحضروا جنازتها، ماهو السبب ؟؟؟ - أيضاً بيان فضلها من كتب السنة، ولو لم يكن إلا رواية سيدة نساء العالمين لكفى، وهي يصححها حتى الوهابية) ([3]). وقد قيل: إنّ قيمة الرجل على قدر همته، ومن طلب شيئاً ناله أو نال بعضه، فإن لم أوفق لكل ما أرشد به ع فأسال الله سبحانه أن لا يحرمني بعضه، إنّه أهل الجود والكرم. فشرعت بكتابة هذه الأوراق في ظلامه الصديقة الطاهرة (عليها السلام)، ولكون أنّ آل محمد ص لا يُقدم على كلامهم كلام غيرهم، فهم سادة الحكمة ومنبعها فجاء اسم هذا الكتاب (فاطمة صديقة شهيدة) كما قال الإمام الكاظم ع حيث قال: (إنّ فاطمة "عليها السلام" صديقة شهيدة،... ) ([4]). فجاء هذا الكتاب الذي بين يدي الإخوة الكرام، وحاولت في هذا الكتاب توثيق الظلامة فقط، فلم أتعرّض بالتفصيل لفضائل ومناقب سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، بل تعرّضت لها بشكل مجمل سائلاً المولى سبحانه أن يوفقني للتعرّض لذلك في بحث آخر. وجعلت هذا البحث في خمسة أبواب، وفي كل باب فصول، وفي بعض الفصول عناوين متعددة. ولم أستطع في هذا البحث الإلمام بكل جوانب المظلومية، وذلك خشية الإطالة على القارئ الكريم من جهة، ولضيق الوقت من جهة ثانية، فأرجو من القرّاء الكرام أن يعذروني عن قصوري وتقصيري في البيان التام لمظلومية السيدة الشهيدة فاطمة (عليها السلام). وفي الختام أقول: إليك يا مَن أنقذتني من عبادة الأصنام وهديتني لعبادة الله ..... إليك يا مَن عرفتني الحق محمد وآل محمد الأئمة والمهديين .... إليك يا مجمع علي وفاطمة، وسرّها المستودع فيها، المخفي عبر الدهور والأزمان ..... إلى سيدي ومولاي اليماني أحمد الحسن ع ..... أرفع إليك يا سر البتول هذا الجهد البسيط الذي جمعته في بيان ظلامة أمّك سيدة النساء آملاً أن يحظى بالقبول بين يديك الكريمتين. أسأل الله تعالى الإخلاص لولايتك، والدفاع عنك وعن آبائك وأبنائك ص وأمّك الشهيدة فاطمة (عليها السلام). غرّة ربيع الثاني لسنة 1432 هجرية خادمك وخادم أنصارك عبد العالي المنصوري -الباب الأول وفيه فصول: الفصل الأول: من هم أهل البيت (عليهم السلام) ؟ الفصل الثاني: أهل البيت في القرآن الفصل الثالث: أهل البيت في السنّة الشريفة الفصل الرابع: ظلامة أهل البيت (عليهم السلام) الفصل الخامس: فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه -الفصل الأول: من هم أهل البيت في آية التطهير ؟ الأهل في القرآن: جاء لفظ الأهل في معاني عديدة: أولاً: الزوجة: فقد جاء في القرآن الكريم آيات يراد من لفظ الأهل فيها الزوجة، منها: قال تعالى: ﴿إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾([5]). وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾([6]). وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾([7]). فأهل موسى ع المقصود منها زوجته التي كانت معه آتية من مدين وقاصدة معه مصر، ولم يكن يصحبه غيرها أحد. وقال تعالى: ﴿وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([8]). كما أنّ الأهل في هذه الآية المراد منها الزوجة، أي زوجة عزيز مصر. ثانياً: الأسرة: وقد جاء لفظ الأهل بمعنى الأسرة أي: الزوجين والأولاد والمتعلقين بالرجل، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾([9])، ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾([10])، ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي﴾([11]). فالآية الأولى تشير إلى نجاة نبي الله لوط ع من العقوبة التي حلّت بقومه، والذي نجى من العذاب هو لوط وابنتيه، وحتى امرأته لم تنجُ من العذاب؛ لأنها خالفت أمر زوجها النبي، ووقفت مع من خالفوه. فالقرآن يعبر عن ابنتي لوط وزوجته بلفظ الأهل، واستثنى من أهل لوط الذين سينالهم العذاب زوجته، فأطلق لفظ الأهل على البنتين الناجيتين مع أبيهما لوط ع، وعلى زوجته التي لم تنجُ من العذاب. كما في الآية الثانية توجيه للمؤمنين بالاهتمام بأمر الصلاة وتوجيه الأهل لأداء هذه الفريضة الإلهية. والأخ باعتباره من الأقارب فيعد من الأهل كما في قول موسى بحق أخيه هارون عليهما السلام. فالآية الأولى والثانية جاء لفظ الأهل فيهما بالمعنى العرفي المعروف وهو الذرية، كما في الآية الأولى، والأزواج والذرية معاً كما في الآية الثانية. والأخ كما في الآية الثالثة. ثالثاً: أسرة الرجل المتوافقين معه في المنهج الفكري، كما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾([12])، فأهل نوح ع ليس من عاشوا معه في بيته، بل الذين اندمجوا معه في مبدئه والمؤمنون برسالته السماوية، فلذا نهاه الله تعالى أن يعد ابنه من أهله فقال سبحانه: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾([13]). رابعاً: مطلق الأقارب والعشيرة: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾([14])، ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ﴾([15]). فقد جاء في توضيح المراد من الأهل في الآيتين بأقارب الزوجين. خامساً: أبناء الرجل فقط: قال تعالى في قصة نبيه أيوب ع: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾([16])، ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ﴾([17]). فالأهل الذي آتاهم الله لنبيه أيوب بعد أن كشف الضر عنه هم أولاده. سادساً: أصحاب الشيء: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ﴾([18])، أي بأصحابه، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾([19])، أي إلى أصحابها. وقال تعالى في قصة موسى مع العبد الصالح عليهما السلام وخرق العبد الصالح للسفينة، فقال موسى ع: ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾([20])، أي أصحابها. ومن هنا يتضح أنّ لفظة الأهل في القرآن تطلق ويراد بها أكثر من معنى، تعرف من خلال تفسير الآيات ومن خلال السياق القرآني. ومن هنا يُعرف أنّ كلمة الأهل مطلقة لا بد من تخصيصها وتقييد إطلاقها من خلال قرينة ترافق الاستعمال، كأن يشير المتكلم إلى المقصود من كلامه، أو يبيّن للسامع المراد من لفظ الأهل في كلامه. ولهذا نجد الرسول صقد قيد كلمة أهل البيت؛ لأنه يعلم مرونة هذه الكلمة وانطباقها على أكثر من مورد، كما سيتضح ذلك فيما يأتي. وبسبب انطباقها على أكثر من مورد نشأت أقوال في تشخيص المراد من أهل البيت ص في آية التطهير: القول الأول: إنّ المراد بأهل البيت ص في آية التطهير هم: بنو هاشم عشيرة النبي ص جميعها. وهذا مختار الثعلبي، وقال به الحنفية من أهل السنة. القول الثاني: هم المؤمنون من بني هاشم وعبد المطلب دون غيرهم. وهو رأي الشافعية. القول الثالث: نساء النبي ص فقط. وهو قول عكرمة مولى ابن عباس، ومقاتل وعروة ومن سار على نهجهم. القول الرابع: أهل البيت هم الرسول وعلي وفاطمة والحسن والحسين ص ،مضافاً إلى أزواج النبي ص. واختار هذا القول الآلوسي في روح المعاني، وابن حجر العسقلاني. القول الخامس: المقصود بأهل البيت هم العباس ابن عبد المطلب وأبناؤه، وقد نسبوا حديثاً للرسول ص على غرار حديث الكساء. عن أبي أسيد الساعدي، قال: (قال رسول الله ص للعباس بن عبد المطلب: "يا أبا الفضل، لا ترم من منزلك أنت وبنوك غداً حتى آتيكم فإنّ لي فيكم حاجة". قال: فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى النهار فدخل عليهم فقال: "السلام عليكم"، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: "كيف أصبحتم ؟" قالوا: بخير نحمد الله تعالى، فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله ؟ قال: "أصبحت بخير أحمد الله تعالى"، فقال: "تقدّموا تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض حتى إذا مكنوه اشتمل عليهم بملاءته، ثم قال: يا رب، هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه"، قال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين) ([21]). القول السادس: أهل البيت ص هم رسول الله وعلى وفاطمة والحسنان ص. الأهل في اللغة: جاء لفظ الأهل في عدّة معاني في كتب اللغة: قال الزبيدي في تاج العروس: أهل الرجل: عشيرته وذوو قرباه، ومنه قوله تعالى: ﴿فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا﴾([22]). وقال الراغب: أهل الرجل: من يجمعه وإياهم نسب أو دين، أو ما يجري مجراهما، من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الأصل: من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به، فقيل: أهل بيته: من يجمعه وإياهم نسب أو ما ذكر، وتعورف في أسرة النبي ص مطلقاً ([23]). وقال صاحب الصحاح: وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضاً: أتباعه ([24]). المراد من كلمة بيت: جاءت في القرآن الكريم في مواضع عديدة في كتاب الله وسنة النبي ص، وأُريد أمرين: الأول: البيت النسبي، وهو جماعة من الناس تجمعهم رابطة القربى ويكونون إما جزء العشيرة أو القبيلة، قال تعالى: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([25])، والمراد من البيت في الآية نبي الله لوط وابنتاه. وجاء أيضاً بمعنى الجزء من القبيلة، فعن ابن عباس، قال: قال رسول الله ص: (إنّ الله ( قسم الخلق قسمين: فجعلني في خيرهما قسمة، وذلك قوله ( في ذكر أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثاً، فجعلني في خيرها ثلثاً، وذلك قوله (: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾([26])، وأنا من السابقين، وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله (: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([27])، فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله جل ثناؤه ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتاً، فجعلني في خيرها بيتاً، وذلك قوله (: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([28])) ([29]). الثاني: البيت المادي المعد للسكنى أو بيوت العبادة. قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾([30])، ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾([31])، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾([32]). أهل البيت في آية التطهير: جاء لفظ (أهل البيت) في القرآن الكريم مرتين: الأولى: في قوله تعالى: ﴿قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾([33]). ويراد بأهل البيت في هذه الآية أهل بيت نبي الله إبراهيم ع، فإبراهيم ع وزوجته سارة (عليها السلام)كلاهما من بيت واحد، لكون سارة ابنة عم إبراهيم ع. الثانية: في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([34]). والمراد بها أهل بيت النبي محمد ص. وأطلق المسلمون لفظ (أهل البيت) و (آل البيت) على أهل بيت محمد ص فقط، حتى صار اللفظ علماً عليهم لا يفهم منه غيرهم إلا بالقرينة. يقول الشيخ الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الآية الثالثة والثلاثون من سورة الأحزاب: (اتفقت الأمة بأجمعها على أنّ المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبينا ص....) ([35]). وننقل أهم رأيين ذُكرا في هذا الموضوع: الرأي الأول: المراد بأهل البيت نساء النبي خاصة. روى السيوطي في الدر المنثور أنّ عكرمة كان يقول عن الآية الثالثة والثلاثين من سورة الأحزاب ([36]): (من شاء باهلته أنّه نزلت في أزواج النبي ص) ([37])، ([38]). فتكون الآية خاصة بنساء النبي ص. الرأي الثاني: المراد بأهل البيت هم محمد ص، وعلي وفاطمة والحسن والحسين ص. وقفة مع الرأي الأول: يمكن أن يناقش الرأي الأول بعدة أمور: الأمر الأول: تصريح القرآن والسنة بخروج النساء عن مفاد الآية. فقد صرحت بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بعدم عصمة زوجات النبي ص ووقوع الخطأ الظاهر من بعضهن، وهو لا يتناسب مع إذهاب الرجس والتطهير المستفاد من الآية. وإليك بعض ما يدل على ذلك في بعض نساء النبي ص من القرآن الكريم والسنة الشريفة: أمّا القرآن الكريم؛ فقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾([39]). فقد روى الفريقان نزولها في عائشة وحفصة، وإليك بعضاً مما روي في ذلك: روى الطبري في تفسيره روايات كثيرة ([40])، وكذلك البخاري في صحيحة إنّ المتظاهرتين كانتا عائشة وحفصة، وأنّ نساء النبي ص فعلن ما يوجب اعتزاله إياهن تسعة وعشرين يوماً حتى نزلت آية التخيير: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ( وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾([41]). فلقد جاء في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس أنّه قال: (مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجّاً فخرجت معه، فلما رجعت وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه فقال تلك حفصة وعائشة ...) ([42]). لذا ذكر المفسرون أنّها في حفصة وعائشة، ففي تفسير ابن عباس: (توبا إلى الله يا عائشة ويا حفصة من إيذائكما رسول الله ومعصيتكما له) ([43]). وقال البيضاوي: (﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة) ([44]). وقال الزمخشري: (خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما)([45]). وقال في معرض تفسير قوله تعالى: (﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾([46])، وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين المذكورتين في أول السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله ص بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده، لما في التمثيل من ذكر الكفر ... والتعريض بحفصة أرجح، لأنّ امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله ص) ([47]). وقال الشيخ الطبرسي: (ثم خاطب سبحانه عائشة وحفصة، فقال: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ من التعاون على النبي ص بالإيذاء والتظاهر عليه) ([48]). فراجع غير من تقدّم ذكرهم عند بحثهم هذه الآية. وأمّا السنة؛ فقد روى الطبرسي عن الواحدي بالإسناد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: (كان رسول الله ص جالساً مع حفصة، فتشاجرا بينهما، فقال لها: "هل لك أن أجعل بيني وبينك رجلاً ؟" قالت: نعم. فأرسل إلى عمر. فلما أن دخل عليهما قال لها: تكلمي، فقالت: يا رسول الله، تكلم ولا تقل إلا حقاً ! فرفع عمر يده فوجأ وجهها، ثم رفع يده فوجأ وجهها، فقال له النبي ص: "كف"، فقال عمر: يا عدوة الله! النبي لا يقول إلا حقاً، والذي بعثه بالحق، لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي ! فقام النبي ص فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهراً، لا يقرب شيئاً من نسائه، يتغذّى ويتعشى فيها، فأنزل الله تعالى هذه الآيات !) ([49])، ([50]). ورويت نفس هذه الحادثة مع عائشة أيضاً ودخول أبي بكر عليها بدل عمر. روى الخطيب البغدادي عن عائشة قالت: (كان بيني وبين رسول الله ص كلام، فقال: "بمن ترضين أن يكون بيني وبينك ؟ أترضين بأبي عبيدة بن الجراح ؟" قلت: لا، ذاك رجل لين يقضي لك عليّ، قال: "أترضين بعمر بن الخطاب ؟" قلت: لا، إنّي لأفرق من عمر، فقال رسولص: "والشيطان يفرق منه"، فقال: "أترضين بأبي بكر ؟"، قلت: نعم! فبعث إليه فجاء، فقال رسول الله ص: "أقض بيني وبين هذه". قال: أنا يا رسول الله ؟ قال: "نعم"، فتكلم رسول الله ص، فقلت له: أقصد يا رسول الله. قالت: فرفع أبو بكر يده فلطم وجهي لطمة بدر منها أنفي ومنخراي دماً. وقال: لا أم لك فمن يقصد إذا لم يقصد رسول الله ص؟! فقال ص: "ما أردنا هذا"، وقام فغسل الدم عن وجهي وثوبي بيده) ([51]). وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن عائشة في حديث إلى أن تقول: فقال رسول ص: ("حولوا متاع عائشة على جمل صفية وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضى الركب"، قالت عائشة: فلما رأيت ذلك قلت: يا لعباد الله غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله ص، قالت: فقال رسول ص: "يا أم سلمة [يا أم عبد الله] ([52]) إنّ متاعك كان فيه خف وكان متاع صفية فيه ثقل فأبطأ بالركب فحولنا متاعها على بعيرك وحولنا متاعك على بعيرها"، قالت: فقلت ألست تزعم أنك رسول الله ص، قالت: فتبسم فقال: "أو في شك أنت يا أم عبد الله ؟!" قالت: قلت ألست تزعم أنك رسول الله فهلا عدلت ! وسمعني أبو بكر - وكان فيه غرب أي حِدّة - فأقبل عليّ ولطم وجهي، فقال رسول الله ص: "مهلاً يا أبا بكر، فقال: يا رسول الله أما سمعت ما قالت") ([53]). وجاء في صحيح البخاري، عن نافع، عن عبد الله، قال: (قام النبي ص خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: (هنا الفتنة - ثلاثاً - من حيث يطلع قرن الشيطان) ([54]). وروى أحمد في المسند: عن ابن عمر، قال: خرج رسول ص من بيت عائشة فقال: (رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان) ([55]). كما أنها هي التي أغضبت النبي ص وكذبت عليه، وأهانت خديجة (عليها السلام) إهانات صريحة. حتى قالت للنبي يوماً: هل كانت إلا عجوزاً حمراء الشدقين ؟ فتألم النبي ص من قولها. تقول عائشة: (فتمعّر ([56]) وجهه - أي وجه النبيص - تمعّراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى ينظر أرحمة أم عذاب) ([57]). فانظر - وكن منصفاً - أيها القارئ إلى الفتن التي كانت تحيكها عائشة مع حفصة في بيت الطهر والطهارة! فكانتا معروفتان بالفتن حتى أنّ عثمان عندما تشاجر مع حفصة وعائشة قال فيهما: إنّ هاتان الفتانتان، إلا تنتهيان أو لأسبنكما ما حل لي السباب، وإنّي لأصلكما لعالم([58]). فكانت عائشة تعيش التذبذب والتناقض السلوكي، فظهرت في أفعالها عدّة مفارقات، فكانت تلعن عثمان وتأمر بقتله لكفره، ثم لم تلبث أن خرجت تطالب بدمه ! وكذلك مع معاوية، فكانت راضية عليه عندما كان يغدق عليها في العطاء، ثم لم تلبث أن لعنته ! كما أنها وقفت موقفاً معادياً لخليفة رسول الله ص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وحاربته. ولو لم ترتكب سوى مقاتلتها لإمام زمانها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في حرب الجمل، بعد إجماع الأمة على إمامته، وبعد سماعها قول النبي الأعظم ص فيه: (علي مع الحق والحق مع علي) ([59])، وقوله ص: (علي قسيم الجنة والنار) ([60])، وقوله ص: (من فارق علياً فقد فارقني ومن فارقني فقد فارق الله) ([61]) لكفى بها جرماً كبيراً تكون به من أهل النار. تلك الحرب التي قضى بسببها نحو ستة عشر ألفاً وسبعمائة وتسعون رجلاً من المسلمين. ولطالما حذّرها الرسول ص وحذّر منها ومن فعلها، وأوصى أمير المؤمنين ع بالرفق بها، فحذّرها من مسيرها لحرب علي ع وذكر لها قصة كلاب الحوأب ونبحها إياها ([62])، حتى أنها أرادت خداع أم سلمة لكي تخرج معها لكنها رفضت بشدّة وقدّمت لها النصيحة. روى ابن أبي الحديد المعتزلي، عن أبي مخنف: قال أبو مخنف: (جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبي أمية، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله ص، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله ص يقسم لنا من بيتك، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك، فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة، فقالت عائشة: إنّ عبد الله أخبرني أنّ القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في شهر حرام، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة، فأخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا بنا، فقالت أم سلمة: إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلا نعثلاً، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله ص، أفأذكرك ؟ قالت: نعم، قالت: أتذكرين يوم أقبل ع ونحن معه، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال، خلا بعلي يناجيه، فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما، فنهيتك فعصيتني، فهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك ؟ فقلت: إني هجمت عليهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا بن أبي طالب ويومي ! فأقبل رسول الله ص عليَّ، وهو غضبان محمّر الوجه، فقال: ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان، فرجعت نادمة ساقطة ! قالت عائشة: نعم، أذكر ذلك. قالت: وأذكرك أيضاً، كنت أنا وأنت مع رسول الله ص، وأنت تغسلين رأسه، وأنا أحيس له حيساً، وكان الحيس يعجبه، فرفع رأسه، وقال ص: يا ليت شعري، أيتكن صاحبة الجمل الأذنب، تنبحها كلاب الحوأب، فتكون ناكبة عن الصراط ! فرفعت يدي من الحيس، فقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك، ثم ضرب على ظهرك، وقال: إياك أن تكونيها، ثم قال: يا بنت أبي أمية، إياك أن تكونيها يا حميراء، أما أنا فقد أنذرتك، قالت عائشة: نعم، أذكر هذا. قالت: وأذكرك أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله ص في سفر له، وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله ص فيخصفها، ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل، فأخذها يومئذٍ يخصفها، وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر، فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب، ودخلا يحادثانه فيما أراد، ثم قالا: يا رسول الله، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزعاً ؟ فقال لهما: أما إني قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرقتم عنه، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران، فسكتا ثم خرجا، فلما خرجنا إلى رسول الله ص قلت له - وكنت أجرأ عليه منّا -: من كنت يا رسول الله مستخلفاً عليهم ؟ فقال: خاصف النعل، فنظرنا فلم نر أحداً إلا علياً، فقلت: يا رسول الله، ما أرى إلا علياً، فقال: هو ذاك، فقالت عائشة: نعم، أذكر ذلك. فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله، فقالت: أنت ورأيك،.فانصرفت عائشة عنها) ([63]). وبعد ما تقدّم ندرك سبب تمنّي رسول الله ص موت عائشة ودفنها في حياته، كما يروي البيهقي في السنن الكبرى وغيره: قالت عائشة: (وا رأساه. فقال ص: "وددت أن ذلك يكون وأنا حي فأصلي عليك وأدفنك". فقلت غيراً: أوكأنك تبر ذلك، لكأني أراك في ذلك اليوم معرّساً ببعض نساء!)([64]). فمن يعلم أنّ زوجته سوف تفعل كل هذه الأفاعيل بعد وفاته ألا يتمنى موتها ؟! ومع هذا كله كيف لعاقل أن يقول بأنّ عائشة وحفصة من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ؟ وكيف تشمل آية التطهير من كان كل وقتها، إمّا معصية لله ولرسوله أو لوليه، أو إعمال الفتن في بيت العصمة والطهارة، أو إهانة لخديجة (عليها السلام) أو غيرة منها، أو سيراً لمحاربة إمام زمانها، أو للغناء المحرّم، أو اللعب بالدمى، أو للنظر في المرآة واللعب بالمكحلة ؟ قالت عائشة لأبي هريرة يوماً: (إنك تحدث عن رسول الله بأشياء ما سمعتها منه ؟! فقال لها: إنه كان يشغلك عن تلك الأحاديث المرآة والمكحلة!!) ([65]). أوليس نزول آيات النساء بسبب أذيتهن لرسول الله ص ؟! والتي فيها تأنيب وتهديد بالطلاق إذا اخترن الدنيا !! فكيف يطهرهن الله في الوقت الذي عصين النبي ص وشككن في عدالته !! فمن مجموع ما تقدّم يقطع الإنسان بخروج نساء النبي عن آية التطهير، وخاصة بعد ملاحظة منع الرسول ص لأم سلمة (رضوان الله عليها) من الدخول تحت الكساء، وليس هذا المنع جزافياً، كما لا يخفى على أولي الألباب. الأمر الثاني: الروايات المتواترة عند الخاصة، والصحيحة عند العامة التي تنص على نزول آية التطهير في الخمسة أصحاب الكساء، محمد وعلي وفاطمة والحسنان ص. أمّا الخاصة، فالروايات متواترة عندها على اختصاص النزول بأصحاب الكساء، ومع التواتر نستغني عن البحث في الروايات الصحيحة غير المتواترة. وأمّا العامة، فرووا عدّة روايات صحيحة في ذلك، ونذكر بعضاً منها كي لا نطيل على القارئ الكريم: أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة، قالت: (خرج النبي ص غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾) ([66]). وأخرج أحمد في مسنده عن أم سلمة تذكر: (أنّ النبي ص كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت لها عليه، فقال لها: ادعي زوجك وابنيك، قالت فجاء علي والحسين والحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري قالت وأنا أصلي في الحجرة فأنزل الله ( هذه الآية ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾. قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً". قالت: فأدخلت رأسي البيت، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله ؟ قال: "إنّك إلى خير، إنّك إلى خير") ([67]). وأخرج ابن حبان في الصحيح عن واثلة بن الأسقع، قال: (سألت عن علي في منزله فقيل لي: ذهب يأتي برسول الله ص، إذ جاء فدخل رسول الله ص ودخلت، فجلس رسول الله ص على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه، وعلياً عن يساره، وحسناً وحسيناً بين يديه وقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، اللهم هؤلاء أهل بيتي) ([68]). وأخرج الحاكم في مستدركه بسنده عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: (لما نظر رسول الله ص إلى الرحمة هابطة قال: "ادعوا لي ادعوا لي". فقالت صفية: من يا رسول الله ؟ قال: "أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين". فجيء بهم فألقى عليهم النبي ص كساء ثم رفع يديه، ثم قال: "اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد، وأنزل الله (: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ﴾). قال: هذا حديث صحيح الإسناد ([69]). وأخرج أيضاً عن أم سلمة قالت: (في بيتي نزلت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ﴾، قالت: فأرسل رسول الله ص إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. قالت أم سلمة: يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنك إلى خير، وهؤلاء أهل بيتي، اللهم آل بيتي أحق). قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ([70]). وأخرج أبو يعلى بسنده عن أم سلمة: (أنّ النبي ص غطّى على علي وفاطمة وحسن وحسين كساء ثم قال: "هؤلاء أهل بيتي، إليك لا إلى النار". قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله، وأنا منهم؟ قال: "لا، وأنت على خير") ([71]). وأخرج الطبراني عن واثلة، قال: (إني عند رسول الله ص ذات يوم إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فألقى عليهم كساء له، ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً") ([72]). هذا بعض من تلك النصوص الصحيحة التي دلت على أنّ آية التطهير نزلت في النبي محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. أقوال علماء العامة: فلذلك نص الكثير من علماء العامة على أنّ المراد بأهل البيت ص هم أصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسنان ص، وإليك عبارات بعضهم: قال الطحاوي في مشكل الآثار بعد ذكر أحاديث الكساء: (فدل ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله ص إلى أم سلمة مما ذكرنا فيها، لم يرد أنها كانت مما أريد به مما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأن المراد بما فيها هم رسول الله ص وعلي وفاطمة والحسن والحسين دون ما سواهم). وقال بعد ذكر أحاديث تلاوة النبي ص الآية على باب فاطمة: (في هذا أيضاً دليل على أن هذه فيهم) ([73]). وقال الفخر الرازي: (وأنا أقول: آل محمد ص هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله ص أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل) ([74]). وقال أبو بكر الحضرمي في رشفة الصادي: (والذي قال به الجماهير من العلماء، وقطع به أكابر الأئمة، وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم سيدنا علي وفاطمة وابناهما ... وما كان تخصيصهم بذلك منه ص إلا عن أمر إلهي ووحي سماوي ... والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وبما أوردته منها يعلم قطعاً أنّ المراد بأهل البيت في الآية هم علي وفاطمة وابناهما رضوان الله عليهم، ولا التفات إلى ما ذكره صاحب روح البيان من أن تخصيص الخمسة المذكورين ص بكونهم أهل البيت من أقوال الشيعة، لأن ذلك محض تهور يقتضي بالعجب، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين - إلى أن يقول - وقد أجمعت الأمة على ذلك فلا حاجة لإطالة الاستدلال له) ([75]). وقال الحافظ الكنجي في كفاية الطالب: (الصحيح إنّ أهل البيت علي وفاطمة والحسنان)([76]). وقال القندوزي في ينابيعه: (أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين لتذكير ضمير عنكم ويطهركم) ([77]). وقال الآلوسي: (وأنت تعلم أنّ ظاهر ما صح من قوله ص: "إني تارك فيكم خليفتين - وفي رواية ثقلين - كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض". يقتضي أنّ النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين) ([78]). وأكتفي بهذا القدر من نقل أقوال علماء العامة في تشخيص المراد من أهل البيت ص الذين ذكروا في آية التطهير المباركة، ومن أراد أقوال الآخرين من علمائهم فيطلبها في محلها. الأمر الثالث: احتجاج أهل البيت ص وغيرهم بآية التطهير. قد احتج الأئمة الطاهرين ص وغيرهم بآية التطهير، وبينوا المراد من لفظ أهل البيت الوارد فيها في محاججات كثيرة وأنه مختص بأصحاب الكساء والأئمة المعصومين ص، في الوقت الذي لم يحتج بها أحد من نساء النبي ص، وإليك بعض تلك الاحتجاجات: احتجاج الإمام علي ع: فقد احتج أمير المؤمنين ع في مواطن عديدة، فقد احتج على أبي بكر، فقال ع: (فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك ؟ قال: بل لك ولأهل بيتك) ([79]). واحتج على جملة من الصحابة منهم أبو الدرداء أبو هريرة فقال: (يا أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، فجمعني رسول الله ص وفاطمة وحسناً وحسيناً في كساء واحد ثم قال: اللهم هؤلاء أحبتي وعترتي وثقلي وخاصتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. فقالت أم سلمة: وأنا ؟ فقال ص لها: وأنت إلى خير، إنّما أنزلت فيّ وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني حسن وحسين وفي تسعة من ولد الحسين خاصة ليس فيها معنا أحد غيرنا. فقام جل الناس فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، وسألنا رسول الله صفحدثنا كما حدثتنا أم سلمة) ([80]). واحتج على الصحابة أيضاً يوم الشورى قال ع: (أنشدكم الله هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير على رسوله ص: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، فأخذ رسول الله كساء خيبرياً فضمني فيه وفاطمة والحسن والحسين ع ثم قال: يا رب، هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً غيري ؟ قالوا: اللهم لا) ([81]). احتجاج الإمام الحسن ع: فقد روي احتجاجه بآية التطهير في مواطن: منها: احتجاجه بعد الصلح، كما روى ذلك ابن الأثير في كتابه أسد الغابة، قال: ولما بايع الحسن معاوية خطب الناس قبل دخول معاوية الكوفة فقال: (أيها الناس، إنّما نحن أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وكرر ذلك حتى ما بقى إلاّ من بكى حتى سمع نشيجه ...) ([82]). ومنها: احتجاجه على عمرو بن العاص، قائلاً: (إياك عني، فإنك رجس ونحن أهل بيت الطهارة أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً) ([83]). احتجاج الإمام الحسين ع: قال ع لمروان بعد رفضه بيعة يزيد: (إليك عني، فإنك رجس وإني [وإنا] أهل بيت الطهارة قد أنزل الله تعالى فينا: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾. فنكس مروان رأسه ولم ينطق) ([84]). احتجاج الإمام زين العابدين ع: وهو ما اشتهر عنه ع مع شيخ دمشق قال له: (هل قرأت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾؟ قال: نعم، قد قرأت ذلك. قال ع: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ) ([85]). احتجاج العقيلة زينب (عليها السلام): قالت (عليها السلام) لابن زياد: (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد ص وطهرنا من الرجس تطهيراً) ([86]). احتجاج ابن عباس: قال في حديث طويل إلى أن يقول: (وأخذ رسول الله ص ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾) ([87]). احتجاج سعد بن أبي وقاص: أخرجه مسلم في صحيحه، عنه قال: (قال رسول الله ص لعلي ثلاثاً: لأن تكون لي واحدة أحب إليّ من حمر النعم .....: ولما نزلت هذه الآية: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ﴾ دعا رسول الله ص علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي) ([88]). احتجاج واثلة بن الأسقع: فعن شداد أبي عمار، قال: (دخلت على واثلة وعنده قوم فذكروا علياً فشتموه فشتمته معهم، فلما قاموا قال: شتمت هذا الرجل ؟ قلت: رأيت القوم شتموه فشتمته معهم. قال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله ؟ قلت: بلى. قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت: توجه إلى رسول الله ص، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله ومعه علي وحسن وحسين أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو كساء، ثم تلا هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق) ([89]). الأمر الرابع: خروج النساء عن آية المباهلة وعن حديثي الثقلين والأمان. فقد اتفق السنة والشيعة على أنّ المراد بأنفسنا في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾([90]) النبي ص وعلي، وبنسائنا فاطمة، وبأبنائنا الحسن والحسين ص. فأخرج مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، والترمذي في السنن: (أنه لما نزلت هذه الآية: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾، دعا رسول الله ص علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي) ([91]). كما أنّ الرسول ص صرّح في حديث الثقلين وحديث الأمان بعترته، فقال: (وعترتي أهل بيتي). فالمراد من العترة هم أهل بيت النبي ص ومن الواضح اختصاص العترة بعلي وفاطمة والحسن والحسين ص وعدم شموله للنساء، فلا يوجد قائل بدخول النساء في حديث الثقلين ولا في حديث الأمان. لذا روي عن علي بن موسى الرضا ع حينما سأله المأمون العباسي: (من العترة الطاهرة؟ قال ع: الذين وصفهم الله في كتابه فقال (: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ﴾، وهم الذين قال رسول الله ص: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ([92]). قال الآلوسي: (وأنت تعلم أنّ ظاهر ما صح من قوله ص: "إني تارك فيكم خليفتين - وفي رواية ثقلين - كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض". يقتضي أنّ النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت ص الذين هم أحد الثقلين) ([93]). الأمر الخامس: إنّ جمهور العامة أوجبوا الصلاة على الآل في الجملة. أكثر أصحاب الشافعي قالوا بوجوب الصلاة على الآل في الصلاة، حتى اشتهر عن الشافعي قوله ([94]): يا أهل بيت رسول الله حبكم كفاكم من عظيم القدر أنكم  فرض من الله في القرآن أنزله من لم يصل عليكم لا صلاة له  وجاء في أمتاع الأسماع للمقريزي: (وأيضاً فإنّ الصلاة حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي رحمه الله وغيره كما سيأتي، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجبها فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها أو لا يستحبها لسائر المؤمنين) ([95]). وقال الفخر الرازي: إنّ الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب، وقال الشافعي رضي الله عنه ([96]): يا راكباً قف بالمحصب من منى سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى إن كـان رفضا حب آل محمد  واهتف بساكن خيفها والناهض فيضا كما نظم الفرات الفائض فليشهـد الثقلان أنى رافضي  ثم أنه قد رووا النهي عن الصلاة البتراء، ففي جواهر العقدين والصواعق المحرقة، عن النبي ص قال: (لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء. قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد وتسكتون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)([97])، ([98]). وفي رواية: (فقيل: من أهلك يا رسول الله ؟ قال ص: علي وفاطمة والحسن والحسين ص) ([99]). فروايات الصلاة على النبي ص والآل في التشهد متواترة. في الوقت نفسه أنّ نساء النبي ص غير داخلات في الآل، وهذا ما أشار إليه غير واحد من علماء العامة، فقال السخاوي في القول البديع في بيان صيغة الصلاة في التشهد: (فالمرجع أنهم من حرمت عليهم الصدقة، وذكر أنه اختيار الجمهور ونص الشافعي، وأنّ مذهب أحمد أنهم أهل البيت، وقيل: المراد أزواجه وذريته) ([100]). فلو كان أهل البيت ص هم الأزواج أو داخلات في أهل البيت ص لما نقل القول الثاني. وروى الصنعاني في المصنف عن الثوري، وسمعته وسأله رجل عن قوله: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فقال: اختلف فيهم، فمنهم من قال: آل محمد أهل بيته، ومنه من يقول: من أطاعه) ([101]). فحصر الآل في آل محمد وأهل بيته، ومن أطاعه فقط، ولم يذكر نساء النبي ص، فهذا يدل على عدم وجود قائل يقول بدخول نساء النبي ص في الصلاة على الآل في زمن سفيان الثوري. الأمر السادس: إنّ تفسير أهل البيت بنساء النبي ص يلزم منه مخالفة السياق. وذلك من وجوه: الوجه الأول: بلحاظ اختلاف الضمائر، حيث إنّ مخاطبة نساء النبي ص بضمير المؤنث، أمّا مخاطبة أهل البيت في آية التطهير فبضمير الجمع. فروي عن زيد بن علي ص، قال: (إنّ جهالاً من الناس يزعمون أنما أراد بهذه الآية أزواج النبي ص، وقد كذبوا وأثموا، لو عنى بها أزواج النبي ص لقال: ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيراً، ولكان الكلام مؤنثاً كما قال: واذكرن ما يتلى في بيوتكن ... ولا تبرجن .... لستن كأحد من النساء) ([102]). الوجه الثاني: بلحاظ المدح والذم، حيث إنّ خطاب نساء النبي ص جاء للمعاتبة والتأديب، أما خطاب أهل البيت فجاء بلسان المدح، بل بما هو فوق المدح. قال العلامة المجلسي: (مخاطبة الزوجات مشوبة بالمعاتبة والتأنيب والتهديد، ومخاطبة أهل البيت ص محلاة بأنواع التلطف والمبالغة في الإكرام، ولا يخفى بعد إمعان النظر المباينة التامة في السياق بينها وبين ما قبلها وما بعدها) ([103]). الوجه الثالث: بلحاظ أفراد البيت، حيث لو كان المراد به نساء النبي ص لقالت الآية: أهل بيوت النبي أو بيوتكم، فالتعبير بلفظ المفرد - البيت - يدل أنّ المراد ليس بيوت نساء النبي ص. الأمر السابع: تفسير أهل البيت بنساء النبي ص يلزم منه مخالفة أهل اللغة. فقد صرّح أهل اللغة بعدم دخول النساء في أهل بيت الرجل إلا مجازاً، وهو يحتاج إلى قرينة مفقودة في المقام، قال الزبيدي: من المجاز: الأهل للرجل: زوجته، ويدخل فيه الأولاد ([104]). وقال ابن منظور: (سئل النبي ص: اللهم صل على محمد وآل محمد .. من آل محمد ؟ قال قائل: أهله وأزواجه. كأنه ذهب إلى أنّ الرجل تقول له: ألك أهل ؟ فيقول: لا، وإنّما يعني أنه ليس له زوجة، قال: وهذا معنى يحتمله اللسان، ولكنه معنى كلام لا يعرف إلا أن يكون له سبب كلام يدل عليه، وذلك أن يقال للرجل: تزوجت ؟ فيقول: ما تأهلت، فيعرف بأول الكلام أنه أراد ما تزوجت) ([105]). ويؤيد ما تقدّم عن أهل اللغة أمور: الأول: قوله (: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾([106]). روى محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: جعلت فداك من الآل؟ قال: "ذريته محمد ص"، قال: فقلت: ومن الأهل ؟ قال: "الأئمة ص"، فقلت: قوله (: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾، قال: "والله ما عنى إلا ابنته") ([107]). وفي كمال الدين: (ما عنى إلا ابنيه) ([108]). الثاني: قوله (: ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾([109])، وقوله (: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ﴾([110])، وقوله (: ﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾([111]). ولم ينج مع نوح ع إلا المؤمن كما يشير القرآن إلى ذلك، أمّا زوجة نوح فكانت خارجة؛ لأنها لم تكن من الذين آمنوا، بل من الذين كفروا بنص القرآن. الثالث: قوله ( في قصة لوط ع: ﴿قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾([112]). ومن المعلوم أنّ لوطاً ع لم يأخذ امرأته معه، بل سار ببناته. الرابع: قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ﴾([113]). فإنّ زوجة لوط ع لم تكن داخلة في الآية، لأنّها كافرة، والآية جاءت في مقام الامتنان عليهم. الأمر الثامن: المشهور والمعروف عند الفريقين، وخاصة في تأليفاتهم استعمال كلمة أهل البيت في عترة وذرية رسول الله ص، وهم، علي وفاطمة والحسنان ص، وعدم استعمالها في زوجات النبي ص، ولهذا يعنونون أبحاث نساء النبي ص بـ‍ (زوجات رسول الله ص أو نسائه). فأحمد ذكر في المسند أهل البيت: الحسن والحسين (عليهما السلام). ولم يذكر عائشة ولا أم سلمة بل أفردهما مع نساء النبي. وكذلك البغوي لم يذكر تحت عنوان (مناقب أهل بيت النبي) سوى أصحاب الكساء، وأفرد للنساء باباً خاصاً. وكذا فعل الخطيب التبريزي في المشكاة، والمقريزي في فضل آل البيت. وكذلك ابن حجر في صواعقه حيث قال: (الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها)، ولم يذكر نساء النبي. والترمذي ذكر في مناقب أهل البيت الحسن والحسين دون النساء. نعم، في مقام تفسير آية التطهير يدعي بعض العامة نزولها في نساء النبي ص، والعلة في ذلك باتت واضحة لدى القارئ الكريم. خلاصة القول: بعد كل ما تقدّم من الأخبار والروايات الصحيحة والأقوال والاحتجاجات يتضح المراد بأهل البيت ص، وهم الذين نزلت فيهم آية التطهير، وهم الخمسة أصحاب الكساء، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ص، وواقعة الكساء مشهورة بين الرواة والمحدثين والمفسرين. حتى المتعصب ابن تيمية المعروف بعدائه لأهل البيت ص قال: (أمّا حديث الكساء فهو صحيح ([114])، وقال: إنّ المختص بأهل البيت هم الأربعة علي وفاطمة والحسن والحسين) ([115]). ولكن مع ذلك كله يبقى البعض ينكر اختصاص نزول الآية في أصحاب الكساء ! وقد اتضح للقارئ الكريم ما فيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. * * * -الفصل الثاني: أهل البيت في القرآن الكريم إنّ كثيراً من آيات القرآن الكريم تشير إلى فضل أهل البيت ص، حتى جاء في بعض الروايات أنّ ربع القرآن فيهم ص كما روي ذلك في تفسير فرات الكوفي، ونقله عنه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، عن ابن عباس، عن النبي ص قال: (القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل فينا كرائم القرآن) ([116]). ونذكر بعضاً من تلك الآيات: الأولى: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([117]). وقد تقدّم الكلام عن هذه الآية في البحث الأول، فراجع. الثانية: قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾([118]). روى البخاري في صحيحه عند تفسير هذه الآية عن كعب بن عجرة، قال: (قيل: يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة ؟ قال، قولوا: "اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد") ([119]). وعن أبي سعيد الخدري، قال: (قلنا: يا رسول الله، هذا التسليم، فكيف نصلي عليك، قال: "قولوا: اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم") ([120]). وروى مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى عن أبي مسعود الأنصاري، قال: (أتانا رسول الله ص ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك ؟ قال: فسكت رسول الله ص حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله ص: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم") ([121]). وروى الحاكم بالمستدرك ما نصه: حدثني أبو الحسن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، ثنا جدي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة الحزامي، ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثني عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، قال: (لما نظر رسول الله ص إلى الرحمة هابطة قال: "ادعوا لي ادعوا لي"، فقالت صفية: من يا رسول الله ؟ قال: "أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين"، فجيء بهم فألقى عليهم النبي ص كساءه ثم رفع يديه ثم قال: "اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد"، وأنزل الله (: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد صحّت الرواية على شرط الشيخين أنه علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله. حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد، ثنا أحمد بن زهير بن حرب، ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا أبو فروة، حدثني عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: (لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي ص. قلت: بلى. قال: فأهدها إليّ، قال: سألنا رسول اللهص، فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال: "قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"). وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح، وإنما خرجته ليعلم المستفيد أنّ أهل البيت والآل جميعا هم. وأبو فروة هو عروة بن الحارث الهمداني من أوثق التابعين بالكوفة ([122]). الثالثة: قال تعالى: ﴿قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾([123]). عن ابن عباس أنه قال: (لما نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم، قال: "علي وفاطمة وابناهما") ([124]). ويشهد له ما أخرجه الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس قال: ﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ ([125])، قال: المودة لآل محمد ص) ([126]). قال الشيخ شمس الدين ابن العربي ([127]): رأيـت ولائي آل طه فريضـة فما طلب المبعوث أجرا على الهدى  على رغم أهل البعد يورثني القربا بتبليغـه إلا المـودة في القـربى  وقال آخر ([128]): هم العـروة الوثقى لمعتصم بها مناقب في شورى وسورة هل أتى وهم آل بيت المصطفى فودادهم  منـاقبهم جاءت بوحي وإنـزال وفي سورة الأحزاب يعرفها التـالي على الناس مفروض بحكم وإسجال  وقال ثالث ([129]): هم القوم من أصفاهم الود مخلصا هم القـوم فاقوا العالمين مناقبـا مـوالاتهم فرض وحبهـم هدى  تمسك في أخراه بالسبب الأقوى محـاسنهم تجلى وآثارهم تروى وطاعتـهم ود وودهـم تقوى  الرابعة: قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾([130]). أخرج الثعلبي في تفسيره عن الإمام جعفر الصادق ع أنه قال: (نحن حبل الله الذي قال الله فيه: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾) ([131]). وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: (كنا عند النبي ص إذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، سمعتك تقول: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ﴾، فما حبل الله الذي نعتصم به ؟ فضرب النبي ص يده في يد علي وقال: "تمسكوا بهذا، هو حبل الله المتين") ([132]). فوجب على الناس معرفة حبل الله الذي لابد من الاعتصام به في كل زمان والالتفاف حوله وعدم التفرّق والتشرذم، فالاعتصام الهادي من الضلال إنّما يكون باتباع آل محمد ص، لذا قرنهم النبي ص بالقرآن وجعلهم العدل الثاني الذي يعصم الأمة من الضلال والتيه والحيرة، كما جاء ذلك في حديث الثقلين. ومن هنا إذا تفرّقت الأمة عن آل محمد ص وأصبح كلامهم ص خفيفاً عند الأمة ستكون هذه الأمة ضائعة قد سقطت في حيرة وفي فتن لا ينجو منها إلا من تمسك بحبلهم ص، فهم ص سفن النجاة التي لابد أن يركب فيها من يريد النجاة من الغرق. الخامسة: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([133]). قال ابن شهرآشوب في المناقب: (دخل الحسن بن صالح بن حي على الإمام جعفر الصادق فقال: يا ابن رسول الله ،ما تقول في قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾، مَن أولي الأمر الذين أمر لله بطاعتهم ؟، قال: "العلماء". فلما خرجوا قال الحسن: ما صنعنا شيئاً، إلا سألناه: من هؤلاء العلماء ؟ فرجعوا إليه فسألوه فقال: "الأئمة منا أهل البيت") ([134])، ([135]). السادسة: قال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾([136]). عن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي ص، في قوله (: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾، قال: (يا سين محمد ص، ونحن آل ياسين) ([137]). وعن ابن عباس في قوله (: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ قال: (على آل محمد ص) ([138]). السابعة: قال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾([139]). عن أبي سعيد الخدري إنّ النبي ص قال في قوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾، قال: (مسؤلون عن ولاية علي وأهل البيت) ([140]). وفي لسان الميزان: عن مجاهد: (وقفوهم إنهم مسؤلون عن ولاية علي) ([141]). الثامنة: قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾([142]). عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر ع في قول الله تبارك وتعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾، (فنحن الناس المحسودون على ما أتانا الله الإمامة دون خلق الله) ([143]). وعن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله ع، قال: (يا أبا الصباح، نحن الناس المحسودون وأشار بيده إلى صدره) ([144]). التاسعة: قال تعالى: ﴿إِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾([145]). عن النبي ص: (والله - يا علي - ما خلقت إلا ليعبد ربك، ولتعرف بك معالم الدين، ويصلح بك دراس السبيل، ولقد ضل من ضل عنك، ولن يهتدي إلى الله ( من لم يهتد إليك وإلى ولايتك، وهو قول ربي (: ﴿إِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾، يعني إلى ولايتك. ولقد أمرني ربي تبارك وتعالى أن افترض من حقك ما افترضه من حقي، وإن حقك لمفروض على من آمن بي، ولولاك لم يعرف حزب الله، وبك يعرف عدو الله، ومن لم يلقه بولايتك لم يلقه بشيء، ولقد أنزل الله ( إلي ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ يعني في ولايتك يا علي ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾([146])، ولو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي، ومن لقي الله ( بغير ولايتك فقد حبط عمله، وعد ينجز لي، وما أقول إلاّ قول ربي تبارك وتعالى، وإن الذي أقول لمن الله ( أنزله فيك) ([147]). وعن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، قال: (سألت أبا عبد الله ع عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾، قال: ومن تاب من ظلم، وآمن من كفر وعمل صالحاً ثم اهتدى إلى ولايتنا، وأومى بيده إلى صدره) ([148]). العاشرة: قال تعالى: ﴿لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾([149]). عن أمير المؤمنين ع أنه قال: (إنّ رسول الله ص قال: أشفع لأمتي حتى يناديني ربي: أرضيت يا محمد ؟ فأقول: نعم يا رب رضيت. ثم إنّ أمير المؤمنين التفت إلى جماعة وقال: يا أهل العراق، تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله (: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ ....﴾ الآية، وإنا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله: ﴿لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، وهي والله الشفاعة ليعطيها في أهل لا إله إلا الله حتى تقول: رب رضيت) ([150]). وعن الإمام الصادق ع: (دخل رسول الله ص على فاطمة عليها كساء من جلد الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله ص لما أبصرها فقال: يا بنتاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقد أنزل الله تعالى عليّ ولسوف يعطيك ربك فترضى)([151]). الحادية عشر: قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([152]). وجاء في احتجاج الإمام علي بن الحسين ع على الشيخ الشامي: (ولكن هل قرأت هذه الآية ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾، [قال الشيخ: قد قرأت ذلك، قال علي ع] فنحن ذو القربى يا شيخ) ([153]). الثانية عشر: قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾([154]). عن أبي برزة، قال: (قرأ رسول الله ص هذه الآية، فقام إليه رجل وقال: أي بيوت هذه يا رسول الله ؟ فقال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر وقال يا رسول الله: هذا البيت منها، وأشار إلى بيت علي وفاطمة ؟ فقال الرسول ص: نعم من أفضلها) ([155]). * * * -الفصل الثالث: أهل البيت في السنّة الشريفة لقد بيّن النبي ص في كثير من الروايات منزلة أهل بيته ص وبيان فضلهم على الأمة، وحث الرسول ص المسلمين على مودتهم ومولاتهم، ونهاهم عن بغضهم والتقصير في حقهم؛ لأنهم سفن النجاة، وأعلام هداية الأمة، وخلفاء الله في أرضه، وخزان علمه ومعادن وحيه سبحانه. فقد جاءت الروايات الكثيرة عن لسان النبي ص التي تبين منزلة أهل بيته ص، وإلى القارئ الكريم بعضاً مما روي في ذلك: جاء عن النبي ص أنه قال: (من مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا من مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد، فتح له في قبره بابان إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد ومات على السنة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة، ألا ومن مات على بغض آل محمد فلا نصيب له في شفاعتي) ([156]). وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله ص: (من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي) ([157]). وروى ابن شهر آشوب في المناقب: عن رسول الله ص يقول: (من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي، وهي جنة الخلد فليتول علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم باب هدى، ولن يدخلوكم باب ضلالة) ([158]). وروى أيضاً: عن النبي ص: (في كل خلق من أمتي عدل من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) ([159]). وعنه ص: (واجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين) ([160]). إلى غير ما تقدّم من الروايات الكثيرة التي تبيّن فضل أهل البيت ص، ونكتفي بما تقدّم كي لا نطيل على القارئ الكريم. * * * -الفصل الرابع: ظلامة أهل البيت (عليهم السلام) توجد عدّة سنن إلهية وقوانين اجتماعية عاصرت وأعقبت دعوات الأنبياء وأوصيائهم ص، وهذه السنن قد بيّنها الله تعالى في كتابه الكريم، وبينها نبينا العظيم ص وحذّر الأمة منها حرصاً منه على هداية أمته إلى طريق الحق وسوقها لرضوان الله تعالى. فلو تتبعنا التاريخ الطويل لوجدنا أن دعوات الصالحين من الأنبياء والأوصياء تقارنها حركات ضلال، فكل نبوة تقترن بوجود مضلين، فتكون الناس فرقتين وطائفتين، طائفة تمثل الحق وطائفة تمثل الباطل، وتتمثل الأولى بحركة الأنبياء والثانية بحركة الضالين المضلين. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عدواً شَيَاطِينَ الآنْسِ وَالْجِنِّ﴾([161]). فلكي يفوز الإنسان ويكون من أهل الدار الآخرة لابد أن يتبع الأنبياء، والأوصياء الذين يمثلون الخط الطبيعي الذي يرث الأنبياء ص. ومن هنا جاء قانون الاختبار والامتحان والفتنة، قال الله تعالى: ﴿ألـم ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾([162]). روى معمر بن خلاد، قال: (سمعت أبا الحسن ع يقول: ﴿ألـم ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾، ثم قال لي: ما الفتنة ؟ قلت: جعلت فداك الذي عندنا الفتنة في الدين، فقال: يُفتنون كما يُفتن الذهب، ثم قال: يخلصون كما يخلص الذهب)([163]). وعن أبي عبيدة بن الجراح، عن عمر بن الخطاب، قال: (أخذ رسول الله ص بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ! أتاني جبريل آنفاً فقال لي: إنا لله وإنا اليه راجعون، فقلت: أجل إنا لله وإنا إليه راجعون، فممَّ ذاك يا جبريل ؟ فقال: إنّ أمتك مفتتنة بعدك بقليل من دهر غير كثير! فقلت فتنةَ كفر أو فتنةَ ضلالة ؟ فقال: كلٌّ سيكون! فقلت: ومن أين وأنا تارك فيهم كتاب الله ؟ قال: فبكتاب الله يفتنون وذلك من قبل أمرائهم وقرائهم، يمنع الناس الأمراء الحقوق فيظلمون حقوقهم ولايعطونها فيقتتلون ويفتتنون، ويتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ! فقلت كيف يسلم من سلم منهم ؟ قال بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه) ([164]). وكما أخبر تعالى في كتابه الكريم فقال: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوشَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوشَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾([165]). فتبيّن الآية السنّة الجارية بين الأمم واختلافها واقتتالها بعد الرسل، ووقوع الفتن بين الأمة بعد الرسل. روى عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه قال: (قلت لأبي جعفر ع: إنّ العامة يزعمون أنّ بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضاً لله جل ذكره، وما كان الله ليفتن أمة محمد ص من بعده ؟ فقال أبو جعفر ع: أو ما يقرؤون كتاب الله أو ليس الله يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوقُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾؟ قال: فقلت له: إنهم يفسّرون على وجه آخر، فقال: أوليس قد أخبر الله ( عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعدما جاءتهم البينات، حيث قال: ﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوشَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَر وَلَوشَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد﴾) ([166]). فحصل انقلاب على الأعقاب بعد رحيل محمد ص، وهذا ما صرّح به القرآن وروايات آل محمد ص. فبدأت ظاهرة الانقلاب على تعاليم الدين التي أسسها النبي ص وجاهد وكافح من أجل تثبيتها، فانقلبت الأمة على أهل بيته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وتركوا كل وصايا نبيهم ص بآل بيته وكأنّهم لم يسمعوا! وبدت الضغائن المخزونة في صدور القوم تظهر كما أخبر النبي ص بذلك. عن علي ع، قال: (بينا رسول الله ص آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة ! فقال: إن لك في الجنة أحسن منها، ثم مررنا بأخرى فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة ! قال: لك في الجنة أحسن منها، حتى مررنا بسبع حدائق، كل ذلك أقول ما أحسنها ويقول: لك في الجنة أحسن منها، فلما خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً، قلت: يا رسول الله، ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، قال: قلت: يا رسول الله، في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك) ([167]). إلا أنه لم يروَ من الضغائن والغدر الذي مرّ به آل محمد ص إلا القليل، والسبب يعود لمنعهم من تدوين الحديث، وعندما بدأت حركة التدوين كانت بإشراف بني أمية وفي عهدهم ودولتهم، فمن كان عنده شيء من تلك الأمور التي أشار إليها رسول الله ص لم يروه خوفاً، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره، ومن نقله إلى الآخرين، حتى إنّ من كان عنده كتاب فيه شيء مما أخبر به رسول الله ص وذكر فيه آل بيته ص، أخذوه منه، أو أخفاه ولم يظهره لأحد. يقول ابن عدي في الكامل عند ترجمته لشيخ البخاري، وهو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، قال: (ولعبد الرزاق بن همام أصناف حديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلا أنّهم نسبوه إلى التشيع، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا، وأمّا في باب الصدق فأرجو أنه لا بأس به، إلا أنّه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير) ([168]). فلأنه روى أحاديث في فضائل آل البيت ص، وروى مثالب آخرين، فلم يوافقه أحد على ذلك ! ورموه بذلك ! فمن الطبيعي أن لا يصلنا كل ما وقع، وأن لا تصلنا تفاصيل الحوادث، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والأحاديث، ومع ملاحقة المحدثين والرواة، ومع منعهم من نقل الأحاديث المهمة، مضافاً إلى حرق الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأي شكل من الأشكال. من بعد هذه القرون المتطاولة، ومن بعد هذه الحواجز والموانع، لا نتوقع أن يصل إلينا كل ما وقع، وإنما يمكننا العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدثين وبعض المؤرخين. إلا أنّه على الرغم من ذلك وصل إلينا ما يبيّن المظلومية التي حلت بساحة آل محمد ص. النبي (صلى الله عليه وآله) يوصي بأهل بيته (عليهم السلام): قال رسول الله ص: (أذكركم الله في أهل بيتي) ([169]). وفي صحيح مسلم أنه ص كرّر هذه العبارة ثلاث مرّات فقال: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) ([170]). وقال ص: (أيها الناس، لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً، ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة، ألا وإن هذا الأمر له أصحاب وآيات قد سمّاهم الله في كتابه، وعرفتكم وبلغتكم ما أرسلت به إليكم ولكنّي أراكم قوما تجهلون، لا ترجعن بعدي كفاراً مرتدين متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السنة بالهوى، لأنّ كل سنة وحدث وكلام خالف القرآن فهو رد وباطل، القرآن إمام هدى، وله قائد يهدي إليه ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ولي الأمر بعدي وليه، ووراث علمي وحكمتي وسري وعلانيتي، وما ورثه النبيون من قبلي، وأنا وارث ومورث فلا تكذبنكم أنفسكم، أيها الناس؛ الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح الظلم، ومعدن العلم، علي أخي ووارثي، ووزيري وأميني، والقائم بأمري والموفي بعهدي على سنتي، أول الناس بي إيماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأوسطهم لي لقاء يوم القيامة، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا ومن أم قوماً إمامة عمياء وفي الأمة من هو أعلم منه فقد كفر، أيها الناس ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا، ومن كانت له عدة فليأت فيها علي بن أبي طالب، فإنّه ضامن لذلك كله حتى لا يبقى لأحد علي تباعة) ([171]). وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: أيها الناس، سمعت نبيكم ص يقول: (احفظوني في عترتي وذريتي، فمن حفظني فيهم حفظه الله، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم، ثلاثاً) ([172]). وعن عبد الله بن مسعود، قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله ص فأقبل نفر من بني هاشم أو فتية من بني هاشم فلما رآهم رسول الله ص أحمر وجهه واغرورقت عيناه فقلنا: يا رسول الله، ما نزال نرى في وجهك الشيء تكرهه، فقال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون من بعدي تطريداً وتشريداً حتى يجئ قوم من ها هنا من قبل المشرق وأصحاب رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه ثم يسألون الحق فلا يعطونه، قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، فيقاتلون فيعطون ما يسألوا فلا يقبلون حتى يدفعونها إلى رجل من أهلي بيتي يملاها عدلاً كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك الزمان فليأتهم ولو حبواً على الثلج) ([173]). وكما أنّه ص يبث شكواه إلى الله تعالى مما يُفعل بعترته، فقال ص: (إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم والمضيعين لحرمتهم بعدي، كفى بالله ولياً وناصراً لعترتي وأئمة أمتي ومنتقماً من الجاحدين لحقهم، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾) ([174]). تحذير النبي (صلى الله عليه وآله): حذّر ص من مغبة ظلم آل محمد ص في مواطن عديدة، فقال ص: (الويل لظالمي أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار) ([175]). وقال ص: (إنّ الله حرّم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أغار عليهم أو سبهم)([176]). وقال ص: (المستحل من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي) ([177]). وقال ص: (اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي) ([178]). وقال ص: (اشتد غضب الله على من أراق دمي وآذاني في عترتي) ([179]). إخباره (صلى الله عليه وآله) باضطهاد وظلم وصيه: قال ص: (أنت وصيي من بعدي، وأنت المظلوم المضطهد بعدي) ([180]). وعنه ص: (يا علي، أبشر بالشهادة، فإنك مظلوم بعدي، ومقتول) ([181]). وقال ص لعلي ع: (أما أنك ستلقى بعدي جهداً، قال ع: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك) ([182]). وعن علي بن الحسين السجاد ع، عن رسول الله ص: (قال لي جبرائيل: يا محمد؛ إنّ أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمتك، متعوب من أعدائك..) ([183]). إلى غير ذلك من الاخبارات والتحذيرات التي ذكرها قبل وفاته ص. * * * -الفصل الخامس: فَلمّا اخْتارَ اللهُ لنَبِيّهِ دارَ أنْبِيائهِ وَمَأْوى أصْفِيائهِ ([184]) لقد التحق الرسول محمد ص بالرفيق الأعلى ([185])، كغيره من أنبياء الله ورسله الذين بلّغوا شرائع الله سبحانه وتعالى، وترك بعده أمّة قد بذل وسعة من أجل هدايتها ورفع الضلال والحيرة عنها، فكان حريصاً على هدايتها حتى قال فيه الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾([186])، وكان يتحسّر على ضلال أمته، حتى قال فيه سبحانه وتعالى: ﴿... فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾([187])، كما تحسّر رب العزّة على ضلال العباد بسبب تكذيبهم للرسل والأنبياء الاستهزاء بهم، فقال (: ﴿يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾([188]). ووصفه أمير المؤمنين ع بقوله: (إِلَى أَنْ بَعَثَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اَللَّهِ ص لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَإِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ، مَأْخُوذاً عَلَى اَلنَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ، كَرِيماً مِيلاَدُهُ، وَأَهْلُ اَلْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَوَائِفُ مُتَشَتِّتَةٌ بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِي اِسْمِهِ أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ اَلضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ اَلْجَهَالَةِ. ثُمَّ اِخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ ص لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ اَلدُّنْيَا، وَرَغِبَ بِهِ عَنْ مُقَارَنَةِ اَلْبَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً، وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ اَلْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلاَ عَلَمٍ قَائِمٍ) ([189]). وبعد أنّ رحل النبي ص ظهر في الأمة الحقد الدفين ضد آل بيت النبوة ص، كما أخبر بأنهم سيضهرونها بعد رحيله بقوله: (ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني) ([190]). وروى سليم بن قيس أنه ص قال لعلي ع: (....، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه، وإنّ موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم) ([191]). فكانوا يتربصون بآل محمد الدوائر كما بيّنت ذلك سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السيلام) أيضاً في خطبتها الكبرى؛ حيث قالت: (وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ص، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمراً ناصحاً، مجداً، كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النـزال، وتفرون من القتال ...)، فكان هناك حقد دفين على آل بيت النبي ص، وكان القوم يكتمون ذلك، فلما ارتحل النبي ص ظهر ما كان مكتوماً في نفوس القوم، وهذا ما أرخته الزهراء فاطمة (عليها السلام) في قولها: (فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحشمكم فألفاكم غضاباً فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر، ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأني تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ بئس للظالمين بدلاً، ومن يبتع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ...) ([192]). ووقعت الفتنة التي أخبرت عنها الزهراء حبيبة محمد ص، وكان لهذه الفتنة قادتها كسائر الفتن التي وقعت بعد رحيل الأنبياء في الأمم السابقة، وهذه سنّة الله تعالى التي لا تتبدل ولا تتحول، قال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([193])، ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([194])، ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾([195])، ﴿اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾([196]). فقد شاءت مشيئته سبحانه ( بوقوع الفتن في الأمم واقتتالها بعد رسلها: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾([197]). عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه قال: (قلت لأبي جعفر ع: إنّ العامة يزعمون إنّ بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا لله جل ذكره، وما كان الله ليفتن أمة محمد ص من بعده ؟ فقال أبو جعفر ع: أو ما يقرؤون كتاب الله أو ليس الله يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾([198])، قال: فقلت له: إنّهم يفسرون على وجه آخر. فقال: أوليس قد أخبر الله ( عن الذين من قبلهم من الأمم أنّهم قد اختلفوا من بعدما جاءتهم البينات، حيث قال: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾) ([199]). وعن حمران بن أعين، قال: (قلت لأبي جعفر ع: جعلت فداك ما أقلنا، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ! فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة ! قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمار ؟ قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان، بايع وقتل شهيداً، فقلت في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة ! فنظر إليّ فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة! أيهات أيهات) ([200]). الحيلولة دون كتابة الوصية أمام الملأ: لقد اشتد المرض برسول الله محمد ص، ولكنه لم يشغله ثقل المرض عن اهتمامه الكبير في مستقبل أمته الإسلامية، فأكد على تجهيز جيش أسامة ويقول لكل من يعوده في مرضه من أصحابه (أنفذوا جيش أسامة) ([201])، وأصر على ذلك بقوله ص: (أنفذوا جيش أسامة ولا يتخلف إلا من كان عاصياً لله ولرسوله). فلما سار أسامة بعسكره على أميال من المدينة بلغهم مرض رسول الله ص، فرجع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجراح، فلما دخلوا على رسول الله ص تغيّر لونه، وقال: (اللهم إني لا آذن لأحد أن يتخلف عن جيش أسامة). فهمّ أبو بكر بالرجوع إلى أسامة واللحوق به، فمنعه عمر ([202]). فقد أمرهم النبي ص بالخروج من المدينة مع جيش أسامة، لكي يبعد العناصر المتآمرة على خلافة رسول الله ص، لأنّ نواياهم السيئة بدت تلوح في الأفق وستجلب الويلات للأمة. واجتمع الصحابة في داره ص ولحق بهم من تخلّف عن جيش أسامة، فوبخهم النبي صلكنهم اعتذروا بأعذار واهية، فحاول النبي ص أن يعرقل المؤامرة السياسية التي انعقدت على تنفيذها النفوس الضعيفة، فأمر الحاضرين عنده أن يأتوه بصحيفة ودواة لكي يكتب لهم ما فيه ضمانهم من الانحراف لكن رفض ذلك عمر بن الخطاب ، وأتهم النبي ص بالهجر والهذيان - وحاشاه - كل ذلك ليحول بين النبي صوبين كتابته الكتاب. وهذا ما رواه العامة فضلاً عن الخاصة، وإليك بعضاً ممّا رواه العامة في المقام: أخرج البخاري بسنده: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال بعضهم: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا. قال عبيد الله: فكان يقول ابن عباس: إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم) ([203]). وأخرج أيضاً: عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، قال عمر: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ([204])، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه) ([205]). وأخرج أحمد في مسنده: (حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده، وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطاب فقال عمر إنّ رسول ص قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، قال: فاختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول يكتب لكم رسول الله ص أو قال قربوا يكتب لكم رسول الله ص ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف وغم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قوموا عني، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم) ([206]). وأخرج البخاري بسنده، عن ابن عباس أيضاً، أنه قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس، فقال: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله ([207])، قال ص: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. قال: ونسيت الثالثة) ([208]). وأخرج مسلم بسنده: عن ابن عباس، قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله ص: إئتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إنّ رسول الله يهجر) ([209]). وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر، قال: (لما مرض النبي قال: إئتوني بصحيفة ودواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله، قال عمر: فقلت إنكن صويحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه ! قال: فقال رسول الله: دعوهن فإنهن خير منكم)([210]). إلى غير ذلك من النصوص المروية في كتب العامة التي ذكرت رزية الخميس. إنّ كثرة اللغط والاختلاف والتنازع الواقع بين الحاضرين وارتفاع الأصوات منع الرسول ص وصارت الكتابة لا تجدي نفعاً بعد وقوف الكثير إلى جانب عمر بن الخطاب وتأييدهم لموقفه الرافض لكتابة الوصية، فلو أصر النبي ص على الوصية لأصروا باتهامه - وحاشاه - بالهجر لكي يبطلوا مفعول الوصية، وسيحصل تشكيك في كل ما يقوله النبي ص، لذا فرأى النبي ص أن يحسم الموقف، فأمرهم بالخروج عنه وبلهجة شديدة لم تعهد من رسول الله ص! فقال لهم: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، أو قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. فمن الطبيعي أن لا يوصي النبي ص لهؤلاء المطرودين الذين أرادوا إبطال وصية رسول الله ص في يوم الخميس واتهموه بالهجر المانع من الوصية. وهذا ما كان يريده بل ما يتمناه عمر بن الخطاب والحاضرون الذين يؤيدونه، فنجح عمر بن الخطاب ومن معه في منعهم الرسول ص من الوصية أمام الملأ، إلاّ أنه لم يستطع أن يمنعها مطلقاً، بل جاءت الروايات بنص وصية النبي ص التي أوصى بها لوصيه علي بن أبي طالب ع في ليلة وفاته، وسيأتي نصها فانتظر. فكانت مؤامرة عمر بن الخطاب واضحة، وقد اعترف بها بعد ذلك في محاورة دارت بينه وبين ابن عباس. يقول ابن عباس: (دخلت على عمر في أول خلافته ... قال: من أين جئت يا عبد الله ؟ قلت: من المسجد، قال: كيف خلفت ابن عمك ؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر، قلت: خلفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعن ذلك، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان وهو يقرأ القرآن. قال: يا عبد الله! عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة ؟ ... قلت: نعم، وأزيدك، سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق. فقال عمر: لقد كان من رسول الله ص في أمره ذرو ([211]) من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام! لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبداً، ولو وليها لانتفضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله ص أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلاّ إمضاء ما حتم) ([212]). وروى الطبري أنّ عمر قال لابن عباس: (يا ابن عباس، ما منع علياً من الخروج معنا ؟ قلت: لا أدري، قال: يا ابن عباس، أبوك عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت ابن عمه فما منع قومكم منكم ؟ قلت: لا أدري، قال: لكني أدري يكرهون ولا يتكلم لهم، قلت لم ونحن لهم كالخير ؟! قال: اللهم غفراً يكرهون أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة فيكون بجحاً بجحاً لعلكم تقولون إنّ أبا بكر قفل ذلك لا والله ولكن أبا بكر أتى أحزم ما حضره ولو جعلها لكم ما نفعكم مع قربكم) ([213]). كل ذلك مؤشر واضح على المؤامرة التي حاكها عمر بن الخطاب ومن معه، لذا بادر لمنع الوصية لعلمه المسبق أنّ الرسول ص سيوصي لعلي ع، فمنع من إحضار الدواة والكتف، وإلاّ فلو علم عمر بن الخطاب أنّ الوصية به لسارع إلى الدواة والكتف كما سارع بها عند موت صاحبه أبو بكر ولم يقل حسبنا كتاب الله. فقد روى الطبري عن قيس، قال: (رأيت عمر بن الخطاب وهو يجلس والناس معه وبيده جريدة، وهو يقول أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يقول إني لم ألكم نصحاً، قال ومعه مولى لأبي بكر يقال له شديد معه الصحيفة التي فيها استخلاف عمر) ([214]). قال الديلمي ([215]): وصى النبي فقال قائلهـم قـد ظل يهجر سيد البشر ورووا أبا بكر أصاب ولم يهجر وقد أوصى إلى عمر فلم يقل عمر بن الخطاب إنّ أبا بكر يهجر ! ولم يختلف الحاضرون، ولا كثر اللغط، ولا تدخلت النساء ! بل أمر الناس بالاستماع والطاعة لما يقوله أبو بكر، كل ذلك دليل كاشف على المؤامرة العمرية على خلافة رسول الله ووصيه ص، وإلاّ فكيف تكون لأبي بكر قيمة وقداسة عند عمر بن الخطاب وحزبه أكثر من قيمة الرسول وقداسته؟! إنّ هذا لمن عجائب الزمان !!! ثم إنّ عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة لم يمنعه أحد من الوصية وكتابة التوجيهات التي يريد بيانها، ولم يقل له أحد بأنك تهجر أو غلبك الوجع، أو حسبنا كتاب الله، بل وصى بكل ما يريد، فعهد بظاهر الحال لستة أفراد بينهم علي ع وعثمان، ولعثمان بن عفان بواقع الأمر، أفهل لعمر بن الخطاب مقاماً وقدسية أكبر من قدسية رسول الله محمد ص ؟؟!! اللهم إلا أن يكون الخليفة أفضل من الرسول ص، وهذا فساده واضح لا نخوض فيه. فلم يحدثنا التأريخ بأنّ أحداً منع أحداً من الوصية على الإطلاق؛ لأنها من حق كل إنسان، فلكل إنسان الحق بأن يوصي بما يشاء في حال مرضه وصحته. فلو أن شخصاً عادياً مريضاً أراد أن يوصي قبل موته، فجاء أحد أولاده أو أقربائه أو أصدقائه فشوش عليه، وقال عنه بأنه يهجر أو غلبه الوجع، وحال بينه وبين ما أراد الإيصاء به، أفلا يثير ذلك استنكار جميع الحاضرين، وعدم رضاهم بفعله ؟ فكيف برسول الله ص، قائد الإسلام العظيم ؟! ومن الغريب دفاع أهل السنة اليوم عن الصحابة وإعطائهم القدسية مع أنّ الكثير منهم وافق عمر بن الخطاب في موقفه الرافض للوصية، واتهامه للنبي ص بالهجر وغلبة الوجع ! فأي قدسية لصحابة اتهموا النبي ص بالهجر وأنه يخرّف والعياذ بالله ! ومنعوه من أن يوصي لأمته في آخر حياته، وحرموا الأمة من الاستماع لآخر كلمات نبيها ص وهو يريد توديعها، هذا بعض ما جناه بعض الصحابة !! فأين عدالتهم التي يتشدّق بها أهل السنة ويكفروا من لم يقل بها ؟! أفلا يكون الصحابة مسؤولين عمّا جرى للمسلمين منذ تلك الرزية وإلى قيام الساعة ؟! أليس الأولى بالصحابة أن يقفوا مع نبيهم ص ؟؟!! وقفة مع الروايات المتقدمة: يلاحظ في هذه النصوص عدّة ملاحظات، منها: أولاً: إنّ البخاري أراد أن يهذّب العبارة التي قالها عمر، لما فيها من الجسارة على النبي ص فقال: (قال عمر: إنّ النبي غلبه الوجع). والحال أن النصوص الأخرى تثبت لفظاً آخر وهو (هجر رسول الله) كما في رواية مسلم المتقدمة، وفي البعض الآخر (يهجر) كما في رواية صحيح مسلم المتقدمة أيضاً وغيرها ([216]). واللفظان مؤداهما واحد، فسواء جاءت الرواية بلفظ يهجر أو غلبه الوجع يكون معناه الاختلاط في الكلام والهذيان فيه نعوذ بالله. وهذا لا يليق بساحة رسول الله محمد ص الذي نزهه القرآن عن كل ما فيه نقص، وأمر المسلمين بإتباعه، فليت شعري ألم يقرأوا قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ( مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾([217]). وقوله (: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ ( وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ( تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾([218]). قوله (: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾([219]). إلى كثير من أمثال هذه الآيات البينات المنصوص فيها على عصمة قوله ص من الهجر والهذيان حاشا المصطفى ص منهما !! إلا أنّ الحقيقة أنهم كانوا يثقفون الناس على اتهام النبي ص بذلك، وهذا ما رواه الحاكم في مستدركه: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ص وأريد حفظه، فنهتني قريش عن ذلك قالوا: تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله ص، ورسول الله ص يتكلم في الرضى والغضب! قال: فأمسكت، فذكرت ذلك للنبي ص فأشار بيده إلى فيه، فقال: (أكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق) ([220]). فكيف يعتقد المسلم المؤمن برسول الله محمد ص أنه يتأثر في الرضى والغضب، وهو ص الذي عدّ العدل وقول الحق في الرضا والغضب من المنجيات، فقد روى المتقي الهندي في كنز العمال: عنه ص أنه قال: (ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث درجات، وثلاث كفارات، قيل: يا رسول الله، ما المهلكات ؟ قال: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. قيل: فما المنجيات ؟ قال: تقوى الله في السر والعلانية، والاقتصاد في الفقر والغنى، والعدل في الرضى والغضب. قيل: فما الكفارات ؟ قال: نقل الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإتمام الوضوء في اليوم البارد عند السبرات) ([221]). فإن لم يكن عند رسول الله ص صفات الناجين، فعند من تكون تلك الصفات إذن ؟! فحاولوا ترسيخ هذا الاعتقاد في أذهان الناس لكي يمهدوا لمنع رواية الحديث عنه ص؛ لأنهم قد اكتفوا بكتاب الله تعالى (حسبنا كتاب الله) !! وهذا ما حصل بالفعل، فقد منعوا تدوين الحديث وبرروا ذلك بدعوى الخوف من اختلاط السنة بالقرآن !! فإذا كانت السنة - وهي كلام الرسول محمد ص عندهم - بهذه الدرجة التي يمكن أن تختلط بالقرآن العظيم، ولا يميز القارئ بينهما بحسب سبك اللفظ وسمو المعنى كيف ساغ لعمر بن الخطاب ومن تبعه أن يستغني عنها ؟؟!! قال تعالى: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾([222]). ثانياً: نجد البخاري يقول في رواية: (وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ... فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع)، بينما في الرواية الأخرى يحاول أن لا ينسب تلك الكلمة لعمر، فقال: (فقالوا: هجر رسول الله)، فينسب ذلك القول إلى أناس مجهولين حرصاً منه على شخصية عمر بن الخطاب ولينـزه ساحة عمر من هذه الجسارة على رسول الله ص. ولو تأمل القارئ في تبريراتهم الجوفاء التي أرادوا منها الدفاع عن عمر بن الخطاب، لوجدهم يبررون لعمر بن الخطاب وينزهونه حتى لو استلزم ذلك الإساءة للنبي ص، فقد قال ابن حجر، وهو يدافع عن مقولة عمر بن الخطاب: قوله غلبه الوجع، أي فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتابة، وكأنّ عمر رضي الله عنه فهم من ذلك أنه يقتضى التطويل ([223]). فلاحظوا كم يدافع ابن حجر عن عمر بن الخطاب وكم يسيء لرسولنا الكريم محمد ص؟! أفهل في كلام الرسول ص الذي لا ينطق إلا بالوحي تطويل ؟! وهل هذا التطويل - وهو غير موجود قطعاً فإنه ص سيد حكماء بني الإنسان - يستغني عمر والصحابة الحاضرون عن سماعه ؟! فكيف علم ابن حجر بأنّ عمر فهم ذلك ؟! ثم كيف فهم عمر بن الخطاب أنّ كلامه ص يقتضي التطويل ولم يفهم علي بن أبي طالب ع الذي كان حاضراً ؟ وهو باب مدينة علم رسول الله ص، وقد أقر بفضله وعلمه عمر وغيره ([224]). فنجد الكثير يصر على براءة ساحة عمر بن الخطاب حتى لو أدى إلى الإساءة إلى الرسول ص. ومما يضحك الثكلى قول البعض: أن عمر أشفق على رسول الله ص، لذا منع النبي ص من الوصية ! ولا نعلم كيف علم القائل قصد عمر بن الخطاب ولم يعلمه النبي ص ؟! ثم أنه لو كان إشفاقاً لشكرهم النبي ص ولما طردهم ص، ولما حصل لغط واختلاف بين الحاضرين، ولما قالت لهم النساء الحاضرات وأمرنهم بأن يأتوا بالدواة والكتف! ثم أنّ عمر لماذا لم يشفق على أبي بكر ويمنعه من الوصية له ؟! وقد تقدّمت الإشارة إلى بعض هذه التبريرات والتوجيهات السقيمة المذكورة في المقام، فراجع هوامش هذا الفصل. ثالثاً: إنّ تصريح عمر بقوله: (حسبنا كتاب الله) يتنافى مع ما يعرفه المسلمون من رسول الله ص، حيث إنّه ص ذكر في أكثر من موضع وبألفاظ متعددة حديث الثقلين واعتبر التمسك بهما هو العاصم من الضلال، فكيف ساغ لعمر أن يعارض النبي صويتمسك بثقل واحد فقط، وهو القرآن ؟ كل ذلك حرصاً منه على سلب الحجية من كلام الرسول ص لكي لا تكترث الناس بما يريد أن يوصي به، ولكي تضيع مناقب وفضائل أهل البيت ص؛ ولهذا أصرّوا على منع كتابة الحديث بعد وفاته ص، كما منعوا من الوصية في حياته ص أمام الملأ. وتنص بعض الروايات على أنهم منعوا كتابة حديث الرسول ص قبل وفاته بل زمان صحته ص. كما تقدّم عن عبد الله بن عمرو بن العص حينما نهته قريش عن كتابه ما يقوله النبي ص. فقد كشفوا النقاب في حديثهم مع عبد الله بن عمرو بن العاص عن سبب منعهم من كتابة حديث الرسول، وهو خشيتهم من أن يروى عنه حديث في حق أناس قاله فيهم حال رضاه عنهم، وفي حق آخرين ما قاله في حال غضبه عليهم. ومن هنا نعرف سبب منعهم كتابة وصية الرسول ص في آخر ساعات حياته، وإحداثهم اللغط والضوضاء. ثم ليته اكتفى بعدم الامتثال ولم يرد قوله ص بقوله: (حسبنا كتاب الله)، وكأنّه لا يعلم بمكان كتاب الله من آل محمد ص، وأنهم أعلم الناس بخواص الكتاب وفوائده !! فلماذا لم يتبع القائل حسبنا كتاب الله، كتاب الله إذ يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([225]). رابعاً: قول البخاري: (.. وأوصى عند موته بثلاث: ....، ونسيت الثالثة)، فلماذا نسي الراوي الثالثة ؟ السر في ذلك أنّ الثالثة كانت تنص وتؤكد موضوع الخلافة والإمامة، فأراد ص النص بها على علي ع خاصة، وعلى الأئمة من عترته عامة، فصدّوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه وبين ابن عباس ([226]). وإذا تأمل القارئ سيرة النبي ص، يجد ربطاً تفسيرياً بين قوله ص: (إئتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده)، وقوله في حديث الثقلين: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ([227])، ومن خلال هذا الربط يُعلم أنّ المرمى في الحديثين واحد، وأنه صأراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين، ولأجل أهمية الأمر إلى يوم القيامة تجد ابن عباس بكى حتى خضب دمعه الحصباء. إلى غير ذلك من الملاحظات التي يجدها القارئ الكريم. هل أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ من الأخطاء الاعتقادية التي سارت عليها الأمة الإسلامية طيلة الفترة الماضية القول بأنّ النبي ص لم يوصِ إلى أن جاء قائم آل محمد ويمانيهم الإمام أحمد الحسن ع، وكشف الستار عن كثير من العلوم والحقائق العظيمة الجليلة، ومما كشفه وبيّنه للناس مسألة الوصية وتصحيح الاعتقاد الخاطئ الذي سارت عليه الأمة الإسلامية سواء منها السنّة أو الشيعة، فبيّن ع وصية رسول الله ص التي أوصى بها ليلة وفاته لخليفته ووزيره علي بن أبي طالب ع، ولقد نقل تلك الوصية الشريفة الشيخ الطوسي في كاتبه الموسوم بالغيبة، وإليك أيها القارئ الكريم نص تلك الوصية: قال الشيخ: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ع، قال: (قال رسول الله ص - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي ع: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إماماً سماك الله تعالى في سمائه: علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا برئ منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص. فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين) ([228]). ولقد أوصى النبي ص هذه الوصية بعد رزية الخميس حينما حضرته الوفاة كما أخبر بذلك علي بن أبي طالب ع. روى الشيخ النعماني في الغيبة عن سليم بن قيس: (إنّ علياً ع قال لطلحة - في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم -: يا طلحة، أليس قد شهدت رسول الله ص حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف، فقال: صاحبك ما قال: إنّ رسول الله يهجر، فغضب رسول الله وتركها ؟ قال: بلى قد شهدته. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله ص بالذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليه العامة، وأنّ جبرئيل أخبره بأنّ الله تعالى قد علم أنّ الأمة ستختلف وتفترق، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان الفارسي، وأبا ذر، والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم، ثم ابني هذا حسن، ثم ابني هذا حسين، ثم تسعة من ولد ابني هذا حسين، كذلك يا أبا ذر، وأنت يا مقداد ؟ قالا: نشهد بذلك على رسول الله ص. فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله ص يقول لأبي ذر: ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق ولا أبر من أبي ذر، وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلاّ بالحق، وأنت أصدق وأبر عندي منهما) ([229]). ولقد تعرّض الإخوة أنصار الإمام المهدي ع لتوضيح أمور مهمة متعددة مرتبطة بالوصية المباركة لرسول الله ص، فمن أراد التعرّف فعليه بمراجعة كتب أنصار الإمام المهدي ع. إلا أننا أوردنا الوصية هنا لتصحيح الفهم الاعتقادي الخاطئ الذي يعتقده المسلمون من أنّ النبي ص لم يوصِ، وهذا فهم خاطئ ينبغي أن يصحح. كيف ودّع المسلمون رسول الله محمداً (صلى الله عليه وآله) ؟ توفي رسول الله يوم الاثنين حين زاغت الشمس فانشغل الناس عن دفنه حتى عصر الثلاثاء، فانشغل المسلمون بخطب السقيفة وببيعة أبي بكر الأولى ثم ببيعته العامة وخطبته وخطبة عمر حتى صلى بهم. وبعدها أقبل الناس على جهاز رسول الله يوم الثلاثاء ولم يحضر أبو بكر وعمر دفن النبي ص، قال ابن أبي شيبة: إنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي ([230]). وقالت عائشة: ما علمنا بدفن الرسول حتى سمعنا صوت المساحي ([231]) من جوف الليل ليلة الأربعاء ([232]). وهكذا ترك المسلمون رسولهم ص ونبيهم الرحيم مسجى، ولم يله ص إلا أقاربه، وانشغلوا عنه بسلب خلافته وزحزحتها عن آل بيته ص، حتى أنّهم لم يحضروا تجهيزه ولا دفنه كما تقدّم. * * * الباب الثاني وفيه فصول: الفصل الأول: توثيق مظلومية الزهراء (عليها السلام). الفصل الثاني: مظلومية الزهراء (عليها السلام) في كلمات العلماء. الفصل الثالث: مظلومية الزهراء في الشعر العربي. الفصل الرابع: ظلامة فاطمة أصل يوم العذاب. -الفصل الأول: توثيق مظلومية الزهراء (عليها السلام) جاءت الروايات الكثيرة عن أئمة أهل البيت ص تصرح بمظلومية الزهراء (عليها السلام)، وتُبيّن أنواع الاعتداءات التي تعرّضت لها حبيببة محمد ص من الهجوم على بيتها، وقصد إحراقه، ومباشرة الإحراق، وضربها سلام الله عليها، وإسقاط جنينها، وسائر التفاصيل التي جرت عليها سلام الله عليها، وهذه الروايات متواترة حتى لو لم ينضم إليها ما رواه العامة، وهو كثير أيضاً بل متواتر. مظلوميتها على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله): روى سليم بن قيس عن عبد الله بن العباس، أنّه حدثه - وكان جابر بن عبد الله إلى جانبه -: (أنّ النبي ص قال لعلي، بعد خطبة طويلة: إنّ قريشاً ستظاهر عليكم، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك، واحقن دمك، أما إنّ الشهادة من ورائك، لعن الله قاتلك. ثم أقبل ص على ابنته (عليها السلام)، فقال: إنّك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتى تضربي، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك ...) ([233]). أقول: من الواضح أنّ النبي ص في هذه الرواية بعد ذكره لكسر ضلع حبيبته ذكر أنّها تقتل قتلاً، وهذا يدلل على أنّ قتلها سيكون بسبب كسر ضلعها وما تابعه من ضرب وإسقاط جنين وغير ذلك. وروى إبراهيم بن محمد الجويني الشافعي، بسنده إلى علي بن أحمد بن موسى الدقاق وعلي بن بابويه أيضاً، عن: علي بن أحمد بن موسى الدقاق، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: (إنّ رسول الله ص كان جالساً، إذ أقبل الحسن ع، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي إلي يا بني ... ثم أقبل الحسين ... ثم أقبلت فاطمة ... ثم أقبل أمير المؤمنين. فسأله أصحابه .. فأجابهم، فكان مما قاله لهم: وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين .. إلى أن قال: وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي. كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة، باكية ... إلى أن قال: ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة ... إلى أن قال: فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، يقول رسول الله ص عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها. فتقول الملائكة عند ذلك: آمين ...) ([234]). وقال العلامة المجلسي (رحمه الله): وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي - جدّ والد الشيخ البهائي - نقلاً عن خط الشهيد رفع الله درجته، نقلاً عن مصباح الشيخ أبي منصور طاب ثراه قال: (روي أنه دخل النبي ص يوماً إلى فاطمة (عليها السلام) فهيأت له طعاماً من تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين ص، فلما أكلوا سجد رسول الله ص وأطال سجوده، ثم ضحك، ثم بكى، ثم جلس وكان أجرأهم في الكلام علي ع فقال: يا رسول الله، رأينا منك اليوم ما لم نره قبل ذلك ؟ فقال ص: إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم واجتماعكم فسجدت لله تعالى شكراً. فهبط جبرئيل ع يقول: سجدت شكراً لفرحك بأهلك ؟ فقلت: نعم. فقال: ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك ؟ فقلت: بلى يا أخي يا جبرئيل. فقال: أمّا ابنتك فهي أول أهلك لحاقاً بك، بعد أن تظلم، ويؤخذ حقها، وتمنع إرثها، ويظلم بعلها، ويكسر ضلعها، وأمّا ابن عمك فيظلم، ويمنع حقه، ويقتل، وأمّا الحسن فإنّه يظلم، ويمنع حقه، ويقتل بالسم، وأمّا الحسين فإنه يظلم، ويمنع حقه، وتقتل عترته، وتطأه الخيول، وينهب رحله، وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرملاً بدمه، ويدفنه الغرباء. فبكيت، وقلت: وهل يزوره أحد ؟ قال: يزوره الغرباء. قلت: فما لمن زاره من الثواب ؟ قال: يكتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، كلها معك، فضحك) ([235]). مظلوميتها على لسان الإمام علي ع: روى سليم بن قيس: أنّ عمر بن الخطاب أغرم جميع عماله أنصاف أموالهم، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئاً - وكان من عماله - ورد عليه ما أخذ منه، وهو عشرون ألف درهم، ولم يأخذ منه عشره، ولا نصف عشره. قال أبان: قال سليم: (فلقيت علياً ع فسألته عما صنع عمر !! فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ، ولم يغرمه شيئاً ؟! قلت: لا. قال: لأنّه هو الذي ضرب فاطمة صلوات الله عليها بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات الله عليها، وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج) ([236]). وقال سليم: (انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله ص ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان، وأبي ذر، والمقداد، ومحمد بن أبي بكر، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعلي ع: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما غرم جميع عماله ؟! فنظر علي ع إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة (عليها السلام) بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كأنّه الدملج) ([237]). وعن ابن عباس: قال: (دخلت على علي ع بذي قار، فأخرج لي صحيفة، وقال لي: يا ابن عباس، هذه صحيفة أملاها عليّ رسول الله ص، وخطي بيدي. فقلت: يا أمير المؤمنين، اقرأها عليّ، فقرأها، فإذا فيها كل شيء كان منذ قبض رسول الله ص إلى مقتل الحسين ع، وكيف يقتل، ومن يقتله، ومن ينصره، ومن يستشهد معه، فبكى بكاء شديداً، وأبكاني. فكان مما قرأه علي: كيف يصنع به، وكيف تستشهد فاطمة، وكيف يستشهد الحسن، وكيف تغدر به الأمة ...) ([238]). وروي عن علي ع عند دفن الزهراء قوله: (وستنبؤك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً)([239]). فإنّ كلامه ع فيه بيان واضح في الظلم الذي بقي يعتلج في صدر حبيبة محمد ص والذي لم تجد سبيلاً لبثه. ولا يقال: كيف والزهراء (عليها السلام) بثّت ذلك في مسجد رسول الله ص حيث خطبت خطبة بينت فيها حقها ؟ أقول: إنّ الذي بينته الزهراء (عليها السلام) في خطبتها التي احتجت بها على القوم، بينت أمر فدك وإرثها من النبي ص وأحقية زوجها في الخلافة، لكن بقيت أمورٌ لم تبينها للملأ وبقيت تعتلج تلك الأمور في صدرها ولم تجد سبيلاً لبثها. وروى الشيخ الكفعمي عن ابن عباس عن علي ع وكان يدعو به في قنوت صلاته، ومما جاء في هذا الدعاء قوله عن بيت النبوة: (وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيه، ووارث علمه، وجحدوا إمامته ... إلى أن قال: وبطن فتقوه، وجنين أسقطوه، وضلع دقوه وصك مزقوه ...) ([240]). فضلع فاطمة (عليها السلام) الذي دقوه وجنينها الذي أسقطوه عليهم. وعن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ع، قال: (بينا أنا، وفاطمة، والحسن، والحسين عند رسول الله ص إذ التفت إلينا فبكى، فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها) ([241]). وعن مديح بن هارون بن سعد، قال: سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين، أنه قال لعمر في جملة كلام له: (وهي النار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله ص، وابني الحسن والحسين، وابنتي زينب، وأم كلثوم) ([242]). مظلوميتها على لسانها (عليها السلام): قالت (عليها السلام): (لا يصلي عليّ أمة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله ص وأمير المؤمنين بعلي، وظلموني وأخذوا وراثتي وحرقوا صحيفتي التي كتبها أبي بملك فدك والعوالي وكذبوا شهودي وهم والله جبريل وميكائيل وأمير المؤمنين وأم أيمن وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين ص يحملني ومعي الحسن والحسين ليلاً ونهاراً إلى منازلهم يذكرهم بالله ورسوله لئلا يظلمونا ويعطونا حقنا الذي جعله الله لنا فيجيبون ليلاً ويقعدون عن نصرتنا نهاراً، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذاً ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمي إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة ولا يخرج إليهم متشاغلاً بوصاة رسول الله ص وأزواجه وتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عدات وديناً، فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت فأخذت بعضادتي الباب وقلت: ناشدتكم الله وبأبي رسول الله ص أن تكفوا عنا وتنصرفوا، فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج ([243])، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر، وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من أذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم فهذه أمة تصلّي عليّ، وقد تبرأ الله ورسوله منها وتبرأت منها) ([244]). مظلوميتها على لسان ولدها الإمام الحسن المجتبى ع: روي عن الإمام الحسن في احتجاجه على عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وعمرو بن عثمان، وعتبة بن أبي سفيان عند معاوية. وهو حديث طويل، وقد جاء فيه، قوله ع للمغيرة بن شعبة: (... وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله ص، حتى أدميتها، وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول الله ص، ومخالفة منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول الله ص: يا فاطمة، أنت سيدة نساء أهل الجنة ...) ([245]). مظلوميتها على لسان الإمام السجاد ع: قال محمد بن جرير بن رستم الطبري: قال وأخبرنا مخول بن إبراهيم النهدي، قال: حدثنا مطر بن أرقم، قال: حدثنا أبو حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين ع، قال: (لما قبض ص، وبويع أبو بكر، تخلف علي ع . فقال عمر لأبي بكر: ألا ترسل إلى هذا الرجل المتخلف فيجئ فيبايع ؟ قال: يا قنفذ، اذهب إلى علي، وقل له: يقول لك خليفة رسول الله ص: تعال بايع. فرفع علي ع صوته، وقال: سبحان الله، ما أسرع ما كذبتم على رسول اللهص! قال: فرجع، فأخبره. ثم قال عمر: ألا تبعث إلى هذا الرجل المتخلف فيجئ يبايع ؟ فقال لقنفذ: اذهب إلى علي فقل له: يقول لك أمير المؤمنين تعال بايع. فذهب قنفذ، فضرب الباب. فقال: من هذا ؟ قال: أنا قنفذ. فقال: ما جاء بك ؟ قال: يقول لك أمير المؤمنين: تعال فبايع. فرفع علي ع صوته، وقال: سبحانه الله! لقد ادعى ما ليس له! فجاء فأخبره. فقام عمر، فقال: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل حتى نجيء إليه. فمضى إليه جماعة، فضربوا الباب، فلما سمع علي ع أصواتهم لم يتكلم، وتكلمت امرأة فقالت: من هؤلاء ؟ فقالوا: قولي لعلي يخرج ويبايع. فرفعت فاطمة (عليها السلام) صوتها فقالت: يا رسول الله، ما لقينا من أبي بكر وعمر بعدك. فلما سمعوا صوتها بكى كثير ممن كان معه. ثم انصرفوا. وثبت عمر في ناس معه، فأخرجوه وانطلقوا به إلى أبي بكر حتى أجلسوه بين يديه فقال أبو بكر: بايع. قال: فإن لم أفعل ؟ قال: إذاً والله الذي لا إله إلا هو تضرب عنقك. قال: فإن تفعلوا فأنا عبد الله وأخو رسوله. قال: بايع. قال: فإن لم أفعل ؟ قال: إذاً والله الذي لا إله إلا هو تضرب عنقك. فالتفت علي ع إلى القبر وقال: "يا ابن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني". ثم بايع، وقام) ([246]). مظلوميتها على لسان الباقرين (عليهما السلام): روى العياشي عن أحدهما عليهما السلام حديثا طويلاً جاء في آخره قوله ع: (فأرسل أبو بكر إليه: أن تعال فبايع. فقال علي: لا أخرج حتى أجمع القرآن. فأرسل إليه مرّة أخرى، فقال: لا أخرج حتى أفرغ. فأرسل إليه الثالثة ابن عم له يقال له قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله ص عليها [السلام] تحول بينه وبين علي ع، فضربها، فانطلق قنفذ وليس معه علي. فخشي أن يجمع علي الناس، فأمر بحطب، فجعل حوالي بيته، ثم انطلق عمر بنار، فأراد أن يحرق على علي بيته، وفاطمة، والحسن والحسين، صلوات الله عليهم. فلما رأى علي ذلك خرج فبايع كارهاً غير طائع) ([247]). عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله ع، قالا: (إنّ فاطمة (عليها السلام) لما أن كان من أمرهم ما كان، أخذت بتلابيب عمر، فجذبته إليها، ثم قالت: أما والله يا ابن الخطاب، لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على الله، ثم أجده سريع الإجابة) ([248]). مظلوميتها على لسان الإمام الباقر ع: عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين ع، عن محمد بن عمار بن ياسر، قال في حديث: (وحملت بالحسن، فلما رزقته حملت بعد أربعين يوماً بالحسين، ثم رزقت زينب، وأم كلثوم، وحملت بمحسن، فلما قبض رسول الله ص، وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وأخرج ابن عمها أمير المؤمنين، وما لحقها من الرجل، أسقطت به ولداً تماماً. وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها) ([249]). وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر، قال: سألته: متى يقوم قائمكم ؟ فأجابه جواباً مطولاً تحدّث فيه عن الحطب الذي جمع على بيت الزهراء (عليها السلام) فقال: (وذلك الحطب عندنا نتوارثه ...) ([250]). مظلوميتها على لسان الإمام الصادق ع: عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله ع: (لما أسري بالنبي ص قيل له: إنّ الله يختبرك في ثلاث وصار يعددها ... إلى أن قال: وأمّا ابنتك فتظلم، وتحرم، ويؤخذ حقها غصباً، الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمها، ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل، ثم لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب .. إلى أن تقول الرواية: وأول من يحكم فيه محسن بن علي في قاتله، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه ...) ([251]). وعن يونس بن يعقوب، عن الصادق ع، أنّه قال في حديث طويل: (يا يونس، قال جدّي رسول الله ص: ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي، ويغصبها حقها ويقتلها) ([252]). وعن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله ع، قال: (والله، ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته) ([253]). وعلق الشيخ عباس القمي بقوله: وقد أشار إلى قصة الإحراق الحافظ إبراهيم شاعر النيل في القصيدة العمرية المعروفة ([254]): وكلمة لعلي قالها عمـــر أكرم بسامعها أعظم بملقيهـا حرقت بيتك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبى حفص بقائلها يومـاً لفارس عدنان وحاميها وعن المفضل أنّ الإمام الصادق ع، قال للمفضل: (ولا كيوم محنتنا بكربلاء، وإن كان يوم السقيفة، وإحراق النار على باب أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، وفاطمة، وزينب، وأم كلثوم، وفضة، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر، لأنّه أصل يوم العذاب) ([255]). وعن عبد الله بن بكر الأرجاني، قال: صحبت أبا عبد الله ع في طريق مكة من المدينة .... ثم ذكر حديثاً طويلاً ذكر له فيه أبو عبد الله ع: (قاتل أمير المؤمنين ع، وقاتل فاطمة (عليها السلام)، وقاتل المحسن، وقاتل الحسن والحسين ...) ([256]). وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (إذا كان يوم القيامة يدعى محمد ص، فيكسى حلّة وردية ... إلى أن قال: ثم ينادى من بطنان العرش، من قبل رب العزة، والأفق الأعلى: نعم الأب أبوك يا محمد، وهو إبراهيم، ونعم الأخ أخوك وهو علي بن أبي طالب ع ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين، ونعم الجنين جنينك، وهو محسن، ونعم الأئمة الراشدون) ([257]). وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (ولدت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة في العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي ص .. إلى أن قال: وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً. ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها. وكان رجلان من أصحاب النبي سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما. فسألها، فأجابت. ولما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله؟ فقالت: بخير والحمد لله .. ثم قالت لهما: أما سمعتما النبي ص يقول: فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ؟ قالا: بلى. قالت: والله لقد آذيتماني. فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما) ([258]). مظلوميتها على لسان الإمام الكاظم ع: عن عيسى بن المستفاد الضرير، عن موسى بن جعفر الكاظم، عن أبيه، قال: (لما حضرت رسول الله ص الوفاة دعا الأنصار، وقال: يا معشر الأنصار، قد حان الفراق .. إلى أن قال: ألا إنّ فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه، فقد هتك حجاب الله. قال عيسى: فبكى أبو الحسن ع طويلاً، وقطع بقية كلامه، وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، يا أمه صلوات الله عليها) ([259]). وعنه أيضاً، عن الإمام الكاظم ع، قال: (قلت لأبي: فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله ص؟! قال: فقال: ثم دعا علياً وفاطمة، والحسن، والحسين ع، وقال لمن في بيته: أخرجوا عني ... إلى أن تقول الرواية إنّه ص قد قال لعلي: واعلم يا علي، إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته. يا علي ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها. اللهم إني منهم برئ، وهم مني براء. ثم سماهم رسول الله ص، وضم فاطمة إليه، وعلياً، والحسن، والحسين ص، وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم، وتقدمهم، أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار. ثم والله يا فاطمة لا أرضى حتى ترضي. ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي. ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي) ([260]). وروى السيد ابن طاووس بإسناده عن الإمام الكاظم ع، عن أبيه ع، قال: (قال رسول الله ص: يا علي، ما أنت صانع لو قد تآمر القوم عليك بعدي، وتقدموا عليك، وبعث إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة، ثم لببت بثوبك، كما يقاد الشارد من الإبل، مذموماً مخذولاً، محزوناً مهموماً. وبعد ذلك ينزل بهذه الذل) ([261]). مظلوميتها على لسان الإمام الرضا ع: عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا، وبكير بن صالح، عن سليمان بن جعفر، عن الرضا، قالا: (دخلنا عليه وهو ساجد في سجدة الشكر، فأطال في سجوده، ثم رفع رأسه، فقلنا له: أطلت السجود ؟ فقال: من دعا في سجدة الشكر بهذا الدعاء، كان كالرامي مع رسول الله ص يوم بدر. قال: قلنا: فنكتبه ؟ قال: اكتبا إذا أنتما سجدتما سجدة الشكر، فتقولا: ... ثم ذكر الدعاء وفيه الفقرة التالية:.. واستهزءا برسولك، وقتلا ابن نبيك) ([262]). مظلوميتها على لسان الإمام العسكري ع: روي أنّ ابن أبي العلاء الهمداني، ويحيى بن محمد بن حويج تنازعا في أمر ابن الخطاب، فتحاكما إلى أحمد بن إسحاق القمي، صاحب الإمام الحسن العسكري، فروى لهم عن الإمام العسكري، عن أبيه ع: (إنّ حذيفة روى عن النبي ص حديثاً مطولاً يخبر النبي ص فيه حذيفة بن اليمان عن أمور ستجري بعده، ثم قال حذيفة وهو يذكر أنّه رأى تصديق ما سمعه: ... وحرف القرآن، وأحرق بيت الوحي ... إلى أن قال: ولطم وجه الزكية ...) ([263]). مظلوميتها على لسان الإمام المهدي ع: في توقيع مولانا صاحب الزمان ع: (.... ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله لي أسوة حسنة وسيردي الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ) ([264]). وحكى السيد باقر الهندي أنه رأى في المنام الإمام المهدي ع ليلة عيد الغدير حزيناً كئيباً فقال: يا سيدي، ما لي أراك في هذا اليوم حزيناً والناس على فرح وسرور بعيد الغدير ؟ فقال ع: (ذكرت أمي وحزنها)، ثم قال: لا تراني اتخذت لا وعلاها بعد بيت الأحزان بيت سرورِ ولما انتبه السيد نظم قصيدة في أحوال الغدير وما جرى على الزهراء (عليها السلام) بعد أبيها وضمنها هذا البيت، والقصيدة مشهورة مطلعها ([265]): كل غدر وقول إفك وزور هو فرع من جحد نص الغدير * * * -الفصل الثاني: مظلومية الزهراء (عليها السلام) في كلمات العلماء وننقل بعض كلمات العلماء المتقدمين تاركين الإسهاب والإطناب في هذا المقام، وإنّما نشير إلى بعض كلماتهم في بيان مظلومية الزهراء (عليها السلام). مناقشة السيد المرتضى على القاضي عبد الجبار المعتزلي: قال القاضي عبد الجبار الأسد آبادي، المتوفي سنة (415 هـ)، وهو من أعاظم المعتزلة، ردّاً على الشيعة: ومن جملة ما ذكروه من الطعن ادعاؤهم: (أنّ فاطمة (عليها السلام) لغضبها على أبي بكر وعمر أوصت أن لا يصليا عليها، وأن تدفن سرّاً منهما، فدفنت ليلاً، وادعوا برواية رووها عن جعفر بن محمد وغيره: أنّ عمر ضرب فاطمة بسوط، وضرب الزبير بالسيف. وذكروا: أنّ عمر قصد منزلها، وعلي، والزبير، والمقداد، وجماعة ممن تخلف عن أبي بكر يجتمعون هناك، فقال لها: ما أجد بعد أبيك أحب إلي منك. وأيم الله، لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك ليحرقن عليهم، فمنعت القوم من الاجتماع، ولم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر إلى غير ذلك من الروايات البعيدة) ([266]). وقال أيضاً: (... فأمّا ما ذكروه من حديث عمر في باب الإحراق، فلو صح لم يكن طعناً على عمر، لأنّ له أن يهدّد من امتنع عن المبايعة) ([267]). فردّ السيد المرتضى علم الهدى على الكلام، فقال: (قد بينّا: أنّ خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة ممن لا يتهم على القوم ... إلى أن قال: والذي اعتذر به من حديث الإحراق إذا صح طريف، وأي عذر لمن أراد أن يحرق على أمير المؤمنين ع، وفاطمة (عليها السلام) منزلهما؟)([268]). وقال رحمه الله في معرض الردّ على إنكاره ضرب فاطمة (عليها السلام) والهجوم على دارها: (أمّا قولك: لا نصدّق ذلك ولا نجوزه. قال: فإنك لم تسند إنكارك إلى حجة أو شبهة فنتكلم عليها. والدفع لما يروى بغير حجة لا يلتفت إليه) ([269]). وحين ادعى القاضي عبد الجبار: إنّ أخبار ضرب فاطمة (عليها السلام) كروايات الحلول، أجابه السيد المرتضى رحمه الله قائلاً: ألست تعلم أنّ هذا المذهب يذهب إليه أصحاب الحلول، والعقل دال على بطلان قولهم ؟! فهل العقل دال على استحالة ما روي من ضرب فاطمة (عليها السلام) ؟! فإن قال: هما سيان. قيل له: فبيّن استحالة ذلك في العقل، كما بينت استحالة الحلول، وقد ثبت مرادك. ومعلوم عجزك عن ذلك ([270]). وقال رحمه الله: (.... وبعد، فلا فرق بين أن يهدد بالإحراق للعلة التي ذكرها، وبين ضرب فاطمة لمثل هذه العلة، فإنّ إحراق المنازل أعظم من ضربه بالسوط، وما يحسن الكبير ممن أراد الخلاف على المسلمين أولى بأن يحسن الصغير، فلا وجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة سوط، وتكذيب ناقلها وعنده مثل هذا الاعتذار) ([271]). كلام الشيخ الطوسي مع النظام وغيره: قال الشيخ محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله: (ومما أنكر عليه ضربهم لفاطمة (عليها السلام)، وقد روي: أنّهم ضربوها بالسياط، والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أنّ عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمي السقط محسناً، والرواية بذلك مشهورة عندهم. وما أرادوا من إحراق البيت عليها حين التجأ إليها قوم، وامتنعوا من بيعته. وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنا قد بيّنا الرواية الواردة من جهة العامة من طريق البلاذري وغيره، ورواية الشيعة مستفيضة به، لا يختلفون في ذلك. وليس لأحد أن يقول: إنّه لو صح ذلك لم يكن طعناً، لأنّ للإمام أن يهدّد من امتنع من بيعته إرادة للخلاف على المسلمين. وذلك: أنه لا يجوز أن يقوم عذر في إحراق الدار على فاطمة وأمير المؤمنين والحسن والحسين ص. وهل في مثل ذلك عذر يسمع ؟ وإنما يكون مخالفاً للمسلمين وخارقاً لإجماعهم إذا كان الإجماع قد تقرّر وثبت، وإنما يصح ذلك ويثبت متى كان أمير المؤمنين ومن قعد عن بيعته ممن انحاز إلى بيت فاطمة (عليها السلام) داخلاً فيه غير خارج عنه، وأي إجماع يصح مع خلاف أمير المؤمنين ع وحده، فضلاً عن أن يبايعه على ذلك غيره ؟ ومن قال هذا من الجبائي وغيره بانت عداوته، وعصبيته، لأنّ قصة الإحراق جرت قبل مبايعة أمير المؤمنين ع والجماعة الذين كانوا معه في منزله، وهم إنما يدعون الإجماع - فيما بعد - لما بايع الممتنعون ... فبان: أنّ الذي أنكرناه منكر) ([272]). وقال الشيخ الطوسي أيضاً: وقد روى البلاذري، عن المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التميمي عن أبي عون: أنّ أبا بكر أرسل إلى علي ع يريده على البيعة، فلم يبايع - ومعه قبس - فتلقه فاطمة (عليها السلام)على الباب، فقالت: يا ابن الخطاب، أتراك محرقاً علي بابي ؟ قال: نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء علي ع فبايع. قال الشيخ رحمه الله: وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة، وإنّما الطريف أن يرويه شيوخ محدثي العامة، لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة. وربما تنبهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم، فكفوا منه، وأي اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع ؟ ([273]). كلام السيد ابن طاووس (رحمه الله): قال في كتابه الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ومن طرائف الأحاديث المذكورة ما ذكره الطبري والواقدي وصاحب الغرر المقدّم ذكرهم من القصد إلى بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين ص بالإحراق، أين هذه الأفعال المنكرة من تلك الوصايا المتكررة من نبيهم محمد ص؟ وأين ما تقدّم ذكره من رواياتهم في صحاحهم ولا اعتقد أنّ أمة بلغت بعد نبيها في الاستخفاف بدينه وأهل بيته إلى ما بلغ هؤلاء القوم، وأنا ما اعتقد نبياً بالغ في الوصية بأهل بيته ومدحهم أعظم مما بالغ فيه محمد ص نبيهم. ومن أطرف الطرائف قصدهم لإحراق علي والعباس بالنار في قوله: فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما وقد كان في البيت فاطمة. وفي رواية أخرى إنّه كان معهم في البيت الزبير والحسن والحسين (عليهما السلام) وجماعة من بني هاشم لأجل تأخّرهم عن بيعة أبي بكر وطعنهم فيها، أما ينظر أهل العقول الصحيحة من المسلمين أنّ محمداً ص كان أفضل الخلائق عندهم ونبوته أهم النبوات ومبايعته أوجب المبايعات، ومع هذا فإنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام والأحجار وغيرهم من أصناف الملحدين والكفار، وما سمعناه أنه استحل ولا استجاز ولا رضي أن يأمر بإحراق من تأخر عن نبوته وبيعته، فكيف بلغت العداوة لأهل بيته والحسد لهم والاهمال لوصيته بهم إلى أن يواجهوا ويتهددوا أن يحرقوا بالنار، وقد شهدت العقول أنّ بيعة كانت على هذه الصفات وأنّ إكراه الناس عليها بخلاف الشرائع والنبوات والعادات لبيعة محكوم بفساد أهلها ووجوب حلها، فهل ترى يوم السقيفة وما جرى فيه كان من شيم الأبرار أو من مغالبة الجاهلية الأشرار. ومن عجيب ما رووه من المناقضة لذلك ما رواه أحمد بن حنبل في الجزء الرابع من مسند عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله ص فمررنا بقرية نمل فأحرقت فقال النبي: (لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله تعالى). قال عبد المحمود: وكيف كان أهل بيت النبوة أهون من النمل ؟ وكيف ذكروا أنهم يعذبونهم بعذاب الله تعالى من الحريق بالنار ؟ والله إنّ هذه الأمور من أعظم عجائب الدهور. قال عبد المحمود: فهل يشك عاقل مع هذا أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة كما قال عمر ومغالبة ومنافسة في طلب الدنيا، ولم يكن بمشاورة من المسلمين ولا مراعاة لأوامر الشرع والدين وما أقرب هذه الأحوال بما تضمنه كتابهم ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾([274])، ([275]). وقال في كشف المحجة: أقول: وما كفاه ذلك حتى بعث عمر إلى باب أبيك علي وأمك فاطمة وعندهما العباس وجماعة من بني هاشم وهم مشغولون بموت جدّك محمد ص والمأتم، فأمر أن يحرقوا بالنار إن لم يخرجوا للبيعة على ما ذكره صاحب كتاب العقد في الجزء الرابع منه وجماعة ممن لا يتهم في روايتهم وهو شيء لم يبلغ إليه أحد فيما أعلم قبله ولا بعده من الأنبياء والأوصياء ولا الملوك المعروفين بالقسوة والجفاء ولا ملوك الكفار أنهم بعثوا من يحرقوا الذين تأخروا عن بيعتهم بحريق النار مضافاً إلى تهديد القتل والضرب. أقول: ولا بلغنا أنّ أحداً من الملوك كان لهم نبي أو ملك كان لهم سلطان قد أغناهم بعد الفقر وخلصهم من الذل والضر ودلهم على سعادة الدنيا والآخرة وفتح عليهم بنبوته بلاد الجبابرة ثم مات وخلف فيهم بنتاً واحدة من ظهره وقال لهم إنها سيدة نساء العالمين وطفلين معها منها لهما دون سبع سنين أو قريب من ذلك فتكون مجازات ذلك النبي أو الملك من رعيته أنهم ينفذون ناراً ليحرقوا ولديه ونفس ابنته وهما في مقام روحه ومهجته. وأقول: ثم ما كفاه ذلك حتى أظهر على المنبر أنه يستقيل عن الخلافة ثم فضح نفسه وقلدها بعد وفاته ونص بها على عمر بن الخطاب، وما هذه صفة مستقيل منها عند ذوي الألباب ([276]). كلام المقداد السيوري (رحمه الله): قال رحمه الله: (إنّ علياً ع وجماعة لما امتنعوا عن البيعة، والتجأوا إلى بيت فاطمة (عليها السلام) منكرين بيعته بعث إليها عمر حتى ضربها على بطنها، وأسقطت سقطاً اسمه محسن، وأضرم النار ليحرق عليهم البيت، وفيه فاطمة (عليها السلام)، وجماعة من بني هاشم، فأخرجوا علياً ع قهراً بحمائل سيفه يقاد. لا يقال: هذا الخبر يختص الشيعة بروايته، فيجوز أن يكون موضوعاً للتشنيع. لأنّا نقول: ورد أيضاً من طريق الخصم، رواه البلاذري، وابن عبد البر، وغيرهما. ويؤيده قوله عند موته: ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه) ([277]). كلام الحر العاملي (رحمه الله): قال - وهو يتحدث عن أبي بكر، وعما ينفي أهليته للخلافة -: (ومنها: أنّه طلب هو وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين لما امتنع هو وجماعة عن البيعة. ذكره الواقدي في روايته، والطبري في تاريخه، ونحوه ذكر ابن عبد ربّه، وهو من أعيانهم. وكذا مصنف كتاب أنفاس الجواهر) ([278]). كلام الشيخ المجلسي (رحمه الله): قال - وهو في مقام الإيراد على خلافة عمر بن الخطاب -: (.. الطعن السابع عشر: إنّه هم بإحراق بيت فاطمة (عليها السلام) وكان فيه أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسنان. وهددهم، وآذاهم مع أنّ رفعة شأنهم عند الله تعالى وعند رسوله ص مما لا ينكره أحد من البشر إلاّ من أنكر ضوء الشمس ونور القمر) ([279]). وقال المجلسي أيضاً: (... إذ تبين بالمتفق عليه من أخبارهم وأخبارنا: أنّ عمر هم بإحراق بيت فاطمة (عليها السلام) بأمر أبي بكر، أو برضاه، وقد كان فيه أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسنان صلوات الله عليهم وهددهم وآذاهم، مع أنّ رفعة شأنهم عند الله، وعند رسول الله مما لا ينكره إلاّ من خرج عن الإسلام) ([280]). كلام الشيخ يوسف البحراني (رحمه الله): قال في الحدائق: (إنّ من العجب الذي يضحك الثكلى، والبيّن البطلان الذي أظهر من كل شيء وأجلى أن يحكم بنجاسة من أنكر ضرورياً من سائر ضروريات الدين وإن لم يعلم أنّ ذلك منه عن اعتقاد ويقين ولا يحكم بنجاسة من يسب أمير المؤمنين ع وأخرجه قهراً مقاداً يساق بين جملة العالمين وأدار الحطب على بيته ليحرقه عليه وعلى من فيه وضرب الزهراء صحتى أسقطها جنينها ولطمها حتى خرت لوجهها وجبينها وخرجت لوعتها وحنينها مضافاً إلى غصب الخلافة الذي هو أصل هذه المصائب وبيت هذه الفجائع والنوائب) ([281]). كلام الشيخ جعفر كاشف الغطاء (رحمه الله): قال رحمه الله - وهو يستدل على عدم صحة خلافة أبي بكر-: (... ومنه إحراق بيت فاطمة الزهراء لما جلس فيه علي ع، ومعه الحسنان، وامتنع ع عن المبايعة، نقله جماعة من أهل السنة، منهم: الطبري، والواقدي، وابن حزامة عن زيد بن أسلم، وابن عبد ربه، وهو من أعيانهم، وروي في كتاب المحاسن وغير ذلك) ([282]). وقال - وهو يورد إشكالاته على الخليفة الثاني -: (... ومنه قصد بيت النبوة وذرية الرسول بالإحراق) ([283]). ونكتفي بنقل ما تقدّم من تصريحاتهم وتوثيقهم لظلامة الزهراء (عليها السلام)، ومن أراد تتبع كلماتهم يجد الكثير. * * * -الفصل الثالث: ظلامة الزهراء في الشعر العربي يعد الشعر سنداً تاريخياً فالكثير من الأدباء يوثقون الوقائع بالشعر، وهذا المعنى يجده الباحث في طيات التاريخ. ومن هنا لننظر ماذا أرخ الشعراء في ظلامة فاطمة (عليها السلام) فقد أرخوا ما جرى على سيدة النساء (عليها السلام) من ظلم وأضطهاد وضرب واسقاط جنين وغير ذلك، وإلى القارئ الكريم بعضاً مما أفاضوه في بيان تلك الظلامة: شعر السيد الحميري المتوفي (173 هـ)، قال ([284]): ضربت واهتضمت من حقها وأذيقت بعده طعم السلع قطـع الله يـدي ضـاربها ويـد الراضي بـذاك المتبع لا عفـا الله له عنـه، ولا كف عنه هـول يـوم المطلع شعر البرقي المتوفي(245 هـ)، قال ([285]): وكلا النار من بيت ومن حطب والمضرمان لمن فيه يسبان وليس في البيت إلا كل طاهرة من النساء وصديق وسبطان. القاضي النعمان المتوفي (363 هـ)، قال في ضمن أرجوزته الجامعة في العقائد: فبايعـاه جهرة وقـــالا وقـام منهم أهل قتـلى بدر فبـايعوا وهم رؤوس قومهم إلا قليـلا منهم قد علمـوا وقصدوا إمـامهم عليــا قالوا: بلى نفعل، قال: انطلقوا رؤوسكـم كلكم لتعرفـوا إلي كيمـا أنصب القتـالا يحكم فـينا بيـننا بحكمـه ولم يكن يأتيـه إلا سبعـة وكنت قد سميـتهم فقـالا لأنـكم في قلـة قليـلـة فجلسـوا إليه حتى ينظروا فجـاءهم عمر في جماعـة حتى أتوا باب البتول فاطمة فوقفت عن دونـه تعذلهم فاقتحموا حجابها فعـولت فسمع القـول بذاك فابتدر فبدر السيـف إليهم فكسر فخرج الوصي في باقيـهم  بل أنت خير من نراه حـالا وغيرها وأهل حقـد الأسر فبايع الناس له من يـومهم ما كان من نبيهم فاعتصموا فقال: لستم فاعلين شيــا من فوركم هذا إذن فحلقوا من بينهم بذلكم وانصرفوا حتى يـكون ربنـا تعـالى ففشـلوا لما رأوا من عزمـه واستحسن الباقون أخذ البيعة لست أرى عليـكم قتـالا ليس لكم بجمعهم من حيلة ماذا يرى في أمرهـم ويأمر إذ لم يروا لمن أقـام طاعـة وهي لهم قاليـة مصارمـة فكسر البـاب لهم أولهـم فضربـوها بينهم فأسقطت إليهم الزبير - قالوا - فعثر وأطبقـوا على الزبير فأسر إذ لم يروا دفاعهم ينجيهم  إلى أن قال ([286]): يا حسرة من ذاك في فؤادي وقتـلهم فاطمـة الزهـراء لأن في المشهور عند النـاس وأمرت أن يدفنـوها ليـلا يحضرها منهم سوى ابن عمها صلى عليها ربها من ماضيـة كالنار يذكي حرها اعتقادي أضرم حر النار في أحشـائي بأنـها ماتـت من النفـاس وأن يعمى قبـرها لكـي لا ورهطـه ثم مضت بغمـها وهي عن الأمـة غير راضية  علي بن المقرّب المتوفي (629 هـ)، وهو من الأدباء المعرفين، فقال ([287]): يا ليت شعري فمن أنوح منهم أ للوصـي حيـن في محرابـه أم للبتـول فاطـم إذ منعت وقـول من قـال لها يا هذه أبـوك قد قـال بأعلى صوته نحن جميـع الأنبيـاء لا نرى وما تركنـاه يكون مغنمـا قالت فهاتوا نحلتي من والدي قـالوا فهل عندك من بينـة فقالت ابنـاي وبعلي حيدر فأبـطلوا إشهادهم ولم يكن ولم تزل مهضومـة مظلومـة أم للذي أودت به جعدتـهم ومن له ينهل فيـض أدمعي عمم بالسيـف ولما يركع عن إرثها الحق بأمـر مجمع لقد طلبت باطـلا فارتدعي مصرحـاً في مجمع فمجمع أبنـاءنا لإرثنا من مـوضع فارضي بما قال أبوك واسمعي خير الأنـام الشافع المشفع نسمع معناهـا جميعا ونعي أبـوهمـا أبصر به وأسمـع نص الكتـاب عندهم بمقنع برد دعـواها ورض الأضلع يومئـذ بكـأس سم منقع الخليعي، وهو الشيخ علي بن عبد العزيز الخليعي الحلي، المتوفي (750 هـ)، قال في جملة قصيدة له ([288]): يا رب من نوزعت ميراث والدها ومن ترى جرعت في ولده اغصص ومن ترى كذبت قبلي وقد علموا وهل لبنت نبي أضرمت شعل مثلي ومن طولبت بالحقد والإحن كابن مرجانة الملعون جرعني أن الإله من الأرجاس طهرني كما أطيف به بيتي ليحرقني علاء الدين الحلي المتوفي (786 هـ)، قال ([289]): وأجمعوا الأمر فيما بينهم وغوت أن يحرقوا منزل الزهراء فاطمة بيت به خمسة جبريل سادسهم لهم أمانيهم، والجهل، والأمل فيا له حادث مستصعب جلل من غير ما سبب بالنار يشتعل مفلح الصيمري المتوفي (900 هـ)، قال في جملة قصيدة له ([290]): وقـادوا عليـاً في حمائـل سيفه وعمـار دقـوا ضلعـه وتهجموا على بيت بنت المصطفى وإمامهم ينادي ألا في بيتها النار أضرمـوا وتغصب ميـراث النـبي محمـد وتوجـع ضربـاً بالسيـاط وتلطم الحر العاملي المتوفي: (1104 هـ)، جاء في منظومة يقول فيها: أولادها خمس حسين والحسن ومحسن أسقط في يوم عمر ونـالها بعد النبي إذ مضى لذاك ما يـوجع كل قلب حـزن وذل واضطهاد ظالم  وزينب من أم كلثوم أسـن من فتحة الباب كما قد اشتهر وانقاد طوعاً راضياً عن القضا ويستهـان منه كل خطب وحشـة لاحت على المعالم  إلى أن قال عن سبب موتها (عليها السلام) ([291]): سببه قيل: حضور الأجل وقيل: من ضربة ذاك الرجـل إذ سقطت لوقتها جنينها ولم تزل تبـدي له أنينـها السيد حيدر الحلي، وهو الشاعر والأديب المعروف المتوفي (1304 هـ)، قال: في جملة قصيدة له ([292]): فلا وصفحك إن القوم ما صفحوا ولا وحلمك إن القوم ما حلموا فحمل أمك قدما أسقطوا حنقا وطفل جدك في سهم الردى فطموا السيد باقر الهندي المتوفي (1329 هـ)، قال: لست تدري لم أحرقوا الباب لست تدري ما صدر فاطم ما ما سقـوط الجنين ما حمرة دخلـوا الدار وهي حسرى واستداروا بغيا على أسد الله والبتـول الزهراء في إثرهم بأنين أورى القلوب ضراما ودعتهم: خلوا ابن عمي عليا مـا رعـوها بل روعـوها  بالنار أرادوا إطفاء ذاك النور المسمار ما حال ضلعها المكسور العيـن وما بال قرطها المنثور بمرأى من علي ذاك الأبي الغيور فأضحى يقـاد قود البعيـر تعثر في ذيل بردهـا المجرور وحنيـن أذاب صم الصخور أو لأشكو إلى السميع البصير ومـروا بعلي ملببا كالأسـير  إلى أن يقول ([293]): وعلي يـرى ويسمع والسيف قيـدتـه وصيـة من أخيـه أفصبرا يـا صـاحب الأمر كم مصـاب يطول فيه بياني كيف من بعد حمرة العين منها فابك وازفـر لهـا فإن عداهـا وكـأني بـه يقـول ويبـكي وكـأني بـه يقـول ويبكي  رهيـف والبـاع غير قصـير حملتـه مـا ليـس بالمقـدور والخطب جليل يذيب قلب الصبور قد عرى الطهر في الزمان القصير يا ابن طـه تهنى بطرف قريـر منعـوها من البـكا والزفـير بسلـو نزر ودمـع غزيــر بعد بيـت الأحزان بيت الـسرور  السيد القزويني المتوفي (1335 هـ)، قال ([294]): قال سليم قلت يا سلمان فقـال إي وعزة الجبـار لكنها لاذت وراء البـاب فمذ رأوها عصروها عصرة تصيـح يا فضـة اسنديني فأسقطت بنت الهدى واحزنا  هل دخلوا ولم يك استئذان ليس على الزهراء من خمار رعايـة للستر والحجـاب كادت بروحي أن تموت حسرة فقـد وربي قتـلوا جنيـني جنينها ذاك المسمى محسـنا  حافظ إبراهيم شاعر النيل المتوفي (1351 هـ)، قال ([295]): وقولـه لعـلي قـالها عمر أكرم بسـامعها أعظم بملقيـها حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها أمام فارس عدنان وحاميها المحقق الأصفهاني المتوفي (1361 هـ)، قال في أرجوزة من ديوانه المعروف بـ‍ (الأنوار القدسية) ([296]): ومـا أصابها من المصـاب إن حديث الباب ذو شجون أيهجم العدا على بيت الهدى أيضرم النـار ببـاب دارها وبابها بـاب نبي الرحمـة بل بابها بـاب العلي الأعلى ما اكتسبوا بالنـار غير العار ما أجهل القـوم فإن النار لا لكن كسر الضلع ليس ينجبر إذ رض تلك الأضلع الزكيـة ومن نبـوع الدم من ثدييها وجـاوزوا الحد بلطم الخد فاحمرت العين، وعين المعرفة ولا تزيـل حمرة العين سوى وللسيـاط رنـة صـداهـا والأثر البـاقي كمثل الدملج ومن سواد متنها اسود الفضا ووكز نعل السيف في جنبيها ولست أدري خبر المسمـار وفي جنين المجد ما يدمي الحشا والبـاب والجدار والدمـاء لقد جنى الجاني على جنينـها أهـكذا يصنع بابنـة النبي أتمنع المكروبـة المقروحـة بالله ينبغي لها تبكي دمـاً لفقد عزها ، أبيـها السامي أتستبـاح نحلـة الصديقـة كيـف يـرد قـولها بالزور أيؤخذ الديـن من الأعرابي فاستلبـوا ما ملكت يـداها يـا ويلهم قد سألوها البينـة وردهـم شهـادة الشهـود ولم يكن سد الثغـور عرضا صدوا عن الحق وسدوا بابه أبضعة الطهر العظيم قدرها ما دفنـت ليلاً بستر وخفا ما سمع السـامع فيما سمعـا يـا ويلهم من غضب الجبار  مفتـاح بابـه حديث الباب بما جنـت به يـد الخؤون ومهبط الوحي، ومنتدى الندى وآيـة النـور على منـارها وبـاب أبواب نجـاة الأمـة فثـم وجـه الله قـد تجلى ومن ورائـه عـذاب النـار تطفئ نـور الله جـل وعلا إلا بصمصـام عزيـز مقتـدر رزيـة لا مثـلهـا رزيـة يعرف عظم ما جرى عليـها شلت يـد الطغيـان والتعدي تذرف بالدمع على تلك الصفة بيض السيـوف يوم ينشر اللوا في مسمع الدهر فما أشجـاها في عضد الزهـراء أقوى الحجج يا سـاعد الله الإمـام المرتضى أتى بكل مـا أتـى عليـها سل صدرهـا خزانة الأسـرار وهل لهم إخفـاء أمر قـد فشا شهـود صدق ما بها خفـاء فاندكت الجبـال من حنيـنها حرصـاً على الملك فيا للعجب عن البكا خوفـاً من الفضيحة ما دامت الأرض ودارت السما ولاهتضامـها وذل الحـامي وإرثهـا من أشرف الخليـقة إذ هـو رد آيـة التطهـير وينبـذ المنصوص في الكتـاب وارتكبـوا الخزيـة منتهاهـا على خلاف السنـة المبيـنـة أكبر شـاهد على المقصـود بل سد بـابها وبـاب المرتضى كأنهم قد أمنـوا عـذابـه تدفن ليـلاً ويعفى قـبرها إلا لوجـدها على أهل الجفا مجهولـة بالقدر والقبر معـا بظلمهـم ريحانـة المختـار إلى غير ذلك من الشعر الكثير الذي تعرّض فيه الشعراء والأدباء لواقعة الدار وما جرى على بنت محمد ص، فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وأبنائها الكرام. * * * -الفصل الرابع: ظلامـة فاطمـة أصل يوم العـذاب قال المفضل للإمام الصادق ع: (يا مولاي، ما في الدموع من ثواب ؟ قال: ما لا يحصى إذا كان من محق. فبكى المفضل (بكاءً) طويلاً ويقول: يا ابن رسول الله، إنّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم، فقال له الصادق ع: ولا كيوم محنتنا بكربلاء وإن كان يوم السقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر؛ لأنّه أصل يوم العذاب) ([297]). ونريد في هذا الفصل أن نستنطق هذا المقطع، وهو من رواية طويلة، والملفت في هذه الراواية هي قوله ع: (وإن كان يوم السقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر؛ لأنّه أصل يوم العذاب). فالمفضل يسأل الإمام الصادق ع عن ثواب الدموع، ومن الطبيعي أنّ المفضل كان يسأل عن ثواب البكاء لمصائبهم ص، وحينما عرف المفضل بأنّ في البكاء على مصائبهم ثواب لا يحصى، رق قلبه وبكى بكاءً مرّاً طويلاً. فنفس المهموم لظلمهم تسبيح. روى الشيخ الكليني: عن عيسى بن أبي منصور، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، وهمه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل الله) ([298]). ثم يقول المفضل للإمام أنّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم. وهنا يأتي جواب إمامنا الصادق ع قائلاً: (ولا كيوم محنتنا بكربلاء). نعم، هي الجرح الذي لا يندمل والذي بقي خالداً في قلوب أئمة أهل البيت ص. ولا أريد الآن أن أعرج بالقارئ الكريم على كربلاء وما جرى فيها من محن والآم على بيت الوحي، فهذا متروك لبحث آخر، فما أريد بيانه هو العبارة المتقدمة، وبالتحديد قولهع : (أصل يوم العذاب). حيث عبر الإمام عن يوم السقيفة وما تلته من أحداث مريرة على الزهراء (عليها السلام) بأنه أعظم وأدهى وأمر، ثم يعلل ذلك بقوله؛ لأنه أصل يوم العذاب. فهذا التعبير من صادق أهل البيت ص يجعل الإنسان متفكراً يتطلع لمعرفة الحقيقة التي يشير إليها الإمام الصادق ع بقوله: (أصل يوم العذاب). فما هو المقصود من أصل يوم العذاب ؟ الأصل في اللغة هو الأساس لكل شيء ([299])، وهذا يعني أنّ ما جرى في السقيفة والذي تلته ظلامة أم أبيها فاطمة (عليها السلام)، الأساس ليوم العذاب، باعتبار أنّ فاطمة (عليها السلام) المحور لما لها من المقام السامي؛ حيث عبر عنها الإمام العسكري ع بقوله: (نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة علينا) ([300]). ولقد كشف بعض أسرار هذا الحديث يماني آل محمد السيد أحمد الحسن ع في المتشابهات، فراجع. ويبقى أن نعرف المراد من يوم العذاب. يوجد وجهان: الأول: أنّ المراد من يوم العذاب، أي: إنّ سبب العذاب الدنيوي الذي مرّ على أهل البيت ص هو يوم السقيفة وسلب الخلافة من صاحبها الشرعي وإضرام دار فاطمة بالنار ورفسها صلوات الله عليها، حيث إنّ ذلك اليوم هو الذي أسست فيه الظلامة على أهل البيت ص، ومن هنا قالت الزهراء في كلامها لنساء المهاجرين والأنصار لما جئن لعيادتها، فقالت: (أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دماً عبيطاً وزعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون،...) ([301]). فتبين العاقبة الوخيمة التي ستنتهي لها الأمة نتيجة ما أسسه الأولون الذي اغتصبوا الخلافة وتقمصوها من خليفة رسول الله ص. ومن هنا لعن أهل البيت ص كل من أسس تلك الظلامة، كما روي عن أبي جعفر ع، حيث قال في زيارة جدّه الحسين ع: (فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها، ولعن الله أمة قتلتكم، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم..) ([302]). ولقد سجّل هذا المعنى القاضي أبي بكر بن قريعة وهو من علماء العامة؛ حيث ذكر قصيدة جاء فيها ([303]): يـا من يسـائل دائبـاً لا تكشفـن مغـطى ولرب مستـور بـدا إن الجـواب لحاضـر لـولا اعتـداء رعيـة وسيـوف أعـداء بها لنشـرت من أسـرار تغنيـكـم عمـا رواه وأريتـكم أن الحسـين ولأي حـال لحـدت ولما حمـت شيخيـكم أوه لبنـت محمـد  عن كـل معضلة سخيفة فـلربمـا كشفت جيفـة كالطبل من تحت القطيفة لكنني أخفيـه خيفـة ألقى سياستـها الخليفـة هامـاتنا أبـدا نقيفـة آل محمـد جملا طريفـة مـالك وأبـو حنيفـة أصيـب في يـوم السقيفة بالليـل فـاطمة الشريفة عن وطئ حجرتها المنيفة مـاتت بغصتها أسيفـة  الثاني: أنّ المراد من يوم العذاب، هو يوم العذاب الأخروي؛ وذلك لأنّ يوم العذاب هو يوم القيامة، وليس المقصود من يوم العذاب المحن والآلام الدنيوية التي مرّت على أهل البيت ص في هذه الحياة الدنيا، بل المقصود أنّ أساس يوم العذاب الأخروي سيكون بسبب الظلامة التي مرّت على أم أبيها فاطمة (عليها السلام) واغتصاب الخلافة من صاحبها الشرعي علي بن أبي طالب ع التي جرت على أهل البيت ص. والذي يؤيد هذا المعنى هو أنّ المفضل كان يسأل الإمام الصادق ع عن يوم القصاص حيث قال للإمام الصادق ع: (إنّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم..)، فالظاهر من يوم القصاص هو يوم القيامة وهو يوم العذاب، بينما عبر عمّّا جرى عليهم في الدنيا بالمحنة، وهذا معناه أن يوم المحنة غير يوم القصاص، فيوم المحنة يشير إلى ما جرى عليهم في الدنيا، بينما يوم القصاص يشير إلى يوم القيامة وهو يوم العذاب الأليم الذي يصب على الظالمين الذين اغتصبوا خلافة رسول الله ص وهتكوا بيت فاطمة (عليها السلام) وضربوها ورفسوها صلوات ربي عليها. هذا مضافاً إلى أنّ الرواية لها صلة جاء فيها: (ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ع وهن صارخات وأمه فاطمة تقول: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ ([304])، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً﴾ ([305])) ([306]). ومن الواضح أنّ ذلك يكون في يوم القيامة فيكون المراد من يوم العذاب هو يوم القصاص أو يوم القيامة. والله أعلم وأحكم. قال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾([307]). -الباب الثالث وفيه فصول: الفصل الأول: السقيفة وبيعة أبي بكر الفصل الثاني: سياسات خلافة السقيفة الفصل الثالث: الهجوم على بيت الوحي -الفصل الأول: السقيفة وبيعـة أبي بكر اجتمعت الأنصار في سقيفة ([308]) بني ساعدة، وتبعهم جماعة من المهاجرين، ولم يبق حول رسول الله ص إلا أقاربه، وهم من تولى غسله وتكفينه وهم: علي والعباس، وابناه الفضل وقثم، وأسامة بن زيد، وصالح مولى رسول الله، وأوس بن خولي الأنصاري. ويروي عمر تلك الأحداث - كما يروي البخاري - بقوله: (وإنه قد كان من خبرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنّا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا رجلان منهم صالحان فذكرا ما تمالى عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت: من هذا ؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ماله قالوا ؟ يوعك. فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله لما هو أهله، ثم قال: أمّا بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر، وكنت إداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولم يعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أنّ تسول إلي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن، فقال قائل الأنصار: أنا جُذَيْلُها المُحَكَك ([309]) وعُذَيْقُها الُمَرجّب ([310])، منّا أمير ومنكم أمير، يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فأمّا بايعناهم على ما لا نرضى وأما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا) ([311]). وذكر الطبري الاجتماع الأول في السقيفة بقوله: (اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وتركوا جنازة الرسول يغسله أهله، فقالوا: نولي هذا الأمر بعد محمد، سعد بن عبادة، وأخرجوا سعداً إليهم وهو مريض .... فحمد الله وأثنى عليه، وذكر سابقة الأنصار في الدين وفضيلتهم في الإسلام، وإعزازهم للنبي وأصحابه وجهادهم لأعدائه، حتى استقامت العرب، وتوفي الرسول وهو عنهم راضٍ، وقال: استبدُّوا بهذا الأمر دون الناس فأجابوه بأجمعهم: أن قد وفّقت في الرأي، وأصبت في القول ولن نعدوا ما رأيت، نوليك هذا الأمر، ثم إنهم ترادّوا الكلام بينهم، فقالوا: فإن أبَت مهاجرة قريش ؟ فقالوا نحن المهاجرون، وصحابة رسول الله الأولون، ونحن عشيرته، وأولياؤه، فعلامَ تنازعوننا هذا الأمر بعده ؟ فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذاً: منّا أمير ومنكم أمير، فقال سعد بن عبادة: هذا أول الوهن) ([312]). ويروي ابن أبي الحديد في شرح النهج: فقام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا معشر الأنصار، أملكوا عليكم أمركم، فإنّ الناس في ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر أحد إلا عن رأيكم. أنتم أهل العزّة والمنعة، وأولو العدد والكثرة، وذوو البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنّا أمير ومنهم أمير. فقال عمر: هيهات ! لا يجتمع سيفان في غمد، والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة منهم، من ينازعنا سلطان محمد، ونحن أولياؤه وعشيرته ([313]) ! فقال الحباب بن المنذر: يا معشر الأنصار، أملكوا أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد، فأنتم أحق بهذا الأمر منهم، فإنه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين، أنا جُذَيْلُها المُحَكَك وعُذَيْقُها الُمَرجّب ([314]) أنا أبو شبل في عريسة الأسد، والله لو شئتم لنعيدنّها جَذَعَة ([315]). فقال عمر: إذن يقتلك الله، قال: بل إياك يقتل. فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار، إنّكم أول من نصر، فلا تكونوا أول من بدل وغير. فقام بشير بن سعد، والد النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار، ألا إنّ محمداً من قريش، وقومه أولى به، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر. فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم، فقالا: والله لا نتولى هذا الأمر عليك وأنت أفضل المهاجرين، وخليفة رسول الله صلى الله عليه في الصلاة، وهي أفضل الدين، أبسط يدك، فلما بسط يده ليبايعاه، سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير، عققت عقاق أنفست على ابن عمك الإمارة ! فقال أسيد بن حضير رئيس الأوس لأصحابه: والله لئن لم تبايعوا ليكونن للخزرج عليكم الفضيلة أبداً، فقاموا فبايعوا أبا بكر. فانكسر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب، ثم حمل سعد بن عبادة إلى داره، فبقي أياماً، وأرسل إليه أبو بكر ليبايع، فقال: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي ما أطاعني وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني، ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربى. فقال عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال بشير بن سعد: إنه قد لج، وليس بمبايع لكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عشيرته، ولا يضركم تركه، إنما هو رجل واحد، فتركوه. وجاءت أسلم فبايعت، فقوى بهم جانب أبي بكر، وبايعه الناس ([316]). وقام عبد الرحمن بن عوف، وتكلم فقال: يا معشر الأنصار إنّكم وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي ([317]). وقام المنذر بن الأرقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإنّ فيهم لرجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب ([318]). فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا علياً ([319]). قال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت ابسط يدك لأبايعك ([320]) فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد عققت عقاق ([321])! أنفست على ابن عمك الإمارة؟ فقال: لا والله ولكني كرهت أن أنازع قوماً حقاً جعله الله لهم. ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض - وفيهم أسيد ابن حضير وكان أحد النقباء -: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا أبا بكر ([322]). فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم ... فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة. فقال أناس من أصحاب سعد: اتقوا سعداً لا تطأوه. فقال عمر: اقتلوه؛ قتله الله. ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك. فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. فقال أبو بكر: مهلاً ! يا عمر الرفق ها هنا أبلغ. فأعرض عنه عمر ([323]). وقال سعد: أما والله لو أنّ بي قوّة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيراً يُجْحِرُك وأصحابك: أما والله إذاً لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع. احملوني من هذا المكان. فحملوه فأدخلوه داره ([324]). وروى أبو بكر الجوهري: أنّ عمر كان يومئذٍ - يعني يوم بويع أبو بكر - محتجزاً يهرول بين يدي أبي بكر ويقول: ألا إنّ الناس قد بايعوا أبا بكر ... ([325]). فبايع الناس أبا بكر وأتوا به المسجد يبايعونه فسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله ص. فقال علي: ما هذا ؟ قال العباس: ما رئي مثل هذا قط !! ما قلت لك ؟ ([326]). وجاء البراء بن عازب فضرب الباب على بني هاشم وقال: يا معشر بني هاشم! بويع أبو بكر. فقال بعضهم لبعض: ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه ونحن أولى بمحمد!! فقال العباس: فعلوها ورب الكعبة! وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكّون أنّ علياً ع هو صاحب الأمر بعد رسول الله ص ([327]). روى الطبري: أنّ قبيلة أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول: ما هو إلاّ أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ([328]). فلما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفّه زفاً إلى مسجد رسول الله ص فصعد على المنبر - منبر رسول الله ص- فبايعه الناس حتى أمسى، وشغلوا عن دفن رسول الله حتى كانت ليلة الثلاثاء ([329]). البيعة العامة: ولما بويع أبو بكر في السقيفة وكان في الغد جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر. يروي البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس عن [على] المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فأنّ يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فإنّ الله تعالى قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنّ أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين فإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه. وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر. قال الزهري عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذٍ اصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة ([330]). كلام أبي بكر بعد البيعة: روى الطبري عن أنس بن مالك: لما بويع أبو بكر في السقيفة، وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر .... فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: أمّا بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم؛ فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني .... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله! ([331]). وروى اليعقوبي: صعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر، فجلس دون مجلس رسول الله بمرقاة، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني! لا أقول إني أفضلكم فضلاً، ولكني أفضلكم حملاً، وأثنى على الأنصار خيراً، وقال: أنا وإياكم معشر الأنصار كما قال القائل: جزى الله عنّا جعفراً حين أزلقت بنا نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنـا تلاقي الذي يلقـون منـا لملت فاعتزلت الأنصار عن أبي بكر، فغضبت قريش ([332]). روى ابن سعد في الطبقات الكبرى: قال لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد أيّها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن وسن النبي صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا، إعملوا أن أكيس الكيس التقوى، وأنّ أحمق الحمق الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقّه، وأنّ أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق ([333]). أيها الناس إنما أنا متّبع ولست بمبتدع فإنّ أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني ([334]). ظهور حسكة النفاق: مما تقدّم يتضح للقارئ الكريم بداية الانحراف الذي تحقق برحيل النبي ص ، وبروز ما كان موجوداً في نفوس القوم الذي أشارت له الزهراء (عليها السلام) في خطبتها في مسجد أبيها الرسول المصطفى ص، فقالت: (فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحشمكم فألفاكم غضاباً فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر، ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين) ([335]). فحدثت مشاجرات بين الأمة الإسلامية وانشقاقات واختلاف كبير. وأعظم خلاف جرى بين الأمة هو الخلاف في الإمامة والخلافة عن الرسول ص، حتى عبّر الشهرستاني في الملل والنحل عن عظم الخسارة التي خسرتها الأمة نتيجة ذلك الخلاف بقوله: (ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان) ([336]). فافترق المسلمون إلى فرقتين بعد رحيل الرسول ص: الأولى: تقول بأنّ منصب خلافة الرسول ص وإمامة الأمة منصب إلهي لابد فيه من النص، ولخليفة الرسول ما للرسول ص من صلاحيات في بيان الشريعة وتفصيل أحكامها، بل إنّ الله تعالى قد خص خليفة الرسول الشرعي بالنص عليه من جهة، ومن جهة ثانية أعطاه الصلاحيات التي كانت ثابتة للرسول ص. وهؤلاء أتباع مدرسة أهل البيت ص، وهم الشيعة الحقيقيون الذين يقرّون بحاكمية الله وتنصيبه سبحانه. الثانية: تقول بأنّ منصب الخلافة منصب عادي قد تركه الله تعالى بعد الرسول للإمة الإسلامية فهي التي تختار من يمثل الرسول في قيادة المجتمع البشري بعد وفاته ص. وهؤلاء هم أهل السنة. فلذا نرى علياً ع ورجال معه من البيت الهاشمي وغيرهم يقرّون النص، علماً منهم بمنزلة الإمامة وخلافة النبي ص التي بيّنها النبي ص ونص على الإمامة من بعده في مواطن شتّى. كما ونرى أيضاً تجمّع الأنصار تاركين النبي ص بلا تجهيز ويذهبون للسقيفة ويتداولون مسألة الإمامة وخلافة النبي ص، معرضين عن نصوص النبي ص على خليفته الشرعي، قد انقادوا لهوى نفوسهم الذي طمّعهم وصوّر لهم خلافة النبي ص بالملك المادي الدنيوي، فيقدّم نفسه سعد بن عبادة سيد الخزرج من الأنصار ويرفع عقيرته منادياً بالأنصار بأنهم لهم سابقة في الدين وهم الذين نصروا محمداً ص بعد أن خذله قومه في مكة. وهنا يصل خبر اجتماع الأنصار في السقيفة لبعض المهاجرين فيقصدون السقيفة بهدف تداول أمور الملك والمغالبة للوصول إلى السلطة والخلافة، مع عظم المصيبة التي حلّت بالأمة الإسلامية لفقدها نبيها الكريم وأبوها الذي رأت منه العطف والحنان والرحمة. وترى المهاجرين يطالبون بالخلافة عن النبي ص بزعمهم أنهم أولياؤه وعشيرته. وهنا يقول أمير المؤمنين ع - كما جاء في شرح نهج البلاغة للمعتزلي -: (واعجباً أن تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة). ثم ينقل شعر الشريف الرضي ويعلق عليه، قال: قال الرضي رحمه الله تعالى وقد روي له شعر قريب من هذا المعنى وهو: فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غيب وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنبي وأقرب ثم يعلّق ويقول: حديثه ع في النثر والنظم المذكورين مع أبي بكر وعمر، أمّا النثر فإلى عمر توجيهه لأنّ أبا بكر لما قال لعمر: أمدد يدك، قال له عمر: أنت صاحب رسول الله في المواطن كلّها، شدّتها([337]) ورخائها، فامدد أنت يدك، فقال علي ع: إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلها، فهلاّ سلمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك وزاد عليه بالقرابة ! وأمّا النظم فموجه إلى أبي بكر، لأن أبا بكر حاج الأنصار في السقيفة. فقال: نحن عترة رسول الله، وبيضته التي تفقأت عنه، فلما بويع احتج على الناس بالبيعة، وأنها صدرت عن أهل الحل والعقد، فقال علي ع: أمّا احتجاجك على الأنصار بأنّك من بيضة ومن قومه، فغيرك أقرب نسباً منك إليه، وأمّا احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك، فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد فكيف يثبت ([338]). وموقف المهاجرين والأنصار مجانباً للحق والصواب بعد بيان النبي ص لخليفته الشرعي في نصوص كثيرة، شهدها الكثير ممن حضر السقيفة. وبتلك الموازين الباطلة تمت بيعة أبي بكر التي كانت فلتة كما يقرّ بذلك عمر بن الخطاب الذي هو أول من بايع أبا بكر، بل هو الذي حسم الموقف لصالح أبي بكر، فقال - كما يروي أحمد في المسند -: (كانت فلتة ألا وإنها كانت كذلك ألا وأنّ الله عز وجل وقى شرّها) ([339]). وجاء في صحيح البخاري: ثم إنه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنّها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرّها ([340]). فجاء أبو بكر للخلافة لا بمنطق النص ولا بمنطق الشورى ولا بإجماع أهل الحل والعقد على بيعته، وهذا واضح من خلال النصوص السابقة، فقد خالف الكثير هذه البيعة، إلاّ أنها تمت بالمغالبة وبالبطش والإرهاب كما يأتي ذلك في الصفحات القادمة. ولنرى ما يذكره اليعقوبي في ذلك: واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، يوم توفي رسول الله ...، فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي، وعصبته بعصابة، وثنت له وسادة. وبلغ أبا بكر وعمر والمهاجرين، فأتوا مسرعين، فنحوا الناس عن سعد، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: يا معاشر الأنصار! منّا رسول الله، فنحن أحق بمقامه. وقالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير! فقال أبو بكر: منّا الأمراء وأنتم الوزراء. فقام ثابت بن قيس ابن شماس، وهو خطيب الأنصار، فتكلّم وذكر فضلهم. فقال أبو بكر: ما ندفعهم عن الفضل، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل، ولكن قريش أولى بمحمد منكم، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله: اللهم أعزّ الدين به ([341]) ! وهذا أبو عبيدة بن الجرّاح الذي قال رسول الله: أمير [أمين] هذه الأمة، فبايعوا أيهما شئتم! فأبيا عليه وقالا: والله ما كنّا لنتقدّمك، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين، فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر، وثنى عمر، ثم بايع من كان معه من قريش. ثم نادى أبو عبيدة: يا معشر الأنصار! إنّكم كنتم أول من نصر، فلا تكونوا أول من غير وبدل. وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال: يا معشر الأنصار، إنّكم، وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، وقام المنذر بن أرقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإن فيهم لرجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب، فوثب بشير بن سعد من الخزرج، فكان أول من بايعه من الأنصار، وأسيد بن حضير الخزرجي، وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد بن عبادة، وحتى وطئوا سعداً. وقال عمر: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً ([342]). فهذا شاهد واضح على أنّ البيعة إنما دبرّت بليل وبإرهاب، ونتيجة صراعات وأحقاد بين الأوس والخزرج بقيت في نفوس الأنصار، وها هو عمر ينادي اقتلوا سعداً ! * * * -المتخلفون عن بيعة أبي بكر: لما فرغ أمير المؤمنين ع من مواراة رسول الله ص عكف في منزله منشغلاً بما عهد إليه رسول الله ص، ولم يبايع الخلافة الغاصبة. واجتمع إليه جماعة من بني هاشم والأصحاب من المهاجرين والأنصار. وذكر المؤرخون في عداد من تخلّف عن بيعة أبي بكر وتحصّن بدار فاطمة مع علي ع كلاًّ من: العباس بن عبد المطلب، وعتبة بن أبي لهب، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله. قال اليعقوبي: وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي ابن كعب.. ([343])، وغيرهم. وروى الجوهري عن جرير بن المغيرة: إنّ سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياً ع ([344]). وقد حاول جمع كثير من العامة كتمان تخلف من تخلف عن بيعة أبي بكر لكي يثبتوا إجماع المسلمين على بيعتهم له ورضاهم به، إذ تبتني مشروعية خلافته على الإجماع عندهم، لادعائهم أنّ النبي ص قال: (لا تجتمع أمتي على الضلال) ([345])؛ ولذلك قالوا: ما خالف على أبي بكر أحد إلاّ مرتد أو من كان قد ارتد ! والمتتبع في كتب أهل السنة يجدها مشحونة بذكر تخلّف وجوه الأصحاب وعدم رضاهم بالبيعة. فقد روى البخاري ومسلم والطبري وغيرهم: أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وبني هاشم جميعاً لم يبايعوا أبا بكر في حياة فاطمة (عليها السلام) ([346])، ومعنى هذا أنّهم لم يبايعوا ستة أشهر على رواياتهم التي يذكرونها في تأريخ شهادة فاطمة (عليها السلام). وقال المقدسي: ولم يبايع علي ع أبا بكر ما لم يدفن فاطمة (عليها السلام) ([347]). وقال المسعودي: لما بويع أبو بكر في يوم السقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة، خرج علي ع فقال: (أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقاً) ؟! فقال أبو بكر: بلى، ولكني خشيت الفتنة ([348]). أقول: إنّ الخليفة الأول يرد بقوله: (بلى) وهذا يعني أنّه اقرّ بما قاله له أمير المؤمنين ع، إلا أنّه اعتذر بعذر طريف فقال: (خشيت الفتنة) والعذر كما ترى أيها القارئ الكريم، ومثله تجد الكثير الكثير!! كما في عذر منعهم أحاديث النبي ص بدعوى الحفاظ على القرآن لكي لا تختلط السنّة بالقرآن ! فهلاّ ردّ الحق إلى أهله بعد أن أمِنَ من وقوع الفتنة ؟؟ وقال اليعقوبي: وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم، (وقال: يا معشر بني هاشم) بويع أبو بكر. فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد. فقال العباس: فعلوها، ورب الكعبة. وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في علي، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس، وكان لسان قريش، فقال: يا معشر قريش، إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى بها منكم. وقام عتبة بن أبي لهب فقال: ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن أول النـاس إيمـانا وسابقـة وآخر النـاس عهـداً بالنبي ومن من فيـه ما فيهم لا يمتـرون به  عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن وأعلم النـاس بالقرآن والسـنن جبريل عون له في الغسل والكفن وليس في القوم ما فيه من الحسن  فبعث إليه علي فنهاه ([349]). بل إنّ النصوص تدل على وجود الكثير ممن تخلف عن بيعة أبي بكر، وكذلك وجود من عارض البيعة وهمّ بإنزال أبا بكر من منبر رسول الله ص. روى الشيخ الصدوق في الخصال: عن زيد بن وهب قال: (كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على علي بن أبي طالب ع اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار وكان من المهاجرين خالد بن سعيد ابن العاص والمقداد بن الأسود وأبي بن كعب وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود وبريدة الأسلمي، وكان من الأنصار خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وسهل بن حنيف وأبو أيوب الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان وغيرهم، فلما صعد المنبر تشاوروا بينهم في أمره، فقال بعضهم: هلا نأتيه فننـزله عن منبر رسول الله ص وقال آخرون: إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم وقال الله (: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾([350])، ولكن امضوا بنا إلى علي بن أبي طالب ع نستشيره ونستطلع أمره، فأتوا علياً عفقالوا: يا أمير المؤمنين، ضيعت نفسك وتركت حقاً أنت أولى به وقد أردنا أن نأتي الرجل فننـزله عن منبر رسول الله ص فإنّ الحق حقك، وأنت أولى بالأمر منه فكرهنا أن ننـزله من دون مشاورتك، فقال لهم علي ع: لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حرباً لهم ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله ( ولأهل بيت نبيه ص، وإنهم يطالبون بثارات الجاهلية، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني وقالوا لي: بايع وإلا قتلناك فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي وذاك أني ذكرت قول رسول الله ص: "يا علي، إنّ القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك، وعصوني فيك. فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر، ألا وإنّهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأمة ستغدر بك بعدي كذلك أخبرني جبرئيل ع عن ربي تبارك وتعالى ... فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرّفوه ما سمعتم من قول رسولكم ص ولا تدعوه في الشبهة من أمره ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله ص إذا وردوا عليه". فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله ص - وكان يوم الجمعة -، فلما صعد أبو بكر قاموا وتكلموا ببيانات شافية وافية، فأوّل من تكلم كان خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتق الله يا أبا بكر! فقد علمت أنّ رسول الله ص قال - ونحن محتوشوه يوم قريظة، حين فتح الله له وقد قتل علي ع يومئذٍ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم -: "يا معاشر المهاجرين والأنصار! إني موصيكم بوصية فاحفظوها، ومودعكم أمرا فاحفظوه، ألا إنّ علي بن أبي طالب ع أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربي، ألا وإنّكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم، واضطرب عليكم أمر دينكم، ووليكم شراركم، ألا إنّ أهل بيتي هم الوارثون لأمري، والعالمون بأمر أمتي من بعدي، اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي، يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض". فقال له عمر بن الخطاب: أسكت يا خالد ! فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه، فقال خالد: أسكت يا ابن الخطاب فإنك تنطق عن لسان غيرك، و أيم الله لقد علمت قريش إنك من ألأمها حسباً، وأدناها منصباً، وأخسها قدراً، وأخملها ذكراً، وأقلهم غناء عن الله ورسوله، وإنك لجبان في الحروب، بخيل بالمال، لئيم العنصر، ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وإنك في هذا الأمر بمنزلة: ﴿الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ( فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾([351]). فأبلس عمر، وجلس خالد بن سعيد. ثم احتج عليه بقية المهاجرين والأنصار ... قال الصادق ع: "فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جواباً"، ثم قال: وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني، فقال له عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع ([352]) إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام ؟ والله لقد هممت أن أخلعك واجعلها في سالم مولي أبي حذيفة. قال: فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله ص، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم ؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله ص، فقال عمر: والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا بن صهاك الحبشية، أبأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا، والله إنّ أسيافنا أحدّ من أسيافكم وإنّا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأنّ حجّة الله فينا، والله لولا أني أعلم أنّ طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري. فقال أمير المؤمنين: "إجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك"، فجلس وقام إليه سلمان الفارسي فقال: الله أكبر؛ الله أكبر سمعت رسول الله ص بهاتين الأذنين وإلا صمتا يقول: "بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه"، فلست أشك إلا وأنكم هم. فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين ع وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: "يا بن صهاك الحبشية، لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدّم لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً". ثم التفت إلى أصحابه فقال: "انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾([353])، والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله أو لقضية أقضيها فإنه لا يجوز بحجّة أقامها رسول الله أن يترك الناس في حيرة) ([354]). وكان فيمن تخلّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب، وقال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب: امدد يدك أبايعك، وعلي معه قصي، وقال ([355]): بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم فمـا الأمـر إلاّ فيكم وإليـكم أبـا حسن فاشدد بها كف حازم وإن امرأ يـرمي قصي وراءه  ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي وليـس لها إلاّ أبـو حسن علي فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي عزيز الحمى والناس من غالب قصي  ويروي ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: فقال علي لأبي سفيان: (إنك تريد أمراً لسنا من أصحابه، وقد عهد إلي رسول الله ص عهداً فإنا عليه)، فتركه أبو سفيان وعدل إلى العباس بن عبد المطلب في منزله، فقال: يا أبا الفضل، أنت أحق بميراث ابن أخيك، امدد يدك لأبايعك، فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك. فضحك العباس، وقال: يا أبا سفيان ، يدفعها علي ويطلبها العباس! فرجع أبو سفيان خائباً ([356]). ندم البعض وإعلان البيعة لعلي ع: روى ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار: (لما بويع أبو بكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وذكروا علي بن أبي طالب، وهتفوا باسمه، وإنه في داره لم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون، وكثر في ذلك الكلام) ([357]). وليعلم القارئ الكريم أنّ مجرّد الندم ورفض البيعة باللسان بلا موقف عملي لا يجدي نفعاً ولا يرجع حقاً، فما الفائدة من ندمهم وهم يتخاذلون عن النصرة، وقد أثبت تخاذلهم أمير المؤمنين ع عندما أمتحنهم وكشف عن التخاذل والجبن الذي حوته تلك القلوب التي طالما كانت تميل لعلي ع لكونه لا يحيد عنه منصف، إلا أنها تتخاذل عن نصرته، بل وتقف ضدّه! روى ابن شهر آشوب: عن أبي بصير، عن أبي جعفر، قال: (جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد النبي ص إلى علي ع فقالوا: أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بعد النبي ص هلم يدك نبايعك فوالله لنموتن قدامك. فقال علي ع: إن كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين، فحلق علي وحلق سلمان وحلق المقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم، ثم انصرفوا فجاؤوا مرّة أخرى، بعد ذلك فقالوا له مثل قولهم الأول وأجابهم مثله، وما حلق إلاّ هؤلاء الثلاثة) ([358]). وفي رواية أنّ علي بن أبي طالب ع احتج على القوم وراح يدور عليهم في بيوتهم مع بنت الرسول وبضعته فاطمة (عليها السلام) وابنيها الحسن والحسين (عليهما السلام). قال سلمان: (فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقّه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلاّ أربعة وأربعون رجلاً، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة. قلت لسلمان: من الأربعة ؟ قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوّام) ([359]). وفي رواية ابن قتيبة: (خرج علي ع يحمل فاطمة بنت رسول الله ص على دابة ليلاً يدور [بها] في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ....! فيقول علي ع: أفكنت أدع رسول الله ص في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه ....؟ فقالت فاطمة (عليها السلام): ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له وقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم) ([360]). وهذا يدل على عظم التخاذل عن نصرة علي بن أبي طالب ع، وهكذا استمر التخاذل حتى قال ع وقد مرّ بصيرة - حضيرة تتخذ من أغصان الشجر والأحجار للبقر والغنم - فيها قرابة ثلاثين شاة: (والله لو أن لي رجالاً ينصحون لله عز وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت أبن أكلة الذبان عن ملكه) ([361]). ويقصد بذلك معاوية بن أبي سفيان. وبقيت الأمة متخاذلة عن آل محمد ص، وها هي اليوم تتخاذل عن نصرة قائم آل محمد ع، إلاّ أنّ وعد الله الصادق؛ وهو القائم ع سيملأها قسطاً وعدلاً رغم انوف الظالمين. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾([362]). * * * -الفصل الثاني: سياسات خلافة السقيفة لقد اتبع أبو بكر سياسات لكي يكسب الجولة، و يبقي على كرسي الخلافة التي غصبها من صاحبها الشرعي، وسأتعرّض لبعض لهذه السياسات التي سار عليها أبو بكر ورفيقه الناصح له عمر بن الخطاب ويتبعهما حزبهما الرافض لعلي بن أبي طالب ع. ومن أولويات هذه السياسة الوقوف بوجه علي ع وفاطمة، وسلب ما في أيديهما، كما سيأتينا ذلك مفصلاً، وسأعرض الآن بإيجاز بعض تلك السياسات. أولاً: القضاء على الجماعات المؤمنة ببيعة علي ع. حارب أبو بكر هذه الجماعات باسم الردّة، وقد قسا عليهم ونكل بهم أشد تنكيل، لكي يكونوا عبرة لغيرهم ممن يحاول نصرة علي ع، فأرسل خالد بن الوليد إلى مالك بن نويرة وعشيرته الذي امتنع من دفع الزكاة للخلافة الغاصبة، لكونه يعلم أنّ وصي رسول الله هو علي بن أبي طالب ع، فقد شهد ابن نويرة حجة الوداع وكان من المبايعين لعلي بن أبي طالب ع في يوم الغدير، وسمع خطبة النبي الأعظم ص ووصايته لعلي بن أبي طالب ع، وكونه أولى الناس بأنفسهم كما كان النبي ص كذلك. فأرسل الخليفة خالد بن الوليد باسم الدين وكونه خليفة رسول الله ص لتصفية الرموز المؤيدة لعلي بن أبي طالب الرافضة للحكومة الغاصبة التي تسلطت على رقاب المسلمين بالشورى والسقيفة. وحكمت السلطة بارتداد مالك بن نويرة، إلا أنّ الباحث يقف هنا متحيراً، أليس من المفروض أن يرسل أبو بكر لمالك بن نويرة، ويستعلم منه الحال ويلقي الحجّة عليه، قبل إرسال الجيش لقتاله ؟! ثم إن كان مالك مرتداً فما ذنب عشيرته التي فيها الشيوخ والشباب والنساء والأطفال أفهل كل هؤلاء مرتدون ؟! فكيف ينفذ فيهم القتل ؟ ثم إذا أُبيح لخالد قتل مالك بن نويرة وجماعة من عشيرته، هل يُباح له أن يرتكب جريمة بشعة وفاحشة لا يرضاها خائن فاسد فضلاً عن مسلم له أدنى غيرة وشرف، فعمد خالد لزوجة مالك بن نويرة بعد أن قتل زوجها فدخل بها وهي في العدّة ؟! وهذه فضيحة للخليفة ولرسوله الذي أرسله. وهكذا جاءت تصفية مالك بن نويرة وعشيرته لكونه مرتداً لا يطيع أوامر الخليفة أبي بكر، فجاء خالد ماكراً ونزل ضيفاً عند مالك بن نويرة ثم غدر به. ومن الطبيعي أن يتعامل أبو بكر مع خالد، بكل لين ولم يسمعه توبيخاً؛ إذ هو من يعينه على ثبوت الخلافة له والانتقام من المناوئين كما أمره فيما بعد بأن يقتل علياً في التشهد، إلاّ أنّه أدرك خطورة الأمر وعدم صلاحه فصاح وهو في صلاته قبل التشهد: (لا يفعلن خالد ما أمرته به) ([363]). ثانياً: تجريد وعزل بني هاشم. عمد لتجريد بني هاشم ومن كان على نهجهم، ومن يحتمل من إعانتهم من الإمارة والسلطة، في الوقت الذي قرّب الخليفة ألدّ أعداء بني هاشم وخصومهم، أمثال: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم وبني أمية على العموم. وجعل بني هاشم ومن والاهم تحت الرقابة التامة. ثالثاً: سياسة الترغيب. لقد حاول الخلفاء خداع العباس بن عبد المطلب، وذلك بإشراكه في الخلافة، وجعلهم له نصيباً منها، وكان الهدف من وراء ذلك أن يجبروا غيره بعد مبايعته لهم، وليفردوا علياً ع، إلاّ أنّهم بائوا بالفشل الذريع، في الوقت نفسه نجد أن هذه السياسة نجحت مع البعض الآخر. قال اليعقوبي: فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة، فقال: ما الرأي ؟ قالوا: الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب، فتجعل له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه من بعده، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي، إذا مال معكم، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلاً، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه، ثم قال: إنّ الله بعث محمداً نبياً وللمؤمنين ولياً، فمن عليهم بكونه بين أظهرهم، حتى اختار له ما عنده، فخلى على الناس أمورا ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين، فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً، فوليت ذلك، وما أخاف بعون الله وتشديده وهنا، ولا حيرة، ولا جبناً، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وما انفك يبلغني عن طاعن يقول الخلاف على عامة المسلمين، يتخذكم لجأ، فتكون حصنه المنيع وخطبه البديع. فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه، وإمّا صرفتموهم عّما مالوا إليه، ولقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك .... عنكم، وعلى رسلكم بني هاشم، فإنّ رسول الله منا ومنكم. فقال عمر بن الخطاب: إي والله وأخرى، إنا لم نأتكم لحاجة إليكم، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم. فحمد العباس الله وأثنى عليه وقال: إنّ الله بعث محمداً كما وصفت نبياً وللمؤمنين ولياً، فمن على أمته به، حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده، فخلى على المسلمين أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحق، لا مائلين بزيغ الهوى، فإن كنت برسول الله فحقاً أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم، فما تقدمنا في أمرك فرضاً، ولا حللنا وسطاً، ولا برحنا سخطاً، وإن كان هذا الأمر إنما وجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا كارهين. ما أبعد قولك من أنهم طعنوا عليك من قولك إنهم اختاروك ومالوا إليك، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك، فأمّا ما قلت إنك تجعله لي، فإن كان حقاً للمؤمنين، فليس لك أن تحكم فيه، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض، وعلى رسلك، فإنّ رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها. فخرجوا من عنده ([364]). أقول: إنّ المتتبع لسير الأحداث التاريخية يجد أنّ لهذا النوع من السياسة كبير الأثر في حرف الحق عن أهله، فقد روى السيوطي عن مجاهد: أنّ أبا بكر قال في خطبته: إني لأرجو أن تشبعوا من الجبن والزيت ([365]). وخاطب الأنصار - بعد خطبة الزهراء (عليها السلام) - بقوله: (..... فاغدوا على أعطياتكم) ([366]). وروي: (فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار [قسمها] مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء؟ فقالت: أتراشونني عن ديني ؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه ؟ فقالوا: لا، فقالت: والله لا آخذ منه شيئا أبداً) ([367]). وإذا كانت هذه المرأة لم تقبل رشا أبي بكر، فإنّ هناك من كان يقبل الرشا. فقد جاء أبو سفيان - وفي يده بعض أموال السعاية - إلى المدينة، وسمع نبأ تولي أبي بكر للخلافة، فرفع عقيرته قائلاً: إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ الدم، فكلّم عمر أبا بكر، فقال: إنّ أبا سفيان قد قدم وإنّا لا نأمن شرّه، فدفع له ما في يده، فتركه ورضي!! ([368]). رابعاً: مؤامرتهم لقتل أمير المؤمنين ع. قال ابن عباس: (ثم إنهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حياً فقال أبو بكر: من لنا بقتله ؟ فقال عمر: خالد بن الوليد فأرسلا إليه فقالا: يا خالد، ما رأيك في أمر نحملك عليه ؟ قال: احملاني على ما شئتما، فوالله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت. فقالا: والله ما نريد غيره. قال: فإني له فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف. فإذا سلمت فاضرب عنقه. قال: نعم. فافترقوا على ذلك. ندامة أبي بكر عند إجراء المؤامرة ثم إنّ أبا بكر تفكّر فيما أمر به من قتل علي ع وعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على ما أمره به. فلم ينم ليلته تلك حتى أصبح ثم أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة. فتقدّم فصلى بالناس مفكراً لا يدري ما يقول. وأقبل خالد بن الوليد متقلداً بالسيف حتى قام إلى جانب علي ع، وقد فطن علي ع ببعض ذلك. فلما فرغ أبو بكر من تشهده صاح قبل أن يسلم: يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك، ثم سلم عن يمينه وشماله.... فوثب علي ع فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالداً فما قدروا عليه. فقال العباس: حلفوه بحق القبر "لما كففت". فحلفوه بالقبر فتركه، وقام فانطلق إلى منزله. وجاء الزبير والعباس وأبو ذر والمقداد وبنو هاشم، واخترطوا السيوف وقالوا: "والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل" واختلف الناس وماجوا واضطربوا، وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن: يا أعداء الله، ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول الله وأهل بيته لطالما أردتم هذا من رسول الله ص، فلم تقدروا عليه، فقتلتم ابنته بالأمس، ثم أنتم تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمه ووصيه وأبا ولده ؟ كذبتم ورب الكعبة. ما كنتم تصلون إلى قتله) ([369]). خامساً: الإدلاء بالخلافة لرفيق الدرب عمر بن الخطاب. وفي ختام هذه السياسات أدلى بالخلافة لعمر بن الخطاب وأقعده على كرسي الخلافة، كما اقعده عليه عمر بن الخطاب وجاهد وناضل من أجل أبي بكر. عمر الذي كان الحافظ لأسرار أبي بكر والذي سيتمم ما بدأ به أبو بكر فيشيد اسمه من بعده ويقوي أعوانه، والذي يسير بسيرة الخليفة الأول ويُبعد علياً وآل علي عن السلطة وكرسي الخلافة وغيرها من المسؤليات الأخرى. وقد أشار أمير المؤمنين ع إلى هذه الحقيقة عندما قال لعمر: (احلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلاّ ليؤمرك غداً،..) ([370]). * * * -الفصل الثالث: هجـوم القـوم على بيت الوحي جلس أمير المؤمنين ع في بيته بعد انقلاب الأمة على وصية نبيها، واشتغل بجمع القرآن، كما أوصاه النبي ص، وكان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي ع فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، وذلك تأييداً منهم لخليفة النبي الشرعي علي بن أبي طالب ع الذي سلبت السقيفة حقّه، وتحصّنوا في بيته ولم يجلسوا في بيوتهم بسبب انتساب هذا البيت إلى النبي وعلو مقام أهله عنده ص ، فهم أقرب وأحب الناس إليه، كما أنهم كانوا يعتقدون بالحصانة التي أعطاها النبي ص لبيت علي وفاطمة (عليهما السلام). وهذا يدل على أنهم لم يكونوا في صدد الوقوف المسلح ضد الخليفة الغاصب؛ لأسباب تعود إلى ضرورة حفظ الإسلام؛ حيث التخاذل الذي خيّم على الأمة ونكوصها عن نصرتها وبيعتها التي أعطتها بكل رغبة إلى علي بن أبي طالبع في يوم الغدير، مما جعل علياً ع يده جذّاء مقطوعة. ومن هنا قرّر أمير المؤمنين ع ترك الثورة المسلحة إلا مع وجود القدرة على ذلك، ومن هنا التجأ أمير المؤمنين ع على تجنيد الرأي العام ضد أبي بكر وبيان أحقيته بالخلافة وكونه خليفة النبي الشرعي. ولقد لخص أمير المؤمنين ع موقفه من الخلافة الجديدة في خطبته الشقشقية، حيث قال: (أما والله لقد تقمصها فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهباً) ([371]). فكانت بيعة الناس لا قيمة لها عند عمر بن الخطاب إلا أن يبايع علي بن أبي طالب ع، وما ذلك إلاّ لمعرفته بأحقية علي ع؛ إذ لو بقي علي ع لم يبايع لكانت بيعة الناس لا قيمة لها، ولم يتصور الذين تحصنوا في بيت علي وفاطمة عليهما السلام شدّة الجرأة من الخلافة على أهل هذا البيت وعدم احترامه بل وهتكه، وعرفوا ذلك بعد أن رأوا جموعاً من الرعاع يتقدّمهم عمر بن الخطاب يحيطون ببيت علي وفاطمة (عليهما السلام)، ويريدون اقتحام الدار بالقوة وبأيدي البعض منهم قبس من نار. وإلى القارئ الكريم نصوص بعض من نقل الواقعة، وليس كما يتوهّم البعض من المغرضين بأنّ قضية حرق باب فاطمة (عليها السلام) أسطورة أتى بها الشيعة لا نصيب لها من الحقيقة، فهذا يدل على جهل صاحب هذا التوهم بكتب التاريخ التي روت الواقعة، وانكشاف أغراضه التي تكمن في نفسه؛ إذ كيف يمكن إنكار حدث كبير حدث في التاريخ بعد وفاة النبي ص ورواه الكثير من المؤرخين، فقد روي في مصادر السنة والشيعة، نعم بعض المؤرخين أعرضوا عن ذكر هذا الحدث الهام خوفاً ورهبة أو تزلّفاً وطمعاً. والذين نقلوا الواقعة ينقسمون إلى قسمين: منهم من اقتصر على ما دار بين علي وبين الخلافة الغاصبة من احتجاجات وتهديدات. ومنهم من أزاح الستار عمّا قام به عمر بن الخطاب من أخذ البيعة بالعنف حتى انتهى الأمر إلى إحراق الباب وكسره وما تلاه من حوادث صبتها الخلافة الغاصبة على بيت الوحي. وإليكم بعضاً من تلك النصوص: الواقعة برواية ابن قتيبة: قال ابن قتيبة: (وإنّ أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده. لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص. إنّ فيها فاطمة ؟ فقال وإن، فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً فإنه زعم أنه قال: "حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن"، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها، فقالت: "لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردّوا لنا حقاً". فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي علياً، قال فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك ؟ فقال يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: "لسريع ما كذبتم على رسول الله". فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً. فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ، فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: "سبحان الله ؟ لقد ادعى ما لبس له"، فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً، ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: "يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة" !!، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: "إن أنا لم أفعل فمه ؟" قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، فقال: "إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله"، قال عمر: أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح ويبكي، وينادي: "يا بن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني") ([372]). الواقعة برواية اليعقوبي: (وبلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف([373])، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: "والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولاعجن إلى الله" ! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياماً. ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع، ولم يبايع علي إلاّ بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوماً) ([374]). الواقعة برواية البلاذري: قال: حدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: (بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي ع حين قعد عن بيعته وقال إئتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال له علي ع: احلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلاّ ليؤمرك غداً، وما تنفس [ننفس] على أبي بكر هذا الأمر لكنا أنكرنا ترككم مشاورتنا، وقلنا: إنّ لنا حقاً لا تجهلونه، ثم أتى فبايعه)([375]). وقد روى البلاذري عن المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي، عن أبي عون أنّ أبا بكر أرسل إلى علي ع يريده على البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه قبس فلقيته فاطمة (عليها السلام) على الباب فقالت: (يا ابن الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بأبي) ؟! قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ([376]). الواقعة برواية الطبري: قال: (أتى عمر بن الخطاب، منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: واللّه لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير، مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه) ([377]). الواقعة برواية ابن عبد ربه في العقد الفريد: قال تحت عنوان (الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر): (علي والعباس، والزبير، وسعد بن عبادة، فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حيث بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليُخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة) ([378]). الواقعة برواية ابن عبد البر في الاستيعاب: قال: حدّثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن أيّوب، حدّثنا أحمد بن عمرو البزاز، حدّثنا أحمد بن يحيى، حدّثنا محمد بن نسير، حدّثنا عبد اللّه بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، إنّ عليّاً والزبير كانا حين بُويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر، فقال: يا بنت رسول اللّه، ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما أحد أحبّ إلينا بعده منك، ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ. ثمّ خرج وجاءوها. فقالت لهم: (إنّ عمر قد جاءني وحلف لئن عدتم ليفعلنّ، وأيم اللّه ليفينّ بها) ([379]). أضواء على النصوص المتقدّمة: الإضاءة الأولى: إصرار عمر على أخذ البيعة من علي ع (كان عمر يصرّ على أخذ البيعة من علي بن أبي طالب ع، ولا يرى بيعة غيره من المسلمين ومن بني هاشم تسدّ بيعته، فلقد جاء في الإمامة والسياسة كما تقدّم: "فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ .... فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، ... ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، ....". فكان عمر يعتبر الجميع رعاع كما يسميهم هو، لذا قال لأبي بكر - كما يروي سلمان رضوان الله عليه -: أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شيء حتى يبايع، ولو قد بايع أمنّاه)([380]). وفي رواية أخرى ذكرها المفيد: (قال له عمر: يا هذا لم تصنع شيئاً ما لم يبايعك علي فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك، قال: فبعث قنفذاً، فقال له: أجب خليفة رسول الله ص، قال علي ع: لأسرع ما كذبتم على رسول الله ص ما خلف رسول الله ص أحداً غيري، فرجع قنفذ وأخبر أبا بكر بمقالة علي ع فقال أبو بكر: انطلق إليه فقل له: يدعوك أبو بكر ويقول: تعال حتى تبايع فإنما أنت رجل من المسلمين، فقال علي ع: أمرني رسول الله ص أن لا أخرج بعده من بيتي حتى أؤلف الكتاب فإنه في جرائد النخل وأكتاف الإبل، فأتاه قنفذ وأخبره بمقالة علي ع ، فقال عمر: قم إلى الرجل، فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد ابن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وقمت معهم و ظنت فاطمة (عليها السلام) أنه لا تُدخَل بيتها إلا بإذنها، فأجافت الباب وأغلقته، فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره - وكان من سعف - فدخلوا على علي ع وأخرجوه ملبباً) ([381]). فكان عمر يعرف منزلة علي بن أبي طالب ع وإن بيعة كل الناس لا تسد بيعته، فمن هنا أصر على أخذ البيعة منه بشتى السبل. والسبب في ذلك يعود لمعرفة عمر بأنّ علي ع هو الخليفة الشرعي للنبي ص، وكيف لا يعرف ذلك كيف لا وهو من هنأه يوم الغدير بذلك، قائلاً: (بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) ([382]). وروى أبو الحسن ابن المغازلي عن أبي بكر أحمد بن محمد بن طاوان. قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن السماك، قال: حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي، قال: حدثني ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر ابن حوشب، عن أبي هريرة، قال: (من صام يوم ثماني عشرة خلت من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي ص بيد علي ابن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا علي ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن. فأنزل الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم") ([383]). وروي: (أنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة) ([384]). روى الدارقطني عن سعد، قال: (لما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة) ([385]). وقد روى تهنئة عمر لعلي في يوم الغدير جماعة كبيرة من كبار علماء أهل السنة ([386]). ولذا نجد عمر بن الخطاب لما أدرك بأنّ النبي ص حينما طلب دواة وكتف ليكتب وصيته التي وصفها بأنها كتاب عاصم من الضلال، فراح يتهم النبي ص بغلبة الوجع، وقائلاً حسبنا كتاب الله، والحال أنه لا يفقه من كتاب الله شيء، ودون القارئ سيرة الرجل التي تدل على ذلك، ولكي لا أحيل القارئ دون ذكر شاهد على ما أقول، أنقل شاهداً واحداً. قال ابن حجر: (وذكر الحميدي أنه جاء في رواية أخرى عن ثابت عن أنس أنّ عمر قرأ "فاكهة وأبا" ([387])، فقال: ما الأب ؟ ثم قال: ما كلفنا، أو قال ما أمرنا بهذا. "قلت" هو عند الإسماعيلي من رواية هشام عن ثابت، وأخرجه من طريق يونس بن عبيد عن ثابت بلفظ إنّ رجلاً سأل عمر بن الخطاب عن قوله "وفاكهة وأبا"، ما الأب ؟ فقال عمر: نهينا عن التعمق والتكلف) ([388]). وغير ذلك كثير. الإضاءة الثانية: إنّ في الدار فاطمة جاء في النص الذي ذكره ابن قتيبة قول عمر: (لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص. إنّ فيها فاطمة ؟ فقال وإن، ...). وفي هذا المجال نريد تحديد بعض دلالات قول البعض لعمر: إنّ في الدار فاطمة (عليها السلام)، وما الذي دعاهم لهذا القول، وما هي دلالات ردّ عمر عليهم. فما هو الداعي الذي دعاهم لهذا القول ؟ فهل أنّهم قالوا لينبهوا عمر بأنّ في الدار يوجد شخص ما ؟ بطبيعة الحال ليس هذا الهدف من قولهم هذا، فهو يعلم بمن في الدار، بل جاء ليحرقها على من فيها، كما قال: (والذي نفس عمر بيده. لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها) !! إذن، فكان قولهم لعمر: إنّ في الدار فاطمة يستهدف تذكيره وبيان عظمة الجرم الذي أقدم عليه حتى دفع هؤلاء إلى التعجب، فقالوا له: (إنّ في الدار فاطمة)! متعجبين من جهة، ومن ثانية أرادوا تذكيره بفاطمة التي قال في فضلها النبي ص: (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني) ([389]). وقوله ص: (وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية)([390]). وقوله ص: (إنّ الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك) ([391]). وقوله ص: (فاطمة بضعة منى فمن أغضبها فقد أغضبني) ([392]). وقوله ص: (فإنما هي فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها) ([393]). وقوله ص: (إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها) ([394]). وهكذا أرادوا تذكير عمر بأقوال وأفعال رسول الله ص حينما يقف على بيت فاطمة (عليها السلام)، ويكرر قوله: (السلام عليكم أهل البيت، ثم يقرأ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾). عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى باب علي رضي الله عنه أربعين صباحاً بعد ما دخل على فاطمة، فقال: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾) ([395]). وقوله ص لعلي وفاطمة والحسن والحسين: (أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم) ([396]). فأرادوا تذكيره ببيت فاطمة (عليها السلام) الذي هو أخر بيت يودّعه الرسولص في خروجه من المدينة، وأول بيت يقصده في عودته إليها. فأرادوا بقولهم: (إنّ في الدار فاطمة) تذكير الخليفة بكل ذلك ولكي تتداعى له كل هذه المعاني المذكورة. إلا أنه كان كافراً بكل ذلك ولم يعي شيئاً منه؛ لذا فكان بطبيعة الحال أن يقول: وإن !! وبقوله هذا يريد القول أنّ كل القدسية التي ذكرتموها لفاطمة (عليها السلام) ليس لها وجود عندي، ولا تشكل لدي مانعاً من حرق دارها بمن فيها !! الإضاءة الثالثة: المراسلات بين علي ع وبين الخلافة الغاصبة لقد حصلت مراسلات بين الخلافة وبين علي ع، والشخص الذي جعلوه ينقل عن لسان الخلافة هو قنفذ، وهو أعرابي جافي لا يعرف القيم الإنسانية، كل ذلك لشدة إيذاء علي ع. قال ابن قتيبة: (فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي علياً، قال فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك ؟ فقال يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً. فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ، فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال سبحان الله ؟! لقد ادعى ما لبس له، فرجع قنفد، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً، ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، ...). وفي رواية: (وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع ، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه فأرسل إليه أبو بكر: أجب خليفة رسول الله، فأتاه الرسول فقال له ذلك. فقال له علي ع: سبحان الله، ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري، وذهب الرسول فأخبره بما قال له قال: اذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال فقال له علي ع: سبحان الله، ما والله طال العهد فينسى . فوالله إنه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين. فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أحق من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم، حقاً حقاً من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار، فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك) ([397]). فجميع المراسلات باءت بالفشل، ومن هنا - وكما هو ديدن الظالمين الطواغيت - استخدمت الخلافة العنف والقوة كي يحصلوا على بيعة علي بن أبي طالب ع، ومن هنا أقدموا على الهجوم الشرس الذي كان ضحيته سقوط المحسن وضرب فاطمة بضعة المصطفى ص بشتّى أنواع الضرب، وهتك بيت الوحي والرسالة. الإضاءة الرابعة: ابن قتيبة يحاول تخفيف شدّة الواقعة ولقد حاول ابن قتيبة أن يخفف من شدّة الواقعة، فأجمل من جهة، ومن جهة أخرى حاول استعمال ألفاظ لا توحي للقارئ أنّهم أقدموا بشدّة وجلافة بدوية قروية على انتهاك حرمة بيت فاطمة (عليها السلام)، فيقول: (فدقوا الباب) !! والحال أنّهم قرعوا الباب قرعاً شديداً. فنفس ابن قتيبة ينص ويقول: (وإنّ أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها). بل تصرّح الروايات الأخرى التي ذكرت الواقعة أنهم ورفعوا أصواتهم وخاطبوا علياً وفاطمة عليهما السلام بخطابات شتىّ، ودعوهم إلى بيعة أبي بكر، وصاح عمر: يا بن أبي طالب! افتح الباب ([398]) ! وقال عمر لفاطمة (عليها السلام) حينما كلمته من خلف الباب: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم! وفي رواية أخرى: والله لئن لم تفتحوا لنحرقنه بالنار ([399]) ! وفي رواية أخرى أنّ عمر قال: (والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم) ([400]) ! وفي أخرى أيضاً قال: (أخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك) ([401]) ! وقال البلاذري كما تقدّم: (فقالت - أي فاطمة (عليها السلام)-: يا ابن الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي، قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك). وفي رواية ابن عبد ربه المتقدمة في العقد الفريد: (فأقبل - أي عمر - بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة). وفي رواية البلاذري المتقدمة أنّ أبا بكر قال لعمر: (إئتني به بأعنف العنف). وقد أراح نفسه ابن عبد البر في الاستيعاب واكتفى بنقل قول عمر: (ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ)، وترك التفصيل في الواقعة حفاظاً على وجه ماء الخليفة. وغيرها من الألفاظ المختلفة التي نقلها المؤرخون التي يجد القارئ فيها العنف والبداوة الظاهرة على ألفاظ عمر بن الخطاب ومدى كرهه لأهل هذا البيت ص. فابن قتيبة لم يوفق في محاولته لتخفيف تلك البداوة ويحسن ألفاظ عمر بن الخطاب فقال: (فدقوا الباب) ! والحال أنّ لغة العنف بادية من كلمات عمر بن الخطاب والأعراب الذين جاؤا معه، حتى أنهم ضربوا الباب ضرباً. روى المجلسي: (فوثب عمر غضبان ، فنادى خالد بن الوليد وقنفذا فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي وفاطمة (عليها السلام) قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله ص ، فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى يا ابن أبي طالب افتح الباب، فقالت فاطمة (عليها السلام): يا عمر، مالنا ولك ؟ لا تدعنا وما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم، فقالت: يا عمر، أما تتقى الله عز وجل تدخل عليّ بيتي، وتهجم على داري ؟ فأبى أن ينصرف، ثم عاد عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، فرفع السيف وهو في غمده فوجئ به جنبها فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه. فوثب علي بن أبي طالب ع فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهم بقتله، فذكر قول رسول الله ص وما أوصى به من الصبر و الطاعة، فقال: والذي كرّم محمداً صبالنبوة يا ابن صهاك، لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي، فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وسل خالد بن الوليد السيف ليضرب به علياً ع فحمل علي ع بسيفه، فأقسم على علي فكف، وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعواناً لعلي ع حتى كادت تقع فتنة. فاُخرج علي ع وتبعه الناس وأتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله ص وأخرجتم الضغاين التي في صدوركم ، وقال بريدة بن الحصيب الأسلمي يا عمر أتيت على أخي رسول الله ص ووصيه وعلى ابنته فتضربها وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به، فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب بريده وهو في غمده، فتعلّق به عمر ومنعه من ذلك) ([402]). وكذلك ينبغي النظر فيما قاله اليعقوبي: (وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه...)، فهذا لم يروه أحد، بل المعروف أنّ الذي كُسر سيفه هو الزبير كما يروي ذلك الطبري في النص المتقدّم، حيث قال: أتى عمر بن الخطاب، منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: واللّه لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير، مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. بل المروي - كما في الرواية المتقدمة عن البحار - أنّ علي بن أبي طالب ع مسك عمر من تلابيبه (فوثب علي بن أبي طالب ع فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهم بقتله، فذكر قول رسول الله ص وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال: والذي كرم محمداً ص بالنبوة يا ابن صهاك، لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي، فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وسل خالد بن الوليد السيف ليضرب به علياً ص فحمل علي ص بسيفه، فأقسم على علي فكف،...). وهذا هو المعروف عند الجميع من شجاعة وبسالة علي بن أبي طالب ع، فكيف يجرؤ عمر أن يكسر سيف ذو الفقار الذي طهر الأرض من براثن الكفر وجندل الأبطال ونكس الفرسان ؟ هذا ما لا يستسغه من له أدنى معرفة بشخصية علي بن أبي طالب الصامدة في الحروب، وشخصية عمر بن الخطاب التي لم تثبت في معركة من معارك رسول الله ص. والذي يبدو لي أنّ عمر عندما رأى الزبير مصلتاً ولّى هارباً كعادته. خروج فاطمة (عليها السلام) خلف علي ع: لما أخرج بعلي ع خرجت فاطمة (عليها السلام) خلفه آخذة بيدي ابنيها. يقول الإمام الصادق ع: (فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها، حتى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً أبي بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله ص على رأسي، ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من أبي، ولا الناقة بأكرم مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي ! قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريباً منها، فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله تقلعت من أسفلها، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي إنّ الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها ، فدخلت في خياشيمنا) ([403]). فقالت: (مالي ومالك يا أبا بكر تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي والله لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربي)، فقال رجل من القوم: ما تريد إلى هذا ثم أخذت بيده فانطلقت به ([404]). عن أبي جعفر ع، قال: (والله لو نشرت شعرها ماتوا طرّاً) ([405]). قال الشيخ المفيد: (فخرجت وأخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام متوجهة إلى القبر فقال علي ع لسلمان: يا سلمان، أدرك ابنة محمد ص فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان، فوالله لئن فعلت لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها، قال: فلحقها سلمان فقال: يا بنت محمد ص إنّ الله تبارك وتعالى إنما بعث أباك رحمة فانصرفي، فقالت: يا سلمان، ما علي صبر فدعني حتى آتي قبر أبي، فأصيح إلى ربي، قال سلمان: فإن علياً بعثني إليك وأمرك بالرجوع فقالت: أسمع له وأطيع، فرجعت،..) ([406]). وفي رواية: (فلحقته - أي لحقت علي ع- فاطمة إلى المسجد لتخلصة فلم تتمكن، فعدلت إلى قبر أبيها، فأشارت إليه بحرقة ونحيب وهي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة يا ليتها خرجت مع الزفرات لا خير بعدك في الحياة ، وإنما أبكي ، مخافة أن تطول حياتي ثم قالت: وا أسفاه عليك يا أبتاه وا ثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربيته صغيراً وواخيته كبيراً، وأجل أحبائك لديك، وأحب أصحابك إليك أولهم سبقا إلى الإسلام، ومهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير. ثم أنها أنت أنة، وقالت: وا محمداه، وا حبيباه، وا أباه، وا أبا القاسماه، وا أحمداه، وا قلة ناصراه، وا غوثاه، وا طول كربتاه، وا حزناه، وا مصيبتاه، وا سوء صباحاه، وخرت مغشية عليها، فضج الناس بالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتماً) ([407]). فالزهراء (عليها السلام) هبّت للدفاع عن الوصي، ووقفت خلف الباب بصلابة متناهية، وخاطبت القوم بالحجّة البالغة عسى أن يرتدع الظالمون، ولم تلتزم الصمت؛ لأنّها صاحبة حقّ والمهاجمون غاصبون لحقّ الخلافة الشرعية. وحينما أخرجوا علياً ع لحقت به لعلّها تمنعهم عنه رغم كلّ الآلام التي تعرّضت لها عند هجومهم على الدار. وحين أعيتها الحِيَل انصرفت للدعاء عليهم صارخة مستغيثة بالله ورسوله ص على رؤوس الأشهاد، فأدركها سلمان الفارسي بأمر علي ع. إنّ موقف الزهراء (عليها السلام) سجّل اعتراضاً صارخاً واضحاً لكلّ متبّع للحقّ بينت فيه أنّ الخلافة انحرفت عن مسارها الصحيح وعن أصحابها الشرعيين، وقد أدّت دورها العظيم في محاولة إعادة حقّ الخلافة إلى صاحبها الشرعي من خلال بثّ الوعي في الأمة الضائعة وفضح المغتصبين للخلافة مع تأكيدها على عدم أهليّتهم لتحمّل أعباء مسؤولية زعامة؛ لكونهم لم يكونوا معينين ومنصبين من الله سبحانه. عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول الله صكانت فاطمة (عليها السلام) تأتي قبور الشهداء و تأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتها (عليها السلام) تبكي هناك فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلمت عليها وقلت: يا سيدة النسوان قد والله قطعت نياط قلبي من بكائك ، فقالت: (يا با عمرو لحق لي البكاء ، فلقد أصبت بخير الآباء رسول الله ص وا شوقاه إلى رسول الله)، ثم أنشأت (عليها السلام) تقول: إذا مات يوماً ميت قل ذكره وذكر أبي مذ مات والله أكثر قلت: يا سيدتي إني سائلك عن مسألة تتلجلج في صدري، قالت: (سل)، قلت: هل نص رسول الله قبل وفاته على علي بالإمامة ؟ قالت: (واعجبا أنسيتم يوم غدير خم) ؟ قلت: قد كان ذلك ولكن أخبريني بما أشير إليك، قالت: (أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول: علي خير من أخلفه فيكم، وهو الإمام والخليفة بعدي، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة) ؟ قلت: يا سيدتي فما باله قعد عن حقّه ؟ قالت: (يا با عمر، لقد قال رسول الله ص: مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا تأتي - أو قالت: مثل علي - ثم قالت: أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيه لما اختلف في الله اثنان، ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين، ولكن قدّموا من أخرّه الله وأخرّوا من قدّمه الله: حتى إذا ألحدوا المبعوث وأودعوه الجدث المجدوث اختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم، تبا لهم أولم يسمعوا الله يقول: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ؟ بل سمعوا ولكنهم كما قال الله سبحانه: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم، فتعساً لهم وأضل أعمالهم ، أعوذ بك يا رب من الحور بعد الكور) ([408]). إجبار أمير المؤمنين ع على البيعة: (واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة من الرجال فأخرج علي بن أبي طالب ع ملبباً يمضي به ركضاً ([409])، وهو يقول: معاشر المسلمين، علام تضرب عنق رجل من المسلمين، لم يتخلف لخلاف وإنما تخلف لحاجة؟! فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له: انطلق فبايع) ([410]). واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي رحمهم الله وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله ص وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم. وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر، أتثب على أخي رسول الله ووصيه وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به. فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده، فتعلق به عمر ومنعه من ذلك ([411]). يقول عدي بن حاتم واصفاً حال أمير المؤمنين ع: ما رحمت أحداً رحمتي علياً حين أتي به ملبباً ([412]). وقال سلمان حينما رأى ذلك: أيصنع ذا بهذا ؟ والله لو أقسم على الله لانطبقت ذه على ذه([413])! وقال المقداد: والله هكذا أراد الله أن يكون ([414]). وعن أبي جعفر ع يقول: (لما مرّوا بأمير المؤمنين ع في رقبته حبل إلى زريق ضرب أبو ذر بيده على الأخرى ثم قال: ليت السيوف عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربه عز وجل، وقال سلمان: مولاي أعلم بما هو فيه) ([415]). وكان أمير المؤمنين ع يتألم ويتظلم ويستنجد ويستصرخ، وهو يقول: (أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبداً. أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلاً لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواماً بايعوني ثم خذلوني) ([416]). ويقول ابن قتيبة: (... فمضوا به - أي بعلي بن أبي طالب ع - إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، فقال: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله ص يصيح ويبكي، وينادي: يا بن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ...) ([417]). وفي رواية: (ولما انتهى بعلي ع إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال ع له: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون ؟ قالوا: نقتلك ذلاً وصغاراً، فقال ع: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله. فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسول الله فما نقر بهذا، قال: أتجحدون أن رسول الله ص آخى بيني وبينه ؟ قال: نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرّات. ثم أقبل عليهم علي ع فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار، أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله صيقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا ؟ فلم يدع ع شيئاً قاله فيه رسول الله ص علانية للعامة إلا ذكرهم إياه. قالوا: اللهم نعم. فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال له: كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله ص يقول بعد هذا: إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة، فقال علي ع: هل أحد من أصحاب رسول الله ص شهد هذا معك ؟ فقال عمر: صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال. وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق ، قد سمعنا ذلك من رسول الله ص) ([418]). ولقد بيّن أمير المؤمنين ع حقيقة التخطيط المسبق لتقمص الخلافة وسلبها منه كما أخبره ابن عمّه النبي ص، فقال: (لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة: إن قتل الله محمداً أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت). فقال أبو بكر: فما علمك بذلك ؟ ما أطلعناك عليها ؟ فقال ع: (أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله صيقول ذلك وأنتم تسمعون: إنّ فلاناً وفلاناً - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيماناً على ما صنعوا إن قتلت أو مت) ؟ فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله ص يقول ذلك لك: (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتاباً إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي. قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل) ؟ فقال لك: (إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعواناً فبايع واحقن دمك). فقال علي ع: (أما والله، لو أنّ أولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة) ([419]). وروى الجوهري: عن حبيب بن ثعلبة بن زيد، قال: سمعت علياً يقول: (أما ورب السماء والأرض، - ثلاثاً - إنّه لعهد النبي الأمي إليّ: لتغدرن بك الأمة من بعدي) ([420]). تفصيل ما جرى على فاطمة (عليها السلام): لقد أختلف المؤرخون في نقل الواقعة، فكل واحد ينقل مفردة أو مفردتين من الوقائع التي وقعت على بنت محمد فاطمة (عليها السلام) فنجد بعضهم ينقل التهديد بالإحراق، وآخر ينقل: جمع الحطب، وثالث ينقل: الإتيان بقبس من نار، ورابع ينقل: إحراق الباب واشتعال النيران، وخامس ينقل: كسر الباب، ودخول البيت، وسادس ينقل: عصر الزهراء، بين الباب والحائط، وإسقاط الجنين، وسابع ينقل: لطمها على خدّها، أو ضربها على يديها، أو جنبها، أو متنها، أو عضدها، حتى صار كالدملج، وثامن ينقل: كسر ضلعها، وتاسع ينقل: أنّ عمر قد ضربها، وعاشر ينقل: ضرب المغيرة أيضاً لها، وحادي عشر ينقل: ضرب قنفذ لها بأمر من عمر، وثاني عشر ينقل: ضرب خالد بن الوليد لها. ولا يتوهم التعارض ولا التهافت بين جميع ذلك، بل إنّ كل واحد ينقل شيئاً مما جرى على فاطمة (عليها السلام)؛ وذلك لأنّ ما نقله هو الذي ثبت عنده، وهذا لا ينافي ثبوت غيره عند شخص آخر. وإمّا لأنّه تعلق غرضه بشيء فنقله دون النظر إلى غيره، وهذا لا ينافي ثبوت غيره أيضاً. كمن ينقل: أنّ عمر قد ضربها (عليها السلام)، وآخر ينقل ضرب المغيرة بن شعبة لها، وثالث ينقل ضرب قنفذ لها، ورابع ينقل ضرب خالد لها. فلا تهافت بينها. وقد علل الشيخ محمد حسن المظفر هذه الظاهرة، فقال: (لأنّ كثير الاطلاع منهم الذي يريد رواية جميع الوقايع لم يسعه أن يهمل هذه الواقعة بالكلية، فيروي بعض مقدماتها لئلا يخل بها من جميع الوجوه، وليحصل منه تهوين القضية كما فعلوا في قصة بيعة الغدير وغيرها) ([421]). ثم هل يتوقع من البخاري ومسلم وغيرهما أن ينقلوا تفاصيل وجزئيات الواقعة ؟ بطبيعة الحال لا يكون ذلك، ولذا نجد البخاري في رزية يوم الخميس يحرّف الأحاديث ويحاول أن لا يذكر اسم الذي اتهم النبي صبالهجر، ويحاول تهذيب العبارة - إنْ ذكر الاسم - فيقول: فقيل إنّ النبي غلبه الوجع !! أو يقول: فقال عمر كلمه معناها أنّ الوجع قد غلب رسول الله !! ومما يزيد القارئ تعجباً ما قاله النووي، واليكم نص عبارته، قال: كلام عمر رضي الله عنه، هذا مع علمه وفضله لأنه خشي أن يكتب أموراً فيعجزوا عنها، فيستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها. ولاحظ ما قاله البيهقي أيضاً، قال: قصد عمر، رضي الله عنه، التخفيف على النبي عليه الصلاة والسلام، حين غلبه الوجع. ولو كان مراده عليه الصلاة والسلام، أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم ([422]). ويقول أيضاً: وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم، قيل: إنّ النبي عليه الصلاة والسلام، أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى([423]). فكيف يتوقع من هؤلاء أن ينقلوا تفاصيل الواقعة، وها نحن نجدهم يحاولون جاهدين لتبرير ما قاله عمر مع صراحته ووضوحه!! فحاول القوم منع نقل القضايا والحوادث، وجزئيات الأمور، وتفاصيل الوقائع، ونكتفي بنقل بعض هذه المفردات، لكي يقف القارئ الكريم على حقيقة الأمر بالتفصيل: أولاً: الإحراق وما يرتبط به لقد نقل البعض عبارات مختلفة فيما يتعلق بهذا الأمر، ونقف عند هذه العبائر المنقولة: التهديد بالإحراق: إنّ إحراق بيت الزهراء (عليها السلام) من الأمور القطعية في أحاديثنا وفي كتبنا، وعلى ذلك علماء الشيعة. أما ما جاء في كتب أهل السنة، فجاء بأشكال مختلفة، وعناوين متعددة، وإليكم بعض هذه العناوين: بعض الأخبار والروايات تقول بأنّ عمر بن الخطاب قد هدّد بالإحراق، وهذا ما نجده في كتاب المصنف لابن أبي شيبة، الذي هو من مشايخ البخاري، حيث روى بسنده عن زيد بن أسلم، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر، يقول: حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ([424]). وجاء في تاريخ الطبري بسند آخر: (أتى عمر بن الخطاب منزل علي، وفيه طلحة ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه، فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه) ([425]). والغريب أننا نلاحظ ابن عبد البر في الاستيعاب يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة، وفيه: إنّ عمر قال لها: ما أحد أحب إلينا بعده منك، ثم قال: ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولأن يبلغني لأفعلن ولأفعلن كما تقدّم. ويحذف مؤخر الحديث !! فأي عاقل يتوقع من هؤلاء أن ينقلوا القضية كما وقعت ؟ الإتيان بقبس من نار أو فتيلة: قال أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي في كتابه العقد الفريد: الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي والعباس، والزبير وسعد بن عبادة، فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبو فقاتلهم. فاقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة: فقالت: (يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا) ؟ قال: نعم ! أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة ! فخرج علي حتى دخل [على] أبي بكر فبايعه، فقال له أبو بكر: أكرهت إمارتي ؟ فقال: (لا، ولكني آليت أن لا أرتدي بعد موت رسول الله ص حتى أحفظ القرآن، فعليه حبست نفسي) ([426]). روى البلاذري في أنساب الأشراف: إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: (يا بن الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي ؟) ([427]). وروى الخبر أبو الفداء في المختصر في أخبار البشر: وإن أبوا فقاتلهم، ثم قال: فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ([428]). إرادته إحراق الباب: قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: (قال المسعودي في مروج الذهب: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول: انما أراد بذلك أن لا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة. كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار) ([429]). ويبدو أنّ النص المتقدّم الذي نقله أبن أبي الحديد عن المسعودي غير موجود في النسخ الموجودة لكتاب مروج الذهب، فقد حذف اسم عمر من الطبعات المتأخرة، ولقد رأيت الكثير ممن نقلوا عن المسعودي نص العبارة المتقدّمة إلاّ أنه لم يرد فيها اسم عمر ؟! ([430]). وقال ابن شحنة الحنفي في روض المناظر في ذكر السقيفة: ثم إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه فلقيته فاطمة فقال ادخلوا فيما دخلت فيه الأمة... الخ ([431]). وقال الطبري: (عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة) ([432]). روى البلاذري في تاريخه عن المدائني عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي وعن ابن عون أنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر، ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: (يا ابن الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي) ؟ قال: نعم ، وذلك أقوى فيما جاء أبوك ([433]) ؟ وروى ابن قتيبة: (أنّ أبا بكر بعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار على فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها)([434]). وقال في الملل والنحل عن إبراهيم النظام: (إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسنين) ([435]). وقال ابن عبد البر الأندلسي: الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: (يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا) ؟ فقال: نعم ([436]). وقال أبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة: عن سلمة بن عبد الرحمن، قال: (لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم) ([437])! وتوجد غير هذه العناوين، كجمع الحطب، والمجيء للإحراق، أعرضنا عن ذكرها واكتفينا بما تقدّم ففيه كفاية. ثانياً: كسر ضلعها (عليها السلام) لقد تحملت فاطمة (عليها السلام) من السلطة الغاصبة أشد الظلم، حيث تعرّضت لظلم لا يُتحمل إلاّ من الذين مثلوا الصبر وجسدوه في شخصياتهم، فكانت نموذجاً للصبر والتضحية من أجل الدين الإسلامي، الذي أعطت وتحمّلت من أجله الكثير. حيث كسر الظالمون من أجل دنياهم العفنة ضلعاً من أضلاعها، وذلك بسبب العصرة التي تعرضت لها بين الحائط والباب، وبقيت آثاره على جسدها الشريف إلى حين شهادتها. وجاءت روايات تبيّن هذه الحقيقة، فقد جاء في زيارتها: (اللهم صلّ على محمد وأهل بيته، وصل على البتول الطاهرة، الصديقة المعصومة، التقية النقية، الرضية [المرضية]، الزكية الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقها، الممنوعة إرثها، المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت رسول الله، وبضعة لحمه وصميم قلبه، وفلذة كبده، والنخبة منك له، والتحفة خصصت بها وصيه وحبيبه المصطفى وقرينه المرتضى، وسيدة النساء ومبشرة الأولياء، حليفة الورع والزهد، وتفاحة الفردوس والخلد، التي شرفت مولدها بنساء الجنة، وسللت منها أنوار الأئمة، وأرخيت دونها حجاب النبوة) ([438]). روى سليم بن قيس عن سلمان: (.... فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة) ([439]). وروى سليم بن قيس، عن عبد الله بن العباس، أنّه حدثه - وكان جابر بن عبد الله إلى جانبه -: أنّ النبي ص قال لعلي، بعد خطبة طويلة: (إنّ قريشاً ستظاهر عليكم، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك، واحقن دمك، أما إنّ الشهادة من ورائك، لعن الله قاتلك. ثم أقبل ص على ابنته (عليها السلام)، فقال: إنّك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتى تضربي، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك ...الخ) ([440]). وروى الصدوق عن ابن عباس، قال: إن النبي ص يقول: (....، وأمّا ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، .... كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها ...) ([441]). ثالثاً: الضرب القاسي الذي تعرّضت له فاطمة (عليها السلام) لقد تعرضت الزهراء (عليها السلام) للضرب القاسي النابع من الحقد الذي يكمن في نفوس أولئك القوم على أهل البيت ص، وترك ذلك الضرب أثاراً في بدنها الشريف حتى الشهادة، فكان متنها قد اسود من أثر ذلك الضرب، وقد أخبر بذلك رسول الله ص: قال ص: (لما أسري بالنبي ص إلى السماء قيل له: إنّ الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، ....، وأمّا ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب) ([442]). فقد اسند موتها في الرواية إلى ذلك الضرب من الأيدي الحاقدة. وعن علي بن أبي طالب ع، قال: (بينا أنا، وفاطمة، والحسن، والحسين عند رسول الله ص إذ التفت إلينا فبكى، فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟! قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها) ([443]). وروى سليم بن قيس، عن عبد الله بن العباس، أنّه حدثه - وكان جابر بن عبد الله إلى جانبه -: أنّ النبي ص: أقبل ص على ابنته (عليها السلام)، فقال: (إنّك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتى تضربي، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك ...الخ) ([444]). وهذه الرواية تبين أنها (عليها السلام) مقتولة، فمن هنا يتبادر للقارئ سؤال يجب أن يعرفه، وهو من الذي قتل فاطمة (عليها السلام) ؟ وأعتقد أنّ جواب هذا السؤال أيضاً يستفاد من نفس الرواية؛ حيث إنها بينت المصائب التي ستجري على فاطمة (عليها السلام) من الضرب وكسر الضلع، وبعد ذلك ذكرت أنها مقتولة، فيفهم أنّ القاتل هو الذي ضربها وكسر ضلعها. والتاريخ ينص على من انتهك حرمة بيت فاطمة (عليها السلام)، فقد تقدّم ذكر بعض النصوص التي ذكرها بعض المؤرخين فراجع. والآن لنسمع فاطمة (عليها السلام) وهي تقص لنا بعضاً مما جرى عليها والذي أدى لشهادتها (عليها السلام)، تقول: (فجمعوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار، ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج وركل الباب برجله، فردّه علي وأنا حامل فسقطت لوجهي، والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجائني المخاض، فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم) ([445]). سلامٌ عليك أيتها الصابرة وسلام على بعلك الصابر المحتسب، أول مظلوم في الإسلام الممتثل لكلمات ابن عمه ص المحافظ على الإسلام. تعجز الكلمات عن وصف صبركم أيها الطاهرون المطهرون !! وروى الطبرسي في الاحتجاج، قال: (وحالت فاطمة "عليها السلام" بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج ([446]) من ضرب قنفذ إياها) ([447]). وروى الطبري في دلائل الإمامة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع: (....، وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف) ([448]). وفي رواية أخرى: (ضربها قنفذ على وجهها وأصاب عينها) ([449]). وجاء في رواية أنّ الإمام الصادق ع: (..... وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى كان كالدملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه، وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء وتقول وا أبتاه وا رسول الله! ابنتك فاطمة تُكذَّب ويقتل جنين في بطنها ...) ([450]). وكذلك ضربها المغيرة بن شعبة كما صرّح بذلك الإمام الحسن المجتبى ع وهو يخاطب المغيرة: (وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله ص حتى أدميتها، وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول الله ومخالفة منك لأمره ..) ([451]). روي أنّ ابن أبي العلاء الهمداني، ويحيى بن محمد بن حويج تنازعا في أمر ابن الخطاب، فتحاكما إلى أحمد بن إسحاق القمي، صاحب الإمام الحسن العسكري، فروى لهم عن الإمام العسكري، عن أبيه ع: أنّ حذيفة روى عن النبي ص حديثاً مطولاً يخبر النبي ص فيه حذيفة بن اليمان عن أمور ستجري بعده، ثم قال حذيفة وهو يذكر أنّه رأى تصديق ما سمعه: (... وحرف القرآن، وأحرق بيت الوحي ... إلى أن قال: ولطم وجه الزكية ...) ([452]). ولقد حاول البعض نفي الضرب الذي تعرّضت له فاطمة (عليها السلام) مع وجود هذه الشواهد، بدعوى أنّ المهاجمين لم يدخلوا بيتها، ثم أنّها لو تعرّضت للضرب - وهو ليست أمراً عادياً - لما سكت المسلمون وهم قد سمعوا أحاديث الرسول ص في فضلها مما يجعلهم يقفون في وجه الذي ضربها وآذاها، ثم إنّ ضربها وإيذائها لم يكن بصالح المهاجمين الذين يريدون طلب البيعة من علي ع، لأنّ ذلك سينقل ويرجع عليهم بمردود سلبي. والحقيقة أنّ هذا الكلام مع وفرة الشواهد التي تدل على صدور ضرب فاطمة (عليها السلام) منهم، وبيان الذي صدر منه الضرب، فمع كل ذلك لا يمكن لأي إنسان له أدنى معرفة واطلاع أن ينكر ذلك، اللهم إلا من كان لديه في الإنكار مصلحة يريد تحقيقها، فيكون بذلك خارجاً عن الإنصاف الذي لابد أن يتحلّى به البحث العلمي الذي يدور مدار الحقائق الثابتة تاريخياً. ثم لماذا لم يفعل المسلمون شيئاً عندما طلب النبي ص دواة وكتفاً ليكتب كتاباً عاصماً للأمة من الضلال ... فقال عمر: يهجر !! فلماذا لم يعترض عليه أحد ويوبخه ؟! أوليس النبي ص أقدس وأعظم شخص على هذه البسيطة ؟! أوليس هو أفضل الأنبياء ؟ ثم لماذا لم يقف المسلمون ليحولوا بين السلطة الحاكمة التي جمعت الحطب لحرق بيت الزهراء (عليها السلام)، وقد كان ذلك بمرأى ومسمع الكثير من المسلمين ؟! فكانت السلطة الحاكمة تعلم علماً قطعياً بتخاذل الناس وانزوائهم مما جعلهم يسرحون ويمرحون بلا رادع. وما يقال: من أنّ العرب لا يضربون المرأة؛ لأنّ ذلك يعد عاراً على الضارب، فكيف لعمر أن يضرب فاطمة أو يأمر بضربها ؟ فهو مردود بشواهد كثيرة يجدها المتصفح للتاريخ، فمن المعروف والمشهور أنّ سمية والدة عمار بن ياسر ماتت تحت وطأة التعذيب في مكة، وكانت أول شهيدة في الإسلام، وكان من تولّى ضربها وتعذيبها أبو جهل. وكذلك زينب بنت رسول الله ص التي تعرضت للضرب من قبل هبار بن الأسود الذي أهدر النبي ص دمه بسبب ذلك. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: (إنّه قرأ على شيخه أبي جعفر النقيب قصة زينب حين روعها هبار بن الأسود، فقال له أبو جعفر: إنّ كان رسول الله ص أباح دم هبار، لأنّه روع زينب، فألقت ذا بطنها، فظاهر الحال أنّه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها. فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: إنّ فاطمة روعت، فألقت المحسن ؟! فقال: لا تروه عني، ولا ترو عني بطلانه، فإني متوقف في هذا الموضع، لتعارض الأخبار عندي فيه) ([453]). بل نجد في التأريخ شواهد كثيرة تؤكد أنّ عمر ضرب النساء، فكان عمر نفسه يعذّب جارية بني مؤمل ويضربها حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا ملالة. يروي الجاحظ: (ومرّ - أي أبو بكر - بجارية بني مؤمل - حي من بني عدي بن كعب - وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يضربها فإذا مل قال: أعتذر إليك إني لم أتركك إلاّ ملالة ! فابتاعها فأعتقها) ([454]). ويروي أحمد في مسنده: (حتى ماتت رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون قال وبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر دعهن يبكين وإياكن ونعيق الشيطان ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مهما يكون من القلب والعين فمن الله والرحمة ومهما كان من اليد واللسان فمن الشيطان"، وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكى فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها) ([455]). يقول أبن أبي الحديد المعتزلي: وأول من ضرب عمر بالدّرة أم فروة بنت أبي قحافة، مات أبو بكر فناح النساء عليه، وفيهن أخته أم فروة، فنهاهن عمر مراراً، وهن يعاودن، فأخرج أم فروة من بينهن، وعلاها بالدرة فهربن وتفرقن. كان يقال: درّة عمر أهيب من سيف الحجاج . وفي الصحيح أنّ نسوة كن عند رسول الله صلى الله عليه وآله قد كثر لغطهن، فجاء عمر فهربن هيبة له، فقال لهن: يا عديات أنفسهن ! أتهبنني ولا تهبن رسول الله ! قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ ([456]). وروى سليم بن قيس: (أنّ عمر بن الخطاب أغرم جميع عماله أنصاف أموالهم، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئاً - وكان من عماله - ورد عليه ما أخذ منه، وهو عشرون ألف درهم، ولم يأخذ منه عشره، ولا نصف عشره. قال أبان: قال سليم: فلقيت علياً، صلوات الله عليه وآله، فسألته عما صنع عمر!! فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ، ولم يغرمه شيئاً ؟! قلت: لا. قال: لأنّه هو الذي ضرب فاطمة صلوات الله عليها بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات الله عليها، وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج) ([457]). فلم يغرم عمر أملاك قنفذ كما غرم أموال غيره، وذلك شكراً منه لسعيه بين يديه والائتمار بأمره حينما أمره بأنّ يرجع إلى حبيبة محمد فاطمة (عليها السلام) ويروّعها بسوطه. رابعاً: إسقاط المحسن وما يتعلق به لقد أنكر البعض وجود المحسن ع بين أولاد الزهراء (عليها السلام)؛ وذلك بسبب الإحراج الذي واجهه، حيث إنّه عجز عن حل المسألة وتبرير فعل الخليفة، فعمد إلى الإنكار!! وظاهرة الإنكار يجدها القارئ عند الكثير؛ فحينما يعجز عن تفسير ظاهرة معينة، أو تبرير فعل معين، أو غير ذلك، فالحل الوحيد الذي يلتجئ إليه إنكار تلك المسألة التي تحيّر في تفسيرها من الأساس، مما يجعله يسد باب البحث عنها بالمرّة !! فهكذا حاول بعضهم وأراد أن ينكر وجود وَلَد لفاطمة (عليها السلام) اسمه المحسن ع، وتجاهل كل النصوص التي وردت عن طريق السنة والشيعة، والتي تثبت وجوده وأنّه ابن علي وفاطمة (عليهما السلام)، ومن هنا قال عمر أبو النصر (اختلف المؤرخون في وجوده كما قدّمنا - وإن كان اليعقوبي والمسعودي وغيرهما يؤكدون وجوده) ([458])، وقال أيضاً: (ينكر بعض المؤرخين وجود المحسن ولكن غيرهم يثبته، كالمسعودي وأبو الفداء) ([459]). كما أنّ هناك من أهمل هذا الموضوع ولم يوليه أي أهمية؛ حرصاً منه على إبعاد الشبهة عن الذين تورطوا في إسقاطه وقتله ع. وهناك من عجز عن الإنكار لوجود الأدلة التي لا يمكن تجاهلها فالتجأ لحل آخر، وهو القول بأنّ المحسن ولد في زمن النبي ص وتوفي صغيراً، كل ذلك حرصاً منهم على ماء وجه الخليفة !! إلا أنّ ابن شهر آشوب ردّ دعوى ولادة المحسن في زمان النبي ص، وكونه ولد سقطاً نسبها إلى أهل السفساف الذين دعاهم عنادهم لإنكار الكثير، فقال: (وجماعة: من السفساف([460])، حملهم العناد على أن قالوا: كان أبو بكر أشجع من علي. وإن مرحباً قتله محمد بن مسلمة. وإن ذا الثدية قتل بمصر. وأن في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميراً على علي، وربما قالوا : قرأها أنس بن مالك. وأنّ محسناً ولدته فاطمة في زمن النبي سقطاً .... إلى أن قال: ومن ركب الباطل زلت قدمه: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾) ([461]). فالحقيقة أنّ وجود المحسن ع، وكونه ثالث الذكور من أبناء فاطمة (عليها السلام)، وكونه سقط بسبب هجوم القوم على دار فاطمة (عليها السلام) كالشمس في رابعة النهار، ولا ينكر ذلك إلا مريض قد امتلأ قلبه زيغاً، وهؤلاء نجدهم عبر التاريخ هم أهل لجاج وعناد ويجانبون الحقيقة الجلية دائماً. فهؤلاء لا تنفعهم الأدلة مهما كانت واضحة وجلية، إلا أننا نقدّم الأدلة على وجود المحسن بين أولاد فاطمة (عليها السلام)، كما نذكر كل ما يتعلق بهذا الموضوع في عناوين متعددة مستدلين على كل عنوان؛ لكي تكون الصورة واضحة للقارئ الكريم. أولاً: المحسن ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) روى أحمد وغيره: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي رضي الله عنه، قال: (لما ولد الحسن سميته حرباً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه، قال: قلت حرباً، قال بل هو حسن ، فلما ولد الحسين سميته حرباً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه قال قلت حرباً، قال بل هو حسين فلما ولد الثالث سميته حرباً فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه قلت حرباً قال بل هو محسن ثم قال سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر) ([462]). فهم يريدون إثبات كون المحسن ولد في زمن رسول الله ص لكي ينكروا أنّه سقط يوم هجوم الخليفة على دار فاطمة (عليها السلام)، كما ويلاحظ القارئ لهذه الرواية أنها تصوّر علياً ع معارضاً للنبي ص!! والحال أنّه ع لا يسبق النبي ص في كل شيء حتى في تسمية أولاده، وهذا ما جاءت به الروايات، وهذا ما روي من طرق العامة. روى عمر بن محمد بن خضر، المعروف بالملا، صاحب السيرة ، المتوفى سنة 570 في سيرته: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لما ولدت فاطمة الحسن رضي الله عنه قالت لعلي - كرم الله وجهه - : سمه ؟ فقال: ما كنت أسبق باسمه رسول الله. ثم أخبر النبي ع فقال: وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل، فأوحى الله ( إلى جبريل ع: أنّه قد ولد لمحمد ولد، فأهبط إليه وهنّه وقل له: إنّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. فهبط جبريل ع فهنّاه من الله (، ثم قال: إنّ الله تعالى ذكره أمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسم ابن هارون ؟ قال: شبير. فقال صلى الله عليه وسلم: لساني عربي، فقال: سمّه الحسن) ([463]). وقال الحافظ محب الدين الطبري: (وعن أسماء بنت عميس قالت قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أسماء هلمي ابني فدفعته إليه في خرقة صفراء فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكن أن لا تلفوا مولوداً بخرقة صفراء، فلفيته بخرقة بيضاء فأخذه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم قال لعلي: أي شيء سميت ابني ؟ قال ما كنت لأسبقك بذلك فقال ولا أنا أسابق ربي فهبط جبريل ع فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك فسم ابنك هذا باسم ولد هارون، فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبريل قال شبر، فقال صلى الله عليه وسلم: إنّ لساني عربي، فقال: سمه الحسن ففعل صلى الله عليه وسلم، فلما كان بعد حول ولد الحسين فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت مثل الأول وساقت قصة التسمية مثل الأول من أنّ جبريل ع أمره أن يسميه باسم ولد هارون شبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل الأول فقال سمّه حسيناً) ([464]). فلماذا لم تذكر هاتين الروايتين المحسن ؟! كما أنّ دعوى كونه مولوداً في زمن الرسول يتعارض مع الكثير من الروايات التي ستأتي من أنّ المحسن سقط بسبب هجوم القوم على دار فاطمة (عليها السلام). ثم لا يخفى أنّه ص أراد تأكيد المشابهة بين وصيه ووصي موسى ع حتى في أسماء الأبناء؛ فلذا جاء في الحديث عنه: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي) ([465])، فجاء تعميم الشبه بينهما في جميع المنازل سوى النبوة؛ لذا قال أمير المؤمنين ع عندما أرادوا القوم قتله: (إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) ([466])كما قالها هارون ع، وهذا ما أشار إليه النبي ص وحذّر الأمة منه في حديث اقتفاء الأمة سنن من كان قبلها، فقال ص: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ...) ([467]). ثانياً: المحسن مات صغيراً لقد صرّح الكثير من علماء العامة ومؤرخيهم بأنّ المحسن ع مات صغيراً، ولم يتعرّضوا لذكر سبب الوفاة، بل نجدهم يتحاشون الخوض في السبب، ويعطون المسألة عنواناً يبعدون به القارئ عن السبب الذي يكمن وراء وفاتهع ؛ لما تقدّم من أنّهم يريدون التغطية على ما فعلته خلافة السقيفة. فقد صرّح بعض علماء العامّة بأنّ المحسن ع توفي صغيراً تاركين ذكر السبب، وإليك بعض تصريحاتهم بذلك: قال ابن الأثير: (وقد ذكر أنه كان له منها ابن آخر، يقال له "محسن" وأنه توفي صغيراً) ([468]). وذكره أيضاً في كتابه أسد الغابة وعدّه في جملة الصحابة، فقال: (محسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي الهاشمي. أمه فاطمة بنت رسول الله ص .. ثم ذكر تسمية رسول الله ص، له ثم قال: وتوفي المحسن صغيراً. أخرجه أبو موسى) ([469]). وقال القسطلاني: (وولدت حسناً، وحسيناً، ومحسناً. مات محسن صغيراً .. الخ) ([470]). وقال ابن حزم الأندلسي: (تزوج فاطمة علي بن أبي طالب، فولدت له الحسن، والحسين، والمحسن. مات المحسن صغيراً) ([471]). وقال المحب الطبري: عن الليث بن سعد: (قال تزوج علي فاطمة فولدت له حسناً وحسيناً ومحسناً وزينب وأم كلثوم ورقية فماتت رقية ولم تبلغ، وقال غيره ولدت حسناً وحسيناً ومحسناً فهلك محسن صغيراً وأم كلثوم وزينب ولم يتزوج عليها حتى ماتت "عليها السلام")([472]). وقال المناوي: (.. قال الليث: فولدت له حسناً، وحسيناً، ومحسناً - مات صغيراً - وأم كلثوم ..) ([473]). والظاهر أنّ عبارة (مات صغيراً) من إضافات المناوي؛ لأنّ المحب الطبري نقل العبارة عن الليث ولم يذكر فيها العبارة المتقدمة. وقال ابن كثير: قال ابن إسحاق: (فولدت فاطمة لعلي حسناً وحسيناً ومحسناً - مات صغيراً - وأم كلثوم وزينب) ([474]). وقال ابن قدامة المقدسي: محسن بن علي بن أبي طالب، لا نعرفه إلا في الحديث الذي يرويه هاني بن هاني عن علي (ثم ذكر قصة تسمية المحسن بحرب التي تقدّمت قبل قليل، ثم تسمية النبي ص له، ثم قال): والظاهر أنه مات طفلاً. وقال: (ولدت لعلي (رضي الله عنه): الحسن، والحسين، وأم كلثوم، وزينب. وروي أنها ولدت ابناً ثالثاً، سمّاه رسول الله ص محسناً، وقال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر، وشبير، ومشبر) ([475]). وقال ابن قتيبة: (ولدت لعلي: الحسن، والحسين، ومحسناً، وأم كلثوم الخ) ([476]). وقال أيضاً: (وأمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير) ([477]). وقال اليعقوبي: (كان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكراً، الحسن، والحسين، ومحسن، مات صغيراً) ([478]). وقال الشبلنجي: (وأمّا أولادها رضي الله عنها فالحسن، والحسين، ومحسن، وهذا مات صغيراً) ([479]). فهذه العبارات التي نقلتها هي بعض مما صرّحوا به، وتركت بعض عباراتهم في هذا الموضوع خشية الإطالة. ثالثاً: إسقاط المحسن ع لقد ذكر بعض علماء العامة ومؤرخيهم بأنّ المحسن ع كان سقطاً، بمعنى أنّه توفي بسبب كونه سقطاً، ولم يبينوا السبب الذي أدّى لإسقاطه. وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً من هذه النصوص: قال كمال الدين بن طلحة الشافعي: (الفصل الحادي عشر، في ذكر أولاده ع - أي أولاد علي بن أبي طالبع -: اعلم أيدك الله بروح منه: أنّ أقوال الناس اختلفت في عدد أولاده ص ذكوراً وإناثاً، فمنهم من أكثر، فعدّ منهم السقط، ولم يسقط ذكر نسبه. ومنهم من أسقطه ولم ير أن يحتسب في العدّة به، فجاء قول كل واحد بمقتضى ما اعتمده في ذلك، وبحسبه) ([480]). وقال الحافظ جمال الدين المزّي: (محسن درج سقطاً) ([481]). وكذلك قال الحمزاوي المالكي: (وأمّا المحسن، فأدرج سقطاً) ([482]). وقال الصبان: (ولدت فاطمة من علي ستة: ثلاثة ذكور، وثلاثة إناث. فالذكور الحسن، والحسين والمحسن، - بضم الميم وفتح الحاء، وتشديد السين، مكسورة - والإناث: زينب . . إلى أن قال: فأمّا الحسن، والحسين فأعقبا الكثير الطيب، وسيأتي الكلام عليهما. وأمّا المحسن فأدرج سقطاً) ([483]). وأدرج سقطاً معناه؛ مات سقطاً. ودرج يعني: مات. وقال الصفوري الشافعي: (أولاد فاطمة الخمسة: الحسن والحسين، والمحسن كان سقطاً، وزينب الكبرى وزينب الصغرى) ([484]). وقال إبراهيم الطرابلسي الحنفي في الشجرة التي صنعها للناصر، واستنسخت لخزانة صلاح الدين الأيوبي: (محسن بن فاطمة "عليها السلام"، أسقط. وقيل: درج صغيراً. والصحيح أنّ فاطمة أسقطت جنيناً) ([485]). رابعاً: سبب إسقاط المحسن ع إنّ هذا الموضوع كثيراً ما يزعج أتباع خلافة السقيفة، باعتباره أحد المواضيع التي تبيّن باطلهم وانحرافهم وتفتح ملف اغتصابهم للخلافة الإلهية من أهلها الشرعيين، فنراهم يحاولون جاهدين لإنكار المحسن ع من الأصل، أو القول بأنّه توفي في زمن النبي ص، أو أنّه مات طفلاً بدون أن يذكروا سبب موته ع، وهكذا. ومن الطبيعي أنّهم لا يذكرون السبب في إسقاطه ووفاته صغيراً، ولا يرتجى منهم ذلك، بل نجدهم قد حرفوا الروايات التي تبين هذه الحقيقة وغيرها، كما سنشير لذلك. ومن هنا يقول المقدسي: (وولدت محسناً. وهو الذي تزعم الشيعة أنها أسقطته من ضربة عمر. وكثير من أهل الآثار لا يعرفون محسناً) ([486]). في الوقت الذي يقول أيضاً: (حفدة رسول الله ص: عبد الله بن عثمان، علي بن أبي العاص وأمامة بنت أبي العاص، والحسن، والحسين، ومحسن، وأم كلثوم، وزينب، ثمانية نفر) ([487]). ويقول: (أيضاً: كان له من الولد ثمانية وعشرون ولداً، أحد عشر ذكراً، وسبعة عشر أنثى، منهم من فاطمة "عليها السلام" خمسة: الحسن، والحسين، ومحسن، وأم كلثوم الكبرى، وزينب الكبرى) ([488]). وقد تقدّم قوله أيضاً: (وأمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير) ([489]). فكيف أهل الآثار لا يعرفون محسناً إذن، نعم لو قال كثير من أهل الآثار لم يذكروا المحسن ع لكان هذا صحيحاً إذ كثير منهم لا يروق له ذكر المحسن ع، لما تقدّم من أنّهم أهملوا ذكره ع وكانوا قاصدين ذلك خشية الكشف عن الحقيقة التي تفضح خلافة السقيفة. ونجد ابن أبي الحديد المعتزلي بعد نقله قصة زينب بنت رسول الله وإسقاط جنينها يقول: قلت وهذا الخبر أيضاً قرأته على النقيب أبى جعفر رحمه الله، فقال إذا كان رسول الله أباح دم هبار بن الأسود؛ لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال إنه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها. فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم إنّ فاطمة رُوعت فألقت المحسن، فقال: لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه، فإني متوقف في هذا الموضع لتعارض الأخبار عندي فيه ([490]). فابن أبي الحديد ينسب سقوط المحسن ع إلى قوم، ويقصد بهم الشيعة. وقد علق الشيخ المجلسي (رحمه الله) بعد نقله الكلام المتقدّم بقوله: (أقول: ظاهر أنّ النقيب رحمه الله عمل التقية في إظهار الشك في ذلك من ابن أبي الحديد أو من غيره، وإلاّ فالأمر أوضح من ذلك كما سيأتي في كتاب الفتن) ([491]). ومن هنا يأتي السؤال: من الذي تسبب في موت المحسن ع وإسقاطه ؟ ويجيبنا المسعودي في إثبات الوصية بقوله: (فأقام أمير المؤمنين ع ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله ص فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً) ([492]). ثم لنسمع فاطمة (عليها السلام) وهي تقص لنا بعضاً مما جرى عليها والذي أدّى لشهادتها (عليها السلام)، بقولها: (فجمعوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار، ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفّوا عنّا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج وركل الباب برجله، فردّه علي وأنا حامل فسقطت لوجهي، والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجائني المخاض، فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم)([493]). وعن الإمام الحسن، وهو يخاطب المغيرة: (وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله ص حتى أدميتها، وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول الله ومخالفة منك لأمره) ([494]). وروى المفيد (رحمه الله) في الاختصاص، عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن بكر الأرجاني، قال: (صحبت أبا عبد الله ع في طريق مكة من المدينة ... ثم ذكر حديثاً طويلاً ذكر له فيه أبو عبد الله ع: قاتل أمير المؤمنين ع، وقاتل فاطمة "عليها السلام"، وقاتل المحسن، وقاتل الحسن والحسين ..) ([495]). وفي حديث آخر: إنّ الإمام الصادق ع، قال للمفضل: (ولا كيوم محنتنا بكربلاء، وإن كان يوم السقيفة، وإحراق النار على باب أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، وفاطمة، وزينب، وأم كلثوم، وفضة، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر، لأنه أصل يوم العذاب) ([496]). عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع في رواية إلى أن يقول: (وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً) ([497]). وروي عن محمد بن عمار بن ياسر قال: (سمعت أبي يقول - في حديث - : قال: وحملت بالحسن ع فلما رزقته، حملت بعد أربعين يوماً بالحسين ع، ثم رزقت زينب، وأم كلثوم، وحملت بمحسن. فلما قبض رسول الله ص وسلم وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين ع وما لحقها من الرجل: أسقطت ابن ولداً تماماً، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها (عليها السلام) ([498]). قال المحقق الأصفهاني ([499]): وفي جنين المجد ما يدمي الحشا وهل لهم إخفاء أمر قد فشا والبــاب والجدار والدمـاء شهود صدق ما بها خفـاء لقد جنى الجاني على جنينها فاندكت الجبال من حنينها تحريف روايات إسقاط المحسن ع: ذكرنا فيما سبق أنّ المحسن عهو الولد الثالث لفاطمة (عليها السلام)، وهذا ما عليه الشيعة، وصرّح به الكثير من علماء العامة كما تقدّم. إلا أننا نجد الروايات التي تذكر إسقاط المحسن بالتصريح ليس لها ذكر في الطبعات الجديدة، فلقد تعرّضت الروايات التي تصرّح بالحقائق لحملة من التحريف، لإخفاء تفاصيل الوقائع والحوادث، بل نجد البخاري ومسلماً وغيرهما يحرّفون الأحاديث التي ليس لها من الأهمية بقدر ما لمسألة إحراق باب دار الزهراء (عليها السلام) وضربها وسقوط جنينها. فكيف نرجوا منهم أن يصرحوا وينقلوا الوقائع وجزئيات الأمور بأمانة !! بل يتهمون بالرفض كل من يروي شيئاً في ذلك لمجرّد روايته؛ وهذا ما نجده في تصريحاتهم عند ذكر أبا بكر بن أبي دارم وغيره من الذين انصفوا في نقل الرواية؛ ولذا قال الحاكم عند ذكره لهذا الرجل؛ هو رافضي، غير ثقة. وقال عنه محمد بن حماد الحافظ كما ذكر الذهبي: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه أنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت محسناً ([500]). فكل ذلك لأنّ الرجل ذكر رواية فيها مظلومية لآل النبي ص، وهكذا نشاهد من خلال تتبع أقوال المخالفين، أنهم إذا رأوا رجلاً يقول الحق بلا تحريف يتهم تارة بالرفض وأخرى بالكذب كما حرفوا كتاب المعارف لابن قتيبة. قال ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 هجرية: وفي معارف القتيبي: أنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي ([501]). وقال الكنجي الشافعي، المتوفى سنة 685 هجرية‍: وزاد على الجمهور، وقال: (إنّ فاطمة (عليها السلام) أسقطت بعد النبي ذكراً، كان سمّاه رسول الله ص محسناً، وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل، إلاّ عند ابن قتيبة) ([502]). ولكن الموجود في كتاب المعارف لابن قتيبة، المطبوع سنة 1353 هجرية‍ ص92 هكذا: (وأمّا محسن بن علي، فهلك وهو صغير) ([503]). وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن، فلماذا هذا التحريف، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى ؟! كما نسب المقدسي: إسقاط فاطمة لمحسن بسبب ضرب عمر لها إلى الشيعة ([504]). وهو الذي يظهر من الذهبي والعسقلاني أيضاً ([505]). ولكن النظّام قد أعلن رأيه في هذه الظلامة ونطق بالحق، فقال: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة، حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها ([506]). وذكر البغدادي قول النظّام بضرب عمر لفاطمة (عليها السلام)، وترك التصريح بأنها أسقطت جنينها([507]). فيد الخيانة والتزوير امتدت لتحريف بعض المصادر وغيرت بعض الأحداث الحساسة في التاريخ كما نجد ذلك في كثير من الموارد، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون. * * * -الباب الرابع احتجاج الزهراء (عليها السلام) وفيه فصول: الفصل الأول: خطبتها في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفصل الثاني: مصادرة فدك الفصل الثالث: دعوى الميراث الفصل الرابع: إسقاط سهم ذوي القربى -الفصل الأول: خطبة الزهراء (عليها السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) روى عبد الله بن الحسن ع بإسناده عن آبائه ص: (أنه لما أجمع ([508]) أبو بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدك، وبلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها ([509])، واشتملت بجلبابه ([510])، وأقبلت في لمة ([511]) من حفدتها ([512]) ونساء قومها، تطأ ذيولها ([513])، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ص ([514])، حتى دخلت على أبي بكر - وهو في حشد ([515]) من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة ([516])، فجلست، ثم أنّت أنّه أجهش القوم ([517]) لها بالبكاء. فارتج المجلس ([518]) ثم أمهلت هنية ([519]) حتى إذا سكن نشيج القوم ([520])، وهدأت فورتهم ([521])، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام): الْحَمْدُ للّهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما ألْهَمَ، وَالثّناءُ بِما قَدَّم، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وسُبُوغ آلاءٍ أسْداها ([522])، وَتَمامِ مِنَنٍ أوْلاها ([523])؛ جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عَدَدُها ([524])؛ وَنَأى عَنِ الجَزاءِ أمَدها؛ وَتَفاوَتَ عَنِ الإدارك أبَدُها، وَاسْتَدْعَى الشُّكْرَ بِإفْضالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلىَ الْخلائِقِ بِإجْزالِها، وثَنّى بِالنّدبِ إلى أمثَالِه. وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ كَلمَةً جَعَلَ الإْخلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلوُبَ مَوْصُولَها؛ وأنارَ في التَّفَكُّرِ مَعْقُولَها، الْمُمْتَنعُ عَنِ الأبْصارِ رُؤيَتُهُ، وَمِنَ الأْلسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ، ابْتَدَعَ اْلأشياء لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلهَا، وَأنْشَأها بِلا احْتِذاءِ أمْثِلةً امْتَثَلَها ([525])، كَوّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأها بِمَشِيئتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوِينِها، وَلا فائِدةٍ لَهُ فِي تَصْوِيرِها، إلاّ تثْبِيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبِيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَريَّتِهِ، وَإعزازاً لِدَعْوَتِهِ. ثُمَّ جَعَلَ الثّوابَ عَلى طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيَتِهِ ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمتِهِ ، وحياشةً لَهُمْ إلى جَنَّتِهِ ([526])، وَأشْهَدُ أنَّ أبي مُحَمّداً ص عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أنْ أرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبَلَ أنِ اجْتَباهُ، وَاصطَفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ إذِ الْخلائِقُ بِالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأهاوِيلِ مَصُونَةٌ، وَبِنهايَةِ الْقِدَمِ مَقْرُوَنَةٌ، عِلْماً مِنَ الله بِمايِلِ الأُمُورِ، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهورِ، وَمعْرفةً بِمَواقع المَقْدُورِ. إبْتَعَثَهُ الله إتماماً لأمْرِهِ وَعَزيمَةً عَلى إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْقاذاً لِمَقادِيرِ حَتْمِهِ، فَرَأى ص الأُمَمَ فِرَقاً فيِ أدْيانها، عُكَّفاً عَلى نِيرانِها، عابدَةً لأِوْثانها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانها، فَأنارَ اللهُ - تَعالى - بِأبِي مُحَمّدٍ ظُلَمَها، وَكَشَفَ عَنِ الْقُلُوبِ بُهَمَها ([527])، وَجلّى عَنِ الأبْصارِ غَمَمَها ([528])، وَقامَ في النّاسِ بِالهدايَةِ، وأنْقَذَهُمْ مِنَ الْغَوايَةِ، وَبَصّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وَهَداهُمْ إلى الدّينِ الْقَويِمِ، وَدَعاهُمْ إلىَ الصّراطِ الْمُسْتَقيم. ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ اِلَيْهِ قَبْضَةَ رَأفَةٍ وَاختِيارٍ، وَرَغْبَةٍ وَايثارٍ، فَمُحَمّدٌ ص عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدُّنيا فيِ راحَةٍ، قَدْ حُفَّ بِالْملائِكَةِ اْلأبْرارِ وَرِضوانِ الرَّبَّ الْغَفّارِ وَمُجاوَرَةِ الْملِكِ الْجَبّارِ، صَلّى الله عَلى أبي: نَبِيّهِ وَأمِينِهِ عَلى وَحيْهِ، وَخِيَرَتِهِ مِنَ الْخَلْقِ وَرَضيّهِ، وَالسّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ. وَأنْتُمْ - عِبادَ اللهِ - نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَحَمَلَةُ دِينهِ وَوَحيْهِ، وَأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلىَ الأُمَم؛ وَبَقِيّةٌ اسْتَخْلَفَها عَلَيكُمْ: كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، وَالْقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالضّياءُ اللاّمِعُ؛ بَيّنَةٌ بِصائرُه، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلّيةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ أشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النّجاةِ اسْتِماعُهُ؛ فِيهِ تِبْيانُ حُجَجِ اللهِ المُنَوَّرةِ وَعَزائِمِهِ الْمُفسَّرةِ، وَمَحارِمِهِ الْمُحَذَّرةِ، وَبَيَنّاتِهِ الْجاليَةِ، وَجُمَلهِ الشّافِيَةِ؛ وَبَراهِيِنِهِ الْكافِيَة، وَفضائِلهِ المْنْدُوبَةِ، وَرُخَصِهِ الْمَوْهُوبَةِ، وَشَرائِعِهِ الْمكْتُوبَةِ. فَجَعَلَ اللهُ الاْيمانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ الشّرْكِ، وَالصّلاة تَنْزيهاً لَكُمْ عَنِ الْكِبْرِ، وَالزّكاةَ تَزكِيَةً لِلنّفسِ وَنَماءً في الرّزْقِ، وَالصيّامَ تثْبيتاً للإخْلاص، وَالْحجَّ تَشْييداً لِلدّين، وَالْعدَلَ تَنْسيقاً لِلْقُلُوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً للْمِلّة؛ وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجهادَ عِزّاً لِلاْسْلام وَذُلاً لأهْلِ الكُفْرِ والنِّفاقِ، وَالصّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتيِجاب الاَجْرِ، وَالأمْرَ بِالْمَعْرُفِ والنّهْيَ عَن الْمُنْكَرِ مَصلَحَةً للعامَةِ، وَبِرَّ الْوالدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السُّخْطِ، وَصِلةَ الأرْحامِ مَنسَأةً ([529]) فيِ الْعُمْرِ وَمَنْماةً في الْعَدَدِ، وَالْقصاصَ حقْناً للدّماءِ، وَالوفاءَ بِالنّذْرِ تَعْريضاً للِمَغفِرَةِ، وَتَوْفيَةَ الْمكاييلِ وَالْمَوازينِ تَغْييراً للْبَخْسَةِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الخَمْرِ تَنْزيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَعْنَةِ، وَتَرْكَ السَّرِقَةِ إيجاباً لِلعِفَّةِ، وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بِالرُّبُوبيَّةِ ﴿فَاتَّقوُا الله حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلمُونَ﴾ وَأَطِيعُوا اللهَ فِيما أَمَركُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، ﴿فَإِنَّما يَخشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾. أَيُّها النّاسُ، اعْلَمُوا أَنِّي فاطِمَةُ وأَبي محَمّدٌ ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءً، ولا أَقُولُ ما أَقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ ما أَفْعَلُ شَطَطاً ([530])، ﴿قَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمؤْمِنيِنَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ فَإنْ تَغْزُوهُ وَتَعْرِفُوهُ، تَجِدُوهُ أَبيِ دُونَ نِسائِكُمْ، وَأَخَا ابْنَ عَمِّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَلَنِعْمَ الْمُعْزى إلَيْهِ، فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ، صادِعاً بِالنَّذارَةِ ([531])، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكيِنَ ([532])، ضارِباً ثَبَجَهُمْ ([533])، آخِذاً بِكُظَمِهمْ ([534])، داعِياً إلى سَبيِلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، يُكَسِّرُ الأَصْنامَ وَيَنْكُتُ الْهامَ ([535]) حَتّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلَّوا الدُّبرَ، وَحَتّى تَقَرَّى الّليْلُ عَنْ صُبْحِهِ ([536])، وَأَسْفَرَ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدِّين، وَخرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطِينِ([537])، وَطاحَ وَشِيظُ النِّفاقِ ([538])، وَانْحَلَّتْ عُقْدَةُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وفُهتُمْ بِكَلمَةِ الإخلاصِ فيِ نَفَرِ مِنَ البيِض الخِماصِ ([539]) وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّار ([540]): مُذْقَةَ الشّارِبِ([541]) وَنُهْزَةَ الطّامِعِ ([542])، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ ([543])، وَمَوْطِىءَ الأَقْدام، تَشْرَبُونَ الطَّرَقَ([544])، وَتَقْتاتُونَ القَدَّ ([545]) أَذِلّةً خاسِئيِنَ، تَخافُونَ أنْ يتخطّفكُمُ النّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ، فَانْقَذَكُمُ الله ُ بِأبي مُحَمَّدٍ بَعْدَ اللتَيّا وَالتي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَم الرِّجالِ ([546]) وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْل الكِتابِ ﴿كُلّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأَهَا اللهُ﴾ أوْ نَجَمَ قَرْنٌ للشّياطِينِ ([547])، أوْ فَغَرَتْ فاغِرةٌ ([548]) مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَذَفَ أخاهُ فِي لَهَواتِها ([549])، فَلا يَنْكَفِىءُ حَتّى يَطَأ صَماخَها بأخْمُصِهِ ([550])، وَيُخْمِدَ لهبتها بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً فيِ ذاتِ الله، مُجْتَهداً فيِ أمْرِ اللهِ، قَريباً مِنْ رَسُولِ الله، سَيِّداً في أولياء اللهِ، مُشَمِّراً ناصِحاً مُجِدّاً كادِحاً، وَأنْتُمْ فيِ رَفاهيَةٍ مِنَ الْعَيش وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ ([551])، وَتَتَوَكّفُونَ الأخْبارَ ([552])، وَتَنْكِصُونَ عِنْدَ النِّزالِ ([553])، وَتفِرُّونَ مِنَ الْقِتال. فَلمّا اخْتارَ اللهُ لنَبِيّهِ دارَ أنْبِيائهِ، وَمَأْوى أصْفِيائهِ، ظَهَرتْ فِيكُمْ حَسِيكَةُ النِّفاقِ ([554]) وَسَمَلَ جِلْبابُ الدِّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوينِ ([555])، وَنَبَغَ حامِلُ الآفِلينَ ([556])، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطلِينَ ([557])، فَخَطَرَ فيِ عَرَصاتِكُمْ ([558])، وأطْلَعَ الشّيطانُ رَأسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ ([559]) هاتِفاً بِكُمْ، فألْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتجِييِنَ، وللغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ([560]). ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُم خِفافاً، وَأحْمَشَكُمْ فألْفاكُمْ غِضاباً ([561]) فَوَسَمْتُمْ غَيْرَ إِبِلِكُمْ([562])، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ. هذا وَالْعهْدُ قرِيبٌ، وَالْكَلْمْ رَحِيبٌ ([563])، وَالْجُرْحُ لّما يَنْدَمِلُ، وَالرَّسُولُ لَمّا يُقْبَرُ؛ امْتِداداً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ ﴿ألا فيِ الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنّمَ لَمُحيِطَةٌ بِالْكافِريِنَ﴾. فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأنّى تُؤْفَكُونَ، وَهذا كِتابُ الله بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ: أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وأَحْكامُهُ باهِرةٌ، وَزَواجرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، فَقَدْ خَلّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغْبَةً عَنْهُ تُدْبِرُونَ، أمْ بِغَيْرهِ تَحْكُمُونَ " ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا إلاّ رَيْثَما تَسْكُنُ نَفْرَتُها ([564])، وَيَسْلَسُ قِيادُها، ثُمَّ أخَذْتُم تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهيِجُونَ مِنْ جَمْرِتِها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيطانِ الْغَويّ وَإطفاءِ نُورِ الدّينِ الْجَلِيِّ، وَإهْمَالِ سُنَن النَّبيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارتِغاء ([565]) وتَمْشُونَ لأهْلهِ في السَّرّاءِ وَالضّرّاءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثلِ حَزِّ الْمُدى وَوَخْزِ السِّنانِ فيِ الحَشى ([566]) وَأَنْتُمُ اْلآنَ تَزْعُمُونَ: أَنْ لا إرثَ لِي مِنْ أَبي: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، أفَلا تَعْلَمُونَ ... - بَلى قَدْ تَجَلّى لَكُمْ كَالشّمْسِ الضّاحِيَةِ -: أنِّي ابْنَتُهُ. وَيْهاً أيُّهَا الْمُسْلمُونَ، أَأُغْلَبُ عَلى تُرابِ أبيِ ؟ يا ابْنَ أبيِ قُحافَةَ ؟!! أَفيِ كِتابِ اللهِ أنْ تَرثَ أباكَ، ولا أرِثَ أَبيِ ؟ َقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيّاً أَفَعَلى عَمْدٍ تَركْتُمْ كِتابَ اللهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، إذْ يَقُولُ: ﴿وَوَرِث سُليْمانُ داوُدَ﴾، وَقالَ فِيما اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيى بْنِ زَكَريّا إذْ يَقُولُ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَليّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضيّاً﴾، وَقالَ: ﴿وَأُولوُ الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعض فيِ كِتابِ الله﴾، وَقالَ: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ في أوْلادِكُمْ لِلذّكَرِ مثْلُ حَظِّ اْلأُنْثَيَيْنِ﴾، وَقالَ: ﴿إنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلوالِديْنِ واْلأقْربيِنَ بِالمَعرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. وَزَعَمْتُمْ أنْ لا حَظْوَةَ لِي ([567]) وَلا إرْثَ مِنْ أبي وَلا رَحِمَ بَيْنَنا، أفَحَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أَخْرَجَ مِنها أبِي ؟ أمْ تَقُولُونَ: أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثانِ ؟ أَوَ لَسْتُ أَنا وَأبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحدةٍ ؟ أَمْ أنْتُمْ أعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أبي وَابْنِ عَمِّي ؟ فَدُوَنَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً ([568]) تَلْقاك يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ محَمّدٌ، وَالموعِدُ الْقيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يَخْسَرُ الْمُبْطِلوُنَ وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدِموُنَ: "وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ، وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيِهِ ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ". يا مَعْشَرَ الْفِتْيةِ وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَحَضَنةَ الإِسْلامِ، ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فيِ حَقِّي ([569]) وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامتِي. أما كانَ رَسُولُ اللهِ أبيِ يَقُولُ: (ألْمَرءُ يُحْفَظُ في وُلْدِهِ) سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلان ذا أهالةٍ ([570]) وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما أُحاوِلُ، وَقُوّةٌ عَلى ما أَطْلِبُ وَأُزاوِلُ، أَتَقُولُونَ: ماتَ مُحَمَّدٌ، فَخَطْبٌ جَلِيلٌ، اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ ([571])، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ ([572])؛ وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ ([573])، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ لِغَيْبتِهِ، وَكُسِفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَانْتَثَرَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبتَهِ، وَأكْدَتِ اْلآمالُ ([574])، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَأُضِيعَ الْحَريِمُ، وَأُدِيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ ([575])، فَتلْكَ وَاللهِ النّازِلةُ الْكُبْرى وَالمُصِيبَة الْعُظْمى، الّتي لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائقَةٌ عاجِلَةٌ ([576])، أَعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ جَلَّ ثَناؤُهُ فيِ مَمْساكُمْ وَمَصْبَحِكُمْ هِتافاً وَصُراخاً وَتِلاوَةً وَإلْحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلّتْ بِأنبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصلٌ؛ وَقَضاءٌ حَتْمٌ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾. إِيهاً، بَنِي قَيْلَةَ: أَأُهْظَمُ تُراثَ أَبِي، وَأَنْتُمْ بَمرْأىً وَمَسْمَعٍ وَمُنْتَدىً وَمَجْمَعٍ، تَلْبِسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وَتَشْمَلَكُمُ الْخِبْرَةُ وَأنْتُمْ ذَوُو العَددِ وَالْعِدَّةِ واْلأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدكُمُ السِّلاحُ وَالجُنَّةُ ([577])، تُوافِيكُمُ الدّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيِكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغِيثُونَ، وَأَنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْروفُونَ بِالخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّخْبَةُ الّتي انْتُخِبَتْ، وَالخَيَرةُ الَّتي اخْتِيرَتْ، لَنا - أَهْلَ الْبَيْتِ - قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ اْلأُمَمَ وكافَحْتُمُ الْبُهَمَ: فَلا نَبْرَحُ وَتَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ، حَتّى إذا دارَتْ بِنا رَحَى الإِسلامِ، وَدَرَّ حَلْبُ الأيّام؛ وَخضَعَتْ نَعْرَةُ الشِّرْكِ ([578]) وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ اْلإِفِكِ، وَخَمَدَتْ نِيرانُ الْكُفْر، وَهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرَجِ، وَاسْتَوسَقَ نِظامُ الدِّينِ، فأنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ ([579])، وأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإقْدام ([580])، وَأَشْركْتُمْ بَعْدَ الإيمانِ، بُؤْسأً لِقَوْمِ " نَكَثُوا إيمانَهُمْ، وَهَمُّوا بإخراجِ الرّسُولِ، وَهُمْ بَدؤُكُمْ أَوّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ ؟ ﴿وَاللهُ أحَقَّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ﴾. ألا وَقَدْ أرى أّنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلى اْلخَفْضِ وَأَبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أحَقُّ بِالبسْطِ وَالْقَبْضِ، وَرَكَنْتُمْ إلَى الدَّعَةِ ([581]) وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضَّيقِ بالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعيْتُمْ ([582]) وَدَسَعْتمْ ما تَسَوَّغْتُمْ ([583]): "فإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فيِ الأَرضِ جَمِيعاً، فَإنّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ". أَلا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنِّي، بِالخذْلَةِ الّتيِ خامَرَتْكُمْ، وَالْغَدْرَةِ الَّتِي اسْتَشْعَرَتْها قُلوُبُكُمْ: وَلكِنَّها فَيضَةُ النَّفْسِ، وَبَثَّةُ الصَّدرِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَتَقدِمَةُ الْحُجَّةِ، فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظّهْرِ([584]) نَقِبَةَ الْخُفِّ ([585])، باقِيَةَ الْعارِ؛ مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشنارِ اْلأَبَدِ ([586])، مَوْصُومَةً بـ ﴿نارِ اللهِ الْموقَدَةِ التيِ تَطَّلِعُ عَلَى اْلأفْئِدةِ إنَّها عَلَيهِمْ مُوصَدَةٌ﴾([587]) فَبِعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ ﴿وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ منْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾. وَأَنا ابنةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ. فَاعْمَلوُا إنّا عامِلوُنَ، وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِروُنَ). جواب أبي بكر: جاء في الاحتجاج للشيخ للطبرسي: (فأجابها أبو بكر وقال: يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاء ([588]) آثر على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبّكم إلاّ سعيد، ولا يبغضكم إلاّ شقي بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وأني أشهد الله وكفى به شهيداً، أني سمعت رسول الله ص يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي، ولم استبد بما كان الرأي عندي، وهذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا تزوى عنك، ولا ندخر دونك، وأنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك ص). جواب سيدة النساء: فقالت (عليها السلام): (سبحان الله ما كان أبي رسول الله ص عن كتاب الله صادفاً ([589]) ولا لأحكامه مخالفاً! بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره ([590])، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور([591])، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل ([592]) في حياته هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً يقول: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...﴾([593])، ويقول: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...﴾([594])، وبيّن ( فيما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾) ([595]). جواب أبي بكر: فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر([596])، وهم بذلك شهود. جواب سيدة النساء: فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت: (معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل([597]) المغضية ([598]) على الفعل القبيح الخاسر ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾([599]) ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلاً، وغِبَّهُ وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء وبان بأورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون). قال الطبري في دلائل الإمامة: ثم ولت، فأتبعها رافع بن رفاعة الزرقي، فقال لها: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن تكلم في هذا الأمر وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد، ما عدلنا به أحداً. فقالت له بردنها: (إليك عني، فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر). قال: فلم ير باك ولا باكية كان أكثر من ذلك اليوم، وارتجت المدينة، وهاج الناس، وارتفعت الأصوات. فلما بلغ ذلك أبا بكر قال لعمر: تربت يداك، ما كان عليك لو تركتني ، فربما رفأت الخرق ورتقت الفتق ؟! ألم يكن ذلك بنا أحق ؟! فقال الرجل: قد كان في ذلك تضعيف سلطانك، وتوهين كفتك، وما أشفقت إلا عليك. قال: ويلك، فكيف بابنة محمد وقد علم الناس ما تدعو إليه، وما نجن ([600]) لها من الغدر عليه. فقال: هل هي إلا غمرة ([601]) انجلت ، وساعة انقضت، وكأن ما قد كان لم يكن ،... ([602]). ثم عطفت على قبر النبي ص وقالت: قد كان بعدك أنباء وهنبثــة لـو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابـلها واختل قومـك فاشهدهم ولا تغب وكل أهل له قربى ومنـــزلة عند الإلــه على الأدنين مقترب أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما مضيت وحالت دونــك الترب تجهمتنا رجـال واستخف بنـا لمـا فقـدت وكل الأرض مغتصب وكنت بدرا ونورا يستضاء بـه عـليك ينزل من ذي العزة الكتب وكان جبريـل بالآيات يونسنا فقـد فقـدت وكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا لما مضيت وحـالت دونك الكثب رجوعها وكلامها مع أمير المؤمنين ع: ثم انكفأت (عليها السلام)، وأمير المؤمنين ع يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت: لأمير المؤمنين ع: (يا بن أبي طالب، اشتملت شِملة الجنين([603])، وقعدت حُجرة الظنين ([604])، نقضت قادمة الأجدل ([605]) فخانك ريش الأعزل ([606]) هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبُلغة أبني ([607])! لقد أجهد في خصامي، وألفيته ألدَّ في كلامي ([608]) حتى حبستني قيلةُ نصرها والمهاجرة وصلها ([609])، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة ، وعدت راغمة ([610])، أضرعت خَدّك ([611]) يوم أضعت حدّك ([612]) افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلاً، ولا أغنيت طائلاً ([613]) ولا خيار لي، ليتني مِتُّ قبل هنيئتي، ودون ذلتي، عذيري الله منه عادياً ومنك حامياً ([614])، ويلاي في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ([615])! مات العمد، ووهن العضد شكواي إلى أبي! وعدواي إلى ربي ([616])! اللهم إنك أشدّ منهم قوّة وحولاً، وأشد بأساً وتنكيلاً). جواب أمير المؤمنين ع: فقال أمير المؤمنين ع: (لاويل لك بل الويل لشانئك ([617]) ثم نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة ([618])، وبقية النبوة، فما ونيتُ عن ديني، ولا أخطأت مقدوري ([619]) فإن كنت تريدين البُلغة ([620])، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعد لك أضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله وأمسكت) ([621]). مصادر خطبة الزهراء (عليها السلام): تعد هذه الخطبة من الخطب المشهورة، وقد نقلها الكثير كما سيأتي، فلا إشكال ولا شبهة في كون الخطبة صادرة من فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهذا معروف مشهور بين الطائفة، فكان مشايخ الشيعة يروونها ويتدارسونها. لكنها لم تسلم من الاتهام بكونها مصنوعة، فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن السيد المرتضى أنّه قال: وأخبرنا أبو عبد الله المرزباني، عن علي بن هارون، عن عبيد الله بن أحمد، عن أبيه قال: ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع كلام فاطمة عند منع أبي بكر إياها فدك، وقلت له: إنّ هؤلاء يزعمون أنه مصنوع، وإنه من كلام أبي العيناء، لأنّ الكلام منسوق البلاغة. فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم، ويعلمونه أولادهم، وقد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة (عليها السلام) على هذه الحكاية، وقد رواه مشايخ الشيعة، وتدارسوه قبل أن يوجد جد أبي العيناء ([622]). فقول بعض العامة بأنّ هذه الخطبة مصنوعة، ونسبتهم إياها لأبي العيناء، نظير ما ذكروا في الخطبة الشقشقية ونسبتهم إياها للشريف الرضي وكونها من مصنوعاته، مع أنّها موجودة قبل ولادة الشريف الرضي بأعوام كثيرة !! وستأتي الإشارة إلى ذلك. فلا شبهة في صدور أصل الخطبة منها (عليها السلام)، لكنهم إنّما حاولوا جاهدين أنّ ينسبوها لأبي العيناء لكي يخفوا شكوى آل محمد ص من الخلفاء، وما ذلك إلاّ لإخفاء مثالبهم. نعم الروايات مختلفة من حيث تبديل بعض العبارات، وتغيير بعض الكلمات مع زيادة أو نقيصة. فقد روى هذه الخطبة الشريفة أعلام الرواة من العامة والخاصة، وزينوا كتبهم بنقلها أو بنقل بعضاً منها، وإليك بعضاً منهم: 1- أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور، من أبناء خراسان، ولد ببغداد سنة 204، وتوفي سنة 280 هجرية. قال في كتابه (بلاغات النساء): (قال أبو الفضل ([623]): ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - صلوات الله عليهم ([624]) - كلام فاطمة (عليها السلام) عند منع أبي بكر فدك إياها، وقلت له: إن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع وأنه من كلام أبي العيناء ([625]) (الخبر منسوق البلاغة على الكلام) ([626])، فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم، وقد حدثنيه أبي، عن جدي، يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية. ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جد أبي العيناء، وقد حدث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه. ثم قال أبو الحسين: وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة يتحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت. ثم ذكر الحديث ([627]). وذكر أيضاً طريقاً آخر، قال: حدثني جعفر بن محمد رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة قال: حدثني أبي قال: أخبرنا موسى بن عيسى قال: أخبرنا عبد الله بن يونس قال: أخبرنا جعفر الأحمر، عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن عمته زينب بنت الحسين عليهما السلام قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها... ([628]). 2- ابن المنظور، قال في (لسان العرب) في مادة (لم): وفي حديث فاطمة رضوان الله عليها: إنها خرجت في لمة من نسائها تتوطأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته ([629]). 3- العلامة اللغوي والإمام الأدبي: ابن الأثير، قال في (النهاية) في مادة (لمة): في حديث فاطمة: (إنها خرجت في لمة من نسائها، تتوطأ ذيلها، إلى أبي بكر فعاتبته ([630]). 4- الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين في كلمة اللمّة، وقال: وفي الحديث جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر في لُميمة من حفدتها ونساء قومها ([631]). 5- جار الله محمد بن عمر الزمخشري في الفائق: في مادة اللمة أيضاً قال: وفي حديث فاطمة (عليها السلام): إنّها خرجت في لمة من نسائها تتوطّأ ذيلها، حتى دخلت على أبي بكر([632]). 6- المؤرخ علي بن الحسين المسعودي، قال في (مروج الذهب)، قال: ... وأخبار من قعد عن البيعة ومن بايع، وما قالت بنو هاشم، وما كان من قصة فدك، وما قاله أصحاب النص والاختيار في الإمامة، ومن قال بإمامة المفضول وغيره، وما كان من فاطمة وكلامها متمثلة حين عدلت إلى قبر أبيها ع ([633]). 7- المؤرخ اليعقوبي حيث أورد منها بعض الجمل ([634]). 8- أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم (المتوفى 568) في مقتل الحسين ع نقل الخطبة باختلاف يسير زيادة ونقصاناً بهذا الإسناد: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه، أخبرنا عبد الله ابن إسحاق، أخبرنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن زياد، أخبرنا شرقي بن قطامي، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: .. ([635]). 9- أخرجها أبن شهر آشوب في المناقب ([636]). 10- العلامة الإربلي، قال: فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السلام) فإنها من محاسن الخطب وبدايعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، وقد أوردها المؤالف والمخالف، ونقلتها من كتاب (السقيفة) عن عمر بن شبة تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروة على مؤلفها المذكور، قرأت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، روى عن رجاله من عدة طرق: أن فاطمة (عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها وأقبلت في لميمة من حفدتها ... الخ ([637]). 11- نقلها الطبرسي في الاحتجاج مع التزامه في أول الكتاب بأن لا ينقل فيه إلاّ ما كان مؤيدا بالإجماع أو العقل أو الشهرة بين المخالف والمؤالف. وقد تقدم نقلها عن الاحتجاج. 12- العلامة المجلسي (رحمه الله) قال: اعلم أن هذه الخطبة من الخطب المشهورة التي روتها الخاصة والعامة بأسانيد متظافرة ... - ثم ذكر بعض من رواها ثم قال- وإنما أوردت الأسانيد هنا ليعلم أنه روي هذه الخطبة بأسانيد جمة... روى الصدوق (رحمه الله) بعض فقراتها المتعلقة بالعلل في (علل الشرايع) عن ابن المتوكل عن السعد آبادي، عن البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن أحمد ابن محمد بن جابر، عن زينب بنت علي ع. قال: وأخبرنا علي بن حاتم، عن محمد بن مسلم، عن عبد الجليل الباقطاني، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عبد الله بن محمد العلوي، عن رجال من أهل بيته، عن زينب بنت علي عليهما السلام، عن فاطمة (عليها السلام) بمثله. وأخبرني علي بن حاتم، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن عمارة، عن محمد بن إبراهيم المصري، عن هارون بن يحيى، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن حفص الأحمر، عن زيد بن علي، عن عمته زينب بنت علي عليهما السلام، عن فاطمة (عليها السلام) ... وروى السيد ابن طاووس في كتاب (الطرائف) موضع الشكوى والاحتجاج من هذه الخطبة عن الشيخ أسعد بن شفروة في كتاب (الفائق) عن الشيخ المعظم عندهم الحافظ الثقة بينهم أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني ([638]). 13- قال العلامة السيد شرف الدين: السلف من بني علي وفاطمة يروي خطبتها في ذلك اليوم لمن بعده، ومن بعده رواها لمن بعده حتى انتهت إلينا يداً عن يد، فنحن الفاطميون نرويها عن آبائنا، وآباؤنا يروونها عن آبائهم، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال إلى زمن الأئمة من أبناء علي وفاطمة، ودونكموها في كتاب (الاحتجاج) للطبرسي، وفي (بحار الأنوار)، وقد أخرجها من أثبات الجمهور وأعلامهم أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب (السقيفة وفدك) بطرق وأسانيد ينتهي بعضها إلى السيدة زينب بنت علي وفاطمة، وبعضها إلى الإمام أبي جعفر محمد الباقر، وبعضها إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن يرفعونها جميعاً إلى الزهراء كما في ص78 من المجلد الرابع من شرح النهج. وأخرجها أيضاً أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني بالإسناد إلى عروة بن الزبير، عن عائشة ترفعها إلى الزهراء كما في ص93 من المجلد الرابع من شرح النهج. وأخرجها المرزباني أيضاً كما في ص94 من المجلد المذكور بالإسناد إلى أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده يبلغ بها فاطمة (عليها السلام)، ونقل ثمة عن زيد أنه قال: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونها عن آبائهم ويعلمونها أولادهم ([639]). تأثير خطبة الزهراء (عليها السلام): كان لخطبة الزهراء (عليها السلام) أثر بالغ في النفوس؛ لما تحمله من تعاليم إسلامية مبنية على أسس متينة مستندة إلى القرآن والسنة المباركة، في بيان مظلوميتها وفي إشادتها بفضل أمير المؤمنين علي ع وأحقيته في خلافة الرسول ص، ممّا جعل الأنصار يهتفون باسم علي ع، فاستشعر رجال السقيفة الخطر من هذه البادرة، فنادى أبو بكر الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فأرعد وأبرق. قال الجوهري: (فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر وقال: أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله، ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت، ولو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول الله أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحق ذلك منا. ثم نزل !) ([640])، ([641]). أضواء على خطبة الزهراء (عليها السلام): لقد تركت سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) تراثاً كبيراً وعطاءً عظيماً قدمته للمسلمين، وخلفته لأجيال الأمة الإسلامية ضاربةً لهم أروع الأمثلة في الدفاع عن الرسالة وخلافتها وتبيان المعالم القويمة لرسالة السماء. ودللت فاطمة (عليها السلام) على السبيل الذي لابد أن يعيشه المسلم الذي اعتقد برسالة أبيها ص الخاتمة، وهو العيش من أجل المبدأ الإسلامي القويم الذي جاء به أبوها ص؛ فلذا نجدها قد أخضعت كل شيء في حياتها من أجل ذلك المبدأ، فأوقفت حياتها خدمةً للرسالة الإسلامية والدفاع عن معالمها. وبالرجوع إلى ما تركته فاطمة (عليها السلام) من تراث تنجلي هذه الحقيقة العظيمة. ولا يوجد في تراثها الضخم أعظم من خطبتها التي ألقتها في مسجد أبيها ص؛ لأنها بينت كل أرائها ومناهجها التي استقتها من منهل الوحي المقدّس، فهي غرس النبوة والباب الباطن لمدينة علم النبوة الخاتمة ([642]). ولولم نرث من فاطمة (عليها السلام) إلاّ هذه الخطبة؛ لدلتنا بوضوح وجلاء على عظمة شخصية الزهراء (عليها السلام) ومكانتها في الرسالة الإسلامية المباركة. فجمعت سيدة النساء (عليها السلام) في خطبتها تراثاً عظيماً، وهذا ممّا حدا بنا أن نلقي أضواءً على بعض جوانب الخطبة الرائعة التي جمعت فيها فاطمة (عليها السلام) أروع المفاهيم الإسلامية في الحكم والمجتمع ومعالم التّشريع الإسلامي. وسنتعرض إلى بعض الجوانب التي بينتها فاطمة (عليها السلام) تاركين الإسهاب مراعين الإيجاز. أولاً: مفهوم الجاهلية لقد فهرست وبينت فاطمة (عليها السلام) الحياة البشريّة قبل أن يصدع أبوها برسالته السّماويّة المباركة، فتقول: (... فرأى الأُمم فرقاً في أديانها، عُكّفاً على نيرانها، عابدةً لأوثانها، منكرةً لله مع عرفانها، فأنار الله تعالى بأبي محمد ظُلمها، وكشف عن القلوب بهمها وجلّى عن الأبصار غممها، وقامَ في النّاس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهدادهم إلى الدّين القويم، ودعاهم إلى الصّراط المستقيم ...). فهناك الّذين فرّقوا دينهم شيعاً وأخضعوه لمتطلبات شهواتهم ورغباتهم كاليهود والنّصارى. وهناك العاكفون على الأوثان الخاضعون للأصنام التي صنعوها بأيديهم واتخذوها آلهةً من دون الله سبحانه، معتقدين بقدرتها على الخلق والإبداع والرّزق والتوفيق والنّصر. وهذا ما كانت عليه الجزيرة العربيّة، فملئوا بيت الله الحرام بركام من الأحجار والصُّخور. وإلى جانب هذا المنهج الماديّ الطائش نشأت عبادة النيران التي كانت معروفة في بلاد فارس. كما ونشأ خليط من الأديان، سارت عليه الدّولة البيزنطية التي تمثل المعسكر الغربي للعالم - يومذاك - حيث خلطت مفاهيم الكنيسة المسيحيّة مع المفاهيم الوثنيّة الماديّة مما كوَّن خليطاً جاهليّاً جديداً في عالم الأديان الترابية. فكان مرض العمى قد خيم على الجميع، مما جعلهم يتبعون الأوهام وما صنعته أيديهم وأهواؤهم، إلى أن بصّرهم محمد ص وأزاح عنهم العمى وهداهم إلى الصراط المستقيم، وجمعهم على دين واحد بعد أن كانوا متفرقين في أديانهم ومناهجهم، وتجمعهم الجاهلية العمياء. فقد أعطت فاطمة (عليها السلام) القاسم المشترك للجاهليّات المتمثّل برفض منهج الله واستبداله بنتاج العقول البشريّة القاصرة. ومن هنا نعرف أنّ الأديان والمناهج الفكرية والاجتماعية التي تتمخض عن تفكير الإنسان تؤلف جاهلية واحدة، وإن تعدّدت أشكالها وألوانها؛ لأنّ الجاهلية هي الابتعاد عن منهج الله الذي بشّر به الرُّسل والأنبياء ص واتخاذ منهجاً آخر، سواءً أكان ذلك المنهج وثنياً ماديّاً أو خليطاً من مفاهيم سماويّة وأُخرى وضعيّة. وحين تعلن فاطمة (عليها السلام) أنّ المناهج كلّها قد انحرفت عن منهج الله سبحانه وأُصيبت بالغواية والعماية، يتضح لنا أن الرسالة الإسلامية لم تأتِ عن طريق تفاعل المفاهيم الدينية السائدة في ذلك الوقت وصياغتها بقالب جديد؛ إذ كيف تنتج تلك المفاهيم الدينية السائدة نظاماً متناسقاً كنظام الإسلام ما دامت منحرفة عن منطق الحق والنور الإلهي، بل أنّ الطريق الوحيد الذي جاء بالإسلام هو الوحي الإلهي. وهذا ما يجعل العقول البشريّة تطمئن إلى كون رسالة محمد ص وتعاليمه قد تلقّاها من السماء بعيداً عن أوضار الجاهلية وآفاق الأرض وانحرافاتها. فالتقنين الحق هو تقنين الله تعالى وتعاليمه لا تقنين العقول البشرية القاصرة واختيارها؛ لأنّ تقنين البشر هو الذي جعل العرب الجاهليين يعيشون النزاع والتناحر والظلامات على جميع الأصعدة التي بينتها فاطمة (عليها السلام) بقولها: (... وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشّارب ونهزة الطّامع وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام؛ تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلةً خاسئين تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله بأبي محمد ...) ([643]). ولا ينقذ الناس إلا العودة إلى قوانين الله تعالى والسير بتعاليم الرسل والأنبياء وأوصيائهم ص. ومن هنا بينت تعاليم الله تعالى بعد ذلك، فقالت: (... فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشّرك، والصّلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنّفس ونماء في الرّزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدّين، والعدلَ تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام وذلاً لأهل الكفر والنّفاق، والصّبر معونةً على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مصلحةً للعامة، وبرّ الوالدين وقايةً من السُّخط، وصِلَة الأرحام منسأةً في العمر ومنماةً في العدد، والقصاص حقناً للدّماء، والوفاء بالنّذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخسة، والنّهي عن الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السّرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم الله الشّرك إخلاصاً له بالربوبيّة: "فاتّقُوا الله حقّ تقاته، ولا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون"، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عَنهُ، فإنّما يخشى الله من عباده العلماءُ ...). فإذا كانت هذه الجاهلية التي تبينها فاطمة (عليها السلام) فاليوم يعيش المجتمع البشري جاهلية قاتلة؛ بسبب ابتعاده عن قوانين وتعاليم الله تعالى وخلوده لتعاليم البشر التي جعلت المسلمين طرائق قدداً، وكل حزب بما لديهم فرحون. ثانياً: إمامة آل محمد (صلى الله عليه وآله) أمانٌ من الفرقة لقد أرسل الله تعالى رسلاً مبشرين ومنذرين لكي لا تكون حجة للناس على الله من بعد الرسل، وجعل لهم أوصياء يهدون الأمم إلى صراط الحق القويم، وأوجب على الناس اتباع الرسل والأوصياء من بعدهم، كما وجعل منهجاً يعرفون به هؤلاء الرسل، وهو النص والتنصيب الإلهي، فالله مالك الملك يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وهو سبحانه الذي له حق التنصيب، ولم يعطِ للبشر هذا الحق حرصاً منه سبحانه على الإنسان كي لا يضيع في القوانين الناتجة عن الفهم البشري القاصر، المتضاربة التي تجعل الإنسان متضارباً متناقضاً متشتتاً. والعاقبة الحتمية التي ستقع فيها الأمم نتيجة معارضتها لقانون الله تعالى هي الفرقة والتيه والضياع، مما جعلهم يفترقون ثلاثاً وسبعين فرقة كما أشار إلى ذلك الصادق الأمين محمد ص بقوله: (افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) ([644]). فالمنهج الذي نشأ في السقيفة لتنصيب الخليفة عاقبته الاختلاف والحيرة والتيه، وهذا ما بينته سيدة النساء (عليها السلام) بقولها: (وإمامتنا أماناً من الفرقة). فإمامة أهل البيت ص هي صمّام الإمان للأمة من الاختلاف والضياع، ومن هنا يتضح بجلاء تعبير النبي ص في حديث الثقلين حيث نص ص على أنّ التمسك بالقرآن والعترة ضامن للإمة من الضلال والتفرقة والتشتت. فالعترة ضمان للإمة من الفرقة، لأنّ الله جعلها مرجعاً ترجع إليه الأمة في شؤونها وفي كل اختلافاتها، بخلاف الذين تقمصوا منزلة العترة وجعلوا لأنفسهم قانوناً يختارون فيه الحاكم الذي يدير أمور الرعية، وهو قانون الشورى والانتخاب الذي أثبت عبر التجارب الطويلة فشله الذريع وعدم قدرته على توحيد كلمة الأمة، بل كان هو السبب في تفرقة الأمة، كما كان تنصيب الله لآل محمد أماناً من الفرقة. روى الشيخ الكليني عن يونس بن يعقوب عن أبي عبدالله الصادق ع حديثاً طويلاً أقتصر على موضع الحاجة منه: ( فقال - أي الإمام الصادق ع - للشامي: كلم هذا الغلام - يعني هشام بن الحكم - فقال: نعم، فقال لهشام: يا غلام، سلني في إمامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا، أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم ؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال: أقام لهم حجة ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم، قال: فمن هو ؟ قال: رسول الله ص، قال هشام: فبعد رسول الله ص ؟ قال: الكتاب والسنة، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنّا ؟ قال الشامي: نعم، قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك ؟ قال: فسكت الشامي، فقال أبو عبد الله ع للشامي: ما لك لا تتكلم ؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت؛ لأنهما يحتملان الوجوه، وإن قلت: قد اختلفنا وكل واحد منّا يدّعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة إلا أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله ع: سله تجده ملياً. فقال الشامي: يا هذا، من انظر للخلق أربهم أو أنفسهم ؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟ قال هشام: في وقت رسول الله ص أو الساعة ؟ قال الشامي: في وقت رسول الله ص والساعة من ؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء [والأرض] وراثة عن أب عن جد، قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك ؟ قال هشام: سله عمّا بدا لك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال) ([645]). لذا أشارت الزهراء (عليها السلام) للعاقبة المريرة التي ستدفعها الأمة نتيجة انحراف قانون التنصيب وزحزحة الخلافة عن صاحبها الشرعي، فقالت في كلامها لنساء المهاجرين والأنصار: (أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون). وكل ذلك نتيجة لتبديل اختيار الله لهم فاختاروا لأنفسهم ما يضرّهم ولا ينفعهم توهماً منهم بحسن اختيارهم وأنهم يحسنون صنعاً. وبالتالي زحزحت الأمة خلافة الله في الأرض وحاكميته وتنصيبه سبحانه لغير أهله، وهذا ما يجده القارئ لخطبة الزهراء في عيادة نساء المهاجرين والأنصار لها، فقالت: (ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة ومهبط الوحي الأمين والطبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا من أبي حسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله (، والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله ص لاعتلقه، ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً، قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل، إلاّ بغمر الماء وردعه سورة الساغب ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب وإن تعجب وقد أعجبك الحادث ! إلى أي سناد استندوا ؟ وبأية عروة تمسكوا؟ استبدلوا الذنابى والله بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً). فقلبها (عليها السلام) يعتصر مما فعلته الأمة في سقيفتها وشورتها وانتخاباتها وزحزحة الخلافة عن خليفة رسول الله أبي الحسن علي بن أبي طالب ع الخبير بأمور الدين والدنيا، وكيف استبدلوا الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل !! فأي عاقل يستبدل علي بن أبي طالب ع بأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وحقاً لها (عليها السلام) أن تقول: (ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب)، فمن عجيب الأمر أن يترك من بُني الإسلام بسيفه وشجاعته ويبايع لمن يذهب فاراً في ساحات القتال. ولقد رأت الأمة بعضاً من هذه العاقبة التي ذكرتها فاطمة (عليها السلام) في حكم بني أمية وبني العباس، فلقد أذاقوا الناس غصصاً مريرة تكفل التأريخ بإثباتها ونقلها، فعمد يزيد خليفة بني أمية إلى رمي الكعبة الشريفة التي هي قبلة المسلمين بالمنجنيق، كما قتل ريحانة رسول الله محمد ص الحسين بن علي بن أبي طالب ع، وهكذا. ثالثاً: نظرة الزهراء إلى أمة الرسول (صلى الله عليه وآله) لقد بينت فاطمة (عليها السلام) موقف الأمة من الظلامات التي حلّت ببيت النبوة ومهبط الرسالة بعد رحيل الرسول الكريم ص، فسمل عندهم لباس الدين، ونطق من كان الكاظم صوته الخامل ذكره وظهرت الأحقاد وأتضح النفاق المخفي في قلوب الكثير، وهتف بهم الشيطان واستنهضهم فوجدهم أتباعاً مطيعين قد ملكتهم الغرّة والغفلة الشيطانية، فسلكوا غير مسلكهم الذي خطه النبي ص لهم، وشربوا من غير موردهم. ثم إنهم أسقطوا أنفسهم في فتنة صماء صيلم على الرغم من أنهم يخافون من السقوط فيها، فكانت عاقبة سقوطهم في الفتنة جهنم يصلونها وبئس القرار. فقالت (عليها السلام): (فَلمّا اخْتارَ اللهُ لنَبِيّهِ دارَ أنْبِيائهِ، وَمَأْوى أصْفِيائهِ، ظَهَرتْ فِيكُمْ حَسِيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلْبابُ الدِّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوينِ، وَنَبَغَ حامِلُ الآفِلينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطلِينَ، فَخَطَرَ فيِ عَرَصاتِكُمْ، وأطْلَعَ الشّيطانُ رَأسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ هاتِفاً بِكُمْ، فألْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتجِييِنَ، وللغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُم خِفافاً، وَأحْمَشَكُمْ فألْفاكُمْ غِضاباً فَوَسَمْتُمْ غَيْرَ إِبِلِكُمْ ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ هذا وَالْعهْدُ قرِيبٌ، وَالْكَلْمْ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لّما يَنْدَمِلُ، وَالرَّسُولُ لَمّا يُقْبَرُ؛ امْتِداداً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ ﴿ألا فيِ الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنّمَ لَمُحيِطَةٌ بِالْكافِريِنَ﴾([646])). فهذه العاقبة التي انتهت وستنتهي لها الأمة نتيجة انحراف الخلافة عن مسارها الذي رسمه الله تبارك تعالى، وتخاذلها عن نصرة آل محمد ص. ومن حق الإنسان أن يعجب من الأمة التي بذل من أجلها الرسول محمد ص كل غالٍ ونفيس من أجل تربيتها وسوقها إلى الأخلاق الفاضلة تتخاذل عن ابنته وعن أخيه علي بن ابي طالب ع، فأين كانت الأمة عن ظلامة ابنته فاطمة (عليها السلام)، وأين وصايا النبي لأمته في آل بيته ؟! فلماذا لم يقف أحد بوجه الخلافة الغاصبة ويمنعها من استلاب الحقوق الشرعية لبنت محمد ص ولحقوق بعلها عليهما السلام، أين كانت الأمة ؟! هل كانت نائمة ؟! وإن كان كذلك فمن الذي حضر السقيفة والرسول ص بعد لم يوارى ؟! أين العلماء ؟ أين الوجهاء ؟ أمّا الوجهاء؛ فلا دين عندهم يدفعهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتحملون المسؤلية الملاقاة على عواتقهم، فكأنهم خلقوا ليتنعموا وليأكلوا كما تأكل البهائم، فلا هم لهم سوى مصالحهم الدنيوية الرخيصة، فهم يسعون جاهدين لكسبها وتحصيلها بشتى الوسائل والطرق. وأمّا العلماء؛ فهم أساس المشكلة، لأنهم لا يستسيغوا عدل علي بن أبي طالب ونكروا ونقموا عليه لذلك كما صرّحت الزهراء (عليها السلام) بذلك بقولها: (وما نقموا من أبي حسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله (). وأين سائر الأمة وغالبيتها العظمى ؟ أمر يحير العقول !! وهكذا يتحيّر الباحث عندما يمر بالتاريخ ويشاهد ظلامات آل محمد ص. ثم من المؤلم أن تمرّ هذه الأمة بنفس الأحداث وتقف موقفاً سلبياً من آل محمد ص كما وقفته في السابق، فوقفت الأمة موقف المتفرّج من ظلامة فاطمة وعلي عليهما السلام؛ حفاظاً على المصالح الآنية الدنيوية، ووقفت أيضاً موقف المتفرّج من قتل الحسين ع بل عمدت لقتله؛ لأنهم أدركوا بثاقب عيون مصالحهم الضيقة أنّ الحسين وأهل بيت النبوة ص عائق أمام مطامعهم المستقبلية بالرئاسة، فأدركوا أنّ فعل يزيد بن معاوية يصب في النهاية بحوض مطامعهم الضيقة، فاستحسنوا فعله، فتجد شريح القاضي يفتي بقتل الحسين ع، وتجد الشمر بن ذي الجوشن يباشر بيده الخبيثة سفك دم الحسين ع مع أنّه يعرف مقام ومنزلة الحسين ع ! وعمر بن سعد بن أبي وقاص الذي يبيع الآخرة ويشتري الدنيا، أو عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي كان من أكثر المتحمسين لبيعة يزيد بن معاوية، ومن أكثر المشجعين على هذه البيعة !! وهو نفسه الذي امتنع عن مبايعة علي بن أبي طالب ع ! فكيف لإنسان سوي يمتنع من بيعة علي ع ويبايع يزيد ؟! فكان مقتل الحسين ع بمشهد من الأمة التي تنتسب للإسلام المحمدي الذي لولا جهود الحسين ع لما بقي منه شيئاً يذكر، والأمة ترى هذا وهي ساكته منسلخة عن مسؤليتها قد اسغرقت في نومها ولم تنبههم من ذلك السبات والنوم صرخات الاستغاثة، ولا قرقعة السيوف، ولا وقع سنابك جيش الخليفة الأموي ! وجرت أمام الأمة كل فصول المذبحة، وهم يشاهدون تلك الوقائع التي تنهد لها الجبال الرواسي، فلم يكن بإمكانها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لكي يحولوا دون وقوع المذبحة الدامية الكبرى ! فلم يقولوا لمدعي الخلافة يزيد: لا تقدم على قتل الحسين ع وأهل بيته ! ولم يقولوا له: أنت لماذا تعبىء جيشاً قوامه ثلاثين ألفاً لقتال أُناس لا يتجاوزون المئة رجل؛ لذا يقول سنان بن أنس لإبن زياد (لعنه الله) عندما جاءه طالباً المكافأة على قتل الحسين ع ([647]): أوقر ركابي فضة أو ذهبا أنا قتلت السيد المحجبا قتلت خير الناس أماً وأبا وخيرهم من ينسبون النسبا فكل ما يعني هذا التافه هو المال، إعطه المال وكلفه بقتل نبي يقتله مع علمه بأنه نبي ! لقد أدرك المرتزقة بأنّ الإمام الحسين ع وأهل بيته سيُغلبون وأن يزيد سينتصر وسيعطيهم بعض المال لذلك أيدوا يزيد بن معاوية. فليس وارداً في فكر الأمة على الإطلاق أن تقف مع الإمام الحسين ع، وليس وارداً أن تعصي أمر يزيد بن معاوية، فلو طلب منها يزيد أن تميل على الإمام الحسين وأهل بيت النبوة فتحرق عليهم بيوتهم وهم أحياء لأجابته الأمة ممتنة شاكرة! كما استجابت من قبل لحرق بيت فاطمة (عليها السلام) وهي وبعلها وولديها ص أحياء فيه ! كل ذلك كان بهدف تحصيل مصالحهم الدنيوية، إلا أنّ من المؤسف أن تعاد الكرّة مرّة ثانية وتلدغ الناس من نفس الجحر في زمننا هذا، ويقفون موقفاً أشد من موقف أولئك السابقين، فأولئك الأسلاف وقفوا ضد علي والحسين ع، واليوم يقف خلفهم ضد الإمام المهدي ع وضد رسوله اليماني أحمد الحسن ع. ولقد أشار السيد أحمد الحسن اليماني ع إلى هذه الحقيقة بقوله: (سينتصر رب محمد من الظالمين في هذه الأرض، سينتصر من ذراري قتلة الحسين لأنهم رضوا بفعل آبائهم ..... أجمعوا الحطب وأججوا ناراً لإبراهيم وأسخروا من نوح وهيئوا السيف المسموم لهامة علي وهيئوا خيلكم لترض صدر الحسين، لكني لن أساوم، لن أداهن لن أكف عن مواجهة عثمان وفضحه على رؤوس الأشهاد) ([648]). فالذي وقف مع الحسين ع ثلة قليلة اختارها الله أن تكون ناصرة لحبيب رسول الله محمدص. فالتاريخ مملوء بالمخازي التي جسدتها الأكثرية في مواقفها، فمن يقرأ تاريخ الأمم والشعوب يستنتج أن الأكثرية الساحقة من كل أمة من أمم الأرض، وكل شعب من شعوبها، قد اتخذت دائماً مواقف مخجلة مكللة بالخزي والعار !! فوقفت وقفة رجل واحد مع طاغوتها ضد نبيها، معاندة له، ومكذبة به، ورافضة الحق الذي جاء به !! ولقد ساق القرآن الكريم كمّاً هائلا من الأمثلة التي تبين المواقف المخجلة لتلك الأكثريات، قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ ( وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ ( إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾([649])، وبيّن القرآن بعض صفات الأكثرية في كل أمة وشعب، فقال تعالى: ﴿...وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ﴾([650])، ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾([651])، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([652])، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾([653])، ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً﴾([654])، ﴿مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([655]). فهذا ما منحه وأعطاه القرآن الكريم للأكثرية في كل زمان وفي كل مكان. فتخلت الأكثرية - بالرغم من أنها لم تكن حزباً واحداً، بل أحزاباً وشيعاً لكنها تحالفت لاتحاد مصالحها - عن مسؤليتها ووقفت مع نمرود وقفة رجل واحد ضد إبراهيم ع واشتركت بجمع الحطب، وشهدت عملية إحراق إبراهيم ع، ولم تخجل بل نجدها قد اجتمعت لتتلذذ برؤية إبراهيم وهو يحترق! كما خذلت موسى وهارون، وانخرطت بالجيش الذي أعدّه فرعون لقتل موسى وهارون ومن آمن معهما، وتخاذلت الأمة عن عيسى ع عندما أراد اليهود صلبه، وتخاذلت عن علي بن أبي طالب ع وصي رسول الله ص، وأرتدت الناس إلاّ قليل منهم، وأصبح علي مجذوذ اليد كما جاء في الخطبة الشقشقية (وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير. ويشيب فيها الصغير. ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى. فصبرت وفي العين قذى. وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا...) ([656]). وقال في خطبته الطالوتية بعد أن حمد الله وأثنى عليه والصلاة على نبيه الكريم: (... أيها الأمة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه والطريق الواضح فتنكبته، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت بكم السبل وبدت لكم الاعلام وأضاء لكم الاسلام فأكلتم رغدا وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الأئمة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم إذا ذكر الامر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه ؟ رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالأمم قبلكم وسيسألكم الله ( عن أئمتكم، معهم تحشرون وإلى الله ( غدا تصيرون، أما والله لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق و آخذ بالرفق ، اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين) ([657]). فأشارت الزهراء لموقف الأمة المتخاذل بقولها: (أَلا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنِّي، بِالخذْلَةِ الّتيِ خامَرَتْكُمْ، وَالْغَدْرَةِ الَّتِي اسْتَشْعَرَتْها قُلوُبُكُمْ،.....). فوقفت الأمة موقفاً سلبياً من آل محمد ص، وبقي هذا التخاذل سارياً في سلوك الأمة التي تدعي أنها تتبع محمداً ص، فقد خذلوا آله من بعده، فخذلوا وصيه وابنته وذريتهما، فوقفت الأمة من آل محمد موقف المتفرّج، فنراها تتفرج من ظلامة الزهراء، وغاية ما قاله البعض للذين عمدوا إلى إحراق بيت فاطمة؛ (إن في البيت فاطمة)، فلم تستطيع الأمة المتخاذلة من أن تنطق غير هذا وتنصر آل بيت النبي وبنته، ولقد طلبت الزهراء نصرتهم فخاطبتهم الزهراء بقولها: (يا مَعْشَرَ الْفِتْيةِ وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَحَضَنةَ الإِسْلامِ، ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فيِ حَقِّي وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامتِي. أما كانَ رَسُولُ اللهِ أبيِ يَقُولُ: (ألْمَرءُ يُحْفَظُ في وُلْدِهِ) سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلان ذا أهالةٍ وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما أُحاوِلُ ، وَقُوّةٌ عَلى ما أَطْلِبُ وَأُزاوِلُ،.... إِيهاً، بَنِي قَيْلَةَ: أَأُهْظَمُ تُراثَ أَبِي، وَأَنْتُمْ بَمرْأىً وَمَسْمَعٍ وَمُنْتَدىً وَمَجْمَعٍ ، تَلْبِسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وَتَشْمَلَكُمُ الْخِبْرَةُ وَأنْتُمْ ذَوُو العَددِ وَالْعِدَّةِ واْلأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدكُمُ السِّلاحُ وَالجُنَّةُ، تُوافِيكُمُ الدّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ ، وَتَأْتيِكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغِيثُونَ،.... ألا وَقَدْ أرى أّنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلى اْلخَفْضِ وَأَبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أحَقُّ بِالبسْطِ وَالْقَبْضِ، وَرَكَنْتُمْ إلَى الدَّعَةِ وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضَّيقِ بالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعيْتُمْ وَدَسَعْتمْ ما تَسَوَّغْتُمْ: فإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فيِ الأَرضِ جَمِيعاً، فَإنّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ. وَلكِنَّها فَيضَةُ النَّفْسِ، وَبَثَّةُ الصَّدرِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَتَقدِمَةُ الْحُجَّةِ، فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظّهْرِ نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ؛ مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشنارِ اْلأَبَدِ؛ مَوْصُومَةً بـ ﴿نارِ اللهِ الْموقَدَةِ ( التيِ تَطَّلِعُ عَلَى اْلأفْئِدةِ ( إنَّها عَلَيهِمْ مُوصَدَةٌ﴾ فَبِعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ ﴿وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ منْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ وَأَنا ابنةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ ،فَاعْمَلوُا إنّا عامِلوُنَ، وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِروُنَ،..... وَأَنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْروفُونَ بِالخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّخْبَةُ الّتي انْتُخِبَتْ، وَالخَيَرةُ الَّتي اخْتِيرَتْ، لَنا - أَهْلَ الْبَيْتِ - قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ اْلأُمَمَ وكافَحْتُمُ الْبُهَمَ: فَلا نَبْرَحُ وَتَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ، حَتّى إذا دارَتْ بِنا رَحَى الإِسلامِ، وَدَرَّ حَلْبُ الأيّام؛ وَخضَعَتْ نَعْرَةُ الشِّرْكِ وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ اْلإِفِكِ، وَخَمَدَتْ نِيرانُ الْكُفْر، وَهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرَجِ، وَاسْتَوسَقَ نِظامُ الدِّينِ، فأنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإقْدام، وَأَشْركْتُمْ بَعْدَ الإيمانِ، بُؤْسأً لِقَوْمِ " نَكَثُوا إيمانَهُمْ، وَهَمُّوا بإخراجِ الرّسُولِ، وَهُمْ بَدؤُكُمْ أَوّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ ؟ ﴿وَاللهُ أحَقَّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ﴾). وهكذا سلكت الأمة هذا السلوك الذي خسّرنا الكثير الكثير. كما وسلطت الضوء على أسباب ذلك الخذلان الذي اتصفت بها الأمة الإسلامية، فقالت (عليها السلام): (فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأنّى تُؤْفَكُونَ، وَهذا كِتابُ الله بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ: أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وأَحْكامُهُ باهِرةٌ، وَزَواجرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، فَقَدْ خَلّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغْبَةً عَنْهُ تُدْبِرُونَ، أمْ بِغَيْرهِ تَحْكُمُونَ " بِئْسَ للِظّالِمينَ بَدَلاً، وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الإسلامِ ديناً، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فيِ الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِريِنَ. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا إلاّ رَيْثَما تَسْكُنُ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسُ قِيادُها، ثُمَّ أخَذْتُم تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهيِجُونَ مِنْ جَمْرِتِها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيطانِ الْغَويّ وَإطفاءِ نُورِ الدّينِ الْجَلِيِّ، وَإهْمَالِ سُنَن النَّبيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارتِغاء وتَمْشُونَ لأهْلهِ في السَّرّاءِ وَالضّرّاءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثلِ حَزِّ الْمُدى وَوَخْزِ السِّنانِ فيِ الحَشى وَأَنْتُمُ اْلآنَ تَزْعُمُونَ: أَنْ لا إرثَ لِي مِنْ أَبي: ﴿أفَحُكْمَ الْجاهِليّةِ تَبْغُونَ، وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمْاً لِقَومٍ يُوقِنُونَ﴾). فكانت الأمة تسارع إلى قول الباطل وتبتعد عن الحق؛ لأنها تخاف على المصالح. قالت (عليها السلام): (معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلاً، وغِبَّهُ وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء وبان بأورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون). وقالت في خطبتها بين نساء المهاجرين والأنصار: (أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد وخور القناة، وخطل الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها فجدعاً وعقراً و سحقا للقوم الظالمين). * * * -الفصل الثاني: مصـادرة فـدك لقد منعت السلطة الغاصبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من كل الحقوق الثابتة لها في الشرع الإسلامي، فصادوا منها نحلتها، كما منعوها إرثها من النبي ص وهي بنته الوحيدة، وكذلك منعوها من سهم ذي القربى. وكانت السلطة الجائرة تهدف من وراء هذه السياسات سلب القدرة الاقتصادية من علي وفاطمة عليهما السلام المتمثل في فدك وغيرها، لكي يجعلوا علياً ع خالي اليد غير قادر على الوقوف بوجه الحكومة الجديدة الغاصبة من جهة، ولكي يدعموا حكومتهم من جهة ثانية. ونعرض في هذا الفصل إلى ما صادرته السلطة الغاصبة، من نحلة الزهراء، وحرمانها من الميراث، وسهم ذي القربى، وما احتجت به فاطمة (عليها السلام) على السلطة الغاصبة الظالمة. نحلة الزهراء (عليها السلام): لقد عمدت السلطة الغاصبة لمصادرة نحلة الزهراء (عليها السلام) المتمثلة بفدك والعوالي ([658]). وهاتان القريتان كانتا ملكاً للنبي ص دون سائر المسلمين. إلا أنّ العوالي لم تذكر في كثير من الأخبار، و ذلك بسبب كونها تابعة لفدك فذكر فدك يستلزم ذكرها، أو لكونها أقل نفعاً من فدك فلم يعتنوا بذكرها واكتفوا بالحديث عن فدك. ونتعرض لذكر فدك وما جرى عليها فالكلام فيها يغنينا عن الكلام في العوالي ؛ لأنهما معاً يندرجان تحت عنوان النحلة المغصوبة. ما هي فدك ؟ قال ابن منظور في لسان العرب: الأزهري: فدك: قرية بخيبر، وقيل: بناحية الحجاز، فيها عين ونخل، أفاءها الله على نبيّه (صلى الله عليه وسلم) .... فذكر عليّ رضي الله عنه، أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلم) كان جعلها في حياته لفاطمة رضي الله عنها وولدها ص ([659]) . وقال الحموي في معجم البلدان: فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم، في سنة سبع صلحاً، وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلاّ ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله، صلى عليه وسلم، أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة، رضي الله عنها: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نحلنيها، فقال أبو بكر، رضي الله عنه: أريد لذلك شهوداً، ولها قصة ([660]). وقال الطريحي في مجمع البحرين: فدك بفتحتين: قرية من قرى اليهود بينها وبين مدينة النبي ص يومان. وبينها وبين خيبر دون مرحلة. وهي ما أفاء الله على رسوله، منصرف وغير منصرف. وكانت لرسول الله ص لأنه فتحها هو وأمير المؤمنين ع لم يكن معهما أحد فزال عنها حكم الفيء ولزمها اسم الأنفال. فلما نزل (وآت ذا القربى حقه)، أي أعط فاطمة (عليها السلام) فدكاً، أعطاها رسول الله ص إياها. وكانت في يد فاطمة (عليها السلام) إلى أن توفى رسول الله ص. فأخذت من فاطمة بالقهر والغلبة ([661]). فدك ملك النبي (صلى الله عليه وآله): كانت فدك ملكاً صرفاً للنبي المصطفى ص في حياته؛ لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب([662])؛ وإنما أسلم عليها أهلها. وأنحلها النبي ص لأبنته فاطمة (عليها السلام) في حياته الشريفة، وهذا ما صرّحت به المصادر من طرق الفريقين. قال المؤرخ محمد بن جرير الطبري: قال ابن إسحاق: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وكان عنده كنز بني النضير فسأله فجحد أن يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من يهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله لكنانة: (أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك) ؟ قال: نعم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله ما بقى ؟ فأبى أن يؤديه فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه ثم دفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنهم الوطيح والسلالم حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم ففعل وكان رسول الله قد حاز الأموال كلها الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم إلاّ ما كان من ذينك الحصنين، فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم لهم ويخلوا الأموال ففعل، وكان فيمن مشى بينهم وبين رسول الله في ذلك محيصة بن مسعود أخو بني حارثة فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله أن يعاملهم بالأموال على النصف وقالوا نحن أعلم بها منكم وأعمر لها، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، وصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر فيئاً للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب([663]). وقال المؤرخ عزّ الدين أبو الحسن المعروف بابن الأثير: وكانت خيبر فيئاً للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله ص لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب ([664]). وقال الحموي: فهي - أي فدك - مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله ص، وفيها عيّن فوّارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة (عليها السلام): إنّ رسول الله نحلنيها. فقال أبو بكر أريد لذلك شهوداً، ولها قصة ([665]). قال ابن أبي الحديد المعتزلي: قال أبو بكر: حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا حيان بن بشر، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا. فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم ويسيرهم، ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، وكانت للنبي صخاصة؛ لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. قال أبو بكر: وروى محمد بن إسحاق أيضاً، أنّ رسول الله ص لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول الله ص فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما أقام بالمدينة، فقبل ذلك منهم، وكانت فدك لرسول الله ص خالصة له لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ([666]). وقال الجوهري: حدثني أبو زيد عمر بن شبه، قال: حدثنا حيان بن بشر، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم ويسيرهم، ففعل، فسمع ذلك أهل فدك، فنزلوا على مثل ذلك، وكانت للنبي ص خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. وروى أحمد بن إسحاق أيضاً، أن رسول الله ص، لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول الله ص، فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما أقام بالمدينة، فقبل ذلك منهم، وكانت فدك لرسول الله ص خالصة له، لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ([667]). النبي (صلى الله عليه وآله) ينحل فدكاً لفاطمة (عليها السلام): روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: لما نزلت هذه الآية ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ دعا رسول الله ص فاطمة فأعطاها فدك ([668]). وعنه أيضاً عن ابن عباس قال: لما أنزل الله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ دعا رسول الله ص فاطمة وأعطاها فدكاً وذلك لصلة القرابة ([669]). ونقلهما أيضاً عن أبي سعيد وابن عباس الشوكاني في فتح القدير ([670]). والسيوطي في الدر المنثور للسيوطي، ولباب النقول ([671]). كما روى المتقي الهندي في كنز العمال أيضاً عن أبي سعيد قال: لما نزلت ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة لك فدك) ([672]). وروى العياشي عن عطية العوفي قال: لما افتتح رسول الله ص خيبر، وأفاء الله عليه فدك وانزل عليه ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ قال: (يا فاطمة لك فدك) ([673]). وهناك من شكك في كون فدك بيد الزهراء (عليها السلام) في حياة رسول الله ص. قال ابن أبي الحديد نقلاً عن القاضي عبد الجبار: ولسنا ننكر صحة ما روي من ادعائها فدك، فأمّا أنها كانت في يدها فغير مسلم، بل إن كانت في يدها لكان الظاهر أنها لها، فإذا كانت في جملة التركة فالظاهر أنها ميراث ([674]). إلا أنّ هذا التشكيك لا قيمة له لما تقدّم من أنّ النبي ص أنحل فدكاً لابنته فاطمة (عليها السلام)، وممّا يدلُّ على ذلك علاوة على ما تقدّم أمور: أولاً: ما جاء في كتاب أمير المؤمنين ع إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف، قال ع: (بلى كانت في أيدينا فدك، من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانّها في غدٍ جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها ...) ([675]). ثانياً: ما جاء عن فاطمة (عليها السلام)؛ بأنّ رسول الله ص وسلم قد أعطاها فدكاً فقالت (عليها السلام) في جوابها لعائشة بنت طلحة: (أتسأليني عن هنة حلَّق بها الطائر، وحفي بها السائر، رفعت إلى السماء أثراً، ورزئت في الأرض خبراً ؟ إنّ قُحيف تَيم، واُحيول عدي جاريا أبا الحسن في السباق، حتى إذا تفرّيا في الخناق فأسرّا له الشنآن، وطوياه الإعلان، فلمّـا خبأ نور الدين وقبض النبي الأمين نطقا بفورهما، نفثا بسورهما، وأدالا فدكاً، فيالها كم من ملك ملك، إنّها عطية الربّ الأعلى للنجيّ الأَوفى، ولقد نَحلينها للصبية السواغب من نجله ونسلي، وإنّها لَبِعِلْمِ الله وشهادة أمينه، فإن انتزعا مني البلغة ومنعاني اللمظة فأحتسبها يوم الحشر، وليجدن آكلها ساعرة حميم في لظى جحيم) ([676]). ثالثاً: شهادة أمير المؤمنين ع وأُمّ أيمن لها (عليها السلام)، وذلك بعد أن وضعت السلطة يدها على الأرض، وأخرجت وكيلها منها. ومطالبة الزهراء (عليها السلام) بفدك وشهادة أمير المؤمنين ع لها، أمرٌ متواتر يعرفه الخاص والعام، وسيأتي بيانه. رابعاً: موقف عمر بن عبد العزيز والمأمون في ردّهما فدكاً على ولد الزهراء (عليها السلام) لمّا تبيّن لهما أنّ الحقّ كان معها (عليها السلام) وأنّها (عليها السلام)كانت صادقة في دعواها. أمّا عمر بن عبد العزيز؛ فقد كتب إلى عامله على المدينة أبي بكر بن عمرو بن حزم: إذا ورد عليك كتابي هذا، فاقسمها في ولد علي من فاطمة عليهما السلام. فنقمت بنو أُمية على عمر بن عبد العزيز عمله هذا وعاتبوه فيه، فقال لهم: إنّكم جهلتم وعلمتُ، ونسيتم وذكرتُ، إنّ رسول الله ص قال: (فاطمة بضعة مني، يسخطني ما أسخطها، ويرضيني ما أرضاها) قالوا: فأن أبيت إلا هذا فأمسك الأصل، وأقسم الغلّة، ففعل ([677]). وفي رواية الجوهري أنّه قال لهم: (قد صحّ عندي وعندكم أنّ فاطمة بنت رسول الله ص أدعت فدك، وكانت في يدها، وما كانت لتكذب على رسول الله ص مع شهادة علي ع وأُمّ أيمن وأُمّ سلمة، وفاطمة عندي صادقة فيما تدّعي وإن لم تقم البيّنة، وهي سيدة نساء أهل الجنة، فأنا اليوم أردّها على ورثتها . . . ولو كنت بدل أبي بكر وادّعت فاطمة كنت أصدّقها على دعواتها. فسلّمها إلى محمد بن علي الباقر ع وعبد الله بن الحسن) ([678]). وأمّا المأمون؛ فقد جلس مجلساً مشهوراً ونصب فيه وكيلاً لفاطمة (عليها السلام) وآخر لأبي بكر، وجلس هو لسماع المناظرة والقضاء، وحكم بردّ فدك إلى أولاد فاطمة (عليها السلام) بعد قيام الحجّة ووضوح الأمر. وكتب كتاباً في الثاني من ذي القعدة سنة 210 هـ إلى عامله على المدينة قثم بن جعفر أمره فيه بتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ع، ومحمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين ع، ومما جاء في الكتاب: قد كان رسول الله ص أعطى فاطمة بنت رسول الله ص فدك وتصدّق بها عليها، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل الرسول ص. . . فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها ويسلّمها إليهم، تقرباً إلى الله تعالى بإقامة حقّه، وإلى رسول الله ص بتنفيذ أمره وصدقته ([679]). أقوال العلماء في نحلة فاطمة (عليها السلام): 1- قال الشهرستاني: الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبي ص، ودعوى فاطمة (عليها السلام) وراثة تارة، وتمليكاً أخرى، حتى دفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) ([680]). 2- قال الياقوت: وفيها - أي فدك - عين فوارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة رضي الله عنها: إنّ رسول الله نحلنيها ([681]). 3- قال الواقدي: ولعل طلب إرثها من فدك كان منها بعد أن ادعت رضي الله عنها أنّ النبي ص أعطاها فدكاً، وقال لها: لك بينة ؟ فشهد لها علي كرم الله وجهه وأم أيمن، فقال لها: أبرجل وامرأة تستحقيها ؟ ([682]). 4- قال عبد الرحمن بن أحمد الإيجي: فإن قيل: ادعت أنه نحلها، وشهد علي والحسن والحسين وأم كلثوم، فرد أبو بكر شهادتهم، قلنا: أمّا الحسن والحسين فللفرعية، وأمّا علي وأم كلثوم فلقصورهما عن نصاب البينة، ولعله لم ير الحكم بشاهد ويمين؛ لأنه مذهب كثير من العلماء ([683]). 5- قال السيد ابن طاووس (رحمه الله): فصل: فيما نذكره من الكراس الآخر من الجزء الخامس (من تفسير محمد بن العباس بن علي بن مروان المعروف بابن الحجام) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ روى فيه حديث فدك من عشرين طريقاً، فلذلك ذكرته، نذكر منها طريقاً واحداً... عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ دعا رسول الله ص فاطمة وأعطاها فدكاً ([684]). 6- قال العلامة الإربلي (رحمه الله): عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله ع: قال: (قلت: أكان رسول الله ص أعطى فاطمة (عليها السلام) فدك ؟ قال: كان رسول الله وقفها، فأنزل الله تبارك وتعالى عليه: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ فأعطاها رسول الله ص حقها. قلت: رسول الله أعطاها ؟ قال: بل الله تبارك وتعالى أعطاها. وقد تظافرت الرواية من طرق أصحابنا بذلك، وثبت أنّ ذا القربى علي وفاطمة والحسن والحسين ص) ([685]). 7- قال أحمد بن علي الطبرسي (رحمه الله): عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله ع قال: (لما بويع أبو بكر، واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك من إخراج وكيل فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله منها، فجاءت فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله ص، وأخرجت وكيلي من فدك، وقد جعلها لي رسول الله ص بأمر من الله تعالى ؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله ص، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله ص قال: (أم أيمن امرأة من أهل الجنة) ؟ فقال: بلى، قالت: فأشهد أن الله ( أوحى إلى رسول الله ص: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، فجاء علي ع فشهد بمثل ذلك. فكتب: لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة (عليها السلام) ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي ع، فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة، فتفل فيه ومزقه. فخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي فلما كان بعد ذلك جاء علي ع إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر، لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله ص وقد ملكته في حياة رسول الله ص ؟ فقال أبو بكر: هذا فيء للمسلمين، فإن أقامت شهوداً أن رسول الله جعله لها، وإلا فلا حق لها فيه. فقال أمير المؤمنين ع: يا أبا بكر، تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ؟ قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادعيت أنا فيه، من تسأل البينة ؟ قال: إياك أسأل البينة، قال: فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يديها وقد ملكته في حياة رسول الله ص وبعده، ولم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهوداً كما سألتني على ما ادعيت عليهم ؟ فسكت أبو بكر، فقال عمر: يا علي دعنا من كلامك، فإنا لا نقوى على حجتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلا فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه. فقال أمير المؤمنين ع: يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم، قال: أخبرني عن قول الله (: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([686])، فيمن نزلت، فينا أم في غيرنا ؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شهوداً شهدوا على فاطمة بنت رسول الله ص بفاحشة، ما كنت صانعاً بها ؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين، قال: إذن كنت عند الله من الكافرين، قال: ولم ؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة،، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدكاً قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها، وأخذت منها فدكاً، وزعمت أنه فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله ص: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه)، فرددت قول رسول الله ص: البينة على من ادعى، واليمين على من ادعي عليه. قال: فدمدم الناس وأنكروا، ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا: صدق والله علي بن أبي طالب. ورجع إلى منزله) ([687]). 8- روى الشيخ المفيد (رحمه الله) بإسناده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ع، قال: (لما قبض رسول الله ص وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة صلوات الله عليها فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة (عليها السلام) فقالت: يا أبا بكر، ادعيت أنك خليفة أبي وجلست مجلسه، وأنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك، وقد تعلم أن رسول الله ص صدق بها علي، وأن لي بذلك شهوداً (وساق الحديث إلى أن قال لها) هلمي ببينتك، قال: فجاءت بأم أيمن وعلي ع، فقال أبو بكر: يا أم أيمن، إنك سمعت من رسول الله ص يقول في فاطمة ؟ فقالا: سمعنا رسول الله ص يقول: (إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة). ثم قالت أم أيمن: فمن كانت سيدة نساء أهل الجنة تدعي ما ليس لها ؟ وأنا امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهد إلاّ بما سمعت من رسول الله ص. فقال عمر: دعينا يا أم أيمن من هذه القصص، بأي شيء تشهدان ؟ فقالت: كنت جالسة في بيت فاطمة (عليها السلام) ورسول الله ص جالس حتى نزل عليه جبرائيل فقال: يا محمد قم فإن الله تبارك وتعالى أمرني أن أخط لك فدكاً بجناحي. فقام رسول الله ص مع جبرائيل ع، فما لبثت أن رجع، فقالت فاطمة (عليها السلام): يا أبه، أين ذهبت ؟ فقال: خط جبرائيل ع لي فدكاً بجناحه وحد لي حدودها، فقالت: يا أبه إني أخاف العيلة والحاجة من بعدك، فصدق بها علي، فقال: هي صدقة عليك، فقبضتها. قالت: نعم، فقال رسول الله ص: يا أم أيمن اشهدي، ويا علي اشهد. فقال عمر: أنت امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، وأما علي فيجر إلى نفسه. قال: فقامت مغضبة وقالت: اللهم إنهما ظلما ابنة محمد نبيك حقها، فاشدد وطأتك عليهما. ثم خرجت، وحملها علي على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار، والحسن والحسين معهما، وهي تقول: يا معشر المهاجرين والأنصار، انصروا الله، فإني ابنة نبيكم، وقد بايعتم رسول الله ص يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم، ففوا لرسول الله ص ببيعتكم. قال: فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها. قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت: يا معاذ بن جبل إني قد جئتك مستنصرة وقد بايعت رسول الله ص على أن تنصره وذريته وتمنعه مما تمنع منه نفسك وذريتك، وإن أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها، قال: فمعي غيري ؟ قالت: لا، ما أجابني أحد، قال: فأين أبلغ أنا من نصرتك ؟ قال: فخرجت من عنده ودخل ابنه، فقال: ما جاء بابنة محمد إليك ؟ قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنه أخذ منها فدكاً، قال: فما أجبتها به ؟ قال: قلت: وما يبلغ من نصرتي ؟ أنا وحدي ! قال: فأبيت أن تنصرها ؟ قال: نعم، قال: فأي شيء قالت لك ؟ قال: قالت لي: والله لأنازعنك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله ص. قال: فقال: أنا والله لأنازعنك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله ص إذ لم تجب ابنة محمد ص ...) ([688]). مصادرة السلطة الحاكمة لفدك: لقد صادرت السلطة الحاكمة نحلة الزهراء (عليها السلام) فوضعت يدها على فدك، لتصبح طعمةً لتلك السلطة الغاصبة. واختلقوا مبررات شرعية لفعلهم هذا، كما اختلقوا مبررات لاقتحامهم الدار وحرقها وتقمصهم الخلافة من أهلها وزحزحتها عنهم، وقد وصفت ذلك الزهراء (عليها السلام) بالزور، فقالت: (أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور) ([689]). قال ابن حجر المكي في الصواعق: إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً ([690]). ولا يعرف الباحث المنصف وجهاً شرعياً لذلك؛ وتخطر في ذهنه أسئلة متعددة لا يجد لها تفسيراً مقبولاً ؛ أفهل أنّ أبا بكر وعمر لم يعلما بكون فدك تعود ملكيتها لفاطمة (عليها السلام) ؟! وكيف يعقل ذلك مع ما ورد من الروايات التي تنص أنّ الله تعالى أمر نبيه الكريم ص بأن يعطي فدكاً لأبنته فاطمة (عليها السلام) بقوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ كما تقدّم. إذن، لماذا سلبا فدكاً من فاطمة (عليها السلام) ؟! ولنفرض أنّهما لم يعلما - وهو فرض بعيد - لكن أبا بكر على الأقل قد علم الحقيقة بعد أن شهد الشهود أمامه بكون فدكاً عائدة لفاطمةعليها السلام)، إذن لماذا لم يسلمها فدكاً ؟! وهكذا لا يجد الباحث تفسيراً سوى تفسر واحد، وهو التفسير الذي أشار إليه عمر بن الخطاب عندما كتب أبو بكر كتاباً بفدك وكونها لفاطمة (عليها السلام) فاعترضها عمر بن الخطاب وبصق في الكتاب ومزقه. وقال لأبي بكر كما يروي سبط ابن الجوزي: ممّاذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ([691]) ؟ وعن المفضل بن عمر، عن الصادق ع، قال: (لما ولّي أبو بكر بن قحافة قال له عمر: إنّ الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس والفيء وفدكاً، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً ع، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإيثاراً لها ومحاماة عليها، ففعل أبو بكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك) ([692]). فهذا يفسّر لنا السبب في انتزاعهم ومصادرتهم فدك من يد فاطمة (عليها السلام)، ومن هنا كانت الزهراء تطالب بفدك لا بصفتها ملكاً شخصياً لها، بل كان لفدك مفهوم آخر؛ ومما يدلنا على ذلك سير الأحداث؛ حيث لا يجد الباحث عند المقارنة بين ما تحمله الزهراء (عليها السلام) من زهد في الدنيا وشدة المطالبة بملك بالٍ؛ علماً أنّ مطالبتها به لا ينافي الزهد، فهو حقها الذي فرضه الله لها في محكم التنزيل. ولهذا حينما وليّ علي زمام الأمور لم يسترد فدكاً، بينما طالبت بها فاطمة (عليها السلام) في زمن أبي بكر، فمال علي ع وملك لا يبقى، والزهراء (عليها السلام) هي قرينة عليع فلم يكن هدفها المطالبة بأرض في الحجاز تسمى فدك، وإنّما هدفها كشف السلطة الغاصبة وفضحها على رؤوس الأشهاد، وقد بانت هذه الحقيقة واضحة في خطبتها في مسجد أبيها رسول الله ص، وكلامها مع نساء المهاجرين والأنصار، حيث تعرّضت (عليها السلام) للخلافة المغصوبة، والانقلاب الذي حصل بعد وفاة أبيها ص، وتركيزها على وراثة علي للنبيص وزحزحة الخلافة عنه ع، وبذلك تثبت للملأ أنّ علياً وأهل بيته ص هم الخلفاء الذين يرثون النبي ص، كما أنها وبخت المسلمين الذين يداهنون ولا ينصرون الحق وأهله، ومخالفتهم للنصوص القرآنية الشريفة وسنّة أبيها النبي ص التي تدل على وجوب إحقاق الحق وإبطال الباطل، ووقوعهم في الفتنة التي زعموا أنهم بخلافة أبي بكر قد عصموا من الوقوع فيها، فقالت لهم: (زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ ﴿ألا فيِ الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنّمَ لَمُحيِطَةٌ بِالْكافِريِنَ﴾). الزهراء تطالب بإرجاع حقها المغصوب: من تأمل في زهد الزهراء (عليها السلام) يرى أن احتجاجها وتظلمها في قضية فدك لم يكن لحطام الدنيا. فما تصنع بفدك مَن تطعم الطعام على حبه سبحانه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وتصوم ثلاثة أيام على الماء، مع بعلها وبنيها، ويؤثرون الفقير والمسكين والأسير على أنفسهم ويقولون: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً﴾([693]). وقد اكتفى بعلها من الدنيا بطمريه، ومن طعامه بقرصيه، ويقول: (ما أصنع بفدك وغير فدك) ([694]). وإنّما كان تظلمها لأجل ما ترى من تضييع الحق بالباطل، فكانت فدك هي الحق الذي أمر الله رسوله بإعطائها لذي الحق، فقامت ع لإحقاق حقها لمعرفتها بعظمة الله وعظمة أمر الله، وقد بعث الله رسوله لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ومع ضياع حق ابنته التي هي أحب الخلق إليه لا يبقى أمان لحق أحد من الأمة، فلم يكن تظلمها (عليها السلام) إلاّ لإحقاق حق الله بعدم انتهاك حرمة أمر الله، وإحقاق حق الناس. فالتي يغضب الله لغضبها، ويرضى لرضاها كما قال أبوها ص في حقها، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، لا يمكن أن يكون رضاها وغضبها إلاّ تبعاً لرضا الله وغضبه. فالمسألة ليست مسألة مطالبة مادية - وإن كان من حق فاطمة (عليها السلام) المطالبة بحقها المادي المغصوب -، بل ثورة لإرجاع الناس عن ظاهرة الإنقلاب على الأعقاب وإتباع الأمة للباطل الذي أسسته السقيفة، ولكي تكشف النفاق الذي كان معشعشاً في النفوس، ولترجع بهم إلى قواعد الإيمان، التي بيّنها الله تعالى في القرآن الكريم والرسول ص في السنّة الشريفة. فهذا التأسيس لطريقة الحكم التي خرجت من السقيفة طريقة مناقضة لقانون الله تعالى في التنصيب فأرادت فاطمة (عليها السلام) أن ترجع الناس إلى الطريق القويم الذي يمثل حقيقة الدين وتنفيذ إرادة الله سبحانه وإرادة رسوله الكريم في كون الخيرة لله تعالى والحاكمية له وهو من ينصّب خلفائه، بخلاف الحزب الحاكم الذي يحكم بحاكمية الناس والشورى والانتخابات؛ لذا تقول في حديثها مع نساء المهاجرين والأنصار: (أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين والطبين بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين..)، كما أنّها أشارت للعاقبة التي ستنتهي لها الأمة من جراء هذا الانحراف الكبير الذي حصل في السقيفة، فقالت: (أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما سن الأولون). وذات يوم دخلت اُمّ سلمة على فاطمة (عليها السلام) فقالت لها: كيف أصبحتِ عن ليلتكِ يا بنت رسول الله ص؟ قالت (عليها السلام): (أصبحت بين كمد وكرب، فقد النبيّ ص وظلم الوصيّ ع، هتك والله حجاب من أصبحت إمامته مقبضة على غير ما شرع الله في التنزيل أو سنّها النبيّ  ص في التأويل، ولكنّها أحقاد بدرية وترات اُحديّة) ([695]). وهذه الحقيقة أشار إليها ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، قال: (سألت علي بن الفارقي أحد أساتذة ذلك العصر في بغداد عن فدك، قلت: أكانت فاطمة صادقة ؟ قال: نعم. قلت: إذا كان ذلك فلماذا لم يعطها الخليفة فدكاً. فتبسم، وأجاب جواباً مستظرفاً مستحسناً! خلاصة قوله: إنه إذا أعطاها فدكاً لمجرد ادعائها، كانت تعود له بعد يوم مطالبة إياه بالخلافة التي اغتصبها من زوجها، وعندها كان عليه لزوماً أن يسلم الحق إلى أهله، لأنه قد صدقها)([696]). فكانت فدك ترمز إلى كل ذلك؛ ومما يؤكد ذلك - مضافاً إلى ما تقدم - المحاورة التي دارت بين الإمام الكاظم ع وبين الرشيد، فقد كان الرشيد يقول لموسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام: (يا أبا الحسن، خذ فدك حتى أردها عليك، فيأبى، حتى ألح عليه، فقال: لا آخذها إلاّ بحدودها. قال: وما حدودها ؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن حددتها لم تردّها. قال: بحق جدك إلاّ فعلت ؟ قال: أمّا الحد الأول فعدن. فتغير وجه الرشيد وقال: هيه. قال: والحد الثاني سمرقند. فأربد وجهه. قال: والحد الثالث أفريقية. فاسود وجهه، وقال: هيه. قال: والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية. قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسي. قال الكاظم ع: قد أعلمتك إن حددتها لم تردّها، فعند ذلك عزم على قتله) ([697]). فمن هنا تعد مسألة ظلامة الزهراء (عليها السلام) وما جرى عليها من أهم المسائل وأخطرها، فهي تكشف الواقع بصورة ناصعة لا لبس فيها، حيث أزالت فاطمة (عليها السلام) القناع عن بشاعة القوم وأهدافهم الرخيصة التي اتهموا النبي ص من أجل تحقيقها بالهجر، واعتدوا على باب أهل بيت النبي ص، ذلك الباب الذي يقف عنده النبي ص مسلماً على أهله في أسفاره وفي مجيئه من تلك الأسفار، فآخر من يودع باب فاطمة (عليها السلام) وأول من يطرق باب فاطمة (عليها السلام). ومن هنا حاولوا أن يكتموها أو يتكتموا على أسماء من ظلموها، ويحرفوا كل ما فيه تصريح أو مساس ببيان بشاعة الواقعة الشرسة التي تعرضت لها فاطمة (عليها السلام) أثناء هجوم الخلفاء الغاصبين وأذنابهم على باب دارها، كما تقدم ذلك في الفصل السابق. ومن هنا طالبت فاطمة (عليها السلام) بحقها الذي صادرته السلطة الغاصبة، ولم تثنيها الآلام التي تعاني منها، فحاججت السلطة الغاصبة بالحجج الحقّة لكي تعلم الناس إنّ لا يسكتوا عن الحق مهما كانت الظروف، وهي التي يمثل سلوكها معياراً لمعرفة الحق وأهله والباطل وأهله، والصواب من الخطأ، والظالم والمظلوم، فهي التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، وهي التي من آذاها فقد آذى حبيب آله العالمين محمد ص كما قرر ذلك الرسول محمد ص، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك. فجاءت فاطمة (عليها السلام) تطالب بحقها فأنكر كون فدك ملكاً للنبي ص!! قال الجوهري: حدثني محمد بن زكريا ، قال: حدثنا محمد بن الضحاك، قال: حدثنا هشام بن محمد، عن عوانة بن الحكم، قال: لما كلمت فاطمة (عليها السلام) أبا بكر بما كلمته به، حمد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال: يا خيرة النساء، وابنة خير الآباء، والله ما عدوت رأي رسول الله ص، وما عملت إلاّ بأمره، وإنّ الرائد لا يكذب أهله، وقد قلت فأبلغت، وأغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا ولك، أما بعد فقد دفعت آلة رسول الله ودابته وحذاءه إلى علي ع، وأمّا سوى ذلك فإني سمعت رسول الله ص يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا أرضاً ولا عقاراً ولا داراً، ولكنا نورث الإيمان والحكمة والعلم والسنة، فقد عملت بما أمرني، ونصحت له وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وروى هشام بن محمد، عن أبيه قال: قالت فاطمة، لأبي بكر: إنّ أم أيمن تشهد لي أن رسول الله ص، أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول الله ، والله ما خلق الله خلقاً أحب إليّ من رسول الله ص أبيك، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، والله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري، أتراني أعطي الأحمر والأبيض حقه وأظلمك حقك، وأنت بنت رسول الله ص، إنّ هذا المال لم يكن للنبي ص، وإنما كان مالاً من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال، وينفقه في سبيل الله، فلما توفي رسول الله صوليته كما كان يليه، قالت: والله لا كلمتك أبداً، قال: والله لا هجرتك أبداً ، قالت: (والله لأدعون الله عليك)، قال: والله لأدعون الله لك ، فلما حضرتها الوفاة أوصت ألاّ يصلي عليها ، فدفنت ليلاً،.. ([698]). ومن هنا جاءت الزهراء (عليها السلام) بشهودها لكي يدلوا بشهادتهم عند الخليفة بعد أن طلب منها شهوداً. قال الجوهري: حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثني ابن عائشة، قال: حدثني أبي ، عن عمه قال: لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال: يا ابنة رسول الله ، والله ما ورث أبوك ديناراً ولا درهماً، وأنه قال: إنّ الأنبياء لا يورثون، فقالت، أن فدك وهبها لي رسول الله ص، قال: فمن يشهد بذلك، فجاء علي بن أبي طالب ع فشهد، وجاءت أم أيمن فشهدت أيضاً، فجاء عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف ، فشهد أن رسول الله ص، كان يقسمها ، قال أبو بكر، صدقت يا ابنة رسول الله ص وصدق علي، وصدقت أم أيمن، وصدق عمر، وصدق عبد الرحمن بن عوف،.. ([699]). فرجّح أبي بكر بعد ذلك عمر بن الخطاب !! ومن هنا كذّب أبو بكر علياً وفاطمة عليهما السلام وأم أيمن، إلا أنّه قال بصدقهم لساناً ونفاقاً، وصدّق عملياً كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف ([700]) !! ولو سألت أيّها القارئ الكريم وقلت: كيف أنّ أبا بكر صدّق البينتين ظاهراً مع تباينهما فلن تجد جواباً !! في الحقيقة أنّهم يريدون مصادرة فدك من علي وفاطمة عليهما السلام بأي وجه؛ لما تقدّم من قول إمامنا الصادقع ([701])، واعتراف عمر كما ينقل ذلك ابن الجوزي ([702])!! ومن هنا كان عمر رافضاً أشد الرفض لإرجاع فدك لفاطمة (عليها السلام)؛ ولذا حينما أعطى أبو بكر صحيفة أمر فيها بإرجاع فدك لفاطمة (عليها السلام) مزّقها !! وفي رواية أنها قالت له بعد أن مزّق الصحيفة: (بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي) ([703]). وفي أخرى: فخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي وتقول: (بقر الله بطنك كما بقرت كتابي)، فاستقبلها علي (عليها السلام) فقال: (مالك يا بنت رسول الله غضبى) ؟ فذكرت له ما صنع عمر، فقال ع: (ما ركبوا مني ومن أبيك أعظم من هذا) ([704]). ولم تمض الأيام إلا وبُقرت بطن عمر على يد أبو لؤلؤة !! وقفة لتقييم فعل سلطة السقيفة: ونريد الآن تسليط الضوء على فعل السلطة الحاكمة ونقيّمه وفقاً لما جاء من قوانين شرعية وقضائية في الاسلام؛ لنرى هل يكون لهذا الموقف شيء من الحق، ولهذا سنوقف القارئ على مناقشتين تاركين الإطالة: المناقشة الأولى: لقد شهد الله تعالى في كتابه الكريم للزهراء (عليها السلام) بإذهاب الرجس، والطهارة من الدنس، وكونها مأمونة من فعل غير الحق، ومن كانت هذه صفته لا يحتاج إلى بيّنة فيما يدعيه، وقد تقدم في الباب الأول أنّ الزهراء (عليها السلام) من أهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير. هذا مع أنّ أبا بكر كان يعلم أنّ لسانها يتجافى عن قول الباطل، فقد شهد لها بالصدق، وأنّها لا تقول على أبيها ص إلاّ الحقّ، فقال: (ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحق) كما تقدّم في الرواية السابقة. والمسلمون جميعاً يشهدون بذلك، لكن أبا بكر بقي مصرّاً على مطالبة الزهراء (عليها السلام) بالشهود حتى بعد أن احتجّ عليه أمير المؤمنين ع بمحضر المهاجرين والأنصار وأكّد له أنّ الله تعالى شهد لفاطمة (عليها السلام) بالطهارة، وأن ردّ شهادتها ردّ على الله. وهذا ما احتج به أمير المؤمنين ع، فقال: (يا أبا بكر تقرأ كتاب الله) ؟ قال: نعم. قال: (أخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾، فيمن نزلت فينا أم في غيرنا) ؟ قال: بل فيكم، قال: (فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله ص بفاحشة ما كنت صانعاً بها) ؟ قال: كنت أقيم عليها الحد، كما أقيمه على نساء المسلمين، قال: (إذن كنت عند الله من الكافرين)، قال: ولم قال: (لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها...) ([705]). ثم إنّ أبا بكر أعطى بعض الصحابة بمجرّد الدعوى، دون أن يطلب منهم البيّنة، ومن ذلك ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: لمّا مات النبي ص وسلم جاء أبا بكر مالٌ من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبي ص دَين، أو كانت له قبله عِدَةٌ فليأتنا. قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله ص أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرّات. قال جابر: فعدّ في يدي خمسمائة، ثمّ خمسمائة، ثمّ خمسمائة ([706]). وروى ابن سعد في الطبقات عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت منادي أبي بكر ينادي بالمدينة حين قدم عليه مال البحرين: من كانت له عِدة عند رسول الله ص فليأتِ، فيأتيه رجال فيعطيهم، فجاء أبو بشير المازني، فقال: إنّ رسول الله ص قال: يا أبا بشير، إذا جاءنا شيءٌ فأتنا، فأعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثاً، فوجدها ألفاً وأربعمائة درهم ([707]). فلماذا إذن يطلب البينة من ابنة رسول الله ص سيدة نساء أهل الجنة !! أفهل أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا بشير المازني أبر وأصدق من فاطمة (عليها السلام)؟! مع أنها كما قالت عائشة:لم يكن أصدق لهجة منها إلاّ الذي ولدها ([708])، وشهد الله بطهارتها عن مطلق الرجس، ونطق الكتاب والسنة بعصمتها كما تقدّم في الباب الأول. ولو سلّمنا - جدلاً - أنّ فاطمة كسائر النساء يطلب منها البينة لإثبات دعواها، فلماذا ترد بينتها التي أقامتها !! فقد شهد لها أمير المؤمنين ع وصي رسول الله ص والصدّيق الأكبر وصالح المؤمنين، ومن شهد له رسول الله ص بقوله: (عليٌ مع الحقّ والحقُّ مع علي) ([709]). فكيف تردّ شهادته مع قيام البينة على عصمته عن الذنب وطهارته من الرجس ؟ كما شهدت لها مع أمير المؤمنين ع أُمّ أيمن، وهي حاضنة رسول الله ومولاته، وقد شهد لها بالجنة، وقال فيها: (أُمّ أيمن أُمّي بعد أُمّي) ([710])، وردّ شهادتها أيضاً. فكيف ترد شهادة مثل هؤلاء ؟! وإن قيل: إنّ أبا بكر لا يرى عصمتها وعصمة شاهدها ! أقول: لكنه يرى أنها صادقة على الأقل وإن لم تكن معصومة عنده. المناقشة الثانية: من الثابت تحقيقاً إنّ فدك كانت بيد الزهراء (عليها السلام) في حياة أبيها ص وهذا ما تبين سابقاً من خلال الروايات التي تقدّم ذكرها، فقد كان للزهراء (عليها السلام) وكيلاً فيها وأخرجوه قهراً وقسراً، واليد أمارة على الملكية، فبمقتضى ذلك لا يجوز أن يطلب الخليفة البينة منها، بل تجب البينة عليه لا على الزهراء (عليها السلام)؛ لأنّ البينة على المدعي الذي يخالف قوله قاعدة اليد. وهذا ما بينه أمير المؤمنين ع، فقال لأبي بكر: (يا أبا بكر، تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين) ؟! قال: لا. قال: (فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة) ؟ قال: إياك أسأل البينة، قال: (فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يديها ؟ .... إلى أن يقول ع: وقد قال رسول الله ص: البينة على المدعي: واليمين على المدعى عليه. فرددت قول : رسول الله ص: البينة على من أدعى، واليمين على من ادعي عليه،...) ([711]). كلام العلماء في الاستدلال على النحلة: 1- قال السيد شرف الدين (رحمه الله): ثم لما أنزل الله ( عليه: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ أنحل فاطمة فدكاً، فكانت في يدها حتى انتزعت منها لبيت المال. هذا ما ادعته الزهراء بعد رسول الله ص وأوقفت في سبيله موقف المحاكمة بإجماع الأمة، ..... وقد علم المسلمون كافة أنّ الله ( اختارها من نساء الأمة، كما اختار ولديها من الأبناء، واختار بعلها من الأنفس، فهم الخيرة مع رسول الله للمباهلة يوم أوحى الله سبحانه إليه: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾([712])، فخرج رسول الله ص - كما نص عليه الإمام الرازي في تفسير الآية من تفسيره الكبير - وعليه مرط من شعر أسود، وقد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأمنوا. فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. وأيضاً أجمع المسلمون كافة على أنّ الزهراء (عليها السلام) ممن أنزل الله ( فيهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([713])، وأنها ممن افترض الله مودتهم على الأمة، وجعلها أجر رسالته ص، وأنها ممن تعبد الله الخلق بالصلاة عليهم كما تعبدهم بالشهادتين في كل فريضة ... وبالجملة فإنّ للزهراء (عليها السلام) من منازل القدس عند الله ( ورسوله ص والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي والطمأنينة الكاملة بكل ما تقول، لا تحتاج في إثبات دعواها إلى شاهد، فإن لسانها ليتجافى عن الباطل، وحاشا الله أن ينطق بغير الحق، فدعواها بمجردها تكشف عن صحة المدعى به كشفاً تاماً ليس فوقه كشف، وهذا مما لا يرتاب فيه أحد ممن عرفها (عليها السلام)، وأبو بكر من أعرف الناس بها وبصدق دعواها، ولكن الأمر كما حكاه علي بن الفارقي - وكان من أعلام بغداد مدرساً في مدرستها الغربية - وهو أحد شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي، إذ سأله فقال له: أكانت فاطمة صادقة في دعواها النحلة ؟ قال: نعم، قال له ابن أبي الحديد: فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكاً وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدكاً بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشيء، لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود. قلت: وبهذا استباح أبو بكر ردة شهادة علي بن أبي طالب لفاطمة بالنحلة وإلاّ فإن يهود بني خيبر على لؤمهم وأن علياً دمرهم لينزهونه عن شهادة الزور، وبهذا أيضاً لا بسواه استونق الجمل، فاعتبر ذات اليد المتصرفة مدعية فطالبها بالبينة إنما هي عليه، الأمر الذي علمنا أنه دبر بليل، وما ينسَ ولا ينسَ قوله في مجابهة فاطمة: (لست أعلم صحة قولك) مع أنّ قولها بمجرّده من أوضح موازين الحكم لها بما ادعت. ولو تنزلنا عن هذا كله وسلمنا أنها كسائر المؤمنات الصالحات تحتاج في إثبات دعواها إلى بينة، فقد شهد لها علي، وحسبها أخو النبي ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى، شاهد حتى تشرق بشهادته أنوار اليقين - وليس بعد اليقين غاية -، يطلبها الحاكم في المرافعات، ولهذا جعل رسول الله ص شهادة خزيمة بن ثابت كشهادة عدلين، ولعمر الله أن علياً أولى بهذا من خزيمة وغيره وأحق بكل فضيلة من سائر أبدال المسلمين. ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين، فهلا استحلف أبو بكر فاطمة الزهراء (عليها السلام) بدلاً عن الشاهد الثاني، فإن حلفت وإلا رد دعواها ؟ ما رأيناه فعل ذلك، وإنما رد الدعوى ملغياً شهادة علي وأم أيمن، وهكذا كما ترى مما لم يكن بالحسبان! بينا كان علي عدل القرآن في الميزان، وكان مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان، وهو في آية التباهل نفس المصطفى ليس غيره إياها، إذا هو في هذه المحاكمة ممن لا أثر لشهادتهم! يا لها مصيبة في الإسلام تلقينا بقولنا! إنا لله وإنا إليه راجعون ([714]). 2- قال العلامة أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي: ومن عجائب الأمور تأتي فاطمة بنت رسول الله ص تطلب فدك وتظهر أنها تستحقها، فيُكذب قولها، ولا تُصدق في دعواها، وتُرد خائبة إلى بيتها، ثم تأتي عائشة بنت أبي بكر تطلب الحجرة التي أسكنها إياها رسول الله ص وتزعم أنها تستحقها، فيصدق قولها، ويقبل دعواها، ولا يطالب ببينة عليها، وتسلم هذه الحجرة إليها، فتصرف فيها، وتضرب عند رأس النبي ص بالمعاول حتى تدفن تيماً وعدياً فيها، ثم تمنع الحسن ابن رسول الله ص بعد موته منها ومن أن يقربوا سريره إليها، وتقول: لا تدخلوا بيتي من لا أحبه، وإنما أتوا به ليتبرك بوداع جده فصدته عنه. فعلى أي وجه دفعت هذه الحجرة إليها، وأمضى حكمها إن كان ذلك ؟ لأن النبي نحلها إياها فكيف لم تُطالب بالبينة على صحة نحلتها كما طولبت بمثل ذلك فاطمة صلوات الله عليها ؟ وكيف صار قول عائشة بنت أبي بكر مصدقاً، وقول فاطمة ابنة رسول الله مكذباً مردوداً ؟ وأي عذر لمن جعل عائشة أزكى من فاطمة صلى الله عليها وقد نزل القرآن بتزكية فاطمة في آية الطهارة وغيرها، ونزل بذم عائشة وصاحبتها وشدة تظاهرهما على النبي ص وأفصح بذمها ؟ وإن كانت الحجرة دفعت إليها ميراثاً فكيف استحقت هذه الزوجة من ميراثه ولم تستحق ابنته منه حظاً ولا نصيباً ؟ وكيف لم يقل هذا الحاكم لابنته عائشة نظير ما قالت (قال: ظ) لبنت رسول الله: (إنّ النبي لا يورث، وما تركه صدقة) ؟ على أنّ في الحكم لعائشة بالحجرة عجباً آخر وهو أنها واحدة من تسع أزواج خلفهن النبي، فلها تسع الثمن بلا خلاف، ولو اعتبر مقدار ذلك من الحجرة مع ضيقها لم يكن بمقدار ما يدفن أباها وكان بحكم الميراث للحسن ع منها أضعاف بما ورثه من أمه فاطمة ومن أبيه أمير المؤمنين المنتقل إليه بحق الزوجية منها ([715]). 3- قال الشيخ المظفر (رحمه الله): لا ريب عندنا أنّ النبي ص نحلها فدك، وأن اليد لها عليها من يوم أفاء الله تعالى بها عليه، وكان بأمر الله سبحانه حيث قال له: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾، وأنّ أبا بكر قبضها قهراً، وطلب منها البينة على خلاف حكم الله تعالى، لأنه هو المدعي، وقد حاجه أمير المؤمنين ع في ذلك فما كان جوابهم إلاّ أن قال عمر: لا نقوى على حجتك، ولا نقبل إلاّ أن تقيم فاطمة البينة، كما صرّحت به أخبارنا وشهدت به أخبارهم... ( ثم قال (رحمه الله) بعد ذكر أخبار الباب) وحينئذٍ فتكون مطالبة أبي بكر للزهراء بالبينة خلاف الحق وظلماً محضاً، لأنها صاحبة اليد، وهو المدعي. ويدل على أنّ اليد لها لفظ الإيتاء في الآية، والإقطاع والإعطاء في الأخبار المذكورة، فإنها ظاهرة في التسليم والمناولة كما يشهد لكون اليد لها دعواها النحلة، وهي سيدة النساء وأكملهن، وشهادة أقضى الأمة بها، لأنّ الهبة لا تتم بلا إقباض، فلو لم تكن صاحبة اليد لما ادعت النحلة،، ولرد القوم دعواها بلا كلفة ولم يحتاجوا إلى طلب البينة. ولو سلم عدم معلومية أنّ اليد لها فطلب أبي بكر منها البينة جور أيضاً، لأن أدلة الإرث تقتضي بملكيتها لفدك، ودعواها النحلة لا تجعلها مدعية لما تملك بل من زعم الصدقة هو المدعي وعليه البينة... على أنّ البينة طريق ظني مجهول لإثبات ما يحتمل ثبوته وعدمه، فلا مورد لها مع القطع واليقين المستفاد في المقام من قول سيدة النساء التي طهرها الله تعالى وجعلها بضعة من سيد أنبيائه، لأنّ القطع طريق ذاتي إلى الواقع لا بجعل جاعل، فلا يمكن رفع طريقيته أو جعل طريق ظاهري على خلافه، ولذا كان الأمر في قصة شهادة خزيمة للنبي ص هو ثبوت ما ادعاه النبي ص بلا بينة مع مخاصمة الأعرابي له، فإنّ شهادة خزيمة فرع عن قول النبي ص وتصديق له، فلا تفيد أكثر من دعوى النبي ص، بل كان اللازم على أبي بكر والمسلمين أن يشهدوا للزهراء (عليها السلام) تصديقاً لها، كما فعل خزيمة مع النبي ص وأمضى النبي فعله، ولكن يا للأسف من اطلع على أن النبي ص نحلها فدك أخفى شهادته رعاية لأبي بكر، كما في الأكثر، أو خوفاً منه ومن أعوانه لما رأوه من شدتهم على أهل البيت ص، أو علماً بأن شهادتهم ترد لما رأوه من رد شهادة أمير المؤمنين ع واجتهاد الشيخين في غضب الزهراء سلام الله عليها، ولذا لم يشهد أبو سعيد وابن عباس مع أنهم علموا ورووا أن النبي ص أعطى فاطمة فدك. ولا يبعد أنّ سيدة النساء لم تطلب شهادة ابن عباس وأبي سعيد وأمثالهما لأنها لم ترد واقعاً بمنازعة أبي بكر إلاّ إظهار حاله وحال أصحابه للناس إلى آخر الدهر، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وإلاّ فبضعة رسول الله ص أجل قدراً وأعلى شأناً من أن تحرص على الدنيا ولا سيما أن النبي ص أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها. ولو سلم أنّ قول الزهراء وحده لا يفيد القطع فهل يبقى مجال للشك بعد شهادة أمير المؤمنين ع ؟ ولو سلم حصول الشك فقد كان اللازم على أبي بكر أن يعرض عليها اليمين حينئذٍ، ولا يتصرّف بفدك قبله، لوجوب الحكم بالشاهد واليمين، كما رواه مسلم في أول كتاب الأقضية عن ابن عباس قال: قضى رسول الله ص بيمين وشاهد. ونقل في (الكنز) عن ابن راهويه، عن علي ع قال: نزل جبرائيل على النبي ص باليمين مع الشاهد. ونقل في (الكنز) أيضاً عن الدار قطني، عن ابن عمر قال: قضى الله في الحق بشاهدين، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه، وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهد... ولو تنزلنا عن ذلك كله، فقد زعم أبو بكر أن له الأمر على فدك وغيرها من متروكات النبي ص، حيث روى أنّ أمرها إلى من ولي الأمر، حتى زعموا أنه أعطى أمير المؤمنين ع عمامة رسول الله ص وسيفه وبغلته، وأنّ عمر أعطاه والعباس سهم بني النضير أو صدقته بالمدينة، فقد كان من شرع الإحسان أن يترك فدك لبضعة نبيه ص التي لم يخلف بينهم غيرها، تطييباً لخاطرها، وحفظاً لرسول الله ص فيها. أتراه يعتقد أن أبا سفيان ومعاذاً - وقد أعطاهما ما أعطاهما - أولى بالرعاية من سيدة النساء وبضعة المصطفى ؟ أو أنه يحل له إعطاؤهما من مال الفيئ دون الزهراء من مال أبيها ؟ ... والمنصف يعرف حقيقة الحال ويبني على ما الله تعالى سائله يوم نشر الأعمال ([716]). 4- قال ابن الحديد نقلاً عن قاضي القضاة عبد الجبار: قد كان الأجمل أن يمنعهم التكرّم مما ارتكبا منها فضلاً عن الدين. وهذا الكلام لا جواب عنه، ولقد كان التكرّم ورعاية حق رسول الله ص وحفظ عهده يقتضي أن تعوض ابنته بشيء يرضيها إن لم يستنزل المسلمون عن فدك، وتسلم إليها تطييباً لقلبها وقد يسوق للإمام أن يفعل ذلك من غير مشاورة المسلمين إذا رأى المصلحة فيه ([717]). وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر: قلت: قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه الله هذا الخبر، فقال: أترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد؟ أما كان يقتضي التكريم والإحسان أن يطيب قلب فاطمة بفدك، ويستوهب لها من المسلمين؟ أتقصر منزلتها عند رسول الله ص عن منزلة زينب أختها، وهي سيدة نساء العالمين، هذا إذا لم يثبت لها حق لا بالنحلة ولا بالإرث. فقلت له: فدك بموجب الخبر الذي رواه أبو بكر قد صار حقاً من حقوق المسلمين، فلم يجز له أن يأخذه منهم. فقال: وفداء أبي العاص بن الربيع قد صار حقاً من حقوق المسلمين وقد أخذه رسول الله ص منهم. فقلت: رسول الله ص صاحب الشريعة والحكم حكمه، وليس أبو بكر كذلك. فقال: ما قلت: هلا أخذه أبو بكر من المسلمين قهراً فدفعه إلى فاطمة، وإنما قلت: هلا استنزل المسلمين عنه واستوهبه منهم لها كما استوهب رسول الله ص المسلمين فداء أبي العاص ؟ أتراه لو قال: هذه بنت نبيكم قد حضرت تطلب هذه النخلات، أفتطيبون عنها نفساً ؟ أكانوا منعوها ذلك؟ فقلت له: قد قال قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد نحو هذا، قال: إنهما لم يأتيا بحسن في شرع التكرم ([718]). 5- قال السيد ابن طاووس (رحمه الله): ذكر صاحب التاريخ المعروف بالعباسي؛ إنّ جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام رفعوا قصة إلى المأمون الخليفة العباسي من بني العباس يذكرون أن فدك والعوالي كانت لأمهم فاطمة بنت محمد ص نبيهم، وإن أبا بكر أخرج يدها عنها بغير حق، وسألوا المأمون إنصافهم وكشف ظلامتهم. فأحضر المأمون مائتي رجل من علماء الحجاز والعراق وغيرهم وهو يؤكد عليهم في أداء الأمانة واتباع الصدق، وعرفهم ما ذكره ورثة فاطمة في قضيتهم، وسألهم عما عندهم من الحديث الصحيح في ذلك. فروى غير واحد منهم عن بشير بن الوليد والواقدي وبشر بن عتاب في أحاديث يرفعونها إلى محمد ص نبيهم: لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود، فنزل عليه جبرائيل ع بهذه الآية. ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾، فقال محمد ص: ومن ذو القربى ؟ وما حقه ؟ قال: فاطمة (عليها السلام)، تدفع إليها فدك، فدفع إليها فدك ثم أعطاها العوالي بعد ذلك، فاستغلتها حتى توفي أبوها محمد ص. فلما بويع أبو بكر منعها أبو بكر منها، فكلمته فاطمة (عليها السلام) في رد فدك والعوالي عليها وقالت له: إنها لي وإن أبي دفعها إلي. فقال أبو بكر: ولا أمنعك ما دفع إليك أبوك. فأراد أن يكتب لها كتاباً فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال: إنها امرأة فادعها بالبينة على ما ادعت. فأمر أبو بكر أن تفعل، فجاءت بأم أيمن وأسماء بنت عميس مع علي بن أبي طالب ع، فشهدوا لها جميعاً بذلك. فكتب لها أبو بكر، فبلغ ذلك عمر فأتاه فأخبره أبو بكر الخبر، فأخذ الصحيفة فمحاها فقال: إنّ فاطمة امرأة وعلي بن أبي طالب زوجها وهو جار إلى نفسه، ولا يكون بشهادة امرأتين دون رجل. فأرسل أبو بكر إلى فاطمة (عليها السلام) فأعلمها بذلك، فحلفت بالله الذي لا إله إلاّ هو أنهم ما شهدوا إلاّ بالحق. فقال أبو بكر: فلعل أن تكوني صادقة، ولكن أحضري شاهداً لا يجر إلى نفسه. فقالت فاطمة: (ألم تسمعا من أبي رسول الله ص يقول: أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنة) ؟ فقالا: بلى. فقالت: (امرأتان من الجنة تشهدان بباطل) ! فانصرفت صارخة تنادي أباها وتقول: (قد أخبرني أبي بأني أول من يلحق به، فو الله لأشكونهما). فلم تلبث أن مرضت فأوصت علياً أن لا يصليا عليها، وهجرتهما فلم تكلمهما حتى ماتت، فدفنها علي ع والعباس ليلاً. فدفع المأمون الجماعة عن مجلسه ذلك اليوم، ثم أحضر في اليوم الآخر ألف رجل من أهل الفقه والعلم، وشرح لهم الحال وأمرهم بتقوى الله ومراقبته، فتناظروا واستظهروا ثم افترقوا فرقتين، فقالت طائفة منهم: الزوج عندنا جار إلى نفسه فلا شهادة له، ولكنا نرى يمين فاطمة قد أوجبت لها ما ادعت مع شهادة الامرأتين. وقالت طائفة: نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكماً ولكن شهادة الزوج عندنا جائزة ولا نراه جاراً إلى نفسه، فقد وجب بشهادته مع شهادة الامرأتين لفاطمة (عليها السلام) ما ادعت. فكان اختلاف الطائفتين إجماعاً منهما على استحقاق فاطمة (عليها السلام) فدك والعوالي. فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلي بن أبي طالب ع، فذكروا منها طرفاً جليلة قد تضمنه رسالة المأمون، وسألهم عن فاطمة (عليها السلام)، فرووا لها عن أبيها فضائل جميلة، وسألهم عن أم أيمن وأسماء بنت عميس، فرووا عن نبيهم محمد ص أنهما من أهل الجنة، فقال المأمون: أيجوز أن يقال أو يعتقد أن علي بن أبي طالب مع ورعه وزهده يشهد لفاطمة بغير حق وقد شهد الله تعالى ورسوله بهذه الفضائل له ؟ أو يجوز مع علمه وفضله أن يقال: إنه يمشي في شهادة وهو يجهل الحكم فيها ؟ وهل يجوز أن يقال: إن فاطمة مع طهارتها وعصمتها وأنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة - كما رويتم - تطلب شيئاً ليس لها تظلم فيه جميع المسلمين، وتقسم عليه بالله لا إله إلا هو ؟ أو يجوز أن يقال عن أم أيمن وأسماء بنت عميس أنهما شهدتا بالزور، وهما من أهل الجنة ؟ إن الطعن على فاطمة وشهودها طعن على كتاب الله وإلحاد في دين الله، حاشا الله أن يكون ذلك كذلك. ثم عارضهم المأمون بحديث رووه أن علي بن أبي طالب ع أقام منادياً بعد وفاة محمد ص نبيهم ينادي: من كان له على رسول الله ص دين أو عدة فليحضر، فحضر جماعة، فأعطاهم علي بن أبي طالب ع ما ذكروه بغير بينة، وإن أبا بكر أمر منادياً ينادي بمثل ذلك، فحضر جرير بن عبد الله وادعى على نبيهم عدة فأعطاها أبو بكر بغير بينة، وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن نبيهم وعده أن يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين، فلما قدم مال البحرين بعد وفاة نبيهم أعطاه أبو بكر الثلاث حثوات بدعواه بغير بينة. (قال عبد المحمود): وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في (الجمع بين الصحيحين) في الحديث التاسع من أفراد مسلم من مسند جابر وأن جابراً قال: فعددتها فإذا هي خمسمائة، فقال أبو بكر: خذ مثليها. قال رواة رسالة المأمون: فتعجب المأمون من ذلك وقال: أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى جرير بن عبد الله وجابر بن عبد الله ؟ ثم تقدم بسطر الرسالة المشار إليها وأمر أن تقرأ بالموسم على رؤوس الأشهاد، وجعل فدك والعوالي في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع يعمرها ويستغلها ويقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمد ص نبيهم ([719]). 6- قال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله): ونحن نعلم أنها ما ادعت ذلك إلا ما كانت مصيبة فيه، وأن مانعها ومطالبها بالبينة متعنت عادل عن الصواب، لأنها لا تحتاج إلى شهادة ولا بينة، لقيام الدلالة على عصمتها من الغلط، والأمن من فعل القبيح، ومن هذه صفته لا يحتاج إلى بينة فيما يدعيه. فإن قيل: دلوا أولاً على عصمتها، وبعد ذلك دلوا على أن من كان كذلك لا يحتاج إلى بينة. قيل: الذي يدل على عصمتها قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، وقد بينا أن هذه الآية تتناول جماعة منهم فاطمة، وأنها تدل على عصمة من تناولته وطهارته، فإن الإرادة هاهنا دلالة على فعل الوقوع المراد، ولا طائل في إعادته. ويدل أيضاً على عصمتها قول النبي ص: (فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما يؤذيها، فمن آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ()، وهذا يدل على عصمتها، لأنها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذياً له ص على كل حال، بل كان متى فعل المستحق من ذمها أو إقامة الحد - إن كان الفعل يقتضيه - ساراً له ومطيعاً. على أنا لا نحتاج - فيما يريده - إلى أن ننبهه على القطع على عصمتها، بل يكفي في هذا الموضع العلم بصدقها فيما ادعته، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، لأنّ أحداً لا يشك في أنها (عليها السلام) لم تدع ما ادعته كاذبة، وليس بعد أن لا تكون كاذبة إلاّ أن تكون صادقة، وإنما اختلفوا في أنّه هل يجب مع العلم بصدقها تسليم ما ادعته بغير بينة أو لا يجب ذلك ؟ والذي يدل على الفصل الثاني أنّ البينة إنما تزاد ليغلب في الظن صدق المدعي، ألا ترى أنّ العدالة معتبرة في الشهادات لما كانت مؤثرة في غلبة الظن بما ذكرناه؟ ولذا جاز أن يحكم الحاكم بعلمه من غير شهادة، لأنّ علمه أقوى من الشهادة، ولهذا كان الإقرار أقوى من البينة من حيث كان أبلغ في تأثير غلبة الظن. وإذا قدم الإقرار على الشهادة لقوة الظن عنده، فأولى أن يقدّم العلم على الجميع، وإذا لم يحتج مع الإقرار إلى شهادة لسقوط حكم الضعيف مع القوي، فلا يحتاج أيضاً مع العلم إلى ما يؤثر الظن من البينات والشهادات. والذي يدل على صحة ما ذكرناه أيضاً أنه لا خلاف بين أهل النقل في أن أعرابياً نازع النبي ص في ناقة، فقال ص: هذه لي وقد خرجت إليك من ثمنها، فقال الأعرابي: ومن يشهد لك بذلك ؟ فقام خزيمة بن ثابت فقال: أنا أشهد بذلك، فقال له النبي ص: (من أين علمت) ؟ أحضرت ابتياعي لها ؟ فقال: لا، ولكني علمت ذلك من حيث علمت أنك رسول الله، فقال ص: (قد أجزت شهادتك وجعلتها شهادتين)، فسمي خزيمة (ذا الشهادتين) بذلك. وهذه قصة مشهورة، وهي مشبهة لقضية فاطمة (عليها السلام) يشهد بذلك من حيث علم أنّه رسول الله ص، ولا يقول إلاّ حقاً، وأمضى النبي ص ذلك على هذا الوجه، ولم يدفعه عن الشهادة من حيث لم يحضر ابتياعه، فقد كان يجب على من علم أنّ فاطمة (عليها السلام) لا تقول إلا حقاً ألا يستظهر عليها بطلب شهادة أو بينة... وقال أيضاً: وليس لأحد أن يقول: لو كان الأمر على ما قلتموه لكان أمير المؤمنين لما أفضى الأمر إليه يرد فدك إلى مستحقه، وذلك: إن الوجه في تركه ع ردّه (فدك) هو الوجه في إقراره أحكام القوم، وكفه عن نقضها وتغييرها، وقد بينا ذلك فيما مضى مجملاً ومفصلاً، وذكرنا أنه مع إفضاء الأمر إليه كان في تقية قوية. ومن طرائف الأمور: أنّ فاطمة (عليها السلام) تُدفع من دعواها، وتمنع فدك بقولها وقيام البينة لها بذلك، وتُترك حجر الأزواج في أيديهن من غير بينة ولا شهادة. وليس لهم أن يقولوا: إن الحجر كانت لهن، لأن الله تعالى نسبها إليهن بقوله: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾([720])، وذلك أن هذه الإضافة لا تقتضي الملك، بل العادة جارية فيها بأنها تستعمل من جهة السكنى. ولهذا يقال: هذا بيت فلان ومسكنه، ولا يراد بذلك الملك. وقد قال الله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾([721])، ولا شبهة في أنّه تعالى أراد منازل الأزواج التي يسكنون فيها زوجاتهم، ولم يرد به إضافة الملك. فأمّا ما روي من قسمة النبي ص الحجر بين نسائه وبناته، فمن أين هذه القسمة تقتضي التمليك دون الإسكان والإنزال ؟ ولو كان قد ملكهن ذلك لوجب أن يكون ظاهراً مشهوداً، وإنما ترك أمير المؤمنين ع الحجر في يد الأزواج لمثل ما ترك المطالبة بفدك، وقد تقدّم. والذي يدل على صحّة دعواها وأنها كانت مظلومة بالدفع عن حقها ما تواتر الخبر به بأنها بعد مفارقتها لذلك المجلس لم تكلمهم حتى ماتت، وأوصت أن تدفن ليلاً، ففعل ذلك أمير المؤمنين، ولم يصليا عليها، وروي أنه رش أربعين قبراً حتى لا يبيّن قبرها من غيره من القبور فيصلون عليه. ومثل هذا لا يفعل بمن ترضى بأفعاله، ولا كانت (عليها السلام) تفعل مثل هذا بمن هو مصيب في فعله، وليس لأحد أن ينكر ما قلناه، لأنّ الروايات بذلك أكثر من أن تحصى، والقصة أشهر من أن تخفى... فإن قالوا: دفنها ليلاً - إن صح - ليس بطعن، لأنه قد دفن رسول الله ص ليلاً، ودفن عمر ليلاً ابنه، وقد كان أصحاب رسول الله ص يدفنون بالليل كما يدفنون بالنهار، فليس في هذا طعن، بل الأقرب في النساء أن دفنهن ليلاً أستر لهن. قيل لهم: لم يجعل الدفن ليلاً بمجرّده طعناً، بل وصيتها بذلك وغضبها عليهم وأنهما استأذنا عليها ليعوداها فلم تأذن لهما حتى سألا علياً ع فشفع إليها، فأذنت، فلما دخلا أعرضت بوجهها إلى الحائط ولم تكلمهما حتى خرجا، ولو لم يكن غير الدفن لما جعلناه طعناً، وليس لأحد أن ينكر ورود خبره بما ذكرناه، لأنه أشهر من أن يخفى. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: إنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ص، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله ص يقول: (لا نورث، ما تركناه صدقة). قال: فغضبت فاطمة وهجرته، فلم تكلمه حتى ماتت، فدفنها علي ع ليلاً، ولم يؤذن بها أبو بكر. قالت عائشة: وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة، فلما توفيت انصرفت عنه وجوه الناس. وروى عيسى بن مهران (بإسناده) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة (عليها السلام) أن لا يُعلم إذا ماتت أبو بكر وعمر، ولا يصليا عليها. قال: فدفنها علي ليلاً ولم يعلمهما بذلك ([722]). أقول: التأمل في قوله (رحمه الله): (إنّ الوجه في تركه ع ردّه (فدك) هو الوجه في إقراره أحكام القوم... كان في تقية قوية) يعطي شدة مظلوميته ع، كما قال ع: ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها (يعني الأعمال التي غيرت بعد رسول الله ص) وإلى ما كانت في عهد رسول الله ص لتفرّق عني جندي، حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله ( وسنة رسول الله ص. أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم ع فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله ص ورددت فدك إلى ورثة فاطمة (عليها السلام)... إذاً لتفرقوا عني. والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً. ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري([723]). 7- قال المحقق هاشم معروف الحسني: والسؤال الذي يفرض نفسه في المقام هو أنه: إذا كان النبي ص قد أعطاها فدكاً كما ادعت، وهي الصادقة في دعواها بلا شك في ذلك، وكانت تستغل منها ما يكفيها وتترك الباقي يتصرف به النبي ص، فمن غير المتصور أن يخفى ذلك على المسلمين، وبخاصة أولئك الذين كانوا على اتصال دائم به، فلماذا - والحال هذه - لم يتقدم للشهادة غير علي وأم أيمن والحسنين كما في بعض الروايات ؟ والجواب عن ذلك: إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) لم تستعص عليها الشهود، ولم تكن مضطرة إلى إشهاد أم أيمن أو ولديها الحسن والحسين وهما طفلان صغيران يوم ذلك، بل كان لديها من الشهود ما لا يستطيع أحد أن يطعن بشهادتهم في مثل هذه المواضع كأبي ذر وعمار والمقداد والعباس وأولاده وسلمان وأبي سعيد الخدري وغيرهم ممن يشهدون بصدقها فيما تدعيه، ولو تعرضوا لأشد أنواع العقاب والعذاب، ولكن إذا صح أنها وقفت هذا الموقف فيبدو أنّ موضوع فدك لم يكن يهمها ولا هو من أهدافها، وإذا صح أنها قد أحضرت علياً والحسنين للشهادة فذاك، لكي تسجل على القوم رداً صريحاً لنصوص الرسول فيه وفي ولديه، على أنها لو أحضرت عشرين شاهداً من خيرة الصحابة لم يكن مستعداً للقضاء لها بما تطلب بل كان على ما يبدو من سير الأحداث مستعداً لأن يعارض شهادتهم بعشرات الشهود، كما عارض شهادة علي وأم أيمن بشهادة عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف، كما نصت على ذلك رواية شرح النهج السابقة وعارض إرثها من أبيها بحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث)... ([724]). * * * -الفصل الثالث: دعـوى المـيـراث بعد أن صادرت السلطة الغاصبة فدكاً من الزهراء (عليها السلام)، طالبت بها عن طريق الميراث؛ إلزاماً للحجة؛ فعمدت بشتّى الأساليب لانتزاع الحق السليب منهم إلاّ أنّهم أبوا إلاّ مصادرة جميع الحقوق المالية لفاطمة (عليها السلام) بهدف سياسي لا يخفى على المنصف؛ وهو سلب القدرة المالية عن علي بن أبي طالب ع خوفاً من منازعته إياهم حقّه الذي سلبوه ومنصبه الذي تقمّصوه. فبعد أن رفضوا كون فدك نحلة وملك لها في حياة أبيها النبي ص، طالبت بها من باب كونها ميراثاً لها قد ورثتها من أبيها، والغريب من البعض أنه يجعل المطالبة بالميراث بعد المطالبة بالنحلة نقضاً على حكمة وعصمة فاطمة (عليها السلام) فيقول: إنّ فاطمة طلبت فدك تارة بالنحلة وتارة بالإرث، فإن وقع ذلك عمداً أو سهواً منها بطل عصمتها ؟! والحال إنّها إنما عدلت لدعوى الميراث بعد ردّ دعواها للنحلة؛ ولذا لم تتعرّض لدعوى النحلة في خطبتها بقدر ما تعرّضت لدعوى الإرث. قال العلامة المجلسي (رحمه الله): إنها (عليها السلام) ادعت أنّ فدكاً كانت نحلة لها من رسول الله ص، فلعل عدم تعرضها صلوات الله عليها في هذه الخطبة لتلك الدعوى ليأسها من قبولهم إياها، إذ كانت الخطبة بعد ما ردّ أبو بكر شهادة أمير المؤمنين ع ومن شهد معه، وكان المنافقون الحاضرون معتقدون لصدقته، فتمسك بحديث الميراث لكونه من ضروريات الدين ([725]). كما ويقول بعض آخر بتقديم دعوى الميراث أولاً على دعوى النحلة، والحال أنّ الروايات تصرّح بأنّ دعوى الميراث كانت متأخرة عن دعوى النحلة. فإنها (عليها السلام) لما أنكروا نحلتها عدلت إلى الميراث إلزاماً للحجة. فوقعت المنازعة بينها وبين أبي بكر في إرث النبي ص، وكونها بنته الوحيدة فلابد أن ترث أباها طبقاً لتعاليم الإسلام، فجاءت لأبي بكر تطالبه بحقها الثابت لها في محكم التنزيل الحكيم، إلاّ أن أبا بكر منعها منه أيضاً، وبرر ذلك بحديث رواه عن النبي ص ينفي الإرث عن ذرية النبي ص. ولقد روى هذا الحديث كثير من المحدثين، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها أخبرته: أنّ فاطمة بنت رسول الله ص أرسلت إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من رسول الله ص، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله ص قال: (لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمد ص في هذا المال). وإنّي والله لا أُغيِّرُ شيئاً من صدقة رسول الله ص، عن حالها التي كانت عليها، في عهد رسول الله ص، ولاَعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله ص. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً. فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ...) ([726]). فصادرت السلطة ميراث فاطمة (عليها السلام) عبر اختلاقهم لهذا الحديث، وحرموا بنت محمد ص من أبسط حقوقها. والغريب تقبل شهادة عائشة وحفصة في ثبوت ميراثهما ولم تثبت شهادة علي والحسنان وأم أيمن، فقد شهدت عائشة لأبيها بأنها سمعت حديث لا نورث من النبي ص!! فروي أنّ عائشة وحفصة اللتان شهدتا على النبي بأنه قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث)، لما ولي عثمان، قالت له عائشة: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر، فقال: لا أجد له موضعاً في الكتاب ولا في السنة، ولكن كان أبوك وعمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما وأنا لا أفعل. قالت: فأعطني ميراثي من رسول الله، فقال: أليس جئت فشهدت أنت ومالك بن أوس النضري أن رسول الله ص قال: لا نورث، فأبطلت حق فاطمة، وجئت تطلبينه؟‍ لا أفعل. قال: فكان إذا خرج إلى الصلاة نادت وترفع القميص وتقول: إنه خالف صاحب هذا القميص. فلما آذته صعد المنبر فقال: إنّ هذه الزعراء (القليلة الشعر) عدوة الله ضرب الله مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب: ﴿اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾([727]). فقالت له: يا نعثل يا عدو الله إنما سماك رسول الله باسم نعثل اليهودي الذي باليمن، فلاعنته ولاعنها، وحلفت أن لا تساكنه بمصر أبداً وخرجت إلى مكة ([728]). ونقف عند حديث نفي الإرث الذي نسبه الخليفة الأول للنبي ص لنرى هل يصح أن يصدر هذا الحديث من النبي ص، ونذكر مناقشات عديدة في ذلك. عدم حجيّة حديث لا نورث: إنّ حديث عدم توريث الأنبياء الذي زعمه أبو بكر لا حجيّة له وأنّه مردود من عدة وجوه: الوجه الأول: الحديث مخالف لصريح القرآن الكريم، الذي نصّ على توريث الأنبياء ص، ولا يمكن أن يصدر من الرسول ما يخالف القرآن، ومن هنا يكون هذا حديثاً موضوعاً بدافع سياسي كما تقدّم. وقد صرّح القرآن الكريم بثبوت الإرث ، فقال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً﴾([729])، وغيرها من آيات المواريث المطلقة التي تشمل رسول الله ص فمن دونه من سائر البشر. كما ونصّ القرآن الكريم على خصوص توريث الأنبياء بقوله تعالى حكاية عن زكريا ع: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾([730])، ولا ريب أنّ الميراث في الاستخدام اللغوي يطلق على ما يصحّ أن ينتقل من الموروث إلى الوارث كالأموال وما يجري مجراها، ولا يستعمل في غيرها إلا مجازاً، والأصل هو الحمل الظاهر المقتضي للحقيقة لا للمجازية، وليس لنا أن نعدل عن ظاهر الكلام بغير قرينة قطعية ودلالة واضحة، وهي مفقودة في المقام. ومنه قوله تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾([731])، وهي ظاهرة في الدلالة على المراد، إذ أنّ إطلاق لفظ الميراث يقتضي أن يراد منه الأموال وما في معناها. وتقدّم في خطبة الزهراء (عليها السلام) أنّها احتجت على أبي بكر بهذه الآيات، وكذلك احتجّ بها أمير المؤمنين ع لكن أبا بكر أبى إلاّ اللجاج والعناد والمكابرة وعدم الإنصات لصوت الحقّ والعدل. أخرج ابن سعد في الطبقات: خبرنا محمد بن عمر حدثني هشام بن سعد عن عباس بن عبد الله بن معبد عن جعفر قال جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه وجاء معهما علي فقال أبو بكر قال رسول الله (لا نورث ما تركنا صدقة) وما كان النبي يعول فعلي فقال علي ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ وقال زكريا ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قال أبو بكر هو هكذا وأنت والله تعلم مثلما أعلم فقال علي ع هذا كتاب الله ينطق فسكتوا وانصرفوا ([732]). فخبر نفي الإرث لا يجوز الأخذ به لمخالفته للكتاب الكريم، وحاشا لرسول الله ص أن يقول بما يخالف كلام الله (. هذا زيادة على رفض باب مدينة علم النبي ص وسيدة نساء العالمين (عليها السلام) لما زعمه أبو بكر، ولو كان صادقاً بزعمه، لكانا عليهما السلام أولى الخلق بحقيقة ذلك الحديث، مما يكشف عن اختلاقه ووضعه. ولكن أنصاره حاولوا الكذب على النبي ص فنسبوه إلى آخرين أيضاً، مع أنّ الثابت هو اختصاص أبي بكر به وتفرّده بنقله. قالت عائشة: إنّ الناس اختلفوا في ميراث رسول الله، فما وجدوا عند أحدٍ من ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله ص يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ([733]). لذا قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: إنه لم يرو هذا الخبر إلاّ أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدثين، حتى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد ([734]). وقال تعليقاً على حديث نفي الإرث: قلت: هذا حديث غريب، لأنّ المشهور أنه لم يروِ حديث انتفاء الإرث الاّ أبو بكر وحده ([735]). وقال أيضاً قلت: صدق المرتضى رحمه الله فيما قال أما عقيب وفاة النبي ص ومطالبة فاطمة (عليها السلام) بالإرث فلم يرو الخبر إلا أبو بكر وحده وقيل: أنه رواه معه مالك بن أوس بن الحدثان وأمّا المهاجرون الذين ذكرهم قاضي القضاة فإنما شهدوا بالخبر في خلافة عمر وقد تقدّم ذكر ذلك ([736]). وقال السيوطي: واختلف الأصحاب في ميراثه - النبي - فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً. فقال أبو بكر: سمعت رسول الله ص يقول: إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة ([737]). قال ابن حجر: اختلف الأصحاب في ميراث النبي فما وجدوا عند أحد من ذلك علما. فقال أبو بكر: سمعت رسول الله ص يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ([738]). ولا ندري كيف تُقبل رواية الخصم متفرّداً بحديث يناقض كتاب الله ويعارض النقل، ولا تقبل شهادة فاطمة (عليها السلام) التي توافق الكتاب الكريم ولا تعارض النقل، وهي الصديقة المطهّرة من الرجس ؟! إلا أنه بفقدان الورع والتقوى وشرف الخصومة يكون الخصم هو الحاكم، وللحاكم أن يحكم بما يشاء، والحقّ معه على أيّ حال !! والذي يدلّ على ما تقدّم أنّ أمير المؤمنين ع والعباس عمّ الرسول ص وأُمّهات المؤمنين لم يسمعوا بهذا الحديث، حيث طالبوا بالإرث حتى بعد وفاة أبي بكر ووفاة الزهراء (عليها السلام). فقد روي أنّ العباس (رضي الله عنه) وعليّاً ع جاءا عمر بن الخطاب يطلبان ميراثهما من رسول الله ص ([739])، وأنّ أزواج النبي ص أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألن ميراثهن من رسول الله ص ([740]). فهل يصح مع ذلك ماروي من أنّ عمر بن الخطاب ناشد عليّاً ع والعباس (رضي الله عنه): هل تعلمان ذلك ؟ - أي حديث منع الارث - فقالا: قد قال ذلك ([741]). فإذا كانا يعلمانه، فكيف جاء العباس وفاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر يطلبان الميراث ؟ وكيف جاء علي ع والعباس إلى عمر بن الخطاب يطلبان الميراث ؟ فهل يصح أن يقال: إنّهما كانا يعلمان الحديث، ثمّ جاءا يطلبان الإرث الذي لا يستحقانه؟ أو إنّ عليّاً ع كان يعلم ذلك ثمّ يمكّن فاطمة (عليها السلام) أن تخالف قول الرسول ص وتطلب ما لا تستحقه، وأن تخرج من دارها وتنازع أبا بكر، وتكلمه بما كلمته دفاعاً عن حقها ؟ مع ما لعلي ع من الزهد والعصمة والطهارة والذوبان في ذات الله والحبّ الشديد لإجراء أحكامه وسُنّة نبيه ص، إنّ أهل البيت ص أورع وأبرّ وأتقى من أن يطلبوا دنيا فانية أو عرضاً زائلاً، خصوصاً وأن أمير المؤمنين ع قد ضرب أروع أمثلة الزهد في هذه الدنيا التي طلّقها ثلاثاً لا رجعة له فيها. فهل يتصور عاقل بأنّه ع جاء ينازع المسلمين حقّهم وهو الذي عرف عنه تصلّبه في الحق إلى الدرجات القصوى حتى أنّ الحق لم يترك له صديقاً !! وفي صحيح مسلم أنّ عمر قال للعباس وعلي ع: (فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نورث ما تركنا صدقة فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً...) ([742]). فكيف يريان هذا الرأي، ويحكمان هذا الحكم على أبي بكر وعمر في عملهما بأمر فدك وسائر إرث النبي ص وهما يعلمان أنّ رسول الله ص قال: لا نورث ؟! وعليه فلا تستقيم مطالبة الزهراء (عليها السلام) وأمير المؤمنين ع بإرث النبي ص إلاّ لعلمهما بكذب الخبر المانع للإرث. الوجه الثاني: لو صحّ صدور الحديث لبيّن النبي ص لورثته بأنّ تركته صدقة لكلِّ المسلمين، وليس لهم حقّ المطالبة بالإرث بعده، لئلا يتعرّضوا لمواضع التهمة في المطالبة بما لا يستحقونه، وليقطع دابر الفرقة والاختلاف. فهل يمكن أن يقال: إنّ النبي ص لا يعلم أنّ ورثته سيقسمون تركته من بعده وفقاً لأحكام الشريعة ؟ أو إنّه كان يعلم ذلك ولكن قصّر في تبليغ الأحكام والعياذ بالله ؟! وتلك علامات استفهام جوابها أنّ الحديث موضوع على رسول الله ص. وكيف يمكن أن نتصور أنّ النبي ص يشرّع حكماً يخالف نصوص القرآن الكريم ويخفيه عن جميع المسلمين، ولا يبلغه إلاّ لاَبي بكر وهو غير وارث ؟ بل كيف يمكن أنّ نتصور أنّ أمير المؤمنين علياً ع وباب مدينة علم الرسول ص كان يجهل هذا الحكم، وهو أقضى الاُمّة وأعلمها بالكتاب والسُنّة ؟! الوجه الثالث: ولو صحّ حديث أبي بكر، لكان عليه أن يحرّم جميع الورثة من أموال الرسول الخاصة به، لكنّه ترك أزواج النبي ص في حجرهن من غير بينة ولا شهادة تدلّ على الهبة أو التمليك، ولم يُدخِل بيوت النبي ص وأثاثها في الأموال العامة، فهل الحكم بعدم التوريث مختصاً بالزهراء (عليها السلام) ؟ أم هناك آية خصّت عائشة وحفصة وغيرهما وأخرجت بنت المصطفى ص من الإرث ؟ ولقد أوصى أبو بكر حينما حضرته الوفاة أن يُدفَن إلى جنب رسول الله ص وفي حجرته، واستأذن لذلك من عائشة، فلو كانت أمواله صدقه، فإنّ حجرة النبي ص من الأموال العامّة، وينبغي لأبي بكر أن يستأذن من جميع المسلمين في ذلك لا من عائشة وحدها، بل من جميع نساء النبي ص إن كن يرثن النبي ص بخلاف فاطمة (عليها السلام) التي خرجت من قانون الإرث بحديث أبي بكر المزعوم، فكأنه لم يصدق روايته ([743]). عن المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن أحدهما قال: إنّ فاطمة انطلقت إلى أبي بكر فطلبت ميراثها من نبي الله ص فقال: إنّ نبي الله لا يورث، فقالت: أكفرت بالله وكذبت بكتابه ؟ قال الله تعالى: ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين﴾([744]). فلا توجد آية خصّت نفي الإرث عن بنت محمد ص، نعم هي السياسة الشيطانية التي تجعل الحقّ باطلاً والباطل حقاً. ثم لو صحّ صدور الخبر لما ناقض عمر بن الخطاب عمل صاحبه، فقسّم ميراث النبي ص على أزواجه ودفع صدقته بالمدينة إلى علي ع والعباس. روى البخاري في كتاب المزارعة عن نافع، قال: إنّ عبد الله بن عمر قال: قسّم عمر خيبر، فخيّر أزواج النبي ص أن يُقطَع لهنّ من الماء والأرض، أو يُمضى لهنّ، فمنهنّ من اختار الأرض، ومنهنّ من اختار الوسق، وكانت عائشة اختارت الأرض ([745]). فهذه خيبر التي طالبت الزهراء (عليها السلام) بنصيبها منها كميراثٍ لها من أبيها الرسول ص، وردّها أبو بكر، جاء عمر فقسّمها في أيام خلافته على أزواج النبي ص ! فإذا كان النبي ص لا يورث، فكيف تقسّم خيبر على أزواج النبيص، فهل قسّمها عمر عليهن لكونهم يرثن؟ إذن فلماذا ترث الأزواج ولا ترث البنت ؟ وعن عائشة، قالت: أمّا صدقة رسول الله ص بالمدينة، فدفعها عمر إلى علي والعباس ([746]). فلو صحّ أنّ النبي ص لا يورث، وأنّ ما تركه صدقة للمسلمين، فكيف يدفع عمر ذلك إلى علي ع والعباس ؟ ولماذا لم يدفع رجال السلطة هذه الأموال في حياة الزهراء (عليها السلام)، إنّها السياسة التي تطلبت أن يمنعوا حيث توجب المصالح تثبيت ركائز الدولة وتدعيم أركانها، وأن يعطوا في وقت الرخاء والاستقرار وبسطة الفتوح. الوجه الرابع: لو صحّ الحديث لانصرفت الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) عن مطالبتها راضية مخبتة، لكن المحقَّق أنّ الزهراء (عليها السلام) غضبت على أبي بكر وعمر وهجرتهما بعد سماعها الحديث المفترى على أبيها العظيم محمد ص، وماتت وهي ساخطة عليهما، وأوصت أن تدفن ليلاً، وأن لا يحضرا - الأول والثاني - جنازتها، ولا يصليا عليها، وأن يعفى موضع قبرها، فدفنها علي ع ليلاً، وغيّب قبرها، ولم يُعلم بها أحداً منهما، كما سيأتي ذلك في محلّه. ومثل هذا لا تفعله الزهراء (عليها السلام) بمن هو مصيب في قوله وفعله لاَنّها (عليها السلام) لا تغضب لغير الحقّ، وأن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها. ولما تمثلت الزهراء (عليها السلام) وقالت ([747]): تجهّمتنا رجالٌ واستخفّ بنا لمّا فُقِدت وكلُّ الإرث مغتصبُ الوجه الخامس: رويت بعض الأخبار التي تعارض حديث منع الإرث، منها ما جاء في السيرة الحلبية عن سبط ابن الجوزي، قال: إنّ أبا بكر كتب لفاطمة (عليها السلام) بفدك، ودخل عليه عمر، فقال: ما هذا ؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها. فقال: ممّاذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ؟ ثم أخذ عمر الكتاب فشقّه ([748]). وواضح من الخبر أنّه كتب بفدك لفاطمة (عليها السلام) على أنها إرث من أبيها ص وهو يخالف رواية أبي بكر المانعة لتوريث الأنبياء. وروى أحمد في مسنده عن أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله ص أم أهله ؟ قال: لا، بل أهله ([749]). وعلق ابن أبي الحديد على الحديث قائلاً: في هذا الحديث عجب، لاَنّها قالت له: أنت ورثت رسول الله ص أم أهله ؟ قال: بل أهله، وهذا تصريح بأنّه ص موروث يرثه أهله، وهو خلاف قوله: (لا نورث) ([750]). أخيراً فإنّ أرض فدك هي حقّ خالص لفاطمة (عليها السلام) لا يمكن المماراة فيه سواء كان نحلة أو ميراثاً، وأنّ الخبر الذي تفرّد به أبو بكر قد جرّ على الاُمّة مزيداً من المحن والإحن، وفتح عليها باب العداء على مصراعيه، وأجّج البغضاء والشحناء، وشقّ عصا المسلمين إلى اليوم. * * * -الفصل الرابع: إسقـاط سهم ذوي القربى لقد نصّ الكتاب الكريم على سهم ذوي القربى في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾([751]) وكان رسول الله ص يختص بسهمٍ من الخمس، ويخصّ أقاربه بسهمٍ آخر منه، فلمّا ولي أبو بكر تأوّل الآية، فأسقط سهم النبي ص وسهم ذوي القربى، ومنع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كسائر يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم. قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري: أخبرني أبو زيد عمر بن شبّة، قال: حدّثني هارون بن عمير، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثني صدقة أبو معاوية، عن محمّد بن عبدالله، عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، أنّ فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر فقالت: (لقد علمت الّذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات، وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربي! ثمّ قرأت عليه قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا انّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى﴾). فقال لها أبو بكر: بأبي أنت وأمي ووالدٍ وَلَدكِ ! السمع والطاعة لكتاب الله، ولحق رسول الله ص، وحق قرابته، وأنا أقرأ من كتاب الله الّذي تقرئين منه، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس يسلّم إليكم كاملاً. قالت: (أفلك هو ولأقربائك) ؟ قال: لا، بل أنفق عليكم منه، وأصرف الباقي في مصالح المسلمين، قالت: (ليس هذا حكم الله تعالى). قال: هذا حكم الله، فإن كان رسول الله عهد إليك في هذا عهداً أو أوجبه لكم حقاً صدّقتكِ وسلّمته كلّه إليكِ وإلى أهلكِ؛ قالت: (إنّ رسول الله صلم يعهد إليَّ في ذلك بشيء، إلاّ أنّي سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية: أبشروا آل محمّد فقد جاءكم الغنى). قال أبو بكر: لم يبلغ علمي من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم كلّه كاملاً، ولكن لكم الغنى الّذي يغنيكم، ويفضل عنكم، وهذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فاسأليهم عن ذلك، وانظري هل يوافقك على ما طلبتِ أحد منهم! فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر، فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر، فعجبت فاطمة (عليها السلام) من ذلك، وتظنّت أنّهما كانا قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه. قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد قال: حدّثنا هارون بن عمير، قال: حدّثنا الوليد، عن ابن أبي لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فَدَك وسهم ذوي القربى، فأبى عليها، وجعلهما في مال الله تعالى. قال أبو بكر: أخبرنا أبو زيد، قال: حدّثنا أحمد بن معاوية، عن هيثم، عن جويبر، عن أبي الضحاك، عن الحسن بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب ع، أنّ أبا بكر منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله في سبيل الله في السلاح والكراع ([752]). وقد نازعت الزهراء (عليها السلام) أبا بكر في سهم ذوي القربى، كما نازعته في النحلة والإرث، لكنها لم تجد أُذناً صاغية منه، حيث تمادى في إصراره على سلب هذا الحقّ الذي فرضه الله تعالى في كتابه وعمل به رسوله ص. وبينت للخليفة أنّ حكمه هذا بخلاف ما أنزل الله تعالى على نبيه الكريم ص، فقالت: (ليس هذا حكم الله)، إلاّ أنه كذب المعصومة الطاهرة وقال: هذا حكم الله !! وكأنه أعرف بحكم الله من أهل بيت العصمة والطهارة الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ومن ثم يشهد الخليفة عمر وأبو عبيدة على ما يقول، فيقول لفاطمة: (وهذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فاسأليهما عن ذلك، وانظري هو يوافقك على ما طلبت أحدٌ منهما، فانصرفت إلى عمر، فقالت له مثل ما قالت لاَبي بكر، فقال لها مثل ما قال أبو بكر، فعجبت فاطمة (عليها السلام) من ذلك، وتظنّت أنهما كانا قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه). أقول: ليس هو ظنّاً، وإنّما اليقين، إذ كيف يتّفق فعل أولئك على خلاف كتاب الله (، لو لم يكن ثمة اتفاق مسبق بينهم ؟! فالحمد لله الذي فضح أعداء آل محمد في كل زمان. * * * -الباب الخامس وفيه فصول: الفصل الأول: حزن الزهراء بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) الفصل الثاني: الزهراء على فراش المرض الفصل الثالث: في شهادة الزهراء (عليها السلام) -الفصل الأول: حزن الزهراء بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) مجالس العزاء والبكاء على فقد المصطفى (صلى الله عليه وآله): روت مصادر الفريقين أنّ فاطمة (عليها السلام) كانت تندب أباها ص وتبكيه ليلاً ونهاراً، وتندبه بأبيات شعر مشجية. فروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال لما ثقل النبي ص جعل يتغشاه فقالت فاطمة (عليها السلام): (واكرب أباه)، فقال لها: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم) فلما مات قالت: (يا أبتاه، أجاب رباً دعاه يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه)، فلما دفن قالت فاطمة (عليها السلام): (يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب) ([753]). قال ابن شهر آشوب في المناقب: روي انها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها: (أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة ؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما،..) ([754]). وكانت تأتي قبر أبيها ص وتشم تراب القبر. روى أحمد في مسنده: أنها أخذت قبضة من تراب النبي ص فوضعتها على عينيها، ثم قالت([755]): ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا وكانت تقيم تلك المجالس عند قبر أبيها ص، وفي بيتها وفي البقيع أيضاً. واستمرت على ذلك طوال مدتها بعد النبي ص حتى عدّها صادق أهل البيت ع من البكائين. فعن ابن الوليد، عن الصفّار، عن ابن معروف، عن محمّد بن سهل، يرفعه إلى أبي عبد الله ع قال: (البكّاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمّد ص وعليّ بن الحسين (عليهما السلام)... وأمّا فاطمة (عليها السلام) فبكت على رسول الله ص حتّى تأذّى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك !! فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتّى تقضي حاجتها، ثمّ تنصرف ...) ([756]). وروى في المناقب عن الصادق ع: (أمّا فاطمة فبكت على رسول الله ص حتّى تأذّى أهل المدينة، فقالوا لها: آذيتينا بكثرة بكائك !! إمّا أن تبكي بالليل، وإمّا أن تبكي بالنهار! وكانت تخرج إلى مقابر الشهداء، فتبكي) ([757]). روى الكليني بسنده عن الصادق ع، قال: (عاشت فاطمة بعد رسول الله ص خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين والخميس فتقول: هاهنا كان رسول الله ص وهاهنا كان المشركون) ([758]). وروى ابن شهرآشوب في المناقب عن الباقر ع، قال: (ما رُأيت فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول الله ص حتى قبضت) ([759]). وقال الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين: وعن عمران بن دينار أن فاطمة لم تضحك بعد النبي صحتى قُبضت لما لحقها من شدة الحزن على أبيها ص ([760]). وقال ابن كثير: ويقال إنها لم تضحك في مدة بقائها بعده ع، وأنها كانت تذوب من حزنها عليه، وشوقها إليه ([761]). وجاء في ذخائر العقبى: وذكر أنها لما أرتها النعش تبسمت وما رؤيت مبتسمة - يعني بعد النبي صلى الله عليه وسلم - إلى يومئذٍ ([762]). وقال ابن الصباغ المالكي: إنّ فاطمة (عليها السلام) لم تضحك بعد موت النبي ص حتى قبضت ([763]). شكايتها وتظلمها (عليها السلام): وقد كانت (عليها السلام) تندب أباها المصطفى ص بنوع من التظلّم والتألّم والشكاية له مما جرى عليها ممن آذاها. وإليك بعض المقطوعات الشعرية في ذلك مما روي عنها (عليها السلام). فقد روي أنّها (عليها السلام) تمثّلت بشعر فاطمة بنت الأجحم، قالت (عليها السلام) ([764]): قد كنت لي جبـلاً ألـوذ بظله قد كنت جار حميتي ما عشت لي واغـض من طرفي واعلم أنه حضرت منيته فأسلمني العزا نشر الغراب علي ريش جناحه اني لأعجب من يروح ويغتدي فاليوم أخضع للذليل واتقي وإذا بكت قمريـة شجنا بها فالله صبرني على ما حل بي  فاليـوم تسلمني لاجرد ضـاح واليوم بعدك من يريش جناحي قد مات خير فوارسي وسلاحي وتمكنت ريب المنون جواحي فظللت بين سيوفه ورماح والموت بين بكوره ورواح ذلي وادفع ظالمي بالراح ليلاً على غصن بكيت صباحي مات النبي قد انطفى مصباحي  وروي أنّها طافت بقبر أبيها ص فقالت: قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا تغب أبدت رجالٌ لنا فحوى صدورهم لما قضيت وحالت دونك الترب تجهمتنا رجالٌ واستخفّ بنا إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب قد كنت بدراً ونوراً يستضاء به عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يؤنسنا فغاب عنا فكل الخير محتجب وقد رزينا بما لم يرزه أحد من البرية لا عجم ولا عرب أذان بلال يذكر الزهراء بأبيها (صلى الله عليه وآله): لمّا قبض النبيّ ص امتنع بلال من الأذان قال: لا اُؤذّن لأحد بعد رسول الله ص، وإنّ فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: (إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي ص بلال) فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان، فلمّا قال: الله أكبر الله أكبر، ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء، فلمّا بلغ إلى قوله: أشهد أنّ محمداً رسول الله ص شهقت فاطمة (عليها السلام) وسقطت لوجهها وغشي عليها، فقال الناس لبلال: امسك يا بلال، فقد فارقت ابنة رسول الله ص الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمه، فأفاقت فاطمة (عليها السلام) وسألته أن يتمّ الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان، إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك ([765]). وعن عليّ ع قال: (غسلتُ النبيّ ص في قميصه، فكانت فاطمة تقول: أرني القميص، فإذا شمّته غشي عليها فلمّا رأيت ذلك غيّبته) ([766]). بيت الأحزان: لقد تمادت السلطة الغاصبة - وبلا رادع - في غيها وظلمها لحبيبة محمد ص فمنعوها من أبسط الحقوق المشروعة للإنسان، ألا وهو البكاء حزناً على فقد أبيها، فقالوا للإمام عليّ ع: إنّ فاطمة قد أزعجتنا ببكائها !! فبنى لها الإمام ع بيتاً خارج المدينة سمي بيت الأحزان !! قال الشيخ المجلسي: ثمّ رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي لا ترقأ دمعتها، ولا تهدأ زفرتها، فاجتمع شيوخ أهل المدينة، وأقبلوا إلى أمير المؤمنين ع فقالوا له: يا أبا الحسن، إنّ فاطمة تبكي بالليل والنهار، فلا أحد منّا يتهنّأ بالنوم في الليل على فرشنا ! ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا ! وإنّا نخبرك أن تسألها إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً !! فقال ع: (حبّاً وكرامة). فأقبل أمير المؤمنين ع حتّى دخل على فاطمة صلوات الله عليها وهي لا تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء، فلمّا رأته سكنت هنيئة له. فقال لها: (يابنت رسول الله، إنّ شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إمّا تبكين أباك ليلاً وإمّا نهاراً). فقالت: (يا أبا الحسن، ما أقلّ مكثي بينهم، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله، لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله ص). فقال لها عليّ ع: (إفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك). ثمّ إنّه ع بنى لها بيتاً في البقيع، نازحاً عن المدينة، يسمّى بيت الأحزان،.. ([767]). قال السمهودي: إنّ الغزالي ذكر استحباب الصلاة في مسجد فاطمة (عليها السلام) بالبقيع، وقال غيره: إنّه المعروف ببيت حزن لأنّ فاطمة (عليها السلام) أقامت فيه أيام حزنها على أبيها ص ([768]). * * * -الفصل الثاني: الزهراء (عليها السلام) على فراش المرض لشدّة المصائب النازلة على قلبها وبدنها فقد مرضت سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وبدأ نبأ رسول الله ص يقترب من التحقق؛ حيث أخبرها بأنها (عليها السلام) أسرع أهل بيته لحوقاً به. ولم تكن بنت محمد ص تشكو من داءٍ عضال قبل وفاة أبيها ص، وقبل واقعة الدار وهجوم القوم عليها وما قاسته من آثار تلك الواقعة اللعينة، التي أدت لإسقاط جنينها وكسر ضلعها وضربها. يقول الأصفهاني في ارجوزته ([769]): وما أصابها من المصاب إنّ حديث الباب ذو شجون وجاوز الحد بلطم الخد  مفتاح بابه حديث الباب مما جنت به يد الخؤؤن شُلت يد الطغيان والتعدّي  كلّ هذه الاُمور ساهمت في انحراف صحتها وقعودها عن ممارسة أعمالها، وكان زوجها العطوف هو الذي يتولّى تمريضها، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس. عيادة نساء المهاجرين والأنصار للزهراء (عليها السلام): لم يصرّح التأريخ بالسبب الحقيقي والدافع الأصلي الذي دعا نساء المهاجرين والأنصار لعيادة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فهل كان ذلك بإيعاز من رجالهن ؟ ثم ما الذي دعاهم لإرسال نسائهم لعيادة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ؟ فهل كان الداعي والسبب الذي يكمن وراء ذلك هو شعور بالتقصير والخذلان بعد أن بينت حبيبة رسول الله ص موقفها في خطبتها التي خطبتها في مسجد أبيها ص وغضبها على السلطة الغاصبة وموقفها الفاضح لهم ؟ أم حصل وعي عند النساء وشعرن بالتقصير بل الخذلان لبنت رسول الله ص، فانتشر هذا الشعور بين النساء فحضرنَ للعيادة والمجاملة أو إرضاء لضمائرهن المتألمة ممّا حدث وجرى على سيدة النساء ؟ أم كانت هناك أسباب سياسية فرضت عليهنّ ذلك، فحضرن لتلطيف الجوّ وتخفيف التوتّر للعلاقات بين بنت رسول الله ص وبين السلطة الحاكمة في ذلك اليوم ؟ خاصة وأنّ الزهراء (عليها السلام) اعتزلت عن ذلك المجتمع المتخاذل. وعلى كلّ حال فلم يصرّح التأريخ بذلك، كما أنّه لم ينص على عدد وأسماء النساء اللاّتي حضرن عند الزهراء (عليها السلام) وهي طريحة الفراش، ولكن يبدو أنّ العدد لم يكن قليلاً بل كان مما يُعبأ به. فجاءت نسوة من أهل المدينة لعيادتها، وخطبت فيهنّ تلك الخطبة التي ستأتي، وأعادت النسوة كلامها على رجالهن، فجاء الرجال يعتذرون، فما قبلت اعتذارهم فقالت (عليها السلام): (إليكم عنّي لا عذر بعد تعذير ولا أمر بعد تقصير) ([770]). خطبتها (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار: روى الشيخ الصدوق، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني، قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام) قال: (لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليها اجمتع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: يا بنت رسول الله كيف أصبحت، من علتك ؟ فقالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم ([771])، لفظتهم قبل أن عجمتهم ([772])، وشنأتهم بعد أن سبرتهم ([773])، فقبحاً لفلول الحد ([774])، وخور القناة ([775])، وخطل الرأي ([776])، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها([777]) فجدعاً وعقراً و سحقاً للقوم الظالمين ([778])، ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة([779])، وقواعد النبوة ومهبط الوحي الأمين والطبين بأمر الدنيا والدين ([780])، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا من أبي حسن ([781])، نقموا والله منه نكير سيفه ([782])، وشدّة وطأته([783])، ونكال وقعته ([784])، وتنمّره في ذات الله عزّ وجل ([785])، والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله ص لاعتلقه ([786])، ولسار بهم سيراً سجحاً ([787]) لا يكلم خشاشه ([788]) ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً ([789]) تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً ([790])، قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل ([791]) إلاّ بغمر الماء وردعه سورة الساغب ([792]) ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب وإن تعجب وقد أعجبك الحادث! إلى أي سناد استندوا ؟ وبأية عروة تمسكوا ؟ استبدلوا الذنابى والله بالقوادم، والعجز بالكاهل ([793])، فرغماً لمعاطس ([794]) قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾، ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحكُمُونَ﴾([795]) ؟ أما لعمر إلهك ([796]) لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ([797])، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً([798])، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ([799])، ثم طيبوا عن أنفسكم [أ] نفساً ([800])، واطمأنوا للفتنة جأشاً ([801]) وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل واستبداد من الظالمين ([802])، يدع فيئكم زهيداً وزرعكم حصيداً ([803]). فيا حسرتي لكم وأنى بكم([804]) وقد عميت عليكم ([805])، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ([806])). يقول سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها (عليها السلام) على رجالهن فجاء اليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيّدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد ونحكم العقد; لما عَدَلنا إلى غيره، فقالت: (إلَيْكُمْ عَنيّ! فَلا عُذْرَ بَعْدَ تَعذيرِكُم وَلا أمْرَ بَعْدَ تَقصيرِكُم) ([807]). عيادة أبو بكر وعمر لفاطمة (عليها السلام): كان الرجال والنساء من المهاجرين والأنصار بين الفترة والأخرى يعودون فاطمة (عليها السلام)، إلاّ أبا بكر وعمر؛ لأنّها قاطعتهما ورفضتهما ولم تأذن لهما بعيادتها، فلما ثقل عليها المرض واقتربت ساعاتها الأخيرة لم يجدا بُداً من عيادتها؛ كي لا تفارق الدنيا وتبقى عدم عيادتهم لحبيبة محمد وصمة عار عليهما. فطلبا عيادتها وطلبا استرضائها؛ لأنهما يعلمان بأهمية رضا فاطمة (عليها السلام)؛ لما سمعوه من كلام رسول الله ص في حقها، فقد سمعوا ووعوا قوله ص: (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما انصبها) ([808])، وقوله ص: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني) ([809])، وقولهص: (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها) ([810])، وغيرها من الروايات التي ملأت كتب السنة قبل كتب الشيعة. قال الشيخ القمي في كتابه بيت الأحزان: (فلما ثقلت وعلم الرجلان بذلك أتياها عايدين واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما، فأتى عمر علياً ع فقال له: إن أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله ص في الغار فله صحبته وقد أتيناها غير هذه المرّة مراراً نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا فإنّ رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم، فدخل علي ع على فاطمة (عليها السلام) فقال: يا بنت رسول الله، قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد ترددا مراراً كثيرة ورددتهما ولم تأذني لهما وقد سألاني أن أستاذن لهما عليك. فقالت: والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني، قال علي ع: فإني ضمنت لهما ذلك. قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً، فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال لا أخالف عليك بشيء فأذن لمن أحببت، فخرج ع فأذن لهما. فلما وقع نظرهما على فاطمة (عليها السلام)، سلّما عليها فلم ترد عليهما فحولت وجهها عنهما، فتحولا واستقبلا وجهها حتى فعلت مراراً وقالت: يا علي، جاف الثوب. وقالت لنسوة حولها حولن وجهي، فلما حولن وجهها حولا إليها وسألا أن ترضى عنهما وتصفح عمّا كان منهما إليها فقالت فاطمة(عليها السلام): أنشدكما بالله أتذكران أنّ رسول الله ص استخرجكما في جوف الليل بشيء كان حدث من أمر علي ع ؟ فقالا: اللهم نعم، فقالت: أنشدكما بالله هل سمعتما النبي ص يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي آذاها بعد موتي. قالا: اللهم نعم، فقالت: الحمد لله، ثم قالت: اللهم إني أُشهدك فاشهدوا يا من حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقي ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما منّي). وفي رواية أخرى فرفعت يدها إلى السماء فقالت: (اللهم إنهما قد آذياني فأشكوهما إليك وإلى رسولك لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله ص وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما، قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني. فقال عمر: عجباً للناس كيف ولوك أمورهم! وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب إمرأة وتفرح برضاها، وما لمن أغضب امرأة، وقاما وخرجا) ([811]). من دلالات العيادة المبغوضة: من الغريب حقاً ما يقوله البعض من أنّ فاطمة (عليها السلام) رضيت عمّن غصب الخلافة، ويعتبر أنّ ما جرى بين فاطمة (عليها السلام) وبين الغاصبين للخلافة أمر وقتي وانتهى ! والحال أنّ هناك الكثير من الشواهد الروائية تبطل هذه الدعوى. فقد أدانت فاطمة (عليها السلام) موقف الغاصبين عند عيادتهم لها والاعتذار منها؛ لما فعلوه معها، فلم تقبل أن يدخلوا عليها بيتها. ووسّطوا أمير المؤمنين ع وتوسلوا به بعد أن رفضت زيارتهما مراراً. ومن الواضح أن طلبهما الاعتذار من فاطمة (عليها السلام) يدل على خطأهما معها وإيذائهما لها، ولم يكن بدافع الإحسان لها، وإلا فلماذا لم يحسنوا لها فيما سبق ؟! ثم إنّ الأمر أكبر من اعتذار بكلمات فارغة لا قيمة لها، فليس غضب الزهراء (عليها السلام) لأمر شخصي بينها وبين الشيخين، بل الأمر أمر الإسلام برمته، فقد شاهدت الزهراء (عليها السلام) عظم المصيبة التي سقط بها المسلمون نتيجة أنحراف الخلافة عن مسارها الحقيقي. لذا فلن ترضى فاطمة التي يرضى الله لرضاها عن الغاصبين ماداموا غاصبين للخلافة الإلهية وإن اعتذروا بكلمات مع إصرارهم على غصب خلافة أبيها ص من صاحبها ومصادرتهم للحقوق الثابتة بنص شريعة الإسلام لها ولبعلها ولبنيها ص. فمقاطعتها للغاصبين ورفضها لهم إدانة واضحة أثبتها التأريخ ضد الشيخين وحزبهما الغاصب لحق خلفاء الله الشرعيين. يروي أحمد والبخاري: قول عائشة: (فغضبت فاطمة بنت رسول الله ص فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت،...) ([812]). ويرويان في مكان آخر: عن عائشة قالت: (فوجدت فاطمة على أبي بكر) ([813]). وقال ابن أبي الحديد: (والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت ألاّ يصليا عليها) ([814]). وهنا يقف القارئ وتحضره أحاديث الرسول التي رواها البخاري وغيره في كون الله تعالى يغضب لغضب فاطمة (عليها السلام)، وللقارئ الكريم بعضاً مما رووه في ذلك: رورى البخاري عن رسول الله ص: (قال فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني) ([815]). وروى أيضاً عنه ص: (فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها) ([816]). روى النبي ص فقال: (إنها فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها) ([817]). روى مسلم في صحيحه وأحمد في المسند عن الرسول ص: (فإنما ابنتي بضعة منى يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها) ([818]). فهل جاء في غير فاطمة (عليها السلام) أنها يغضب الله لغضبها ويرضا لرضاها، ليسأل كل منّا هذا السؤال، فلن يجد جواباً سوى النفي، فما أعظم هذه المرأة التي يمثل غضبها ورضاها غضب الله تعالى ورضاه. وعندها ماذا يستطيع الإنسان أن يصف الذي اعتدى على هذه المرأة الطاهرة التي أذهب الله تعالى عنها الرجس وظهرها تطهيراً ؟! وهذا هو الحق المعروف من سيرة عمر بن الخطاب. قال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: (الخلاف الثامن: في تنصيص أبي بكر على عمر للخلافة وقت الوفاة ، فمن الناس من قال: قد وليت علينا فضاً غليظاً) ([819]). وقال ابن أبي شيبة في المصنف: (إنّ أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف عليناً فظاً غليظاً، ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ، فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر، قال: أتخوفونني ربي، أقول: اللهم أمرت عليهم خير أهلك...)([820]). وروى الطبري في تاريخه: (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: لما نزل بأبي بكر رحمه الله الوفاة دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرني عن عمر، فقال: يا خليفة رسول الله هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة. فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه،....) ([821]). وبهذه القسوة والغلظة التي شهد بها الكثير في حق ابن الخطاب هجم على بيت الوحي، ومن ثم جاء ليعتذر من فاطمة (عليها السلام) مع ضربه لها واسقاطها جنينها وكسره لضلعها، وليس نادماً من كل ما فعل؛ لذا تراه يقول لأبي بكر: (عجباً للناس كيف ولوك أمورهم ! وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها). ومن هنا راحت الزهراء (عليها السلام) تأخذ منهم الإقرار على أنهما آذياها، وقد أقرا هما بذلك فقالت: (اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقي ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما مني). وفي رواية أخرى: (فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني فأشكوهما إليك وإلى رسولك لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله ص وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما) ([822]). وهنا تسجل بنت المصطفى ص إقرارهما على أنفسهما ليبقى وثيقة للناس يعرفون بها من غضب الله عليه. هذا مضافاً لعدم ردّها السلام عليهما وإدارتها وجهها عنهما. وأخيراً أقول: روي عن الإمام الرضا ع، قال: (كانت لنا اُمٌّ صالحة، وهي عليهما ساخطة، ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما) ([823]). وعن داود بن المبارك، قال: (أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ونحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل، وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر وعمر، فقال: أجيبك بما أجاب به جدي عبد الله بن الحسن، فإنه سُئل عنهما فقال: كانت اُمّنا صدّيقة ابنة نبي مرسل وماتت وهي غضبى على قومٍ، فنحن غضاب لغضبها) ([824]). ولله در أحد شعراء الطالبيين من أهل الحجاز إذ يقول: يا أبا حفص الهوينى وما كنت أتموت البتول غضبى ونرضى ملياً بذاك لولا الحمام ([825])ما كذا يصنع البنون الكرام ([826]) * * * -الفصل الثالث: في شهادة الزهراء (عليها السلام) ساعات قبل الرحيل: مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة طريحة الفراش، وقد أخذ منها الهزال كلّ مأخذ، وما بقي منها سوى شبحها فقط، وفي تلك الحال قالت لعلي بن أبي طالب ع: (يا أبا الحسن، رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله ص في قصر من الدر الأبيض فلما رآني قال: هلمي إلي يا بنية فإني إليك مشتاق فقلت: والله إني لأشد شوقاً منك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد) ([827]). فانتبهت من نومها واستعدّت للرحيل إلى الآخرة؛ لأنها سمعت من أبيها ص الذي قال: (من رآني فقد رآني) ([828]). فلا مجال للشكّ والتردّد في صدق الخبر. فتحت عينها واستعادت نشاطها وقامت لاتّخاذ التدابير اللازمة، واغتنمت تلك السويعات الأخيرة من حياتها، فأقبلت تزحف أو تمشي متّكئة على الجدار نحو الموضع الذي فيه الماء من بيتها، وراحت تغسل ثياب أطفالها بيديها المرتعشتين، ثم دعت أطفالها و غسلت رؤوسهم. ودخل الإمام عليّ ع البيت وإذا به يرى حبيبة محمد ص قد غادرت فراش العلّة وهي تمارس أعمالها المنزلية فرقّ لها قلبه حين نظر إليها وقد عادت إلى أعمالها المتعبة التي كانت تعملها أيام صحتها، فسألها عن سبب قيامها بتلك الأعمال بالرغم من انحراف صحّتها، أجابته بكلّ صراحة لأنّ هذا اليوم هو آخر يوم من أيام حياتي، قمت لأغسل رؤوس أطفالي وثيابهم لأنّهم سيصبحون يتامى بلا أم، فسألها الإمام عن مصدر هذا النبأ فأخبرته بالرؤيا، فهي بذلك قد نعت نفسها إلى زوجها بما لا يقبل الشك. وصية الزهراء (عليها السلام) لأمير المؤمنين ع: وفي الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها من الوصايا. فقالت (عليها السلام) لعليّ ع: (يا بن عمّ، إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أننّي لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا اُوصيك بأشياء في قلبي). قال لها ع: (أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله ص). فجلس عند رأسها، وأخرج من كان في البيت. فقالت: (يا بن عمّ، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني) ؟ فقال ع: (معاذ الله أنتِ أعلم بالله، وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أُوبّخكِ بمخالفتي وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لا بد منه، والله لقد جددتِ عليَّ مصيبة رسول الله  ص وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنّا لله وإنّا اليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها!! هذه مصيبة لا عزاء منها، ورزية لا خلف لها). ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ الإمام رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال: (أوصيني بما شئت فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به، وأختار أمركِ على أمري). فقالت (عليها السلام): (جزاكَ الله عنّي خير الجزاء، يابن عمّ اُوصيك: أن تتزوّج بعدي .... فإنّ الرجال لا بدّ لهم من النساء، ثم قالت (عليها السلام): اُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار). ثم قالت (عليها السلام): (يا بن العمّ، إذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي، فإنّي طاهرة مطهّرة، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله ص، وصَلِّ عليَّ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي، وادفني ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً، وعفَّ موضع قبري، ولا تشهد جنازتي أحداً ممن ظلمني، يابن العمّ أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً، واجعل لأولادي يوماً وليلةً، يا أبا الحسن! ولا تصح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان اُمهما) ([829]). وروى ابن عباس وصيّة مكتوبة لها (عليها السلام) جاء فيها: (هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله ص أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأَنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأَنّ الله يبعث من في القبور، يا عليّ أنا فاطمة بنت محمّد، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي من غيري، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل، وصلِّ عليَّ وادفني بالليل، ولا تُعلم أحداً، وأستودعك الله، وأقرأ على ولديّ السلام إلى يوم القيامة) ([830]). وروى الشيخ الطوسي: (إنه لما ثقلت فاطمة (عليها السلام) جاءها العباس بن عبد المطلب عائداً. فقيل له: إنها ثقيلة وليس يدخل عليها أحد، فانصرف إلى داره وأرسل إلى علي ع فقال لرسوله: قل له يا ابن أخ، عمك يقرئك السلام ويقول لك: لله قد فجأني من الغم بشكاة حبيبة رسول الله وقرة عينيه وعيني فاطمة (عليها السلام) ما هدني وإني لأظنها أولنا لحوقاً برسول الله ص والله يختار لها ويحبوها ويزلفها لديه، فإن كان من أمرها ما لا بد منه فأجمع أنا لك الفداء المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها، وفي ذلك جمال للدين. فقال علي ع لرسوله قال الراوي وهو عمار أنا حاضر عنده: أبلغ عمي السلام وقل: لا عدمت إشفاقك وتحننك وقد عرفت مشورتك ولرأيك فضله إنّ فاطمة بنت رسول الله لم تزل مظلومة، من حقّها ممنوعة وعن ميراثها مدفوعة لم تحفظ فيها وصية رسول الله ص ولا رعي فيها حقّه ولا حق الله ( وكفى بالله حاكماً ومن الظالمين منتقماً، وأنا أسألك يا عم أن تسمح لي بترك ما أشرت به فإنها وصتني بستر أمرها... الخ) ([831]). وصيتها (عليها السلام) لأسماء بنت عميس: روي أنها قالت لأسماء بنت عميس: (إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى) وقالت: (إني نحلت وذهب لحمي ألا تجعلين لي شيئاً يسترني)؟، قالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً، أفلا أصنع لك فإن أعجبك أصنع لك ؟ قالت: (نعم)، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدته على قوائمه ثم جللته ثوباً، فقالت هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت (عليها السلام): (اصنعي لي مثله استريني، سترك الله من النار) ([832]). وروى الطوسي في التهذيب عن أبي عبد الله ع، قال: (أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة (عليها السلام) إنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء: إني نحلت وذهب لحمي ألا تجعلي لي شيئاً يسترني ؟ قالت أسماء: إني كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك ؟ فإن أعجبك صنعت لك، قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرايد فشدته على قوايمه ثم جللته ثوباً، فقالت هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت: اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار) ([833]). شهادة الزهراء (عليها السلام): روى الفريقان عن أم سلمى امرأة أبي رافع، قالت: (اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك قالت وخرج علي لبعض حاجته فقالت: "يا أمه، اسكبي لي غسلاً"، فسكبت لها غسلاً فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: "يا أمه، أعطيني ثيابي الجدد" فأعطيتها فلبستها، ثم قالت: "يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت"، ففعلت واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت: "يا أمه، إني مقبوضة الآن وقد تطهّرت فلا يكشفني أحد"، فقبضت مكانها قالت فجاء علي فأخبرته) ([834]). وروي أنها ماتت ما بين المغرب والعشاء وأنها لما احتضرت كانت تقول: (السلام على جبرئيل، السلام على رسول الله، اللهم مع رسولك، اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام)، ثم قالت: (أترون ما أرى) ؟ فقيل لها: ما ترى ؟ قالت: (هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول الله ص ويقول: يا بنية، أقدمي فما أمامك خير لك) ([835]). وعن زيد بن علي: أنها (عليها السلام) لما احتضرت، سلمت على جبرئيل وعلى النبي ص وعلى ملك الموت وسمعوا حس الملائكة ووجدوا رائحة طيب كأطيب ما يكون الطيب ([836]). وعن أسماء بنت عميس، قالت: لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة قالت لي: (إنّ جبرئيل أتى النبي ص لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة فقسمه أثلاثاً، ثلثاً لنفسه وثلثاً لعلي ع وثلثاً لي)، وكان أربعين درهماً، فقالت: (يا أسماء، إيتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا فضعيه عن رأسي) ثم تسجّت بثوبها وقالت: (انتظريني هنيهة ثم ادعني فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أني قد قدمت على أبي) ([837]). قال الراوي: فانتظرتها أسماء هنيهة، ثم نادتها فلم تجبها، فنادت يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، قال فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: يا فاطمة، إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرأيه عن أسماء بنت عميس السلام، ثم شقّت أسماء جيبها وخرجت فتلقاها الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: (أين أمنّا) فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدة فحركها الحسين ع فإذا هي ميتة، فقال: (يا أخاه، آجرك الله في الوالدة)، فوقع عليها الحسن ع يقبلها مرّة ويقول: (يا أماه، كلميني قبل أن يفارق روحي بدني)، قالت: وأقبل الحسين ع .... ويقول: (يا أماه، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت)، قالت لهما أسماء: يا بني رسول الله، انطلقا إلى أبيكما علي ع فأخبراه بموت أمكما، فخرجا يناديان: (يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنّا)، ثم أخبرا علياً ع وهو في المسجد فغشي عليه حتى رش عليه الماء ثم أفاق، وكان ع يقول: (بمن العزاء يا بنت محمد ؟ كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك ؟) ([838]). قال الراوي: فحمل علي ع الحسنين عليهما السلام حتى أدخلهما بيت فاطمة (عليها السلام) وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: وا يتامى محمد ص، كنا نتعزّى بعدك، فكشف علي ع عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها، فنظر فيها، فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله ص، أوصت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً ص عبده ورسوله، وأنّ الجنة حق، والنار حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور. يا علي، أنا فاطمة بنت محمد صزوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي من غيري، حنطني وغسلني وكفنني بالليل وصلّ عليّ وادفني بالليل ولا تعلم أحداً، وأستودعك الله وأقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة) ([839]). وكانت وفاتها في منتصف جمادي الأول كما ذكر الإمام اليماني أحمد الحسن ع ([840]) من السنة الحادية عشر للهجرة. مراسم التشييع والدفن: ارتفعت أصوات البكاء من بيت أمير المؤمنين عليّ ع فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، وأخذت تموج بأهلها، ودهش الناس من عظم المصاب الذي ذكرهم بيوم رحيل رسول الله ص، واجتمعت نساء بني هاشم في دار فاطمة (عليها السلام) فصرخن وبكين، وأقبل الناس إلى عليّ ع وهو جالس والحسن والحسين بين يديه يبكيان، وخرجت اُمّ كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة بردائها غلبها نشيجها، وهي تقول: (يا أبتاه يا رسول الله! الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً) ([841]). واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجّون، وينتظرون خروج الجنازة ليصلّوا عليها، فخرج أبو ذر وقال: انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله ص قد أُخر إخراجها في العشية ([842]). فتفرّق الناس، وهم يظنّون أنّ الجنازة تشيّع صباح غد، ولكنّ الإمام عليّاً ع غسّلها وكفّنها هو وأسماء في تلك الليلة. وفي رواية ورقة، قال علي ع: (والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها، ولم أكشفه عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله ص، وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة يا حسن يا حسين هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق واللقاء في الجنة. فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام وهما يناديان: وا حسرة لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى ص، وأمنّا فاطمة الزهراء يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدّنا محمد المصطفى فاقرئيه منّا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أمير المؤمنين علي ع: إني اشهد الله أنها قد حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً. وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب، قال: فرفعتهما عن صدرها) ([843]). ثم صلّى عليٌّ على الجنازة ورفع يديه إلى السماء فنادى: (اللهمّ هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت ميلاً في ميل) ([844]). فلمّا هدأت الأصوات ونامت العيون ومضى شطر من الليل تقدّم أمير المؤمنين والعباس والفضل بن العباس ورابع يحملون ذلك الجسد النحيف، وشيّعها الحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وبريدة وعمار. ونزل عليّ ع إلى القبر، واستلم بضعة رسول الله ص وأضجعها في لحدها وقال: (يا أرض، أستودعك وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله محمد بن عبد الله ص، سلمتكِ أيتها الصدّيقة إلى من هو أولى بكِ منّي، ورضيت لكِ بما رضي الله تعالى لكِ) ([845])، ثم قرأ: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾([846]). ثم خرج من القبر، وتقدّم الحاضرون وأهالوا التراب على تلك الدرّة النبويّة، وسوّى عليّ ع قبرها. قال بعض أشراف مكة ([847]): ما لعيني قد غاب عنها كراها الدار نعـمت فيـها زمـاناً أم لحي بانـوا بأقمـار ثم حاش لله لست أطمع نفسي بل بكائي لذكر من خصها الله ختم الله رسلـه بأبيهـا وحباها بالسيدين الزكيـين ولفكري في الصاحبين اللذين منعـا بعلها من العهد والعقد واستبدا بأمـرة دبراهـا وأتت فـاطم تطالب بالإرث ليت شعري لم خولفت سنن نسخت آيـة المواريـث منها قـالا أبـوك جـاء بهذا قـال للأنبيـاء حكم بأن لا أفبنت النبي لم تدر إن كان بضعة من محمد خالفت ما قال سمعته يقـول ذاك وجـاءت هي كانت لله أتقى وكانت أو تقـول النبي قد خـالف سل بإبطال قولهم سورة النمل فهمـا ينبئان عن إرث يحيى فدعت واشتكت إلى الله من ذا ثم قـالت فنحلة لي من والدي فأقـامت بها شهـودا فقالوا لم يجيزوا شهادة ابني رسول الله لم يكن صادقا علي ولا فاطمة كـان أتقى لله منهم فلان جرّعاهـا من بعد والدهـا ليـت شعري ما كان ضرّهما كان إكرام خاتم الرسل الهادي ولو ابتيع ذاك بالثمن الغالي ولكان الجميـل أن يقطعاها أترى المسلمين كانوا يلومونهما كان تحت الخضـراء بنت نبي بنت من أم من حليلـة من قل لنا أيها المجـادل في القول أهمـا ما تعمداهـا كما قلت فلمـاذا إذ جهزت للقـاء شيعت نعشها ملائكة الرحمن كان زهداً في أجرها أم عناداً أم لأنّ البتول أوصت بألا أغضباها وأغضبا عند ذاك الله وكـذا أخـبر النبي بـأن لا نبي الهدى أطيـع ولا ولأي الأمـور تـدفن سـرّاً  وعراها من عبرة ما عراها ثم فارقتـها فلا أغشـاها يتجلّى الدجى بضـوء سناها آخر العمر في اتباع هواها تعالى بلطفـه واجتباهـا واصطفاه لوحيـه واصطفاها الإمامين منه حيـن حباهـا استحسنا ظلمها وما راعياها وكان المنيـب والأواهـا قبل دفـن النبي وانتهزاهـا من المصطفى فما ورثاهـا القرآن فيها والله قد أبداها أم هما بعد فرضهـا بدلاهـا حجـة من عنداهم نصباهـا يورثوا في القديم وانتهراهـا نبي الهدى بـذلك فاهـا حاشـا مـولاتنا حاشاهـا تطلب الإرث ضلة وسفاهـا أفضـل الخلق عفة ونزاهـا القرآن ويح الأخبار ممن رواها وسل مريـم التي قبل طـه وسليمـان من أراد انتباهـا ك وفاضت بدمعها مقلتـاها المصطفى فلم ينحلاهـا بعلها شاهد لها وابناهـا هـادي الأنام إذ ناصباها عنـدهم ولا ولداهـا قبـح القائل المحال وشاهـا الغيض مراراً فبئس ما جرّعاها الحفظ لعهد النبي لو حفظاها البشـير النذيـر لو أكرماها لما ضـاع في اتباع هواهـا فدكا لا الجميـل أن يقطعاها في العطـاء لو أعطيـاها صـادق ناطق أمين سواهـا ويل لمن سن ظلمها وأذاهـا عن الغاصبيـن إذ غصباهـا بظلم كلا ولا اهتضمـاهـا لله عند الممـات لم يحضراها رفقـاً بها وما شيـعاهـا لأبيـها النبي لم يتبعـاهـا يشهدا دفنها فما شهداها رب السماء إذ أغضباها الله يرضى سبحانـه لرضاها فاطمـة أكرمت ولا حسناها بضعة المصطفى ويعفى ثراها  ثم أخفى الإمام أمير المؤمنين ع قبرها كما أوصته (عليها السلام) بين قبور وهمية عديدة. وبقي قبرها مخفياً عبر هذه الدهور لتبقى صرخة مدوية تعبر عن الظلامة التي قاستها فاطمة الزهراء (عليها السلام)، إلى أن جاء ولدها القائم واليماني الموعود فبيّن قبر أمه فاطمة (عليها السلام). يقول يماني آل محمد والقائم الموعود السيد أحمد الحسن ع: (وأول معجزة أظهرها للمسلمين وللناس أجمعين هو أني أعرف موضع قبر فاطمة "عليها السلام" بضعة محمد ص، وجميع المسلمين مجمعين على أنّ قبر فاطمة "عليها السلام" مغيب لا يعلم موضعه إلا الإمام المهدي ع، وهو أخبرني بموضع قبر أمي فاطمة "عليها السلام"، وموضع قبر فاطمة "عليها السلام" بجانب قبر الإمام الحسن ع وملاصق له، وكأن الإمام الحسن المجتبى ع مدفون في حضن فاطمة "عليها السلام"، ومستعد أن أقسم على ما أقول، والله على ما أقول شهيد ورسوله محمد ص وعلي ع الذي دفن فاطمة "عليها السلام". والحمد لله وحده) ([848]). تأبين الإمام عليّ ع لها: انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انكشاف أمرهم، فلمّا نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن لفقد بضعة الرسول ص وزوجته الودود التي عاشت معه الصفاء والطهارة والتضحية والإيثار، وتحمّلت من أجله الأهوال والصعاب، فأرسل دموعه على خدّيه، وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله ص مخاطباً له بكلمات تؤلم القلب. روى الشيخ الكليني في الكافي عن أبي عبد الله الحسين بن علي ع، قال: (لما قبضت فاطمة "عليها السلام" دفنها أمير المؤمنين سرّاً وعفّا على موضع قبرها). ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله ص فقال: (السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله [ لي ] أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين. سلام مودع لا قالٍ ولا سئم، فإن أنصَرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واهاً واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ولاعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر وإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان) ([849]). ويروى: لما فرغ من جهازها ودفنها رجع إلى البيت فاستوحش فيه وجزع عليها جزعاً شديداً، ثم أنشأ يقول ([850]): أرى علل الدنيا علي كثيرة وصاحبها حتى الممات عليل لكل اجتماع من خليلين فرقة وكل الذي دون الفراق قليل وإن افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يدوم خليل وروى جعفر بن محمد ع قال: (لما ماتت فاطمة "عليها السلام" كان علي ع يزور قبرها في كل يوم. قال: وأقبل ذات يوم فانكب على القبر بكى وأنشأ يقول: مالي مررت على القبور مسلما يا قبر مالك لا تجيب مناديا  قبر الحبيب فلم يرد جوابي أمللت بعدى خلة الأحباب  فأجابه هاتف يسمع صوته، ولا يرى شخصه وهو يقول: قل للحبيب فكيف لي بجوابكم أكل التراب محاسني فنسيتكم فعليكم مني السلام تقطعت  وأنا رهين جنادل وتراب وحجبت عن أهلي وعن أترابى مني ومنكم خلة الأحباب) ([851]).  محاولة نبش القبر: ولما أصبح الصباح من تلك الليلة أقبل الناس الذين لم ينصروها في حياتها ليشيّعوا جنازتها (عليها السلام) فبلغهم أنّ عزيزة رسول الله ص قد دفنت ليلاً وسرّاً. وكان الإمام عليّ ع قد سوّى في البقيع صور لقبور سبعة أو أكثر، ويقول الطبري في دلائل الإمامة: وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدداً ([852]). وحيث إنّ البقيع كان في ذلك اليوم وإلى يومنا هذا مقبرة أهل المدينة فأقبل الناس إلى البقيع يبحثون عن قبر فاطمة (عليها السلام) فأُشكل عليهم الأمر ولم يعرفوا القبر الحقيقي لسيّدة نساء العالمين. قال الطبري في دلائل الإمامة: وإنّ المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلاّ بنتاً واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها ! بل ولم تعرفوا قبرها ! فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها ([853]). وروي أنّ أبا بكر وعمر أقبلا والناس يريدون الصلاة على فاطمة (عليها السلام). فقال المقداد: (قد دفنّا فاطمة "عليها السلام" البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنّهم سيفعلون ؟ قال العباس: إنّها أوصت أن لا تصلّيا عليها، فقال عمر: لا تتركون - يا بني هاشم - حسدكم القديم لنا أبداً، إنّ هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب، والله لقد هممت أن أنبش قبرها فاُصلي عليها) ([854]). ويقول الطبري في دلائل الإمامة: وإنّ المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلاّ بنتا واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها! بل ولم تعرفوا قبرها! فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين ع فخرج مغضباً قد احمرت عيناه، ودرت أوداجه، وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، فسار إلى الناس من أنذرهم، وقال: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين. فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه، وقال له: مالك يا أبا الحسن، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها. فضرب علي ع بيده إلى جوامع ثوبه فهزّه ثم ضرب به الأرض، وقال له: (يا بن السوداء، أمّا حقّي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم، فإن شئت فاعرض يا عمر). فتلقاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه، فإنّا غير فاعلين شيئاً تكرهه. قال: فخلى عنه وتفرّق الناس ولم يعودوا إلى ذلك ([855]). فالسلام على بضعة محمد وحبيبته وروحه التي بين جنبيه، وأبرء إلى الله ممن ظلمك وأسس أساس الظلم عليكم، وأتولى آخركم بما توليت به أولكم، فمعكم معكم لا مع عدوكم. وختاماً أعرج على قبرك الذي أمرتي بإخفائه حتى يظهره للناس سرّك أحمد قائلاً: (السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفي الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام عليك يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك أشهد أنك مضيت على بينة من ربك وأن من سرك فقد سر رسول الله، ومن جفاك فقد جفا رسول الله، ومن قطعك فقد قطع رسول الله؛ لأنك بضعة منه وروحه الذي بين جنبيه، أشهد الله ورسله وملائكته أني راضٍ عمن رضيت عنه، ساخط على من سخطت عليه، متبرئ ممن تبرأت منه، موالٍ لمن واليت، معاد لمن عاديت، مبغض لمن أبغضت، محب لمن أحببت، وكفى بالله شهيداً وحسيباً وجازياً ومثيباً). والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً.
Footers

[1] - الكافي: ج1 ص459.

[2] - النحل: 18.

[3] - مع العبد الصالح: ص97.

[4] - الكافي: ج1 ص458.

[5] - طه: 10.

[6] - النمل: 7.

[7] - القصص: 29.

[8] - يوسف: 25.

[9] - العنكبوت: 33.

[10] - طه: 132.

[11] - طه: 29.

[12] - هود: 45

[13] - هود: 46.

[14] - النساء: 35.

[15] - يوسف: 26.

[16] - الأنبياء: 84.

[17] - ص: 43.

[18] - فاطر: 43.

[19] - النساء: 58.

[20] - الكهف: 71.

[21] - ذخائر العقبى: ص195.

[22] - تاج العروس: ج14 ص35. والآية: النساء: 35.

[23] - مفردات غريب القرآن: ص29.

[24] - مختار الصحاح: ص25.

[25] - الذاريات: 36.

[26] - الواقعة: 8 – 10.

[27] - الحجرات: 13.

[28] - الأحزاب: 33.

[29] - أمالي الشيخ الصدوق: ص729.

[30] - يوسف: 23.

[31] - النور: 36.

[32] - العنكبوت: 41.

[33] - سورة هود: 73.

[34] - الأحزاب: 33.

[35] - مجمع البيان: ج8 ص156.

[36] - وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.

[37] - الدر المنثور: ج5 ص198. وذكر ما يدل على هذا المعنى عدّة روايات أعرضنا عن ذكرها، فمن شاء فليراجع.

[38] - لقد أصر عكرمة على هذا القول حتى أنه يطلب مباهلة من خالفه فيه، فكانت عند عكرمة بواعث نفسية تدفعه نحو هذا الإصرار، والظاهر أن ذلك نشأ من عقيدته التي تبناها، حيث أعتنق مذهب الخوارج، ولهؤلاء موقف معروف في التاريخ من الإمام علي (، فلو التزم بأنّ آية التطهير نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم علي ( لكان هذا اعتراف منه بعصمته ولانهار عنده أساس عقيدته التي سوغت لهم الخروج عليه ومحاربته، بل وقتله (.

والذي يظهر أنّ الرأي السائد على عهده خلاف رأي عكرمة، كما تشعر بذلك الرواية الأخرى التي ينقلها صاحب الدر المنثور عن عكرمة في معرض ردّه على غيره، قال: ليس بالذي تذهبون إليه إنما هو نساء النبي /. ( الدر المنثور: ج5 ص189).

ولقد نسب هذا الرأي إلى ابن عباس، إلا أن الذي نسبه إلى ابن عباس هو عكرمة أيضاً، فالمصدر الوحيد هو عكرمة، وهذا من الموارد التي كذب بها عكرمة على ابن عباس، فقد عرف عن عكرمة الكذب على ابن عباس، وأصبح كذبه عليه مضرباً للأمثال، فعن ابن المسيب أنه قال لمولى له اسمه برد: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن ابن عمر أنه قال ذلك أيضا لمولاه نافع. (مقدمة فتح الباري: ص425، عمدة القاري: ج1 ص8).

وقد حاول علي بن عبد الله بن عباس صدّه وردعه عن ذلك، حتى أنه كان يوثقه على الكنيف ليرتدع عن الكذب على أبيه، يقول عبد الله بن أبي الحرث: دخلت على ابن عبد الله بن عباس وعكرمة موثق على باب كنيف، فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم ؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي. (المعارف: ص456، وفيات الأعيان: ج3 ص266، دراسات في الحديث والمحدثين: ص168). فعكرمة لا قيمة لكلامه، ومن يراجع ترجمته لعرف ذلك.

[39] - التحريم: 3 – 4.

[40] - جامع البيان: ج28 ص204.

[41] - الأحزاب: 29.

[42] - صحيح البخاري: ج6 ص69، صحيح مسلم: ج4 ص190، عمدة القاري: ج19 ص249، فتح الباري: ج9 ص244، تفسير ابن كثير: ج4 ص415، سفينة النجاة: ص139، تفسير القرطبي: ج18 ص189، جامع البيان: ج28 ص206، تحفة الأحوذي: ج9 ص157.

[43] - تنوير المقابس من تفسير ابن عباس: ص477.

[44] - تفسير البيضاوي: ج5 ص355.

[45] - تفسير الكشاف: ج4 ص127.

[46] - التحريم: 10.

[47] - تفسير الكشاف: ج4 ص131.

[48] - تفسير مجمع البيان: ج10 ص59.

[49] - تفسير مجمع البيان: ج 8 ص151. ولم أعثر على الرواية في أسباب النزول، ولعلها حذفت من الطبعات الحديثة.

والآيات هي قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾.

ولقد روى مضمون هذه الرواية السمعاني في تفسيره عن ابن عباس أن النبي كان في بيت حفصة فتشاجرا، فقال لها رسول الله: أجعل بيني وبينك رجلا، أتريدين أباك ؟ قالت: نعم، فدعا عمر رضي الله عنه فلما دخل قال النبي لحفصة: تكلمي. فقالت حفصة: يا رسول الله، تكلم ولا تقل إلا حقا. فرفع عمر يده وضرب وجهها، وقال: يا عدوة نفسها، أتقولين هذا لرسول الله؟ ثم إن رسول الله آلى منهن شهرا واعتزل، وأنزل الله تعالى آية التخيير، فلما أنزل الله آية التخيير بدأ بعائشة رضي الله عنها. (تفسير السمعاني: ج4 ص276).

[50] - أقول: ليلاحظ القارئ التناقض الذي وقع فيه الخليفة الثاني، فبالأمس يقول أن النبي لا يقول إلاّ حقاً، ويتهم النبي / بالهجر عند احتضاره، وهذا يؤكد أن الإتهام بالهجر كان لغرض سياسي يكمن في نفس الخليفة، فعند عدم الخوف على الهدف يعطي النبي / صفة الملازمة للحق وعدم الانحراف عنه، بينما يتهمه بالهجر وغلبة الوجع عند خوفه على هدفه وهو ذهاب السلطة منه.

[51] - تاريخ بغداد: ج11 ص239.

[52] - ما بين قوسين جاء في مسند أبي يعلى: ج8 ص130. والظاهر أنه الصحيح.

[53] - مجمع الزوائد: ج4 ص321، مسند أبي يعلى: ج8 ص130.

[54] - صحيح البخاري: ج4 ص46، العمدة لابن البطريق: ص456.

[55] - مسند أحمد: ج2 ص23.

[56] - أي: تغير.

[57] - مسند أحمد: ج6 ص150.

[58] - المصنف: ج11 ص356.

[59] - مجمع الزوائد:ج7 ص235.

[60] - أمالي الشيخ الصدوق: ص150.

[61] - ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج1 ص173.

[62] - روى أحمد في مسنده، بسنده عن قيس، قال: (لما أقبلت عائشة بلغت مياه بنى عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا، قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ( ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب). ج6 ص52.

[63] - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد: ج6 ص217.

[64] - السنن الكبرى - للبيهقي: ج8 ص153، الطبقات الكبرى - لابن سعد: ج2 ص206.

[65] - مستدرك الحاكم: ج3 ص509.

[66] - صحيح مسلم: ج7 ص130، المستدرك: ج3 ص147، السنن الكبرى: ج2 ص142، تحفة الأخوذي: ج9 ص49.

[67] - مسند أحمد: ج6 ص292، أسباب النزول الآيات: ص239.

[68] - صحيح ابن حبان: ج15 ص433.

[69] - مستدرك الحاكم: ج3 ص148.

[70] - مستدرك الحاكم: ج2 ص416.

[71] - مسند أبي يعلى: ج12 ص313.

[72] - المعجم الكبير: ج3 ص55.

[73] - عن تفسير التعلبي: ج8 ص36.

[74] - تفسير الرازي: ج27 ص166.

[75] - تفسير الثعلبي: ج8 ص37، عن رشفة الصادي.

[76] - تفسير الثعلبي: ج8 ص40، عن كفاية الطالب.

[77] - ينابيع المودّة للقندوزي: ج2 ص429.

[78] - تفسير الآلوسي: ج22 ص16.

[79] - الخصال - للصدوق: ص550.

[80] - كتاب سليم بن قيس: ص200.

[81] - الخصال - للصدوق: ص561، بحار الأنوار: ج31 ص326.

[82] - أسد الغابة: ج2 ص14. ورواه باختلاف يسير في مجمع الزوائد: ج9 ص172، والمعجم الكبير: ج3 ص93، وغيرها.

[83] - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد: ج16 ص28.

[84] - مقتل الحسين للخواوزمي: ج1 ص185، كتاب الفتوح: ج5 ص17.

[85] - اللهوف على قتلا الطفوف: ص103، بحار الأنوار: ج45 ص129.

[86] - الإرشاد - للمفيد: ج2 ص115.

[87] - مسند أحمد: ج1 ص331، مستدرك الحاكم: ج3 ص133، مجمع الزوائد: ج9 ص119، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص63، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص100، العمدة: ص35 و86 ، ذخائر العقبى: ص87، وغير ذلك.

[88] - صحيح مسلم: ج7 ص120، شواهد التنزيل: ج3 ص34.

[89] - مسند أحمد: ج4 ص107، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج2 ص67.

[90] - آل عمران: 61.

[91] - صحيح مسلم: ج7 ص121، مسند أحمد: ج1 ص185،سنن الترمذي: ج4 ص294. وغيرها أيضاً.

[92] - عيون أخبار الرضا (: ج2 ص208.

[93] - تفسير الآلوسي: ج22 ص16.

[94] - ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج2 ص434.

[95] - امتاع الأسماع: ج5 ص394.

[96] - تفسير الرازي: ج27 ص166.

[97] - عن ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج1 ص37.

[98] - ومن العجيب أنّ أكثر العامة مع نقلهم الروايات التي تنهى عن الصلاة البتراء نجدهم لا يصلون على الآل في صلاتهم وكتبهم وتأليفاتهم المطبوعة ! وما ذلك إلا لأنّ الآل عندهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام، ولو كان الآل عندهم عائشة وحفصة لصلوا على الآل ليلاً ونهاراً.

[99] - كشف الغمة للشعراني: ج1 ص219.

[100] - نقلاً عن تفسير الثعلبي: ج8 ص40.

[101] - المصنف - لعبد الرزاق الصنعاني: ج2 ص214.

[102] - شرح أصول الكافي: ج7 ص86.

[103] - بحار الأنوار: ج35 ص236.

[104] - تاج العروس: ج14 ص36.

[105] - لسان العرب: ج11 ص38.

[106] - غافر: 46.

[107] - معاني الأخبار: ص94.

[108] - كمال الدين: ص242.

[109] - الأنبياء: 76.

[110] - القمر: 34.

[111] - الحجر: 95.

[112] - هود: 81.

[113] - الحجر: 99.

[114] - منهاج السنة: ج3 ص4.

[115] - هامش شرح إحقاق الحق: ج33 ص58.

[116] - تفسير فرات الكوفي: ص249، شواهد التنزيل: ج1 ص57.

[117] - الأحزاب: 33.

[118] - الأحزاب: 56.

[119] - صحيح البخاري: ج6 ص27.

[120] - صحيح البخاري: ج6 ص27.

[121] - صحيح مسلم: ج2 ص16، سنن الترمذي: ج5 ص38، السنن الكبرى: ج2 ص146.

وأود أن أشير إلى ما بينه السيد أحمد الحسن ( يماني آل محمد / في معنى الصلاة على النبي وآله /، فالكثير منّا يقرء هذه الآية إلا أننا لا نعرف معناها الذي يريده الله تعالى منها، إلى أن منّ الله علينا بيماني آل محمد ( وقائمهم الموعود، فبين المراد منها بياناً شافياً وافياً، وأذكر ما ذكره ( لكي تعرف الناس علوم آل محمد / التي جاء بها يمانيهم (عليهم السلام).

فقد وجّه إليه ( سؤالاً عن معنى الصلاة على محمد وآل محمد /. فأجاب بقوله: (الصلاة معناها الدعاء والتضرّع والتوسل إلى الله بطلب شيء منه سبحانه وتعالى أو التقرب إليه وهو أيضاً طلب، فعندما نقول: اللهم صلِّ على محمد يعني نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يرفع شأن محمد / ويعلي مقامه، ومن المؤكد أنّ مقام محمد / هو المقام الأقرب الذي ما بعده مقام، فمقامه ثابت وهو صاحب مقام القاب قوسين صلوات الله عليه وآله، فيكون الطلب من الله بالصلاة على محمد، هو أن يرفع شأن محمد ويعلي مقام محمد / عند الناس، أي أن يعرّف الناس بعظيم شأن محمد /، وهذا يحصل عند ظهور الإمام المهدي (؛ لأنه ينشر خمسة وعشرين حرفاً من العلم فيعرّف الناس بالتوحيد ويعرّفهم بالرسل ويعرّفهم بالكتب ويعرّفهم بالملائكة ويعرّفهم بخلق الله سبحانه وتعالى ويعرفهم بمحمد /، فعندما نقول: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد أي أننا نقول: يا الله، اظهر حق محمد وآل محمد، واظهر عظيم مقام محمد وآل محمد، أي كأننا نقول: يا الله، عجل فرج محمد وآل محمد، وكأننا نقول: يا الله، اظهر العدل والحق والقسط وأمت الجور والفساد والظلم؛ ولهذا كان هذا الذكر أي اللهم صلِّ على محمد وآل محمد هو أفضل الذكر وثوابه عظيم. وما علمته من الإمام المهدي ( أن أفضل الذكر هو قول: "بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وسلم تسليماً" ومن قالها خمسين مرّة لم يكتب من الغافلين في ذلك اليوم، وإن قالها مائة مرّة كتب من الذاكرين في ذلك اليوم، وإن قالها ألف مرّة كان من الفائزين عند الله وعند الإمام المهدي (، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً"، أي أن يطلب المؤمنون من الله أن يصلي على محمد فيقولوا: "اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وسلم تسليماً"، ومعنى وسلم تسليماً أي أعطهم الأمن والأمان، والأمن هو بيعة القائم (، والأمان يكون في دولة القائم (. قال تعالى: "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا" آل عمران: 97، وقال تعالى: "سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ" سـبأ: 18) المتشابهات: ج3 ص102.

كما أنه قد يسأل البعض ويقول: إنّ محمداً وآله (عليهم السلام) أفضل من إبراهيم وآل إبراهيم، فكيف يكون الطلب من الله أن يصلي على محمد وآل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم (عليهم السلام)، أليس المفروض أن تكون أفضل مما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم؟

وهذا ما سئُل به يماني آل محمد / فأجاب ( بقوله: (الصلاة على محمد وآل محمد تعني الطلب من الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن محمد وآل محمد ويظهر قائمهم؛ ولذلك قرنت بالصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى عجّلَ فرج إبراهيم وآل إبراهيم (عليهم السلام) وأظهر قائمهم، وهو نبي الله موسى (. فالطلب من الله بالصلاة على محمد وآل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم يعني: يا الله، اظهر قائم آل محمد ( كما أظهرت قائم آل إبراهيم (عليهم السلام) وهو موسى (، وكان بنو إسرائيل ينتظرون موسى ( كما ينتظر المسلمون الإمام المهدي ( الآن). المتشابهات: ج3 ص103.

[122] - مستدرك الحاكم: ج3 ص147.

[123] - الشورى: 23.

[124] - مجمع الزوائد: ج7 ص103، المعجم الكبير للطبراني: ج11 ص305.

[125] - الشورى: 23.

[126] - تفسير الثعلبي: ج 8 ص314، شواهد التنزيل: ج2 ص212.

[127] - الغدير: ج2 ص310.

[128] - الفصول المهمة: ج1 ص161.

[129] - الفصول المهمة: ج1 ص161.

[130] - آل عمران:103.

[131] - تفسير الثعلبي: ج3 ص163، ينابيع المودة: ج1 ص356.

[132] - ينابيع المودة لذوي القربى: ج1 ص356.

[133] - النساء:59.

[134] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص373، شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج3 ص299.

[135] - أقول: هذه الرواية توقفنا على حقيقة مهمة، وهي تشخيص العلماء، فمن هم العلماء الذين جاء في أحاديث النبي / بأنّهم أفضل من أنبياء بني إسرائيل ؟

والحقيقة أن هذا الوصف ادعاه الكثير ممن يركضون خلف العناوين ولا هم لهم سواها، وحاولوا تحريف هذا العنوان والوصف ففسروه تفسيراً غير التفسير الذي يريده محمد وآل محمد /، فتجد الكثير ممن يسمي نفسه عالماً ليس له من العلم إلاّ اسمه، وهو قد غرق في الجهل فلا يفهم شيئاً، وهذا ما أشار اليه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( فقال: (وآخر قد تسمى عالماً وليس به. فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال. ونصب للناس شركاً من حبائل غرور وقول زور. قد حمل الكتاب على آرائه. وعطف الحق على أهوائه يؤمن من العظائم ويهون كبير الجرائم. يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع. وأعتزل البدع وبينها اضطجع. فالصورة صورة إنسان. والقلب قلب حيوان. لا يعرف باب الهدى فيتبعه. ولا باب العمى فيصد عنه. فذلك ميت الأحياء فأين تذهبون. وأنى تؤفكون والأعلام قائمة، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم. بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق. فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش ...) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص134.

ومن هذه الأمور التي حرفوها، هي ادعاء البعض أنه المقصود من قول النبي /: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) عوالي اللئالي: ج4 ص77.

وفي الحقيقة الذين كأنبياء، وفي رواية ثانية؛ أفضل من أنبياء بني إسرائيل هم آل محمد (عليهم السلام)، وهؤلاء هم الذين من مات منهم أحد ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء، كما جاء في الأخبار، وإلاّ كيف يستسيغ عاقل أن يوصف الكثير من مراجع الدين اليوم بأنهم أفضل من عيسى وموسى (عليهما السلام) !!

[136] - الصافات: 130.

[137] - أمالي الشيخ الصدوق: ص558.

[138] - معاني الأخبار: ص122.

[139] - الصافات: 24.

[140] - ينابيع المودة للقندوزي: ج2 ص426.

[141] - لسان الميزان: ج4 ص212.

[142] - النساء: 54.

[143] - بصائر الدرجات: ص55.

[144] - بصائر الدرجات: ص55.

[145] - طه: 82.

[146] - المائدة: 76.

[147] - أمالي الشيخ الصدوق: ص583.

[148] - بصائر الدرجات: ص 98.

[149] - الضحى: 5.

[150] - تفسير الصافي: ج5 ص314.

[151] - تفسير الثعلبي: ج10 ص225، مناقب آل أبي طالب: ج3 ص120.

[152] - الأنفال: 41.

[153] - معالم المدرستين: ج3 ص157.

[154] - النور: 36.

[155] - شواهد التنزيل: ج1ص523.

[156] - ينابع المودة: ج2 ص333، تفسير الفخر الرازي: ج27 ص165، تفسير ابن عربي: ج2 ص219، تفسير القرطبي: ج16 ص23، وروى بعضه المقريزي في فضل أهل البيت (عليهم السلام): ص12.

[157] - كنز العمال: ج12 ص103، بشارة المصطفى: ص294، ينابيع المودة: ج2 ص380، خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق: ص30، تاريخ دمشق: ج42 ص241.

[158] - مناقب آل أبي طالب: ج1 ص250، الطرائف للسيد ابن طاووس: ص118.

[159] - مناقب آل أبي طالب: ج1 ص211.

[160] - أمالي الشيخ الطوسي: ص482.

[161] - الأنعام: 112.

[162] - العنكبوت: 2 – 3.

[163] - الكافي: ج1 ص370.

[164] - حلية الأولياء: ج5 ص119، الدر المنثور: ج3 ص155.

[165] - البقرة: 253.

[166] - الكافي: ج8 ص270.

[167] - مجمع الزوائد: ج9 ص118، مسند أبي يعلى: ج1 ص427، كنز العمال: ج13 ص176، وروى بعضه الحاكم في المستدرك: ج3 ص139.

[168] - الكامل لعبد الله بن عدي: ج5 ص315.

[169] - مسند أحمد: ج4 ص367، المجموع لمحيي الدين النووي: ج8 ص276، الشرح الكبير لابن قدامه: ج6 ص230.

[170] - صحيح مسلم: ج7 ص123.

[171] - بحار الأنوار: ج22 ص486.

[172] - أمالي الشيخ الطوسي: ص703.

[173]  المعجم الأوسط للطبراني: ج6 ص29.

[174] - الشعراء: 227. والرواية في كمال الدين: ص261.

[175] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص51.

[176] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص37.

[177] - كمال الدين وتمام النعمة: ص520.

[178] - كنز العمال: ج12 ص93.

[179] - كنز العمال: ج1 ص267.

[180] - كنز الفوائد للكراجكي: ص208.

[181] - بشارة المصطفى: ص101.

[182] - غاية المرام: ج2 ص203.

[183] - جامع أحاديث الشيعة: ج12 ص440.

[184] - العنوان مقتبس من خطبة الزهراء (عليها السلام).

[185] - كان رحيل الرسول / على ما ذكره شيخ الطائفة في التهذيب: مسموماً، يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشرة من الهجرة.

[186] - التوبة: 128.

[187] - فاطر: 8.

[188] - يس: 30.

[189] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص26.

[190] - ميزان الاعتدال: ج4 ص480. وقد تقدم ذكر تمام الرواية في الفصل الرابع فلا نعيد طلباً للاختصار فراجع.

[191] - كتاب سليم بن قيس: ص137.

[192] - الاحتجاج: ج1 ص135.

[193] - الأحزاب: 62.

[194] - الفتح: 23.

[195] - الإسراء: 77.

[196] - فاطر: 43.

[197] - البقرة: 253.

[198] - آل عمران: 144.

[199] - الكافي: ج8 ص270. وعلّق الكليني على هذه الرواية بقوله: وفي هذا ما يستدل له على أنّ أصحاب محمد / قد اختلفوا من بعده، فمنهم من آمن ومنهم من كفر.

[200] - الكافي: ج2 ص244.

[201] - كنز العمال: ج10 ص576. وقد ذكر الروايات المتعلقة بهذا الموضوع، إلا أن الملفت للنظر في تلك الروايات هو أنها جعلت أبا بكر خليفة بعد رسول الله /وكأنه منصوص عليه، ليلاحظ القارئ الكريم هذه الرواية. جاء في كنز العمال: مسند الصديق؛ سيف بن عمر عن الزهري عن أبي ضمرة وأبي عمر وغيرهما عن الحسن بن أبي الحسن قال: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب وأمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه يأذن لي فأرجع بالناس فان معي وجوه الناس ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون وقالت الأنصار: فان أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة، فخرج عمر بأمر أسامة فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر، لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فان الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجل أقدم سنا من أسامة، فوثب أبو بكر وكان جالسا، فأخذ بلحية عمر وقال ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب استعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه، فخرج عمر إلى الناس قالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت من سببكم اليوم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال له أسامة يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركبن أو لأنزلن؟ فقال : والله لا تنزل ووالله لا أركب وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله فان للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنه تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وتمحى عنه سبعمائة خطيئة حتى إذا انتهى قال له: إن رأيت أن تعينني بعمر بن الخطاب فأفعل فأذن له ...) كنز العمال للمتقي الهندي: ج10 ص578.

[202] - كتاب الأربعين للماحوزي: ص255، تثبيت الإمامة: ص19.

[203] - صحيح البخاري: ج5 ص137.

[204] - ليتأمل القارئ الكريم في توجيههم وتبريرهم لما قاله عمر، وأترك التعليق للقارئ. قال ابن حجر في فتح الباري: (قوله غلبه الوجع؛ أي فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتابة وكأن عمر رضي الله عنه فهم من ذلك أنه يقتضى التطويل، قال القرطبي وغيره ائتوني أمر وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة انه ليس على الوجوب وانه من باب الإرشاد إلى الأصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء وقوله تعالى تبيانا لكل شيء ولهذا قال عمر حسبنا كتاب الله) فتح الباري لابن حجر: ج1 ص186. وقال النووي: كلام عمر رضي الله عنه هذا مع علمه وفضله لأنه خشي أن يكتب أمورا فيعجزوا عنها، فيستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها. وقال البيهقي: قصد عمر، رضي الله عنه، التخفيف على النبي عليه الصلاة والسلام، حين غلبه الوجع. ولو كان مراده عليه الصلاة والسلام أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم. وقال البيهقي: وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم، قيل: إن النبي، عليه الصلاة والسلام، أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر، رضي الله عنه، ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى. وقال الخطابي: لا يجوز أن يحمل قوله أنه توهم الغلط عليه أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحاله، لكنه لما رأى ما غلب عليه من الوجع وقرب الوفاة خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلا إلى الكلام في الدين. وقد كانت الصحابة، رضي الله عنهم، يراجعون النبي عليه الصلاة والسلام، في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها، كما راجعوه يوم الحديبية وفي الخلاف وفي الصلح بينه وبين قريش، فإذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد. قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه الوحي، وأجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه. قال: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد رفع درجته فوق الخلق كلهم، فلم يتنزه من العوارض البشرية، فقد سها في الصلاة، فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه، فيتوقف في مثل هذه الحال حتى يتبين حقيقته، فلهذه المعاني وشبهها توقف عمر رضي الله عنه. وقال المازري في توجيه قول عمر مع أن قول النبي /: (إئتوني) لا خلاف أن الأوامر قد تقترن بها قرائن تصرفها من الندب إلى الوجوب، وعكسه عند من قال: إنها للوجوب وإلى الإباحة، وغيرها من المعاني، فلعله ظهر من القرائن ما دل على أنه لم يوجب ذلك عليهم، بل جعله إلى اختيارهم، ولعله اعتقد أنه صدر ذلك منه، عليه الصلاة والسلام، من غير قصد جازم، فظهر ذلك لعمر، رضي الله عنه، دون غيره. (راجع: عمدة القاري للعيني: ج2 ص171).

[205] - صحيح البخاري: ج1 ص37.

[206] - مسند أحمد: ج1 ص324.

[207] - الهجر في اللغة: هو القول السيء، وفي لسان العرب لابن منظور، الهجر برفع الهاء - القبيح من الكلام. والهجر أيضا بمعنى الهذيان. والهجر، بالضم الاسم من الاهجار وهو الإفحاش. وكذلك إذا كثر الكلام فيما لا ينبغي. وهجر في مرضه، بمعنى هذى. و هذا ما أراده عمر بن الخطاب من كلمته لا ما قالوه من توجيهات لها، ولأجل دلالة الكلمة على ذلك عمدوا لذكر توجيهات لها قد تقدم ذكرها. وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر في مادة هجر، ومنه حديث مرض النبي (صلى الله عليه وسلم): قالوا ما شأنه أهجر؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به المرض ؟ وهذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل إخبارا، فيكون إما من الفحش أو الهذيان، والقائل كان عمر، ولا يظن به ذلك.

وحاول بعضهم صرف اللفظ عن معناه، وذلك بالتصرّف في معنى (يهجر) وإرجاعها إلى غير مصدرها المشتقة منه، حيث أرجعها إلى معنى المهاجرة، فيكون معنى قول عمر: (يهجر)، يهاجر (إن نبيكم ليهاجر) !! وهي في الحقيقة مشتقه من هجر يهجر هجراً لا مهاجرة، وعليه فلا يكون معناها إلاّ الهذيان. إلاّ أنها في الحقيقة لا تجدي نفعاً كما هو واضح لكل لبيب.

[208] - صحيح البخاري: ج4 ص31، المغني لابن قدامه: ج10 ص613، نيل الأوطار للشوكاني: ج 8 ص222. وفي صحيح البخاري: ج5 ص137: وسكت عن الثالثة أو قال نسيتها. وفي مسند أحمد: ج1 ص222 جاء ما لفظه: سعيد بن جبير يقول قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه وقال مرة دموعه الحصى قلنا يا أبا العباس وما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال ائتوني اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه أهجر قال سفيان يعنى هذى استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأمر بثلاث وقال سفيان مرة أوصى بثلاث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت سعيد عن الثالثة فلا أدرى اسكت عنها عمدا وقال مرة أو نسيها وقال سفيان مرة وأما أن يكون تركها أو نسيها.

[209] - صحيح مسلم: ج5 ص76.

[210] - المعجم الأوسط: ج5 ص288، مجمع الزوائد: ج9 ص34، كنز العمال: ج5 ص644.

[211] - ذرو: طرف.

[212] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج12 ص21.

[213] - تاريخ الطبري: ج3 ص288.

[214] - تاريخ الطبري: ج2 ص618.

[215] - الصراط المستقيم - للعاملي: ج3 ص7.

[216] - جاء في مجمع الزوائد: عن ابن عباس، قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعدي أبدا فأخذ من عنده من الناس في لغط فقالت امرأة ممن حضر ويحكم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم فقال بعض القوم اسكتي فإنه لا عقل لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنتم لا أحلام لكم) مجمع الزوائد للهيثمي: ج4 ص215.

[217] - التكوير: 19 – 22.

[218] - الحاقة: 40 – 43.

[219] - النجم: 2 – 5.

[220] - المستدرك للحاكم: ج1 ص106، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج6 ص229.

[221] - كنز العمال - للمتقي الهندي: ج15 ص 936.

[222] - الكهف: 5.

[223] - فتح الباري - لابن حجر: ج1 ص186.

[224] - قال ابن شهر آشوب في المناقب: (كان عمر يقول فيما يسأله عن علي فيفرج عنه: لا أبقاني الله بعدك) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص1103. وقال: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) أنساب الأشراف للبلاذري: ص100. وقال: (لولا علي لهلك عمر) مناقب ابن شهرآشوب: ج1 ص312، الاستيعاب لابن عبد البر: ج3 ص1103.

قال الصاحب:

في مثل فتواك إذ قالوا مجاهرة لولا علي هلكنا في فتاوينا

وقال خطيب خوارزم:

إذا عمر تخطى في جواب ونبهـه علـي بـالصـواب

يقول بعدلـه لـولا عـلي هلكت هلكت في ذاك الجواب

(المناقب:ج1 ص312).

[225] - الحشر: 7.

[226] - روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج1 ص189، قول عمر لعبد الله بن عباس: يا عبد الله، ما تقول في منع قومكم منكم ؟ قال: لا أعلم يا أمير المؤمنين، قال: اللهم غفرا ! إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة، فتذهبون في السماء بذخا وشمخا، لعلكم تقولون: إن أبا بكر أراد الامرة عليكم، وهضمكم! كلا، لكنه حضره أمر لم يكن عنده أحزم مما فعل، ولولا رأى أبى بكر في بعد موته لأعاد أمركم إليكم، ولو فعل ما هنأكم مع قومكم، إنهم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره.

[227] - روى أحمد في المسند: عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من المساء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) مسند أحمد: ج3 ص14، ورواه في ج5 ص181 وباختلاف يسير عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.

كما ورواه باختلاف عن ما تقدم في ج5 ص189 عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.

وراجع سنن الترمذي: ج5 ص329، المستدرك: ج3 ص110 و ص148، مجمع الزوائد: ج9 ص162.

[228] - الغيبة: ص149 – 151.

[229] - كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص84 ، الاحتجاج: ج1 ص22، بحار الأنوار: ج36 ص277، عوالم العلوم: ج153 ص210.

[230] - المصنف لابن أبي شيبة: ص572.

[231] - هي جمع مسحاة والمسحاة آلة من حديد يجرف بها الطين، مشتقة من السحو، وهو كشف وجه الأرض (نيل الأوطار للشوكاني: ج4 ص137.

[232] - تنوير الحوالك للسيوطي: ص240، المغني لابن قدامة: ج2 ص417، الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة: ج2 ص418، نيل الأوطار للشوكاني: ج4 ص137.

[233] - كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص427، وروى الطوسي في الغيبة بعضاً منه: ص193.

[234] - بحار الأنوار: ج28/ ص39، و ج31 ص620.

[235] - بحار الأنوار: ج98 ص44.

[236] - كتاب سليم بتحقيق الأنصاري: ص223.

[237] - كتاب سليم بتحقيق الأنصاري: ص224.

[238] - الفضائل لشاذان بن جبريل القمي: ص141، بحار الأنوار: ج28 ص73، مكاتيب الرسول للميانجي: ج2 ص72.

[239] - الكافي: ج1 ص459، دلائل الإمامة: ص138، أمالي المفيد: ص282.

[240] - مصباح الكفعمي: ص552، المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص112، بحار الأنوار: ج82 ص260.

[241] - أمالي الصدوق: ص197، مناقب آل أبي طالب: ج2 ص52، بحار الأنوار: ج27 ص209.

[242] - الهداية الكبرى للخصيبي: ص163.

[243] - بعض الروايات تنسب الضرب لعمر وبعضها تنسبه لقنفذ أو للمغيرة بن شعبة، ولا تنافي بين الجميع لإمكان صدور الضرب منهم جميعاً، أو لكون قنفذ مؤتمراً بأمر عمر فنسب الضرب إليه لكونه الآمر، ونسب لقنفذ لكونه المباشر للضرب، وسيأتي فيما يتعلق بذلك في المتن في تفصيل ما جرى على فاطمة (عليها السلام) في الفصل الثالث من الباب الثالث.

[244] - الهداية الكبرى للخصيبي: ص 178.

[245] - الاحتجاج: ج1 ص414، بحار الأنوار: ج31 ص645.

[246] - المسترشد - لمحمد بن جريرالطبري: ص378.

[247] - تفسير العياشي: ج2 ص307.

[248] - الكافي: ج1 ص460، بحار الأنوار: ج28 ص250.

[249] - دلائل الإمامة: ص104، مدينة المعاجز: ج1 ص369.

[250] - دلائل الإمامة: ص455.

[251] - الجواهر السنية - للحر العاملي: ص291، بحار الأنوار: ج28 ص64.

[252] - كنز الفوائد للكراجكي: ص63، بحار الأنوار: ج29 ص346.

[253] - بحار الأنوار: ج28 ص390، الكنى والألقاب: ج1 ص387.

[254] - الكنى والألقاب: ج1 ص387.

أقول: يعلق عبد الرحمن الدمشقية على شعر الحافظ إبراهيم بقوله: وهكذا يحتج الرافضة بحافظ إبراهيم، وهو ملحد يكذب القرآن، وينكر أن يحلّى فيه أهل الجنة بأساور من ذهب.

ما قاله هذا الشاعر أو غيره، فهو ناجم عن انتشار الروايات الضعيفة والمكذوبة، التي يتصفحها ويمحصها أهل الخبرة بعلم الرواية والحديث الذين هم الحجة، لا الشعراء الذين قال الله عنهم: (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون).

لو قلت لنا: قال الترمذي، قال أبو داود، قال أحمد في المسند لما قبلنا منك إلاّ بعد تمحيص السند. أفتحتج علينا بما قاله حافظ إبراهيم ؟ موقع فيصل النور: www.fnoor.com

أقول: إنّ شهرة واقعة حرق الدار هي التي جعلتها على لسان الباحثين وحتى الشعراء، فالشاعر إنما ذكرها لشهرتها والتسالم عليها.

قال الشيخ الأميني بعد نقله هذه الأبيات من القصيدة العمرية: ماذا أقول بعد ما تحتفل الأمة المصرية في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918 بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات ؟ وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الأبياري، وعلي أمين، وخليل مطران، وغيرهم ويعتنون بنشر ديوان هذا شعره، وبتقدير شاعر هذا شعوره، ويخدشون العواطف في هذه الأمة، في هذا اليوم العصيب، ويعكرون بهذه النعرات الطائفية صفو السلام والوئام في جامعة الإسلام، ويشتتون بها شمل المسلمين، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً....إلى أن قال: وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنّه جاء للأُمّة بعلم جم أو رأي صالح جديد، أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الأُمّة ونبيُّها المقدَّس، فبشرى للنبي الأعظم، بأنّ بضعته الصديقة لم تكن لها أي حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول، ولم يكن سكناها في دار طهّر اللّه أهلها يعصمهم منه، ومن حرق الدار عليهم. وبخ بخ ببيعة تمت بهذا الإرهاب وقضت بتلك الوصمات. الغدير: ج7 ص86.

[255] - فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى: ج2 ص532، نوائب الدهور: ص194، الهداية الكبرى: ص417 .

[256] - الاختصاص للمفيد: ص344.

[257] - تفسير القمي: ج1 ص128.

[258] - دلائل الإمامة: ص134، بحار الأنوار: ج43 ص170.

[259] - بحار الأنوار: ج22 ص477.

[260] - بحار الأنوار: ج22 ص485.

[261] - الطرف لابن طاووس: ص42، بحار الأنوار: ج22 ص493.

[262] - مصباح الكفعمي: ص554، مستدرك الوسائل: ج5 ص140، بحار الأنوار: ج30 ص393.

[263] - العقد النضيد والدر الفريد: ص63، بحار الأنوار: ج95 ص354.

[264] - غيبة الشيخ الطوسي: ص286.

[265] - الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام): ص425.

[266] - الهجوم على بيت فاطمة: ص220.

[267] - الشافي في الإمامة: ج4 ص112.

[268] - الشافي في الإمامة: ج4 ص119.

[269] - الشافي في الإمامة: ج4/ ص113.

[270] - الشافي في الإمامة: ج4 ص117.

[271] - الشافي في الإمامة: ج4 ص120.

[272] - تلخيص الشافي: ج3ص156.

[273] - بحار الأنوار: ج28ص389.

[274] - آل عمران: 144.

[275] - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ص245.

[276] - كشف المحجة لثمرة المهجة: ص67.

[277] - الرسائل الاعتقادية - للخواجوئي: ص77.

[278] - إثبات الهداة: ج2 ص368.

[279] - بحار الأنوار: ج31 ص59.

[280] - بحار الأنوار: ج28 ص408.

[281] - الحدائق الناضرة: ج5 ص180.

[282] - كشف الغطاء: ج1 ص18.

[283] - كشف الغطاء: ج1 ص18.

[284] - الصراط المستقيم: ج3 ص13.

[285] - الصراط المستقيم: ج3 ص13.

[286] - مأساة الزهراء: ج2 ص16.

[287] - أعيان الشيعة: ج8 ص348.

[288] - مأساة الزهراء: ج2 ص20.

[289] - مأساة الزهراء: ج2 ص21.

[290] - مأساة الزهراء: ج2 ص22.

[291] - مأساة الزهراء: ج2 ص23.

[292] - مأساة الزهراء: ج2 ص25.

[293] - مأساة الزهراء: ج2 ص25.

[294] - مأساة الزهراء: ج2 ص27.

[295] - مأساة الزهراء: ج2 ص28.

[296] - الأنوار القدسية: ص42.

[297] - فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى: ج2 ص532، نوائب الدهور: ص194، الهداية الكبرى: ص417.

[298] - الكافي: ج2 ص226.

[299] - القاموس المحيط: ج2 ص197.

[300] - تفسير أطيب البيان: ج13 ص226.

[301] - الاحتجاج: ج1 ص148.

[302] - كامل الزيارات: ص328.

[303] - بحار الأنوار: ج43 ص190.

[304] - الأنبياء: 103.

[305] - آل عمران: 30.

[306] - إلزام الناصب: ج2 ص236.

[307] - طه:114.

[308] - السقيفة: الصفة، والظلة، وهي شبه البهو الواسع الطويل السقف. وكان لبني ساعدة بن كعب بن الخزرج - وهم حي من الأنصار ومنهم سعد بن عبادة نقيبهم ورئيس خزرج - ظلة يجلسون تحتها هي دار ندوتهم لفصل القضايا اشتهرت " بسقيفة بني ساعدة ". اجتمع فيها الأنصار أوسهم وخزرجهم ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة بعد وفاة النبي /.

[309] - جذيلها، تصغير الجذل: أصل الشجرة والمحكك عود ينصب في مبارك الإبل لتتمرس به الإبل الجربى .

[310] - عذيق تصغير العذق وهي النخلة، والمرجب ما جعل له رجبة وهي دعامة تبتنى من الحجارة حول النخلة الكريمة إذا طالت وتخوفوا عليها أن تنعقر في الرياح العواصف.

[311] - صحيح البخاري: ج8 ص26، السنن الكبرى للبيهقي: ج8 ص142، فتح الباري - لابن حجر: ج12 ص33، عمدة القاري للعيني: ج24 ص7، وغيرها.

[312] - تاريخ الطبري في ذكره لحوادث سنة 11 هـ، ج2 ص456 ط. أوربا ج1 ص1838، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، وابن الأثير ج2 ص125 وتاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج1 ص5 قريب منه وأبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة ج2 من ابن أبي الحديد في خطبة (ومن كلام له في معنى الأنصار).

[313] - لما انتهت إلى أمير المؤمنين ( أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله / قال (: (ما قالت الأنصار ؟ قالوا: قالت منا أمير ومنكم أمير، قال (: فهلا احتجتم عليهم بأن رسول الله / وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم: "قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم" فقال (: لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم. ثم قال (. فما ذا قالت قريش ؟ قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول /. فقال (: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص116.

[314] - تقدّم المراد من هذه الكلمات قبل قليل.

[315] - أعدت الأمر جذعاً أي جديداً كما بدأ، وإذا طفئت حرب بين قوم فقال بعضهم إن شئتم أعدناها جذعة أي: أول ما يبتدأ فيها.

[316] - شرح نهج البلاغة: ج2 ص38 .

[317] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص123.

[318] - رواه اليعقوبي بعد ذكر ماتقدم في تاريخه: ج2 ص103، والموفقيات: ص579.

[319] - في رواية الطبري: ج3 ص208، وفي ابن الأثير: ج2 ص123(إن الأنصار قالت ذلك بعد أن بايع عمر أبا بكر).

[320] - سيرة ابن هشام: ج4 ص336 وجميع من روى حديث بيعة أبي بكر فلته الذي قاله عمر.

[321] - الطبري: ج1 ص1842، وفي رواية ابن أبي الحديد: عقك عقاق.

[322] - وفي رواية ذكرها ابن أبي الحديد: لمّا رأت الأوس أن رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع قام أسيد بن خضير وهو رئيس الأوس فبايع حسداً لسعد ومنافسة له أن يلي الأمر. شرح النهج لابن أبي الحديد: ج2 ص2، في شرحه لكلام الأمير في معنى الأنصار.

[323] - أن هذا الموقف يوضح بكل جلاء سياسة الخليفتين من الشدّة واللين.

[324] - في الطبري: ج3 ص455 (وتندر عضوك) أي: تسقط أعضاؤك.

[325] - في كتابه السقيفة: راجع شرح ابن أبي الحديد: ج1 ص133، وفي ص74 منه بلفظ آخر.

[326] - ابن عبد ربه في العقد الفريد: ج4 ص258، وأبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة برواية ابن أبي الحديد عنه في: ج1 ص132. ويروي تفصيله في ص74 منه، والزبير بن بكار في الموفقيات: ص277 – 580 و 583 و562، كما يروي عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج2 ص2 – 16 في شرحه (ومن كلام له في معنى الأنصار).

[327] - الموفقيات للزبير بن بكار: ص580.

أقول: إنما جاء عدم شكّهم بكون علي بن أبي طالب ( هو صاحب الأمر بعد الرسول / للنصوص التي تثبت ولايته عليهم وأنّه خليفة رسول الله /، ولما عرفوا من لياقات علي بن أبي طالب ( التي لا توجد في غيره بعد الرسول /، فمن الطبيعي جدّاً أن لا يشك أحد بكونه هو صاحب الحق بعد النبي /، لكن الذي يحزّ في النفس هو: كيف يقدّموا عليه غيره مع ما عرفوا عنه كما وعرفوا غيره أيضاً، حتى لو فرض عدم وجود النص عليه من قبل الرسول /، فهل لعاقل منصف أن يقدّم على علي ( الذي شهدت له ساحات القتال بالبطولة والشجاعة، وساحات العلم بالحكمة وكونه باب مدينة علم النبي /، والمساجد بالعبادة التي يعجز عن وصفها اللسان، إلى غير ذلك مما لا يحصى ذكره ؟! إنها لخسارة للإسلام لا يسدّها شيء !!

[328] - الطبري: ج2 ص458، وفي رواية ابن الأثير ج2 ص224: "وجاءت أسلم فبايعت"، وقال الزبير بن بكار في الموفقيات برواية النهج ج6 ص287: "فقوي بهم أبو بكر" ولم يعينا متى جاءت أسلم ويقوى الظن أن يكون ذلك يوم الثلاثاء. وقال المفيد في كتابه الجمل: إن القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة. الجمل: ص43.

[329] - الموفقيات: ص578، والرياض النضرة: ج1 ص164، وتاريخ الخميس: ج1 ص188. راجع معالم المدرستين: ج1 ص151 – 158.

[330] - صحيح البخاري: ج8 ص126.

[331] - تاريخ الطبري: ج2 ص449، الكامل في التاريخ: ج2 ص332.

[332] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص127.

[333] - لسائل أن يسأل هل يجد هذا المعني في سلوك أبي بكر من خلال مطالعة التاريخ ؟ ولا أظن المنصف يقول: إنّ أبا بكر كان كذلك والذي يشهد لذلك راجع سياسات الخليفة أبي بكر من هذا الكتاب وغيره من الكتب التي تبين ما فعله أبو بكر. لكن هكذا هي سياسة الملك والسلطان تصور نفسها، إلاّ أنّ ذلك لا يخفى على المنصف الذي يتطلع لآخرته.

[334] - الطبقات الكبرى: ج3 ص182.

[335] - الاحتجاج: ج1 ص136.

[336] - الملل والنحل للشهرستاني: ج1 ص24.

[337] - أين تلك المواقف الشديدة التي وقف فيها أبو بكر مع النبي /، ثم كيف شهادة عمر هنا تكون مقبولة بينما شهادة علي بن أبي طالب ( لا تقبل عندما شهد لفاطمة ع في كون فدك لها ؟! لا يعلم الإنسان كيف يستسيغ الكلام المتقدّم، لكن الدنيا التي قدمت على علي بن أبي طالب ( غيره لا يُستغرب منها فقد يحصل فيها كل شيء، فالحمد لله على بلائه وهوان الدنيا عنده.

[338] - شرح نهج البلاغة: ج18 ص416.

[339] - مسند أحمد: ج1 ص55.

أقول: ليطلع القارئ الكريم إلى التبريرات التي برروا بها قول عمر بن الخطاب، بعد عجزهم عن تكذيب رواية الفلتة، وهكذا نجدهم في كل شيء، فبعد عدم إمكان الإنكار يلتجأؤن إلى التبريرات الجوفاء، كما برروا قول عمر للنبي / واتهامه له بكونه ـ وحاشاه ـ يهجر أو غلبه الوجع، وقد تقدّمت تلك التبريرات في الهامش فراجع.

أما بخصوص تبريرهم لرواية الفلتة فإليك بعضاً مما ذكروه تاركاً التعليق للقارئ الكريم بعد أن يتأمل فيما قيل.

قال ابن حجر في فتح الباري: ج12 ص131: (قوله ألا وإنها) أي بيعة أبي بكر (قوله قد كانت كذلك) أي فلتة وصرح بذلك في رواية إسحاق بن عيسى عن مالك حكى ثعلب عن ابن الأعرابي وأخرجه سيف في الفتوح بسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر نحوه قال الفلتة الليلة التي يشك فيها هل هي من رجب أو شعبان وهل من المحرم أو صفر كان العرب لا يشهرون السلاح في الأشهر الحرم فكان من له ثأر تربص فإذا جاءت تلك الليلة انتهز الفرصة من قبل أن يتحقق انسلاخ الشهر فيتمكن ممن يريد إيقاع الشر به وهو آمن فيترتب على ذلك الشر الكثير فشبه عمر الحياة النبوية بالشهر الحرام والفلتة بما وقع من أهل الردة ووقى الله شر ذلك ببيعة أبي بكر لما وقع منه من النهوض في قتالهم وإخماد شوكتهم كذا قال، والأولى أن يقال الجامع بينهما انتهاز الفرصة لكن كان ينشأ عن أخذ الثأر الشر الكثير فوقى الله المسلمين شر ذلك فلم ينشأ عن بيعة أبي بكر شر بل أطاعه الناس كلهم من حضر البيعة ومن غاب عنها وفي قوله وقى الله شرها إيماء إلى التحذير من الوقوع في مثل ذلك حيث لا يؤمن من وقوع الشر والاختلاف (قوله ولكن الله وقى شرّها) أي وقاهم ما في العجلة غالباً من الشر لأنّ من العادة أن من لم يطلع على الحكمة في الشيء الذي يفعل بغتة لا يرضاه وقد بين عمر سبب إسراعهم ببيعة أبي بكر لما خشوا أن يبايع الأنصار سعد ابن عبادة قال أبو عبيدة عاجلوا ببيعة أبي بكر خيفة انتشار الأمر وأن يتعلق به من لا يستحقه فيقع الشر. وقال الداودي معنى قوله: (كانت فلتة) أنها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاور وأنكر هذه الكرابيسي صاحب الشافعي وقال بل المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم وفيهم من لا يعرف ما يجب عليه من بيعته فقال منا أمير ومنكم أمير فالمراد بالفلتة ما وقع من مخالفة الأنصار وما أرادوه من مبايعة سعد بن عبادة. وقال ابن حبان معنى قوله كانت فلتة أن ابتدائها كان عن غير ملا كثير والشيء إذا كان كذلك يقال له الفلتة فيتوقع فيه ما لعله يحدث من الشر بمخالفة من يخالف في ذلك عادة فكفى الله المسلمين الشر المتوقع في ذلك عادة لا أن بيعة أبي بكر كان فيها شر.

وقال الباقلاني في تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل ص495: فإن قالوا كيف يكون أبو بكر مستحقاً لهذا الأمر وعمر يقول قولاً ظاهراً على المنبر ألا إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها وأمر بقتل من عاد إلى مثلها بقوله في هذا الخبر فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. قيل: لهم ما شككنا في شيء فإنا لا نشك وإياكم في أن عمر لم يكن مجنوناً ولا مخلطاً وهذا الكلام إن حمل على ما قلتم صار في حكم الجنون من قائله لأن عمر كان يحتج على الناس في إثبات إمامته والدعاء إلى طاعته والانقياد له في الإمامة بعقد أبي بكر له الأمر وعهده إليه فيه وإذا كانت بيعة أبي بكر باطلة يجب قتل صاحبها ومن عاد إلى مثلها وجب أن يكون عهده إلى عمر باطلا كعهد أبي بكر وموجبا لقتل عمر وقتل من نظر في أمور المسلمين بعدهم من إمام فكان يجب أن تقول له الصحابة فأنت أيضا ممن يجب قتلك ولا يجب العمل على عهدك في الشورى. وإنما قال هذا الكلام لما عهد إليهم في الشورى على المنبر وكان يجب أن يقال له أيضا قد قلت فيمن هذا وصفه وددت أن أكون شعره في صدره وما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه وكان والله من خيرنا يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمثال هذه الأقاويل. وهذا الاختلال لا يتهم عمر به إلا مخلط جاهل. فإن قالوا فما معنى الخبر قيل لهم إن عمر كان يعتقد أن أبا بكر كان أفضل الأمة ومبرزا فيهم بالفضل وغير مشتكل الأمر وأنه كان يستحق أخذها بالمناظرة عليها وأن من بعدها متقاربون في الرتبة والفضل لا يستحقونها على ذلك الوجه ولذلك جعلها شورى في ستة. وقوله كانت فلته أي تمت على غير إعمال فكر ولا روية بل استوثقت فجاءة وقوله وقى الله شرها يعني شر الخلاف عليها وشق العصا عند تمامها فإنه بعيد عنده أن يتم ذلك مع ما رأى من تواثب الأنصار عليها واطلاع الفتنة رأسها وقوله فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه إنما أراد إلى مثل قول الأنصار وما حكي عن الأنصار من إرادتهم نصب إمامين في وقت واحد بقولهم منا أمير ومنكم أمير ولإخراجهم الأمر من قريش إلى غيرهم وهذان الأمران حرام فعلهما في الدين وجالبان الفتنة وإنما عظم غلط الأنصار فيهما فقال لأهل الشورى وغيرهم لما عهد إليهم فيها إن من عاد إلى مثل قول الأنصار فاقتلوه ويمكن أن يكون أراد من حاول أخذها بالمناظرة عليها وإظهار التقدم والتبريز بالفضل على وجه ما فعله أبو بكر وعرف ذلك من أمره فاقتلوه لأنه لم يبق في هذه الأمة من هذه منزلته.

[340] - صحيح البخاري: ج8 ص26.

[341] - روي هذا الحديث بأشكال مختلفة؛ فتارة رووا بأنّ النبي / قال: (اللهم أعز الدين بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب وأبى جهل بن هشام،....) مجمع الزوائد للهيثمي: ج9 ص63.

وتارة ثانية بهذا الشكل: (اللهم أعز الدين بأحب هذين الرجلين إليك: أبي جهل بن هشام، أو عمر بن الخطاب). فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. موارد الظمآن للهيثمي: ج7 ص88.

وثالثة: عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة. صحيح ابن حبان: ج15 ص306.

ولا ينبغي التردد في كذب هذا الحديث؛ ولذا لما عُرض هذا الحديث على حذيفة ابن اليمان قال: إنّ الله تعالى أعزّ الدين بمحمد / ولم يعزّه بغيره.

ولا أعلم كيف أعزّ الله هذا الدين بعمر بن الخطاب، وهل دين الله بحاجة عمر وأمثاله أم العكس صحيح، فإنّ الإسلام هو من أعزّ المسلم ؟!

فعمر كان في الجاهلية خامل الذكر ولا يلتفت إليه، فلم تعرف عنه نباهه ولا نجدة، وقد ذكروا في رواياتهم أنه كان في الجاهلية نخاساً للحمير وكان في غاية الدناءة، وكان يسمى في الجاهلية (عميراً) تصغيراً وسخرية به، وأنّ أباه كان حطاباً وقطعت يده بسبب سرقة سرقها في سوق عكاظ، فمن كان هذا جزء يسير من بيان حاله فكيف الله أعز به الإسلام ؟!

يقول عمرو بن العاص ـ وهو ممن لا يتهم بنقله في حق عمر ـ،: قبح الله زمانا عمل فيه عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: والله إني لأعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب وعلى ابنه مثلها وما ثمنها إلا في تمرة لا تبلغ رضيعة (راجع الغدير: ج6 ص273).

وخرج عمر بن الخطاب ويده على المعلى بن جارود، فلقيته امرأة من قريش فقالت: يا عمر ! فوقف لها فقالت: كنا نعرفك مرة عميراً ثم صرت من بعد عمير عمر، ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين، فاتق الله يا بن الخطاب وانظر في أمورك وأمور الناس، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت. (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ص467).

وقال الماحوزي: وذكر الفاضل الجليل الحسن بن علي الطبرسي في تحفة الأبرار: أنّ اقتران عمر بأبي جهل في هذا الخبر يشهد بضد ما ادعاه الخصم، وينادي باشتراكهما في الضلال، وهو كما قال: ولو دل هذا الخبر على فضيلة عمر لدل على فضيلة أبي جهل، لانتظامهما في سلك. والذي يظهر لي أن الخبر المذكور على تقدير صحته ودونها خرط القتاد، لا يدل على جلالة عمر ولا فضيلته، بل الوجه في دعائه / أن هذين الملعونين لما اشتركا في البذاءة وخبث اللسان، وإهانة أهل الاسلام والسفاهة عليهم، وتساويا في قبح الأخلاق وايذاء الرسول الله / وأصحابه والاستهزاء بهم، كما يعلم من مطالعة السير، أحب رسول الله / أن يدخل واحد منهما في ظاهر الاسلام، ليكون في مقابلة الآخر، فقد دل من لا سبقة له، ويسلم المسلمون من تعاونهما واستظهارهما بالوقاحة والسفاهة، ويسلم من شره وفتنته، مع أنهم قد رووا أنّ الله سبحانه أعز الإسلام بعلي( دون غيره من الصحابة،..... ثم قال: وعن الكسائي في قصص الأنبياء: مكتوب على ساق العرش: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله أيدته، ونصرته بعلي.

وفي كتاب المناقب لأبي بكر بن مردويه، ومجتبى الصالحاني، ومنتهى المآرب للقطان الأصفهاني، والتفسير المستخرج من التفاسير الاثني عشر للشيخ الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي: إن هذه الآية (فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره والمؤمنين) نزلت في علي (، وأنه هو المراد بالمؤمنين. (كتاب الأربعين: ص334).

ويقول الشيخ النمازي: وروى من طريقهم عن النبي /: اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب، فأسلم. ولا يدل على مدحه لما نقل من صحيح البخاري كتاب الجهاد قول النبي /: (إنّ الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر). مستدرك سفينة البحار: ج7 ص426.

[342] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص123.

[343] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص124.

[344] - السقيفة وفدك: ص45.

[345] - وقد ضعّف هذا الحديث النووي في شرحه لصحيح مسلم، فقال: (وأما حديث لا تجتمع أمتي على ضلالة فضعيف والله أعلم). شرح مسلم: ج13 ص67، وراجع عمدة القاري للعيني: ج2 ص52.

[346] - صحيح البخاري: ج5 ص82، صحيح مسلم: ج5 ص153، تاريخ الطبري: ج3 ص208.

[347] - وهو الشيخ طاهر بن مطهر المقدسي من أعلام المتقدمين في (البدء والتاريخ) ج5 ص20 ط الخانجي بمصر: لم يبايع أبا بكر ما لم يدفن فاطمة. هامش شرح إحقاق الحق: ج10 ص484.

[348] - مروج الذهب: ج1 ص414، الإمامة والسياسة: ج1 ص12، باختلاف يسير.

[349] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص124.

[350] - البقرة: 195.

[351] - الحشر: 16 – 17.

[352] - اللكع: اللئيم والعبد الأحمق.

[353] - المائدة: 24.

[354] - الخصال - للشيخ الصدوق: ص461، الاحتجاج: ج1 ص97، باختلاف في التفاصيل بين المصدرين.

[355] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص124.

[356] - شرح نهج البلاغة: ج6 ص18.

[357] - شرح نهج البلاغة: ج6 ص23.

[358] - مناقب آل أبي طالب:ج2 ص374.

[359] - الاحتجاج: ج1 ص107.

[360] - الإمامة والسياسة: ج1 ص19.

[361] - الكافي: ج8 ص33.

[362] - الأنبياء: 105.

[363] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج17 ص222.

[364] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص124.

[365] - كنز العمال: ج5 ص640.

[366] - دلائل الإمامة: ص124.

[367] - السقيفة وفدك: ص51، شرح ابن أبي الحديد: ج2 ص53.

[368] - السقيفة وفدك: ص39.

[369] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص394.

[370] - تاريخ البلاذري: ج1 ص587.

[371] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص30. وإليك شرحه لما قاله أمير المؤمنين (، قال: الضمير يرجع إلى الخلافة. وفلان كناية عن الخليفة الأول أبي بكر رضي الله عنه تمثيل لسمو قدره كرم الله وجهه وقربه من مهبط الوحي وأن ما يصل إلى غيره من فيض الفضل فإنما يتدفق من حوضه ثم ينحدر عن مقامه العالي فيصيب منه من شاء الله وعلى ذلك قوله ولا يرقى الخ غير أن الثانية أبلغ من الأولى في الدلالة على الرفعة فسدلت الخ كناية عن غض نظره عنها. وسدل الثوب أرخاه. وطوى عنها كشحا مال عنها. وهو مثل لأن من جاع فقد طوى كشحه ومن شبع فقد ملأه فهو قد جاع عن الخلافة أي ما لم يلتقمها. وطفقت الخ بيان لعلة الاغضاء. والجذاء بالجيم والذال المعجمة والدال المهملة، وبالحاء المهملة مع الذال المعجمة بمعنى المقطوعة ويقولون رحم جذاء أي لم توصل وسن جذاء أي متهتمة، والمراد هنا ليس ما يؤيدها كأنه قال تفكرت في الأمر فوجدت الصبر أولى فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا. طخية بطاء فخاء بعدها ياء ويثلث أولها أي ظلمة. ونسبة العمى إليها مجاز عقلي. وإنما يعمى القائمون فيها إذ لا يهتدون إلى الحق وهو تأكيد لظلام الحال واسودادها. يكدح يسعى سعى المجهود. أحجى ألزم من حجي به كرضي أولع به ولزمه ومنه هو حجى بكذا أي جدير وما أحجاه، وأحج به أي أخلق به. وأصله من الحجا بمعنى العقل فهو أحجى أي أقرب إلى العقل . وهاتا بمعنى هذه أي رأى الصبر على هذه الحالة التي وصفها أولى بالعقل من الصولة بلا نصير. الشجا ما اعترض في الحق من عظم ونحوه. والتراث الميراث.

[372] - الإمامة والسياسة بتحقيق الزيني: ج1 ص 19.

[373] - سيأتي التعليق على هذه العبارة في الإضاءة الرابعة بعد عرض روايات الواقعة فانتظر.

[374] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص126.

[375] - تاريخ البلاذري: ج1 ص587.

[376] - تاريخ البلاذري: ج1 ص586.

[377] - تاريخ الطبري: ج2 ص443.

[378] - العقد الفريد: ج4 ص259.

[379] - الاستيعاب: ج3 ص975.

[380] - كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص147.

[381] - الاختصاص للشيخ المفيد: ص185.

[382] - ينابيع المودة لذوي القربى: ج2 ص 249.

[383] - المناقب لابن المغازلي: ص19 .

[384] - الفتوحات الاسلامية لأحمد زيني دحلان: ج2 ص 306. نقلاً عن كتاب الغدير للشيخ الأميني: ج1 ص282.

[385] - نقلاً عن كتاب الغدير: ج1 ص282.

[386] - راجع كتاب خلاصة عبقات الأنوار: ج9 ص151.

[387] - قال تعالى: ﴿وفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ بس:31.

[388] - فتح الباري: ج13 ص229.

[389] - المجموع لمحيي الدين النووي: ج20 ص244.

[390] - فرائد السمطين: ج1 ص159.

[391] - المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، مجمع الزوائد: ج9 ص203.

[392] - عمدة القاري: ج16 ص249.

[393] - مسند أحمد: ج4 ص328، صحيح البخاري: ج6 ص158، ذخائر العقبى: ص37.

[394] - مسند أحمد: ج4 ص5، سنن الترمذي: ج5 ص360.

[395] - مجمع الزوائد: ج9 ص169.

[396] - سنن الترمذي: ج5 ص360.

[397] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص147.

[398] - روى المجلسي: (فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذا فأمرهما أن يحملا حطباً و نارا، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي وفاطمة (عليها السلام) قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله/، فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى يا ابن أبي طالب افتح الباب،...) بحار الأنوار: ج28 ص299.

[399] - قال السيد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي: (فلما نظر ( إلى قلة العدد وخذلة الناصر جلس في منزله، فجمع عمر بن الخطاب جماعة وأتى بهم إلى منزل علي (، فوجدوا الباب مغلقا، فلم يجبهم أحد، فاستدعى عمر بحطب وقال: والله لئن لم تفتحوا لنحرقنه بالنار. فلما سمعت فاطمة (عليها السلام) ذلك خرجت وفتحت الباب، فدفعه عمر فاختفت هي من وراء الباب، فعصرها بالباب فكان ذلك سبب إسقاطها، ونقل أنه سبب موتها. ودخلوا فوثبوا على أمير المؤمنين ( فأخرجوه عنفا، فحالت فاطمة (عليها السلام) بينهم وبينه وقالت: والله لا أدعكم تخرجون بابن عمي ظلما، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا، فأمر عمر بن الخطاب قنفذا فضربها بسوط حتى أثر في جسمها) التتمة في تواريخ الأئمة: ص35.

[400] - روى الجوهري: وحدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا أحمد بن معاوية، قال: حدثني النضر بن شميل، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن مسلمة بن عبد الرحمن، قال: (لما جلس أبو بكر على المنبر. كان علي، والزبير، وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم) السقيفة وفدك: ص52، شرح نهج البلاغة: ج2 ص56.

[401] - روى الصفار في حديث الإمام الصادق ( للمفضل، قول عمر: (اخرج يا علي إلى ما اجمع عليه المسلمون من البيعة ؟ فمالك إن تخرج عما اجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك) مختصر بصائر الدرجات: ص192، بحار الأنوار: ج53 ص18.

[402] - بحار الأنوار: ج28 ص299.

[403] - الاحتجاج: ج1 ص113.

[404] - الكافي: ج8 ص237، بحار الأنوار: ج28 ص252.

[405] - الكافي: ج8 ص238، بحار الأنوار: ج28 ص252.

[406] - الاختصاص للمفيد: ص186.

[407] - بيت الأحزان: ص118.

[408] - بحار الأنوار: ج36 ص352.

[409] - وهذا المعنى ذكره معاوية في كتابه لعلي ( بعد مقتل عثمان، فقال مبيناً حال أمير المؤمنين (: تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع وأنت كاره !! (بحار الأنوار: ج33 ص108).

فأجابه أمير المؤمنين ( بقوله: (وقلت: أني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا بيقينه، وهذه حجتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص33، الاحتجاج: ج1 ص262، بحار الأنوار: ج28 ص368.

[410] - السقيفة وفدك: ص71، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص45.

[411] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص387، بحار الأنوار: ج28 ص299.

[412] - كتاب الأربعين لمحمد طاهر القمي: ص162، بحار الأنوار: ج28 ص393.

[413] - بحار الأنوار: ج28 ص261، نفس الرحمن في فضائل سلمان: ص582.

[414] - بحار الأنوار: ج28 ص261، نفس الرحمن في فضائل سلمان: ص582.

[415] - بحار الأنوار: ج22 ص352.

[416] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص152.

[417] - راجع تفصيل الواقعة برواية ابن قتيبة المتقدمة.

[418] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص153.

[419] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص154.

[420] - السقيفة وفدك: ص71، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص45.

[421] - دلائل الصدق: ج3 ق1 ص53.

[422] - وهنا يجب الالتفات إلى كلام النبي /حينما طلب الدواة والكتف، فهو وصف ما أراد كتابته بكونه عاصم من الضلال، فكيف يقال بأنّه أراد أن يكتب شيء يمكنهم أن يستغنون عنه كما يستفاد من عبارة البيهقي ! نعم هو كتاب لا يمكن للأمة أن تستغني عنه، ولكونه كذلك نجد النبي / لم يتركه لمجرّد اختلافهم كلام السفهاء منهم، بل كتبه وأودعه عند خليفته علي بن أبي طالب (، وقد تقدّم نص الوصية التي أوصى بها النبي ليلة وفاته فراجع.

[423] - عمدة القاري - العيني: ج2 ص171.

أقول: لم يذكر من هم أهل العلم الذين قالوا أن النبي / أراد أن يوصي لأبي بكر فلو عرّفنا عليهم لفعل جميلاً، ولنظرنا فيهم فهل أنهم من أهل العلم حقاً أم من وعاظ السلاطين ؟!

ثم إنّ النبي / وصف ما أراد كتابته بكونه عصم للأمة من الضلال فهل أنّ استخلاف أبي بكر عاصم للأمة من الضلال ؟

وكذلك ما معنى أنّ النبي / ترك ذلك اعتماداً على تقدير الله سبحانه ؟ فلماذا موسى ( عندما ذهب لميقات ربّه نصب هاروناً ( وأوصى به، فلماذا لم يترك الوصية به اعتماداً على تقدير الله تعالى القاضي بكون بني اسرائيل سيتركون وصي موسى ( ويتبعون السامري ؟!

ومع الأسف نجد أنّ هذه الكلمات تصدر ممن يدعون العلم مما جعل الناس تسقط في خلل عقائدي كبير، وهو: أنّ خلافة أبي بكر لو كانت غير مرادة لله لما وقعت، وإلا يلزم غلبة أرادة المخلوق ـ أبا بكر ـ على الخالق سبحانه وتعالى علواً كبيراً.

وبالتالي فهي إنما حصلت بإرادة الله سبحانه.

وهذه المغالطة قد انطلت على الكثير؛ لكونهم لم يفرّقوا بين الإرادة وبين الرضا، فالله سبحانه لا يرضى سرقة أموال الناس، لكنه لا يعني عدم وقوعها في الخارج؛ إذ لو لم يردها لم تقع في الأرض البتة، فكل شيء واقع بمشيئته سبحانه بعد أن بيّن طريقي الخير والشر للإنسان، فخلافة أبي بكر وقعت بمشيئة الله سبحانه لكن السؤال هل هي مرضية له أم لا ؟؟

ولا يصح القول بأنها لو لم تكن مرضية لما وقعت، فهذا مبني على التلازم بين الإرادة والرضا والحال لا تلازم بينهما، وإلاّ لكان تسلط فرعون ونمرود وغيرهما مرضياً له سبحانه، وهو واضح الفساد فانتبه ولا تغفل.

[424] - المصنف لابن أبي شيبة: ج8 ص572.

[425] - تاريخ الطبري: ج2 ص443.

[426] - العقد الفريد: ط بيروت ج5 ص13.

أقول: هل يمكن قبول هذا مع كل ما تقدّم من الروايات التي نقلوها والتي تبين أنّ علي بن أبي طالب ( بايع مكرهاً خوفاً على شريعة الإسلام ؟! ولمعرفة المزيد راجع روايات الواقعة التي تقدّمت، فستجد كيف أنهم أكرهوه على البيعة وإلاّ قتلوه، وكيف قال علي بن أبي طالب ( لرسول الخليفة قنفذ حينما قال: خليفة رسول الله يدعوك؟! فقال (: سرعان ما كذبتم على رسول الله، وغير ذلك من النصوص القاضية ببطلان ما نقله صاحب العقد الفريد. كما ولا يفوتك أن تراجع الواقعة برواية صاحب كتاب العقد الفريد نفسه ـ وقد تقدّمت ـ التي يثبت فيها رفض علي للبيعة مما جعلهم يهددونه بحرق الدار، كما في نفس النص أعلاه. ثم كيف ينسجم ما قاله في نفس هذه العبارة ؟ فمن جهة يصرّح بأنّ علي ( تخلف عن البيعة، فلو كانت بيعة مرضية تصب في صالح الإسلام كيف يتخلف عنها علي ( وهو السبّاق في كل أمر يرجع للدين وأهله بالخير، ومن ثانية يثبت أن علي ( لم يكن كارهاً لبيعة أبي بكر !!

وها هو البلاذري وغيره يصرّح بكون علي ( لم يبايع فلاحظ عبارته في المتن بعد عبارة العقد الفريد.

[427] - أنساب الأشراف: ج1 ص586.

[428] - تاريخ أبي الفداء: ج1 ص197.

[429] - شرح ابن أبي الحديد: ج20 ص147، نقلاً عن المسعودي في مروج الذهب: ج3 ص86.

[430] - راجع: الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج1 ص386، بيت الأحزان: ص85، مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي: ج8 ص405. حيث جاء في هذه المصادر هذه العبارة: قال المسعودي في مروج الذهب في أخبار عبد الله بن الزبير، وحصره بني هاشم في الشعب، وجمعه لهم الحطب ما هذا لفظه: وحدث النوفلي في كتابه في الأخبار عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حماد بن سلمة، قال: كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وجمعه الحطب لتحريقهم، ويقول: إنما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته كما أرهب بنو هاشم، وجمع لهم الحطب لإحراقهم إذ هم أبوا البيعة فيما سلف،...).

[431] - روضة المناظر: ج7 ص164، مطبوع بهامش الكامل في التاريخ.

[432] - تاريخ الطبري: ج2 ص443.

[433] - أنساب الأشراف: ج1 ص586.

[434] - الإمامة والسياسة: ج1 ص19، من حياة الخليفة عمر بن الخطاب: ص181.

[435] - الملل والنحل للشهرستاني: ج1 ص75.

[436] - العقد الفريد: ط بيروت ج5 ص13.

[437] - السقيفة وفدك: ص53.

[438] - إقبال الأعمال: ج3 ص165.

[439] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص153، بحار الأنوار: ج43 ص198.

[440] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص427.

[441] - أمالي الصدوق: ص176، المحتضر: ص197، بحار الأنوار: ج31 ص62.

[442] - كامل الزيارات: ص 548.

[443] - مناقب آل أبي طالب: ج2 ص51، أمالي الصدوق: ص197، بحار الأنوار: ج27 ص209.

[444] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص427.

[445] - بحار الأنوار: ج30 ص348، بيت الأحزان: ص121.

[446] - الدملوج: حلي يلبس في المعصم.

[447] - الاحتجاج: ج1 ص109، بحار الأنوار: ج28 ص283.

[448] - دلائل الإمامة: ص134، بحار الأنوار: ج43 ص170، مستدرك سفينة البحار: ج8 ص620. ونعل السيف: ما يكون في أسفل غمد السيف من حديد أو فضة ونحوهما. الصحاح: مادة نعل ج5 ص1832.

[449] - سيرة الأئمة الإثني عشر: ج1 ص145.

[450] - إلزام الناصب: ج2 ص233.

[451] - الاحتجاج: ج1 ص414.

[452] - العقد النضيد والدر الفريد: ص63.

[453] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج14 ص192.

[454] - العثمانية للجاحظ: ص34.

أقول: ليتعجب القارئ؛ فهو يضرب الجارية لكي تترك الإسلام وإذا به بعد وفاة النبي / يكون أولى بالإسلام، أولى من السابقين إليه ويدبر شؤؤن الخلافة، بل سيزداد الإنسان عجباً لا ينقضي عندما يراجع نسبه وسيرته في الجاهلية !!

[455] - مسند أحمد: ج1 ص 335.

[456] - شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد: ج1 ص181.

[457] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص223.

[458] - نقلاً عن كتاب مأساة الزهراء: ج2 ص111.

[459] - نقلاً عن كتاب مأساة الزهراء: ج2 ص111.

[460] - جمع سفساف، وهو الردئ.

[461] - مناقب آل أبي طالب: ج1 ص5.

[462] - مسند أحمد: ج1 ص98، المستدرك: ج3 ص 168، السنن الكبرى: ج6 ص166، مجمع الزوائد: ج8 ص52، المعجم الكبير: ج3 ص96.

[463] - نقلاً عن نفحات الأزهار للسيد علي الميلاني: ج18 ص374.

[464] - ذخائر العقبى: ص120، ينابيع المودة: ج2 ص200.

[465] - مسند أحمد: ج3 ص32، صحيح مسلم: ج7 ص120.

[466] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج11 ص111.

[467] - سنن الترمذي: ج4 ص135.

[468] - الكامل في التاريخ: ج3 ص397.

[469] - أسد الغابة: ج4 ص308.

[470] - المواهب اللدنية: ج2 ص117.

[471] - جمهرة أنساب العرب: ص16.

[472] - ذخائر العقبى: ص55.

[473] - اتحاف السائل: ص33.

[474] - البداية والنهاية: ج3 ص 418، السيرة النبوية لابن كثير: ج2 ص544.

[475] - التبيين في أنساب القرشيين: ص133.

[476] - المعارف: ص143.

[477] - المعارف: ص211.

[478] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص213.

[479] - نور الأبصار: ص147.

[480] - مظالب السؤول في مناقب آل الرسول: ص313.

[481] - تهذيب الكمال: ج20 ص479.

[482] - مشارق الأنوار: ص133.

[483] - إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار: ص93.

[484] - نزهة المجالس: ج2 ص194.

[485] - نزهة المجالس: ج2 ص184.

[486] - البدء والتاريخ: ج5 ص20.

[487] - البدء والتاريخ: ج5 ص20.

[488] - البدء والتاريخ: ج5/ص73.

[489] - المعارف: ص211.

[490] - شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد: ج14 ص193.

[491] - بحار الأنوار:ج19 ص351.

[492] - إثبات الوصية: ص124.

[493] - بحار الأنوار: ج30 ص348، بيت الأحزان: ص121.

[494] - الاحتجاج: ج1 ص414، بحار الأنوار: ج31 ص645.

[495] - الاختصاص: ص344.

[496] - نوائب الدهور: ج3 ص194، الهداية الكبرى: ص417.

[497] - دلائل الامامة: ص134، بحار الأنوار: ج43 ص170.

[498] - دلائل الإمامة: ص104، مدينة المعاجز: ج1 ص369.

[499] - الأنوار القدسية: ص42.

[500] - سير أعلام النبلاء: ج15 ص578، ميزان الاعتدال: ج1 ص139.

[501] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص133.

[502] - كفاية الطالب: ص413، عنه الصحيح من سيرة النبي الأعظم: ج5 ص240.

[503] - المعارف: ص93.

[504] - البدء والتاريخ: ج5 ص20.

[505] - ميزان الاعتدال: ج1 ص139، لسان الميزان: ج1 ص268.

[506] - الملل والنحل للشهرستاني: ج1 ص57.

[507] - الفرق بين الفرق: ص147.

[508] - أجمع أبو بكر ... أي أحكم النية والعزيمة عليه.

[509] - أي عصبته وجمعته يقال: لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثا، أي شدها وربطها.

[510] - الجلباب، بالكسر: يطلق على الملحفة والرداء والإزارة، والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة والثوب كالمقنعة تغطي بها المرأة رأسها وصدرها وظهرها. والأول هنا أظهر.

[511] - اللمة، بضم اللام وتخفيف الميم: الجماعة. قال في النهاية: في حديث فاطمة (عليها السلام) أنها خرجت في لمة من نسائها، تتوطأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته، أي في جماعة من نسائها. قيل: هي ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: اللمة: المثل في السن والترب.

[512] - الحفدة، بالتحريك: الأعوان والخدم.

[513] - أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها وتضع عليها قدمها عند المشي. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدد الثياب.

[514] - في بعض النسخ: من مشي رسول الله /. والخرم: الترك والنقص والعدول. والمشية بالكسر: الاسم من مشى يمشي مشيا، أي لم تنقص مشيتها من مشيته / شيئا كأنه هو بعينه. قال في النهاية: " فيه: ما خرمت من صلاة رسول الله شيئا، أي ما تركت. ومنه الحديث: لم أخرم منه حرفا، أي لم أدع ".

[515] - الحشد، بالفتح وقد يحرك: الجماعة. وفي الكشف: " إن فاطمة )عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكا لاثت خمارها، وأقبلت في لميمة من حفدتها ونساء قومها، تجر أدراعها، وتطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول الله /حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطة بيضاء - وقيل : قبطية - فأنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت: أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد، الحمد لله على ما أنعم".

[516] - الملاءة، بالضم والمد: الريطة والأزار. ونيطت بمعنى علقت، أي ضربوا بينها (عليها السلام) وبين القوم سترا وحجابا. والريطة، بالفتح: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين، أو هي كل ثوب لين رقيق. والقبطية، بالكسر: ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر، وقد يضم لأنهم يغيرون في النسبة.

[517] - الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه وقد يتهيأ للبكاء، يقال: جهش إليه - كمنع - وأجهش.

[518] - الارتجاج: الاضطراب.

[519] - أي صبرت زماناً قليلاً.

[520] - النشيج: صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاءه في صدره.

[521] - هدأت - كمنعت - أي سكنت. وفورة الشئ: شدته، وفار القدر أي جاشت.

[522] - السبوغ: الكمال. والآلاء: النعماء، جمع إلى، بالفتح والقصر وقد يكسر الهمزة. وأسدى وأولى وأعطى بمعنى واحد.

[523] - أي تابعها بإعطاء نعمة بعد أخرى.

[524] - جمّ: كثر.

[525] - الاحتذاء: الاقتداء.

[526] - الذّيادة: الصّرف والحياشة : الجمع والسّوق.

[527] - البهم ـ بالضم ـ جمع بهمة المبهمات والمعضلات من الأمور.

[528] - الغمم ـ بالضم ـ جمع غمة: المشكل الملتبس.

[529] - منسأة للعمر: أي: مؤخرة له.

[530] - الشطط ـ بفتحتين ـ: مجاوزة القدر.

[531] - الصدع: هو الاضهار، والنذارة ـ بالكسر ـ: هو الإعلام على وجه التخويف.

[532] - المدرجة: هي المذهب والمسلك.

[533] - الثبج ـ بفتحتين ـ: وسط الشيء ومعظمه.

[534] - الكظم ـ بالتحريك ـ: الاجتراع ومخرج النفس من الحلق.

[535] - النكت ـ الضرب الشديد بأداة بحيث يؤثر في المضروب.

[536]  أي انشق حين ظهر الصباح.

[537] - جمع شقشقة ـ بالكسر ـ ، وهي شيء كالرية يخرجها البعير من فمه إذا اهتاج.

[538] - طاح: هلك. والوشيظ: السفلة وأراذل الناس.

[539] - المقصود من البيض الخماص: هم أهل البيت (عليهم السلام).

[540] - شفى ـ بالقصر ـ من كل شيء كرقه وطرقه.

[541] - المذقة: هو اللبن الممزوج بالماء كناية عن سهولة شربه.

[542] - النهزة ـ بالضم ـ: الفرصة.

[543] - القبسة ـ بالضم ـ شعلة من نار تقتبس من معظمها.

[544] - الطرق ـ بالسكون ـ: المستنقع أو المخاضة التي تبول فيها الابل.

[545] - القد ـ بالفتح والتشديد ـ: جلد السخلة. وبالكسر سير من جلدٍ عليها مدبوغ.

[546] - البهم ـ بالضم فالفتح ـ: جمع بهمة، وهم الشجعان.

[547] - نجم: طلع. وقرن الشيء ـ بالفتح ـ: أوله المقصود اتباع الشيطان.

[548] - فغر فاه: أي فتحه. والفاغرة من المشركين أي الطائفة منهم.

[549] - اللهوات ـ بالتحريك ـ: جمع لهات وهي لحمة في أقصى شفة الفم.

[550] - الصماخ: خرق الأذن الباطن من حيث الرأس، وأخمص القدم: مالا يصيب الأرض من باطنها.

[551] - التربص: الانتظار، والدوائر جمع دائرة، وهي صروف الزمان.

[552] - وتتوكّفون، أي: تتوقعون المصائب النازلة بنا.

[553] - النكص: الإحجام والتأخر.

[554] - في بضع النسخ (حسكة)، وهي النبتة الشائكة، يكنى بذلك عن الحقد.

[555]  الكاظم: الساكت.

[556] - نبغ: ظهر، والخامل: المهمل الذّكر والسّاقط.

[557] - الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل الّذي لا يركب ولا يحمل عليه.

[558] - خطر البعير بذنبه: إذا رفعه مرّة بعد أُخرى، يضرب به فخذيه.

[559] - مغرزه: أي المحل الّذي يختفي فيه، تشبهاً له بالقنفذ.

[560] - الغرّة - بالكسر والتشديد -: الغفلة.

[561] - أحمشكم: أي أغضبكم.

[562] - الوسم: الكيُّ.

[563] - الكلم: الجرح، والرحيب: الواسع.

[564] - النفرة: القوم الذين ينفرون في القتال، أو الجماعة يتقدّمون في الأمر.

[565] - الحسو: هو الشرب شيئا فشيئا. والارتغاء: شرب الرغوة، وهو اللبن المشوب بالماء.

[566] - الحز: القطع، والمدى - بالضم - جمع مدية، وهي السكين، والوخر: القطع.

[567] - الحظوة: المكانة.

[568]  مخطومة من الخطام بالكسر -: المقود وهو ما يدخل في أنف البعير ليقاد به ، ومرحولة - من الرحل - وهو للناقة كالسرج للفرس. كناية عن فدك المغصوبة.

[569] - الغميزة - بالفتح -: ضعفة في العمل.

[570] - السِّنَةُ - بالكسر -: النّوم الخفيف.

[571] - وهيه: أي خرقه.

[572] - استنهر: اتسع.

[573] - الرتق: الإصلاح.

[574] - أي قلّ خيرها.

[575] - أُديلت: غلبت.

[576] - البائقة: الداهية.

[577] - الجنة - بالضم -: ما استترت به من السلاح.

[578] - النعرة - بوزن الشعرة -: صوت في الخيشوم.

[579] - جار عن الشيء: مال عنه.

[580] - نكص: أحجم وتأخر.

[581] - الدعة - بالكسر -: الراحة والسكون.

[582] - مجَّ الشراب: رماه من فيه.

[583] - الدَسع: الفيء، وتسوغ الشراب: شربه بسهولة.

[584] - احتقبوها، أي احملوها على ظهوركم، ودبرة الظهر - بالفتح فالكسر- : الجراحة التي تظهر على ظهر البعير من الرحل.

[585] - نقب خف البعير: رق وتثقب.

[586]  الشنار: العيب والعار.

[587] - الموصدة: المطبقة.

[588] - الألف: هو الأليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لأنه إلف الزوجة.

[589] - صادفاً: معرضاً.

[590] - القفو: الإتباع ، والسُور: هو كل مرتفع عال ، ومنه سور المدينة.

[591] - الاعتلال: إبداء العلة والاعتذار.

[592] - الغوائل: المهالك.

[593] - مريم: 6.

[594] - النمل:16.

[595]  يوسف: 18.

[596] - المكابرة: المغالبة، والاستبداد والاستئثار: الانفراد بالشيء.

[597] - القيل: بمعنى القول.

[598] - الاغضاء: أدناء الجفون، وأغضى عن الشيء، أي سكت ورضى به.

[599] - محمد: 24.

[600] - نجن: نستر.

[601] - الغمرة: الشدة.

[602] - دلائل الإمامة: ص 122.

[603] - اشتمل بالثوب: أداره على جسده كله، والشَملة: كساء يشتمل به، والشِملة: هي هيئة الأشتمال. والجنين: هو الولد ما دام في بطن أمه.

[604] - الظنين: المتهم .

[605] - قوادم الطير: مقاديم ريشه، وهي عشره في كل جناح، واحدتها: قادمة. والأجدل: الصقر.

[606] - الاعزل: الذي لا سلاح عنده.

[607] - الابتزاز: الاستلاب وأخذ الشيء بالقوة والغلبة. والبلغة: ما يتبلغ به من العيش.

[608] - ألفيته: وجدته. والالد: شديد الخصومة.

[609] - قَيلة: اسم قديم لقبيلتي الأنصار. ووصلها: عونها.

[610] - كظم الغيظ: تجرعه والصبر عليه. ورغم: يقال رغم فلان: إذا عجز عن الإنتصاف ممن ظلمه.

[611] - ضَرَعَ الرجل: خضع وذل.

[612] - إضاعه الشيْ، وتضييعه: إهماله وأهلاكه. وحد الرجل: بأسه وبطشه.

[613] - الكف: المنع . والاغناء: الصرف والكف.

[614] - العذير: العاذر كالسميع، أو العذر كالأليم. وقولها (عليها السلام) منك: أي من أجل الإساءة إليك و إيذاءك.

[615] - قال الجوهري: ويل كلمة مثل ويح إلاّ أنها كلمة عذاب. والشارق والغارب: الشمس؛ أي ويلاي عند كل شروق وغروب.

[616] - العدوى: طلب الانتقام ممن ظلم.

[617] - الشنائة: البغض.

[618] - يقال: نهنهت الرجل عن الشيء فتنهنه: أي كففته وزجرته فكف. والوجد: الغضب. والصفوة: خلاصة الشيء.

[619] - الونى: الضعف والفتور ، والمعنى: ما عجزت عن القيام بالشيء الذي أمرني به ربي، وما تركت شيئاً دخل قدرتي.

[620] - البُلغة: ما يتبلغ به من العيش.

[621] - الاحتجاج: ج1 ص141 – 146.

[622] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص252.

[623] - يعني به نفسه.

[624] - هو زيد بن علي بن الحسين بن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) المعاصر لأبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام.

[625] - أبو العيناء هو أبو عبد الله محمد بن قاسم بن خلاد الضرير مولى أبي جعفر المنصور، أصله من اليمامة وولد بالأهواز سنة إحدى وتسعين ومائة، ونشأ بالبصرة، وكان من أحفظ الناس وأفصحهم وأسرعهم جواباً، كف بصره حين بلغ أربعين سنة، ومات سنة ثلاث وثمانين ومائتين. كان صاحب النوادر والشعر والأدب، وسمع من أبي عبيدة والأصمعي. وقد ذكر قوم أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام (أعني الخطبة) وقد رواه قوم وصححوه (بلاغات النساء، ص18).

[626] - كذا، والصحيح: لأنّ الكلام منسوق البلاغة ، كما في شرح ابن أبي الحديد.

[627] - بلاغات النساء: ص12.

[628] - بلاغات النساء: ص14.

[629] - لسان العرب: ج12 ص548.

[630] - النهاية في غريب الحديث: ج4 ص273.

[631] - كتاب العين: ج8 ص323.

[632] - الفائق في غريب الحديث: ج3 ص212.

[633] - مروج الذهب: ج2 ص304.

[634] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص127.

[635] - مقتل الحسين: ج1 ص77.

[636] - المناقب: ج1 ص381، الطبعة القديمة.

[637] - كشف الغمة: ج2 ص108.

[638] - بحار الأنوار: ج29 ص215.

[639] - النص والاجتهاد: هامش ص60.

[640] - السقيفة: ص104.

[641] - علق ابن أبي الحديد المعتزلي على ما نقله الجوهري عن أبي بكر، بقوله: (قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: بمن يعرض؟ فقال: بل يصرح. قلت: لو صرح لم أسألك! فضحك وقال: بعلي بن أبي طالب. قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله! قال: نعم، إنه الملك يا بني، قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم. فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة بالتخفيف، أي الاستماع والإصغاء، والقالة: القول، وثعالة: اسم الثعلب علم غير مصروف، ومثل ذؤاله للذئب، وشهيده ذنبه أي لا شاهد له على ما يدعى إلاّ بعضه وجزء منه، وأصله مثل، قالوا: إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب، فقال: إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك وكنت حاضرا، قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه وعليه دم، وكان الأسد قد افتقد الشاة. فقبل شهادته وقتل الذئب. ومرب: ملازم، أرب بالمكان. وكروها جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة والهرج. وأم طحال: امرأة بغي في الجاهلية ويضرب بها المثل فيقال: أزنى من أم طحال) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص215.

أقول: فيا لها من جسارة على الله تعالى وأوليائه !! وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

[642] - لقد بيّن يماني آل محمد / الوجه في كون فاطمة (عليها السلام) الباب الباطن لمدينة العلم التي هي رسول الله / في كتاب المتشابهات الجزء الأول في جواب السؤال الخامس، فراجع .

[643] - كانت الحياة بصفة عامة جمَاعية هي حياة طرق وقد؛ لأن المجتمع العربي الجاهلي لا يخلو من فئة قد بلغت أفرادها مستوى الثراء، لكن هؤلاء يعدون بالأصابع، وهم موجودون في مكة المكرمة دون سائر مناطق الجزيرة العربية، فسائر المناطق لا تخرج عن إطار الطرق والقد.

[644] - مسند أحمد: ج2 ص332.

[645] - الكافي: ج1 ص172.

[646] - التوبة: 49.

[647] - بحار الأنوار: ج45 ص128.

[648] - خطاب الحج للسيد أحمد الحسن (.

[649] - ص: 12 – 14.

[650] - البقرة: 243.

[651] - الأنعام: 116.

[652] - الأعراف: 187.

[653] - هود: 17.

[654] - الأسراء: 89 .

[655] - آل عمران: 110.

[656] - نهج البلاغة للشيخ محمد عبده: ج1 ص31.

[657] - الكافي: ج8 ص31.

[658] - العوالي: بالفتح، وهو جمع العالي ضد السافل: وهو ضيعة بينها ويبن المدينة أربعة أميال، وقيل ثلاثة، وذلك أدناها وأبعدها ثمانية. (معجم البلدان: ج4 ص166.

[659] - لسان العرب: ج10 ص473.

[660] - معجم البلدا ن: ج4 ص238.

[661] - مجمع البحرين: ج3 ص371.

[662] - وتعد من الأنفال؛ والأنفال كل أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب، والأرضون الموات وتركات من لا وارث له من الأهل والقرابات، والآجام، والبحار، والمفاوز، والمعادن، وقطايع الملوك. وهي خالصة للنبي /، بنص القرآن الكريم، قال الله (: ﴿يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين﴾.

روي عن الصادق ( أنه قال: نحن قوم فرض الله تعالى طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال، ولنا صفو الأموال) المقنعة: ص278.

[663] - تاريخ الطبري: ج2 ص302، البداية والنهاية لابن كثير: ج4 ص244، السيرة النبوية لابن كثير: ج3 ص374، السيرة النبوية لابن هشام: ج3 ص799، السيرة الحلبية: ج2 ص746.

[664] - الكامل في التاريخ: ج2 ص221، الدرر لابن عبد البر : ص201، تفسير الثعلبي: ج9 ص52.

[665] - معجم البلدان: ج4 ص238.

[666] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص210.

[667] - السقيفة وفدك: ص99.

[668] - شواهد التنزيل: ج1 ص439. وذكر غيرها من الروايات في نفس المفاد فراجع. مسند ابن أبي يعلى الموصلي: ج2 ص334، تفسير ابن كثير: ج3 ص39.

[669] - شواهد التنزيل: ج1 ص570.

[670] - فتح القدير: ج3 ص224.

[671] - الدر المنثور: ج4 ص177، لباب النقول: ص136.

[672] - كنز العمال: ج3 ص767.

[673] - تفسير العياشي: ج2 ص287.

[674] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص269.

[675] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص71.

[676] - أمالي الطوسي: ص204، بحار الأنوار: ج29 ص182.

[677] - شرح ابن أبي الحديد: ج16 ص278، الشافي في الإمامة: ج4 ص103، بحار الأنوار: ج29 ص213.

[678] - السقيفة وفدك: ص148.

[679] - فتوح البلدان: ج1 ص37.

[680] - الملل والنحل: ج1 ص25.

[681] - معجم البلدان: ج4 ص238.

[682] - السيرة الحلبية: ج3 ص487.

[683] - المواقف: ج3 ص598.

[684] - سعد السعود: ص101.

[685] - كشف الغمة: ج2 ص105.

[686] - الأحزاب: 33.

[687] - الاحتجاج: ج1 ص121.

[688] - الاختصاص: ص183.

[689] - الاحتجاج: ج1 ص142، خطبة الزهراء (عليها السلام) في مسجد رسول الله /.

[690] - الصواعق المحرقة: ص31.

[691] - الغدير: ج7 ص194، نقلاً عن السيرة الحلبية: ج3 ص391.

[692] - أقول: إنّ حال عمر كحال كفار قريش الذين نزل في ذمهم القرآن الكريم، قال تعالى: (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله) المنافقون:7.

فكانت الخلافة الظالمة تريد سلب الموارد الاقتصادية من يد علي بن أبي طالب ( كل ذلك لكي لا يصبح عنده نفوذ وينازعهم الخلافة.

يقول ابن أبي الحديد: قال لي علوي من أهل الحلة يعرف بعلي بن مهنا، ذكي ذو فضائل: ما تظن قصد أبي بكر وعمر بمنع فاطمة فدك؟ قلت: ما قصدا ؟! قال: أرادا أن لا يظهرا لعلي وقد اغتصبا الخلافة رقة ولينا وخذلانا، ولا يرى عندهما خورا، فاتبعا القرح بالقرح.

وقال أيضاً: وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية، يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل: وهل كانت فدك إلا نخلا يسيرا، وعقارا ليس بذلك الخطير ؟ فقال لي: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلة جداً، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلاّ أن لا يتقوى علي بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا اتبعا بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس، فإن الفقير الذي لا مال له يضعف همته، ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة (شرح نهج البلاغة: ج16 ص236.

ويقول الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) في كتابة فدك في التاريخ: إنّ فدك لم تكن أرضاً صغيرة أو مزرعاً متواضعاً كما يظن البعض، بل الأمر الذي أطمئن إليه أنها كانت تدر على صاحبها أموالاً طائلة تشكل ثروة مهمة وليس علي بعد هذا أن احدد الحاصل السنوي منها وإن ورد في بعض طرقنا الارتفاع به إلى أعداد عالية جداً. ويدل على مقدار القيمة المادية لفدك أمور:

الأول: ما سيأتي من أن عمر منع أبا بكر من ترك فدك للزهراء لضعف المالية العامة مع احتياجها إلى التقوية لما يتهدد الموقف من حروب الردة ثورات العصاة. ومن الجلي أن أرضاً يستعان بحاصلاتها على تعديل ميزانية الدولة، وتقوية مالياتها في ظروف حرجة كظرف الثورات والحروب الداخلية لا بد أنها ذات نتاج عظيم.

الثاني: قول الخليفة لفاطمة في محاورة له معها حول فدك: (إن هذا المال لم يكن للنبي / وإنما كان مالاً من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال وينفقه في سبيل الله)، فإن تحميل الرجال لا يكون إلا بمال مهم تتقوم به نفقات الجيش.

الثالث: ما سبق من تقسيم معاوية فدك أثلاثاً، وإعطائه لكل من يزيد ومروان وعمرو بن عثمان ثلثا، فإن هذا يدل بوضوح على مدى الثروة المجتناة من تلك الأرض، فإنها بلا شك ثروة عظيمة تصلح لأن توزع على أمراء ثلاثة من أصحاب الثراء العريض والأموال الطائلة.

الرابع: التعبير عنها بقرية كما في معجم البلدان، وتقدير بعض نخليها بنخيل الكوفة في القرن السادس الهجري كما في شرح النهج لابن أبي الحديد (فدك في التاريخ: ص41).

[693] - الإنسان: 9.

[694] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص71.

[695] - المناقب لابن شهر أشوب: ج2 ص49.

[696] - شرح نهج البلاغة: ج16 ص284.

[697] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص435.

[698] - السقيفة وفدك: ص 103.

[699] - السقيفة وفدك: ص103، شرح النهج لابن أبي الحديد: ج16 ص216.

[700] - أقول: قال تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ﴾ السجدة:18، وقال عز وجل: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ القلم: 35.

فكيف يساوى بين علي ( وبين غيره ممن لم يعرف التاريخ عنهم سوى حب الأنا والدنيا وشهواتها ؟! فقد سودت سيرتهم وأعمالهم صفحات التاريخ ؟! أفهل يجوز هذا بمنطق القرآن؟! فلاحظ الآيتين الكريمتين!!

إن دل هذا فيدل على خساسة الدنيا وضعتها عنده (. ويا لها من مرارة تختلج في صدر علي (؛ حيث لم ينصفه أحد حتى ساووه بعمر وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية وأشباههم ممن بين علي ( وبينهم البون الشاسع؛ ولقد عبر أمير المؤمنين علي( عن هذه المرارة بقوله: (أنزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية) فرحة الغري: ص7.

ولله در السيد رضا الهندي في قصيدة الكوثرية إذ يقول:

قاسوك أبا حسن بسواك وهل بالطود يقاس الذر

أنى ساووك بمـن ناووك وهل ساووا نعلي قنبر

[701] - راجع مصادرة السلطة الحاكمة لفدك فستجد الرواية كاملة.

[702] - روى سبط ابن الجوزي أن عمر قال لأبي بكر حينما كتب بإعادة فدك لفاطمة (عليها السلام)، قال: ممّاذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى (الغدير: ج7 ص194، نقلاً عن السيرة الحلبية: ج3 ص391).

[703] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص235.

[704] - بحار الأنوار: ج29 ص157.

[705] - الاحتجاج: ج1 ص122.

[706] - صحيح البخاري: ج3 ص163، السنن الكبرى: ج4 ص109.

[707] - الطبقات الكبرى: ج2 ص318، كنز العمال: ج5 ص626.

[708] - ذخائر العقبى: ص44، المستدرك: ج3 ص161.

[709] - مجمع الزوائد: ج7 ص235، تاريخ بغداد: ج14 ص322، تاريخ دمشق: ج24 ص449.

[710] - ذخائر العقبى: ص260، شرح صحيح مسلم للنووي: ج16 ص9، الاستيعاب: ج4 ص1794.

[711] - الاحتجاج: ج1 ص122.

[712] - آل عمران: 61.

[713] - الأحزاب: 33.

[714] - النص والاجتهاد: ص67.

[715] - التعجب للكراجكي: ص136.

[716] - فاطمة بهجة قلب المصطفى: ص34.

[717] - شرح نهج البلاغة: ج16 ص286.

[718] - شرح نهج البلاغة: ج14 ص190.

[719] - الطرائف: ص248، مواقف الشيعة للميانجي: ج2 ص405، قاموس الرجال: ج12 ص147.

[720] - الأحزاب: 33.

[721] - الطلاق: 1.

[722] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص137.

[723] - نقلاً عن كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى: ص35.

[724] - نقلاً عن كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى: ص36.

[725] - بحار الأنوار: ج29 ص280.

[726] - صحيح البخاري: ج4 ص42، صحيح مسلم: ج5 ص153، مسند أحمد: ج1 ص25.

[727] - التحريم: 10.

[728] - كشف الغمة: ج2 ص108.

[729] - النساء: 7.

[730] - مريم: 5 – 6.

[731] - النمل: من الآية 16.

[732] - الطبقات الكبرى: ج2 ص315.

[733] - كنز العمال: ج12 ص488.

[734] - شرح نهج البلاغة: ج16 ص227. قال ابن أبي الحديد: وقال شيخنا أبو علي: لا تقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم، واحتجوا عليه بقبول الصحابة رواية أبى بكر وحده: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث)، حتى إن بعض أصحاب أبي على تكلف لذلك جوابا، فقال: قد روى أن أبا بكر يوم حاج فاطمة عليه السلام قال: أنشد الله امرأ سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا شيئا ! فروى مالك بن أوس بن الحدثان، أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث ينطق بأنه استشهد عمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعدا، فقالوا: سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين كانت هذه الروايات أيام أبى بكر ! ما نقل أن أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة عليه السلام وأبي بكر روى من هذا شيئاً (شرح نهج البلاغة: ج16 ص227).

وقال السيد المرتضى (رضي الله عنه): إنّ الخبر (أي خبر نفي الإرث) على كلِّ حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم، وهو في حكم أخبار الآحاد، وليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن بما يجري هذا المجرى، لاَنّ المعلوم لا يُخَصّ إلاّ بمعلوم، وإذا كانت دلالة الظاهر معلومة لم يجز أن يرجع عنها بأمر مظنون (الشافي: ج4 ص66).

[735] - شرح نهج البلاغة: ج16 ص221.

[736] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص245.

[737] - تاريخ الخلفاء: ص73.

[738] - الصواعق المحرقة: ص35.

[739] - المعجم الأوسط: ج5 ص26.

[740] - عن الإمام الباقر (، قال: (جاءت عائشة إلى عثمان فقالت: أعطني ميراثي من رسول الله /. فقال لها: أولم تجيئي ومالك بن أوس النصري، فشهدتما أنّ رسول الله / لا يورث، حتى منعتما فاطمة ميراثها، وأبطلتما حقّها، فكيف تطلبين اليوم ميراثاً من النبي /؟!

فتركته وأنصرفت، وكان عثمان إذا خرج إلى الصلاة، أخذت عائشة قميص رسول الله / ثمّ قالت: إنّ عثمان قد خالف صاحب هذا القميص وترك سنّته) أمالي الشيخ المفيد: ص125.

[741] - مسند أحمد: ج1 ص208.

[742] - صحيح مسلم: ج5 ص152.

[743] - لقد استئثارت عائشة ببيت النبي / غير دفن أبي بكر وعمر في حجرته /، أنّها منعت الإمام الحسين ( أن يدفن أخاه الحسن ( إلى جانب جدّه وركبت بغلة، وخرجت تنادي: لا تدفنوا في بيتي من لا أُحبّ، واصطفّ بنو هاشم وبنو أُميّة للحرب، ولكن الإمام الحسين ( قال لها: " إنّه سيطوف بأخيه ( على قبر جده / ثمّ يدفنه في البقيع، ذلك لاَنّ الإمام الحسن ( أوصاه أن لا يهرق من أجله ولو محجمةً من دم.

فقال ابن عباس رضي الله عنه: واسوأتاه يوماً على بغل، ويوماً على جمل؟ وفي رواية: يوماً تجمّلت، ويوماً تبغّلت، وإن عشت تفيّلت. فأخذه من الشعراء ابن الحجاج البغدادي مشيراً إلى استئثار عائشة بكل بيت النبي / دون باقي نسائه، فقال:

لكِ التسع من الثمن وبالكلِّ تملكتِ

تجمّلتِ تبغّلتِ وإن شئت تفيّلتِ

بحار الأنوار: ج44 ص154.

وقال الصقر البصري:

ويوم الحسن الهادي على بغلك أسرعتِ

ومايست ومانعتِ وخاصمتِ وقاتلتِ

وفي بيت رسول اللـ ــه بالظلم تحكّمتِ

هل الزوجة أولى بالـ ـمواريث من البنتِ

لك التسع من الثمن فبالكلِّ تحكّمتِ

تجمّلتِ تبغّلتِ ولو عشت تفيّلتِ

مناقب آل أبي طالب: ج3 ص205.

[744] - تفسير العياشي: ج1 ص225، بحار الأنوار: ج29 ص119.

[745] - صحيح البخاري: ج3 ص68، وفي السنن الكبرى: ج6 ص116، فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء.

[746] - السنن الكبرى: ج6 ص301.

[747] - اللمعة البيضاء: ص707.

[748] - السيرة الحلبية: ج3 ص488.

[749] - مسند أحمد: ج1 ص4.

[750] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص219.

[751] - الأنفال: 41.

[752] - السقيفة وفدك: ص117 – 118.

[753] - صحيح البخاري: ج5 ص144.

[754] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص137.

[755] - مسند أحمد: ج2 ص489.

[756] - الخصال: ص273.

[757] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص104.

[758] - الكافي: ج4 ص561.

[759] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص119.

[760] - نظم درر السمطين: ص181.

[761] - البداية والنهاية: ج6 ص367.

[762] - ذخائر العقبى: ص53.

[763] - الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ج1 ص669.

[764] - مناقب آل أبي طالب: ج1 ص 208.

[765] - من لا يحضره الفقيه: ج1 ص298.

[766] - بيت الأحزان: ص167.

[767] - بحار الأنوار:43/ص177.

[768] - تاريخ المدينة: ج2/ص95، وفي وفاء الوفاء:ج 3/ص907.

[769] - الأنوار القدسية: ص43.

[770] - الاحتجاج: ج1 ص149.

[771] - القالية: المبغضة.

[772] - لفظت الشيء: أي رميته وطرحته. والعجم: العض، يقال: عجمت العود أعجمه ـ بالضم ـ إذا عضضته.

[773] - شنأة: أبغضه ، وسبرتهم : أختبرتهم .

[774] - فلول: وهو جمع (فل) وهي الثلمة والكسر في حد السيف.

[775] - الخور: الضعف، والقناة: الرمح.

[776] - الخَطَل: المنطق الفاسد المضطرب، وخطل الرأي: فساده واضطرابه.

[777] - الشن: رش الماء رشاً متفرقاً، ومنه: شنت عليهم الغارة؛ إذا فرقت عليهم من كل وجه.

[778] - الجدع: قطع الأنف أو الأذن أو الشفة، وهو بالأنف أخص، والعقر: الجرح ، وأصله: ضرب قوائم البعير أو الفرس أو الشاة بالسيف. والسُحق: البعد.

[779] - ويح: كلمة تستعمل في التوجع والتعجب، والزحزحة: التنحية والتبعيد، والرواسي: الثوابت الرواسخ، ومنه الجبال الراسية. والقواعد: الأساس.

[780] - الطبين: الفطن الحاذق.

[781] - نقمت: أي عتبت عليه وكرهت شيئاً منه.

[782] - أي: إنكار سيفه فإنه ( لا يسل سيفه إلاّ لتغيير المنكرات.

[783] - الوطأة: الأخذة الشديدة.

[784] - النكال: العقوبة التي تنكل الناس. والوقعة: صدمة الحرب.

[785] - يقال: تنمر فلان: أي تغير وتنكر وأوعد؛ لأن النمر لا تلقاه أبداً إلاّ متنكراً غضبان.

[786] - التكاف: من الكف، وهو الدفع والصرف، والزمام: الخيط الذي يشد في البرة والخشاش ثم يشد في طرفه المقود. ويسمى المقود زماماً أيضاً. ونبذه: طرحه. واعتلقه: أحبه.

[787] - السُجح: اللين السهل.

[788] - الكلم: الجرح، والخشاش: ما يجعل في أنف البعير من خشب ويشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده.

[789] - المنهل: المورد، وهو عين الماء التي تردها الإبل. والماء النمير: هو الماء الناجع؛ عذباً كان أو غير عذب. والفضفاض: الواسع.

[790] - أي: يخرجون مرتوين وبطونهم عظيمة من الشبع.

[791] - قال الجوهري: لم يحل منها بطائل، أي: يستفاد منها كثير فائدة.

[792] - الردعة: الدفعة، وسورة الشيء: حدته وشدته، والسغب: الجوع.

[793] - الذُنابى: في جناح الطائر أربع ذنابي بعد الخوافي وهي مادون الريشات العشر من مقدم الجناح التي تسمى قوادم، والذنابي من الناس: هم السفلة والأتباع. والعجز: مؤخر الشيء، والكاهل: الحارك؛ وهو مابين الكتفين، وكاهل القوم: عمدتهم في المهمات وعدتهم في الشدائد والملمات.

[794] - المعاطس: جمع مِعطس، وهو الأنف.

[795] - يونس: 35.

[796] - العمر: العيش الطويل، ومعنى عمر الله؛ بقاؤه ودوامه.

[797] - لقحت: حملت، والنظرة: التأخير، تنتج: تلد.

[798] - القعب: قدح من خشب يروي الرجل، أو قدح ضخم. واحتلاب طلاع القعب هو أن يمتليء من اللبن حتى يطلع عنه ويسيل. والعبيط: الطري.

[799] - الغب: غب كل شيء؛ هو عاقبته.

[800] - يقال: طاب نفس فلان بكذا؛ أي رضي به من دون أن يكرهه عليه أحد.

[801] - الجأش: النفس والقلب، أي اجعلوا قلوبكم مطمئنة لنزول الفتنة.

[802] - الصارم: القاطع، والهرج: الفتنة، والاستبداد؛ هو التفرّد.

[803] - الفيء: الغنيمة والخراج وما يحصل عليه المسلمين من من أموال الكفار من غير حرب. والزهيد: القليل. والحصيد؛ أي المحصود.

[804] - أي: وأنى تلحق الهداية بكم.

[805] - أي: خفيت والتبست.

[806] - معاني الأخبار: ص 354.

[807] - الاحتجاج: ج1 ص149.

[808] - مسند أحمد: ج4 ص5.

[809] - صحيح البخاري: ج4 ص210.

[810] - صحيح مسلم: ج7 ص141.

[811] - بيت الأحزان: ص172، بحار الأنوار: ج43 ص203.

[812] - مسند احمد: ج1 ص6، صحيح البخاري: ج4 ص42.

[813] - مسند أحمد: ج1 ص9، صحيح البخاري: ج5 ص82.

[814] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص50.

[815] - صحيح البخاري: ج4 ص210، و ص219.

[816] - صحيح البخاري: ج6 ص158.

[817] - مسند أحمد: ج4 ص5.

[818] - صحيح مسلم: ج7 ص141، مسند أحمد: ج4 ص328.

[819] - الملل والنحل: ص31.

[820] - المصنف: ج8 ص574، كنز العمال: ج5 ص678، تاريخ المدينة: ج2 ص671، من حياة الخليفة عمر بن الخطاب: ص23.

[821] - تاريخ الطبري: ج2 ص617.

[822] - بيت الأحزان: ص172.

[823] - الطرائف في معرفة المذاهب: ص252.

[824] - السقيفة وفدك: ص75.

[825] - أي ما كنت قادراً على أن تلج بيت فاطمة (عليها السلام)، لولا موت أبيها /.

[826] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص50.

[827] - بحار الأنوار: ج43 ص179.

[828] - مسند أحمد: ج3 ص55، بحار الأنوار: ج58 ص211.

[829] - راجع بحار الأنوار: ج34 ص191، الأنوار البهية: ص59، أعيان الشيعة: ج1 ص321.

[830] - الأنوار البيهية: ص62. وروى الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن عاصم بن حميد عن أبي بصير، قال: (قال أبو جعفر (: ألا أحدثك بوصية فاطمة (عليها السلام) ؟ قلت: بلى، فأخرج حقا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد / أوصت بحوائطها السبعة: العواف، والدلال، والبرقة، والميثب، والحسنى والصافية، ومال أم - إبراهيم إلى علي بن أبي طالب (، فإن مضى علي فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي، شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود الكندي والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب ().

وروي أنّ هذه الحوائط كانت وقفاً وكان رسول الله / يأخذ منها ما ينفق على أضيافه ومن يمر به، فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة (عليها السلام) فيها، فشهد علي ( وغيره أنها وقف عليها.

المسموع من ذكر أحد الحوائط الميثب ولكني سمعت السيد أبا عبد الله محمد ابن الحسن الموسوي أدام الله توفيقه يذكر أنها تعرف عندهم بالميثم (من لا يحضره الفقيه: ج4 ص244).

أقول: والمراد بأم إبراهيم هي مشربة - أعني مارية القبطية - وهي بعوالي المدينة بين النخيل، وهذه الحوائط السبعة من أموال مخيريق اليهودي الذي أوصى بأمواله إلى النبي /على قول، وعلى آخر هي من أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله / وقيل غير ذلك.

[831] - أمالي الطوسي: ص156، بحار الأنوار: ج43 ص209.

[832] - بيت الأحزان: ص173.

[833] - تهذيب الأحكام: ج1 ص469.

[834] - مسند احمد: ج6 ص461.

[835] - بيت الأحزان: ص178، بحار الأنوار: ج43 ص200.

[836] - بيت الأحزان: ص179.

[837] - في بعض النسخ: على ربي.

[838] - كشف الغمة: ج2 ص123، بيت الأحزان: ص179.

[839] - الأنوار البهية: ص61، بيت الأحزان: ص180.

[840] - الجواب المنير: ج3 في جواب السؤال الأول.

[841] - الأنوار البهية: ص62، أعيان الشيعة: ج1 ص321.

[842] - الأنوار البهية: ص62.

[843] - الأنوار البهية : ص 62 .

[844] - بحار الأنوار: ج43 ص215.

[845] - مستدرك الوسائل: ج2 ص323، بحار الأنوار: ج79 ص27.

[846] - طه: 55.

[847] - يقول السيد الأمين في المجالس السنية: وجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي ويظهر أنها لبعض أشراف مكة.

[848] - بيان (1) شوال/ 1424هـ . ق

[849] - الكافي: ج1 ص458.

[850] - بحار الأنوار: ج43 ص180. وروى الأبيات باختلاف ابن عساكر: عن سعيد بن المسيب قال دخلنا مقابر المدينة مع علي بن أبي طالب قام علي إلى قبر فاطمة وأنصرف الناس قال فتكلم وأنشأ يقول:

لكل اجتماع من خليلين فرقة وإن بقائي بعدكم لقليل

وإن افتقادي واحدا بعد واحد دليل أن لا يدوم خليل

أرى علل الدنيا علي كثيرة وصاحبها حتى الممات عليل

تاريخ مدينة دمشق: ج27 ص395.

[851] - الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ج1 ص673.

[852] - دلائل الإمامة: ص136.

[853] - دلائل الإمامة: ص136.

[854] - كتاب سليم بتحقيق الأنصاري: ص393.

[855] - دلائل الإمامة: ص 136.