Subjects

-المقدمة

-ما يتعلق بمقدمة الكتاب

-هل يوجد تحريف وتدليس

-ما يتعلق بالروايات الدالة على ثلاثة عشر إماماً

-حديث اللوح

-وهنا نعلق بنقاط

-الخامس من ولد السابع

-من ولد رسول الله وولد علي

-إني وإثني عشر من ولدي

-من ولدي إثنا عشر نقيباً

-بعدنا إثنا عشر وصياً

-علي على سنة المسيح

-إذا تواتت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي

-أبوه الذي يليه

-إثنا عشر إماماً هدى من ذرية نبيها وهم مني

-إثنا عشر إماماً من ولد فاطمة

-هل يجتمع إمامان في زمن الغيبة الكبرى

-حصر الأئمة بالإثني عشر

-إضاءة

-ثالث عشر فصاعداً

-المولود من ظهر الحادي عشر

-وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله):

-الرجعة

-إثنا عشر مهدياً

-الأنصار والشهيد الصدر

-أحمد في الروايات

-شعارهم أحمد أحمد

-اليماني والعصمة

-المعصوم واللغة

-نفي السهو والنسيان عن المعصوم

-العمر الظاهري للإمام المهدي ع:

-ابن أمة سوداء

-ذرية الإمام المهدي

-الأنصار والشهيد الصدر

-أقوال الأنصار

-العلم والسيد أحمد الحسن ع

-كتب السيد أحمد الحسن ع

-ما يسميه كاتب السطور بالأحلام

-الاستخارة

-المعجزة

-أمرهم أبين من الشمس


Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (144) دعوة السيد أحمد الحسن هي الحق المبين رداً على كتاب (دعوة أحمد الحسن حقٌ أم بدعة) تأليف عبد الرزاق الديراوي الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي: www.almahdyoon.org -المقدمة الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً. أفضل الحالات بالنسبة للباحث عن الحقيقة، والحريص عليها، بل أسعد اللحظات، وأكثرها قرباً للقلب، هي تلك اللحظات التي يرى فيها المسافة بينه وبين الآخر وقد تهادت فيها الأشرعة رواحاً ومجيئاً محملةً بالكلم الطيب، والدليل والفكرة والبرهان. هذه الصورة التي تحرص الدعوة اليمانية على أن تكون العنوان الوحيد للعلاقة التي تربطها بالآخر، لم نجد - للأسف الشديد - أي اهتمام أو حرص من الآخر عليها، بل وجدنا العكس تماماً، وعلى طول الخط. فالآخر يحاول جاهداً قطع كل الجسور، وإحراق آخر الأشرعة التي يمكن أن تربط بينه وبين اليمانيين، بل إن ما تسرب من فتاوى تمنع أو تحرم الحوار والبحث مع اليمانيين يُلقي ضوءاً كاشفاً على أن الآخر ينظر لفكرة الحوار والتواصل من منظور العقدة والرعب المستفحل، فلا حول ولا قوة إلا بالله. علماً أنّ سياسة قطع الجسور لم تعلن عنها الفتاوى المتسربة فحسب، بل أعلنت عنها وبصلافة مخجلة تلك الصيحات الهمجية التي تجري خلف الأبواب المرتجة. فالخصم الفكري، الذي يلوذ بالصمت على مستوى المواجهة الشريفة، ثرثار للغاية حين يوصد عليه أبواب غرفه، أو منتدياته، ومواقعه. وهناك يُطلق لنفسه العنان تماماً، ولا يعود ثمة ما يلجمه أبداً,أبداً. وهو لا يعصف بفكرة الحوار فقط، بل يعصف معها بالأخلاق، والموضوعية والعلم، وكل القيم النبيلة. وإذا كان اللجوء لكيل الشتائم، والاتهامات، واستخدام الأساليب التضليلية انعكاساً طبيعياً لخفة الوزن، فإن الشعور العظيم بالألم الذي يعيشه خصمنا قد يُلجئه مضطراً إلى قبول المواجهة، ولكن الخصم طبعاً لا ينسى أن يضع بصمته المنحرفة، فتكون مواجهة من وراء الجدران ! وهذه هي حقيقة الكتاب الذي يحمل على غلافه الاسم الرمزي الساخر (تحقيق: طالب الحق) !! فليس هذا الكتاب سوى مواجهة، أو قل محاولة من الخصم المرتعب لتجريب طريقة رمي الحصى من وراء الجدار، ونحن نعرف من هو خصمنا، ومن المطية التي ركبوا ظهرها لبلوغ هدفهم. فالحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعل خصمنا يظن أنّ حصونه مانعته من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. سيلاحظ القارئ أنّ الخصم المرتعب يتجنب المواجهة الشريفة، ويعتمد بدلاً من ذلك استراتيجة قوامها التصيد في الماء العكر، فهو على طريقة الوهابيين يحاول اقتناص ما يظنه عثرة في هذا الكتاب من كتب الأنصار، أو ذاك، ليطيل بكلمات التهريج الرخيصة ويُعرّض. على أية حال سأعتمد في الرد منهجية تشير إلى عنوان المطلب دون الإشارة للصفحة، طالما كان الكتاب موضوع الرد غير مطبوع، وبالتالي عرضة لتغيير الصفحات. وسأكني عن مؤلفه بلقب (كاتب السطور)؛ لأن كاتبه اختار التخفي وراء الرمز الساخر (طالب الحق)، علماً أنّ هذا الكتاب قد نُشر على صفحات شبكة الانترنيت أكثر من مرة؛ منها مرة بعنوان (دعوة أحمد الحسن بين الحق والباطل)، وأخرى بعنوان (دعوة أحمد الحسن حق أم بدعة). -ما يتعلق بمقدمة الكتاب: 1- قال في مقدمته بخصوص اسم جد السيد أحمد الحسن ع: (قيل بأن اسمه كاطع)، ولم يحدد هوية القائل لنعرف هل هو ممن يُسمع لقوله، وهل من دليل لديه ؟ بطبيعة الحال نحن نعلم تماماً أنّ من (قال) ليس هو العصفورة البريئة بالتأكيد، وإنما هو عدو أشهرَ إفلاسه منذ زمن ليس بالقريب، وعليه لا يكاد الكلام بطريقة الإرسال هذه يحمل من الدلالات سوى تلك الدلالة المأساوية التي تظهر من خلالها الوجوه الملطخة بالفضيحة وهي تتمسك بأذيال الوهم المتسرب، فقط لأنها عاجزة عن الموت !! فالاسم الشريف للسيد أحمد بن السيد إسماعيل بن السيد صالح بن السيد حسين بن السيد سلمان بن الإمام المهدي محمد بن الحسن ع منشور في مواقعنا، وموثق بشهادات معتبرة من أهم أفراد أسرته، وما بعد عبادان من قرية. ولا أدري ما الذي سعى له كاتب السطور – وخاب سعيه – من وراء ذكر الاسم المغلوط، فهو لا يرتب أثراً، ولا يبني نتيجة عليه، ألعله يتحرك بغريزة التقليد دون وعي ولا تدبر ؟ 2- قال في مقدمته: (أحمد الحسن يعتبر جميع شيعة أهل البيت ص قد استحقوا نار جهنم ما لم يلتحقوا بهذه الدعوة). أقول: لن نتوقع من كاتب السطور الفهم السليم، ولكن نطلب منه التقيد بدقة النقل، ومن الواضح أن كاتب السطور قد ارتكب هنا خيانة النقل وبدم بارد. فالسيد أحمد الحسن ع قال في بيان (البراءة) ما يلي: (وأعلن باسم الإمام محمد بن الحسن المهدي ع أنّ كل من لم يلتحق بهذه الدعوة ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي ع بعد 13 رجب 1425 هـ ق فهو: 1- خارج من ولاية علي بن أبي طالب ع وهو بهذا إلى جهنم وبئس الورد المورود وكل أعماله العبادية باطلة جملة وتفصيلا فلا حج ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة بلا ولاية...). وسأعلق بنقاط لتوضيح ما قاله السيد أحمد الحسن ع، وكما يلي: أ- السيد أحمد الحسن ع يقول: إنّ من لم يلتحق بالدعوة اليمانية المباركة بعد التأريخ المحدد يكون خارجاً من ولاية علي بن أبي طالب ع، وخروجه من ولاية علي ع هو سبب دخول النار. ب- السيد ع لا (يعتبر) كما حاول كاتب السطور أن يوهم القارئ، بل هو (أعلن) باسم الإمام المهدي ع. والفرق بين الأمرين كبير، فإنّ الإعلان يعني أنّ الخروج من ولاية علي ع حقيقة خارجية الناس هم المسئولون عنها، والسيد أحمد الحسن ع قد كشف عنها فقط بأمر الإمام المهدي ع. وهذه الحقيقة تبدو واضحة جلية لمن عرف كلام الطاهرين ص، وكنت قد قدمت برهاناً كافياً لها في كتاب (الشيعة على محك الاختبار)، وأعدته في كتاب (جامع الأدلة)، ولا بأس من نقله هنا لتوضيح المطلب: عن أبي عبد الله ع إنه قال: (والله لتُكسرنّ تكسر الزجاج، وإنّ الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتُكسرنّ تكسر الفخار، وإنّ الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، ووالله لتُغربلنّ، ووالله لتُميزنّ، والله لتُمحصنّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصعّر كفه)([1]). ولنقرأ كذلك هذا الحديث الوارد عن الإمام الرضا ع: (والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُمحّصوا وتُميّزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر) ([2]). أقول: واضح أنّ الأقل والأندر فالأندر ليسوا ملايين، وليسوا آلافاً، وإذا شئتم الدقة فانظروا في هذا الحديث الوارد عن الصادق ع، حين سأله بعض أصحابه قائلاً: (جعلت فداك، إني والله أحبك، وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال له: اذكرهم، فقال: كثير. فقال: تُحصيهم ؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله ع: أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون ... فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون ؟ فقال ع: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم ... الخ) ([3]). يُفهم من هذا الحديث أنه إذا اكتمل من الشيعة ثلاثمائة وبضعة عشر يتحقق خروج القائم ع، وأما الأعداد الغفيرة التي تدّعي التشيع فإن الغربال سيُسقطهم حتماً. وفي حديث آخر يرويه أبو بصير عن الإمام الصادق ع: (قال أبو عبد الله ع: لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة. قلت: وكم تكملة الحلقة؟ قال: عشرة آلاف...)([4])، إذن جيش القائم هم هؤلاء الـ (313 + 10000) !! عن أبي عبد الله ع، إنه قال: (مع القائم ع من العرب شيء يسير. فقيل له: إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير ؟ قال: لابد للناس من أن يُميّزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير) ([5]). وعن أبي جعفر ع: (لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإنّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها) ([6]). الحديث الأول يُشبّه التمحيص بالغربال، ونتيجة التمحيص هي بقاء الإنسان على حد الإيمان أو خروجه منه، فالخارجون من الغربال خارجون من حد الإيمان كما هو واضح. ثم أليس هذا هو ما ينص عليه الحديث الثاني، اسمع إذن تعليق الشيخ النعماني على الحديث، يقول الشيخ: (أليس هذا دليل الخروج من نظام الإمامة وترك ما كان يعتقد منها)([7]). وهذا ينبغي أن يكون واضحاً، فأمرهم ص هو الولاية، والخروج من أمرهم خروج منها. نتيجة محزنة للغاية بلا شك، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). النتيجة التي نخلص إليها تتمثل في أنّ السيد أحمد الحسن ع لم يُخرج هو الناس من ولاية علي بن أبي طالب ع، وإنما هم - أي الناس - خرجوا منها، وكلامه ع كان بصدد الكشف عن هذه الحقيقة. كما أنّ من المهم للغاية أن نشدد هنا على أنّ السيد أحمد الحسن ع كان بصدد إنذار الناس وتنبيههم لهذه الحقيقة، وهذه كلماته: (وأعلن باسم الإمام محمد بن الحسن المهدي ع أنّ كل من لم يلتحق بهذه الدعوة ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي ع بعد 13 رجب 1425... الخ). والبيان كما يعلم من اطلع عليه مؤرخ بتاريخ 13 جمادي الثاني، أي أنّ صدوره سابق للزمن الذي يتحدد فيه غير المؤمن بالدعوة اليمانية خارجاً عن ولاية علي بن أبي طالب ع، وهو (13 رجب)، وبهذا يكون البيان إنذاراً بحقيقة وشيكة، لا تقريراً لوقوعها الفعلي. وكذلك ينبغي التنبيه إلى أنّ السيد أحمد الحسن ع لم يكن سوى ناقل لكلام أبيه الإمام المهدي ع، فقد قال: (أعلن باسم الإمام محمد بن الحسن المهدي ع). وعلى هذا وذاك تكون محصلة البيان الحقيقية هي توجيه أذهان الناس إلى أنّ الدعوة اليمانية هي دعوة الإمام المهدي ع التي لا يسعهم الالتواء عليها. ويهمني للغاية - ولاسيما بعد حملات التشويه غير الشريفة التي مارسها أعداء الدعوة - أن أبيّن حقيقة، هي أنّ الكشف عن خروج غير المؤمنين عن ولاية علي بن أبي طالب لا يعني أن اليمانيين يرون غير المؤمن - كما حاول البعض أن يصوّر - حلال الدم والمال والعرض، فهذه كلها لا نستحلها، بل أنّ قلوبنا لتتفطر ألماً ونحن نرى غير المؤمنين بالدعوة اليمانية يسيرون بخطى حثيثة لعقاب أخروي نحرص أشد الحرص على تجنيبهم إياه عبر تبليغهم الحق وبسط الأدلة المبينة له، ويشهد الله العلي العظيم أننا لا نسأل أحداً أجراً، فغاية ما نرجو رضا الله (. ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([8]). ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾([9]). ج- أخيراً كلام كاتب السطور هذا ليس سوى خبث يحاول من خلاله تشويه صورة الدعوة اليمانية في أعين الناس، وإلا فهو لم يناقش فيه - مثلاً - ليبين هل هو حق أم لا، وإنما ساقه هكذا دون مناقشة، وهذا للأسف من أساليب الوهابية الرخيصة ! -هل يوجد تحريف وتدليس: 1- قال كاتب السطور: (أخذ بعض الروايات من كتاب فيه أخطاء مطبعية ككتاب بشارة الإسلام)، ثم إنه ما لبث أن قال: (إضافة إلى أنه كثير من روايات هذا الكتاب تخالف المصادر التي أخذت منه "قد تكون أخطاء مطبعية" فلمعرفة الصحيح ينبغي الرجوع إلى المصدر الذي اعتمده المؤلف). إذن، سرعان ما تحولت عبارته من (فيه أخطاء مطبعية) إلى (قد تكون أخطاء مطبعية)، وسنرى على أي عبارة سيستقر رأيه، وبأي دليل. ولكن إلى الآن نقول: إنّ الأخطاء المطبعية سواء كانت موجودة بالفعل، كما هو مؤدى العبارة الأولى، أو أنها مجرد ظن تَوهّمه كاتب السطور فهي لا تستأهل أن تُرتَّب عليها النتيجة التي عنون بها بابه الأول، وهي: (هل يوجد تحريف وتدليس في الروايات الشريفة)، وهي عبارة غير شريفة يقصد منها الإيحاء بأن كتب الدعوة الشريفة فيها هذا النوع من الخيانة، والعياذ بالله. بعد هذا التخبط يتحدث عن الرواية التالية الواردة في كتاب (بشارة الإسلام): (... ثم ذكر شاباً، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فانه خليفة المهدي). وملخص إشكاله عليها هو إنها كما زعم لا توجد في كتاب عقد الدرر ! وهنا نسأله: في أي نسخة من كتاب عقد الدرر هي غير موجودة؟ أهي النسخة المطبوعة التي تحت يدك، أم هي النسخة التي لدى السيد الكاظمي مؤلف كتاب بشارة الإسلام ؟؟ وهنا لابد من وقفة للحديث عن المصادر، بصورة مبسطة: المصادر - كما يعرف من له أدنى إلمام - كانت في العصور القديمة تكتب بخط اليد، وفي تلك العصور كانت ثمة طبقة يسمونها (طبقة النساخ) وظيفتها نسخ الكتب وتكثيرها، وبيعها على طالبيها. ففي كل عصر كان النساخ - في أصقاعهم المختلفة - يعملون على تكثير الكتب، اعتماداً على النسخ المتوفرة لهم، وربما,بل غالباً ما تكون هذه النسخ ثانوية، أي إنها منسوخة عن نسخ سابقة لها. وبطبيعة الحال كانت أخطاء كثيرة تقع في عمل هؤلاء النساخ، منشؤها طبيعة الخطوط والورق والأحبار المستخدمة، وكذلك تدخل اجتهاداتهم في تقويم النصوص، وغيرها من الأمور التي يعرفها دارسو علم تحقيق النصوص. ولكي نأخذ فكرة أوضح عن الأمر، أقول: إنّ الخطوط المستخدمة كانت أحرفها متداخلة، فربما وجدت حرفاً فوق الكلمة، أو قريباً من كلمة أخرى، حتى ليُظن أنه منها، هذا علاوة على أنّ نفس صور الحروف لم تكن مضبوطة تماماً، كما هو الحال في الطباعة الحديثة. وإذا أضفنا لما تقدم طبيعة الورق المستخدم، وهو من النوع الرديء الذي يتشرب الحبر، فقد يكتبون حرف (ذال) على سبيل المثال، فيظهر بصورة الحرف (زاي) نتيجة سيلان الحبر من وسطه، وهلم جرا في الأحرف المتقاربة الصور، مثل الياء والباء، والنون والتاء، حتى أنهم اضطروا - من أجل أن يتجنبوا هذه المشكلة، ولاسيما في المعاملات المالية - لكتابة كلمة (مئة) بهذه الصورة (مائة)؛ لأنهم قد يكتبون العبارة التالية: (أعطاني مئة ديناراً) فيسيل حبر الهمزة فيأتي من يقرأها (أعطاني منه ديناراً). ويضاف لهذا الواقع الكتابي الصعب أنّ النساخ كثيراً ما يتدخلون في تغيير العبارات التي تخالف ما استقر في أذهانهم، فيظنون أنّ المؤلف أو الناسخ السابق قد توهم، فيغيرون عبارته وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً. كل هذا وغيره، مثل حرص النساخ على كتابة أكبر قدر من النسخ لتحقيق الوفرة في الربح، وكذلك ما عُرف في العصور القديمة من كتابة هوامش وتعليقات ملاصقة لعبارات المتن أوقع النساخ في أخطاء كثيرة، فقد يظن الناسخ أنّ التعليق أو الهامش جزء من المتن، أو يظن أنّ المؤلف قد ألحقه بالمتن، أو يريد إضافته له، أو أنّ الناسخ يستحسنه فيعمد - أي الناسخ - إلى إضافته للمتن في النسخة التي يخطها. ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى مشكلة التلف التي تتعرض لها المخطوطات، والتي ينتج عنها ضياع أجزاء من الكلام، قد يحاول النساخ تخمينها بظنونهم وقد يتركوا النص مبتوراً. كل هذا وغيره الكثير من المشاكل التي يطول المقام بذكرها حتم نشوء علم في عصرنا الراهن غايته وضع الحلول والمعالجات لمشكلات المخطوطات القديمة، هو علم تحقيق النصوص. فلو أراد محقّق في عصرنا إخراج (كتاب الكافي للشيخ الكليني) على سبيل المثال، فسيعمد إلى جمع كل النسخ التي يمكن الوصول إليها، وفي أية بقعة من العالم كانت، وبعد جمعها يدرس طبيعة الورق والأحبار المستخدمة، التي تختلف باختلاف العصور، ويلاحظ ما قد تتضمنه من تواريخ تركها المؤلف أو النساخ، أو بعض القرّاء الذين يدونون ملاحظاتهم وتأريخ قراءتهم للكتاب في أحيان كثيرة، وكل ذلك من أجل تحديد زمن كتابة كل نسخة، ولو بشكل تقريبي. وبعد تحديد زمن النسخ يختار النسخة الأقرب إلى زمن المؤلف، أو النسخة التي كتبت تحت إشرافه، إن أمكن ذلك، ليتخذ منها أساساً (النسخة الأم) ثم يقابل بينها وبين النسخ الأخرى لإصلاح ما قد يكون فيها من مشكلات، كأن يكون فيها سقط يتداركه من نسخة أخرى، أو تداخل في الخط، يجعل العبارة مبهمة، فيستعين بنسخ أخرى لقراءته، وعمليات أخرى يقوم بها من خلال ما يُعرف بالدراسة الداخلية والدراسة الخارجية للنص. وكل ذلك يتم بطبيعة الحال من خلال الجهد البشري غير المعصوم عن الخطأ، والذي يتدخل فيه فهم المحقق ومدى مهارته، وما استقر في ذهنه، وما إلى ذلك من أمور تؤثر سلباً أو إيجاباً على النص المُخرَج. بل أنّ الواقع أصعب بكثير مما وصفنا، إذ كثيراً ما تكون النسخة الأقرب إلى عصر المؤلف غير صالحة لاتخاذها نسخة أُمّاً نتيجة وقوع التلف أو النقص، أو عدم الوضوح فيها، فيضطر المحققون لاتخاذ غيرها من النسخ أصلاً، وقد تكون النسخ الأخرى، أو حتى جميع النسخ التي يعثرون عليها، متقاربة في الزمن، ومختلفة في بعض العبارات؛ قلّ هذا البعض أو كثر، وهنا يزداد تدخل الجهد البشري، وتكثر الأخطاء بالنتيجة. وتزداد الصورة قتامة إذا ما علمنا أنّ النسخ التي يتحصل عليها المحققون هي غالباً النسخ الموجودة في المكتبات والخزانات العامة، أما تلك التي يقتنيها الأفراد، وهي كثيرة جداً فتبقى دائماً، أو في أحيان كثيرة خارج إطار العمل، فيبقى ناقصاً من هذه الجهة بالتأكيد. إذن، نحن بإزاء واقع تتراكم فيه الظنون والاجتهادات، فلا يمكن للباحث أن يستغني عن جهده، اعتماداً على غيره، سواء كان هذا الغير من محققي الكتب، أو غيرهم. إذن، أن يأتي رجل ويقول إنه وجد النص في مخطوطة ما مختلفاً عما في الكتاب الفلاني المطبوع، فهو لا يفضح سوى جهله. وبخصوص رواية: (ثم ذكر شاباً، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فانه خليفة المهدي) التي نقلها السيد الكاظمي في كتابه (بشارة الإسلام) لا يستطيع أحد أن يعترض بالقول أنه قد رجع إلى مخطوطة من مخطوطات الكتاب الذي نقل عنه الكاظمي فوجد النص مختلفاً، إذ ما أدراه أنّ الكاظمي قد نقل عن نفس هذه المخطوطة ؟؟ ثم إنّ من العجيب الذي يثير السخرية حقاً أن يأتي كاتب السطور بالنص الموجود في عقد الدرر من الكتاب المطبوع، أي الكتاب الذي خضع لجهد فلان أو فلان من الناشرين والمحققين، والحال أنه حتى لو جاء بمخطوطة من مخطوطات الكتاب لما تحصل على شيء سوى إتعاب نفسه !! ثم لماذا لا يعتبر السيد الكاظمي - وهو مَن هو في التحقيق والعلم - لماذا لا يعتبره محققاً دَرَس النص وتَوّصَل إلى أن صورته الصحيحة هي ما أثبته في كتابه ؟؟ ولماذا لم يفترض أنّ السيد الكاظمي قد وقعت يداه على نسخ من الكتاب لم يُقَيَّضْ لمن أخرج كتاب عقد الدرر الوصول إليها ؟ بل من الواضح أنّ ما ذكره السيد الكاظمي هو الأقرب إلى الصواب، إن لم نقل هو الصواب بعينه، فالرواية تقول: (يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا تصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لا يقاتله قوم، ثم ذكر شاباً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة المهدي)، وهذا الذي يبايعونه لا يمكن أن يكون شيئاً؛ حجراً مثلاً، أو كرسياً، بل لابد أن يكون بشراً ! وكونه شاباً تدل عليه أمور كثيرة، فهذا الشخص هو صاحب الرايات السود التي تُقبل من المشرق، وبالتالي لا يمكن أن يكون هو الإمام المهدي ع، الذي يظهر بمكة، بل هو وصيه وخليفته كما ثبت من خلال عشرات النصوص التي استدل بها أنصار الإمام المهدي ع، وهو شاب بدلالة روايات أخرى كثيرة، من قبيل ما ورد عن الإمام الباقر ع، قال: (إنّ لله كنوزاً بالطالقان، ليس بذهب ولا فضة، إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: أحمد.. أحمد، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) ([10]). وعن أبي جعفر، قال: (يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم) ([11]). وعن علي، قال: (تخرج رايات سود تقاتل السفياني، فيهم شاب من بني هاشم، في كتفه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجل من بني تميم، يدعى شعيب بن صالح، فيهزم أصحابه) ([12]). وهذه رواية ينقلها السيد ابن طاووس في ملاحمه فيها وصف صاحب الرايات السود بأنه خليفة المهدي: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي) ([13]). أما كون صاحب عقد الدرر قد نقل الحديث عن مستدرك الحاكم فهذا ما لا يمكن لأحد أن يقطع به من عبارة صاحب عقد الدرر. وقد كان على صاحب السطور أن يبين فهم هذه النتيجة، ولكنه كعادته ترك الأمر بلا بيان، لأنه لا يملك هذا البيان. ثم على فرض نقله عنه، فهو لا يغير من الأمر كثيراً؛ لأنّ الحكم الذي جازف به صاحب السطور، يقتضي التحقق من أمور؛ منها: أن نجد النسخ الأصلية من كتابي المستدرك وعقد الدرر (نسخ المؤلفين) لنرى ما أثبته صاحب عقد الدرر هل هو موافق لما في كتاب المستدرك، أم لا ؟ وإذا لم تكن كذلك، هل يمكن أن يكون رأى خطأ في ما أورده صاحب المستدرك، فصححه من مصدر آخر ؟ وأخيراً فإنّ الأمر مع السيد أحمد الحسن يختلف كثيراً، فالسيد ع من أوصياء رسول الله ص، وبالتالي هو أعلم مِن غيره بما قاله آباؤه ص، ولا يسع أحد أن يعترض عليه بهذا الصدد. نعم، إذا شاءوا أن يتحققوا من هذه الحقيقة فأمامهم الأدلة، وبطبيعة الحال ليست هذه الرواية منها. وفي الحقيقة هم يحاولون التملُّص من مناقشة الأدلة ويلجؤون لهذه الأساليب التضليلية التي تفضح إفلاسهم لا أكثر. 2- يقول كاتب السطور: (وبذلك يتضح ما يلي: 1- وجود الأخطاء المطبعية في كتاب البشارة، وهذا الشيء معروف جداً، حيث إن النُسَخ الجديدة من هذا الكتاب كلها منقحة ومصححة استناداً لمصادر الحديث الرئيسية) ! وهذا للأسف كذب، فها هي الطبعة الإيرانية للكتاب (طبعة عام 1410 هـ - الناشر: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - تحقيق: داود المير صابري) وهي لاحقة لطبعة عام (1963) ميلادي، وفيها الرواية كما هي دون تغيير ([14]). بل إذا كان كلام صاحب السطور صحيحاً، وكانت هناك طبعات للكتاب تم التلاعب فيها دون علم المؤلف المتوفى فهذه طامة كبرى، وخيانة ما بعدها من خيانة، وهي على أي حال ليست بالجديدة على فقهاء آخر الزمان، ولدينا من الشواهد الكثير، ومنها الخيانة التي ارتكبها (نزار الحسن) الذي حقق كتاب بشارة الإسلام وأورد فيه الرواية بهذه الصورة المحرفة: (عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ص: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة ثمّ لا يصير إلى واحد منهم، ثمّ تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالا لا يقاتله قوم، ثمّ ذكر شيئاً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فأنّه خليفةُ الله المهدي). أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم لم يخرجاه، وأخرجه الحافظ أبو نعيم بمعناه، وقال: موضع قوله ثمّ ذكر شيئاً: (يجيءُ خليفة الله المهدي) !! والعجيب إنّ هذا المحرف لم يكلف نفسه عناء الإشارة في الهامش إلى التحريف الذي أقدم عليه، ولو من باب التبرير ؟! أما حديث كاتب السطور عن الأخطاء المطبعية فغريب بل يثير السخرية، فالطبعة الإيرانية المذكورة تروي الصورتين معاً ([15])، وهي محققة كما ذكرنا، ويظهر منها إن السيد الكاظمي ينقل عن عقد الدرر من موضعين، بينما كاتب السطور لم يذكر سوى موضع واحد، وهذا تدليس منه. 3- أما ما يتعلق بحديثه عن رواية: (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإنّ فيها خليفة المهدي). فالقول فيه مثل القول في سابقه، من جهة أنّ كاتب السطور يستشهد بنسخ مطبوعة، وكذلك - وهذا مهم جداً - لا يستشهد بالمصدر الذي نقل عنه السيد الكاظمي وهو كتاب علي بن عيسى الأربلي، فقد قال: قالَ عليُّ بن عيسى الأربلي (رحمه الله): ووقع إليَّ أربعون حديثاً جمعها الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله في أمر المهدي ع أوردتها سرداً كما أوردها، واقتصرت على ذكر الراوي عن النبي ص. والحديث قيد البحث هو الحديث السادس والعشرون من الأربعين حديثاً المشار إليها، وهي خيانة أخرى تحسب على كاتب السطور، الذي راح يستدل بكتاب المستدرك على الصحيحين وكتاب الفتن لنعيم بن حماد المطبوعَين، علماً أنّ السيد ابن طاووس قد نقل الحديث في كتابه الملاحم والفتن نقلاً عن ابن حماد موافقاً لصورته التي نستشهد بها. 4- أما ما يتعلق برواية: (... ومن البصرة ... أحمد)، فقد كُنا أجبنا على هذه الشبهة الكورانية في كتاب (تمخض الكوراني عن فأر قميء)، فأكتفي بنقل ما كتبته هناك: (أما قول الكوراني: (والرواية الثالثة في دلائل الإمامة ص566، فيها: ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر، وأصحاب الكهف سبعة نفر). أقول: صاحب كتاب (بشارة الإسلام) ينقلها عن كتاب (غاية المرام)، وليس عن كتاب (دلائل الإمامة). أما كتاب دلائل الإمامة، الذي ذكره الكوراني، فقد قال فيه محققه: (نسخته غير تامة، حيث سقط قسم من أوله، وسنأتي إلى دليل السقط في وصف الكتاب) ([16]). ومن هنا اضطر المحقق إلى تقويم الكتاب، يقول: (عملنا في الكتاب: تم العمل بهذا الكتاب وفق المراحل والخطوات التالية... - إلى أن يقول - 4- تقويم نص الكتاب وذلك بتخليصه مما ورد فيه من أخطاء النسخ والطباعة وهي كثيرة جدا إذا قيست بكتاب آخر)([17]). وكل هذا يوهن من القيمة العلمية للكتاب كما هو معروف. وكذلك فإنّ النسخ التي اعتمدها المحقق في إخراج الكتاب، كُتبت في زمن متأخر عن زمن تأليف كتاب (غاية المرام). يقول المحقق في هذا الصدد: (اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسختين مخطوطتين وعلى مطبوعة له، وهي كما يلي: 1- النسخة المودعة في المكتبة الرضوية بمشهد المقدسة، رقمها (7655)، مجهولة التاريخ، أولها: (بسم الله الرحمن الرحيم، أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي). وآخرها: (فذكر أصحاب القائم ع، فقال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكل واحد يرى نفسه في ثلاثمائة) ورمزنا لها ب‍ (م). 2- النسخة المودعة في مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله) بقم المشرفة، رقمها (2974)، وكتبت بتاريخ 12 ربيع الثاني سنة 1319 هـ على نسخة مكتوبة في شهر صفر من سنة 1092 ه‍، أولها: (القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي). وآخرها: (تم المسند بعون الله (تعالى) وحسن توفيقه في سلخ شهر صفر المظفر من شهور سنة 1092. وجدت هذه النسخة الشريفة في خزانة كتب الحضرة المشرفة الغروية، وهي نسخة عتيقة جداً بخط ضعيف سقيم. أحقر الكتاب محمد تقي البروجردي الحائري وفق الله له. في مؤرخة اثنا وعشر ([18]) من شهر ربيع الثاني سنة 1319) ورمزنا لها ب‍ (ع). 3- الكتاب المطبوع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف سنة 1369 ه‍، ورمزنا له ب‍ (ط) ([19]). بينما تم تأليف كتاب (غاية المرام) بين سنة 1100 ه‍ـ وسنة 1103 ه‍، كما ذكر محققه، وهذا نص كلامه: (23- غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام. كتبه سنة 1100 ه‍ وسنة 1103 ه‍) ([20]). وعلى هذا كان أجدر بمحقق الكتاب أن يقابل الروايات التي في نسخ كتاب (دلائل الإمامة) على مثيلاتها في كتاب (غاية المرام)، لاسيما تلك التي يُظن أن الكتاب الأخير قد نقلها عن الأول. إذ طالما كان الكتاب الأخير ينقل عن الأول فلا شك في أن مؤلفه قد اطلع على نسخ أقدم من تلك التي بحوزة المحقق. وبالنتيجة يكون الاعتماد على كتاب (غاية المرام) في الروايات المنقولة عن كتاب (دلائل الإمامة) - على الأقل - أقرب إلى العلمية من الاعتماد على نفس الكتاب المُحقق). أقول: هذا مع العلم أنّ كاتب السطور قد استشهد بمخطوطة مكتوبة حديثاً، أي في عام (1947) هي بدورها مستنسخة من مخطوطة كتبت عام (1899)، ولا ندري شيئاً عن النسخة أو النسخ التي تم استنساخ هذه الأخيرة عنها ! وهذا الاستشهاد لا قيمة علمية له، فهو يعني أن كاتب السطور يقول بصحة المخطوطة التي يستشهد بها، بدون أن يعير أي التفاتة للمصدر الذي نقل عنه صاحب بشارة الإسلام، وهذا تحكّم واضح. ومبالغة منا في كشف إفلاس كاتب السطور، أقول: إنّ نسخة بشارة الإسلام المحققة من قبل (نزار الحسن) قد وردت الرواية فيها بهذه الصورة: (ومن البصرة: عبد الرحمن به ([21]) الأعطف بن سعد، وأحمد ومليح وحمّاد بن جابر). أما قول كاتب السطور: (وهذا لا ينسجم مع عدد الرجال الذين ذكرهم الإمام الصادق، فالإمام قال: (ومن البصرة ثلاثة رجال) ولم يقل أربعة)، فهذا كذب منه - أي كاتب السطور -، فهذه العبارة لم ترد في الرواية، بل وردت في رواية أخرى، فلماذا الدجل والكذب ؟! والرواية الأخرى لم تذكر الأسماء، ففيها: (... ومن البصرة ثلاثة رجال، وأصحاب الكهف وهم سبعة رجال، والتّاجران وهما الخارجان من أنطاكيّة ... الخ). 5- قال كاتب السطور إنّ السيد أحمد الحسن قد بتر رواية: (ألا وإن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال)، ويقول: إنّ السيد لم يذكر كامل الرواية، فإنّ الذين من البصرة هم (علي ومحارب). وجوابه: إنّ أخذ موضع الشاهد من الرواية لا يُعد بتراً، وإذا قيل أنّ الرواية لم تذكر اسم أحمد بين من ذكرتهم من رجال البصرة، فلأنها رواية مضطربة لا يمكن الركون لما ورد فيها من أسماء، ويكفي دلالة على ذلك مقارنة صورتها الواردة في كتاب بشارة الإسلام، مع صورتها الواردة في إلزام الناصب، وإليكم الروايتين: أ- الرواية كما وردت في بشارة الإسلام بحسب تحقيق (نزار الحسن): (... فقال ع: ألا وأنّ أوّلهم من البصرة وآخرهم من الأبدال، فأما الّذين من البصرة: فعل ومحارب. ورجلان من قاشان: عبد الله وعبيد الله. وثلاثة رجال من المعجمة: وهم محمد وعمرو ومالك. ورجل من السند: عبد الرحمان. ورجلان من هجر: موسى، وعبّاس. ورجل من كندة: إبراهيم. ورجلان من قندهار: إبراهيم، وأحمد. ورجل من شيراز: عبد الوهاب. وثلاثة رجال من سعداوة: أحمد بن يحيى، وفلاح. وثلاثة رجال من زبيدة: حسن، ومحمّد وفهد. ورجلان من حمير: مالك، وناصر. وأربعة رجال من الشيروان: عبد الله، وصالح، وجعفر، وإبراهيم. ورجلٌ من عفر ورجلان من المنصورية: عبد الرحمان، أو عبد الله، وصلائب. وأربعة رجال من همدان: خالد، ومالك، ونوفل، وإبراهيم. ورجلان من الجزائر: محروز، ونوح. ورجل من الشقة: هارون، ومقداد. ورجلان من السرو: مقداد، وهارون. وثلاثة رجال من العبوقين: عبد السلام، وفارس، وكليب. ورجل من الرباط: جعفر. وستة رجال من عمّان: محمّد، وصالح، وداود، وهوائل، وكوثر، ويونس. ورجل من الغلاة: مالك. ورجلان من ضغائر: مالك، ويحيى. ورجلان من كرمان: عبد الله، ومحمّد. وأربعة رجال من صنعاء: حسين، وجبير، وحمزة، ويحيى. ورجلان من عدن: فرعون، وموسى. ورجل من لويحة: كوثر. ورجلان من صمد: عليّ، وصالح. وثلاثة رجال من الطّائف: عليّ وصبا، وزكريا. ومن هجر: عبد القدّوس. ورجلان من الخط: عزيز، ومبارك. وخمسة رجال من جزيرة أول، وهي البحرين: عامر، وجعفر، ونصير، وبكير، وليث. ورجل من الكيش. ورجل من الجدد: إبراهيم. وأربعة رجال من مكة: إبراهيم، ومحمّد، وعبد الله. وعشرة رجال من المدينة: على أسماء أهل البيت عليّ، وجعفر، وحمزة، والعباس، وطاهر، والحسن، والحسين، وقاسم، وإبراهيم، ومحمّد. وأربعة رجال من الكوفة: محمّد، وهود، وغاث، وعياب. ورجل من صرف: خليفة. ورجلان من نيشابور: عليّ، ومهاجر. ورجلان من سمرقند: علي، وماجد. وثلاثة رجال من كازرون: عمر، ومعمر، ويونس. ورجلان من الثوث: شيبان، وعبد الوهّاب. ورجلان من دسراه: أحمد، وهلال. ورجلان من الضيف: عالم، وسهيل. ورجلٌ من طائف اليمن: هلال. ورجلان من قرقوف: شعيب، وبشير. وثلاثة رجال من بردعة: يوسف، داود، وعبد الله. ورجل من عكّة: مكرم. ورجل من واسط: عقيل. وثلاثة رجال من الزوراء: عبد المطلب، وأحمد، وعبد الله. ورجلان من سر مَن رأى: مراد، وعامر. ورجل من السهم: جعفر. وثلاثة رجال من سيلان: نوح، وحسن، وجعفر. ورجل من كرخ بغداد: قاسم. ورجلان من طوقه: وائل، وفضل. وثمانية رجال من قزوين: هارون، وعبد الله، وجعفر، وصالح، وعمر، وليث، وعلي، ومحمّد. ورجل من الشلخ: حسن. ورجل من مراغة: صدقة. ورجل من قم: يعقوب. وأربعة وعشرون رجلاً من الطالقان وهم الذين ذكرهم رسول الله ص فقال: إنّي أجد في الطالقان كنزاً ليس من ذهب ولا فضة، وهم هؤلاء كنز الله فيها، وهم: صالح، وجعفر، ويحيى، وهود، وصالح، وداود، وجميل، وفضل، وعيسى، وجابر، وخالد، وعلوان، وعبد الله، وأيوب، وصلائب، وحمزة، وعبد العزيز، ولقمان، وسعد، وفضّة، ومهاجر، وعبدون، وعبد الرحمان، وعلي. ورجلان من سنجار: ذبيان، وعلي. ورجلان من سرخس: حفص، ونافع. ورجل من القادسية: حصين. ورجل من الدورق: عبد الغفور. وستة رجال من الحبشة: إبراهيم، وعيسى، ومحمّد، وأحمد، وحمدان، وسالم. ورجلان من الموصل: هارون، وفهد. ورجل من بلخ: صدقة. ورجلان من نصيبين: أحمد، وعلي. ورجل من الدّجيل: محمّد. ورجلان من خراسان: نكبة، وشوت. ورجلان من أرمينية: أحمد، وحسين. ورجل من أصفهان: يونس. ورجل من زهار: حسين. ورجل من الرّي: مجمع. ورجل من دينور: شعيب. ورجل من الهراش: نهراش. ورجل من سلماس: هارون. ورجل من بلقيس. ورجل من الكرد: عون. ورجل من كثير: طي. ورجلان من خلاط: محمّد، وجعفر. ورجل من الشّويا: عمر. ورجلان من المقدسية البيضاء: سعد، وسعيد. وثلاثة رجال من الصيغة: زيد، وعلي وموسى. ورجل من أوس: محمد. ورجل من انطاكية: عبد الرحمان. ورجلان من كلاب: صبيح، محمّد. ورجل من حمص: جعفر. ورجلان من دمشق: داود، وعبد الرّحمن. ورجلان من الرَّملية: طليق، وموسى. وثلاثة رجال من بيت المقدس: داود، وبشير، وعمران. وخمسة رجال من عسقلان: محمّد، ويوسف، وعمر، وفهد، وهارون. ورجل من عنزة: عمير. ورجلان من نجد: مروان، وسعد. ورجل من عرفة: قريح. ورجل من طبرية: فليح. ورجل من بلسان: وارث. وأربعة رجال من القنطط، من مدينة فرعون: أحمد، وعبد الصّمد، ويونس، وطاهر. ورجل من صار: نصير. ورجلان من الإسكندرية: حسن، وسعيد. وخمسة رجال من جبل لكام: عبد الله، عبيد الله، وقادوم، وبحر، وطالوت. وثلاثة رجال من السّماوة: ذهيب، وسعدان، وشبيب. ورجلان من الأفرنج: عليّ، ومحمّد. ورجلان من اليمامة: ظافر، وعقيل. وأربعة عشر رجلاً من المعادة: سويد، وأحمد، ومحمّد، وحسن، ويعقوب، وحسين، وعبد الله، وعبد القديم، ويغلم، وعلي، وحيان، وطاهر، وتغلب، وكثير. ورجل من الصولة: معشر. وعشرة رجال من العابدان: حمزة، وشيبان، وقاسم، وجعفر، وعامر، وعمر، وعبد المهيمن، وعبد الوارث، ومحمّد، وأحمد. وأربعة عشر رجلاً من اليمن: خيبر، وحوبش، ومالك، وكعب، وأحمد، وشيبان، وعامر، وحمّاد، وفهد، وحنجرش، وكلثوم، وجابر، ومحمّد. ورجلان من بدو مصر: عجلان، وذراع. وثلاثة رجال من بدو عقيل: سنبة، وظابط، وعريان. ورجل من بدو نمير: عمر. ورجل من بدو شيبان: الناهش. ورجل من بدو قبا: جابر. ورجل من بدو كلاب: مطر. وثلاثة رجال من موالي أهل البيت: عبد الله، وحيف، وأكبر. وأربعة رجال من موالي الأنبياء: صباح، وصبيح، وميمون، وهود. ورجلان من لوكان: ناصح، وعبد الله. ورجلان من الحلّة: محمّد وعلي. وثلاثة رجال من كربلاء: حسن، وحسين، وعلي. ورجلان من النجف: جعفر، ومحمّد. وستة رجال من الأبدال كلّهم باسم عبد الله. قال ع: إنّهم يجتمعون من مطلع الشمس ومغربها، يجمعهم الله في أقل من نصف ليلة إلى مكة إلى آخره) ([22]). ب- الرواية كما وردت في كتاب إلزام الناصب: (... فالذين من أهل البصرة رجلان: اسم أحدهما علي، والآخر محارب. ورجلان من قاشان: عبد الله، وعبيد الله. وثلاثة رجال من المهجمة: محمد، وعمر، ومالك. ورجل من السند: عبد الرحمن. ورجلان من حجر: موسى، وعباس. ورجل من الكورة: إبراهيم. ورجل من شيراز: عبد الوهاب. وثلاثة رجال من سعداوة: أحمد، ويحيى، وفلاح. وثلاثة رجال من زين: محمد، وحسن، وفهد. ورجلان من حمير: مالك، وناصر. وأربعة رجال من شيران، وهم: عبد الله، وصالح، وجعفر، وإبراهيم. ورجل من عقر: أحمد. ورجلان من المنصورية: عبد الرحمن، وملاعب. وأربعة رجال من سيراف: خالد، ومالك، وحوقل، وإبراهيم. ورجلان من خونخ: محروز، ونوح. ورجل من المثقة: هارون. ورجلان من السنن: مقداد، وهود. وثلاثة رجال من الهويقين: عبد السلام، وفارس، وكليب. ورجل من الزناط: جعفر. وستة رجال من عمان: محمد، وصالح، وداود، وهواشب، وكوش، ويونس. ورجل من العارة: مالك. ورجلان من ضغار: يحيى، وأحمد. ورجل من كرمان: عبد الله. وأربعة رجال من صنعا: جبرئيل، وحمزة، ويحيى، وسميع. ورجلان من عدن: عون، وموسى. ورجل من لونجه: كوثر. ورجلان من ممد: علي، وصالح. وثلاثة رجال من الطائف: علي، وسبا، وزكريا. ورجل من هجر: عبد القدوس. ورجلان من الخط: عزيز، ومبارك. وخمسة رجال من جزيرة أوال وهي البحرين: عامر، وجعفر، ونصير، وبكير، وليث. ورجل من الكبش: فهد [محمد]. ورجل من الجدا: إبراهيم. وأربعة رجال من مكة: عمر، وإبراهيم، ومحمد، وعبد الله. وعشرة من المدينة على أسماء أهل البيت: علي، وحمزة، وجعفر، وعباس، وطاهر، وحسن، وحسين، وقاسم، وإبراهيم، ومحمد. وأربعة رجال من الكوفة: محمد، وغياث، وهود، وعتاب. ورجل من مرو: حذيفة. ورجلان من نيشابور: علي، ومهاجر. ورجلان من سمرقند: علي، ومجاهد. وثلاثة رجال من كازرون: عمر، ومعمر، ويونس. ورجلان من الأسوس: شيبان، وعبد الوهاب. ورجلان من دستر: أحمد، وهلال. ورجلان من الضيف: عالم، وسهيل. ورجل من طائف اليمن: هلال. ورجلان من مرقون: بشر، وشعيب. وثلاثة رجال من بروعة: يوسف، وداود، وعبد الله. ورجلان من عسكر: مكرم الطيب، وميمون. ورجل من واسط: عقيل. وثلاثة رجال من الزوراء: عبد المطلب، وأحمد، وعبد الله. ورجلان من سر من رأى: مرائي، وعامر. ورجل من السهم: جعفر. وثلاثة رجال من سيلان: نوح، وحسن، وجعفر. ورجل من كرخا بغداد: قاسم. ورجلان من نوبة: واصل، وفاضل. وثمانية رجال من قزوين: هارون، وعبد الله، وجعفر، وصالح، وعمر، وليث، وعلي، ومحمد. ورجل من البلخ: حسن. ورجل من المداغة: صدقه. ورجل من قم: يعقوب. وأربعة وعشرون من الطالقان وهم الذين ذكرهم رسول الله فقال: إني أجد بالطالقان كنزاً ليس من الذهب ولا فضة، فهم هؤلاء كنزهم الله فيها، وهم: صالح، وجعفر، ويحيى، وهود، وفالح، وداود، وجميل، وفضيل، وعيسى، وجابر، وخالد، وعلوان، وعبد الله، وأيوب، وملاعب، وعمر، وعبد العزيز، ولقمان، وسعد، وقبضة، ومهاجر، وعبدون، وعبد الرحمن، وعلي. ورجلان من سحار: آبان، وعلي. ورجلان من شرخيس: ناحية، وحفص. ورجل من الأنبار: علوان. ورجل من القادسية: حصين. ورجل من الدورق: عبد الغفور. وستة رجال من الحبشة: إبراهيم، وعيسى، ومحمد، وحمدان، وأحمد، وسالم. ورجلان من الموصل: هارون، وفهد. ورجل من بلقا: صادق. ورجلان من نصيبين: أحمد، وعلي. ورجل من سنجار: محمد. ورجلان من خرسان: نكية، ومسنون. ورجلان من أرمنية: أحمد، وحسين. ورجل من أصفهان: يونس. ورجل من وهان: حسين. ورجل من الري: مجمع. ورجل من دنيا: شعيب. ورجل من هراش: نهروش. ورجل من سلماس: هارون. ورجل من بلقيس: محمد. ورجل من الكرد: عون. ورجل من الحبش: كثير. ورجلان من الخلاط: محمد، وجعفر. ورجل من الشوبا: عمير. ورجلان من البيضا: سعد، وسعيد. وثلاثة رجال من الضيعة: زيد، وعلي، وموسى. ورجل من أوس: محمد. ورجل من الأنطاكية: عبد الرحمن. ورجلان من حلب: صبيح، ومحمد. ورجل من حمص: جعفر. ورجلان من دمشق: داود، وعبد الرحمن. ورجلان من الرملية: طليق، وموسى. وثلاثة رجال من بيت المقدس: بشر، وداود، وعمران. وخمسة رجال من عسقلان: محمد، ويوسف، وعمر، وفهد، وهارون. ورجل من عنزة: عمير. ورجلان من عكة: مروان، وسعد. ورجل من عرفة: فرخ. ورجل من الطبرية: فليح. ورجل من البلسان: عبد الوارث. وأربعة رجال من القسطاط من مدينة فرعون لعنه الله: أحمد، وعبد الله، ويونس، وظاهر. ورجل من بالس: نصير. وأربعة رجال من الإسكندرية: حسن، ومحسن، وشبيل، وشيبان. وخمسة رجال من جبل اللكام: عبد الله، وعبيد الله، وقادم، وبحر، وطالوت. وثلاثة رجال من السادة: صليب، وسعدان، وشبيب. ورجلان من الإفرنج: علي، وأحمد. ورجلان من اليمامة: ظافر، وجميل. وأربعة عشر رجلاً من المعادة: سويد، وأحمد، ومحمد، وحسن، ويعقوب، وحسين، وعبد الله، وعبد القديم، ونعيم، وعلي، وخيان، وظاهر، وتغلب، وكثير. ورجل من الموطة: معشر. وعشرة رجال من عبادان: حمزة، وشيبان، وقاسم، وجعفر، وعمر، وعامر، وعبد المهيمن، وعبد الوارث، ومحمد، وأحمد. وأربعة عشر من اليمن: جبير، وحويش، ومالك، وكعب، وأحمد، وشيبان، وعامر، وعمار، وفهد، وعاصم، وحجرش، وكلثوم، وجابر، ومحمد. ورجلان من بدو مصر: عجلان، ودراج. وثلاثة رجال من بدو أعقيل: منبة، وضابط، وعريان. ورجل من بدو أغير: عمر. ورجل من بدو شيبان: نهراش. ورجل من تميم: ريان. ورجل من بدو قسين: جابر. ورجل من بدو كلاب: مطر. وثلاثة رجال من موالي أهل البيت: عبد الله، ومخنف، وبراك. وأربعة رجال من موالي الأنبياء: صباح، وصياح، وميمون، وهود. ورجلان مملوكان: عبد الله، وناصح. ورجلان من الحلة: محمد، وعلي. وثلاثة رجال من كربلاء: حسين، وحسين، وحسن. ورجلان من النجف: جعفر، ومحمد. وستة رجال من الأبدال كلهم أسماءهم عبد الله. فقال علي ع: إنهم هؤلاء يجتمعون كلهم من مطلع الشمس ومغربها وسهلها وجبلها) ([23]). ومن الواضح أنّ الروايتين مختلفتان في الكثير من التفاصيل فضلاً عن اختلافهما في العدد، وإذا أضفنا لهذا ما ورد في روايات أخرى تحصي أسماء ومواضع أخرى سنخرج حتماً بنتيجة مفادها أنه لا يمكن التمسك بالأسماء والمواضع الواردة في الرواية. وهنا بطبيعة الحال سنكون أمام سؤال لا شك سيطرح نفسه على بعض الأذهان بقوة، ومفاده: إذا كان الأمر كذلك - وهو كذلك، دون شك - فهذا يستدعي إسقاطها من الاحتجاج، والاستدلال بها، فكيف استدل بها السيد أحمد الحسن والأنصار ؟ والجواب: إنّ مثل هذا الإشكال لا يرد على السيد أحمد الحسن ع والأنصار تبعاً له، فهو بوصفه وصياً من أوصياء رسول الله ص يروي عن آبائه الطاهرين ص، وهو بالنتيجة أعلم بما صدر عنهم، فمن يريد التوثق من صحة ما يرويه عليه النظر أولاً في دليل كونه وصياً. وكذلك هو ع لم يستدل بكامل الرواية، بل بالجزء الذي يعلم أنه صحيح منها. أما حديث كاتب السطور عن أبي محمد الأنصاري وإنه قد كذب بقوله إنّ العدد أقل من (313) في بعض الروايات، فجوابه: إنّ الكذاب هو أنت، فأبو محمد الأنصاري لم يقل في كتابه أنّ الرواية المقصودة هي الموجودة في كتاب إلزام الناصب، وهاك هذه الرواية أحصي الأسماء التي فيها: (.. ألا وإن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال، فأما الذين من البصرة: فعلي، محارب، وطليق. ومن قاشان: عبد الله، وعبيد الله. وثلاثة رجال من المعجمة: محمد، وعمر، ومالك. ورجل من السند: عبد الرحمن. ورجلان من هجر: موسى، وعباس. ورجل من الكند: إبراهيم. ورجل من شيراز: عبد الوهاب. وثلاثة رجال من سعدواة: أحمد، ويحيى، وبلاح. وثلاثة رجال من زبيدة: حسن، ومحمد، وفهد. ورجلان من حمير: مالك، وناصر. وأربعة رجال من شيراز: عبد الله، وصالح، وجعفر، وإبراهيم. ورجل من عفر. ورجلان من المنصورية: عبد الله، وصلائب. وأربعة رجال من همدان: خالد، ومالك، وهرقلة، وإبراهيم. ورجلان من الجزائر: محروز، ونوح. ورجل من الشقة: مقداد، وهود. وثلاثة رجال العبوقين: عبد السلام، وفارس، وكليب. ورجل من الرباط: جعفر. وستة رجال من عمان: محمد، وصالح، وداود، وهوافل، وكوثر، ويونس. ورجل من القارنة: مالك. ورجلان من ظفار: ويحيى. ورجل من كرمان: عبد الله. وأربعة رجال من صنعا: حسين، وجپرا، وحمزة، ويحيى. ورجلان من عدن: عون، وموسى. ورجل من لوبحة: كوثر. ورجلان من صمد: علي، وصالح. وثلاثة رجال من الطائف: علي، وصبا، وزكريا. ورجل من هجر: عبد القدوس. ورجلان من الخط: عزيز، ومبارك. وخمسة رجال من جزيرة وهي البحرين: عامر، وجعفر، ونصير، وبكير، وليث. ورجل من الكبيش. ورجل من الحد: وإبراهيم. وأربعة رجال من مكة: وإبراهيم، ومحمد، وعبد الله. وعشرة رجال من المدينة على أسماء أهل البيت: علي، وجعفر، وحمزة، وعباس، وطاهر، والحسن، والحسين، وقاسم، وإبراهيم، ومحمد. وأربعة رجال من الكوفة: محمد، وهود، وغياث، وعباب. ورجل من سرف: خليفة. ورجلان من نيشابور: علي، ومهاجر. ورجلان من سمرقند: علي، وماجد. وثلاثة رجال من قاذرون: وعمر، ومعمر، ويونس. ورجلان من الثوث: شيبان، وعبد الوهاب. ورجلان من دسراه: أحمد، وهلال. ورجلان من الضيف: عالم، وسهيل. ورجل من طائف اليمن: هلال. ورجلان من قرقون: شعيب، وبشير. وثلاثة رجال من بروعة: يوسف، وداود، وعبد الله. ورجلان من عسكر: مكرم، وميمون. ورجل من واسط: عقيل. وثلاثة رجال من الزوراء: عبد المطلب، وأحمد، وعبد الله. ورجلان من سر من رأى: مرادي، وعامر. ورجل من الشهم: جعفر. وثلاثة رجال من سيلان: نوح، وحسن، وجعفر. ورجل من كرم بغداد: قاسم. ورجلان من طوقه: واثل، وفضل. وثمانية رجال من قزوين: هارون، وعبد الله، وجعفر، وصالح، وعمر، وليث، وعلي، ومحمد. ورجل من الشلخ: حسن. ورجل من المراغة: صدقة. ورجل من قم: يعقوب. وأربعة وعشرون رجلاً من الطالقان وهم الذين ذكرهم رسول الله فقال: إني أجد في الطالقان كنزاً ليس من ذهب ولا فضة، وهم هؤلاء كنزهم الله فيها، وهم: صالح، وجعفر، ويحيى، وهود، وصالح، وداود، وجميل، وفضل، وعيسى، وجابر، وخالد، والوان، وعبد الله، وأيوب، وصلائب، وحمزة، وعبد العزيز، ولقمان، وسعد، وفضة، ومهاجر، وعبدون، وعبد الرحمن، وعلي. ورجلان من سنجار: دبان، وعلي. ورجلان من سرخس: خفض، ونافع. ورجل من القادسية: حصين. ورجل من الدوق: عبد الغفور. وستة رجال من الحبشة: إبراهيم، وعيسى، ومحمد، وحمدان، وأحمد، وسالم. ورجلان من الموصل: هارون، وفهد. ورجل من بلخ: صدقة. ورجلان من نصيبين: أحمد، وعلي. ورجل من سنجار: محمد. ورجلان من خراسان: نكبة، وشوت. ورجلان من امنينه: أحمد، وحسين. ورجل من أصفهان: يونس. ورجل من زدها: حسين. ورجل من الري: مجمع. ورجل من دنياء: شعيب. ورجل من الهراش: نهروش. ورجل من سلماس: هارون. ورجل من بلقيس: محمد. ورجل من الكرد: عون. ورجل من الحبش: كثير. ورجلان من خلاط: محمد، وجعفر. ورجل من الشوبا: عمر. ورجلان من البسفيا: سعد، وسعيد. وثلاثة رجال من الصينعة: زيد، وعلي، وموسى. ورجل من آوس: محمد. ورجل من الطاقة: عبد الرحمن. ورجلان من كلاب: مبيح، ومحمد. ورجل من حمص: جعفر. ورجلان من دمشق: داود، وعبد الرحمن. ورجلان من الوسيلة: طليق، وموسى. وثلاثة رجال من بيت المقدس: داود، وبشير، وعمران. وخمسة رجال من عسقلان: محمد، ويوسف، وعمرو، وفهد، وهارون. ورجل من عنزة: عمير. ورجلان من عكا: مروان، وسعد. ورجل من عرفة: فويح. ورجل من طبريا: فليج. ورجل من بلسان: وارث. وأربعة رجال من القنطط من مدينة فرعون: أحمد، وعبد الصمد، ويونس، وطاهر. ورجل من صار: نصير. ورجلان من الأسكندرية: حسن، وسبيت. وخمسة رجال من جبل الكام: عبد الله، وعبيد الله، وقادوم، وبحر، وطالوث. وثلاثة رجال من السمار: وذهيب، وسعدان، وشبيب. ورجلان من الافرنج: علي، وحمد. ورجلان من اليمامة: ظافر، وعقيل. وأربعة عشر رجلاً من المعادة: سويد، وأحمد، ومحمد، وحسن، ويعقوب، وحسين، وعبد الله، وعبد القديم، ويعلم، وعلي، وحيان، وطاهر، وتغلب، وكثير. ورجل من الصولة: معشر. وعشرة رجال من عبادان: حمزة، وشيبان، وقاسم، وجعفر، وعامر، وعمر، وعبد المهيمن، وعبد الوارث، ومحمد، وأحمد. وأربعة عشر رجلاً من اليمن: خبير، وحويش، ومالك، وكعب، وأحمد، وشيبان، وعامر، وحماد، وفهد، وحنجرش، وكلثوم، وجابر، ومحمد. ورجلان من بدو مصر: عجلان، ودراع. ورجل من بدو نمير: عمر. ورجل من بدو شيبان: النهراش. ورجل من بدو قبا: جابر. ورجل من بدو كلاب: مطر. وثلاثة رجال من موال أهل بيت: عبد الله، وحيف، واكبر. وأربعة رجال من موالي الأنبياء: صياح، وصبيح، وميمون، وهود. ورجلان من ملوكان: فاصح، وعبد الله. ورجلان من الحد: محمد، وعلي. وثلاثة رجال من كربلاء: حسن، وحسين. ورجلان من النجف: جعفر، ومحمد. وستة رجال من الأبدال كلهم اسمهم عبد الله) ([24]). وليحذر كاتب السطور هذه المرة من التدليس، فقد كذب في القائمة التي وضعها في آخر كتابه، إذ جعل من سلماس ثلاثة رجال، والصحيح رجل واحد، والمشكلة أنه فضح نفسه بوضع اسم واحد (هارون) !! 6- وبخصوص رواية (ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أصحاب الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه ويبسط في المشرق والمغرب الأمن كرامة الحجة بن الحسن ع) إلزام الناصب: ج2 ص158، المذكورة في كتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم)، يقول كاتب السطور: إنّ هذه الرواية تخص عيسى ع، ودليله ورود اسم عيسى بن مريم فيها، ووصفه بأنه أبيض الجسم). أقول: لنقرأ هذه الرواية في مصادرها، وكما يلي: 1- غاية المرام: (الثامن والثلاثون: الثعلبي أيضاً في تفسير قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) قال: ذاك عيسى ابن مريم ع ينزل في ثوبين مهرودين أي مصبوغين بالهرد وهو الزعفران، وفي الحديث: ينزل عيسى ع على ثية من الأرض المقدسة يقال لها اثبني وعليه ممصرتان، وشعر رأسه دهين وبيده حربة، وهي التي يقتل بها الدجال فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ع ويصلي خلفه على شريعة محمد ص، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به. وروى عمر بن إبراهيم الأوس في كتابه عن رسول الله ص، قال: ينزل عيسى بن مريم ع عند انفجار الصبح ما بين مهرودين وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهنا، بيده حربة، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويهلك الدجال ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن ع) ([25]). 2- إلزام الناصب: (في الحديث: أنّ عيسى ينزل بثوبين مهرودين أو مصبوغين بالهرد وهو الزعفران. وفي الحديث: ينزل عيسى في ثنية من الأرض المقدسة يقال لها: اثبني وعليه ممصرتان وشعر رأسه دهين وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد ص، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنايس ويقتل النصارى إلا من آمن به. وبرواية: ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه ويبسط في المشرق والمغرب الأمن كرامة الحجة بن الحسن ع) ([26]). 3- معجم أحاديث الإمام المهدي ع: (361: "ينزل عيسى بن مريم ع عند انفجار الصبح ما بين مهرودين وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهنا. بيده حربة، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويهلك الدجال، ويقبض أموال القائم ع، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم ع وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن صلوات الله عليهما حتى يرتع الأسد مع الغنم والنمر مع البقر والذئب والغنم، وتلعب الصبيان بالحيات. ويتزوج عيسى بامرأة من غسان حتى يسود وجه من كان يقول ليس من البشر، ويروه كيف يأكل ويشرب وينكح، ويعمر في سبعين ألفا، منهم أصحاب الكهف. ويجمع الكتب من أنطاكية حتى يحكم بين أهل المشرق والمغرب، ويحكم بين أهل التوراة في توراتهم وأهل الإنجيل في إنجيلهم وأهل الزبور في زبورهم، وأهل الفرقان بفرقانهم، فيكشف الله له عن إرم ذات العماد، والقصر الذي بناه سليمان بن داود قرب موته، فيأخذ ما بهم (بها) من الأموال ويقسمها على المسلمين. ويخرج الله التابوت الذي أمر به أرميا أن يرميه في بحر طبرية: فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، ورضاضة اللوح وعصا موسى وقبا هارون وعشرة أو صاع من المن، وشرائح السلوى التي ادخرها (كذا) بنو إسرائيل لمن بعدهم، فيستفتح بالتابوت المدن كما استفتح به من كان قبله، وينشر الإسلام في المشرق والمغرب والجنوب والقبلة. وذلك الوقت سنته كالشهر، وشهره كالجمعة، وجمعته كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة لا بقاء لها. ثم تقبل ريح باردة صفراء ألين من الحرير مثل المسك، فيقبض الله بها روح عيسى بن مريم ع") ([27]). من خلال هذه المصادر نلاحظ ما يلي: إنّ المنقول في المصادر الأساسية، أي (غاية المرام) و(إلزام الناصب) هو أكثر من رواية واحدة، والحد الفاصل بين الروايات هو كلمة (روي) في غاية المرام، وكلمة (وبرواية) في إلزام الناصب. والمهم هو أنّ النص المستشهد به رواية مستقلة بحسب كتاب إلزام الناصب، فقد ورد فيه: (وبرواية: ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه ويبسط في المشرق والمغرب الأمن كرامة الحجة بن الحسن ع). المضامين الواردة هي التالي: يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويهلك الدجال، ويقبض أموال القائم، ويمشي خلفه أهل الكهف، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن، ويعمر ([28]) في سبعين ألفاً، منهم أصحاب الكهف، ويجمع الكتب من أنطاكية حتى يحكم بين أهل المشرق والمغرب، ويحكم بين أهل التوراة في توراتهم وأهل الإنجيل في إنجيلهم وأهل الزبور في زبورهم وأهل الفرقان بفرقانهم، ويستفتح بالتابوت المدن كما استفتح به من كان قبله، وينشر الإسلام في المشرق والمغرب والجنوب والقبلة. ومن الواضح أنّ هذه الأعمال منسوبة في روايات أخرى واردة عن آل محمد ص للمهدي، أو قائم آل محمد ع، ومن هذه الروايات ما رواه الشيخ الصدوق، قال: (حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبد الله بن المغيرة، عن سفيان بن عبد المؤمن الأنصاري، عن عمرو ابن شمر، عن جابر، قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر ع وأنا حاضر، فقال: رحمك الله، اقبض هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر ع: بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين، وفي إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمان، البر منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، فإنما سمي المهدي؛ لأنه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعط أحداً كان قبله. قال: وقال رسول الله ص وهو رجل مني اسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً) ([29]). ومنها ما أخرجه السيد ابن طاووس: (حدثنا نعيم، حدثنا أبو يوسف المقدسي، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بسر الحمصي، عن كعب، قال: المهدي يبعث بعثاً لقتال الروم، يعطى فقه عشرة، يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية، فيه التوراة التي أنزل الله على موسى، والإنجيل الذي أنزل الله على عيسى، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم) ([30]). ومنها ما أخرجه في إلزام الناصب: (... أولهم من أهل البصرة وآخرهم من الأبدال ... ثم إنّ المهدي سار إلى بيت المقدس واستخرج تابوت السكينة وخاتم سليمان بن داود ع والألواح التي نزلت على موسى ... فيأتيه خبر الأعور الدجال بأنه قد أهلك الحرث والنسل، وذلك أن الأعور الدجال يخرج من بلدة يقال لها يهوداء، وهي قرية من قرى أصفهان وهي بلدة من بلدان الأكاسرة، له عين واحدة في جبهته كأنها الكوكب الزاهر، راكب على حمار خطوته مد البصر وطوله سبعون ذراعاً ويمشي على الماء مثل ما يمشي على الأرض، ثم ينادي بصوته يبلغ ما يشاء الله وهو يقول: إلي إلي يا معاشر أوليائي فأنا ربكم الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى، فتتبعه يومئذ أولاد الزنا وأسوأ الناس من أولاد اليهود والنصارى، وتجتمع معه ألوف كثيرة لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، ثم يسير وبين يديه جبلان: جبل من اللحم، وجبل من الخبز الثريد، فيكون خروجه في زمان قحط شديد، ثم يسير الجبلان بين يديه ولا ينقص منه شيء فيعطي كل من أقر له بالربوبية) ([31]). ونقل الكوراني: (... يتقدم المهدي من ذريتي فيصلي إلى قبلة جده رسول الله ص، ويسيرون جميعاً - أي المهدي وأصحابه - إلى أن يأتوا بيت المقدس، ثم ذكر الحرب بينه وبين الدجال، وذكر إنهم يقتلون عسكر الدجال من أوله إلى آخره...) ([32]). إذن، الأعمال المنسوبة لعيسى ع في الحديث قيد البحث منسوبة في الكثير غيره للمهدي ع. على أنّ صاحب غاية المرام ينقل عن الثعلبي وهذا الأخير يرويها في سياق تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾([33]) وهو ما لا يستقيم مع القول بأنّ المقصود بها هو عيسى بن مريم ع، فالمقصود من الساعة هنا هي القيامة الصغرى، أي خروج القائم ع، وبالتالي يكون نزول عيسى علامة تسبق قيام القائم ع، بينما الصحيح المعروف هو أن عيسى ينزل بعد قيام القائم، فلا يمكن أن يكون المقصود هو عيسى نفسه، بل شبيهه. ومثل ما تقدم ما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع: (... ويعود دار الملك إلى الزوراء وتصير الأمور شورى من غلب على شيء فعله، فعند ذلك خروج السفياني فيركب في الأرض تسعة أشهر يسومهم سوء العذاب، فويل لمصر وويل للزوراء وويل للكوفة والويل لواسط، كأني أنظر إلى واسط وما فيها مخبر يخبر وعند ذلك خروج السفياني، ويقل الطعام، ويقحط الناس، ويقل المطر، فلا أرض تنبت ولا سماء تنزل، ثم يخرج المهدي الهادي المهتدي الذي يأخذ الراية من يد عيسى بن مريم ...) ([34]). وهذه الرواية أيضاً لا يمكن فهم المراد من عيسى فيها شخص عيسى نفسه؛ لأنه لا ينزل قبل المهدي ع ليكون هو من يسلمه الراية، وقد برهنا في كتاب جامع الأدلة على أنّ المهدي ع يأخذ الراية من ولده اليماني، وهو قائد الرايات السود (أحمد) وهو شبيه عيسى ع. أما التمسك بما ورد من أوصاف في الروايات زعماً أنها لا تنطبق على اليماني، من قبيل الوصف (أبيض الجسم) واليماني ورد وصفه بالسمرة، والجواب عليه أنّ السمرة إذا كان يراد منها سمرة الوجه فهي لا تتناقض مع بياض الجسم. وكذلك فإنّ الوصف هذا وارد في رواية غير الرواية المستشهد بها، كما في كتاب إلزام الناصب. وأخيراً لا بأس بأن يكون الوصف الجسدي لعيسى ع وتكون بقية الأوصاف ولاسيما كونه نائب الإمام لشبيهه، وهذا معروف في كلام البلغاء، فقد يتكلمون في شيء ويوردون بعض أوصافه أو خصائصه ثم يعقبون في الكلام نفسه بذكر شيء آخر له مسيس صلة به كأن يكون شبيهاً له، أو قريباً منه، وتكون القرائن التي يمكن ملاحظتها في الكلام دليلاً على التمييز. وقد عرضنا بعض هذه القرائن، وبقي أن نشير إلى أنّ كونه نائب الإمام يُفهم منه أنه وصيه أو خليفته، وهذا غير صحيح بشأن عيسى، فالإمامة في آل محمد ص؛ الأئمة والمهديين. 7- فيما يتعلق بحديث: (ثم يملك رجل أسمر يملاها عدلاً، ثم يسير إلى المهدي، فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه)، يقول صاحب السطور: (إن الشيخ ناظم العقيلي قد بتر جزءاً من الرواية، وإنها - أي الرواية - بصدد الحديث عن رجل أفريقي يملأ أفريقيا عدلاً ثم يسير إلى الإمام المهدي). أقول: الذي يظهر من كلام صاحب السطور أنه لم يكن في صدد إطلاق مزحة سمجة، وإنما كان جاداً تماماً، ولدرجة الحماقة. أقول: الشيخ ناظم العقيلي ينقل الرواية كما وردت في ملاحم ابن طاووس، بينما كاتب السطور يتحدث عنها كما وردت في فتن ابن حماد !؟ والغريب أنه ينقل مصدر الشيخ ناظم العقيلي دون أن يلتفت له، وليس ذلك إلا لأنه متصيد أحمق، وإليكم الرواية كما وردت في ملاحم ابن طاووس: (قال: حدثنا نعيم، حدثنا رشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن شفى، عن تبيع، عن كعب، قال: إذا ملك رجل الشام وآخر مصر فاقتتل الشامي والمصري، وسبى أهل الشام قبائل من مصر، وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قبل صاحب الشام، فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي، قال أبو قبيل: ثم يملك رجل أسمر يملاها عدلاً ثم يسير إلى المهدي، فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه) ([35]). ومن الواضح أنّ الرواية ليس فيها حديث عن رجل أفريقي، فالبتر الذي يتحدث عنه كاتب السطور لا مكان له، إلا في عقله ربما ! نعم، الرواية الموجودة في كتاب الفتن فيها حديث عن رجل أفريقي، وإليكم الرواية كما وردت في كتاب الفتن: (حدثنا رشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن شفي، عن تبيع، عن كعب، قال: إذا ملك رجل الشام وآخر مصر فاقتتل الشامي والمصري، وسبى أهل الشام قبائل من مصر، وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قبل صاحب الشام فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي. قال أبو قبيل: يكون بإفريقية أميراً إثنا عشر سنة، ثم تكون بعده فتنة، ثم يملك رجل أسمر يملؤها عدلاً ثم يسير إلى المهدي فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه) ([36]). ومن الواضح أنه لا شيء في هذه الرواية يدل على أنّ الرجل الأسمر سيخرج في أفريقيا، وكون الحديث عن الرجل الأسمر قد سبقه حديث عن الأمير الأفريقي لا يعني أنّ الرجل الأسمر سيكون في أفريقيا، فالرواية تتحدث عن علامات كثيرة، وسياقها بالنتيجة هو الجمع بين العلامات، وإن كانت متباعدة. والحديث عن الرجل الأفريقي فضلاً عن كونه مضطرباً، إذ ورد الكلام دون ذكر اسم كان، فجملة (يكون بأفريقيا أميراً)، أمير في الجملة خبر كان، أما اسمها فلا وجود له في الكلام ([37])، فإن امتلاء الأرض - أو بعضها كما يريد كاتب السطور - عدلاً لا يمكن أن يحققه أحد غير حجج الله ص، وقد ورد عن أبي جعفر ع قوله: (دولتنا آخر الدول، ولن يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾)([38]). وكذلك فإن من المفروغ منه أنّ من يقاتل عن الإمام المهدي ع هو اليماني صاحب الرايات السود المشرقية، كما دلت عليه الروايات الكثيرة، ولم يسبق لأحد أن زعم أنّ من يقاتل عن الإمام رجل من أفريقيا، ولعل عبارة (يؤدي الطاعة إلى المهدي) التي تكررت في الرواية، قرينة يراد منها الإشارة لما ذكرناه. وأخيراً ليس من العلم والموضوعية في شيء تجاهل ما يرويه السيد ابن طاووس، وهو من هو في العلم والرواية، فهو وإن كان ينقل عن فتن ابن حماد، إلا أنّ من المحتمل جداً أن يكون قد وقع على نسخة من كتاب الفتن، لم يتسن لمحقق كتاب الفتن العثور عليها. وليس من شك في أنّ العبارة المضطربة (قال أبو قبيل يكون بإفريقية أميراً إثنا عشر سنة ثم تكون بعده فتنة)، ليست جزء من الرواية، فهي عبارة قالها أبو قبيل، ولم تصدر من كعب، وعدم رواية السيد ابن طاووس لها دليل قوي على أنها ربما أضيفت لاحقاً لبعض النسخ. 8- ما يتعلق برواية: (الحقوا به بمكة فإنه المهدي واسمه أحمد): قال كاتب السطور: (إنّ أبا محمد الأنصاري قد بتر الرواية، وإنها في الأصل "أحمد بن عبد الله")، وقال: (إنّ اسم السيد هو (أحمد بن إسماعيل)، والرواية بالتالي لا تنطبق عليه، كما يزعم). أقول: إنّ هذه الرواية قد وردت عن حذيفة بن اليمان كما ذكر أبو صالح السليلي، فقد قال: (عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان في حديث قد تقدم، قال: ثم ذكر السفياني وذكر خروجه وقصصه، إلى أن يبلغ: فيضرب أعناق من فر إلى بلد الروم بباب دمشق، فإذا كان ذلك نادى مناد من السماء: ألا أيها الناس، إنّ الله قد قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم وولاكم خير أمة محمد، فألحقوه بمكة فإنه المهدي، واسمه أحمد بن عبد الله) ([39]). وهذه الرواية قد نقل الشيخ الطوسي مثيلاً لها - إن لم تكن هي ذاتها - في موضعين من كتابه الغيبة، فقد أخرج عن حذيفة، قال: (سمعت رسول الله ص - وذكر المهدي - فقال: إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) ([40]). وهي تلتقي مع وصية رسول الله ص التي تذكر الأسماء الثلاثة عينها، كما أن كون المهدي هو (أحمد) المذكور في وصية رسول الله ص قد قامت عليه عشرات الأدلة، كما دللنا في كتاب (جامع الأدلة). أما كون السليلي قد ذكر إن اسم أبيه (عبد الله) فهذا إما أن يكون خطأ من النساخ، أو أن السليلي العامي المذهب قد أضافها لتوافق مذهبه، ويدل عليه أنّ الرواية كما يذكر السيد المرعشي قد وردت بصورة أخرى فيها (محمد بن عبد الله) ([41]). وعلى هذا نحن نتبع ما أثبته الدليل، لا ما ساقت له الظنون والتخرصات المذهبية، على أنّ كاتب السطور قد غفل عن ورود الرواية في غيبة الطوسي وحاول التخلص منها بالقول إن مصدرها عامي، وهذا علاج سقيم للغاية، فالرواية العامية التي نجد لها موافقاً في كتبنا لا ينبغي التعامل معها بمثل هذه الطريقة الرعناء. 9- يظهر ابن المهدي: ورد في كتاب بشارة الإسلام طبعة عام 1963 رواية عن سطيح الكاهن فيها حديث عن ظهور ابن المهدي ([42])، وعلى الرغم من اعتراف كاتب السطور بهذه الحقيقة، ونقله صورة للرواية كما وردت في كتاب البشارة المذكور، إلا أنه وبطريقة المتصيدين المفلسين يقول إن الأنصار قد بتروا الرواية وحرّفوها ! ولا أدري أي عقل أعوج هذا الذي يملكه كاتب السطور. إذ كيف يكون بترٌ وتحريفٌ والرواية موجودة فعلاً في الكتاب ؟ طبعاً إذا كان ثمة تحريف فالأولى أن يتهموا صاحب كتاب بشارة الإسلام الذي أورد الرواية في كتابه بصورة (ابن المهدي)، وهنا نسألهم بأي حجة تتهمونه ؟ الحجة التي يقدمها كاتب السطور تتمثل بقوله إنّ صاحب البشارة ينقل الرواية عن بحار الأنوار، وصاحب البحار ينقلها بدوره عن كتاب (مشارق الأنوار)، ويأتي بصور لمخطوطات أحدها لكتاب البحار وتأريخها عام (1695)، والأخرى لكتاب مشارق الأنوار تأريخها عام (1855). أي أنّ المخطوطتين كلتيهما مكتوبتان بعد مئات السنين من تأريخ كتابة الأصل، ولاسيما مخطوطة كتاب مشارق الأنوار التي كان صاحبها مقارباً لزمن العلامة الحلي([43])، وعليه يكون الاستدلال بالمخطوطتين دجل وضحك على ذقون المغفلين لا أكثر. إذ أنّ ثمة عشرات، بل مئات المخطوطات قد كُتبت في هذه الفترة، والمتوقع أن أخطاء كثيرة، وتدخلات لا تحصى قد حصلت، فكيف يمكن لأحد أن يستدل بمخطوطة واحدة من بين كمٍّ كبير من المخطوطات ؟ ولماذا لا يتصور هذا المستدل أن صاحب بشارة الإسلام قد وقعت يده على مخطوطة فيها عبارة(ابن النبي) ؟ الحق أنه لا يوجد غير سبب واحد هو الإفلاس والتصيد بالمياه بعد تعكير صفوها. ولا ينبغي أن ننسى أنّ الزعم بأنّ العلامة المجلسي قد اعتمد على ما رواه البرسي ليس صحيحاً على إطلاقه، فالمجلسي - كما ينقل عنه السيد الخوئي - قال في الفصل الأول من مقدمة كتاب البحار: (وكتاب مشارق الأنوار، وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي، ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله، لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع، وإنما أخرجنا منهما ما يوافق الأخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة) ([44]). وهذا يجعل الاستشهاد بمخطوطة من بين عشرات أو مئات المخطوطات لكتاب (مشارق الأنوار)، بل مخطوطة متأخرة كثيراً من جهة تأريخ كتابتها، يجعله أقرب ما يكون للعب الأطفال. وهاكم الرواية كما وردت في البحار، ثم في كتاب مشارق الأنوار، لتشهدوا بأم أعينكم وجود اختلاف نسبي بينهما، ولتعرفوا بالنتيجة أن صاحب البحار لم يعتمد كل الاعتماد على ما في (مشارق الأنوار) حتى بخصوص هذه الرواية: أ- قال في البحار: (روى البرسي في مشارق الأنوار عن كعب بن الحارث قال: إن ذا جدن الملك أرسل إلى السطيح لأمر شك فيه فلما قدم عليه أراد أن يجرب علمه قبل حكمه فخبأ له دينارا تحت قدمه ثم أذن له فدخل فقال له الملك: ما خبأت لك يا سطيح ؟ فقال سطيح: حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصم، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسم، وبكل فصيح وأبكم، لقد خبأت لي دينارا بين النعل والقدم، فقال الملك: من أين علمك هذا يا سطيح ! فقال: من قبل أخ لي حتى ينزل معي أنى نزلت. فقال الملك: أخبرني عما يكون في الدهور، فقال سطيح: إذا غارت الأخيار وقادت الأشرار، وكذب بالاقدار، وحمل المال بالأوقار، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار، وقطعت الأرحام، وظهرت الطغام، المستحلي الحرام، في حرمة الإسلام واختلفت الكلمة، وخفرت الذمة، وقلت الحرمة، وذلك عند طلوع الكوكب الذي يفزع العرب، وله شبيه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار، وتجف الأنهار، وتختلف الإعصار، وتغلو الأسعار، في جميع الأقطار. ثم تقبل البربر بالرايات الصفر، على البراذين السبر، حتى ينزلوا مصر فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرمات، و يترك النساء بالثدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة، فرب بيضاء الساق مكشوفة على الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قتل زوجها، وكثر عجزها، واستحل فرجها فعندها يظهر ابن النبي المهدي، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب، وابن عمه في الحرم، وظهر الخفي فوافق الوشمي فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه الظلوم فتظاهر الروم، بقتل القروم، فعندها ينكسف كسوف، إذا جاء الزحوف، وصف الصفوف. ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن، أبيض كالقطن اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهدياً، وسيداً علوياً فيفرج الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء، ويفرق الأموال في الناس بالسواء، ويغمه السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذاء ويرد الحق على أهل القرى، ويكثر في الناس الضيافة والقرى، ويرفع بعدله الغواية والعمى، كأنه كان غبار فانجلى، فيملأ الأرض عدلا وقسطا والأيام حباء، وهو علم للساعة بلا امتراء) ([45]). ب- وإليكم ما رواه صاحب مشارق الأنوار: (فأما أخبار سطيح فقد رواها كعب بن الحارث، قال: إن ذا يزن الملك أرسل إلى سطيح لأمر لا شك فيه، فلما قدم عليه أراد أن يجرب علمه قبل حكمه، فخبأ له دينارا تحت قدمه، ثم أذن له فدخل، فقال له الملك: ما خبأت لك يا سطيح ؟ فقال سطيح: حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصم، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسم، وكل فصيح وأبكم، لقد خبأت لي ديناراً بين النعل والقدم، فقال الملك: من أين علمك هذا يا سطيح ؟ فقال: من قبل أخ لي جني ينزل معي إذا نزلت، فقال الملك: أخبرني عما يكون في الدهر ؟ فقال سطيح: إذا غارت الأخيار، وغازت الأشرار، وكذب بالأقدار، وحمل المال بالأوقار، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار، وقطعت الأرحام، وظهر الطعام لمستحلي الحرام في حرمة الإسلام، واختلفت الكلمة، وغفرت الذمة، وقلت الحرمة، وذلك منذ طلوع الكوكب، الذي يفزع العرب، وله شبه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار، ثم تقبل البرر (الهزبرخ) بالرايات الصفر على البرازين البتر، حتى ينزلوا مصر، فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرمات، ويترك النساء بالثدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة، قرب بيضاء الساق مكشوفة، على الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قد قتل زوجها، وكثر عجزها، واستحل فرجها، فعندها يظهر ابن النبي المهدي، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب وابن عمه في الحرم، وظهر الخفي فوافق الوسمي، فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه المظلوم، فيطاهي الروم ويقتل القروم، فعندها ينكسف كسوف إذا جاء الزخوف وصف الصفوف، ثم يخرج ملك من اليمن من صنعاء وعدن أبيض كالشطن، اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهدياً، وسيداً علوياً، فيفرح الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء، ويفرق الأموال في الناس بالسواء، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذى، ويرد الحق على أهل القرى، ويكثر في الناس الضيافة والقرى، ويرفع بعدله الغواية والعمى، كأنه كان غبارا فانجلى، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، والأيام حبا، وهو علم الساعة بلا امتراء)([46]). ولكي نمنع وقوع الالتباس على بعض القراء أقول إن ورود العبارة بلفظ (ابن النبي المهدي) في الروايتين أعلاه، لا يعني أنها صحيحة، وإن ما وقع في كتاب بشارة الإسلام خطأ طباعي كما يزعم كاتب السطور، لأننا نعلم أن النسخ المطبوعة من الكتابين قد مر عليها مقص المحققين، فلعلهم قد وقعت في أيديهم نسخة فيها (ابن المهدي) كما وقعت في يد السيد الكاظمي مؤلف البشارة، ولكنهم لم يفهموا المراد منها فقاموا بتغييرها، فالفيصل في هذا الأمر هو أن نفهم نفس الرواية. وفي هذا الصدد يمكننا أن نلاحظ - ولو على عجالة - أنه قد عبر عن ظهور الإمام المهدي ع بقوله: (فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهدياً، وسيداً علوياً). بينما حديثه عن ابن المهدي (ابن النبي المهدي) واضح في أنّ ظهوره يسبق ظهور الإمام المهدي ع، فلا يمكن أن يكون المقصود منهما شخصاً واحداً، وعليه فالتعبير الصحيح الذي دلت عليه الروايات الكثيرة - كما أثبت أنصار الإمام المهدي ع - هو (ابن المهدي). أما قول كاتب السطور المفلس بأنّ السيد أحمد الحسن ع يتحمل مسؤولية وجود الأخطاء في كتب أنصاره؛ لأنه أشار إلى هذه الكتب في كتاب (وصي ورسول الإمام المهدي في التوراة والإنجيل والقرآن). فجوابه: قد ثبت أنه لا أخطاء سوى في رؤوس المنحرفين عن يماني آل محمد، وكذلك فإنّ إشارة السيد أحمد الحسن ناظرة إلى المواضع التي تناسب جوابه، والإشارة أخيراً لكتابٍ ما لا تعني قبول كل ما فيه، فيكون كلام كاتب السطور بالنتيجة مدفوعاً بالحقد لا أكثر. فموتوا بحقدكم، والصبح قريب لناظره. -ما يتعلق بالروايات الدالة على ثلاثة عشر إماماً: -حديث اللوح: على العموم الروايات الدالة على أنّ الحجج بعد رسول الله ص، هم الأئمة الإثنا عشر والمهديون الإثنا عشر كثيرة جداً، بل تفوق حد التواتر كما ثبت في محله، وكذلك الروايات التي دلت على أنّ الأئمة من ولد علي وفاطمة إثنا عشر، وقد أوردت الكثير منها في كتاب (ما بعد الإثني عشر مهدياً). وبالنسبة لحديث اللوح فقد وردت له في المصادر روايات كثيرة، تختلف فيما بينها من حيث العدد، ولمعرفة الحق لابد من تحقيق المسألة وفحص الروايات، وسأنقل هنا ما كتبته في كتاب (ما بعد الإثني عشر مهدياً) وهو رد على السيد مرتضى العسكري، وغيره ممن كتب في هذا الأمر، ولكن قبل هذا لابد أن نورد رواية الكافي، وهي كما يلي: (محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت إثني عشر آخرهم القائم ع، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي). وإليكم ما ورد في كتاب (ما بعد الإثني عشر مهدياً): (لتحقيق المسألة نسرد الروايات التي خالفت رواية الكافي في أهم المصادر، وننظر في أمرها، وكما يلي: 1- ما ورد في الخصال: (حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت إثني عشر أحدهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ([47]). 2- ما ورد في عيون أخبار الرضا: (حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت إثنا عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي) ([48]). 3- ما ورد في كمال الدين في موضعين: أ- (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، وعبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن محبوب عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت إثني عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم أجمعين) ([49]). ب- (حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح (مكتوب) فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي ص) ([50]). 4- ما ورد في من لا يحضره الفقيه: (وروى الحسن بن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر أحدهم القائم، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي)([51]). 5- ما ورد في الإرشاد: (عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة بنت رسول الله عليهما السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها، فعددت إثني عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي) ([52]). -وهنا نعلق بنقاط: 1- يتضح من تأمل هذه الأحاديث إنها قد ورد التعبير فيها بعبارة (من ولدها) التي تعني أنّ الأوصياء المشار إليهم من ولد فاطمة (عليها السلام)، باستثناء رواية العيون ورواية الخصال وإحدى روايات كمال الدين (الرواية = ب). وواضح أنّ هذه العبارة كفيلة بإرباك فهمهم لدلالة الأحاديث على الإثني عشر ص، باعتبار أنّ علياً ع زوج البتول وليس ولدها، فالثاني عشر من ولدها (عليها السلام) هو الإمام الثالث عشر. 2- بالنسبة لرواية الخصال التي لم ترد فيها عبارة (من ولدها) وردت في ذيلها عبارة: (ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي)، وقوله: (ثلاثة منهم علي) يُخرج أمير المؤمنين من العدد، فمعه يكون العدد أربعة لا ثلاثة، وكالتالي: 1- علي بن أبي طالب ع. 2- علي بن الحسين ع. 3- علي الرضا ع. 4- علي الهادي ع. إذن، عبارة (ثلاثة منهم علي) تدل على ما دلت عليه عبارة (من ولدها)، وتكون الرواية بالنتيجة دالة بدورها على الإمام الثالث عشر ع. 3- أمّا رواية العيون والرواية (ب) من كمال الدين، فيرد عليهما أنّ الشيخ الصدوق قد روى في كمال الدين (الرواية = أ)، وفي من لا يحضره الفقيه، وفي الخصال كذلك ما يخالف مضمونهما، بل أنّه صرّح في (من لا يحضره الفقيه) بعد أن روى الرواية المثبتة أعلاه بما يلي: (وقد أخرجت الأخبار المسندة الصحيحة في هذا المعنى في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة، ولم أورد منها شيئا في هذا الموضع لأني وضعت هذا الكتاب لمجرد الفقه دون غيره، والله الموفق للصواب والمعين على اكتساب الثواب) ([53]). وهذا الكلام فيه دلالة على أنّ ما رواه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) مقبول لديه، بل صحيح، بل هو الصحيح دون سواه، لاسيما إذا وضعنا بالاعتبار أنّ السيد البروجردي ينقل في كتابه (جامع أحاديث الشيعة) عن كمال الدين (إكمال الدين) ([54])، الرواية (ب) بصورة تختلف عمّا هو موجود في النسخة المطبوعة من كمال الدين. الأمر الذي يدل على أنّ النسخة المطبوعة قد تم التغيير بها من قبل محقق الكتاب، أو أنّه قد رجح المروي في نسخة من الكتاب على الموجود في نسخة أو نسخ أخرى، وإليكم ما رواه السيد البروجردي: (إكمال الدين 311- حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح (مكتوب - خ - إكمال - 313) آخرهم (أحدهم - فقيه) القائم ع ثلاثة منهم محمد ثلاثة منهم علي ص) ([55]). ويتأكد الأمر أكثر إذا ما علمنا أنّ الطوسي يروي في غيبته ما يوافق رواية الكافي، بحيث يمكننا أن نقول بقوة أنّ الروايات التي تخالف ما في الكافي هي التي تم التلاعب بها، وهذه رواية الشيخ الطوسي: (103- عنه، عن أبيه، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن نعمة السلولي، عن وهيب بن حفص، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن خالد، عن أبي السفاتج، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها [لوح فيه] أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت إثني عشر اسماً آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ([56]). 4- بالنسبة للروايات التي وردت فيها عبارة (من ولدها) وفي الوقت ذاته ورد فيها (أربعة منهم علي) فهي ظاهرة في التناقض، فكونهم من ولدها يُخرج علي بن أبي طالب ع من العدد، وهذا التناقض دليل واضح على تدخل الأيدي الغريبة التي رفعت عبارة (من ولدها) وغفلت عن العبارة الأخرى لتبقى دليلاً يفضح التدخل غير المحمود. 5- أمّا رواية الإرشاد فهي فضلاً عن ورود عبارة (من ولدها) فيها، فإنّ ثمة دليلاً آخر على حصول التلاعب فيها، فقد نقلها العلامة الحلي في مختصره المسمى (المستجاد من الإرشاد) بلفظ (وثلاثة منهم علي) كما يلي: (عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة بنت رسول الله ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها، فعددت أحد عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ([57]). وقد نص آقا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة على أنّ كتاب (المستجاد من الإرشاد) هو مختصر من إرشاد الشيخ المفيد ([58]). ويلحق بالشبهة نفسها قول الشيخ لطف الله الصافي التالي: (وأوضح من ذلك شاهداً على وقوع التحريف في خبر الكافي، وأنه مختصر من متنه الطويل، ما أخرجه الصدوق -قدس سره - قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب، وأحمد بن هارون القاضي -رضي الله عنهما - قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي، عن مالك السلولي، عن درست بن عبد الحميد، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على مولاتي فاطمة (عليها السلام) وقدامها لوح يكاد ضوءه يغشى الأبصار، فيه إثنا عشر اسماً ثلاثة في ظاهره، وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي إثنا عشر اسماً، فقلت: أسماء من هؤلاء ؟ قالت: هذه أسماء الأوصياء أولهم ابن عمي، وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم ع. قال جابر: فرأيت فيها محمداً محمداً محمداً في ثلاثة مواضع، وعلياً وعلياً وعلياً وعلياً في أربعة مواضع. فالعارف الخبير بفن الحديث، يعرف أنّ ما رواه الكليني في الكافي، والصدوق في العيون وكمال الدين، والشيخ في الغيبة، هو مختصر هذا الحديث) ([59]). ويرد عليه: إنّ هذه الرواية رواية أخرى غير تلك التي يرويها أبو الجارود عن الإمام الباقر ع، فهذه مروية عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر ع، فلا يصح هذا القول: (فالعارف الخبير بفن الحديث، يعرف أنّ ما رواه الكليني في الكافي، والصدوق في العيون وكمال الدين، والشيخ في الغيبة، هو مختصر هذا الحديث)؛ لأنه قد يُفهم من إطلاقه أنّ الروايتين رواية واحدة). أما كون اسم السيد أحمد الحسن لم يُذكر في روايات اللوح، فهذا الإشكال يشبه تماماً إشكالات الوهابية الذين يقولون إن اسم علي ع لم يُذكر في القرآن، تشابهت قلوبكم. -الخامس من ولد السابع: سأنقل أولاً ما كتبته في كتاب جامع الأدلة، ثم بعدها أجيب عن إشكالات كاتب السطور، وإليكم ما ورد في جامع الأدلة: ورد في كفاية الأثر للخزاز القمي: عن محمد بن الحنفية، قال: قال أمير المؤمنين ع: (سمعت رسول الله ص يقول، في حديث طويل في فضل أهل البيت ص: وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك) ([60]). الرسول ص يحدث أمير المؤمنين ع عن فتنة تقع عند فقدان الخامس من ولد السابع من ولد أمير المؤمنين ع، فهو يقول له: من ولدك. لنرى من يكون هذا الولد من أولاد علي ع: 1- الإمام الحسن 2- الإمام الحسين 3- الإمام السجاد 4- الإمام الباقر 5- الإمام الصادق 6- الإمام الكاظم 7- الإمام الرضا (وهو السابع) والآن لنعرف من هو الخامس من السابع من ولد أمير المؤمنين ع: 1- الإمام الجواد 2- الإمام الهادي 3- الإمام العسكري 4- الإمام المهدي 5- الإمام أحمد المذكور في وصية رسول الله ص. إذن، المقصود هنا هو أحمد بن الإمام المهدي ع، هو الخامس من السابع من ولد أمير المؤمنين. وهو الذي بفقدانه تكون الفتنة الصماء الصيلم أي الإختبار الذي يسقط فيه كل ذي وليجة وبطانة. وفي الكافي - الشيخ الكليني: قال: إنّ الإمام الكاظم ع قال لأولاده وأرحامه: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلنكم عنها أحد. يا بني، إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به !؟ إنما هي محنة من الله ( امتحن بها خلقه، لو علم أباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه. قال: فقلت: يا سيدي، من الخامس من ولد السابع ؟ فقال: يا بني، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه) ([61]). الإمام الكاظم ع يُحدث أولاده وأرحامه عن صاحب هذا الأمر، أي عن القائم ع، ويحذرهم من الامتحان الذي يحدث عند فقد الخامس من ولد السابع، ولكن هذه الرواية لا تقول أنه الخامس من ولد السابع من ولد أمير المؤمنين، فهل المقصود منها إذن الإمام المهدي محمد بن الحسن ع ؟ لنتساءل الآن: عن أي شيء تصغر عنه عقول أبناء الإمام الكاظم وأرحامه وتضيق عنه أحلامهم ؟ هم يسألونه عن الخامس من ولد السابع. فهل معرفة اسم الإمام المهدي محمد بن الحسن ع الذي يعرفه القاصي والداني، وذكرته الروايات، وغيبته التي وردت فيها عشرات الروايات، هل هذا هو ما تضيق عن حمله أحلام أبناء الإمام الكاظم وأرحامه وتصغر عنه عقولهم ؟ لاشك أنَّ بإمكاننا أنْ نقول أنّ الأمر يتعلق بشخص آخر ادّخره الله ليبتلي به الناس وتكون نتيجة هذا الابتلاء رجوع من كان يقول بأمرهم أي يخرج من ولايتهم ع. لنقرأ الرواية التالية: بحار الأنوار - العلامة المجلسي: وعن عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال علي ع: (كنت عند النبي ص في بيت أم سلمة ... إلى أن قال ع: ثم التفت إلينا رسول الله ص فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي: فقلت: يا رسول الله، فما تكون هذه الغيبة ؟ قال: الصبر ([62]) حتى يأذن الله له بالخروج...) ([63]). إذن، هو الخامس من ولد السابع من ولد أمير المؤمنين ع وهو أحمد كما سلف القول، والفتنة أو الاختبار ليس هو الغيبتان كما حصل للإمام المهدي ع، وإنما هو الصبر حتى يأذن الله له بالخروج. وأحمد هو صاحب الأمر الذي ذكره الإمام الكاظم ع. يقول كاتب السطور إنّ الخامس من ولد السابع من ولد رسول الله ص هو الإمام المهدي ع، والظاهر أنه لا يجيد حتى الحساب ! أما قوله إنها حين تُطلق يُفهم منها هذا، فهو مغالطة، إذ نحن نتحدث عن عبارة مقيدة بقوله ص: (من ولدي) أي ولد رسول الله ص، أو (من ولد علي، أو فاطمة) وهنا لابد من أخذ القيد بالاعتبار، وإخراج علي ع من جردة الحساب؛ لأنه ليس من ولد رسول الله ص، بل أخوه. أما حديث كاتب السطور عن الذي يُعقل والذي لا يُعقل فهو كلام مفلسين لا أكثر؛ لأنّ غير المعقول هو أن يستخدموا عبارة بمعنيين مختلفين دون وضع إشارة أو قيد، وهم كما سلف وضعوا القيد والإشارة. أما تعليقه على رواية: (كنت عند النبي ص في بيت أم سلمة ... إلى أن قال ع: ثم التفت إلينا رسول الله ص فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي: فقلت: يا رسول الله، فما تكون هذه الغيبة ؟ قال: الصمت حتى يأذن الله له بالخروج)، وهل أنّ اللفظ الصحيح هو (الصمت)، أم (الصبر)، أم (أصبت)، فالكلام فيه غير ذي جدوى فليس هو محل النزاع، فالنزاع حول من هو المقصود بعبارة (الخامس من ولد السابع من ولد رسول الله)، وكذلك فإن كلمة (الصمت) وردت في بعض النسخ، وقد أشار الكوراني لهذا، حين وضعها بين قوسين، أما صاحب كتاب (موجز عن دعوة السيد أحمد الحسن) فمراده الاستدلال على أن الرواية تتحدث عن غيبة واحدة، وهذا واضح من السؤال الوارد في الرواية: (فقلت: يا رسول الله، فما تكون هذه الغيبة ؟). ثم إننا لم نر لكاتب السطور تحقيقاً يبين اللفظ الصحيح، فهل مبلغ علمه التصيد فقط ؟ -من ولد رسول الله وولد علي: فيما يتعلق بالرواية التالية التي أخرجها الكليني في الكافي: (محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد الخشاب، عن ابن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: الإثنا عشر الإمام من آل محمد صكلهم محدَّث من رسول الله ص ومن ولد علي، ورسول الله وعلي عليهما السلام هما الوالدان) ([64]). يقول كاتب السطور عن هذه الرواية: (إنّ ناسخ كتاب الكافي قد وقع في سهو وخطأ حين كتبها، بدليل أنّ الشيخ المفيد قد نقل هذه الرواية عن الكافي في كتابه "الإرشاد"، وفيها: "وأحد عشر من ولده") !؟ وهنا كذب كاتب السطور كذبة صلعاء، فالشيخ المفيد لم ينقل من كتاب الكافي، بل نقل عن الكليني بوساطة، ولو كان نقل عن الكتاب لأورد سند الكليني نفسه، وعلى أي حال كنت قد أجبت عن هذه الشبهة التي طرحها السيد مرتضى العسكري في كتاب (ما بعد الإثني عشر إماماً)، وإليكم ما كتبته: (قال السيد مرتضى العسكري: (نقل هذه الرواية عن الكافي المفيد في الإرشاد والطبرسي في إعلام الورى ولفظهما كما يلي: الإثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدث: علي بن أبي طالب، وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان ص. وأخرج الرواية عن الكليني أيضاً الصدوق في كتابه: عيون أخبار الرضا والخصال ولفظه كما يلي: إثنا عشر إماماً من آل محمد كلهم محدثون بعد رسول الله، وعلي بن أبي طالب منهم. نتيجة البحث والمقارنة: يظهر من استعراضنا الحديث عن الكافي ومن أخذ منه أي الشيخ الصدوق والمفيد والطبرسي، إنّ النسّاخ قد أخطأوا في كتابة الحديث في الكافي بعد عصر الشيخ المفيد، ولم نقل بعد عصر الطبرسي؛ لأنّ الطبرسي يأخذ أخباره في إعلام الورى من كتاب الإرشاد للمفيد وينسج فيه على منواله) ([65]). وقد تبع السيد سامي البدري أستاذه العسكري في كتابه (شبهات وردود) ([66]). أمّا الشيخ لطف الله الصافي فقد قال: (والظاهر أنّه وقع في هذا المتن تحريف، فإنّ المفيد رضي الله عنه أخرج هذا الحديث بسنده عن الكليني ومتنه هكذا: الإثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدث: علي بن أبي طالب، وأحد عشر من ولده، ورسول الله ص وعلي هما الوالدان. وأخرجه الصدوق رضي الله عنه أيضاً عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه عن الكليني رضوان الله تعالى عليه بهذا اللفظ: إثنا عشر إماماً من آل محمد صكلهم محدثون، بعد رسول الله ص، وعلي بن أبي طالب منهم. فالمعول على رواية المفيد والصدوق) ([67]). جواب الشبهة: أمّا ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا، وفي الخصال، فهو التالي: (حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا أبو علي الأشعري، عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن سماعه، عن علي بن الحسن بن رباط، عن أبيه، عن ابن أذينة، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: نحن إثنا عشر إماماً من آل محمد كلهم محدَّثون بعد رسول الله ص وعلي بن أبي طالب منهم) ([68]). وأمّا ما رواه الشيخ المفيد، فهو التالي: (أخبرني أبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن (الحسن بن عبيد الله)، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي ابن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: "الإثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدَّث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان، صلى الله عليهما") ([69]). وأمّا ما رواه الشيخ الطبرسي: (وعنه، عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن الخشاب، عن الحسن بن سماعة، عن علي بن الحسين بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: من آل محمد إثنا عشر إماماً كلهم محدَّث من ولد رسول الله ص وولد علي بن أبي طالب ع، فرسول الله وعلي هما الوالدان) ([70]). ويلاحظ عليها: 1- إنّ ما ينقله الصدوق والمفيد رواية أخرى تختلف عن تلك التي يرويها الكليني في كتاب الكافي كما يدل اختلاف السند. فما يرويه الكليني في الكافي يرويه عن محمد بن يحيى، بينما يروي الصدوق والمفيد عن الكليني عن أبي علي الأشعري. فيتحصل أنّ الكليني - إن قبلنا الموجود في العيون والخصال كما هو - قد سمع الحديث مرّة من أبي علي الأشعري، ومرّة أخرى من محمد بن يحيى، وكل منهما يروي الحديث بصورة تختلف عن الآخر، ولعله - أي الكليني - تحصلت لديه قرائن تقوي رواية محمد بن يحيى فأثبتها في كتابه، دون الأخرى. وعليه يكون العسكري والصافي قد وقعا في وهم، فمن الواضح أنهما اعتبرا ما يرويه الصدوق والمفيد هو نفس المروي في كتاب الكافي. وبالنتيجة يسقط اعتراضهما ولا تتبقى له قيمة تُذكر، إذ أنّ قيمته منوطة بكون الصدوق والمفيد ينقلان عن كتاب الكافي، فيكون النقل المختلف دليلاً على وقوع خطأ في كتاب الكافي سببه النسّاخ. علماً أنّ السيد العسكري يسوق كلامه المذكور أعلاه كشاهد على وقوع أخطاء في كتاب الكافي، فقد قال قبله: (أخطاء في نسخ كتب الحديث ومع تسلسل الإسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت إلى رسول الله ص كما شاهدنا فإنّ فقهاء مدرستهم لم يسموا أي جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح كما فعلته مدرسة الخلفاء وسمّت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح، ولم يحجزوا بذلك على العقول ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور وإنما يعرضون كل حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث، ويخضعون لنتائج تلك الدراسات وذلك لأنهم يعلمون أنّ رواة تلك الأحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان لكل بشر لم يعصمه الله، وفعلا قد وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت وهو كتاب الكافي... الخ) ([71]). أمّا ما نقله الطبرسي فهو منقول عن الكافي، وباللفظ الموجود في الكافي نفسه، فلا أدري كيف غفل العسكري عن هذا وقال ما قال في كلامه المنقول أعلاه ؟ 2- إذا كان لابد من الشك، فالشك أولى بالمروي في كتب الصدوق والمفيد لاسيما بعد ملاحظة اختلاف المتن بين ما يرويانه. فهو يوحي للشاك بأنّ النسّاخ - وربما الرواة - قد التفتوا إلى دلالة الرواية على الإمام الثالث عشر، وحيث إنّ المستقر في أذهانهم أنّ الأئمة إثنا عشر غيّروا العبارة كلٌ بطريقته، فحصل الاختلاف. ويؤيده ارتكاز آخر يمثله علم النسّاخ بأنّ الرواة يروون بالمعنى، وبالتالي يتصوّرون إمكانية أن تكون عباراتهم قد أخطأت المعنى، فيتعزّز الدافع لإصلاح ما يظنونه خطأ. وبكلمة أخرى: دعوى العسكري والصافي تقبل العكس، فإذا كانوا يقولون: إنّ خطأً قد أوقعه النسّاخ في كتاب الكافي، وحجتهم على ذلك أنّ ما يرويه المفيد خصوصاً يختلف عن المروي في كتاب الكافي، فإن بإمكاننا عكس قضيتهم لتكون بالصورة التالية: إنّ اختلاف المروي عن المفيد مع الموجود في كتاب الكافي يدل على أنّ اليد العابثة قد امتدت لكتاب الشيخ المفيد، فغيرت فيه ما غيرت. وبهذا تكون دعوى مقابل دعوى، وترجيح دعوى على أخرى يستدعي دليلاً كما هو معروف. إذن نخلص مما تقدّم إلى أنّ مقالتهم لا تعدو عن كونها دعوى تفتقر إلى الدليل. قد يقال: إنّ الدليل هو أنّ المرتكِز في الذهن، بل ربما المجمع عليه هو أنّ الأئمة إثنا عشر إماماً، وكل ما يخالفه يكون خطأ لا محالة. والجواب أنّ المرتكز والمجمع عليه لابد أن يكون منشؤه النصوص، فالعمدة هي دلالة النصوص عليه، والنصوص لا تدل عليه فحسب، وإنما تدل عليه وعلى غيره. وإذا كان هذا الغير، أو هذه الزيادة غائبة عن الكثيرين، فغيابها عنهم لا يعني انعدامها، بل يعني حقاً أنّ الأذهان هي التي غابت ولم تلحظ النصوص، فهل يكون دليلنا على عدم وجود الشيء جهلنا به !؟ من المؤكد أنّ عدم نشوء ارتكاز في الذهن أو إجماع على الزيادة ليس بحجة تحملنا على رفضها، فكيف إذا كانت النصوص الدالة على الزيادة لا تنقض الارتكاز ولا الإجماع، بل تبقيه على حاله، وتضيف إليه جديداً. ومعلوم أنّ التعارض، أو التناقض لا يقع بين الأضيق والأوسع الذي يستوعب الأضيق ويزيد عليه. 3- ما يرويه الشيخ الصدوق والشيخ المفيد يمثل روايتين مختلفتين عن المروي في الكافي، والاشتراك في بعض المضمون لا يغير من الأمر شيئاً، لاسيما بعد ملاحظة اختلاف السند بين الروايات، كما أنّ اختلاف المضمون في بعض الجزئيات لا يدعو لنفض اليد من بعضها، ما لم يكن هناك تعارض مستحكم، وهو مفقود كما سلفت الإشارة. ولعل مما يؤيد كونها روايات مختلفة أنّ الإربلي في كشف الغمة، روى الخبرين معاً؛ أي ما رواه الكليني في الكافي، وما رواه المفيد، فقد روى: (عن زرارة قال سمعت أبا جعفر ع يقول: من آل محمد إثني عشر إماماً كلهم محدَّث ورسول الله ص وعلي هما الوالدان)([72]). وروى كذلك: (عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: الإثني عشر الأئمة كلهم من آل محمد كلهم محدَّث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان) ([73]). 4- يؤيد صحة خبر الكافي وروده في مصادر معتبرة، بعضها أقدم من كتاب الكافي مثل كتاب (بصائر الدرجات) فقد روى: (حدثنا عبد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن ابن سماعة وعلي بن الحسين بن رباطة، عن ابن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: الإثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدث من ولد رسول الله ص وولد علي ع فرسول الله ص وعلى عليهما السلام هما الوالدان. فقال عبد الرحمن بن زيد وذكر ذلك وكان أخاً لعلي بن الحسين لامه فضرب أبو جعفر ع فخذه فقال: إما ابن أمك كان أحدهم) ([74]). ومن المصادر المعتبرة التي روت الحديث كتاب (الغيبة) لمؤلفه الشيخ الطوسي، فقد ورد فيه: (وأخبرني جماعة، عن عدّة من أصحابنا، عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن الحسين بن عبد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن الحسن بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: الإثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم محدَّث [من] ولد رسول الله ص وولد علي بن أبي طالب ع، فرسول الله وعلي عليهما السلام هما الوالدان) ([75]). -إني وإثني عشر من ولدي: بخصوص الحديث التالي الذي أخرجه الكليني في الكافي: (محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجاورد، عن أبي جعفر ع، قال: قال رسول الله ص: إني وإثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الأرض أنّ تسيخ بأهلها فإذا ذهب الإثنا عشر من ولدي ساخت بأهلها ولم ينظروا). يقول كاتب السطور: (إن لفظ ولد ينصرف للمذكر والمؤنث، وبالتالي تكون فاطمة (عليها السلام) داخلة في عدد الإثني عشر)، وغفل تماماً ولعله تغافل عن ورود ألفاظ فيها لا تنصرف بدون قرينة إلا للأئمة ص من قبيل التعبير عنهم بزر الأرض، وإنّ الأرض تسيخ بأهلها إذا هم ذهبوا، ولا أدري لماذا هذا المنطق المزدوج، فالباء تجر إذا كانت باءهم ولا تجر إذا كانت باء غيرهم. فقبل قليل قال إنّ تعبير (الخامس من ولد السابع من ولد رسول الله) لا ينصرف لغيرهم، وقلنا له لا بأس نقبل بهذا، ولكنه مع وجود القرينة ينصرف شاء أنفك الصغير أم أبى، والآن يرضى بانصراف التعبير بزر الأرض وسيخها لغيرهم وبدون قرينة على الرغم من ورود عشرات الروايات التي تمنع انصرافه لغيرهم، فسبحان الله لقد اعوجّت عقول الرجال. أما باقي كلامه فمأخوذ من كلام السيد العسكري، وكنت قد رددت عليه في كتاب (ما بعد الإثني عشر إماماً)، وإليكم ما كتبته هناك: (قال عنه السيد العسكري: (الحديث 17 و 18 من كتاب الحجة وقد رواهما الكليني عن أبي سعيد العصفري: (ت: 150 ه‍) وبحثنا عن أبي سعيد العصفري فوجدنا الشيخ يقول عنه في الفهرست: عباد أبو سعيد العصفري، له كتاب أخبرنا به جماعة عن التلعكبري عن ابن همام، عن محمد بن خاقان النهدي، عن محمد بن علي أبي سمينة، عن أبي سعيد العصفري، واسمه عباد. وقال النجاشي: كوفي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران، قال: حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن خاقان النهدي، قال: حدثنا أبو سمينة بكتاب عباد. وبحثنا عن كتابه فوجدنا صاحب الذريعة يقول: أصل عباد العصفري أبي سعيد الكوفي هو من الأصول الموجودة، ووجدناه يقول عن هذا الأصل واصل عاصم: استنسخ من نسخة الوزير منصور بن الحسن الآبي، وهو كتبها عن أصل محمد بن الحسن القمي الذي رواه عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري سنة 374 ه‍. ووجدنا الشيخ النوري يبحث في مستدركه عن أصل أبي سعيد بتفصيل وافٍ، ويقول: فيه تسعة عشر حديثاً، ثم يصف أحاديثه، وينقل تراجم أبي سعيد عن مختلف كتب الرجال. ووجدنا نسخة خطية من أصل العصفري بنفس الأوصاف التي وردت عنه في المستدرك والذريعة بالمكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن مجموعة باسم الأصول الأربعمائة. فقارنا بين الحديثين في أصل العصفري هذا، ونسخة الكافي الموجودة لدنيا، فوجدنا ما يلي: أ - الحديث السابع عشر: في الكافي: 17- محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع قال: قال رسول الله ص: "إني وإثني عشر من ولدي، وأنت يا علي زر الأرض - يعني أوتادها وجبالها - بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها، ولم ينظروا". وفي أصل العصفري: عباد، عن عمرو، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع قال: قال رسول الله ص: إني واحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض - يعني أوتادها [و] جبالها - [بنا أوتد الله] الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا. نتيجة المقارنة: و "اثني عشر من ولدي" و "الاثنا عشر من ولدي" في نسخة الكافي تحريف والصواب ما ورد في أصل العصفري: و "أحد عشر من ولدي" و "والأحد عشر من ولدي" والذي يروى الكليني الحديث عنه) ([76]). إذن، السيد العسكري يرى وقوع خطأ في كتاب الكافي لوجود الاختلاف بينه وبين أصل العصفري (أو العصفوري كما في سند الكليني). جواب الشبهة: كان يمكن أن يكون لهذه الشبهة وجه لو أنّ الكليني نقل عن الأصل المذكور، ولكنه وبشهادة سنده لا ينقل عنه، فالكليني يروي بالسند التالي: (محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجاورد عن أبي جعفر ع). ولو كان ينقل عن الأصل لكان أبو سعيد العصفري أو العصفوري في رأس قائمة السند، ولكان سند الكافي نفس سند أصل العصفري، لأنه يكون في هذه الحالة ينقل من كتاب هو الأصل المذكور، وعليه يتضح أنّ هذه الشبهة وهم لا قيمة له، فالكليني لم ينقل عن كتاب (أصل العصفري)، وإنما روى عن نفس العصفري بواسطة). -من ولدي إثنا عشر نقيباً: بخصوص الحديث التالي الذي يرويه الكليني في الكافي: (عن أبي جعفر ع، قال: قال رسول اللهص: من ولدي إثنا عشر نقيباً نجباء مفهمون محدثون آخرهم القائم بالحق ليملأها عدلاً كما ملئت جوراً)، يكرر كاتب السطور الأخذ عن كتاب السيد العسكري دون أن يشير له، وحيث إني فندت أقوال العسكري في كتاب (ما بعد الإثني عشر إماماً)، فسأنقل هنا ما قلته: (قال العسكري: الحديث الثامن عشر: ورد في الكافي: 18- وبهذا الإسناد، عن أبي سعيد رفعه، عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله ص: من ولدي إثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملاها عدلاً كما ملئت جوراً. وفي أصل العصفري: عباد، رفعه إلى أبي جعفر، قال: قال رسول الله ص: من ولدي أحد عشر نقباء، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. نتيجة المقارنة: ما ورد في نسخة الكافي (إثنا عشر) تحريف وما ورد في أصل العصفري (أحد عشر) هو الصواب. ولا يحتاج هذا البيان إلى استدلال عليه؛ لأنّ الكليني إنما روى في الكافي عن أصل العصفري ونرى أنّ الخطأ من قلم النسّاخ. ولفظ سندي الحديثين من التلعكبري راوي هذا الأصل عن عباد العصفري فهو الذي يقول في صدري الحديثين (عباد) وهو الذي يقول: في سند الحديث الثاني (عباد، رفعه) كما ورد في الأصل، وفي نسخة الكافي) ([77]). جواب الشبهة: مفاد هذه الشبهة نفس مفاد الشبهة السابقة، والجواب عليها ذات الجواب، فالكليني لا يروي عن أصل العصفري كما زعم العسكري بل يروي عنه شخصاً، وقول الكليني (وبهذا الإسناد) يشير إلى إسناد الرواية التي تسبق هذه الرواية، وهو التالي: (محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع). ويقول كاتب السطور إنّ الإيمان رهن بمعرفة الاسم، وهذا تدل عليه الرواية التي نقلها من دلائل الإمامة، ولكن عليه أن يفهم الآن أنّ المقدار الواجب من هذه المعرفة هو معرفة إمام الزمان، فمن مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. وورد عن أبي عبد الله ع، قوله: (... ثم أخبرك أنّ أصل الدين هو رجل، وذلك الرجل هو اليقين وهو الإيمان، وهو إمام أهل زمانه، فمن عرفه عرف الله ودينه، ومن أنكره أنكر الله ودينه، ومن جهله جهل الله ودينه، ولا يعرف الله ودينه وشرايعه بغير ذلك الإمام، كذلك جرى بأنّ معرفة الرجال دين الله (.. الخ) ([78]). وهذه الشبهة التي لا يعلم من أطلقها حدودها، وما يمكن أن يترتب عليها من إخراج الكثير من المؤمنين من دائرة الإيمان، أقول: هذه الشبهة كان. (قالت الزيدية: لو كان خبر الأئمة الإثني عشر صحيحاً لما كان الناس يشكون بعد الصادق جعفر بن محمد ع في الإمامة حتى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله وطائفة بإسماعيل وطائفة تتحير حتى أن الشيعة منهم من امتحن عبد الله بن الصادق ع فلما لم يجد عنده ما أراد خرج وهو يقول: إلى أين ؟ إلى المرجئة أم إلى القدرية ؟ أم إلى الحرورية، وإنّ موسى بن جعفر سمعه يقول هذا فقال له: لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى الحرورية، ولكن إليّ. فانظروا من كم وجه يبطل خبر الإثني عشر أحدها جلوس عبد الله للإمامة، والثاني إقبال الشيعة إليه، والثالث حيرتهم عند امتحانه، والرابع أنهم لم يعرفوا أنّ إمامهم موسى بن جعفر ع حتى دعاهم موسى إلى نفسه وفي هذه المدة مات فقيههم زرارة بن أعين وهو يقول والمصحف على صدره: "اللهم إني أئتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف". فقلنا لهم: إنّ هذا كله غرور من القول وزخرف، وذلك أنا لم ندع أن جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الأئمة الإثني عشرص بأسمائهم، وإنما قلنا: إنّ رسول الله ص أخبر أنّ الأئمة بعده الإثنا عشر، الذين هم خلفاؤه وأن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث، فأما زرارة بن أعين فإنه مات قبل انصراف من كان وفده ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفر ع من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الذي هو القرآن على صدره، وقال: اللهم إني أئتم بمن يثبت هذا المصحف إمامته، وهل يفعل الفقيه المتدين عند اختلاف الأمر عليه إلا ما فعله زرارة، على أنه قد قيل: إنّ زرارة قد كان عمل بأمر موسى بن جعفر ع وبإمامته وإنما بعث ابنه عبيداً ليتعرف من موسى بن جعفر ع هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه، وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته) ([79]). فالشيعة بحسب كلام الشيخ الصدوق ما كانوا كلهم يعرفون أسماء الأئمة الإثني عشر ص، فهل يخرجهم هذا من دائرة الإيمان والتشيع ؟ بطبيعة الحال لا يخرجهم شاء كاتب السطور غير المتورع أم أبى، فيكفيهم معرفة إمام زمانهم. -بعدنا إثنا عشر وصياً: بخصوص الرواية التالية: (أبان عن سليم عن سلمان، قال: كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلاً من أهل البيت قطعت حديثها. فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم: ما مثل محمد في أهل بيته إلاّ كمثل نخلة نبتت في كناسة، فبلغ ذلك رسول الله ص فغضب، ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من أنا ؟ قالوا: أنت رسول الله. قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ثم مضى في نسبه حتى انتهى إلى نزار، خلق أهل البيت ص ونسبهم، ثم قال: ألا وإني وأهل بيتي كنا نوراً نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلب آدم، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذفه في النار في صلب إبراهيم. ثم لم يزل ينقلنا في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتداً وأكرم المغارس منبتاً بين الآباء والأمهات، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط. ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين وفاطمة والمهدي. اختار الله محمداً وعلياً والأئمة صحججاً ألا وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا فبعثني رسولاً ونبياً، والآخر علي بن أبي طالب، وأوحى إلي أن أتخذه أخاً وخليلاً ووزيراً ووصياً وخليفة. ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، مَن والاهُ والاهُ اللهُ ومَن عاداهُ عاداهُ اللهُ. لا يحبه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ كافر. هو زر الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى وعروته الوثقى. ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾([80]). ألا وإنّ الله نَظَرَ نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصياً من أهل بيتي، فجعلهم خيار أمتي واحداً بعد واحد، مثل النجوم في السماء، كلما غاب نجم طلع نجم. هم أئمة هداة مهتدون لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم. هم حجج الله في أرضه، وشهدائه على خلقه، وخزان علمه، وتراجمة وحيه، ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض. فليبلغ الشاهد الغائب. اللهم اشهد، اللهم اشهد - ثلاث مرات -) ([81]). يقول كاتب السطور: (إن هذه الرواية فيها خطأ لأنها موجودة - على حد زعمه - بتفصيل أكبر في كتاب سليم كذلك)، ويسرد الرواية التالية: (قال علي ع: ثم مررت بالصهاكي يوماً فقال لي: ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة، فأتيت رسول الله ص فذكرت له ذلك. فغضب النبي ص وخرج مغضباً فأتى المنبر، وفزعت الأنصار فجاءت شاكة في السلاح لما رأت من غضب رسول الله ص، فقال: ما بال أقوام يعيرونني بقرابتي ؟ وقد سمعوا مني ما قلت في فضلهم وتفضيل الله إياهم وما اختصهم الله به من إذهاب الرجس عنهم وتطهير الله إياهم، وقد سمعتم ما قلت في أفضل أهل بيتي وخيرهم مما خصه الله به وأكرمه وفضله من سبقه في الإسلام وبلاؤه فيه وقرابته مني وأنه بمنزلة هارون من موسى، ثم تزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة ؟ ألا إن الله خلق خلقه ففرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين. ثم فرق الفرقة ثلاث فرق، شعوباً وقبائل وبيوتاً وجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة. ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([82])، فحصلت في أهل بيتي وعترتي وأنا وأخي علي بن أبي طالب. ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم، ثم نظر نظرة فاختار أخي علياً ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. فبعثني رسولاً ونبياً ودليلاً، فأوحى إليّ أن أتخذ علياً أخاً وولياً ووصياً وخليفة في أمتي بعدي. ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله ومن أحبه أحبه الله ومن أبغضه أبغضه الله. لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. رب الأرض بعدي وسكنها وهو كلمة الله التقوى وعروة الله الوثقى. أتريدون أن تطفؤوا نور الله بأفواهكم ؟ والله متم نوره ولو كره المشركون. ويريد أعداء الله أن يطفؤوا نور أخي، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. يا أيها الناس، ليبلغ مقالتي شاهدكم غائبكم. اللهم اشهد عليهم. يا أيها الناس، إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصياً من أهل بيتي وهم خيار أمتي منهم أحد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد كلما هلك واحد قام واحد منهم. مثلهم كمثل النجوم في السماء كلما غاب نجم طلع نجم؛ لأنهم أئمة هداة مهتدون، لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم بل يضر الله بذلك من كادهم وخذلهم. فهم حجة الله في أرضه وشهداءه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي. أول الأئمة أخي علي خيرهم، ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين، وأمهم ابنتي فاطمة صلوات الله عليهم. ثم من بعدهم جعفر بن أبي طالب ابن عمي وأخو أخي، وعمي حمزة بن عبد المطلب. ألا إني محمد بن عبد الله. أنا خير المرسلين والنبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة، وعلي وبنوه الأوصياء خير الوصيين، وأهل بيتي خير أهل بيوتات النبيين وابناي سيدا شباب أهل الجنة. أيها الناس، إن شفاعتي ليرجوها رجاءكم، أفيعجز عنها أهل بيتي ؟ ما من أحد ولده جدي عبد المطلب يلقى الله موحداً لا يشرك به شيئاً إلا أدخله الجنة ولو كان فيه من الذنوب عدد الحصى وزبد البحر. أيها الناس، عظموا أهل بيتي في حياتي ومن بعدي وأكرموهم وفضلوهم، فإنه لا يحل لأحد أن يقوم من مجلسه لأحد إلا لأهل بيتي. إني لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي ربي تبارك وتعالى فسجدت وأذن لي بالشفاعة، لم أوثر على أهل بيتي أحداً. أيها الناس، انسبوني من أنا ؟ فقام إليه رجل من الأنصار فقال: نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، أخبرنا - يا رسول الله - من الذي آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه وليبر عترته. فقال: انسبوني، أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم حتى انتسب إلى نزار، ثم مضى في نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، ثم قال: إني وأهل بيتي بطينة طيبة من تحت العرش إلى آدم نكاح غير) ([83]). ولا أدري أي منطق علمي هذا، بل أي أهواء تتبع، فهل من المقبول علمياً أن يقول أحد إن هذه الرواية فيها خطأ وتلك سليمة دون بيان وبلا برهان، بل فقط لأن هذه لم تعجبه، وتلك أعجبته ؟ ثم من الواضح لكل ذي عقل سليم لم تفسده الأحقاد أنّ هذه رواية أخرى غير تلك، والاختلاف بينهما خير شاهد، أما كون سبب هذه الرواية وتلك واحد وهو قولهم: (ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة)، فإن وحدة السبب لا تقتضي وحدة الحادثة، فمن الجائز أن تكون هذه الكلمة قد تكررت وتكرر معها تقريع قريش على لسان رسول الله ص، بل إن سياق الروايتين تدلان على التعدد، فسياق الرواية الأولى هو التالي: (كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلاً من أهل البيت قطعت حديثها. فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم: ما مثل محمد في أهل بيته إلاّ كمثل نخلة نبتت في كناسة, فبلغ ذلك رسول الله ص فغضب، ثم خرج فأتى المنبر)، بينما سياق الرواية الثانية هو التالي: (قال علي ع: ثم مررت بالصهاكي يوما فقال لي: ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة فأتيت رسول الله ص فذكرت له ذلك. فغضب النبي ص وخرج مغضبا فأتى المنبر). ففي الرواية الأولى قريش تتحدث في مجالسها، ويبلغ ذلك الرسول، وفي الثانية يمر علي ع بعمر (الصهاكي) فيقول له هذه الكلمة، فيأتي علي ع رسول الله ص ويبلغه بمقالة عمر. فالحادثة قد تعددت إذن، وسليم بن قيس على أية حال يرويهما بوصفهما روايتين، لا رواية واحدة. وأخيراً إذا كان لابد من القول بوقوع الخطأ فلماذا لا يكون الخطأ قد وقع في هذه الرواية دون تلك ؟ -علي على سنة المسيح: أخرج الكليني في الكافي، عن (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ع، قال: إنّ الله أرسل محمداً ص إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصياً، منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصي جرت به سنة والأوصياء الذين من بعد محمد صعلى سنة أوصياء عيسى وكانوا اثني عشر وكان أمير المؤمنين ع على سنة المسيح) ([84]). وفي هذه الرواية الأوصياء بعد رسول الله ص إثنا عشر، وكل وصي جرت به سنة، وهم على سنة أوصياء عيسى ع وهم إثنا عشر وصياً، ولكن أمير المؤمنين ع على سنة عيسى، إذن ليس هو من الإثني عشر، بل معه يكون عدد الأوصياء ثلاثة عشر. فتكون هذه الرواية قد أفردت علياً ع، واستثنته من عدد الإثني عشر. ولكن كاتب السطور يقول: (إن قول الإمام الباقر ع (وجعل من بعده إثني عشر وصياً) يعني من ضمنهم أمير المؤمنين ع لأنه أول الأوصياء الإثني عشر كما هو معروف). ويرى أن معنى كون علي على سنة عيسى هو شبهه به من جهة حب الناس له حتى أنزلوه منزلة الألوهية، وخفاء ولادته، ويخلص إلى نتيجة هي أن الرواية لا تدل على أن الأئمة ثلاثة عشر إماماً. أقول: على كاتب السطور أن يتعلم القراءة جيداً، فالرواية تقول: (وكل وصي جرت به سُنّة)، وهذا يعني أنّ كل وصي مختص بسُنّة معينة، وأوصياء عيسى إثنا عشر وصياً فتكون لدينا إثنتا عشرة سُنة، وعيسى اختُص بسُنة فهذه ثلاث عشرة سُنة، علي ع على سنة عيسى، فتبقى إثنتا عشرة سنة كل سنة منها يختص بها وصي، فالأوصياء يكونون ثلاثة عشر وصياً. وإذا لم يفهم كاتب السطور هذا المنطق المبسط فأحرى به أن يترك القلم فبعض الرجال خُلقوا لقصعة وثريد، كما يقال. أخيراً، فإن حديث كاتب السطور عن خفاء ولادة علي ع لا يصدر عن مجنون فضلاً عن عاقل، فولادته ع في جوف الكعبة أدعى لئن يعرف الجميع بولادته لا العكس كما يقول كاتب السطور. -إذا تواتت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي: بخصوص الحديث الوارد في كتاب الهداية الكبرى: عن الصادق ع، عن أبيه، عن جده الحسين، عن عمه الحسن، عن أمير المؤمنين، عن رسول الله ص، قال: (إذا تواتت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي فرابعهم القائم المؤمل المنتظر) ([85]). يقول كاتب السطور: (إنّ هذه الرواية فيها خطأ، والصحيح هو ما في كتاب دلائل الإمامة باعتبار أن ما يرويانه رواية واحدة سندها واحد). والجواب: إنّ السندين يلتقيان عند (محمد بن سنان)، ولكن صاحب الهداية الكبرى يروي عنه بوساطة واحدة، بينما يروي عنه صاحب دلائل الإمامة بوسائط كثيرة وكما يلي: أ- دلائل الإمامة: (وبهذا الإسناد عن رسول الله ص أنه قال: إذا توالت ثلاثة أسماء من الأئمة من ولدي: محمد وعلي والحسن، فرابعها هو القائم المأمول المنتظر) ([86]). ويقصد بقوله (بهذا الإسناد) إسناد الرواية التي تسبق هذه وهو التالي: (وحدثنا أبو المفضل، قال: حدثنا محمد بن الحسن الكوفي، عن محمد بن عبد الله الفارسي، عن يحيى بن ميمون الخراساني، عن عبد الله بن سنان، عن أخيه محمد بن سنان الزاهري، عن سيدنا الصادق جعفر بن محمد ع، عن أبيه، عن جده الحسين، وعن عمه الحسن، عن أمير المؤمنين ع، عن رسول الله ص). ب- الهداية الكبرى: (عنه قال: حدثني محمد بن سنان الزاهري عن الصادق ع عن أبيه عن جده الحسين، عن عمه الحسن، عن أمير المؤمنين عن رسول الله ص قال: (إذا تواتت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي فرابعهم القائم المؤمل المنتظر). وقوله (عنه) يقصد به "موسى بن محمد"). إذن، إذا كان لابد من القول بوجود خطأ فالأولى أن يكون في الرواية ذات الوسائط الكثيرة. على أنّ من الجائز جداً أن يكون ما يرويه صاحب الهداية الكبرى رواية أخرى غير ما يرويه صاحب دلائل الإمامة، واتحاد السند في بعض الوسائط - بل حتى في جميعهم - لا يعني أنّ المروي واحد، كما هو معروف. بل إن ما يرويانه هو روايتين فعلاً، فرواية صاحب الهداية الكبرى فيها: (إذا تواتت أربعة أسماء)، بينما رواية صاحب دلائل الإمامة فيها: (إذا توالت ثلاثة أسماء)، والأربعة غير الثلاثة، أليس كذلك يا كاتب السطور ؟ ويقول كاتب السطور كذلك: (إنّ رواية صاحب الهداية الكبرى لم تذكر أسماء فكيف تستدلون بها ؟). والجواب: إنّ الرواية قالت: (إذا تواتت أربعة أسماء) أي توافقت. وتوافقُ أربعة أسماء إما أن يكون باسم (علي) وهو ممتنع؛ لأنه يُخرج الإمام محمد المهدي ع، وإما أن يكون باسم (محمد) وهو المتعين وفيه يدخل اسم (أحمد) لتوافقه مع اسم محمد، فتكون الأسماء الأربعة: (محمد الباقر - محمد الجواد - محمد المهدي - أحمد). -أبوه الذي يليه: بخصوص الرواية التالية التي يرويها سليم بن قيس في كتابه: في خبر طويل: (... ثم ضرب بيده على الحسين ع فقال: يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به) ([87]). وهذه الرواية تدل على أنّ المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً - وطبعاً بأمر أبيه الإمام المهدي - هو أحمد، بدلالة قوله ص: (أبوه الذي يليه) أي يأتي بعده، والحسن العسكري ع جاء قبل الإمام المهدي وليس بعده، بينما أحمد جاء قبل أبيه لأنه رسول منه، وكذلك لأن الإمام المهدي ع أفضل من أبيه العسكري كما دلت الروايات، والرواية هذه تقول إن أبا المهدي أفضل من المهدي، فهي إذن لا تنطبق على الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، بل على ابنه (أحمد). وإليكم بعض الروايات التي تدل على أن الإمام المهدي أفضل من آبائه باستثناء أصحاب الكساء ص: فالمهدي بحسب هذا الحديث الشريف أبوه يليه، أي يأتي بعده، وهو ما ينطبق على أحمد ع؛ لأنه يرسله أبوه ليقوم بالأمر ويطهر الأرض. أما كاتب السطور فيأتي بالعجب العجاب، فيقول: (الهاء في يليه ضمير يعود على الحسن العسكري ع) !! أي أنّ هذه العبارة: (أبوه الذي يليه إمام وصي عالم) تكون هكذا بحسب كاتب السطور: (أبوه الذي يلي الحسن العسكري إمام وصي عالم) !! ولو سألنا كاتب السطور عن الهاء في كلمة (أبوه) على من تعود ؟ فليس من شك في أنّ الكلام عن المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً فالهاء تعود عليه، فيكون المقصود من (الأب) هو الحسن العسكري بحسب فهم كاتب السطور، وتكون العبارة بالنتيجة هكذا: (الحسن العسكري الذي يلي الحسن العسكري إمام وصي عالم) !؟ وأعتقد إن هذا الكلام لا يصدر من مجنون عادي. أما كلام صاحب السطور عن الأفضلية التي تتحدث عنها الرواية، فلا يقل غرابة وانحرافاً عن سابقه، فهو مصادرة وتحكم من جهة، لأنه يجعل فهمه للرواية صحيحاً سلفاً، بينما هي موضع النزاع، ويرتِّب عليه النتيجة التي يريدها، وهو من جهة أخرى تخرُّصٌ لا دليل عليه. أما الرواية التي يستدل بها وهي التالية: ورد في كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري، في رواية طويلة ... قال رسول الله ص لفاطمة (عليها السلام): (إنّ لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس ثواقب نوافذ، ومناقب ليست لأحد من الناس: إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك؛ لأن الله علمني علماً لا يعلمه غيري وغيره، ولم يعلم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلمه علياً ففعلت ذلك. فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره. وإنك - يا بنية - زوجته، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي. وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإنّ الله جل ثناؤه علمه الحكمة وفصل الخطاب. ميزات أهل البيت ص الخاصة يا بنية، إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحداً من الأولين ولا أحداً من الآخرين غيرنا: أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم، ووصيي خير الوصيين، ووزيري بعدي خير الوزراء، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي. قالت: يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك ؟ قال: لا، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء. وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة. وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة. ومنا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. قالت فاطمة (عليها السلام): يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟ فقال رسول الله ص: أخي علي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول الله ص بيده إلى الحسين ع - منهم المهدي والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه والآخر وصي الأول. إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا. إخبار النبي ص بتظاهر الأمة على علي ع من بعده. ثم نظر رسول الله ص إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان، اشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. أما إنهم معي في الجنة. ثم أقبل النبي ص على علي ع فقال: يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعواناً فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة. إنه قال لأخيه موسى: ﴿إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني﴾) ([88]). والمهدي المقصود في هذه الرواية (أحمد) ابن الإمام المهدي ع، بدلالة قوله (والذي قبله أفضل منه) والإمام محمد بن الحسن كما ثبت من الروايات أفضل من أبيه، فلا يكون هو المقصود، وبالنتيجة يكون كلام كاتب السطور فارغًا من الدليل تماماً. -إثنا عشر إماماً هدىً من ذرية نبيها وهم مني: بخصوص هذه الرواية التي أخرجها الكليني: (محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله ومحمد بن الحسين، عن إبراهيم، عن أبي يحيى المدائني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنت حاضراً لما هلك أبو بكر واستخلف عمر أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب وتزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه حتى رفع إلى عمر فقال له: يا عمر، إني جئتك أريد الإسلام فإن أخبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمد بالكتاب والسنة وجميع ما أريد أن أسأل عنه، قال: فقال له عمر: إني لست هناك لكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما قد تسأل عنه وهو ذاك - فأومأ إلى علي ع - فقال له اليهودي: يا عمر، إن كان هذا كما تقول فمالك ولبيعة الناس وإنما ذاك أعلمكم ! فزبره عمر، ثم إنّ اليهودي قام إلى علي ع فقال له: أنت كما ذكر عمر ؟ فقال: وما قال عمر ؟ فأخبره، قال: فإن كنت كما قال سألتك عن أشياء أريد أن أعلم هل يعلمه أحد منكم فأعلم أنكم في دعواكم خير الأمم وأعلمها صادقون ومع ذلك أدخل في دينكم الإسلام، فقال أمير المؤمنين ع: نعم أنا كما ذكر لك عمر، سل عما بدا لك أخبرك به إن شاء الله. قال: أخبرني عن ثلاث وثلاث وواحدة، فقال له علي ع: يا يهودي، ولم لم تقل أخبرني عن سبع، فقال له اليهودي: إنك إن أخبرتني بالثلاث سألتك عن البقية وإلاّ كففت، فإن أنت أجبتني في هذه السبع فأنت أعلم أهل الأرض وأفضلهم وأولى الناس بالناس، فقال له: سل عما بدالك يا يهودي، قال: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض ؟ وأول شجرة غرست على وجه الأرض ؟ وأول عين نبعت على وجه الأرض ؟ فأخبره أمير المؤمنين ع، ثم قال له اليهودي: أخبرني عن هذه الأمة كم لها من إمام هدى ؟ وأخبرني عن نبيكم محمد أين منزله في الجنة ؟ وأخبرني من معه في الجنة ؟ فقال له أمير المؤمنين ع: إنّ لهذه الأمة إثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني، وأمّا منزل نبينا في الجنة ففي أفضلها وأشرفها جنة عدن، وأمّا من معه في منزله فيها فهؤلاء الإثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم وأم أمهم وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد)([89]). يقول كاتب السطور محتجاً على تفسير الأنصار للحديث، وهو تفسير مستند لنص الرواية، يقول: (هل نسي أمير المؤمنين نفسه) ؟ والجواب: لا، لم ينس نفسه بل يدل حديثه على أن الأئمة معه ثلاثة عشر إماماً، وكلامك مجرد مغالطة ومصادرة سَمِجَة، فأنت تقرّر سلفاً أنّ الأئمة إثنا عشر ثم تتساءل: هل نسي علي نفسه، وهل هو ليس بإمام ؟! بينما لو فهمت الرواية جيداً، وإنها تدل على أنّ الأئمة ثلاثة عشر لما بقي لسؤالك مجال. ويعترض مرّةً أخرى بكلام مضمونه: (هل يعني هذا إن علياً ليس معهم في الجنة ؟؟). والجواب: إنّ علياً ع ما كان بصدد الحديث عن منزلته، وعدم نصه هنا على منزلته مع رسول الله ص في الجنة لا يعني أنه ليس معه فيها، وقوله: (لا يشركهم فيها أحد) قد يراد منه بيان أنّ الجنة منازل ودرجات فليس جميع الناس في منزلة واحدة، وإذا كانت الرواية تظهر في أنّ هؤلاء الإثنا عشر ورسول الله ص في منزلة واحدة دون سواهم، أي لا يشركهم غيرهم، فلابد من نفض اليد من هذا الظاهر لدلالة روايات أخرى على خلافه، والصيرورة بالنتيجة إلى ما قلنا من أنّ المراد هو إنّ الجنة منازل كثيرة، ومنزلة الرسول وأهل بيته رفيعة جدّاً لا يشركهم فيها سائر الناس، وإن كان بعض الخواص يشركونهم فيها كما ورد في الروايتين التاليتين على سبيل المثال: روى الصدوق في الخصال، عنهم ص: (من أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل معنا أعداءنا بيده فهو معنا في الجنة في درجتنا. ومن أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه ولم يقاتل معنا أعداءنا فهو أسفل من ذلك بدرجتين. ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولا بيده فهو في الجنة) ([90]). روى الخزاز القمي: (حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الجوهري، قال: حدثنا أبو زرعة عبد الله بن جعفر الميموني، قال: حدثنا محمد بن مسعود عن مالك بن سلمان، عن عمر بن سعيد المقري، قال: حدثنا شريك عن ركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: مرض الحسن والحسين ع فعادهما رسول الله ص، فأخذهما وقبلهما ثم رفع يده إلى السماء ... إلى قوله: ثم وضع يده على كتف الحسن فقال: أنت الإمام ابن ولي الله، ووضع يده على صلب الحسين فقال: أنت الإمام أبو الأئمة تسعة من صلبك، أئمة أبرار والتاسع قائمهم، من تمسك بكم وبالأئمة من ذريتكم كان معنا يوم القيامة، وكان معنا في الجنة في درجاتنا. قال: فبرء من عليهما بدعاء رسول الله ص) ([91]). ويردد كاتب السطور شبهات سبق للشيخ الصافي والسيد البدري أن طرحوها، وكاتب السطور كعادته لا يشير إلى أخذه منهم، وأود هنا نقل جوابي عن الشبهة كما أوردته في كتاب (ما بعد الإثني عشر إماماً): قال الشيخ الصافي: (وأمّا متن الحديث السادس: فالظاهر أنّ موضوعه هو مجيء يهودي إلى عمر، للسؤال عمّا أراد وأنّ عمر أرشده إلى أمير المؤمنين ع هو بعينه موضوع ما رواه الكليني أيضاً في هذا الباب ج1 ص529 و 530 ح5، ج1 ص294 و 295 و 296 ح 3. وما رواه الصدوق في كمال الدين عن أبي الطفيل، وما رواه بسنده أيضاً في كمال الدين عن أبي عبد الله ع ص297 و 298 و 299 ج1 ح5، وفيه أيضاً في ج1 ص299 و 300 ح6، وفيه أيضاً ح7 ص300 و ح8 ص301 و 302، وفي عيون أخبار الرضا ج1 ص53 و 54 ح19، وفي الخصال ص476 و 477 ج2 ح40، وفي مقتضب الأثر عن عمر بن سلمة ص14 و 15 و 16 و 17، وأخرجه في ينابيع المودة ص443 عن عامر بن واثلة، وفي فرائد السمطين على ما في العبقات ص240 ج2 ح12. فالظاهر أنّ كل هذه الأحاديث حكاية عن واقعة واحدة، ولفظ الحديث في بعضها: إنّ لمحمد اثني عشر إمام عدل. وفي بعضها: يكون لهذه الأمة بعد نبيها اثنا عشر إمام عدلاً، والذين يسكنون معه في الجنة، هؤلاء الأئمة الاثنا عشر. وفى بعضها: فإنّ لهذه الأمة اثنا عشر إمام هادين مهديين، وأمّا قولك: من مع محمد من أمته في الجنة، فهؤلاء الاثنا عشر أئمة الهدى. وفي بعضها: إنّ لمحمد من الخلفاء اثنا عشر إماماً عدلاً، ويسكن مع محمد في جنة عدن معه أولئك الاثنا عشر الأئمة العدل. ولفظ بعضها: يا هاروني! لمحمد بعده اثنا عشر إماماً عدلاً، ومنزل محمد في جنة عدن، والذين يسكنون معه، هؤلاء الاثنا عشر. وبعضها هكذا: قال: كم لهذه الأمة من إمام هدى، لا يضرهم من خالفهم ؟ قال: إثنا عشر إماماً قال: فمن ينزل معه (يعني مع النبي) في منزله ؟ قال: إثنا عشر إماماً. وبهذه المتون المعتبرة جداً يصحح متن الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري. وتشهد كلها بوقوع التصحيف فيه، أو المسامحة في نقل ألفاظه أو مضمونه، فلا ريب في أنّ المعتمد عليه، هو هذه المتون الكثيرة) ([92]). وقال السيد البدري: (روى مضمون هذا الخبر النعماني في كتابه الغيبة والصدوق في إكمال الدين "إنّ أمير المؤمنين ع قال إنّ لهذه الأمة اثني عشر أمام هدى وهم مني" بدون (من ذرية نبيها) فهي من إضافة النسّاخ أيضاً) ([93]). جواب الشبهة: إذن، الشيخ الصافي يعارض رواية الشيخ الكليني في الكافي بما رواه الشيخ الصدوق في الخصال والعيون وكمال الدين، ويخلص إلى نتيجة هي وقوع التصحيف في رواية الشيخ الكليني. أقول: كان بإمكان الشيخ الصافي أن يعكس دعواه، بالقول: إنّ اختلاف روايات كتب الشيخ الصدوق عن رواية الكافي دليل على وقوع تصحيف في كتب الشيخ الصدوق، خاصة أن الشيخ الطوسي يروي في الغيبة بسنده عن الشيخ الكليني مضمون ما رواه الكليني في الكافي، وكما يلي: (وبهذا الإسناد، عن محمد بن يحيى، عن محمد الحسين، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله ع. ومحمد بن الحسين، عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنت حاضراً لما هلك أبو بكر واستخلف عمر أقبل يهودي من عظماء يثرب يزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه حتى رفع إلى عمر، فقال له: يا عمر، إني جئتك أريد الإسلام، فإن خبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب هذا الكتاب والسنة، وجميع ما أريد أن أسأل عنه قال: فقال (له) عمر: إني لست هناك، لكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما قد تسأل عنه، وهو ذاك - وأومأ إلى علي ع - فقال له اليهودي: يا عمر، إن كان هذا كما تقول فما لك وبيعة الناس ! وإنما ذاك أعلمكم ؟ فزبره عمر. ثم إنّ اليهودي قام إلى علي ع فقال: أنت كما ذكر عمر ؟ فقال: وما قال عمر ؟ فأخبره، قال: فإن كنت كما قال عمر سألتك عن أشياء أريد أن أعلم هل يعلمها أحد منكم فأعلم أنكم في دعواكم خير الأمم وأعلمها صادقون، ومع ذلك أدخل في دينكم الإسلام. فقال أمير المؤمنين علي ع: نعم أنا كما ذكر لك عمر، سل عما بدا لك أخبرك عنه إن شاء الله تعالى. قال: أخبرني عن ثلاثة وثلاثة وواحدة. قال له علي ع: يا يهودي، لمِ لم تقل أخبرني عن سبع ؟ فقال اليهودي: إنك إن أخبرتني بالثلاث سألتك عن الثلاث، وإلاّ كففت، وإن أجبتني في هذه السبع فأنت أعلم أهل الأرض وأفضلهم وأولى الناس بالناس. فقال: سل عمّا بدا لك يا يهودي. قال: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض، وأول شجرة غرست على وجه الأرض، وأول عين نبعت على وجه الأرض. فأخبره أمير المؤمنين ع. ثم قال له اليهودي: فأخبرني عن هذه الأمة كم لها من إمام هدى ؟ وأخبرني عن نبيكم محمد أين منزله في الجنة ؟ وأخبرني من معه في الجنة ؟ فقال له أمير المؤمنين ع: إن لهذه الأمة إثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها، وهم مني. وأمّا منزل نبينا ص في الجنة فهو أفضلها وأشرفها جنة عدن. وأمّا من معه في منزله منها فهؤلاء الإثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم - أم أمهم - وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد) ([94]). إذن، ما الأساس الذي بنى عليه الصافي دعواه، غير التحكم، والمغالطة، ولماذا لم يعكس الدعوى ؟ لا شك في أنّ بناء الصافي اعتمد على فكرة التعارض المزعومة مع الروايات الدالة على الإثني عشر صلوات الله عليهم، وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع، وسيأتي مزيد إن شاء الله تعالى ([95]). نعم، إذا كان الاختلاف دالاً على وقوع تلاعب من قبل النسّاخ، فالشك متوجه للروايات التي تخالف ما رواه الكليني، باعتبار أنّ التغيير في عبارات الروايات ينطلق عادة من فكرة التعديل، أو التصحيح، وفي مثل هذه الحالة يكون الميزان هو ما استقر في الأذهان على أنّه الصحيح، وهو هنا الاعتقاد بالإثني عشر ص، فالقلم والممحاة سيجدان ميدان عملهما في الروايات المغايرة للمستقر في الذهن. وسبحان الله ها نحن بإزاء دليل ساطع على ما نقول، فالعسكري والصافي والبدري يركزون نظرهم الساخط على روايات الكافي التي تزعج ما استقر في أذهانهم. -إثنا عشر إماماً من ولد فاطمة: بخصوص الرواية التالية: (الشيخ أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله (رحمه الله) قال: حدثنا رجاء بن يحيى أبو الحسن اليسرباني. الكاتب، قال: حدثنا محمد بن علاء بسر من رأى أبو بكر الباهلي، قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا ابن عوف، عن هشام بن يزيد، عن أنس بن مالك، قال سئلت رسول الله ص عن حواري عيسى، فقال: كانوا من صفوته وخيرته، وكانوا اثني عشر - إلى أن قال - فقلت: فمن حواريك يا رسول الله ؟ فقال: الأئمة بعدي إثنا عشر من صلب علي وفاطمة، وهم حواري وأنصاري، عليهم من الله التحية والسلام) ([96]). يقول كاتب السطور فيها: (إن الراوي قد غفل) ؟؟؟ فأقول له: كأنك كنت معه !! هل هذا كلام علمي يا أولي الألباب ؟ ويقول: (إن الأنصار يقولون إن الإمام الثالث عشر من الأسرار فكيف يخبر الرسول أنس بن مالك) !! أقول: هذا كلام مفلس حقاً، فالسر الذي يقوله الأنصار يتعلق بشخص الإمام الثالث عشر لا بعنوانه العام، أي بوصفه الثالث عشر فميِّزوا يا أصحاب العقول. ثم إنّ رسول الله ص أحكم منكم، وها أنتم ترون بأن هذا الخبر وغيره لم يكشف السر حتى جاء صاحب السر وكشفه للناس، وكانت هذه الرواية وغيرها حجة على الناس. ويقول: (الرواية الثانية عن الإمام الحسن تقول: (والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله ص إن هذا الأمر يملكه إثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة ص).. أقول: فأين أمير المؤمنين ع من عهد رسول الله ص) ! أقول: إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، ثم إنّ الحديث عن الأئمة من ولد علي وفاطمة، وهذا قيد، ولو كان يريد الحديث عن مجموع الأئمة والخلفاء لذكر علياً ع، فكلام كاتب السطور تشبث بالأوهام والمغالطات لا أكثر. أما الرواية الأخرى عن الإمام الحسن ع التي يستدل بها كاتب السطور فهي صحيحة ولا أحد يقول غير هذا، ولكنها رواية غير التي نستدل بها، ولا تعارض بين هذه الروايات، فالاستدلال بها بالنتيجة لا معنى له كما يعلم العقلاء. -هل يجتمع إمامان في زمن الغيبة الكبرى: يزعم كاتب السطور إنه لا يجتمع إمامان في زمن الغيبة الكبرى ويستدل بهذا الحديث: (عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر ع في قول الله عز وجل: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾([97]) قال: إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد) ([98]). ويستدل كذلك بهذا الحديث: (عن أبي بصير، عن أبي جعفر ع في قول الله (: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾، فقال: هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لا تدرون أين هو فمن يأتيكم بإمام ظاهر، يأتيكم بأخبار السماء والأرض وحلال الله ( وحرامه، ثم قال ع: والله ما جاء تأويل هذه الآية ولابد أن يجئ تأويلها) ([99]). وهذا الاستدلال من الغرابة بمكان، فالروايتان لا تنصان ولا تدلان على ما يزعم كاتب السطور، بل هي بعيدة كل البعد عنه. فهما تتحدثان عن غيبة الإمام ع، وإنه بغيبته تغيب عنهم أخبار السماء والأرض ويغور العلم، ولا علاقة لها بمسألة وجود أو عدم وجود إمام بعده، ولكن لله في خلقه شؤون. وهذا الأمر - أي عدم وجود من يأتيهم بأخبار السماء - يصدق على عصر الفترة السابق على زمن بعث رسول الإمام المهدي ع. أي إن الإمام ع بصدد تفسير قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾، وهو ع يقول إنّ الآية تتحدث عن فترة لا يوجد فيها من يأتيكم بالعلم وأخبار السماء وهذه الفترة تحصل عند غيبة الإمام، ولكن ليس كل غيبته بل الفترة التي لا يوجد فيها رسول يُكلف بإيصال العلم لكم، لأن الغيبة الصغرى أيضاً غيبة ولكن أخبار السماء كانت تصل من خلال السفراء، وبالتالي متى ما وُجد من يأتي بأخبار السماء لا تكون فترته مقصودة من الآية. أما قوله: (فمعنى الحديث هو إذا غاب عن هذه الأمة إمامها الحجة بن الحسن ع فلا يوجد إمام جديد غيره) ! أقول: من أين جاء بعبارة: لا يوجد إمام جديد غيره ؟ هل قال الإمام هذا، أم إنه تخرص من كاتب السطور ؟ ثم ما معنى قوله: (إمام جديد غيره) ؟ وهل يوجد من يقول بأن الإمام المهدي ع ليس بإمام، اللهم إلا أولئك الذين تنصلوا من دين الله. سبحان الله، يستدلون بما تشابه عليهم ويرمون الآخرين بدائهم. وأخيراً لماذا لا يرى كاتب السطور في قوله: (فمن يأتيكم بإمام ظاهر) إشارة إلى وجود إمام جديد يأتيهم بالعلم (الماء المعين) في زمن غيبة الإمام المهدي ع؟ فالحقيقة لا يوجد ما يمنع أن يكون الاستفهام في كلامه إشارة، أو إيحاء بهذا، وليس استفهاماً استنكارياً. -حصر الأئمة بالإثني عشر: يستدل كاتب السطور على أن عدد الأئمة إثنا عشر إماماً بأمور سنذكرها واحداً بعد واحد، ولكن قبل ذلك لابد أن نذكر بأن كاتب السطور يضرب - للأسف الشديد - بموقفه المنحرف هذا عشرات الروايات التي قالت بالمهديين ص، ويضرب عرضَ الجدار بكلام الكثير من الفقهاء الذين يقلدهم ويلتزم بأقوالهم، فمعركته مع آل محمد ص خاسرة سلفاً، وإليكم ما استدل به: 1- استدل بما ورد في حديث اللوح وهو التالي: (وأكمل ديني بابنه محمد رحمة للعالمين). وجوابه: هذا من قبيل الاستدلال بالمتشابه الذي يتبعه من في قلوبهم مرض، والعياذ بالله، والجملة ليس فيها لا نص ولا ظهور بمسألة عدم وجود حجج بعد الإمام المهدي ع. فما يزعمه كاتب السطور لا يعدو عن كونه اتباع للهوى لا أكثر، فجملة: (وأكمل ديني بابنه محمد رحمة للعالمين) يمكن تقديم عدة وجوه محتملة لفهمها، منها على سبيل المثال إن العلم الكامل يظهر على يديه ع، وقد ورد عنهم ص، ما مضمونه إن المهدي ع يُظهر من العلم خمسة وعشرين حرفاً يجمعها للحرفين التي بين الناس فيبثها سبعة وعشرين حرفاً، ويمكن تقديم احتمالات أخرى، فهي إذن متشابهة كما سلف القول. 2- واستشهد أيضاً بالحديث التالي: (وروى جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر ع عن تأويل قول الله (: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾([100]) قال: فتنفس سيدي الصعداء ثم قال: يا جابر، أما السنة فهي جدي رسول الله ص، وشهورها إثنا عشر شهراً، فهو أمير المؤمنين (و) إليّ وإلى ابني جعفر، وابنه موسى، وابنه علي، وابنه محمد، وابنه علي، وإلى ابنه الحسن، وإلى ابنه محمد الهادي المهدي، اثنا عشر إماماً حجج الله في خلقه وأمناؤه على وحيه وعلمه. والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم، أربعة منهم يخرجون باسم واحد: علي أمير المؤمنين، وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسى، وعلي بن محمد ص، فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أي قولوا بهم جميعاً تهتدوا) ([101]). وقال: (عدد شهور السنة إثنا عشر شهراً لا أكثر ولا أقل، كذلك الأئمة عددهم إثنا عشر لا أكثر) ! وهذا الاستدلال سفه لا أكثر؛ لأمور، منها: إنّ العدد لا يفيد الحصر، ومنها: إن أهل البيت صذكروا في روايات الأئمة الإثني عشر وذكروا في غيرها المهديين، فمن أراد معرفة حجج الله عليه أن ينظر في كل ما ورد عنهم ص لا أن ينتقي بعضاً ويترك آخر. فلو كان الأمر أمر انتقاء فإن الأئمة في بعض رواياتهم ثمانية، كما في الروايات التالية: (تفسير العياشي: عن القاسم بن عروة، عن أبي جعفر ع في قول الله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾([102])، قال: "سبعة أئمة والقائم") ([103]). (تفسير العياشي: سماعة قال: قال أبو الحسن ع: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾، قال: "لم يعط الأنبياء إلا محمد ص وهم السبعة الأئمة الذين يدور عليهم الفلك، والقرآن العظيم محمد ص") ([104]). 3- يستدل بما ورد من وصف للإمام المهدي ع بأنه خاتم الأوصياء، وآخر الأوصياء. الجواب: سبق أن أجبت عن هذه الشبهة في كتاب (ما بعد الإثني عشر إماماً) بما يلي: ورد في بعض الروايات أنّ الإمام المهدي صلوات الله عليه قال: (أنا خاتم الأوصياء)، ففي كمال الدين وتمام النعمة: (وبهذا الإسناد، عن إبراهيم بن محمد العلوي، قال: حدثني طريف أبو نصر، قال: دخلت على صاحب الزمان ع فقال: علي بالصندل الأحمر فأتيته به، ثم قال: أتعرفني ؟ قلت: نعم، فقال: من أنا ؟ فقلت: أنت سيدي وابن سيدي، فقال: ليس عن هذا سألتك، قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك فبين لي. قال: أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله ( البلاء عن أهلي وشيعتي) ([105]). وقوله ع: (أنا خاتم الأوصياء) قد يفهم منه البعض عدم وجود أوصياء، أو خلفاء بعده. ومثل هذا الفهم مدفوع بما ورد من وصف علي ع بوصف (خاتم الأوصياء). وإليكم بعض الروايات التي ورد فيها وصف علي ع بخاتم الأوصياء: روى الصدوق في العيون: (حدثنا محمد أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي، قال: حدثنا علي بن محمد بن عيينة، قال: حدثنا الحسن بن سليمان الملطي في مشهد علي بن أبي طالب ع، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن العباس بن موسى العلوي بقصر ابن هبيرة ودارم بن قبيصة بن نهشل النهشلي، قالوا حدثنا علي بن موسى بن جعفر، عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب ع قال: قال رسول ص: يا علي، ما سألت أنت ربي شيئاً إلاّ سألت مثله غير إنه قال لا نبوة بعدك، أنت خاتم النبيين وعلي خاتم الوصيين) ([106]). وروى أيضاً: (وبهذا الإسناد، قال: قال رسول اللهص: أنا خاتم النبيين وعلي خاتم الوصيين) ([107]). وفي بحار الأنوار: (وروي أنّ إبراهيم ع مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم، ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه...) ([108]). ومن المعلوم أنّ علياً صلوات الله عليه ليس آخر الأوصياء، وأي معنى يمكن أن يقال لتوجيه وصف أمير المؤمنين بخاتم الأوصياء غير كونه الأخير، يمكن أن يُقال مثله لتوجيه ما ورد من وصف للإمام المهدي ع بكونه خاتم الأوصياء، أو آخر الخلفاء، فالأمر في نهاية المطاف من المتشابهات. وقد ورد عن عباية بن ربعي الأسدي، قال: (دخلت على أمير المؤمنين علي ع وأنا خامس خمسة، وأصغر القوم سناً فسمعته يقول: حدثني أخي رسول الله ص أنه قال: إني خاتم ألف نبي، وإنك خاتم ألف وصي، وكلفت ما لم يكلفوا) ([109]). فعلي ع خاتم الأوصياء بمعنى خاص هو إنه خاتم ألف وصي، لا إنه خاتم كل الأوصياء، ومثل هذا يقال بالنسبة للإمام المهدي ع. فمن الممكن أن يُفهم منه أنه آخر الإثني عشر دون سواهم لما لهم من ميزة، سبق الحديث عنها ([110])، يصح باعتبارها النظر لآخرهم بأنه آخر الأوصياء، أي آخر هؤلاء الإثني عشر دون سواهم. بل مثل هذا الفهم لا ينبغي إهماله على أية حال، إذ تستدعيه ضرورة تجنب التعارض مع الروايات الكثيرة جداً، التي تفوق حد التواتر بكثير، التي تقول بوجود خلفاء بعد الإمام المهدي ع. ويجدر التنويه كذلك إلى أن ضرورة تأويل الروايات التي تدل على أن الإمام المهدي محمد بن الحسن ع هو آخر الأوصياء يقتضيها أمر آخر يتمثل باستلزامها لمحذور نفي الرجعة، باعتبار أن رجعة الأئمة ص مقطوع بها، وهم كما لا ينكر أحد خلفاء وأوصياء، فكيف يكون الإمام المهدي آخر الأوصياء، أي آخر من يحكم أو يتولى أمر الخلافة الإلهية ؟ وقد يُقال جواباً على هذا الإشكال إنّ المقصود هو أنه ع آخرهم في عالم الدنيا، وهو مردود، إذ لا دليل عليه، فالروايات لا تقول إنه آخرهم في عالم الدنيا. وقد يُجاب على الإشكال أيضاً بأنّ الإمام المهدي أيضاً سيرجع وسيكون هو الأخير كذلك في عالم الرجعة، وهو جواب مدفوع بكون آخر من يرجع هو أمير المؤمنين ع كما ورد في بعض الروايات، ومنها: ورد في مختصر بصائر الدرجات عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إن إبليس قال: أنظرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه، فقال: إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس (لعنه الله) في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين ع، فقلت: وإنها لكرات ؟ قال: نعم، إنها لكرات وكرات ما من إمام في قرن إلا ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن من الكافر. فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين ع في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال له الروحا قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله ( العالمين، فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين ع قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مئة قدم وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات. فعند ذلك يهبط الجبار ( في ظلل من الغمام والملائكة، وقضي الأمر رسول الله ص أمامه بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه فيقولون له أصحابه: أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله رب العالمين، فيلحقه النبي ص فيطعنه طعنة بين كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله ( ولا يشرك به شيئاً، ويملك أمير المؤمنين ع أربعاً وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي ع ألف ولد من صلبه ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله له بما شاء الله) ([111]). ومنها ما ورد في مدينة المعاجز: عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن سنان وغيره، عن عبد الله بن يسار، قال: قال أبو عبد الله ع: (قال رسول الله ص (في حديث قدسي): يا محمد، علي أول من آخذ ميثاقه من الأئمة ص. (يا محمد) علي آخر من أقبض روحه من الأئمة ص، وهو الدابة التي تكلم الناس) ([112]). وأخيراً يمكن أن يكون المراد خاتَم الأوصياء (بفتح التاء) أي أوسطهم، فعلي مسبوق بأوصياء الأنبياء، وملحوق بالأوصياء من آل محمد ص، وكذلك الإمام المهدي ع مسبوق بآبائه ص وملحوق بأبنائه المهديين ص. -إضاءة: ورد عن السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع تفسير لمعنى كون رسول الله ص خاتم الأنبياء، فقد قال تحت عنوان: (محمد خاتِم النبيين وخاتَمهم): (والآن نعود إلى كون محمد ص خاتِـم النبيين وخاتـَمهم، فهو صلوات ربي عليه آخر الأنبياء والمرسلين من الله سبحانه وتعالى، ورسالته وكتابه القرآن وشريعته باقية إلى يوم القيامة، فلا يوجد بعد الإسلام دين: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾([113]). ولكن بقي مقام النبوّة مفتوحاً لبني آدم، فمن أخلص من المؤمنين لله سبحانه وتعالى في عبادته وعمله يمكن أن يصل إلى مقام النبوّة، كما بقي طريق وحي الله سبحانه وتعالى لبني آدم بـ "الرؤيا الصادقة" مفتوحاً وموجوداً وملموساً في الواقع المعاش. أمّا إرسال أنبياء ممن وصلوا إلى مقام النبوّة من الله سبحانه وتعالى، سواء كانوا يحافظون على شريعة محمد ص الإسلام، أم إنّهم يجدّدون ديناً جديداً، فهو غير موجود وهو الذي ختمه الله سبحانه وتعالى ببعثه محمداً ص. ولكن تجدّد بعد بَعث النبي محمد ص "الإنسان الكامل وخليفة الله حقاً، وظهور الله في فاران وصورة اللاهوت" أمر الإرسال من محمد ص، فجميع الأئمة ص هم مرسلون إلى هذه الأمة، ولكن من محمد ص "الله في الخلق") ([114]). أقول: من الممكن أن يكون مثل هذا المعنى مقصوداً من عبارة (خاتم الأوصياء) المقولة بحق الإمام علي ع، وبحق الإمام المهدي ع. فإذا كان رسول الله صخاتِم الأنبياء (بكسر التاء)، أي أخيرهم باعتبار جهة الإرسال وهي هنا الله سبحانه وتعالى، وهو خاتَمهم (بفتح التاء)، أي أوسطهم باعتبار تغير جهة الإرسال هذه المرّة، وهي هنا الخليفة الكامل (الله في الخلق)، أي رسول الله ص الذي أرسل الأوصياء من بعده، فمن الممكن أن يحدث مثل هذا مع الإمام المهدي ع الذي بلغ مرحلة الفتح وصار هو الله في الخلق، أو تجلّي اللاهوت. وقد ورد أنّ الإمام المهدي ع يأتي بأمر جديد، فقد ورد في غيبة النعماني: (وقال ع: إذا خرج يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، وليس شأنه إلاّ القتل، لا يستبقي أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم) ([115]). وفيه أيضاً: (أخبرنا علي بن أحمد البندنيجي، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عمّن رواه، عن جعفر بن يحيى، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع، أنّه قال: كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم ع الفساطيط في مسجد كوفان، ثم يخرج إليهم المثال المستأنف، أمر جديد، على العرب شديد) ([116]). وفي الكافي: (الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن القائم فقال: كلنا قائم بأمر الله، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان) ([117]). ملاحظة: يقول كاتب السطور: (وينبغي الإشارة إلى أنه ورد في الروايات بأن الإمام علي ع هو (خاتم الوصيين أو الأوصياء) فهذا اللقب ناظر بالنسبة لأوصياء الرسل من قبله فهو خاتم أوصياء الأنبياء لأنه خاتم وصي للنبي الخاتم) ! وكلامه كما ترون مضطرب للغاية، إذ لا معنى لقوله (لأنه خاتم وصي للنبي الخاتم). ومثله قوله عن كون علي خاتم أوصياء الأنبياء، فالأئمة ص- بما فيهم علي ع - كلهم أوصياء للنبي محمد ص، ولا معنى لاختصاص علي ع من بينهم بكونه خاتم أوصياء الأنبياء، إلا إذا كان كاتب السطور يظن بأنهم ليسوا أوصياء. أخرج الكليني في الكافي: عن عبيد بن زرارة قال: (أرسل أبو جعفر ع إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليه وص محدثون) ([118]). ثم إنّ الروايات الواردة في هذا الشأن لم يرد فيها هذا القيد وهو كون علي خاتم أو آخر أوصياء الأنبياء السابقين ! ويستشهد كاتب السطور بروايتين فيهما أنّ الأئمة هم أوصياء علي ظناً منه أنه بهذا ينجو بنفسه من المأزق الذي وقع فيه. والجواب عليه إني سبق أن نقلت رواية - ويوجد غيرها الكثير - تنص على أنّ الأئمة بمجموعهم هم أوصياء رسول الله ص، ووردت روايات أخرى كثيرة فيها أن كل لاحق منهم هو وصي للسابق. 4- ويستدل كاتب السطور بهذه الرواية: (حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات قال: حدثنا محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل ابن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد ع قال: سألته عن قول الله (: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾([119])، ما هذه الكلمات ؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو أنه قال: يا رب، أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم. فقلت له: يا ابن رسول الله، فما يعني ( بقوله: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾؟ قال: يعني فأتمهن إلى القائم ع إثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين) ([120]). الجواب: هذا الحديث يعني أنّ القائم هو تمام الأئمة الإثني عشر عليهم، فهو يُثبت الإثني عشر ص، وإثباتهم لا يعني نفي ما عداهم كما هو معروف، ولكن القوم لما ضاقت بهم السبل صاروا يتشبثون بكل قشة. ولا بأس هنا من ذكر أنّ الإثني عشر ص لهم مقام أرفع من مقام المهديين ص، على الرغم من كون المهديين خلفاء وحجج وأئمة، بل على الرغم من كونهم أرفع مقاماً من الأنبياء باعتبار أنهم من آل محمد، وآل محمد ص لا يقاس بهم أحد، وبالنظر للمقام الأرفع للأئمة الإثني عشر ص تنظر لهم بعض الروايات على أنهم كل واحد له أول وله آخر، ولا يستلزم هذا نفي غيرهم كما أسلفنا. -ثالث عشر فصاعداً: يستدل كاتب السطور بالحديث الوارد في غيبة الشيخ الطوسي: عن سدير الصيرفي في رواية طويلة قال: (أخبرني جماعة، عن أبي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن المطلب رحمه الله، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن بحر بن سهل الشيباني الرهني، قال: أخبرنا علي بن الحارث، عن سعد بن المنصور الجواشني، قال: أخبرنا أحمد بن علي البديلي، قال: أخبرني أبي، عن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا الصادق ع فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح خيبري مطرف بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرّى، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغير في عارضيه وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول: [سيدي] غيبتك نفت رقادي، وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصائبي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقأ من عيني وأنين يفشا من صدري. قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، فظننا أنه سمت لمكروهة قارعة، أو حلت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله عينيك يا بن خير الورى من أية حادثة تستذرف دمعتك، وتستمطر عبرتك ؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم ؟ قال: فزفر الصادق ع زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه فقال: ويكم إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمداً والأئمة من بعده ص، وتأملت فيه مولد قائمنا ع وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين (من) بعده في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينه، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم ... إلى قوله: كذلك غيبة القائم فإن الأمة ستنكرها لطولها فمن قائل يقول: إنه لم يولد، وقائل يفتري بقوله: إنه ولد ومات، وقائل يكفر بقوله: إن حادي عشرنا كان عقيماً، وقائل يمرق بقوله: إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعداً، وقائل يعصي الله بدعواه: إنّ روح القائم ع ينطق في هيكل غيره) ([121]). ووردت هذه الرواية في إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب بالسند نفسه، مع تغيير طفيف في بعض الألفاظ. والرواية هي: (عن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع فرأيناه جالساً على التراب ... إلى قوله: كذلك غيبة القائم فإنّ الناس استنكروها لطولها، فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد، وقائل يقول: إنه ولد ومات، وقائل يقول: إن حادي عشرنا كان عقيماً، وقائل يقول: يتعدّى إلى ثالث عشر وما عدا، وقائل: إن روح القائم ينطق في هيكل غيره، وكلها باطل) ([122]). هذه الرواية ولاسيما بصورتها الواردة في غيبة الطوسي اتخذ منها البعض ذريعة للتشنيع على من يقول بوجود إمام ثالث عشر، وفي مقام الرد أقول: 1- هذه الرواية شاذة، ومعارضها متواتر، بل يفوق حد التواتر بكثير، فتسقط من رأس. 2- الاختلاف الوارد في متنها بين ما يرويه الطوسي، وما يرويه صاحب إلزام الناصب، يجعل الدلالة المستفادة منها مضطربة، بل متناقضة. فإذا كان المتن الصحيح هو (يتعدّى إلى ثالث عشر وما عدا) تكون الرواية دالة على وجود الثالث عشر، غاية ما في الأمر أنّ القائل به يقول به قبل أن يحين وقته، إذ إنّ قوله (وما عدا) تفيد (ما) النفي لوقت محدّد، وليس على نحو التأبيد، كما هو شأن (لن). وبالنتيجة يكون في قوله (وما عدا) إثبات لوجود الثالث عشر كحقيقة، ونفي لحضور مصداقها في الخارج في زمن قول القائل. 3- هذا المعنى تدل عليه رواية الشيخ الطوسي على الرغم من ورود (فصاعداً) فيها بدلاً من (وما عدا)، وذلك لورود التعبير فيها بالمروق في حق القائل، وكما يلي: (وقائل يمرق بقوله: إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعداً)، والمروق تستفاد منه دلالة سبق قول القائل من جهة الزمن لحضور الثالث عشر، فقد ورد في الدعاء: (اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي، اللهم صل على محمد وآل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق) ([123]). 4- بخصوص ما ورد في غيبة الطوسي، لابد من الاتفاق أولاً على أنّ هذا القائل الذي (يمرق بقوله: إنه يتعدّى إلى ثالث عشر فصاعداً) هو من المؤمنين بالإثني عشر ص، بما فيهم الإمام المهدي ع، فالحديث كان بصدد بيان (تولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينه، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم)، وكذلك لا موافق للشيعة بالقول بالإثني عشر، على أنّ جميع الأقسام التي ذكرها الحديث وُجدت في الشيعة، وتكفي إطلالة على كتاب غيبة الطوسي للتأكد من هذه الحقيقة، فليس بوسع أحد أن يزعم بالنتيجة أنّ المقصود؛ كله أو بعضه، ربما كان من غير الشيعة، ويجعل هذا الزعم مفتاحاً للتشكيك بالتقسيم الذي سنورده الآن. أمّا التقسيم فهو كما يلي: إذا كان هذا القائل من المؤمنين بالإثني عشر فهنا احتمالات لمضمون قوله: أ- أن يضيف شخصاً آخر للأئمة الإثني عشر لا يكون من ولد الإمام المهدي، مثل زيد بن علي، ومثل هذا الاحتمال وقع فعلاً، فقد ورد في رجال النجاشي في ترجمة هبة الله بن أحمد، وهو من رجال عصر الغيبة، قوله: (هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب، أبو نصر، المعروف بابن برنية، كان يذكر أنّ أمه أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري. سمع حديثاً كثيراً، وكان يتعاطى الكلام، ويحضر مجلس أبي الحسين بن الشبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتاباً، وذكر أنّ الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي: إنّ الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين ع) ([124]). وكذلك ما ورد عن جماعة قالت بإمامة جعفر بن الإمام الهادي ع، بعد إمامة أخيه الحسن العسكري ع. ب- أن يقول بانتقال الإمامة لولد الإمام المهدي ع، وهنا شقان: أولهما: أن يقول بموت الإمام المهدي ع، وانتقال الإمامة لولده. أما ثانيهما: فهو أن يقول بإمامة الولد، مع بقاء القول بإمامة الأب، أي الإمام المهدي ع. وقد أشار الشيخ الطوسي في غيبته لمثل هذا المعنى بقوله: (فأمّا من قال: إنّ للخلف ولداً وأنّ الأئمة ثلاثة عشر. فقولهم يفسد بما دللنا عليه من أنّ الأئمة ص اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه، على أنّ هذه الفرق كلها قد انقرضت بحمد الله ولم يبق قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل) ([125]). وبطبيعة الحال فإنّ هذا التقسيم بحد ذاته يجعل الحديث متشابه الدلالة، ولا يمكن الركون إليه، غير إننا لن نتوقف عند هذا الحد في مناقشته، فنقول: إنّ القسم الأول (أ) ومثله الشق الأول من القسم الثاني (ب) كل منهما لا يرد على الدعوة اليمانية المباركة، فيبقى الشق الثاني من القسم الثاني هو وحده ما يمكن أن يُشكل به على الدعوة المباركة. ولكن حتى هذا الاحتمال لا وجه له، ذلك أنّه - في الحقيقة - احتمال ساقط لا يساعد عليه منطوق الرواية، فهي تقول: (يمرق بقوله: إنّه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعداً)، ومعنى (يتعدّى) هو يتجاوز، كما ورد في صحاح الجوهري، حيث قال: (... وعداه يعدوه، أي جاوزه. وما عدا فلان أن صنع كذا. ومالي عن فلان معدى، أي لا تجاوز لي إلى غيره. يقال: عديته فتعدى، أي تجاوز) ([126]). والتجاوز كما هو واضح لا يتناسب مع البقاء على القول بإمامته، بل هو يذهب إلى القول بانتفائها، وهو ما لا تقول به الدعوة اليمانية. قد يُقال: إنّ المراد هو أنّ القائل الذي يمرق بقوله لا يقف عند القول بثالث عشر، بل تدل كلمة (فصاعداً) على أنّه يقول بثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر، إلى ما شاء الله، وبالنتيجة يكون المقصود هو إنّ المارق هو من يتبنى مقولة وجود أئمة، أو حجج بعد الثاني عشر ع. وجوابه: إنّ المسألة واحدة، والتقرير هنا وهناك لا تختلف سوى بعض ألفاظه، أمّا حقيقته فواحدة، وكلمة (يتعدّى) كفيلة بسقوط الإشكال كما سبق القول، فضلاً عن النقاط الأخرى المذكورة. -المولود من ظهر الحادي عشر: ورد عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين ع فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها ؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين ! فقلت: وإن هذا لكائن ؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات) ([127]). هذه الرواية وردت في المصادر المطبوعة مرة بصورة: (من ظهر الحادي عشر)، ومرة بصورة: (من ظهري الحادي عشر)، ولتحقيق المسألة ومعرفة أي الصورتين هي الصحيحة سنعرض فيما يلي لأهم المصادر التي وردت فيها هذه الرواية بصورتيها، وكما يلي: أ- المصادر التي روتها بصورة (من ظهر الحادي عشر): كتاب الكافي للشيخ الكليني. كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، بسندين. كتاب الهداية الكبرى للخصيبي. كتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري. الاختصاص للشيخ المفيد. كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ب- المصادر التي روتها بصورة (من ظهري الحادي عشر): كتاب الغيبة للشيخ النعماني. كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق في نسخة مطبوعة منه. الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمي. كفاية الأثر للخزاز القمي. كما تلاحظون وضعنا كتاب الكافي في الخانة (أ) أي خانة المصادر التي تروي الرواية قيد البحث بصورة (من ظهر الحادي عشر من ولدي)، على الرغم من كون النسخة المطبوعة والمحققة من الكتاب تثبتها بالصورة التالية: (من ظهر[ي] الحادي عشر من ولدي)! فهذه (الياء) قد تمت إضافتها لكلمة (ظهر) من قبل ناسخي الكتاب بدلالة أمور؛ منها عدم وجود إشارة في الهامش إلى ورودها في بعض النسخ، ومنها إن هذه (الياء) نفسها قد أضيفت إلى الرواية كما وردت في كتاب شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني([128]). ومن المعلوم أنّ المولى بوصفه محققاً وشارحاً لا يمكن أن يُخرج النص بهذه الصورة المرددة بين أمرين، كما إنه لم يُشر في شرحه لعلة وضع (الياء) بين قوسين لو كان قد فعل. ومنها إن من رواها كما وردت في الكافي رواها بصورة (من ظهر الحادي عشر)، ومن هؤلاء السيد الأبطحي ([129])، ومنهم العلامة المجلسي في مرآة العقول ([130]). وعلى فرض ورودها في بعض النسخ فلا شك في إن هذه النسخة قد شكلت شذوذاً قياساً بمثيلاتها، الأمر الذي استدعى وضع (الياء) بين قوسين. أما بالنسبة لكتاب كمال الدين فقد وردت الرواية فيه بصورة (من ظهر) في الطبعات التالية: أ- دار ذو القربى/ إيران/ ط1/ 1428 هـ. ب- منشورات طليعة النور/ إيران/ ط1/ 1425 هـ. ج- منشورات طليعة النور/ إيران/ ط3/ 1429 هـ. بينما وردت بلفظ: (من ظهري)، في طبعة مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة/ تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري/ ط4/ 1422 هـ. ولو تتبعنا من نقل الرواية عن كتاب (كمال الدين) سنجد أن الميرزا محمد تقي الأصفهاني ينقلها في (مكيال المكارم) عن كمال الدين بصورة (من ظهر) ([131]). الأمر الذي يدل على أن (الياء) قد أضيفت للرواية في زمن متأخر. وبالنسبة لكتاب غيبة النعماني فحيث ثبت لنا أن الكليني يرويها في كتابه الكافي بصورة (من ظهر) فلا شك في أن النعماني يرويها بهذه الصورة في كتابه (الغيبة) وقد تعرض بدوره لعبث الأيدي. وبهذا نكون إمام حقيقة واضحة هي أن الصورة الصحيحة للرواية كما وردت في المصادر المعتبرة هي صورة (من ظهر الحادي عشر). وهذه الحقيقة مضمون الرواية نفسها، إذ نلاحظ فيه أن الحديث يجري عن مولود، وهذا المولود تبين روايات أخرى إنه يكون في آخر الزمان، فقد أخرج الصدوق في كمال الدين عن أم هانئ الثقفية قالت: (غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) فقلت له: يا سيدي، آية في كتاب الله ( عرضت بقلبي فأقلقتني وأسهرت ليلي، قال: فسلي يا أم هانئ. قالت: قلت: يا سيدي، قول الله (: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ( الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾([132])، قال: نعم المسألة سألتيني يا أم هانئ، هذا مولود في آخر الزمان هو المهدي من هذه العترة، تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها أقوام، فيا طوبى لك إن أدركتيه، ويا طوبى لمن أدركه) ([133]). كما إن غيبته مرددة بين ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين ! وهي مُدَد لا تتناسب مع أي من غيبتي الإمام المهدي محمد بن الحسن ع. أما الصورة التي اقترحها كاتب السطور لفهم الحديث، وهي التالية: (فكرت في مولود يكون من ظهري - ثم سكتة مفترضة - الحادي عشر من ولدي)، فيرد عليها: إن السكتة لم ترد في الرواية، واستئناف الكلام بعبارة: (الحادي عشر.. الخ) قد يترتب عليه الالتباس فيظن السامع إن ما بعد السكتة - التي لم يحدد كاتب السطور كم استغرقت - لا علاقة له بما قبلها، فيكون الربط بالضمير (هو) مزيلاً للبس المتوقع، وهو مفقود. كما أن قوله: (من ظهري) هو نفسه قوله: (من ولدي) فيكون التعبير مرتبكاً من ناحية الفصاحة. أما قول كاتب السطور: (إن كل شخص من ذريتي هو من ظهري) فهو لا يصلح لتفسير كلام أمير المؤمنين ع، فهو ع لا يتحدث عن ظهره هو بل عن ظهر الحادي عشر من ولده. أما تقديره للعبارة بالنحو التالي: (مولود من ولدي من ظهر الحادي عشر) فهو تمحل، بل تحريف للكلم عن مواضعه. أما الحديث عن حذف حرف العلة لالتقاء الساكنين فهو غير مقبول لسماجته البالغة حتى لو كان نكتة، فمنذ متى صارت الحروف تحذف في الكتابة لالتقاء الساكنين ؟ ثم إذا كانت الحجة هي المخيلة وما يصيبها من أوهام، فلماذا لم نسمع منك حديثاً مثل هذا بصدد ما نقله النعماني، كأن تقول: إن الكليني نطقها (من ظهرِ) بكسر الراء فتخيلها النعماني (ياءً)، أم أن باءكم وحدها التي تجر ؟ واستشهد كاتب السطور كذلك بما ورد في رسائل الشيخ المفيد، وهو التالي: (قال: فأرنا طرق هذه الأخبار، وما وجهها ووجه دلالتها. قال: الأول ما في هذا الخبر الذي روته العامة والخاصة وهو خبر كميل ابن زياد قال: دخلت على أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو ينكث في الأرض فقلت له: يا مولاي ما لك تنكث الأرض أرغبة فيها ؟ فقال: والله ما رغبت فيها ساعة قط، ولكني أفكر في التاسع من ولد الحسين هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً، تكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون. يا كميل بن زياد، لا بد لله في أرضه من حجة، أما ظاهر مشهور شخصه، وأما باطن مغمور لكيلا تبطل حجج الله. والخبر طويل، وإنما اقتصرنا على موضع الدلالة) ([134]). أقول: استشهاده هذا عين الإفلاس، فمن الواضح أنّ الشيخ المفيد لم يكن بصدد سرد الرواية، بل الاحتجاج بمضمونها، ولعله هذا يفسر قوله: (والخبر طويل، وإنما اقتصرنا على موضع الدلالة)، كما أن الظاهر من كلامه أن الشيخ المفيد كان يصوغ الخبر بكلماته وبحسب ما يخطر في ذاكرته، ولعله لهذا خلط بين كميل بن زياد وبين الأصبغ بن نباتة، فهنيئاً لكم هذا المستوى من الاستدلال ! أقول: ولعل ما يرويه الشيخ المفيد رواية أخرى غير تلك الواردة من طريق الأصبغ بن نباتة، وعلى هذا لا يبقى لعكاز كاتب السطور عين ولا أثر، ويظهر عرجه للأعمى فضلاً عن ظهوره للمبصر. -وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله): 1- على طريقة المتصيدين الفاشلين يعترض كاتب السطور على قول السيد أحمد الحسن التالي: (والمهدي الأول بيَّنت روايات أهل البيت ص اسمه وصفاته ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد وكنيته عبد الله - أي إسرائيل - أي أنّ الناس يقولون عنه إسرائيلي قهراً عليهم، ورغم أنوفهم)، بقوله: (إن "عبد الله" اسم بحسب الوصية لا كنية). وعلى الرغم من أنّ السيد أحمد الحسن ع لم يذكر الوصية في كلامه، وهذا كافٍ في إبطال كلام كاتب السطور، وعلى الرغم من سخف هذا الإشكال، إلا أننا نقول: إن الكنية واللقب يصح أن نسميهما اسماً، ولا أدري لماذا لم يلتفت هذا المتصيد لكلمة (المهدي) فهي لقب ومع ذلك أطلق عليه رسول الله ص كلمة اسم. 2- على الرغم من إقراره بصحة استفادة وجود الوصي أحمد في عصر الغيبة الكبرى من عبارة (أول المؤمنين) إلا أنّ مرض نفسه يدفعه للإشكال بأنه قد يكون لها معنى آخر يُعرف بعد الظهور! ثم يسطر جملة من الآيات القرآنية، وهي جميعها لا تعارض المعنى الذي نقول به، بحيث لم يجرؤ هو على القول إنها تعارضه. 3- يقول: (إن الأنصار يحتجون بحديث الإمام الرضا ع مع جاثليق النصارى ورأس الجالوت اليهودي على أن الوصية لا يمكن أن يدعيها غير صاحبها)، ويقول: (إن هذا غير صحيح، وهو الزعم بأن دليل إثبات نبوة النبي محمد ص أن اسمه الشريف قد ورد في الكتب السماوية المقدسة). الجواب: هاك اقرأ الرواية لترى أنها تدور حول الاسم: (عن محمد بن الفضل، عن الرضا ع: (في حديث طويل أنه حضر في البصرة في مجلس عظيم فيه جماعة من العلماء وفيه جاثليق النصارى ورأس الجالوت، فالتفت الرضا ع إلى الجاثليق وقال: هل دل الإنجيل على نبوة محمد ص؟ قال: لو دل الإنجيل على ذلك لما جحدناه، فقال ع: أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث. فقال الجاثليق: اسم من أسماء الله لا يجوز لنا أن نظهره. قال الرضا ع: فإن أقررتك إنه اسم محمد ... وبعد أن ذكر الإمام ع ما جاء في الإنجيل والتوراة من ذكر للرسول ص، قالا - أي الجاثليق ورأس الجالوت -: والله لقد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود الإنجيل والتوراة والزبور، وقد بشر به موسى وعيسى (عليهما السلام جميعاً)، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون إنه محمدكم. فقال الرضا ع: احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد، من آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد ؟ فأحجموا عن جوابه... الخ) ([135]). ثم إننا يا متصيد لم نكن بصدد بيان أدلة رسول الله ص في كتب النصارى، بل كنا بصدد بيان إن استدلال الإمام الرضا ع يقتضي أن يكون صاحب الوصية هو وحده من يحتج بها، فاتقوا الله قليلاً وفارقوا شياطين الإنس. أما حديثه عن التتبير فيلاحظ عليه التدليس الواضح والكذب المتعمد، فهو وإن نقل عن لسان العرب معنى القطع إلا أنه أهمله حين قال: (فيكون المعنى أن الله ينقص عمره أو يكسره أي يثلم منه) ! واعترض كذلك بأن الكلام متوجه لمن يدعي الإمامة لا الوصية! ولا أدري من خدعه وقال له إننا نقول غير هذا ؟ 4- يقول: (إن رواية الوصية لا تخلو من الخلل والتصحيف؛ لأن الرواية - كما يزعم - تقول إن اسم المهدي لا يصح إلا للإمام علي ع). الجواب: الرواية لم تقل هذا، بل قالت: (سماك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك). وإثبات صفة لشخص لا يقتضي نزعها عن غيره، أما اختصاص علي ع بلقب أمير المؤمنين فلعلة ذكروها ص وهي أنه يميرهم العلم. كما أنّ الرواية تقول: (سماك الله في سمائه)، أي في السماء وتقول: (فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك)، أي بمجموعها، وليس اسماً منفرداً منها مثل اسم المهدي. وأيضاً ورد في الروايات بأن الأئمة ص كلهم مهديون، وسُمي الإمام المهدي بالمهدي، فهذه الروايات تخصص الإطلاق في رواية الوصية، فيكون المعنى - على سبيل المثال - إن وصف المهدي لا يصح على غير علي ع بالمعنى الأكثر كمالاً، أي إن علياً هو المصداق الأعلى والأكمل لوصف المهدي. 5- يقول: (رواية الطوسي تتعارض مع الرواية التي تقول إن المهدي يبايع بين الركن والمقام وله ثلاثة أسماء "أحمد وعبد الله والمهدي"، والمعروف بأن الذي يبايع بين الركن والمقام هو الإمام المهدي) ! ونقول له: لو عكست لأصبت، فالرواية الأخيرة تؤكد رواية الوصية، وتدل على أن من يبايع بين الركن والمقام هو أحمد، والرواية التي سقتها عن الإمام الباقر يراد منها أحمد أيضاً. ولا تكذب على الأنصار فهم لم يقولوا إن الإمام المهدي ع بعد أن يأخذ البيعة من الناس بين الركن والمقام يأخذ البيعة لوصيه، وهذه كتبهم فقل لنا أين قالوا ما تزعم ؟ واعلم إن أحمد ع إنما يأخذ البيعة لأبيه ع، فهو لم يأت ليطلب مجده، بل مجد من أرسله. 6- يقول: (إن سياق الحديث يدل على أن المراد من الابن هو المباشر، فقول النبي ص "فليسلمها إلى ابني" أي الابن المباشر للنبي عن طريق الزهراء) !! الجواب: لا أدري حقاً هل كاتب السطور يمزح أم أنه جاد ؟ وإذا كان يمزح فمزاحه سمج للغاية، فما بالك به وهو جاد ؟ طيب إذا كان ممكناً أن يكون الحسين ع ابناً مباشراً لرسول الله ص، وهو من ابنته الزهراء، فلماذا لا يكون السيد أحمد الحسن ع ابناً مباشراً للإمام المهدي من ولده سلمان؟ ثم طالما قلتم إن الحسين هو الابن المباشر لرسول الله ص، فما معنى كلمة (مباشر) بالنسبة لكم ؟ ثم عن أي سياق تتحدث ؟ إن كون الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب يقررها التنصيب الإلهي، (ذرية بعضها من بعض) والابن ابن وإن نزل، والأب أب وإن علا، وهذا الإمام الكاظم ع يسلم على رسول الله ص، بقوله: (السلام عليك يا أبه)، وإذا كان رسول الله ص أباه، فهو ابنه بلا شك، والآباء بين الإمام الكاظم ع ورسول الله ص أكثر مما بين السيد أحمد الحسن ع والإمام المهدي ع. روى في الكافي: (عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن بعض أصحابنا، قال: حضرت أبا الحسن الأول ع وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة قد جاؤوا إلى قبر النبي ص فقال هارون لأبي الحسن ع: تقدم، فأبى، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية، وقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن ع: تقدم، فأبى، فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون، فقال: جعفر لأبي الحسن ع: تقدم، فأبى، فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون وتقدم أبو الحسن ع فقال: السلام عليك يا أبه أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي عليك. فقال: هارون لعيسى: سمعت ما قال ؟ قال: نعم، فقال هارون: أشهد أنه أبوه حقاً) ([136]). على الأقل كونوا منصفين كهارون في هذه الواقعة ! أما تعليقه على الرواية التي فيها إن الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، فها هو الشيخ الطريحي يجيبه بقوله: (و "العقب" بكسر القاف وسكونها الولد وولد الولد، وأعقاب الأعقاب: أولاد الأولاد) ([137]). وإذا كان الأعقاب الولد وولد الولد، فهي تشير إلى الأبناء المباشرين، فيكون أعقاب الأعقاب غيرهم. أما كلامه بخصوص ما ورد عنهم ص: (إذا قلنا في رجل قولاً فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك)، فهي روايات كثيرة يدل سياقها على أنها في القائم، أو على أقل تقدير يكون القائم أحد مصاديقها، وإليكم هذه الرواية التي تبين الأمر: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (إن الله تعالى أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكراً سوياً، مباركاً، يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وجاعله رسولاً إلى بني إسرائيل، فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم، فلما حملت كان حملها بها عند نفسها غلام، فلما وضعتها قالت: رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى، أي لا يكون البنت رسولاً، يقول الله ( والله أعلم بما وضعت، فلما وهب الله تعالى لمريم عيسى كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه، فإذا قلنا في الرجل منا شيئاً وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك) ([138]). وعيسى هو قائم بني إسرائيل، كما هو معروف. أما ما زعمه كاتب السطور من أن هذا يقتضي أن لا يكون الإمام المهدي محمد بن الحسن قائماً ولا مهدياً، فمردود، بما ورد في الروايات من تسميته بالمهدي والقائم، وعليه يكون مراد الرواية قيد البحث الإشارة إلى قائم ومهدي آخر لم يصرحوا باسمه لضرورات تتعلق بالاختبار وغيره. أما حديثه عن رواية: (يصلح الله أمره في ليلة) فقد نسب للأنصار قولاً فيها، ولم يذكر المصدر، فعليه أن يحدد المصدر، فلسنا في نقاش مقاهٍ فارغ تذكر الأمور فيه وتنسب الأقوال هكذا دون مستند، وإذا كان هذا شأن حوزات آخر الزمان، فاعلموا إن هذا لا يمت للعلم بصلة. 7- يقول: (الرواية لم تذكر أسماء المهديين، ولا يتم الإيمان إلا بمعرفة الأسماء). الجواب: هذا تخرص بلا دليل، وقد بيّنا فيما تقدم أن معرفة إمام الزمان تكفي. ثم إن من لم يذكر الأسماء هو رسول الله ص، وهو أحكم منكم، إن كنتم تؤمنون به، فمقتضى الإيمان به يستدعي أن تؤمنوا بوجود مهديين بعد الأئمة على الإجمال وتؤمنوا بأولهم المذكور اسمه في الوصية على التفصيل، هذا هو امتحانكم فانظروا لأنفسكم، ولا يستخفنكم الشيطان بوساوسه. وينقل هذه الرواية الواردة في كتاب سليم: (... يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله ص حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله ص ثم تركها ؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله ص وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: (أن الله ( قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين -) ([139]). ويعترف بعد إيرادها بأنها مجملة، ولكنه يدلس قائلاً إنها صرحت بأسماء الأئمة مفترضي الطاعة إلى يوم القيامة، وإن عددهم إثنا عشر ! أقول: هذه الرواية بين أيدينا، فأين ما زعمه من إنها صرحت بأن الأئمة إلى يوم القيامة عددهم إثنا عشر، وأين هي أسماؤهم التي صرحت بها كما زعم، أيكون الكذب هكذا جهاراً نهاراً، دون خجل ولا حياء ؟ طبعاً هو بقوله هذا يحاول استباق من قد يُشكل عليه ليوصد الباب في وجهه، ويمنعه من توجيه الإشكال التالي له: قلت قبل قليل إن رواية الوصية لم تذكر أسماء المهديين، وقلت إن الإيمان لا يكون إلا بأسماء على حد تعبيرك، فكيف تستدل بهذه الرواية وهي بلا أسماء ؟؟ ثم ما معنى قوله: (وهذه الرواية تتعارض مع رواية الطوسي، لأن رواية سليم تقول بأن هؤلاء هم أئمة الهدى المفروض طاعتهم إلى يوم القيامة لا إلى ظهور المهديين) ؟ أقول: إن قول الأمير ع: (وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة) يشمل المهديين، فحكمهم قبل يوم القيامة. أما ذكره ع لنفسه والحسن والحسين وإشارته لتسعة من ولد الحسين ص، فلا ينفي وجود غيرهم؛ لأن إثبات الشيء لا ينفي سواه، وهذا المقدار من الأئمة هم موضع ابتلاء الناس وقتها، فيكون ذكرهم محتم بحسب الضرورة المذكورة، بينما لا ضرورة تحوج لذكر المهديين ص آنذاك. علماً أنّ قوله ع: (سمى) لا تعني ذكر الأسماء، بل الإشارة إلى الأئمة، وإلا تكون رواية سُليم هي المضطربة، لأنها لم تذكر غير أسماء علي والحسن والحسين ص. ومثل هذا الكلام ينطبق على الرواية التي تتحدث عن الوصية المختومة الخاصة بكل وصي، فهي لا تعارض رواية الوصية، فكما قلنا ذكر العدد وإثباته لا ينفي ما عداه، وقوله في بعضها إن الصحيفة مختومة بإثني عشر خاتماً لا يعني أن الأوصياء إثنا عشر، كما يتخرص كاتب السطور؛ لأنه أقل ما يمكن أن يقال هنا هو أن المهديين سيأتي تكليفهم في وقتهم، وقد ورد في روايات كثيرة إن المهدي يأتي بأمر جديد غير ما سبق. إذن من العجز والإفلاس، بل هو والله من مرض القلوب أن يتمسك المرء بتخرصات لم تنص عليها الروايات، ولا هي ظاهرة فيها، بل دفعها ممكن وسهل، ويُعرض بالمقابل عن عشرات النصوص التي تدل على وجود المهديين. أما كلامه بخصوص الرواية التالية: (حدثنا محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن قاسم، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن جبرئيل اتى رسول الله بصحيفة مختومة بسبع خواتيم من ذهب وامر إذا حضره اجله ان يدفعها إلى علي بن أبي طالب فيعمل بما فيه ولا يجوزه إلى غيره وان يأمر كل وصى من بعده أن يفك خاتمه ويعمل بما فيه ولا يجوز غيره) ([140]). حيث زعم أنها من تصحيف النساخ، أو تحريف الواقفية، فهو كلام لا دليل عليه، وكان يمكنه - لو أنه أتقى الله - أن يرجئ الكلام فيها. أما هذه الرواية: (عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع أنه قال: الوصية نزلت من السماء على رسول الله صكتاباً مختوماً، ولم ينزل على رسول الله ص كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئيل ع: يا محمد، هذه وصيتك في أمتك إلى أهل بيتك، فقال رسول الله ص: أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ فقال: نجيب الله منهم وذريته ليورثك علم النبوة قبل إبراهيم وكان عليها خواتيم، ففتح علي ع الخاتم الأول ومضى لما أمر فيه ثم فتح الحسن ع الخاتم الثاني ومضى لما أمر به، ثم فتح الحسين ع الخاتم الثالث فوجد فيه أن قاتل وأقتل وتقتل واخرج بقوم للشهادة، لا شهادة لهم إلا معك ففعل، وثم دفهعما إلى علي بن الحسين ع ومضى، ففتح علي بن الحسين الخاتم الرابع فوجد فيه أن أطرق واصمت لما حجب العلم، ثم دفعها إلى محمد بن علي ع ففتح الخاتم الخامس فوجد فيه أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك العلم واصطنع الأمة، وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله، ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه، فقال معاذ بن كثير: فقلت له: وأنت هو ؟ فقال: ما بك في هذا إلا أن تذهب يا معاذ فترويه عني نعم أنا هو. حتى عدد عليّ اثني عشر اسماً ثم سكت، فقلت: ثم من؟ فقال: حسبك) ([141]). فهي، على العكس تماماً من زعمه بأنها تدل على أن الأئمة إثنا عشر، تدل على وجود المهديين بعدهم، وإلا لقال له (هذا كل شيء) لا (حسبك)، فحسبك تعني إن هذا المقدار يكفيك، وإن كان يوجد غيره، فأنت لست مكلفاً، ولا ممتحناً به. أما الرواية التالية: (وبهذا الاسناد، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله ع: كأني أنظر إلى القائم ع على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتابا مختوما بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله ص فيجفلون عنه إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيبا، كما بقوا مع موسى ابن عمران ع فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهبا فيرجعون إليه، والله إني لا عرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به) ([142]). فهو يزعم أنّ العهد المذكور فيها هي الوصية التي لا تُشكل على الناس، وليس الرواية المذكورة في غيبة الطوسي !! وكلامه هذا جهل فاضح، فالعهد الذي تشير له الرواية هو تكليف الإمام الخاص به، بدلالة أنه يستدل به على فعله بعد أن يكفروا به لكلام يقوله، فيخرج العهد لهم ليطمأنوا أن ما قاله هو مما عهده له رسول الله ص. ويؤكده الرواية التالية: (... يدخل المدينة فيغيب عنهم عند ذلك قريش، وهو قول علي بن أبي طالب ع: "والله لودت قريش أي عندها موقفا واحدا جزر جزور بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت" ثم يحدث حدثا فإذا هو فعل ذلك قالت قريش: اخرجوا بنا إلى هذه الطاغية، فوالله أن لو كان محمديا ما فعل، ولو كان علويا ما فعل ولو كان فاطميا ما فعل، فيمنحه الله أكتافهم، فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشئ ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه، والولاية لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه، والبراءة من عدوه، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه، وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الامر فيقول: يا هذا ما تصنع ؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله ص أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولى البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك. فيقول [له] القائم: اسكت يا فلان إي والله إن معي عهدا من رسول الله هات لي [يا] فلان العيبة أو الزنفيلجة فيأتيه بها فيقرؤه العهد من رسول الله فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك اقبله فيعطيه رأسه، فيقبل بين عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك، جدد لنا بيعة فيجدد لهم بيعة) ([143]). والرواية واضحة في أنّ العهد المشار إليه فيه تكليفه الخاص، وليس هو الوصية بمعنى النص على إمامة الأئمة ص. أما الرواية التي قدم بها لكلامه فهي تدل على غير ما يزعمه، فهي تدل على أن التعرف عليه يتم من خلال الوصية، وهذه هي الرواية: (عن الحارث بن المغيرة النضري، قال: قلنا لأبي عبد الله ع: بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية)([144]). -الرجعة: بخصوص الرجعة تحدثت الروايات الواردة عن آل محمد ص، إن أول من يرجع هو الإمام الحسين ع، وإنه يرجع على الإمام الذي لا عقب له، فعن الحسن بن علي الخراز، قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ع فقال له: أنت الإمام ؟ قال: نعم. فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد يقول لا يكون الإمام إلا وله عقب، فقال: أنسيتَ يا شيخُ، أو تناسيت ؟! ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر ع: لا يكون الإمام إلا وله عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي فإنه لا عقب له. فقال له: صدقتَ جعلتُ فداك هكذا سمعتُ جدك يقول) ([145]). ومعنى كونه لا عقب له واضح جداً، وهو إنه لا ذرية له، ولكن العاجزين عن مواجهة الحقيقة يحاولون المغالطة بكل طريقة، فكاتب السطور يقول بهذه الخصوص: (أقول قد يكون المقصود من العقب في هذا الحديث ليس مطلق الذرية بل الابن الذي يخلف الإمام ويكون إماماً بعده) ! أقول: سبحان الله، وما الذي اضطركم لئن تقدقدوا ([146])، وهل قدقدتكم هذه إلا فضيحة لا تصدر ممن فيه مسكة عقل. فالعقب كما فسرها كاتب السطور نفسه في موضع سابق يعني الأولاد، فكيف استحالت (الذي يخلف الإمام) ؟ ويستشهد تأييداً لزعمه بهذا الحديث: (عن حنان بن سدير قال: قلت لأبي الحسن الرضا ع: أيكون إمام ليس له عقب ؟ فقال أبو الحسن: أما انه لا يولد لي إلا واحد ولكن الله منشي منه ذرية كثيرة. قال أبو خداش سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة) ([147]). ويعلق قائلاً: (إنّ معنى "أما انه لا يولد لي إلا واحد" أي لا يولد لي إلا عقب واحد يخلفني ويكون هو الإمام بينما بقية أولاده ليسوا بأئمة لأن الإمامة لا تكون في أخوين عدا الحسن والحسين). ويرد عليه، وبصرف النظر عن كون (العقب) ظاهرة في عموم الذرية: 1- إن هذا الحديث لا ينفعك بشيء، وعليك أن تنتبه لما تقول، فالمهديون - كما نصت الروايات على ذلك - أئمة وأوصياء، وعليه لا يكون للاستشهاد بهذا الحديث موضع. ذلك أنك تريد أن المهدي أو القائم الذي يخرج عليه الحسين لا إمام في عقبه، وقد ثبت أن الإمام المهدي ع لديه ذرية فيهم أئمة. 2- إن الحديث ظاهر في أنه لا يولد له أبداً غير واحد، وإذا كانت الأخبار - على الرغم من اضطرابها، وتضاربها أحياناً - تذكر له عدة أولاد، فإن هذا لا ينقض ما قلنا لاحتمال حصول البداء. 3- بصرف النظر عن ظاهر الحديث، أقول إن ما يريده كاتب السطور هو تخصيص معنى العقب بالإمام حصراً، ومثل هذا التخصيص لا يساعد عليه الحديث فسياقه يدل على أن السؤال وقع قبل أن يلد للإمام الرضا ذرية. وهذا المعنى واضح فحنان بن سدير يسأل الإمام: (أيكون إمام ليس له عقب)، أي إنه يبدو سؤالاً عاماً، ولكن جواب الإمام يوضح أن السائل كان يقصد الإمام الرضا حصراً فأجابه بقوله: (فقال أبو الحسن: أما انه لا يولد لي إلا واحد ولكن الله منشي منه ذرية كثيرة)، أي إن تركيز الإمام في الجواب على نفسه ع يدل على أنه فهم أنه هو المقصود من السؤال، ويدل عليه كذلك سكوت السائل وعدم تعقيبه. وعليه يكون المفهوم من الحديث إن السائل الذي لم ير عقباً للإمام أراد أن يستفهم عن مصير الإمامة بعده فأخبره الإمام إنه سيلد له مولود يكون الإمام بعده. وهذا لا علاقة له بالزعم الذي ذهب له كاتب السطور. ويظن كاتب السطور أن الحديث التالي يؤيد مقالته، والعكس هو الصحيح، والحديث هو: (عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دخلت عليه بالقادسية فقلت له: جعلت فداك، إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أجلك، والخطب فيه جليل، وإنما أريد فكاك رقبتي من النار. فرآني وقد دمعت، فقال: "لا تدع شيئاً تريد أن تسألني عنه إلا سألتني عنه". قلت له: جعلت فداك، إني سألت أباك - وهو نازل في هذا الموضع - عن خليفته من بعده، فدلني عليك، وقد سألتك منذ سنين - وليس لك ولد - عن الإمامة فيمن تكون من بعدك، فقلت: "في ولدي"، وقد وهب الله لك ابنين، فأيهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك ؟ فقال لي: "هذا الذي سألت عنه، ليس هذا وقته". فقلت له: جعلت فداك، قد رأيت ما ابتلينا به في أبيك، ولست آمن من الأحداث. فقال: "كلا إن شاء الله، لو كان الذي تخاف كان مني في ذلك حجة أحتج بها عليك وعلى غيرك. أما علمت أن الإمام الفرض عليه والواجب من الله إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتج في الإمام من بعده بحجة معروفة مبينة، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾([148]) فطب نفساً وطيب أنفس أصحابك، فإن الأمر يجيء على غير ما يحذرون إن شاء الله تعالى") ([149]). وهذا الحديث يبين أنهم إنما سألوا الإمام عن عقبه - كما في الحديث السابق - بقصد معرفة الإمام من بعده، ولهذا أجابهم بما أجاب به هناك، بأنه سيلد له من يتولى الإمامة بعده، ولا علاقة لهذا بتقييد معنى العقب بالإمام. ويستدل كاتب السطور بالحديث التالي: (... قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي ؟ قال: يثور سرايا على السفياني إلى دمشق، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة. ثم يظهر الحسين ع في اثني عشر ألف صِدّيق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلا، فيا لك عندها من كرة زهراء بيضاء. ثم يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وينصب له القبة بالنجف، ويقام أركانها: ركن بالنجف، وركن بهجر، وركن بصنعاء، وركن بأرض طيبة، لكأني أنظر إلى مصابيحه تشرق في السماء والأرض، كأضواء من الشمس والقمر، فعندها تبلى السرائر، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت إلى آخر الآية...) ([150]). أقول: هذا الحديث لا يقوى على معارضة روايات المهديين المتواترة فيسقط من رأس، هذا إذا افترضنا وقوع التعارض. على أن الحديث لم يكن بصدد ترتيب الأحداث زمنياً ليستفاد منه وقوع الرجعة بعد الإمام المهدي، لاسيما وإنه يستعمل الحرف (ثم) الذي يفيد الترتيب المتراخي، فهو يقول: (ثم يظهر الحسين ع...)، ويعقب بقوله: (ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع)، وإذا علمنا أن الحسين ع هو أول من يرجع وأن علياً ع آخر من يرجع، وبينهما يرجع الأئمة والأنبياء ص، يتأكد لنا عدم إرادته الترتيب الزمني للأحداث، فتسقط دلالته التي حاول تصيدها كاتب السطور. ويستدل كذلك بالحديث التالي: (عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى: ﴿َقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾، قال: قتل علي بن أبي طالب ع وطعن الحسن ع، ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾، قال: قتل الحسين ع، ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ فإذا جاء نصر دم الحسين ع ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ﴾ قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ع فلا يدعون وتراً لآل محمد إلا قتلوه، ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾ خروج القائم ع، ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾([151]) خروج الحسين ع في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان المؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وإنه ليس بدجال ولا شيطان والحجة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين ع جاء الحجة الموت فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام) ولا يلي الوصي إلا الوصي) ([152]). وهذا الحديث مثل سابقه، فالإمام بصدد تفسير الآية، وليس من شأنه ترتيب الأحداث حسب وقوعها الزمني، أما معنى (والحجة القائم بين أظهرهم) فهو الحجة الفعلي بينهم، وليس الإمام المهدي ع، وما زعمه كاتب السطور من أن مصطلح (الحجة القائم) خاص بالإمام المهدي ع جهل منه لا أكثر، فقد ورد في الكافي: (الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن القائم فقال: كلنا قائم بأمر الله، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان)([153]). وكذلك: (علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله ابن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله ع: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾([154]) قال: إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه) ([155]). ويستدل بالحديثين التاليين: (عن أحمد بن محمد الأيادي، يرفعه إلى أحمد بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله ع سئل عن الرجعة أحق هي ؟ قال: "نعم". فقيل له: من أول من يخرج ؟ قال: "الحسين ع، يخرج على أثر القائم ع"، قلت: ومعه الناس كلهم ؟ قال: "لا، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾([156]) قوماً بعد قوم". وعنه ع: "ويقبل الحسين ع في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران ع، فيدفع إليه القائم ع الخاتم، فيكون الحسين ع هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه (ويواري به في حفرته)") ([157]). والقائم في هذا الحديث هو المهدي الثاني عشر ع وهو الذي لا عقب له، وليس هو الإمام المهدي محمد بن الحسن ع كما يظن كاتب السطور، وقد ورد وصف المهديين بـ (القوّام) في أكثر من رواية. أما قوله:إن في هذه الرواية توجد قرينة وهي (الخاتم)، وقوله: (في الروايات السابقة التي ذكرناها في الباب الأول بأن الذين لديهم الخاتم هم أهل البيت الإثني عشر) فهو كلام يثير الرثاء حقاً، فالذي يعنيه من قوله (التي ذكرناها في الباب الأول) هو الرواية التي تحدثت عن الوصية التي نزلت من السماء وعليها خواتيم كل إمام يفض الخاتم الخاص به، والخاتم المقصود هو ما تمهر به الكتب، أما الخاتم المقصود في الرواية التي يستدل بها، أي قوله (فيدفع إليه القائم ع الخاتم) فالظاهر منها هو أن الخاتم هنا يعني المحبس. ثم نسأله: إن الوصية التي نزلت من السماء فيها إثنا عشر خاتماً، والحسين ع فك خاتمه في حياته وعمل بما فيه، فهل زادت الخواتم حتى يتسلم خاتماً جديداً من القائم؟ وإذا كانت زادت فقد نقضت قولك السابق بأنها إثنا عشر لا غير. أما إذا قلت إن التكليف المتوجه للحسين واحد هنا وهناك، وبالتالي هو تسلم نفس الخاتم السابق، فالنصوص تكذبك لأنه في الدنيا تكليفه أن يخرج لكربلاء ويُستشهد، وفي الرجعة يقتل أعداءه. ويستدل بهذه الرواية: (وروى أبو عبد الله محمد بن سهل الجلودي، قال: حدثنا أبو الخير أحمد بن محمد بن جعفر الطائي الكوفي في مسجد أبي إبراهيم موسى بن جعفر ع، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن يحيى الحارثي، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، قال: خرجت في بعض السنين حاجا إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياما، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان ع، فما عرفت له خبرا، ولا وقعت لي عليه عين، فاغتممت غما شديدا وخشيت أن يفوتني ما أملته من طلب صاحب الزمان ع، فخرجت حتى أتيت مكة، فقضيت حجتي واعتمرت بها أسبوعا، كل ذلك أطلب، فبينا أنا أفكر إذ انكشف لي باب الكعبة، فإذا أنا بانسان كأنه غصن بان، متزر ببردة، متشح بأخرى، قد كشف عطف بردته على عاتقه، فارتاح قلبي وبادرت لقصده، فانثنى إلي، وقال: من أين الرجل؟ قلت: من العراق. قال: من أي العراق ؟ قلت: من الأهواز. فقال: أتعرف الخصيبي. قلت: نعم. قال: رحمه الله، فما كان أطول ليله، وأكثر نيله، وأغزر دمعته ! قال: فابن المهزيار. قلت: أنا هو. قال: حياك الله بالسلام أبا الحسن. ثم صافحني وعانقني، وقال: يا أبا الحسن، ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمد نضر الله وجهه ؟ قلت: معي. وأدخلت يدي إلى جيبي وأخرجت خاتماً عليه "محمد وعلي" فلما قرأه استعبر حتى بل طمره الذي كان على يده، وقال: يرحمك الله أبا محمد، فإنك زين الأمة، شرفك الله بالإمامة، وتوجك بتاج العلم والمعرفة، فإنا إليكم صائرون. ثم صافحني وعانقني، ثم قال: ما الذي تريد يا أبا الحسن ؟ قلت: الإمام المحجوب عن العالم. قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم، قم إلى رحلك، وكن على أهبة من لقائه، إذا انحطت الجوزاء، وأزهرت نجوم السماء، فها أنا لك بين الركن والصفا. فطابت نفسي وتيقنت أن الله فضلني، فما زلت أرقب الوقت حتى حان، وخرجت إلى مطيتي، واستويت على رحلي، واستويت على ظهرها، فإذا أنا بصاحبي ينادي إلي: يا أبا الحسن. فخرجت فلحقت به، فحياني بالسلام، وقال: سر بنا يا أخ. فما زال يهبط وادياً ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف، فقال: يا أبا الحسن، انزل بنا نصلي باقي صلاة الليل. فنزلت فصلى بنا الفجر ركعتين، قلت: فالركعتين الأوليين ؟ قال: هما من صلاة الليل، وأوتر فيها، والقنوت في كل صلاة جائز. وقال: سر بنا يا أخ. فلم يزل يهبط بي واديا ويرقى بي ذروة جبل حتى أشرفنا على واد عظيم مثل الكافور، فأمد عيني فإذا ببيت من الشعر يتوقد نورا، قال: المح هل ترى شيئاً ؟ قلت: أرى بيتاً من الشعر. فقال: الأمل. وانحط في الوادي واتبعت الأثر حتى إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها، ونزلت عن مطيتي، وقال لي: دعها. قلت: فإن تاهت ؟ قال: هذا واد لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن. ثم سبقني ودخل الخباء وخرج إليّ مسرعاً، وقال: أبشر، فقد أذن لك بالدخول. فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور، فسلمت عليه بالإمامة، فقال لي: يا أبا الحسن، قد كنا نتوقعك ليلاً ونهاراً، فما الذي أبطأ بك علينا ؟ قلت: يا سيدي، لم أجد من يدلني إلى الآن. قال لي: لم تجد أحداً يدلك ؟ ثم نكث بإصبعه في الأرض، ثم قال: لا، ولكنكم كثرتم الأموال، وتجبرتم على ضعفاء المؤمنين، وقطعتم الرحم الذي بينكم، فأي عذر لكم الآن ؟ فقلت: التوبة التوبة، الإقالة، الإقالة. ثم قال: يا ابن المهزيار، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلا خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم. ثم قال: يا ابن المهزيار - ومد يده - ألا أنبئك الخبر أنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني، وبويع السفياني يأذن لولي الله، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء، فأجئ إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجة الإسلام، واجئ إلى يثرب فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فأمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورق من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى، فينادي مناد من السماء: "يا سماء أبيدي، ويا أرض خذي" فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان. قلت: يا سيدي، ما يكون بعد ذلك. قال: الكرة الكرة، الرجعة الرجعة. ثم تلا هذه الآية: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾([158])) ([159]). وهذه الرواية لا تعارض روايات المهديين، فلم تنص ولم تلمح حتى لعدم وجود مهديين، وكذلك فإن قوله ع: (فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان) إشارة إلى دولة العدل الإلهي التي يحكم فيها المهديون ص. وقوله: (ما يكون بعد ذلك. قال: الكرة الكرة، الرجعة الرجعة) غير محدد بكونه بعد الإمام المهدي مباشرة، بل الظاهر إنه بعد دولة العدل الإلهي كما ذكرنا. أما قول كاتب السطور: (وهذه الرواية تبين بوضوح بأن بعد الإمام المهدي ع تكون الرجعة)، فهو زخرف من القول، وحكم بالهوى لا أكثر، فأين الوضوح، وأين البيان ؟ أما قول كاتب السطور بأن حديث الثقلين يعارض روايات المهديين فمردود بأن المهديين من العترة، وأما إن بعض الأحاديث ذكرت الإثني عشر في سياق الحديث فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وهم ص ذكروا القدر المتعلق به التكليف في زمنهم، ومثله يُقال في حديث آية التطهير، كما إن العدد ليس له مفهوم مخالفة. وأما قوله إن الحديث ورد بأسلوب الحصر: (إنما نزلت فيّ وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة من ولد الحسين ابني صلوات الله عليهم خاصة ليس معنا غيرنا)، فجوابه: إن (إنما) لا تفيد الحصر دوماً، بل الذي يقرر هذا السياق، فمثلاً قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ﴾ لا يعني إنه ص ليس بشيراً. وقوله ص: (إنما نزلت فيّ وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة من ولد الحسين ابني صلوات الله عليهم خاصة ليس معنا غيرنا) يمكن أن يكون المقصود منه إن هؤلاء ص يمثلون المصداق الأعلى للآية، لا إنهم كل مصاديقها، وهذا وارد في كلام فصحاء العرب، فالشاعر أبو العلاء المعري تؤثر عنه كلمته المشهورة: (البحتري وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر المتنبي)، والشعراء لا ينحصرون بالمتنبي، بل يقصد إنه أفضلهم، أو المصداق الأعلى للشاعر. وكذلك يمكن أن يراد من قوله: (ليس معنا غيرنا) إشارة إلى (غير) أي أشخاص موجودين في الخارج، مثل فلان وفلان الذين نصبهم الناس، ويمكن أن يراد منه إخراج النساء، منعاً لورود هذه الشبهة في بعض الأذهان، فتكون قضية خارجية لا حقيقية. وأخيراً، فالحديث بصدد تحديد من نزلت فيهم الآية، لا تحديد عدد الأئمة، وكذلك فإن الرسول ص قد ذكر ما يتعلق به تكليفهم، وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه. أما الأحاديث التي ذكرها عن الرجعة فهي صحيحة والرجعة واقعة حتماً، ولكن لا مناسبة لذكرها، إذ لا تعارض بينها وبين روايات المهديين اللهم إلا في العقول القاصرة. -إثنا عشر مهدياً: يرى كاتب السطور أن المهديين قوم من شيعة أهل البيت يدعون لموالاتهم، وليسوا بأئمة، ويستدل بالحديث التالي: (عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد ع: يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك ع أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً، فقال: إنما قال اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا)([160]). أقول: كونهم قوم من شيعة أهل البيت ص يدعون لموالاتهم لا يعني إنهم ليسوا بأئمة، فإبراهيم ع كان من شيعتهم وكان إماماً، ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾([161]). بل أنّ الكثير من الأنبياء ص لم يتمكنوا من بلوغ هذا المقام السامي، وهو أن يكونوا من شيعة أهل البيت ص، فقد ورد أن شيعتهم في كل العصور سبعون ألفاً، بينما عدد الأنبياء يفوق هذا الرقم بكثير. وفي بصائر الدرجات: (روى بعض أصحابنا عن أحمد بن محمد السياري قال وقد سمعت أنا من أحمد بن محمد قال حدثني أبو محمد عبيد بن أبي عبد الله الفارسي وغيره رفعوه إلى أبي عبد الله ع قال: إنّ الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ثم قال إنّ موسى لما سئل ربّه ما سأل أمر واحداً من الكروبيين فتجلّى للجبل فجعله دكاً) ([162]). فمكلم موسى من شيعتهم. ثم إن المهديين منصوص على أنهم أئمة، فلماذا هذا التمرد على كلام آل محمد يا من تدعون أنكم شيعة لهم لقلقة باللسان، وإليكم بعض هذه الروايات: 1- عن حبّة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين ص إلى الحيرة، فقال: (لتصلن هذه بهذه - وأومئ بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليُبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم عجل الله تعالى فرجه؛ لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه إثنا عشر إماماً عدلاً، قلت: يا أمير المؤمنين، ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ ؟!! قال: تبنى له أربع مساجد، مسجد الكوفة أصغرها، وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب، وأومئ بيده نحو البصريين والغريين) ([163]). 2- الدعاء الوارد عن المرأة التي كانت في منزل الإمام المهدي ع، وفيه: (... اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وديناً وآخره إنك على كل شيء قدير) ([164]). 3- عن الإمام العسكري ع في دعاء الثالث من شعبان المعظم في شأن المهديين ص من بعد الإمام المهدي ع، ويقر الإمام ع أنهم الحجج على الخلق بعده ع، وقد ورد في هذا الدعاء بكلمة للإمام العسكري قالها لأبي القاسم بن العلاء الهمداني وهو وكيلهع: (إنّ مولانا الحسين ع ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادع فيه بهذا الدعاء)، وهو طويل أقتبس منه موضع الشاهد: (... وسيد الأسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرة، المعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثأر، ويرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار) ([165]). 4- الدعاء الوارد في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البريء من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض إليه دين الله ... (إلى قوله ع): اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ... (ثم يقول ع): وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم، ديناً ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير) ([166]). 5- جمال الأسبوع - السيد ابن طاووس: (حدثني الجماعة الذين قدمت ذكرهم في عدّة مواضع من هذا الكتاب بإسنادهم إلى جدي أبي جعفر الطوسي تلقاه الله جل جلاله بالأمان والرضوان يوم الحساب، قال: أخبرنا ابن أبي الجيد، عن محمد بن الحسن بن سعيد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم ومحمد بن الحسن الصفار، كلهم عن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مولد وصالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، ورواه جدي أبي جعفر الطوسي فيما يرويه عن يونس بن الرحمن بعدة طرق تركت ذكرها كراهية للإطالة في هذا المكان، يروى عن يونس بن عبد الرحمن: أنّ الرضا ع كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر ع بهذا: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك، وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك بإذنك ... (إلى قوله ع): اللهم أعطه في نفسه وأهله ووَلَده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه ... (إلى قوله ع): اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم واعز نصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم في أمرك لهم وثبت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك وأركان توحيدك ودعائم دينك وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد رسلك، والسلام عليهم ورحمه الله وبركاته) ([167]). والعجيب أنّ هذا المغرور يزعم أنه لا دليل على إمامة المهديين. أما قول الإمام الصادق ع: (إنما قال اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً)، فلا يعني أنه ع يريد نفي كونهم أئمة، لأنه من الجائز أن يكون مراده إفهام المستمع أن المهديين ليسوا هم الأئمة الإثني عشر، فميزهم بتسمية (المهديين) وميز الأئمة بتسمية (الأئمة) كما فعل رسول الله ص في وصية الوفاة المقدسة، بل إن هذا المعنى يمكن أن يكون هو المراد من وصفهم بـ (قوم من شيعتنا)، فليس هذا الوصف تقليلاً من شأنهم. والمؤسف أن كاتب السطور بدل أن يقرأ كتب الأنصار ليعلم ما يستدلون به على إمامة المهديين، يدلس عليهم، فيأتي بهذا الحديث على أنه مما يستدل به الأنصار على إمامة المهديين: (عبد الرحمان بن بكار الأقرع القيرواني، قال: حججت، فدخلت المدينة، فأتيت مسجد رسول الله ص، فرأيت الناس مجتمعين على مالك بن أنس يسألونه ويفتيهم. فقصدت نحوه، فإذا أنا برجل وسيم حاضر في المسجد وحوله حفدة يدفعون الناس عنه، فقلت لبعض من حوله: من هذا ؟ قالوا: موسى بن جعفر. فتركت مالكاً، وتبعته، ولم أزل أتلطف حتى لصقت به، فقلت: يا بن رسول الله، إني رجل من أهل المغرب من شيعتكم وممن يدين الله بولايتكم. قال لي: إليك عني يا رجل، فإنه قد وكل بنا حفظة أخافهم عليك. قلت: باسم الله، وإنما أردت أن أسألك. فقال: سل عما تريد ؟ قلت: إنا قد روينا أن المهدي منكم، فمتى يكون قيامه، وأين يقوم ؟ فقال: إن مثل من سألت عنه مثل عمود سقط من السماء رأسه من المغرب وأصله في المشرق، فمن أين ترى العمود يقوم إذا أقيم ؟ قلت: من قبل رأسه. قال: فحسبك من المغرب يقوم وأصله من المشرق وهناك يستوي قيامه ويتم أمره. وكذلك كان المهدي ع ونشأته بالمشرق ثم هاجر إلى المغرب، فقام من جهته. وبالمشرق يتم أمره، ويقوم من ذريته من يتم الله به ذلك فيما هناك، ويورثه الأرض كما قال ( في كتابه المبين: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾([168])، وكله ينسب إلى المهدي ع؛ لأنه مفتاحه وبدعوته امتد أمره، وكل قائم من ولده من بعده مهدي قد هداهم الله عز وجل ذكره، وهدى بهم عباده إليه سبحانه، فهم الأئمة المهديون والعباد الصالحون الذين ذكرهم الله في كتابه أنه يورثهم الأرض وهو لا يخلف الميعاد) ([169]). أقول: لماذا الكذب على الأنصار، أليس هذا دليل العجز والإفلاس ؟ أما بخصوص الحديث التالي الوارد عن الإمام العسكري ع في دعاء الثالث من شعبان المعظم في شأن المهديين ص من بعد الإمام المهدي، وهو طويل أقتبس منه موضع الشاهد: (... وسيد الأسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرة المعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثأر، ويرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار) ([170]). وكما ترون الحديث واضح تماماً فهو ينص على وجود أوصياء بعد القائم ع، ولكن كاتب السطور يزعم إن هذا في الرجعة !! وقد علمنا من الروايات أن الحسين ع هو أول من يرجع، فهل هو من عترة نفسه !! أم إن كاتب السطور سيعمل استثناء له !؟ وماذا عن علي ع، وماذا عن الحسن ع هل هم من عترة الحسين ع ؟ ثم إن رواية الوصية تقول (فليسلمها - أي الإمامة - إلى ابنه) فهل الحسين ع ابن الإمام المهدي ع، ما لكم كيف تحكمون ؟ أما قوله: (والفوز معه في أوبته) فلا يدل على أن الأوصياء من بعد القائم سيكونون في الرجعة، بل لا رابط بين هذه العبارة وعبارة (والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته) فهو لم يقل (والأوصياء في الرجعة من عترته بعد قائمهم وغيبته). وكذلك فإن قوله: (حتى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثأر، ويرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار) وهو متعلق بالأوصياء يدل على أنهم سيكونون في هذه الدنيا، لأن الحسين عليه هو بنفسه من سيتكفل أخذ الثأر في الرجعة بدلالة قوله: (الممدود بالنصرة يوم الكرة)، وقوله: (والفوز معه في أوبته)، وتوجد روايات أخرى تدل على هذا. وبشأن هذا الحديث الوارد عن حبّة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين ص إلى الحيرة، فقال: (لتصلن هذه بهذه - وأومئ بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليُبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم عجل الله تعالى فرجه؛ لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه إثنا عشر إماماً عدلاً، قلت: يا أمير المؤمنين، ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ ؟!! قال: تبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب، وأومئ بيده نحو البصريين والغريين) ([171]). يقول كاتب السطور: (إن المقصود هم الأئمة الإثنا عشر الذين سيصلون في المسجد في الرجعة). أقول: كلامه مجرد تحكم قبيح لا دليل عليه على الإطلاق، ولا أدري كيف يسمح لنفسه بأن يقطع في الأمور العقائدية بهذه الطريقة الرعناء !؟ فالظاهر من الحديث إن هؤلاء الأئمة سيصلون في المسجد في الدنيا، ولا وجود أبداً لما يدفع أمثال كاتب السطور للذهاب بالدلالة إلى الرجعة. وبمثل هذه الطريقة الرعناء يتحدث عن الرواية التالية: (اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، واعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم في أمرك لهم، وثبت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد رسلك، والسلام عليهم ورحمه الله وبركاته) ([172]). يقول: (إن الأئمة من بعده هم الأئمة الإثني عشر ص، وفي الرجعة كما تعودنا منه) ! أقول: هؤلاء الأئمة بينتهم روايات أخرى مثل الرواية التالية: (اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ... (ثم يقول ع): وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير) ([173]). فهم إذن ولده وليس آباءه. أما عن هذه الرواية: (... اللهم كن لوليك في خلقك ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه منها طولاً، وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين...) ([174]). فيقول: (إن "وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين" قد تكون من إضافة الراوي) !؟ أما السبب العبقري فهو - برأي كاتب السطور - عدم ورودها في المصادر القديمة، وذكر منها الكافي الجزء الرابع دون ذكر الصفحة! وذكر مصباح المتهجد للطوسي ص630. وأول ما يلاحظ على كاتب السطور أنه يترك الكلام مبتوراً دون بيان لوجه التعارض المزعوم أو كيفيته، شأنه شأن أي سارق يخشى انكشاف سرقته، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الجواب نقول: إن الدعاء للحجة ع ورد في الكثير من الروايات، فالأئمة ص ذكروه كثيراً في دعائهم وقد تكررت عبارة (اللهم كن لوليك في خلقك ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه منها طولاً) في الكثير من أدعيتهم ص، وعدم ورودها في دعاء ما لا يعني زيادتها في دعاء آخر، فمثل هذا الكلام لا يصدر حتى عن مجنون. وهذه رواية الكافي ليُعلم أنها رواية أخرى مختلفة: (محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين ع قال: تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجدا وقائما وقاعدا وعلى كل حال وفي الشهر كله و كيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي ص: "اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعوناً (وعيناً) حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً") ([175]). وهذه رواية مصباح المتهجد: (اللهم، كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً) ([176]). أخيراً أقول: إن من يطالع كتب الأدعية سيرى الكثير من الأدعية تتكرر فيها هذه العبارات، دون أن يعني ذلك إن هذه الأدعية الكثيرة دعاء واحداً، فهل سنرى قطرة حياء أو حمرة خجل على بعض الوجوه ؟ أما السبب العبقري الآخر - برأي كاتب السطور - فهو معارضتها للرواية التالية، كما يزعم: (تفسير النعماني: فيما رواه عن أمير المؤمنين ع قال: وأما الرد على من أنكر الرجعة فقول الله (: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾([177])، أي إلى الدنيا، فأما معنى حشر الآخرة فقوله (: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾([178])، وقوله سبحانه: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾([179]) في الرجعة، فأما في القيامة فهم يرجعون. ومثل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾([180]) وهذا لا يكون إلا في الرجعة. ومثله ما خاطب الله به الأئمة، ووعدهم من النصر والانتقام من أعدائهم فقال سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ - إلى قوله - لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾([181]) وهذا إنما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا. ومثل قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾([182])، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾([183]) أي رجعة الدنيا. ومثله قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾([184])، وقوله (: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾([185]) فردهم الله تعالى بعد الموت إلى الدنيا وشربوا ونكحوا ومثله خبر العزير) ([186]). طبعاً حين يقرأ أحد هذا النص سيتساءل، أين التعارض، وكيف يكون، وماذا يقصد كاتب السطور ؟ ولن يجد إجابة على سؤاله؛ لأن كاتب السطور قرر أن يخدع نفسه بأي صورة كانت، ولم يعد يهمه أمر القارئ؛ فهم كلامه، أم لم يفهم. ولكني سأجرب تخمين مراده، وإذا أخطأت فهو المسؤول، وعليه أن لا يلوم أحداً غير نفسه، وتخميني وقع على العبارة التالية (وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين) التي وردت في الرواية التي نستدل بها على كون المهديين ص أئمة، فهذه العبارة وردت بعض ألفاظها في قوله تعالى ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، وحيث إن هذه الآية ذُكرت في الرواية الأخيرة التي تتحدث عن الرجعة سارع كاتب السطور إلى إقناع نفسه - بل خداعها في الحقيقة - بأن المراد من الذرية هم الأئمة الإثنا عشر الذين سيرثون في الرجعة ! ونحن بدورنا نقول إن الأئمة ص سيحكمون في الرجعة، وما أدراه لعل المهديين سيحكمون كذلك، والأنبياء ص، فما بلغنا عن عالم الرجعة قليل، ولكن الآية لها تأويل في عالم الدنيا كذلك، ففي دولة العدل الإلهي سيحكم المهديون وهم امتداد للأئمة ص، أي إن دولتهم هي دولة الأئمة ودولة رسول الله ص وهي الدولة التي تطلع لها الأنبياء والصالحون، وإليكم هذه الرواية التي تدل على أن للآية تأويلاً في الدنيا، أي قبل عالم الرجعة: (نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين ع: لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقيب ذلك: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾) ([187]). فقوله ع: (الدنيا) يعني هذا العالم. وبخصوص الرواية التالية: (السلام على ولاة عهده، والأئمة من ولده، اللهم صل عليهم، وبلغهم أمالهم، وزد في آجالهم، وأعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت من أمرهم، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك، وخزان علمك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخلصاءك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأولياؤك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد أصفيائك، وبلغهم منا التحية والسلام، واردد علينا منهم السلام، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته) ([188]). يقول كاتب السطور: (إنها لا تصلح للاحتجاج بها لأنها لم تنسب لمعصوم). والجواب: إنّ هذه الرواية تصلح كمؤيد لغيرها، ويوجد ما يوافق مضمونها، من قبيل الرواية التالية: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البريء من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض إليه دين الله ... (إلى قوله ع): اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ...... (ثم يقول ع): وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير) ([189]). كما أنّ هذا الدعاء ينقله صاحب بحار الأنوار عن كتاب (المزار) الذي قال مؤلفه عنه: (أما بعد، فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد المشرفات، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والأدعية المختارات، وما يدعى به عقيب الصلوات، وما يناجي به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في الخلوات، وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمات، مما اتصلت به من ثقات الرواة إلى السادات) ([190]). والظاهر من قوله: (إلى السادات) هم الأئمة ص، وعليه يكون الدعاء صالحاً للاحتجاج به. وبخصوص الرواية التالية: (...اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وديناً وآخره إنك على كل شيء قدير) ([191]). يقول كاتب السطور: (إن هذا الخبر لم يثبت عنده) ! أما لماذا لم يثبت عنده فلأنه يخالف ما قر في رأسه من أن الأئمة إثنا عشر وإن الرجعة تبدأ بعد الإمام المهدي ع !! وكما ترون فكاتب السطور مصداق واضح لمن جعلوا أنفسهم أئمة الكتاب، لا أن الكتاب إمامهم، فهو بدلاً من أن يبني عقائده على أساس النصوص الواردة عن آل محمد ص، يجعل من رأسه حكماً وعلى أساسه يرفض الروايات أو يقبلها. ثم إنه يستشهد بأحد الأحاديث التي ورد فيها أن الإمام المهدي ع خاتم الحجج والأوصياء، وقد سبق أن ناقشنا المسألة، فلا نعيد. أما كون الرواية تصف المهدي ع بالسمرة، فلا يتعارض مع ما ورد في روايات أخرى من أنه أبيض، لأمور منها: الوصف الوارد فيها ورد على لسان غير المعصوم. الرؤية تمت في الليل وعلى ضوء سراج، ومن الممكن أن تكون الظلمة قد انعكست على الوجه فبدا أسمراً. فهو يقول: (فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة) ([192]). البياض يمكن أن يتحول إلى سمرة بفعل مؤثرات خارجية، كأشعة الشمس، ولا يعني هذا إن صاحبها (أي السمرة) هو أسمر بطبيعته. المهم في الأمر هو دلالة الرواية على أنه الإمام، أما التمسك بلون البشرة فليس سوى عكازة العاجز. أما حديث كاتب السطور عن الإمامة المطلقة، والإمامة المخصصة، فنحن ننتظر منه أن يفهم ما يقول، ثم عليه أن يقيم الدليل عليه، وأخيراً يبينه بوضوح، لكي نناقشه، وإلا كلامه لغو لا معنى له. فإمامة المهديين ص كإمامة آبائهم الأئمة ص. ويقدم كاتب السطور وجهاً آخر يزعم أنه يفسر به معنى المهديين، فيقول إنهم أئمة أهل البيت الإثني عشر لا غيرهم !! ويحاول أن يدلل لقضيته الخاسرة من خلال سرد الروايات التي سمت الأئمة بالمهديين، ظاناً أنه بهذا أنه قد أمسك بذيل الذئب! والحق إن المسألة ليست في التسميات ومناقشة الأمر بهذا المنطق سطحية لا يُحسد عليها صاحبها، فقد وردت تسمية المهديين بالأئمة ووردت تسمية الأئمة بالمهديين، وليس ذلك إلا لأن الجميع في الحقيقة هم أئمة ومهديون، ولكن مقتضى التمييز بينهما يستدعي تخصيص كل منهما بتسمية تكون عنواناً عليه. وقد يتعكز بعض من لا يريد معرفة الحقيقة، والإذعان لها بأن ورود التسميات بهذه الطريقة تترتب عليه صعوبة الفرز، أو استحالته، ولكن مثل هذا المنطق غير صحيح تماماً. فالمهديون الموصوفون بالأئمة أيضاً هم أبناء الإمام المهدي، وحكمهم يتلو حكمه، وهذا مائز لا تخطئه العين أبداً، أما من أراد لعينه وبصيرته العمى فهذا لا كلام معه. ولنعرض الآن الأحاديث التي سردها كاتب السطور، ونقارن بينها وبين الروايات التي تحدثت عن المهديين، لنرى هل التمييز بينهما واضح، أم متعذر، وإليكم أولاً الأحاديث التي نقلها: 1- (عن عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب ع: منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وآخرهم التاسع من ولدى وهو القائم) ([193]). من الواضح أنّ القول بأن أولهم أمير المؤمنين وآخرهم القائم يعين المراد من المهديين هنا بأنهم الأئمة الإثني عشر. 2- (عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال: سمعته يقول: منا اثنا عشر مهديا مضى ستة وبقى ستة ويصنع الله في السادس ما أحب) ([194]). وهنا قول الإمام الصادق بأن ستة من المهديين قد مضوا – أي توفوا – وبقي ستة يحدد المراد من المهديين بأنهم الأئمة الإثني عشر. 3- (حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي الرازي، قال: حدثنا محمد بن آدم الشيباني، عن أبيه أدم بن أبي إياس، قال: حدثنا المبارك بن فضالة، عن وهب بن منبه رفعه عن ابن - عباس، قال: قال رسول الله ص: "لما عرج بي إلى ربي ( أتاني النداء: يا محمد، قلت: لبيك رب العظمة لبيك، فأوحى الله تعالى إليّ: يا محمد، فيم اختصم الملا الأعلى ؟ ... إلى قوله: فقلت: إلهي أجمع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا جميعاً عليّ حوضي يوم القيامة ؟ فأوحى الله تعالى إليّ: يا محمد، إني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم، وقضائي ماض فيهم، لأهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء. وقد آتيته علمك من بعدك وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأمتك، عزيمة مني (لأدخل الجنة من أحبه و) لا ادخل الجنة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك، فمن أبغضه أبغضك، ومن أبغضك أبغضني، ومن عاداه فقد عاداك، ومن عاداك فقد عاداني، ومن أحبه فقد أحبك، ومن أحبك فقد أحبني، وقد جعلت له هذه الفضيلة، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلهم من ذريتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى بن مريم") ([195]). إنّ كون المهديين من صلب علي يحددهم بأنهم الأئمة الإثني عشر ص. 4- (... والخليفة لك من بعده في أرضك وخلقك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى ابنته الكريمة الطاهرة الفاضلة الزهراء الغراء فاطمة وعلى ولديهما الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة الفاضلين الراجحين الزكيين التقيين الشهيدين الخيرين، وعلى علي بن الحسين زين العابدين وسيدهم ذي الثفنات وعلى محمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي ابن محمد، والحسن بن علي العسكريين، والمنتظر لأمرك، القائم في أرضك بما يرضيك، والحجة على خلقك، والخليفة لك على عبادك، المهدي ابن المهديين الرشيد بن المرشدين إلى صراط مستقيم) ([196]). المهديون هنا آباء الإمام المهدي لقوله: (المهدي ابن المهديين)، إذن المقصود منهم هم الأئمة الإثني عشر ص. والآن لننظر ببعض روايات المهديين ص لنرى هل يمكن تمييزهم باليسر ذاته الذي ميزنا به الروايات السابقة: 1- وصية رسول الله ص في ليلة وفاته: عن الباقر ع، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ص، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً) ([197]). المهديون هنا يأتون بعد الإثني عشر إماماً فهم غيرهم بلا شك. 2- عن أبي بصير، قال: (قلت للصادق جعفر بن محمد ع: يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك ع أنه قال: يكون بعد القائم إثنا عشر إماماً، فقال: إنما قال إثنا عشر مهدياً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([198]). المهديون هنا بعد القائم، فهم غير الأئمة الإثني عشر بالتأكيد. 3- عن أبي عبد الله ع: (إنّ منا بعد القائم ع اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([199]). وهنا أيضاً هم بعد القائم. 4- عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله ع في حديث طويل، أنّه قال: (يا أبا حمزة، إنّ منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([200]). وهنا أيضاً هم بعد القائم. إذن، التمييز بين الأئمة الإثني عشر والمهديين الإثني عشر يسير للغاية، فما الذي أعمى بصر وبصيرة بعض الناس ؟ ولكي ندلل على ضحالة منطق كاتب السطور، وعلى أنّ كل همه هو أن يُلبس الأمور على نفسه، أنقل لكم ما قاله وأعلق عليه، يقول اتضح له أن المهديين هم الأئمة الإثنا عشر ص، وإن حكمهم سيكون في الرجعة! وقال إن الروايات تدل على أن بعد القائم إثنا عشر مهدياً، وتكملة العدد لابد أن تكون - كما يتصور - بكون رسول الله ص هو الثاني عشر! وهنا نسأله: إذا كان الأمر كما تزعم فروايات المهديين يكون موضوعها الحديث عن الرجعة، فلماذا قلت فيما تقدم بأنها تتعارض مع روايات الرجعة ؟ ثم إنّ روايات الرجعة تنص على أن من يرجع هو من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً، وأنت زعمت أن الإمام المهدي ع لا يرجع ولذلك اضطررت لتعويضه برسول الله ص ليكتمل لك العدد، فعلى هذا أنت ترى - والعياذ بالله من قول السوء - أنّ الإمام المهدي ليس ممن محض الإيمان محضاً ؟ وإذا استدركت الآن غلطتك الشنيعة وقلت إنه يرجع فسيكون العدد ثلاثة عشر لا إثني عشر، فهل لديك حل لمعضلتك الجديدة هذه ؟ أخيراً يزعم كاتب السطور أنّ روايات المهديين التي تدل على أنهم من ذرية الإمام المهدي هي ثلاث روايات فقط !! هي التالية: 1- عن أبي عبد الله ع: (إنّ منا بعد القائم ع اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([201]). 2- عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله ع في حديث طويل، أنّه قال: (يا أبا حمزة، إنّ منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([202]). 3- (جعفر، عن ذريح، قال: سألته عن الأئمة بعد النبي ص، فقال: نعم كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه الإمام بعد النبي صلوات الله عليه وأهل بيته، ثم كان على الحسين، ثم كان محمد بن علي، ثم إمامكم اليوم، من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله ورسوله. قال: ثم قلت: أنت اليوم جعلني الله فداك، فأعدتها عليه ثلث مرات، قال: إني إنما حدثتك بهذا لتكون من شهداء الله في الأرض، إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً إلا علمه نبيه صلوات الله عليه، ثم إنه بعث إليه جبرئيل أن يشهد لعلي بالولاية في حياته يسميه أمير المؤمنين فدعا نبي الله تسعة رهط، فقال: إنما أدعوكم لتكونوا من شهداء الله أقمتم أم كتمتم، ثم قال: قم يا أبا بكر فسلم على علي أمير المؤمنين، قال: عن أمر الله وأمر رسوله نسميه أمير المؤمنين ؟ فقال: نعم، فقال: فسلم عليه، ثم قال: يا عمر، قم فسلم على أمير المؤمنين، فقال: عن أمر الله ورسوله سميته أمير المؤمنين ؟ فقال: نعم، ثم قال للمقداد بن الأسود: قم فسلم على أمير المؤمنين، فقام فسلم على علي ولم يقل كما قالا، ثم قال لأبي ذر الغفاري: قم فسلم على أمير المؤمنين، فقام فسلم، ثم قال لحذيفة: قم فسلم على أمير المؤمنين، فقام فسلم، ثم قال لعبد الله بن مسعود: قم فسلم على أمير المؤمنين، فقام فسلم، ثم قال لبريدة الأسلمي: قم فسلم على أمير المؤمنين، فقام وسلم، وكان بريدة أصغر القوم، ثم قال رسول الله ص: إنما دعوتكم لتكونوا شهداء أقمتم أم كتمتم، فأُمر أبو بكر على الناس وبريدة غايب بالشام فلما قدم بريدة أتى أبا بكر وهو في مجلسه فقال: يا أبا بكر، هل نسيت تسليمنا على علي بإمرة المؤمنين نسميه بها واجباً من الله ورسوله ؟ قال: يا بريدة، إنك غبت وشهدنا وإن الله يحدث الأمر بعد الأمر ولم يكن الله ليجمع لأهل هذا البيت النبوة والملك، فقال لي: إنما ذكرت هذا لتكون من شهداء الله في الأرض، إن منا بعد الرسول ص سبعة أوصياء أئمة مفترضة طاعتهم سابعهم القائم إن شاء له أن الله عزيز حكيم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء وهو العزيز الحكيم، ثم بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين، فقلت: من السابع جعلني الله فداك أمرك على الرأس والعين (العينين صم)، قال: قلت ثلث مرات، قال: ثم بعدي إمامكم وقائمكم إن شاء الله إن أبي ونعم الأب كان قال رحمة الله عليه كان يقول لو وجدت ثلاثة رهط فاستودعهم العلم وهم أهل ذلك حدثت بما لا يحتاج إلى نظر في حلال ولا حرام وما يكون إلى يوم القيمة إن حديثنا صعب لا يؤمن به إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، ثم قال: والله إن منا لخزان الله في الأرض، وخزانه في السماء لسنا بخزان على ذهب ولا على فضة، وإن منا لحملة العرش يوم القيمة محمد وعلي والحسن والحسين ومن شاء الله أربعة أخر من شاء الله أن يكونوا. جعفر بن محمد، عن عبد الله بن طلحة النهدي مثل هذا الحديث حديث ذريح إلا أنه زاد فيه قال: قال أبو عبد الله ع: إنما حدثتك بهذا الحديث لتكون من شهود الله في الأرض لفلان ابني) ([203]). ويعلق كاتب السطور قائلاً إن الرواية الأخيرة تخص الإمام الكاظم ع وإنها خاضعة للبداء على حد تعبيره. وأقول له إن البداء لا يحصل للروايات، بل للأمور التي تقع في الخارج، وإذا كان حصل في الإمام الكاظم ع فلن يكن هو القائم، فهذا لا يعني أن ننفض اليد عن كل ما ورد في الرواية من معلومات، فهذا لا يقول به أحد، وعليه تبقى دلالة الرواية على المهديين ثابتة. وأما كونهم أحد عشر بعد القائم، فلأن القائم المقصود فيها هو أول المهديين، ويمكنك أن تطلع على إصدارات الأنصار لتتعلم منها الكثير، بخصوص هذا الأمر وغيره. أما قول كاتب السطور إن الروايتين الأولى والثانية تختصان بالإمام الكاظم أيضاً بقرينة الرواية الثالثة! فما هكذا تورد الإبل، وهل غمضت عليك دلالة الروايتين لتلجأ للقرينة، أم ضاقت بك السبل فلجأت إلى المغالطة ؟ وفي تعليقه على ما كتبه الأنصار بهذا الخصوص، يزعم كاتب السطور أن ما ورد بخصوص المهديين من حيث كونهم القوام بعد الإمام المهدي يدل على أن المقصود هم الأئمة الإثنا عشر، لأنه ورد في بعض الروايات تسميتهم بذلك! وبطبيعة الحال لا نستغرب هكذا مستوى متدنٍ من النقاش، فكاتب السطور لم يترك مغالطة إلا هرول لها، ونقول: نعم وردت في الروايات تسمية المهديين، ومثلها تسمية الأئمة بالقوام ولكن العبرة ليس بهذا الوصف، فهم ص كلهم قوام وكلهم أئمة وكلهم مهديون وكلهم خلفاء وكلهم سادة وكلهم قادة، وما شئت من أوصاف الخير فعبر ولن تبلغ، ولكن واضح جداً أن المهديين يأتون بعد الإمام المهدي ع وهم ذريته أو أبناؤه، وهم طبعاً من ذرية الحسين ع، لأن أباهم من ذرية الحسين، وعددهم إثنا عشر، وكل هذا يجعلنا نميز بيسر بالغ بينهم وبين الأئمة ص الذين هم آباء الإمام المهدي، وتسعة منهم من ذرية الحسين ص ما طلعت شمس وما غربت، هل هذا واضح، أم تحتاجون لتوضيح الواضحات ؟؟ والله إن لم يكن هذا واضحاً لكم فلا شيء لديكم واضحاً أبداً. وحيث إن الأخطاء تتناسل بل تفرخ كما تفرخ بيوض الشيطان يقول كاتب السطور بخصوص الرواية التالية: عن أبي عبد الله ع، قال: (قال الله (: افترضت على عبادي عشرة فرائض إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي، وأبحتهم جناني، أولها معرفتي، والثانية معرفة رسولي إلى خلقي والإقرار به والتصديق له، والثالثة معرفة أوليائي وأنهم الحجج على خلقي، من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني، وهم العلم فيما بيني وبين خلقي، ومن أنكرهم أصليته ناري، وضاعفت عليه عذابي، والرابعة معرفة الأشخاص الذين أقيموا من ضياء قدسي، وهم قوام قسطي، والخامسة معرفة القوام بفضلهم والتصديق لهم، والسادسة معرفة عدوي إبليس وما كان من ذاته وأعوانه، والسابعة قبول أمري والتصديق لرسلي، والثامنة كتمان سري وسر أوليائي، والتاسعة تعظيم أهل صفوتي والقبول عنهم، والرد إليهم فيما اختلفتم فيه، حتى يخرج الشرح منهم، والعاشرة أن يكون هو وأخوه في الدين والدنيا شرعاً سواء، فإذا كانوا كذلك أدخلتهم ملكوتي، وآمنتهم من الفزع الأكبر وكانوا عندي في عليين) ([204]). يقول: إن القوام المذكورين فيها هم الأئمة الإثنا عشر أيضاً !! ولو سألناه: كيف يا فلتة آخر الزمان، والرواية تقول: (والثالثة معرفة أوليائي وأنهم الحجج على خلقي)، وهذه الفريضة الثالثة تتحدث عن الأئمة ص، ثم تقول: (والرابعة معرفة الأشخاص الذين أقيموا من ضياء قدسي، وهم قوام قسطي)، وهذه الفريضة الرابعة تخص المهديين، وحيث إنك جعلتها في الأئمة أيضاً، فأنت تجعل من الفريضتين الثالثة والرابعة فريضة واحدة! فهل نصدقك أم نصدق الله ؟ أما جوابه فهو التالي: (يمكن القول إن الفرق بين الثالثة والرابعة أن الأولى في سائر الأنبياء والأوصياء والثانية في أئمة أهل البيت .. أو أن الأولى في الأئمة والثانية في رجعتهم أي الإيمان بهم ومعرفتهم بعد رجعتهم أيضاً) !! وجوابي له: أما الـ (يمكن) الأولى فالفريضة السابعة تقول: (والسابعة قبول أمري والتصديق لرسلي)، فهل نسيتها، وما الذي أعجلك حتى نسيتها ؟ استعذ بالله من الشيطان الرجيم. وأما الـ (يمكن) الثانية فالله ( افترض هذه الفرائض ليؤمن بها الناس في كل زمان ومكان، في عالم الدنيا وعالم الرجعة، وفي الذر الأول، وما شاء رب العالمين، فتقسيمك بارد لا أدري كيف استساغه عقلك. ثم لعلك تظن أنك جئت لنفسك بشيء غير الفضيحة ؟ لا أنت واهمٌ للغاية، فتقسيمك في الـ (يمكن) الثانية ليس سوى تقسيم لفريضة واحد على زمنين (عالم الدنيا، وعالم الرجعة) وكان عليك أن تقسمها على أكثر فتدخل (عالم الذر) وما شاء ربك، فالتقسيم وقع على الزمان لا على الفريضة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إن حقد النفوس يعمي ويصم. ويقول بخصوص الحديث التالي: (اللهم وصل على ولاة عهوده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وانصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم من أمر دينك، واجعلنا لهم أعوانا وعلى دينك أنصارا، وصل على آبائه الطاهرين، الأئمة الراشدين. اللهم فإنهم معادن كلماتك، وخزان علمك، وولاة أمرك وخالصتك من عبادك، وخيرتك من خلقك، وأوليائك، وسلائل أوليائك، وصفوتك وأولاد أصفيائك، صلواتك ورحمتك وبركاتك عليهم أجمعين) ([205]). يقول كاتب السطور: (إن لهذا الحديث نسختين، إحداهما خالية من عبارة "وصل على آبائه الطاهرين")، ثم يأتي بهاتين الروايتين: الرواية الأولى: (حدثني الجماعة الذين قدمت ذكرهم في عدة مواضع من هذا الكتاب بإسنادهم إلى جدي أبي جعفر الطوسي تلقاه الله جل جلاله بالأمان والرضوان يوم الحساب، قال: أخبرنا ابن أبي الجيد، عن محمد بن الحسن بن سعيد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم ومحمد بن الحسن الصفار، كلهم عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مولد وصالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، ورواه جدي أبي جعفر الطوسي فيما يرويه عن يونس بن الرحمن بعدة طرق تركت ذكرها كراهية للإطالة في هذا المكان، يروى عن يونس بن عبد الرحمن: أنّ الرضا ع كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر ع بهذا: اللهم ادفع عن وليك وخليفتك، وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك بإذنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة على بريتك، وشاهدك على خلقك، الجحجاح المجاهد، العائذ بك عندك، وأعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك وآباءه أئمتك ودعائم دينك، واجعله في وديعتك التي لا تضيع، وفي جوارك الذي لا يحقر، وفي منعك وعزك الذي لا يقهر، وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي لا يرام من كان فيه، وأيده بنصرك العزيز، وأيده بجندك الغالب، وقوه بقوتك واردفه بملائكتك، ووال من والاه وعاد من عاداه، وألبسه درعك الحصينة، وحفه بالملائكة حفاً، اللهم وبلغه أفضل ما بلغت القائمين بقسطك من أتباع النبيين، اللهم اشعب به الصدع، وارتق به الفتق، وأمت به الجور، واظهر به العدل، وزين بطول بقائه الأرض، وأيده بالنصر، وانصره بالرعب، وقو ناصريه، واخذل خاذليه، ودمدم على من نصب له، ودمر من غشه، واقتل به جبابرة الكفر وعمده ودعائمه، واقصم به رؤس الضلالة وشارعه البدع، ومميتة السنة، ومقوية الباطل، وذلل به الجبارين، وابر به الكافرين وجميع الملحدين في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها، حتى لا تدع منهم دياراً ولا تبقى لهم آثاراً. اللهم طهر منهم بلادك، واشف منهم عبادك، واعز به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، ودارس حكمة النبيين، وجدد به ما امتحى من دينك، وبدل من حكمك، حتى تعيد دينك به وعلى يديه غضاً محضاً صحيحاً، لا عوج فيه ولا بدعة معه، وحتى تنير بعدله ظلم الجور وتطفئ به نيران الكفر، وتوضح به معاقد الحق ومجهول العدل، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك واصطفيته من خلقك واصطفيته على عبادك، وائتمنته على غيبك، وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب، وطهرته من الرجس وسلمته من الدنس، اللهم فإنا نشهد له يوم القيامة، ويوم حلول الطامة أنه لم يذنب ذنباً ولا أتى حوباً ولم يرتكب معصية ولم يضيع لك طاعة ولم يهتك لك حرمة ولم يبدل لك فريضة ولم يغير لك شريعة، وأنه الهادي المهدي الطاهر التقى النقي الرضي الزكي، اللهم أعطه في نفسه وأهله وولده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وتجمع له ملك المملكات كلها قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها، حتى يجري حكمه على كل حكم ويغلب بحقه كل باطل. اللهم اسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجة العظمى، والطريقة الوسطى، التي يرجع إليها الغالي ويلحق بها التالي، وقونا على طاعته وثبتنا على مشايعته، وامنن علينا بمتابعته، واجعلنا في حزبه، القوامين بأمره الصابرين معه، الطالبين رضاك بمناصحته، حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه ومقوية سلطانه. اللهم واجعل ذلك لنا خالصاً من كل شك وشبهة ورياء وسمعة، حتى لا نعتمد به غيرك ولا نطلب به إلا وجهك، وحتى تحلنا محله وتجعلنا في الجنة معه، وأعذنا من السأمة والكسل والفترة، واجعلنا ممن تنتصر به لدينك، وتعز به نصر وليك، ولا تستبدل بنا غيرنا فإن استبدالك بنا غيرنا عليك يسير وهو علينا عسير. اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من ولده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، واعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم في أمرك لهم، وثبت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد رسلك، والسلام عليهم ورحمه الله وبركاته) ([206]). الرواية الثانية: (وجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل وما ذكرها؛ لأنها أتم في التفصيل، وهي ما حدث به الشريف الجليل أبو الحسين زيد بن جعفر العلوي المحمدي قال: حدثنا أبو الحسين إسحاق بن الحسن العفراني، قال: حدثنا محمد بن همام بن سهيل الكاتب ومحمد بن شعيب بن أحمد المالكي، جميعاً، عن شعيب بن أحمد المالكي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع أنه كان يأمر بالدعاء للحجة صاحب الزمان ع، فكان من دعائه له صلوات الله عليهما: اللهم صل على محمد وآل محمد، وادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك بإذنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة في بريتك، وشاهداً على عبادك، الجحجاح المجاهد المجتهد، عبدك العائذ بك، اللهم وأعذه من شر ما خلقت وذرأت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصى رسولك وآبائه أئمتك ودعائم دينك صلواتك عليهم أجمعين، واجعله في وديعتك التي لا تضيع، وفي جوارك الذي لا يحتقر، وفي منعك وعزك الذي لا يقهر، اللهم وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي لا يضام من كان فيه، وانصره بنصرك العزيز، وأيده بجندك الغالب، وقوه بقوتك، وأردفه بملائكتك. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وألبسه درعك الحصينة، وحفه بملائكتك حفاً. اللهم وبلغه أفضل ما بلغت القائلين بقسطك من أتباع النبيين، اللهم اشعب به الصدع، وارتق به الفتق، وأمت به الجور، واظهر به العدل، وزين بطول بقائه الأرض، وأيده بالنصر، وانصره بالرعب، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنك على عدوك وعدوه سلطاناً نصيراً. اللهم اجعله القائم المنتظر، والإمام الذي به تنتصر، وأيده بنصر عزيز وفتح قريب، وورثه مشارق الأرض ومغاربها اللاتي باركت فيها، وأحي به سنة نبيك صلواتك عليه وآله، حتى لا يستخفى بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، وقو ناصره، واخذل خاذله، ودمدم على من نصب له، ودمر على من غشه. اللهم واقتل جبابرة الكفر وعمده ودعائمه والقوام به، واقصم به رؤس الضلالة، وشارعة البدعة، ومميتة السنة، ومقوية الباطل، وأذلل به الجبارين، وابر به الكافرين والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا وأين كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم دياراً ولا تبقى آثاراً. اللهم وطهر منهم بلادك، واشف منهم عبادك، واعز به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، ودارس حكم النبيين، وجدد به ما محى من دينك، وبدل من حكمك، حتى تعيد دينك به وعلى يديه غضاً جديداً صحيحاً محضاً لا عوج فيه ولا بدعة معه، حتى تنير بعدله ظلم الجور، وتطفئ به نيران الكفر، وتظهر به معاقد الحق ومجهول العدل، وتوضح به مشكلات الحكم. اللهم وإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك واصطفيته من خلقك، واصطفيته على عبادك، وائتمنته على غيبك، وعصمته من الذنوب، وبرأته من العيوب، وطهرته (من الرجس)، وصرفته عن الدنس، وسلمته من الريب. اللهم فإنا نشهد له يوم القيامة ويوم حلول الطامة أنه لم يذنب ولم يأت حوباً ولم يرتكب لك معصية ولم يضيع لك طاعة ولم يهتك لك حرمة ولم يبدل لك فريضة ولم يغير لك شريعة، وأنه الإمام التقى الهادي المهدي الطاهر التقى الوفي الرضي الزكي، اللهم فصل عليه وعلى آبائه واعطه في نفسه وولده وأهله وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها، قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها حتى يجرى حكمه على كل حكم، ويغلب بحقه على كل باطل. اللهم واسلك بنا على يديه منهاج الهدى والمحجة العظمى والطريقة الوسطى، التي يرجع إليها الغالي ويلحق بها التالي. اللهم وقونا على طاعته وثبتنا على مشايعته، وامنن علينا بمتابعته، واجعلنا في حزبه القوامين بأمره، الصابرين معه، الطالبين رضاك بمناصحته، حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه ومقوية سلطانه، صل على محمد وآل محمد، واجعل ذلك كله منا لك خالصاً من كل شك وشبهة ورياء وسمعة، حتى لا نعتمد به غيرك ولا نطلب به إلا وجهك، وحتى تحلنا محله، وتجعلنا في الجنة معه، ولا تبتلنا في أمره بالسأمة والكسل والفترة والفشل، واجعلنا ممن تنتصر به لدينك، وتعز به نصر وليك، ولا تستبدل بنا غيرنا فإن استبدالك بنا غيرنا عليك يسير وهو علينا كبير إنك على كل شيء قدير. اللهم وصل على ولاة عهوده، وبلغهم آمالهمن وزد في آجالهم، وانصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم أمر دينك، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، وصل على آبائه الطاهرين الأئمة الراشدين، اللهم فإنهم معادن كلماتك، وخزان علمك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وخيرتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك، وصفوتك وأولاد أصفيائك، صلواتك ورحمتك وبركاتك عليهم أجمعين، اللهم وشركاؤه في أمره ومعاونوه على طاعتك الذين جعلتهم حصنه وسلاحه ومفزعه وأنسه، الذين سلوا عن الأهل والأولاد وتجافوا الوطن، وعطلوا الوثير من المهاد قد رفضوا تجاراتهم، وأضروا بمعايشهم، وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصرهم، وحالفوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم، وخالفوا القريب ممن صد عن وجهتهم، وائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام من الدنيا، فاجعلهم اللهم في حرزك وفي ظل كنفك، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من خلقك، واجزل لهم من دعوتك من كفايتك ومعونتك لهم وتأييدك ونصرك إياهم ما تعينهم به على طاعتك، وازهق بحقهم باطل من أراد إطفاء نورك، وصل على محمد وآله...) ([207]). وبعد إيرادها يعلق كاتب السطور قائلاً: (إن النسختين مختلفتان، وبسبب اختلافهما لا يمكن لحضرته الجزم بصحة إحداهما دون الأخرى) ! وهكذا ينفض يديه ويرتاح من التعب، بينما الحقيقة تئن وتشتكي منه. وفي معرض الرد أقول: من الممكن النظر إليهما على أنهما روايتان مختلفتان لاختلافهما في بعض المضامين، ولا يضر بهذا اشتراكهما في البعض الآخر، ولا كونهما صادرتين عن الإمام الرضا ع، ولكن على افترض أنهما رواية واحدة وردت بصورتين فما الذي يمنع حضرتك من الأخذ بهما معاً ؟ فالتوقف له وجه لو كان هناك تعارض، أو تضارب في المضامين، والحال إنه لا شيء من هذا موجود في الروايتين. ثم إن محل الاستشهاد - وهو المهم، إن كنت تفقه - موجود في الروايتين معاً، فما الذي يمنع من الأخذ به ؟ أما قولك إن إحداهما لم ترد فيها عبارة: (وصل على آبائه الطاهرين) وهذا ما يدفعك لنفض اليد منهما، فهو ذريعة تستطيع أن تخدع بها نفسك المتمردة، ولكنها في ميزان العلم والحقيقة لا وزن لها البتة، لأنها ليست محل الاستشهاد. ثم إن ورودها في نسخة دون أخرى لا يشكل تعارضاً، بل يمكن أن نتخذ من هذه الزيادة قرينة تساعد على فهم الدلالة، وهي بالتأكيد ليست من صالحك، ولهذا تهورت وقلت ما قلت. واعلم أن ميزانك هذا لو يُعمّم على كل الروايات لعصف بالكثير جداً منها، فاتقي الله بكلام آل محمد ص. أما بخصوص هذه الرواية: (أخرج أبو الحسين بن المنادى في كتاب الملاحم عن سالم بن أبي الجعد (أنه) قال: يكون (ملك) المهدي إحدى وعشرين سنة، أو اثنين وعشرين سنة، ثم يكون آخر من بعده وهو دونه وهو صالح أربعة عشر سنة، ثم يكون آخر من بعده وهو دونه وهو صالح تسع سنين) ([208]). فهي وإن لم تكن واردة عن معصوم، لكنها تقوي الروايات الواردة عن المعصومين. -الأنصار والشهيد الصدر: فيما يتعلق بآراء السيد الصدر (رحمه الله) هناك كلام كثير، ولكننا لسنا بصدده، والرجل ليس بمعصوم على أية حال، ولسنا مستعبدين بقبول آرائه، وأما استئناس الأنصار بذكر أقوال له في بعض المناسبات فلمقتضيات معينة تفهم من سياق إيرادها، ولكن هذا الاستئناس - وهو الأمر المهم - لم يكن ولن يكون من باب النظر لكلماته على أنها مما يصح الاحتجاج به، اللهم إلا من ألزم نفسه بها فيصح إلزامه بما التزم به. وبخصوص محل النزاع مع كاتب السطور، فجوابي على إشكاله ببساطة هو دعوته إلى إعادة التفكير فيما يكتب، فهو دائماً يسيء فهماً - عن عمد وعن جهل - فيسيء قولاً، فالشيخ العقيلي في كتابه (الوصية والوصي أحمد الحسن) كان بصدد التعليق على خصوص ما أورده السيد الصدر في موسوعته، وكلامه من هذه الجهة لا غبار عليه، حتى أن كاتب السطور - وهو المهتم جداً بتسقيط ما يظنه عثرات - لم يجد في كلامه ما يتصيده فاضطر للذهاب إلى كتاب آخر للصدر ليقذف بحصياته من هناك ! وعلى أي حال فإن اعتراض الشيخ العقيلي على فهم السيد الصدر للرجعة يضطرد حتى على كتابه (بحث حول الرجعة) فهنا أيضاً لم يكن السيد الصدر موفقاً على الإطلاق، ولكن ليس هذا محل النزاع الآن، وإلا لأفضنا فيه الحديث. -أحمد في الروايات: ورد في كمال الدين وتمام النعمة وغيره من المصادر: (حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا إسماعيل بن مالك، عز محمد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده ص، قال: " قال أمير المؤمنين ع - وهو على المنبر -: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي ص، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، و أعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه") ([209]). هذه الرواية التي استشهد بها السيد أحمد الحسن ع، والأنصار كانت موضوع تعليق من قبل كاتب السطور بعدد من النقاط؛ أولها: قوله: إنّ نص الرواية ورد بصورة (له اسمان)، فكيف توردونها في كتبكم بصورة (للقائم اسمان) وعلى الرغم من كون هكذا نمط من الإشكالات لا يستحق الاهتمام، ولكننا نقول إن أخذ موضع الشاهد من الرواية مباشرة قد يترتب عليه لبس على القارئ غير المطلع وبالتالي يحسن إبدال الضمير بالاسم، وهذا يدخل تحت مقولة الرواية بالمعنى وإن لم تتم الإشارة له. وبطبيعة الحال لا يستطيع أحد أن يزعم أن تغييراً ما بدلالة الرواية سيترتب على مثل هذا الفعل. وحيث لا تغيير في الدلالة فالإشكال لا يصدر إلا من مفلس لا يجد ما يقوله. والتعليق الآخر لكاتب السطور مفاده أن الرواية تتحدث عن شخص واحد هو الإمام المهدي محمد بن الحسن ع والاسمان يعودان له ! أقول: كالعادة أساء كاتب السطور الفهم، وكان عليه أن يتدبر جيدًا مراد أمير المؤمنين ع من قوله: (له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد)، فما هو المراد من الاسم هنا، هل هو هذا اللفظ الذي يوضع علامة على الشخص، أي الأصوات أو الحروف، أم إنه المسمّى أي الشخص نفسه ؟ بطبيعة الحال المتبادر من الاسم هو الأول، أي اللفظ الذي يوضع علامة على الشخص لا الشخص نفسه، ولكن هذا المتبادر لابد من رفع اليد عنه والصيرورة إلى المعنى المجازي وهو إرادة المسمى أو الشخص، أما الضرورة الداعية لرفع اليد عن المعنى المتبادر فتتمثل بقوله: (فأما الذي يخفى فأحمد)، فلو كان المراد اللفظ فهو قد ذكره في نفس الرواية وفي نفس الموضع بقوله (فأحمد)، إذن لابد أن يكون المراد خفاء شخص القائم على الناس ليُمتَحَنوا به، وهذا ما دلت عليه عشرات الروايات، وكتب به الأنصار كثيراً فراجع. قد يقال هنا إن المراد خفاء اللفظ، ويكون المعنى إن للقائم اسم يخفى على الناس، أي لا يعرفونه. فأقول: إنّ هذا المعنى لا خطورة له ليحظى بشرف ذكره من قبل أمير المؤمنين، وهم ص لا ينطقون باللغو وحاشاهم. ويدلك عليه إن معنى (يخفى) - كما يقتضي الإطلاق - إنه يخفى للأبد، وإذا كان كذلك فالتعرض لذكره ما هي الحكمة منه ؟ على أن للإمام المهدي أكثر من اسمين فلماذا يقول (اسمان) ؟ فالآن الناس تسمي الإمام المهدي: صاحب الزمان، وأبو صالح، والحجة ابن الحسن، وغيرها من الأسماء، وإذا قيل إن هذه كنى وألقاب، فأقول: إنها غلبت على الاسم فصارت اسماً كما هو الحال مع أبي طالب ع. أخرج الشيخ الصدوق عن الحسن البصري، قال: صعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع منبر البصرة فقال: (أيها الناس، انسبوني، فمن عرفني فلينسبني، وإلا فأنا أنسب نفسي، أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب. فقام إليه ابن الكواء فقال: يا هذا، ما نعرف لك نسباً غير أنك علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. فقال له: يا لكع، إن أبي سماني زيداً باسم جده قصي، وإنّ اسم أبي عبد مناف فغلبت الكنية على الاسم، وإنّ اسم عبد المطلب عامر فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم عمرو فغلب اللقب على الاسم، واسم عبد مناف المغيرة فغلب اللقب على الاسم، وإنّ اسم قصي زيد فسمته العرب مجمعاً - لجمعه إياها من البلد الأقصى إلى مكة - فغلب اللقب على الاسم) ([210]). أقول: أما الروايات التي نقلها بخصوص عدم ذكر اسم الإمام ع فقد أتعب نفسه بنقلها دون طائل فهي أولاً ناظرة لفترة معينة من الزمن، وهي ثانياً - وهو الأهم - متعلقة بالاسم الذي يعلن، أي اسم محمد. -شعارهم أحمد أحمد: ورد (عن الباقر ع - بالطريق المذكور يرفعه إلى جابر -، قال: إنّ لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: "أحمد أحمد"، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات. فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبوا على الثلج) ([211]). هذه الرواية يستدل بها الأنصار على أنّ كنوز طلقان ينتسبون للقائم أحمد ويتخذون من اسمه شعاراً يهتفون به، ولكن كاتب السطور يتعمد الخلط بينها وبين رواية أخرى هي التالية: (... ثم يخرج الفتى الحسني الصبيح من نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد، أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز الله بالطالقان) ([212]). وبعد أن علمنا أنّ (أحمد أحمد) التي يتخذونها شعاراً لهم تشير إلى القائم (أحمد) نستطيع أن نفهم (يا آل أحمد) الواردة في الرواية الثانية بأن المقصود منها يا أنصار أحمد، والآل يمكن أن تطلق على مطلق الانتساب كما ورد في آل محمد ص بأنهم (آل الله)، فهل آل الله تعني أهله وعياله ؟ وإذا كان هذا ممكناً بتقريب أنهم المصطفين من قبله، والأكثر قرباً منه وما يشبهه، فهذا هو معنى الانتساب الذي ذكرناه. ومنه يتضح أن اعتراض كاتب السطور مردود عليه. أما قوله إن المقصود منها: (يا أهل بيت النبوة) فهو ممكن بذاته، ولكنه بعيد بالنظر إلى الأدلة والقرائن التي تثبت أن القائم هو أحمد، وإنهم إنما ينتسبون له. أما قوله بأن هذه الرواية تتعارض مع ما ورد بعض الروايات من أن شعارهم (يا لثارات الحسين)، فهو كلام جُهّال لا أكثر فالجمع ممكن بأن يكون لهم أكثر من شعار، بل أكثر من شعارين وثلاثة، فشعار في السلم وشعار في الحرب، وما إلى ذلك. والرواية التي فيها (شعارهم أحمد أحمد) لم تقل إن هذا الشعار هو الوحيد، ومثلها الرواية الأخرى، فالتعارض المزعوم لا مكان له في العقول السليمة. أما رواية: (وإن منهم الغلام الأصفر الساقين اسمه أحمد) ([213])، التي عثر عليها كاتب السطور - كما يقول - في منتديات أنصار الله، فالإشكال بها فضيحة له، فالمعروف أنّ الإشكال على شيء يصح إذا ما كان هذا الشيء مُتبنّى رسمياً من قبل المستشكل عليهم، وآية التبنّي الرسمي أن يكون موجوداً في كتاب أو بيان صادر عن الدعوة المباركة، أما كلام المنتديات فلا يصلح حجة على أحد، ولكن الغريق يتعلق بالقشة. أما قوله بأن الروايات لم تقل بأن اليماني اسمه أحمد أو إنه من البصرة، وقوله لا توجد رواية سمت من الأصحاب رجل من البصرة اسمه (أحمد بن إسماعيل) أو (أحمد الحسن). فجوابه: لقد تشابهت قلوبكم وقلوب الوهابية النواصب، فهم يقولون إن القرآن لم يذكر اسم إمامكم علي فكيف نؤمن به !؟ وها أنتم تقولون بأن الروايات لم تقل إن اليماني اسمه أحمد، بينما الاستدلال على اسمه من الروايات واضحٌ وضوحَ الشمس في رابعة النهار، ولكن ما عسانا نقول لعُمْي البصيرة ؟ وإذا كانت عشرات الأدلة لم تكفكم لمعرفة حق أحمد الحسن ع فالاسم وحده لن يكفيكم، ولو ورد في الروايات ستقولون ما أدرانا أن (أحمد بن إسماعيل) أو (أحمد الحسن) هو صاحبكم ؟ فابقوا إذا شئتم على عنادكم والصبح قريب. أمّا ما قاله كاتب السطور عن خطبة البيان فقد سبق أن ناقشناه، فلا نعيد. -اليماني والعصمة: بخصوص الرواية التالية الواردة عن أبي جعفر الباقر ع قال: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم. فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس، وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق، والى طريق مستقيم) ([214]). يقول كاتب السطور: (إن معنى "لأنه يدعو إلى الحق، وإلى طريق مستقيم": أي يدعو إلى الإمام الحجة ع، "لأنه يدعو إلى صاحبكم" فهو الحق وهو الصراط المستقيم). ويضيف قائلاً: (فالدعوة إلى الحق لا تعني بالضرورة دليلاً على العصمة، فالرواية لم تقل "هو الحق والطريق المستقيم"، ولم تقل "يهدي إلى الحق"؛ لأن هناك فرق بين شخص يدعو إلى الحق وشخص يهدي إلى الحق.. أي لا توجد ملازمة بين العصمة والدعوة إلى الحق، وإلا لقلنا بأن كل شخص يدعو الناس إلى الحق وولاية أهل البيت ص فهو معصوم). وفي الجواب أقول: 1- إن الإمام الباقر ع قال: (لأنه يدعو إلى صاحبكم)، وقال كذلك: (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، فلو كانت دلالة العبارة الأولى هي نفس دلالة العبارة الثانية لاستلزم ذلك التكرار واللَّغْوية وحاشاه من ذلك. إذن، العبارة الثانية تدل على معنى غير ما دلت عليه الأولى، وهذا واضح وبيّن، والنقاش فيه محاولة فاشلة للهروب من لزوم القول بعصمته الذي تدل عليه العبارة. 2- إنّ الظاهر من كلام كاتب السطور هو أنه يحصر معنى الصراط المستقيم بالإمام المهدي ع، وهذا غير صحيح فالله ورسله والأئمة كلهم صراط مستقيم، وهم كذلك لأنهم هداة إلى الله، أي يدعون إلى الحق الواحد والصراط المستقيم، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([215]). وعليه يكون معنى كون اليماني يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم هو إنه هو نفسه طريق مستقيم، وكل ما يصدر منه طريق مستقيم. 3- قول كاتب السطور إن الرواية لا تدل على العصمة؛ لأنها لم تقل (يهدي إلى الحق) فهو مغالطة؛ لأن المعنى واحد، فيدعو إلى الحق تعني يهدي إلى الحق، ولهذا ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾. وورد فيه كذلك التعبير عن هدي الأنبياء بالدعوة، قال تعالى: ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَ ـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾([216]). وقال تعالى: ﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ ([217]). وقد ورد في الحديث تفسير (تهدي) بـ (تدعو): (... عن أبي عبد الله ع، قال: قلت له: أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله ... إلى قوله: وقال: في نبيه ص: ﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم﴾ يقول: تدعو، ثم ثلّث بالدعاء إليه بكتابه أيضا تبارك وتعالى ... الخ) ([218]). 4- أما اعتراض كاتب السطور المتمثل بقوله: (وإلا لقلنا بأن كل شخص يدعو الناس إلى الحق وولاية أهل البيت ص فهو معصوم) ! فجوابه: قولكم أنتم لا قيمة له البتة، فأنتم قد تقولون مثل هذا عن الخَطّاء والضال المضل، أما أهل البيت ص فحين يقولون عن شخص إنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم فهم يقصدون أنه لا يدخل الناس في ضلال ولا يخرجهم من هدى، أي أنه معصوم، فهم يعلمون ما يقولون حق العلم، ثم إن ما قاله الإمام الباقر مطلق غير مقيد، وجاء تعليلاً لقوله ع: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار)، فيكون معناه: إن من لا يطع اليماني يكون من أهل النار، ولو سألنا لماذا ؟ فالجواب: لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، أي لأنه معصوم لا يخطئ. فهل كل أحد تقولون أنتم أنه يدعو إلى الحق لا يحق لنا أن نلتوي عليه ؟ إذا قلت: نعم. تكون قد كذبت لأنه ورد إن بعض من يدعون إلى الحق ليسوا من أهله، ففي الملاحم والفتن: (حدثنا نعيم، عن الوليد بن مسلم ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي بن أبي طالب، قال: "إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض، فلا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم صغار لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى، شعورهم مرخاة كشعور النساء حتى يختلفوا فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق من يشاء") ([219]). أقول: أما كلام كاتب السطور حول اليماني، وهل أنه القائم أم لا، فقد أثبته الأنصار بعشرات الأدلة، ومن أراد الحق فليراجع ما كتبوه، أما اقتناص حديث واحد فهو طريق الفاشلين المضلين، فالحديث الواحد تتضح دلالته عندما يتم الجمع بينه وبين غيره من الأحاديث. إذن إذا ما أراد كاتب السطور مناقشة مسألة هل اليماني هو القائم أم لا، فعليه أن يناقش كل الأدلة التي يسوقها الأنصار في هذا الصدد. -المعصوم واللغة: يقول كاتب السطور: (المعصوم ع لا يخطئ في اللغة) ! وهنا عليه أن يبين لنا ما هو التلازم بين العصمة بما هي، وبين ما يسميه الخطأ في اللغة، فهل يستطيع، أم أنه لا يُحسن سوى التقافز ؟ وعليه كذلك أن يأتي بدليل قطعي على هذه المسألة؛ لأنها تتعلق بالعصمة، والعصمة من العقائد التي لا يجوزون القول بها إلا إذا قام دليل قطعي عليها .. نحن بالانتظار. وليكن معلوماً أننا لا نقول ولم نقل أن حجة الله يخطئ في اللغة؛ لأننا لا نسمي قواعد اللغة التي وضعها الناس قانوناً صحيحاً كاملاً، فضلاً عن كونه قانوناً لا يجوز خرقه، كما يزعم الجهلة، وقد بينت هذا الأمر في كتاب (بحث في العصمة) فليراجعه من أراد الوقوف على حقيقة الأمر. ويقول كاتب السطور أيضاً: (ويعرف كل لغات العالم)، وهذا أيضاً أجبنا عليه في كتاب (بحث في العصمة)، ولا أدري لماذا لم يطلع عليه كاتب السطور، والمفروض أنه ينتقد أقوالنا، فكان عليه على الأقل أن يعرف حقيقة ما نقول ودليلنا، ليناقش الدليل، أمّا رمي الحصى من خلف الجدار فهو شأن المتطفلين على العلم. أما النحو فقد ورد: (عن محمد بن مسلم، قال: قرأ أبو عبد الله ع الآية الكريمة ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾: نوحاً، قلت: نوح ! ثم قلت: جعلت فداك، لو نظرت في هذا أعني العربية، فقال: دعني من سهككم) ([220]). الإمام الصادق ع يقرأ هنا (نوح) بالفتح وهو فاعل حقه الرفع، وحين يقول له محدثه: لو نظرت في العربية يجيبه بقوله: دعني من سهككم. والسهك ريح كريهة يجدها الإنسان فيمن يتعرق وهو أيضا صدأ الحديد ورائحة السمك الزنخة ([221]). يقول كاتب السطور تعليقاً على هذه الرواية: (الإمام الصادق ع لم يخالف العربية؛ لأن "نوحاً" هنا مفعول به لأن الإمام قال "نادينا" ولم يقل "نادانا"). وإليكم الآية كما وردت في المصحف: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾([222]). فنقول لكاتب السطور: هل تقول إن الإمام الصادق أخطأ في قراءة الفعل ؟ إن كان هذا فقد نقضت قضيتك. أم تقول إن هذه قراءة أهل البيت ص، فاعلم إذن أن الاحتجاج بالمصحف الموجود بين أيدي الناس - وأنت تتخذه ميزاناً - لا يجوز لأن الإمام أعرف بالقراءة الصحيحة، وقد ورد ما مضمونه أن القائم يقرأ القرآن كما أنزل، وهنا أيضاً لا تبقى لديك قضية. وأنت تقول إن (نوح) مفعول به و (نا) العائدة على الله جل وعلا الفاعل، فكيف تفهم إذن قوله تعالى: (فلنعم المجيبون) ؟ إذ المفروض على حسب قولك أن يقول: (فلنعم المجيب) أي نوحاً؛ لأنه هو المنادى فيكون هو المجيب ؟ وكذلك لماذا لم يبين الإمام للسائل بأن هذه قراءة، أو لماذا لم يقل له مثلاً: لم أخطئ في قراءتي على حد تعبيركم، وقال له: (دعني من سهككم) ؟ على أنه يُكذِّب ما قلتَ رسولُ الله ص، والإمام السجاد، والإمام الصادق ع، فعن رسول الله ص: (وقال رسول الله ص: إذا قام العبد من لذيذ مضجعه ... إلى قوله: يا الله يا الله يا الله، يا رب يا رب يا رب، قلت: "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون"، نِعْمَ والله المجيب أنت، ونعم المدعو، ونعم المسؤول) ([223]). وعن الإمام السجاد: (فقد قلت سيدي: ﴿ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون﴾. أجل! وعزتك سيدي لنعم المجيب أنت، ولنعم المدعو أنت) ([224]). وعن الإمام الصادق: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله ع: إلا تخصني بدعاء ؟ قال: بلى. قال: قل: "يا واحد يا ماجد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يا عزيز يا كريم يا حنان يا منان يا سامع الدعوات يا أجود من سئل ويا خير من أعطى يا الله يا الله يا الله قلت: ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون"، ثم قال أبو عبد الله ع: كان رسول الله ص يقول: "[نعم] لنعم المجيب أنت، ونعم المدعو، ونعم المسؤول، أسألك بنور وجهك، وأسألك بعزتك وقدرتك وجبروتك، وأسألك بملكوتك ودرعك الحصينة وبجمعك وأركانك كلها، وبحق محمد وبحق الأوصياء بعد محمد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا") ([225]). وفي كل هذه الروايات المدعو هو الله والمجيب هو الله، أي أن المفعول به ليس نوحاً. وعن حويزة بن أسماء، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: إنك رجل لك فضل، لو نظرت في هذه العربية، فقال: لا حاجة لي في سهككم هذا) ([226]). وإذا كان الإمام الصادق ع قد قرأ (نوح) بالفتح في الرواية الأولى فهو في هذه الرواية لم يقرأ شيئاً من القرآن، كما يظهر، ومع ذلك يقول له أسماء بن حويزة: (لو نظرت في العربية) الأمر الذي يستظهر منه أنه ع كان في كل أحواله لا يعير أهمية لعلم النحو. وبخصوص معرفة اللغات ليقرأ كاتب السطور هذه الروايات: ورد في بصائر الدرجات: (حدثنا محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن صباح المزني، عن الحرث بن حصيرة، عن حبة بن جوين العرني، قال: سمعت أمير المؤمنين علياً ع يقول: إنّ يوشع بن نون كان وصي موسى بن عمران وكانت ألواح موسى عن زمرد أخضر، فلما غضب موسى أخذ الألواح من يده فمنها ما تكسر ومنها ما بقي ومنها ما ارتفع، فلما ذهب عن موسى الغضب قال يوشع بن نون: أعندك تبيان ما في الألواح ؟ قال: نعم، فلم يزل يتوارثها رهط من بعد رهط حتى وقعت في أيدي أربعة رهط من اليمن، وبعث الله محمداً ص بتهامة وبلغهم الخبر، فقالوا: ما يقول هذا النبي ص ؟ قيل ينهى عن الخمر والزناء ويأمر بمحاسن الأخلاق وكرم الجوار، فقالوا: هذا أولى بما في أيدينا منا، فاتفقوا أن يأتوه في شهر كذا وكذا، فأوحى الله إلى جبرئيل أن ائت النبي ص فأخبره، فأتاه فقال إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً وفلاناً ورثوا ألواح موسى وهم يأتوك في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا، فسهر لهم تلك الليل فجاء الركب فدقوا عليه الباب وهم يقولون: يا محمد، قال: نعم، يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، أين الكتاب الذي توارثتموه من يوشع بن نون وصي موسى بن عمران ؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك محمداً رسول الله ص، والله ما علم به أحد قط منذ وقع عندنا قبلك. قال: فأخذه النبي ص فإذا هو كتاب بالعبرانية دقيق فدفعه إليّ ووضعته عند رأسي فأصبحت بالكتاب وهو كتاب بالعربية جليل فيه علم ما خلق الله منذ قامت السماوات والأرض إلى أن تقوم الساعة، فعلمت ذلك) ([227]). وفيه كذلك: (حدثنا أبو محمد، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله ع، قال: إن في الجفر أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ألواح موسى ع أنزلها عليه وفيها تبيان كل شي‏ء وهو كائن إلى أن تقوم الساعة، فلما انقضت أيام موسى أوحى الله إليه أن استودع الألواح وهي زبرجدة من الجنة الجبل، فأتى موسى الجبل فانشق له الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة، فلما جعلها فيه انطبق الجبل عليها فلم تزل في الجبل حتى بعث الله نبيه محمداً، فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وضعها موسى فأخذها القوم، فلما وقعت في أيديهم ألقي في قلوبهم أن لا ينظروا إليها وهابوها حتى يأتوا بها رسول الله ص، وأنزل الله جبرئيل على نبيه فأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوا، فلما قدموا على النبي ص ابتدأهم النبي فسألهم عما وجدوا فقالوا: وما علمك بما وجدنا ؟ فقال: أخبرني به ربي وهي الألواح، قالوا: نشهد أنك رسول الله، فأخرجوها ودفعوها إليه فنظر إليها وقرأها وكتابها بالعبراني، ثم دعا أمير المؤمنين ع فقال: دونك هذه، ففيها علم الأولين وعلم الآخرين وهي ألواح موسى وقد أمرني ربي أن أدفعها إليك، قال: يا رسول الله، لست أحسن قراءتها، قال: إن جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فإنك تصبح وقد علمت قراءتها، قال: فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه الله كل شي‏ء فيها، فأمره رسول الله ص أن ينسخها فنسخها في جلد شاة وهو الجفر وفيه علم الأولين والآخرين وهو عندنا والألواح وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النبي ص) ([228]). وفي كتاب سليم بن قيس: (أبان، عن سليم، قال: أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين ع فنزل العسكر قريباً من دير نصراني، فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده حتى أتى أمير المؤمنين ع فسلم عليه بالخلافة، فقال له علي ع: مرحباً يا أخي شمعون بن حمون كيف حالك رحمك الله، فقال: بخير يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووصي رسول رب العالمين، إني من نسل رجل من حواري أخيك عيسى ابن مريم ع وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي عيسى ابن مريم، وكان من أفضل حواري عيسى ابن مريم ع الإثني عشر وأحبهم إليه وآثرهم عنده وإليه أوصى عيسى ابن مريم ع وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا وتلك الكتب عندي إملاء عيسى ابن مريم وخط أبينا بيده وفيها كل شي‏ء يفعل الناس من بعده ملك ملك وكم يملك وما يكون في زمان كل ملك منهم حتى يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تدعى تهامة من قرية يقال لها مكة يقال له أحمد، الأنجل العينين، المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج - يعني العمامة - له إثنا عشر اسماً، ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى أمته من بعده من الفرقة والاختلاف وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل الله عيسى ابن مريم من السماء، فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله، وإن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم، من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية، مكتوبة فيه أسماؤهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم واحداً بعد واحد، وكم رجل منهم يستسر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له الناس حتى ينزل الله عيسى ابن مريم ع على آخرهم فيصلي عيسى خلفه، ويقول إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه في الصف الأول أولهم أفضلهم وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم، بسم الله الرحمن الرحيم أحمد رسول الله واسمه محمد وياسين وطه ون والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي، وهو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وصفيه وأمينه وخيرته، يرى تقلبه في الساجدين يعني في أصلاب النبيين، ويكلمه برحمته فيذكر إذا ذكر، وهو أكرم خلق الله على الله وأحبهم إلى الله، لم يخلق الله خلقاً ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً من آدم فمن سواه خيراً عند الله كتاب‏ ولا أحب إلى الله منه، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفعه في كل من شفع فيه، وباسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ في أم الكتاب، وبذكره محمد رسول الله ثم أخوه صاحب اللواء يوم القيامة يوم الحشر الأكبر وأخوه ووصيه ووزيره وخليفته في أمته وأحب خلق الله إلى الله بعده علي بن أبي طالب، ولي كل مؤمن بعده ثم أحد عشر إماماً من ولد أول الإثني عشر، اثنان سميا ابني هارون شبر وشبير وتسعة من ولد أصغرهما وهو الحسين واحداً بعد واحد آخرهم الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه، فيه تسمية كل من يملك منهم ومن يستسر بدينه ومن يظهر، فأول من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطاً وعدلاً و يملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان كلها. فلما بعث النبي ص وأبي حي صدق به وآمن به وشهد أنه رسول الله وكان شيخاً كبيراً ولم يكن به شخوص، فمات أبي وقال لي إن وصي محمد وخليفته الذي اسمه في هذا الكتاب ونعته سيمر بك إذا مضى ثلاثة أئمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار المسمين بأسمائهم وقبائلهم فلان وفلان وفلان ونعتهم وكم يملك كل واحد منهم، فإذا مر بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه فإن الجهاد معه كالجهاد مع محمد، والموالي له كالموالي لمحمد، والمعادي له كالمعادي لمحمد، وفي هذا الكتاب يا أمير المؤمنين إن إثني عشر إماماً من قريش من قومه يعادون أهل بيته ويمنعونهم حقهم ويقتلونهم ويطردونهم ويحرمونهم ويتبرءون منهم ويخيفونهم مسمون واحداً بعد واحد بأسمائهم ونعوتهم وكم يملك كل رجل منهم وما يملك وما يلقى منهم ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف والبلاء وكيف يديلكم الله منهم ومن أوليائهم وأنصارهم وما يلقون من الذل والحرب والبلاء والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت. ثم قال: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،وأشهد أنك خليفة رسول الله في أمته ووصيه وشاهده على خلقه وحجته في أرضه وأن الإسلام دين الله وإني أبرأ من كل دين خالف دين الإسلام فإنه دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه وإنه دين عيسى ابن مريم ومن كان قبله من أنبياء الله ورسله وهو الذي دان به من مضى من آبائي، وإني أتولاك وأتولى أولياءك وأبرأ من عدوك وأتولى الأحد عشر الأئمة من ولدك وأبرأ من عدوهم وممن خالفهم وبرئ منهم وادعى حقهم وظلمهم من الأولين والآخرين، ثم تناول يده وبايعه ثم قال له أمير المؤمنين ع: ناولني كتابك، فناوله إياه فقال علي ع لرجل من أصحابه: قم مع هذا الرجل فانظر ترجماناً يفهم كلامه فلينسخه لك بالعربية مفسراً. فأتاه مكتوباً بالعربية، فلما أتاه به قال لابنه الحسن ع: يا بني، ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك، فأتاه به فقال: أنت يا بني اقرأه، وانظر أنت يا فلان الذي تستجهل في نسخة هذا الكتاب فإنه خطي بيدي وإملاء رسول الله ص عليّ. فقرأه فما خالف حرفاً واحداً ليس فيه تقديم و لا تأخير كأنه إملاء رجل واحد على رجلين، فحمد الله أمير المؤمنين ع وأثنى عليه وقال: الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الأمة ولم تفترق، والحمد لله الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمل ذكري عنده وعند أوليائه إذ صغر وخمل ذكر أولياء الشيطان وحزبه. ففرح بذلك من حضر عند أمير المؤمنين ع من شيعته وشكر وساء ذلك كثيراً ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم و ألوانهم) ([229]). أما بالنسبة لمعرفة اللغات فالكلام الفصل فيها هو ما ورد عنهم ص من إنهم إذا ما أرادوا معرفة شيء يعلمهم الله، على أن معرفة اللغات شيء ومخالفة قواعد النحو الوضعية شيء آخر. ولا بأس بالقول أننا لا نقول ولم نقل إنهم يجهلون اللغات، ولكن لابد من التمييز بين حقائقهم العلوية حيث أعلمهم الله كل ما يحتاجون له، وبين وجودهم المادي حيث حجبوا عن حقائقهم، ولا يستطيعون الاتصال بها إلا بإذن الله، وهو كلام بيناه في كتاب (بحث في العصمة) فليراجع هناك، وبه وحده ينحل التعارض الظاهري في الروايات، حيث في بعضها إنهم يعلمون كل اللغات وفي بعضها يجهلون بعض اللغات، ويحتاجون لترجمان يبين لهم، بل وفيه حل التعارض الظاهري بين كونهم لا يخفى عليهم شيء من العلوم وبين احتياجهم للطبيب، وغيره. أما كلامه عن جمع رؤيا، وهل يصح قولنا (رؤيات) أم لا، فهذا يتم بعد أن يجيب عن أسئلتنا المتعلقة بالنحو هل هو قوانين كاملة صحيحة أو لا ؟ أما قولهم: (اعربوا كلامنا) فالإعراب هنا لا علاقة له بما يُسمى علم النحو، وقد أجبت عن هذه في كتاب (بحث في العصمة) وإليكم بعض ما قلت: (أقول: الإعراب هو الإفصاح والإبانة، فيقال: أعرب بحجته، أي أفصح بها ولم يتق أحداً، قال الكميت: وجدنا لكم في آل حاميم آية * تأولها منا تقي ومعرب. يعني المفصح بالتفصيل، والساكت عنه للتقية ([230]). وأعرب الرجل: أفصح القول والكلام، وهو عرباني اللسان، أي: فصيح ([231]). وقال الشيخ الطريحي: "و (الإعراب) بكسر الهمزة: الإبانة والإيضاح، ومنه الحديث (اعربوا أحاديثنا فإنا قوم فصحاء) ومنه الخبر (اعربوا القرآن) أي بينوا ما فيه من غرائب اللغة وبدائع الإعراب" ([232]). وعلى هذا فالمراد بقولهم "اعربوا حديثنا" أي بينوا للناس غرائبه، وأسراره، والمضامين التي ينطوي عليها، "فإنا قوم فصحاء" أي: نلقي لكم بالأصول كما ورد وعليكم بيان التفصيل، وكذلك: نتكلم بالكلام الموجز الذي يحمل دلالات ومعاني كثيرة عليكم تدبرها وتبينها. أما قولهم: إن المراد من الإعراب وضع الحركات على الحروف، فمنقوض بما ورد عن الصادق ع من إنه لم يكن يراعي النحو في كلامه ويسميه سهكاً، ومنقوض كذلك بحقيقة أن من يهتم لهذه الدرجة بالحركات سيأتي بها حتماً في كلامه، فلا يبقى موجب لأن يطلب من غيره عمل ذلك. فهل يقولون أنهم ص لم يكونوا يظهرون الحركات على الحروف ويطلبون من رواة حديثهم أن يفعلوا ذلك ؟ أقول: إذن تحقق المطلوب فالمعصوم لا يرى ضرورة لالتزام القواعد النحوية في كلامه). أما قوله إن القرآن نزل بلسان عربي، واستشهاده بقوله تعالى: ﴿َإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ( عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾([233]). وقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([234]). فيرد عليه: إنه بصرف النظر عن كل ما يمكن أن يقال في معنى الآيات، فإن كلامك هذا مصادرة، وقفز على محل النزاع، فمحل النزاع هو هل إن قواعد اللغة العربية التي وضعها الناس تعبر عن كامل حقيقة اللسان العربي، أم إنها قواعد ناقصة على الأقل ؟ وحقيقة المصادرة هي إنك تفترض مسبقاً كمال هذه القواعد ! أما النقطة الثانية التي ذكرتها فقد رددنا عليها فيما تقدم، وأما تعليقك على ما ورد عنهم ص: (من انهمك في طلب النحو سُلب الخشوع)، و (أصحاب العربية يحرفون الكلم عن مواضعه) فهو تعليق ناقص للغاية، فأنت أولاً تجنبت التعليق عن الحديث الأول تماماً، وهو ظاهر في التنبيه على الدور التخريبي الذي اضطلع به النحاة، ثم إنك ثانياً لم تبين القدر المطلوب من معرفة النحو بعد أن فسرت الانهماك بالتمادي، فهل يصح برأيك ترك شيء من النحو أو لا ؟ إن قلت: لا، فعليك اختيار معنى آخر للحديث غير ما قلت، وإن قلت: نعم، فعليك تحديد المقدار اللازم الإبقاء عليه، وتبين ميزانك في هذا الاختيار، مع ذكر الدليل القطعي ؟ هل تستطيع ؟ إن كنت لا تستطيع فاعلم إنك تتكلم بجهل لا غير. أما قول الأئمة: (تعلموا العربية) فلا يراد به النحو، بل تعلم ألفاظها ومعانيها، فلا تخلط. أما ما تحسبه بديهياً مثل رفع الفاعل ونصب المفعول، فعليك قبل تقريره أن تجيب على الروايات التي كذبتك بخصوص قراءة (ونادانا نوح). أما قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾([235]) فهذه لا يخطئ بها أحد يعرف الله، ولا يحتاج أحد لقواعد النحو لمعرفتها، ويمكنك أن تجرب بأن تسأل أجهل الناس بالنحو: مَن يخشى مَن، اللهُ يخشى العلماءَ، أم العلماءُ يخشونه ؟ ولا تنسى أن تقرأها له بصورة تخالف النحو، لكي يكون البيان أوضح لك. واعلم أن هذه الأمثلة المدرسية خدعكم بها النحاة ليسوغوا سهكهم. ثم أجبني: ماذا تريد من إتقان النحو، أليس تريد البيان ؟ أم لعلك تريد النحو للنحو، وهذا سفه ما بعده سفه ؟ إذا كنت تريد البيان، فموسى ع - وهو معصوم - لم يكن يبين بنص القرآن. أما رواية الكافي التالية فهي لا تفيدك بشيء ولا علاقة لها بسهك النحو، فالمقصود من اللسان فيها معرفة اللغات، وهذا واضح فيها ولكن أضلكم عن دلالتها الواضحة انشغالكم بتصيد العثرات: (أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي الحسن ع: جعلت فداك بم يعرف الإمام ؟ قال: فقال: بخصال: أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة، ويسأل فيجيب، وإن سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان. ثم قال لي: يا أبا محمد، أعطيك علامة قبل أن تقوم. فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن ع بالفارسية، فقال له الخراساني: والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها، فقال: سبحان الله، إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك. ثم قال لي: يا أبا محمد، إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام) ([236]). أما ما عرضه كاتب السطور من تسجيلات توهم أنها أخطاء نحوية، فنقول له: إنّ السيد أحمد الحسن ع يقرأ كما يقرأ آباؤه ص، أما قولكم إنه ع يقرأ جعلنا: جَعنّا، ويقرأ الضاد ظاء، فهذا سفه، والقضية هذه صوتية، لا نحوية. إذن، نختم بتذكير كاتب السطور بأسئلتنا لكي يكون لنا معه حديث آخر: - مسألة العصمة وما يرتبط بها عقائدية، فهات الدليل القطعي على أن المعصوم يجب عليه أن يوافق القواعد التي وضعها النحويون ؟ - أثبت لنا أنّ قواعد اللغة هذه صحيحة وكاملة لا نقص فيها، وإنها تستوعب كل ظواهر اللغة. - بيّن لنا ما هي العصمة برأيك، وكيف تكون مخالفة هذه القواعد مناقضة للعصمة ؟ -نفي السهو والنسيان عن المعصوم: قبل كل شيء أقول: إن النص الذي أثبته كاتب السطور على أنه جزء من خطاب محرم الذي تلاه السيد أحمد الحسن ع فيه تزوير من كاتب السطور، ولعله تعمد إخراجه بهذه الصورة المشوهة، لغرض خبيث في نفسه. أما قول السيد أحمد الحسن ع: (لبشر مثلهم) فالمقصود منه مطلق المعصوم، فحاولوا أن تفهموا، أو استفهمونا نفهمكم. يقول كاتب السطور: (إن أئمة أهل البيت ص منزهون عن الخطأ والنسيان)، وبهذا وضع نفسه في خانة المعارضين لأئمة أهل البيت ص. فعن الهروي، قال: (قلت للرضا ع: يا بن رسول الله، إن في الكوفة قوماً يزعمون أن النبي صلم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو) ([237]). وهذه بعض الآيات والروايات التي تكذب زعمه: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾([238]). وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً﴾([239]). والناسي هنا يوشع وموسى (عليهما السلام). وقال تعالى: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً﴾([240]). هذا المقدار من الآيات يفي بالغرض، وإن كانت توجد آيات أخرى كثيرة تدل على المطلب، أما الأحاديث فمنها ما ورد في (الكافي) مرفوعاً إلى أبي عبد الله ع أنّه قال: (إنّ رسول الله ص صلّى بالناس الظهر ركعتين، ثمَّ سها فسلّم، فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله، أنزل في الصلاة شيء ؟! قال: وما ذاك ؟! قال: إنّما صلّيت ركعتين. فقال: رسول الله ص: أتقولون مثل قوله ؟! قالوا: نعم. فقام ص فأتمَّ بهم الصلاة، وسجد بهم سجدتي السهو...) ([241]). وعن سعيد الأعرج، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إنّ الله تبارك وتعالى أنام رسول الله ص عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثم قام فبدأ فصلى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثمّ صلّى الفجر، وأسهاه في صلاته، فسلّم في الركعتين) ([242]). وعن الفضيل، قال: ذكرت لأبي عبد الله ع السهو فقال: (وينفلت من ذلك أحد ؟ ربما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلاتي) ([243]). وتوجد روايات كثيرة غيرها لم أذكرها خشية التطويل، ولأن الغرض يتحقق بما ذكرت، وهذه الروايات - كما هو جلي - تنص على وقوع السهو من المعصوم، وأن من لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو. ويستدل كاتب السطور لما يقول بالرواية التالية: (عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله ع سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل، إنّ الله تبارك وتعالى جعل للنبي ص خمسة أرواح: روح الحياة فيه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه أمر وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبي ص انتقل روح القدس فصار في الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهوا ولا يسهوا، والأربعة الأرواح تنام وتلهوا وتغفل وتسهوا، وروح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها. قلت: جعلت فداك، يتناول الإمام ما ببغداد بيده ؟ قال: نعم، وما دون العرش) ([244]). ولا أدري هل يعقل ما يقول، أم ماذا ؟ فالرواية تقول إن الذي لا يسهو ولا ينسى هو روح القدس لا المعصوم. ويستدل كذلك بالرواية التالية: (عن يونس بن ظبيان، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: إذا أراد الله أن يحبل بإمام أوتى بسبع ورقات من الجنة فأكلهن قبل أن يقع، فإذا وقع في الرحم سمع الكلام في بطن أمه، فإذا وضعته رفع له عمود من نور فيما بين السماء والأرض وكتب على عضده الأيمن وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) ([245]). بربكم ما دلالة هذه الرواية على نفي السهو والنسيان ؟؟ وهل يعقل من يستدل بها ؟ ومثل ما تقدم استدلاله بالحديث التالي: (عن إسحاق، عن عمار، قال: قال أبو عبد الله ع: الإمام يسمع الصوت في بطن أمه فإذا سقط إلى الأرض كتب على عضده الأيمن وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فإذا ترعرع نصب له عموداً من نور من السماء إلى الأرض يرى به أعمال العباد) ([246]). أين نفي السهو والنسيان يا كاتب السطور ؟ ويستدل بهذا الحديث: (عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع، قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع على الأرض من [بطن] أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادة، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه) ([247]). وهنا يتكرر السؤال نفسه: أين نفي السهو والنسيان يا كاتب السطور ؟ والآن لنسمع ما يقول كاتب السطور عن الأحاديث التي قالت بإمكان السهو والنسيان على المعصوم، يقول: (إن هذه الأحاديث إما موضوعة، أو محمولة على التقية، أو محتملة للتأويل)، أما دليله على هذا الكلام المجاني، فهو: كونها معارضة للأدلة العقلية. معارضتها لباقي الأحاديث التي تنفي السهو والنسيان. ولو سألنا كاتب السطور: كيف تعارض الأدلة العقلية، وما هي هذه الأدلة العقلية ؟ يجيبنا بهذا الحديث: (عن سفيان بن السمط، قال: قلت لأبي عبد الله ع: جعلت فداك، يأتينا الرجل من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه، فقال أبو عبد الله ع: يقول لك إني قلت الليل أنه نهار والنهار أنه ليل ؟ قلت: لا، قال: فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به فإنك إنما تكذبني) ([248]). أقول: هذا الحديث لا علاقة له بنفي السهو والنسيان عن المعصوم، وكاتب السطور يجمع اليمن والشام في سلة واحدة. أما كيف تعارض الأحاديث التي يزعم أنها تنفي السهو والنسيان وما هي هذه الأحاديث، فيقول كاتب السطور: (منها حديث روح القدس الذي لا ينام ولا ينسى) ! أقول: طيب، هذا روح القدس لا ينام ولا ينسى، وليس المعصوم، فما الربط بين الأمرين ؟ أما استغرابه وتساؤله: (كيف يسهو النبي ؟)، فيجيب عنه الشيخ الصدوق الذي أشك في أنه مطلع على رأيه، إذ يقول بعد أن ينقل رواية سهو النبي وصلاته الظهر ركعتين: (قال مصنف هذا الكتاب (رحمه الله): إن الغلاة والمفوضة (لعنهم الله) ينكرون سهو النبي ص ويقولون: لو جاز أن يسهو ص في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ؛ لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة. وهذا لا يلزمنا، وذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي ص فيها ما يقع على غيره، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، وليس كل من سواه بنبي كهو، فالحالة التي اختص بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة؛ لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه ( من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه؛ لأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم، وليس سهو النبي ص كسهونا؛ لأن سهوه من الله (، وإنما أسهاه ليُعلم أنه بشر مخلوق فلا يُتخذ رباً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي ص والأئمة صلوات الله عليهم سلطان ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ وعلى من تبعه من الغاوين، ويقول الدافعون لسهو النبي ص: إنه لم يكن في الصحابة من يقال له: ذو اليدين، وإنه لا أصل للرجل ولا للخبر وكذبوا لأن الرجل معروف وهو أبو محمد بن عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين وقد نقل عن المخالف والمؤالف، وقد أخرجت عنه أخبار في كتاب وصف القتال (كذا) القاسطين بصفين. وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي ص، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار وفي ردها إبطال الدين والشريعة. وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي ص والرد على منكريه إن شاء الله تعالى) ([249]). فالقضية غير متعلقة بأمور الدنيا الفانية، كما يتصور كاتب السطور الذي ضاقت به السبل، ولا أحد يقول إنهم ينسون لأنهم يفكرون في الدنيا كما يفعل كاتب السطور مثلاً. أما الخبر التالي الذي استشهد به كاتب السطور، وهو: (... وأما حدود الإمام المستحق للإمامة فمنها أن يعلم الإمام المتولي عليه أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزل في الفتيا ولا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشئ من أمر الدنيا) ([250]). أقول: هذا الخبر لا ينفي مطلق السهو والنسيان عن المعصوم، فالسهو والنسيان إما أن يكونا متعلقين بـ (الجواب) أي بيان الأحكام، فيكون المعصوم (لا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى) أي في (الجواب)، أو يكونا متعلقين بـ (بشيء من أمر الدنيا) فيكون المعصوم (لا يخطئ ولا يسهو ولا ينسى ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا)، وقد بينا من خلال كلمة الصدوق التي نقلناها أن السهو والنسيان غير متعلقين بهذين الأمرين. على أن مجرد تقييد السهو والنسيان بالأمور المذكورة في الرواية دليل على وقوعه في أمر أو لعلة أخرى. فالتقييد بمثابة استثناء، أي استثنى وقوع السهو والنسيان في هذه الموارد وأبقى غيرها، وهو أن يُعلم أنه مخلوق. أما قول رسول الله ص: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهو لا يعني أن السهو والنسيان ممتنع عليه، أو أنه لم يقع منه، بل مفاده تعلموا مني الصلاة، ولم يقل أحد أنه ص يسهو في صلاته دائماً، أو حتى كثيراً، بل لعل الحادثة وقعت مرة واحدة لا غير، ووقوعها لا يتناقض مع القول المذكور، إذ حتى الأب يمكن أن يقول لولده (صلي كما تراني أصلي) ويتحقق الغرض مع أن الأب يسهو. أما الرواية التالية: (عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر ع: هل سجد رسول الله ص سجدتي السهو قط ؟ فقال: لا، ولا يسجدهما فقيه) ([251]). أقول: هذه الرواية لا تقوى على معارضة ما ورد بشأن سهو المعصوم لأمور: 1- الرواية ناظرة للسهو الذي يقع في الصلاة، لا مطلق السهو، وعليه لو رفعنا اليد عن السهو في الصلاة يبقى غيره. 2- معارضها كثير وهي وحيدة في بابها. 3- متشابهة الدلالة، فربما كانت بخصوص نوع من أنواع السهو، لا مطلق السهو، ويقويه قوله: (ولا يسجدهما فقيه)، فلو أخذت هذه العبارة على ظاهرها لا يبقى من الناس من يصلح أن تُطلق عليه صفة فقيه قط، إذ لا فقيه إلا وهو يسهو. وعليه لابد من تأويلها بنوع محدد من السهو. ويقويه كذلك ما ورد عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله ع، قال: (ما أعاد الصلاة فقيه قط، يحتال لها ويدبرها حتى لا يعيدها. قال محمد بن الحسن ([252]): هذا الخبر مخصوص بأحكام بعينها لأنا قد بينا إن في السهو ما لا يمكن تلافيه ولا يجوز فيه غير إعادة الصلاة) ([253]). أما قول كاتب السطور: (إن الرسول أسوة حسنة، فهل يكون كذلك من ينام عن صلاة الصبح ؟). أقول: هذا الكلام مجرد استحسان، على أن الأمر إذا حصل مرة واحدة ولغاية حكيمة فلا يتناقض مع كون الرسول أسوة حسنة، والسهو ليس ذنباً، أو تقصيراً، بل هو أمر طبيعي، فلا يناقض التأسي برسول الله ص. أما استشهاده بالروايات التي فيها إن المعصومين ص ينامون ولكن لا تنام قلوبهم، فلا دلالة فيها على نفي السهو عنهم. ملاحظة: ينبغي أن يكون معلوماً أننا إذ نستشهد بالروايات التي يظهر منها وقوع السهو من المعصوم في الصلاة، أو غيرها فليس مرادنا إثبات وقوعه في هذه الموارد، ولا نفيه أيضاً، ولكننا نقول إن السهو والنسيان لا ينفكان عن الطبيعة البشرية، وفي هذا العالم المادي على نحو الخصوص، فعلى أي مستند إذن بنى رأيه من يقول بنفي السهو والنسيان ؟ إذا كان على أساس من النصوص فهذه النصوص تقول العكس ! إذن، نحن نستشهد بالنصوص من باب النقض عليهم، لا من باب الاستدلال وإن كانت تصلح له بطبيعة الحال، ولكننا لا نرى المسألة تحتاج إلى الدليل لأنها من البديهيات. -العمر الظاهري للإمام المهدي ع: وردت روايات تتحدث عن القائم يتضح من قراءتها أنها تتحدث عن شخصين لا شخصاً واحداً، فثمة اختلاف في صورة العين، وفي لون البشرة وفي الطول، وفي غيرها من الصفات، وهذا الأمر لفت انتباه بعض الباحثين من غير الأنصار، ولكن كاتب السطور - كعادته - يحاول بطريقة متعنتة إيجاد التوافق بين المختلفات، وبأي طريقة كانت ! فكاتب السطور يقول: (إن ورود وصف الحاجبين في رواية بصورة (أزج الحاجبين) ووروده في رواية أخرى بصورة (مشرف الحاجبين) يمكن الجمع بينهما بالقول إنه طويل الحاجبين ومرتفعهما في الوقت ذاته) ! والحال إن المسألة ليست قضية جمع خيالية، فهم ص قادرون على نطق هذه العبارة التي نطق بها كاتب السطور: (الحاجبان طويلان ومرتفعان)، فلماذا لم يقولوا ذلك ؟ فكون الحاجبين طويلين ومرتفعين هذه علامة فارقة لا يمكن بجزء منها هنا وبجزء منها هناك. ومثل هذا يقال بالنسبة لعلامتي الخال والأثر، فهما علامتان مختلفتان يمكن للخيال أن يجمعهما في وجه واحد، ولكن أن تنطق رواية بأحدهما وأخرى بالأخرى، مع ملاحظة إن كل من الروايتين تعدد صفات أخرى تختلف عن الصفات التي تعددها الرواية الثانية، مثل السمرة والبياض، والطول والقصر، وغيرها، فهذا أمر يحتاج تصوره لخيال مريض. أما قوله: (بأن لا تناقض بين وصف (غائر العينين) و (أعين)، أي واسع العينين)، فمثل هذا لا يكفي فيه مرض الخيال، بل لابد أن يشفعه عناد شديد. أما قوله: (إن عبارة (رحم الله موسى) لا تمثل إشارة لطول القامة، ولعل موسى المقصود هو الإمام الكاظم ع ([254])، وذلك إشارة إلى أن الواقفة سيظنونه القائم). أقول: إنّ التعبير برحمه الله، وإن كان يصح إطلاقه على الحي، إلا أنه أظهر في المتوفى، والرواية صادرة عن الإمام الباقر، فيستبعد أن يكون المقصود بها الإمام الكاظم، كما إن الأحاديث قد تواترت بتشبيه القائم بموسى بن عمران، كما قال الحر العاملي في إثبات الهداة([255]). -ابن أمة سوداء: ورد عن يزيد الكناسي، عن أبي جعفر الباقر ع: (إنّ صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف؛ ابن أمة سوداء) ([256]). وهذه الرواية كما هو واضح تدل على أنّ صاحب الأمر ليس الإمام المهدي ع، بل ولده ورسوله السيد أحمد الحسن ع؛ لأن السيدة نرجس (عليها السلام) ليست سوداء، ولكن كاتب السطور الذي عودنا على البهلوانيات الفكرية، يقول: (إن الرواية صدرت تقية لجعل العباسيين يفتشون النساء السوداوات) !! ويأتي باحتمال ثانٍ هو: (أن يكون المقصود من الأمة السوداء المرأة التي أوكل لها تربية الإمام) !! أقول: لو كان كاتب السطور من أهل العلم لجنب نفسه هذه الورطة، فهذه الأمور لا تُعرف بتخرصات العقول الناقصة، وإنما مصدرها الأخبار، والأخبار تقول إن السيدة نرجس (عليها السلام) لم يظهر عليها حمل، فلو كانت عيون العباسيين بعيدة عن مراقبتها ما كان لإخفاء الحمل من داع. وكذلك فإن السلطات لا يخفى عليها من هي زوجة الإمام العسكري ع، وكيف وقد كان أخوه جعفر يعمل لصالح السلطة ؟ أما الاحتمال الثاني فالأخبار أيضاً تبدده كالسراب، فقد ورد أنّ الإمام ع قد حرّم الله عليه الرضاع إلا من أمه (عليها السلام)، وإليكم هاتين الروايتين وهما توضحان بجلاء أن الإمام ع لم تربه امرأة: (... حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن - علي بن أبي طالب ص، قالت: بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي ع فقال: يا عمة، اجعلي إفطارك [هذه] الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه ... ثم قال: يا عمة، إذا كان يوم السابع فأتينا. قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد ع وكشفت الستر لأتفقد سيدي ع فلم أره، فقلت: جعلت فداك ما فعل سيدي ؟ فقال: يا عمة، استودعناه الذي استودعته أم موسى موسى ع. قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت فسلمت وجلست، فقال: هلمي إليّ ابني. فجئت بسيدي ع وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى، ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبناً أو عسلاً) ([257]). (... حدثنا محمد بن - عبد الله الطهوي، قال: قصدت حكيمة بنت محمد ع بعد مضي أبو محمد ع ... ثم قال: امضي به إلى أمه لترضعه ورديه إليّ. قالت: فتناولته أمه فأرضعته، فرددته إلى أبي محمد ع والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له: احمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً. فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمد ع يقول: أستودعك الله الذي أودعته أم موسى موسى. فبكت نرجس فقال لها: اسكتي، فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه ... قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمد ع بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي ع: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال لي: هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي) ([258]). ويقول كاتب السطور: (إن مما يدل على أن الرواية تخص الإمام المهدي ع ثلاثة أمور: أولها إن الرواية تقول (ابن أمة) ولا يوجد في الوقت الحاضر إماء). أقول: كلامه غير صحيح، وعليه أن يقرأ عن تأريخ العراق قبل أن يتكلم، فالإقطاع وما يستتبعه من عبودية بقي لوقت متأخر هو السائد في العراق، على أنّ المراد من قوله ع (أمة سوداء) إنها (أمة الله)، أما زعمه أن المعصوم في هذه الموارد يقصد المعنى المعروف وهو كونها مملوكة، فلا دليل عليه، ولا يمكن لكاتب السطور ولا لغيره أن يشترط على المعصوم، ويقرر له ما يجوز وما لا يجوز. وإذا كان الظاهر من الأمة هو المملوكة - كما يقولون فيما يسمى بأصول الفقه - فإنهم يقولون أيضاً بإمكان التنازل عن هذا الظاهر إذا دلت القرينة على غيره. والمهم في الأمر ليس هذا بل وصفها بالسوداء وهو ما أهمله كاتب السطور لأنه لم يجد ما يقوله فراح يشغل القارئ بحديث عن معنى الأمة !! أما ثاني الأمور فهو بحسب كاتب السطور: (إن الذي (فيه شبه من يوسف) هو الإمام المهدي ع). وجوابه: إنّ الرواية التي اعتمدت عليها وهي: (في القائم شبه من يوسف، قلت: وما هو، قال: الحيرة والغيبة) فهي أيضاً موضع خلاف بيننا، فكيف تستدل بما نختلف فيه ؟ ومن قال لك أن المقصود بالقائم هنا هو الإمام المهدي ع ؟ بل لو سلمنا لك أن في الإمام المهدي ع شبه من يوسف، فما يمنع أن يكون في غيره شبه منه ؟؟ هل ورد في الروايات التعبير بأن لا شبه لأحد بيوسف سوى الإمام المهدي ع ؟ بل أنّ كاتب السطور شعر بحرج موقفه وهو يقرأ الرواية التي فيها أن الشبه هو السجن، والإمام المهدي لم يُسجن فراح يُطلق العنان لخياله محاولاً تقريب السجن من معنى الغيبة، وأين السجن من الغيبة ؟؟ وسبحان الله، قبل قليل زعم أن الأئمة في مثل هذه الموارد يقصدون المعنى المعروف ولكنه نسي هنا، بل لم ينس ولكنه يقامر بعقيدته بهواه ! أما الأمر الثالث فيتمثل بعبارة: (يصلح الله له أمره في ليلة واحدة)، وهنا يستشهد بروايات تدل على أن الإمام المهدي ع يُصلح الله له أمره في ليلة. وفي الجواب أقول: إنّ هذا لا يمنع أن يصلح الله أمر المهدي الأول من المهديين الإثني عشر (أحمد) في ليلة كذلك، والروايات التي أثبتت هذه الأمر للإمام المهدي ع لم تنفه عن غيره، وقد ورد مثل هذا الأمر في موسى ع: (روى الثقة الزكي، عبد العظيم الحسني، قال: "دخلت على سيدي محمد بن علي، وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره؟ فابتدأني هو، فقال لي: يا أبا القاسم، إنّ القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمدا بالنبوة، وخصنا بالإمامة، إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، وإنّ الله تبارك وتعالى ليصح أمره في ليلة، كما أصلح الله أمر كليمه موسى، إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو نبي مرسل)([259]). بل ورد مثله في خليفة الإمام المهدي (أحمد): (روى أحمد بن حنبل في مسنده، عن العباس بن عبد المطلب، قال: قال رسول الله ص: يملك من ولدي إثني عشر خليفة، ثم يخرج المهدي من بعدي، يصلح الله أمره في ليلة واحدة) ([260]). ومن الواضح أنّ المهدي فيها ليس هو الثاني عشر بل يخرج بعده، والرواية وإن كانت عامية لكن في رواياتنا ما يؤيدها. نخلص مما تقدم إلى أنه لا دليل على اختصاص عبارة (يصلح الله له أمره في ليلة)، وبالنتيجة لا تصلح ذريعة للالتفاف على موضع الاستدلال وهو كونها (أمة سوداء) بل أن عبارة (أمة سوداء) قرينة على أن المراد غير الإمام المهدي وعليه تكون عبارة الشبه من يوسف، وعبارة يصلح الله أمره غير منحصرة في المهدي ع. -ذرية الإمام المهدي: الروايات التي أثبتت الذرية للإمام المهدي ع تفوق حد التواتر، بحيث لا يمكن لأحد إنكارها، أو تجاهلها، ولكن مرضى النفوس أعَدُّوا لكل حق باطلاً، ولكل عدل مائلاً، وهكذا نجد كاتب السطور الذي لم يستطع إنكار وجود الذرية يلجأ إلى أسلوب ملتوٍ، فيقول: (إن الروايات لا تدل بشكل صريح على وجود الذرية في زمن الغيبة الكبرى) ! ولو سألناه: كيف لا تدل على ما تقول ؟ فجوابه هو اختيار بعض الروايات بشكل انتقائي والتعليق عليها بكلمات، وكما يلي: 1- بالنسبة لرواية: (اللهم أعطه في نفسه وأهله وولده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه)، يعلق قائلاً: (الذرية هنا قد تكون بعد قيام الإمام المهدي ع) ! إذا كان البناء على (قد)، فقد تكون بعد وقد تكون قبل، وأنتم تريدونها (بعد) كما كتبت، فكان عليك أن تثبت أنها كذلك، أما الاكتفاء بـ (قد) فهو دليل فراغ اليد، وليتك تثبت عليها، فسرعان ما ستنكرها كما سنرى في النقطة الثانية. 2- بالنسبة لرواية: (هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله الموتور بأبيه)، يعلق قائلاً: (الأهل تدل بشكل عام على الأب والأم والزوجة، والأقارب) ! وهنا كما ترون لم يذكر الذرية أبداً، مع أن الأهل أظهر بها ؟ والمفروض أنه اعترف في النقطة الأولى بوجود الذرية، ولكن الموقف هنا ليس من صالحه لورود ما يدل على أن الأهل هؤلاء موجودون في الغيبة (الغائب عن أهله)، فسبحان الله. ولكن هل يعقل كاتب السطور ما يقول، فعن أي أب أو أم يتحدث، هل الإمام العسكري موجود في زمن غيبة الإمام، وهل أمه موجودة ؟ أما الزوجة فهي تثبت الزواج، ومن خلالها تثبت الذرية طالما نصت الروايات عليها. أما الأقارب، فسبحان الله من هم هؤلاء الأقارب ؟ هل هم بنو فاطمة الذين تذمهم الروايات ولا تستثني منهم أحداً؟ عن أبي خالد الكابلي، قال: (لما مضى علي بن الحسين ع دخلت على محمد بن علي الباقر ع، فقلت له: جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك، وأنسي به، ووحشتي من الناس، قال: صدقت يا أبا خالد، فتريد ماذا ؟ قلت: جعلت فداك، لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده. قال: فتريد ماذا يا أبا خالد ؟ قلت: أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه. فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً، ولو كنت محدثاً به أحداً لحدثتك ! ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة (عليها السلام) عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة)([261]). وعن الإمام الباقر ع: (يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبي الله ص ورايته، وسلاحه، ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء، حتى يسمعه أهل الأرض كلهم اسمه اسم نبي. ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ص ورايته وسلاحه ... إلى قوله: وإياك وشذاذ من آل محمد ص فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فالزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه) ([262]). هل هم هؤلاء، أم غيرهم، إذا كانوا هم فهم مذمومون وعصاة، والإمام لا يأبه للعصاة؟ إذن الأهل هم الذرية. 3- وبالنسبة لرواية: (... فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا... الخ)، يعلق بقوله: (هذا قول عام ينطبق على آبائه، فهم من ظلم وطُرد من دياره وأبنائه) ! أقول: هل من المعقول أن يبلغ الحقد والعناد بأحد هذا المبلغ، بربكم إذا أراد الإمام المهدي ع أن يقول إنه طرد من أبنائه، فكيف يا ترى يقولها لكي لا يأتي مثل كاتب السطور ليحرفها عن معناها ؟ بظني أن الإمام لو قال ما قال فلن يسلم كلامه من تحريف المعاندين، فالشيطان قد ركبهم وأعمى بصيرتهم. 4- وبالنسبة لرواية: (... صلى الله عليك وعلى عترتك الطاهرة الطيبة) يعلق ببرود قائلاً: (قد تكون بعد قيامه) ! والجواب على مثل هذا المستوى الهابط من التعنت مر سابقاً. والمضحك المبكي أنّ كاتب السطور يعلق على قول الإمام الصادق بعدها: (يا موالي، كونوا شفعائي في حط وزري) يعلق قائلاً: (هذه تشمل المعصومين الأربعة عشر) ! أقول: سبحان خالق العقول، موضوع الخطاب عترة الإمام المهدي، وقول الإمام الصادق يُقصد منه توجيه الناس إلى علو منزلتهم، فكيف سوّلت نفس كاتب السطور له أن يستثني هذه الفقرة فقط، ثم إن القائل هو الإمام الصادق وهو من المعصومين الأربعة عشر فهل يرى كاتب السطور أن الإمام الصادق يتوسل بنفسه مثلاً ؟! 5- وبخصوص الرواية التالية: (وقال بعض الثقات: وجدت بخطه ع - أي الإمام العسكري - مكتوباً على ظهر كتاب: قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونورنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الأجل، وأسباطنا خلفاء الدين، وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم، فالكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وشيعتنا الفئة الناجية، والفرقة الزاكية، صاروا لنا ردءاً وصوناً وعلى الظلمة إلباً وعوناً، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام الطواوية والطواسين من السنين) ([263]). يعلق كاتب السطور بقوله: (إن الأسباط التي تعني أبناء الولد لم يقصد منها الإمام العسكري أسباطه لأنه لم يقل "أسباطي"! بل "أسباطنا" وهي بالتالي تقصد أهل البيتص). أقول: التعبير بالجمع وإرادة الواحد معروف في اللغة، وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة عليه، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾([264])، كما إن صرف المعنى لجميع أهل البيت يشمل الإمام العسكري حتماً، فهو سلام الله عليه منهم، هذا بصرف النظر على كون هذا المعنى بعيد بحد ذاته، لأن هؤلاء الأسباط خلفاء، كما قال ع، فلو كان يقصد منهم نفسه وآباءه فلا يصح التعبير بكلمة (أسباط)، إذن لابد أن يكون المقصود هم المهديون من أبناء الإمام المهدي ع. ثم لا أدري - بعد أن قال بأن المقصود هم الآباء - بأي دليل أخرج الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ع، فهل يرى الإمام الحسن ليس بخليفة ؟ ثم على زعمه يكون المعنى أنهم أسباط رسول الله ص، وهذا المعنى يدخل به الإمام الحسن، وإذا أراد بهواه أن يقول إن المقصود هم أسباط علي ع، فكان عليه أن يخرج الحسين ع كذلك. بل لماذا لم يخرج الإمام علي ع فهل هو سبط برأيه، وسبط من؟ إذن كلام كاتب السطور مضطرب من قمته حتى أخمصه. 6- أما بخصوص الرواية التالية الواردة عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين أحدهما تطول حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع على موضعه أحداً من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره) ([265])، فيقول: (ليس ثابتاً وجود ذكر (من ولده) في الرواية) ! أما حجته فهي اختلاف رواية الشيخ النعماني عن رواية الشيخ الطوسي، وبالتالي تكون الدلالة مجملة ولا يمكن الاستدلال بها. أقول: ليس صحيحاً أننا لا نستطيع الاستدلال بها، فالرواية ليست فريدة في بابها، بل توجد روايات كثيرة جداً تدل على وجود الذرية، وبالتالي يمكن تقوية هذه الرواية بتلك الروايات، هذا بصرف النظر عن كون رواية الطوسي قوية بحد ذاتها لأن الشيخ المفيد يروي مثلها، فقد قال صاحب منتخب الأنوار المضيئة: (ومما صح لي روايته عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد (رحمه الله)، يرفعه إلى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، تطول إحداهما حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم ذهب، حتى لا يبقي امرؤ من أصحابه إلا نفر يسير. لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره) ([266]). وكذلك فإن العلامة المجلسي - على ما يظهر من كلامه - يروي في البحار عن غيبة النعماني بلفظ (من ولده): (... ومما يؤيد هذا الاحتمال ما رواه الشيخ والنعماني في كتابي الغيبة عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما يطول، حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره إلا الذي [يلي] أمره) ([267]). علماً أن العلامة المجلسي لم يرو قط الرواية التي فيها (من ولي) ؟ أما الرواية الأخرى التي يرويها الطوسي في غيبته، وهي التالية: (قال: وروى إبراهيم بن المستنير، عن المفضل، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما أطول [من الأخرى] حتى يقال: مات، وبعض يقول: قتل، فلا يبقى على أمره إلا نفر يسير من أصحابه، ولا يطلع أحد على موضعه وأمره، ولا غيره إلى المولى الذي يلي أمره) ([268]). أقول: هذه الرواية من جملة روايات ذكرها الطوسي في غيبته على أن الواقفية يستدلون بها، وبالتالي فهو قد أثبت اللفظ الذي يروونها به، وإن كان مخالفاً لما يرويه هو. وقد قال قبل إيراد هذه الروايات: (ونحن نذكر جملاً مما رووه ونبين القول فيها، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه "في نصرة الواقفة") ([269]). أقول: لماذا دلس كاتب السطور ولم يذكر هذه الحقيقة ؟ وكما ترون أن هذه الرواية التي يرويها الواقفة لم يرد فيها أي العبارتين، فلا (من ولد) ولا (من ولي). وأخيراً إن قوله (إلا المولى الذي يلي أمره)، فأما أن يكون المراد منه (الذي يأتي بعده)، أي يخلفه فيكون هو الولد حتماً لأن الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، وأما أن يكون المراد (الذي يتولى أمره) أي يقوم بالعمل الموكل له وهو جمع الأنصار والقيام وما يرتبط به، باعتبار أنه لم يقل (الذي يليه)، وعلى هذا المعنى يكون المقصود هو الولد كذلك لما ورد في وصية رسول الله ص، وروايات أخرى كثيرة استدل بها الأنصار من أن (أحمد) هو الذي يقوم بالسيف بأمر من أبيه الإمام المهدي ع. 7- وبخصوص الرواية الواردة عن الإمام الصادق ع أنه قال لأبي بصير: (كأني أرى نزول القائم ع في مسجد السهلة بأهله وعياله ...) ([270]). يعلق كاتب السطور: (لم تحدد الرواية الزمن الذي ينزل فيه الإمام المهدي ع في مسجد السهلة فيتخذه منزلاً وإنما قالت كأني أرى أي إن هذا الأمر سوف يقع في المستقبل بعد الظهور المقدس). أقول: لم أرَ عناداً كهذا إلا من الوهابية النواصب أخزاهم الله، وإلا الرواية واضحة في أن مسجد السهلة هو مكان سكنى الإمام بعد ظهوره، وليس من شك في أنه سيحتاج هذا السكن بعد ظهوره بقليل، وحيث إنه سيتوجه له مع أهله وعياله فلابد أن يكون هؤلاء العيال مولودين في زمن الغيبة، لاسيما وأن الظاهر من قوله: (أهله) هو الزوجة، والزواج بعيد جداً أن يتم في فترة القتال والملاحم، فلابد أن يسبق هذه الفترة. وقد ورد في الروايات أنّ مسجد السهلة سيكون مسكن الإمام ومسكن الأئمة من ذريته، ففي غيبة الطوسي: (الفضل بن شاذان، عن عثمان بن عيسى، عن صالح بن أبي الأسود، عن أبي عبد الله ع قال: ذكر مسجد السهلة فقال: أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله) ([271]). ومثله في الإرشاد: (عن أبي عبد الله ع، قال: ذكر مسجد السهلة فقال: أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله) ([272]). أقول: وهذه الروايات تؤكد ما سبق أن قلناه بخصوص رواية: (... فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا)، فهو ع يقدم بأهله، وأبنائه إلى مسجد السهلة بعد أن كان طريداً عنهم قبل قيامه. 8- وبالنسبة لرواية: (... وتقر عيني بولدي وأهلي ... الخ). أقول: هذه الرواية لم يستدل بها الأنصار في كتبهم، على الرغم من عدم موافقتنا على ما ذكره كاتب السطور. -الأنصار والشهيد الصدر: إنّ قراءة الشواهد التي ذكرها الأنصار من كتب الشهيد الصدر رحمه الله، وتعليقاتهم عليها سيجد بوضوح أنهم لا يستشهدون بكلامه على أنه دليل، بل من باب أن كلامه يؤيد كلامهم، أو من باب أن ما كتبه قراءة صحيحة للروايات، وكثيراً ما كانوا يناقشون آراءه ويصححون ما يخالف الروايات منه. وبصدد ما كتبه الشيخ ناظم العقيلي - وهو ما يُشكل عليه كاتب السطور - فإن من يقرأ ما كتبه الشيخ كاملاً يتضح له هذا الأمر بجلاء، ولكن كاتب السطور بتر كلام الشيخ ليضلل القارئ، وإليكم ما كتبه الشيخ قبل النص الذي نقله كاتب السطور: (القائلين بعدم وجود ذرية للإمام المهدي ع قولهم مفتقر إلى الدليل الشرعي والعقلي فأما الدليل الشرعي فلا توجد أي رواية تنفي وجود الذرية للإمام المهدي ع سواء قبل القيام أم بعد القيام سوى رواية واحدة توهَّمَ البعض إنها تنفي الذرية عن الإمام المهدي ع وسوف نناقشها في الإضاءة الثانية إن شاء الله تعالى. وإضافة إلى عدم وجود أي رواية تنفي الذرية فهناك الكثير من الروايات التي تؤكد على وجود الذرية للإمام المهدي ع قبل وبعد القيام المبارك، فلا ادري لماذا كل هذا الميل لنفي الذرية عن الإمام المهدي ع والأصل في الخلق وجودها وقد أكد الشارع على استحبابها الأكيد. وأما من ناحية الدليل العقلي، فلا مورد عقلي ينفي أن يكون الإمام المهدي ع متزوجاً وله ذرية في وقت من الأوقات أو دائماً إلا إذا كان الزواج أو الذرية يتسبب في كشف شخصه للأعداء أو خرق عنوان الغيبة التي اختارها له الله عز وجل وبرأيي القاصر أن هذه القيود والشروط التي توضع لجواز وجود الزوجة والذرية للإمام المهدي ع لا مبرر لها، وتطويل بلا طائل. لأنه إذا ثبت عن طريق الروايات وجود الذرية للإمام المهدي ع فهو اعلم واحكم في كيفية ستر شخصه وكتمان سره عن الأعداء والحفاظ على عنوان غيبته ع، فلماذا نكلف أنفسنا ونضع القيود والحلول فهل هذه الأمور حضرت عند عقولنا القاصرة وغابت عن الإمام المهدي ع وحاشاه وهو صاحب العقل الكامل المعصوم، فمن الممكن أن يختار الإمام المهدي ع زوجة صالحة تكتم سره عن الناس وحتى عن ذريته إن أراد ذلك، هذا إذا قلنا باطلاع الزوجة ومعرفتها لشخصيته الحقيقية وأما إذا كانت الزوجة لا تعرف شخصية الإمام الحقيقية فالأمر يكون أسهل من سابقه حيث يكون شخص الإمام مبهماً حتى على زوجته. وقد قلت بان الإمام ع أدرى من غيره في تدبير أمره فلا داعي أن نكلف أنفسنا ما لايخصنا ونجعل زواج الإمام المهدي ع في غيبته من المستحيل !! ويحسن بنا الآن أن نعرج على الموسوعة المهدية لنطلع على رأي السيد الصدر في هذا الموضوع). إذن، الشيخ أورد كلام السيد الصدر من باب تأييد كلامه هو، ومقصده كان ما ذكره من أن لا مانع من زواج الإمام، ولم يكن بصدد الاستشهاد برأي السيد الصدر بأن للمهدي ع ذرية أو لا. بل هو ناقش السيد الصدر في رفضه لبعض الروايات، ولم يكن مهتماً بظن السيد الصدر بعدم وجود الذرية، فالظنون لا تغني من الحق شيئاً. إذن، اعتراض كاتب السطور ليس سوى محاولة فاشلة لتعكير صفو المياه والتصيد فيها. -أقوال الأنصار: 1- بخصوص كلام كاتب السطور عن الفرقة الناجية. أقول: كلامه لا يعتمد على دليل، بل رائدُهُ الهوى لا أكثر، ولو أنه كان من أصحاب القلوب السليمة لعلم أن قول الإمام علي ع: (إن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في الجنة. وثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين تنتحل محبتنا أهل البيت، واحدة منها في الجنة واثنتا عشرة في النار) ([273]). فهذه الثلاث عشرة فرقة التي تنتحل محبة أهل البيت هي التي تتميز منها الفرقة الناجية، وبطبيعة الحال هذه الفرقة لابد أن يكون لها حضور في كل عصر، فكيف نميزها ؟ من الواضح لدى المؤمنين أنّ الإنسان إنما ينجو إذا ما اتبع حجة الله في الأرض، وعليه تكون الفرقة التي تتبع إمام زمانها والأئمة بعد رسول الله ص إثنا عشر إماماً فهذه إثنا عشرة فرقة، فمن هي الثالثة عشرة؟ لا شك إنها التي تؤمن بالوصي أحمد ع. والآن علينا أن نعلم معنى قوله ع إن من ينتحل مودتهم ثلاث عشرة فرقة واحدة منها الناجية. أقول المقصود هو إن الفرقة التي تؤمن بعلي ع تكون ناجية، ولكن عليها في زمن الإمام الحسن ع أن تضيف لإيمانها بعلي ع الإيمان بالإمام الحسن، وفي زمن الإمام الحسين ع الإيمان به وبمن تقدمه، وهكذا حتى الإمام المهدي، ومن بعده أحمد ص أجمعين. أما ما قاله كاتب السطور فلا يعدو أن يكون جهلاً مركباً، فهو يصور الامتحان الإلهي قائماً في زمن دون زمن، بينما هو قائم في كل لحظة. أما كلامه عن عدد الأوصياء فسبق أن تحدثنا عنه فلا نعيد. 2- أما كلامه عن المقصود من الساعة فليس سوى عناد أجوف، فالزيادي ذكر الدليل، ولكن كاتب السطور لا يريد أن يسمع سوى صوته الواهن، وهذا شأنه، أما نحن فنتمسك بكلام آل محمد، وهم ص بينوا بأن الساعة تعني قيام الإمام وبينوا في روايات أخرى إنها تعني القيامة، وبالتالي علينا أن نقرأ الروايات جيداً وبتمعن لنعلم مقصودهم جيداً، أما القول بالهوى فهو ديدن المتمردين على الله، أعاذنا الله تعالى. وفي صدد الرواية التي استدل بها الزيادي من الواضح أنّ عبارة: (فأتوه ولو حبواً على الثلج) قد وردت في روايات كثيرة تخص صاحب الرايات السود، وهو ليس الإمام المهدي ع الذي يظهر بمكة، ومن هذه القرينة يتبين أن الساعة في الرواية يراد منها الإمام المهدي ع. وكلام الإمام الصادق بشأن الساعة وأنها الإمام المهدي ليس من التفسير الباطني كما يزعم كاتب السطور، الذي يجهل الروايات، فقد ورد عن مثنى الحناط قال: (سمعت أبا جعفر ع يقول: أيام الله ( ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكرة، ويوم القيامة) ([274]). فيوم القائم هو الساعة الصغرى، أو القيامة الصغرى، في مقابل يوم القيامة الذي هو الساعة الكبرى، أو القيامة الكبرى. كما أنّ كاتب السطور لا يلتفت إلى أنه يناقض نفسه حين يجعل من عيسى ع علامة من علامات الساعة الكبرى (أي القيامة الكبرى)، فكلامه هذا يترتب عليه أن يكون عيسى ع هو آخر من يرجع (أي في عالم الرجعة) بينما الصحيح أن علياً ع هو آخر من يرجع، وقد سبق لكاتب السطور أن أشار لهذا، ولكنه احتاج هنا إلى أن يناقض نفسه، فناقضها دون شعور بالحياء !! 3- بخصوص الرواية التالية: (...يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرحاً أبداً مادام لولد بني فلان ملك حتى ينقضي ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لآل محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله أني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا ... ذو الخال والشامتين، العادل الحافظ لما استودع، يملاها عدلاً وقسطاً كما ملئها الفجار جوراً وظلماً)، يزعم كاتب السطور أن (الرجل منا أهل البيت) هو النفس الزكية دون أن يكلف نفسه عناء تقديم دليل، فيا للجهل ويا للعناد ! بل أكثر من الجهل والعناد لا يخجل كاتب السطور من الكذب المفضوح للغاية، فهو يوحي للقارئ بأن صاحب كتاب (اليماني حجة الله) يتفق معه فيما يقول، وذلك عبر نقل الفقرة التالية من الكتاب المذكور: (تكون عودته تقريباً في شهر ذي الحجة فيبعث رسوله من أهل بيته، وهو شاب من ذرية الإمام المهدي كما نصت الروايات اسمه محمد بن الحسن، يقتله بني فلان، ويكون ذلك بناءاً على فتوى علماء الضلالة) !! ومن يرجع لكتاب (اليماني حجة الله) يكتشف خيانة كاتب السطور المخجلة، فصاحب الكتاب لا يقول أن النفس الزكية هو (الرجل منا أهل البيت) الذي ذكرته الرواية أعلاه. 4- وبخصوص الرواية الواردة عن الإمام الرضا ع، وهي قوله: (كأني برايات، من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات، فتؤدى الى ابن صاحب الوصيات). يقول كاتب السطور بعناد أجوف: (أن صاحب الوصيات ليس الإمام المهدي فكل الأئمة أصحاب وصيات) ! ونقول له: إنّ كونهم كذلك يعني أنّ الإمام المهدي ع منهم، فهو صاحب وصيات إذن، والرواية ناظرة إلى زمن الظهور وتتحدث عن واقعة مهمة من وقائع عصر الظهور، فيكون المعني هو الإمام المهدي، والرايات تهدى لابنه، وهذا الابن الذي تُهدى له الرايات لابد أن يكون له دور مهم في القيام، بل لابد أن يكون هو الواجهة المعلنة ولذلك أهديت الرايات له. هذا على أن الروايات نصت على أن المقصود هو الإمام المهدي، ففي رواية الوصية مثلاً وُصف الإمام المهدي ع بأنه (المستحفظ من آل محمد). 5- بخصوص الرواية التي ورد فيها: (فلا يبلغه حتى يموت) نحن نبني قولنا على أن ثمة خطأ وقع في نقل الرواية - ولعله من النساخ - وأن العبارة الصحيحة هي: (فلا يموت حتى يبلغه)، بناء على فهم واسع للروايات، فالرجل الذي يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هو القائم وهو منصور بلا شك، وإليكم طرفاً من الروايات التي تبين أنه القائم، وأنه اليماني: (عن عيسى الخشاب، قال: قلت للحسين بن علي ع: أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المكنى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر) ([275]). وعن أبي بصير، قال: (سمعت أبا جعفر ع يقول: في صاحب هذا الأمر سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد ص، فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من عيسى فيقال فيه ما (قد) قيل في عيسى، وأما من يوسف فالسجن والغيبة، وأما من محمد ص فالقيام بسيرته وتبيين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (، قلت: وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي ؟ قال: يلقي الله ( في قلبه الرحمة) ([276]). وفي كتاب سليم بن قيس: (...قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال ع: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته. ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجاً هرجاً، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقاماً واحداً فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا: (ما هذا من قريش، لو كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا)، يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى. ﴿ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا﴾) ([277]). وعن أبي بصير، قال: (قال أبو عبد الله ع: لا يخرج القائم ع حتى يكون تكملة الحلقة. قلت: وكم تكملة الحلقة ؟ قال: عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها، وهي راية رسول الله ص نزل بها جبرئيل يوم بدر. ثم قال: يا أبا محمد، ما هي والله قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير. قلت: فمن أي شيء هي ؟ قال: من ورق الجنة، نشرها رسول الله ص يوم بدر، ثم لفها ودفعها إلى علي ع، فلم تزل عند علي ع حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين ع ففتح الله عليه، ثم لفها وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم ع، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً، ثم قال: يا أبا محمد، إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص رسول الله ص الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرعه درع رسول الله ص السابغة، وسيفه سيف رسول الله ص ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، ولا يخرج القائم ع حتى يقرأ كتابان، كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالبراءة من علي ع) ([278]). وروى ابن حماد، قال: (حدثنا الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن أرطاة بن المنذر، عن حكيم بن عمير، عن تبيع، عن كعب، قال: على يدي ذلك اليماني تكون ملحمة عكا الصغرى وذلك إذا ملك الخامس من أهل هرقل. حدثنا الوليد، عن يزيد بن سعيد، عن يزيد بن أبي عطاء، عن كعب، قال: فيظهر اليماني ويقتل قريش ببيت المقدس وعلى يديه تكون الملاحم) ([279]). 6- بخصوص رواية: (... فإن فيها خليفة الله المهدي)، يقول كاتب السطور: (إن التعبير هنا مجازي، أي فيها توطئة لسلطانه)!! ويستدل برواية: (المهدي أقبل جعد، بخده خال، يكون مبدؤه من المشرق)، وكلامه تحكم صرف، فالروايات تقول إن الرايات السود فيها خليفة الله المهدي، أي هو شخصياً، ولو كانت تريد ما قال كاتب السطور لعبرت به، ومثلها رواية: (يكون مبدؤه من المشرق)، أي هو يبدأ من المشرق، ولو كان كاتب السطور من أهل العلم لعلم من مجموع روايات الرايات السود هذه الحقيقة، ولكنه ليس من أهله. ثم كيف يمكن لأحد يدعي العلم أن يستدل على المتنازع عليه برواية متنازع عليها ؟! نعم فرواية (يكون مبدؤه من المشرق) هي بدورها رواية متنازع عليها، فنحن نقول فيها غير ما يقولونه. 7- بخصوص الرواية التالية: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان الكوفة، فإذا ظهر المهدي بمكة بعث إليه بالبيعة) يقول كاتب السطور: (إن القراءة الصحيحة لكلمة (بعث) هو بالبناء للمجهول)، أي (بُعث) دون أن يقدم دليل أو حتى مسوغ لقوله، أما زعمه أن ذلك من أجل أن لا يكون المعنى هو أن الإمام يبعث بالبيعة للسيد أحمد الحسن ع، فهو كلام غريب، إذ المفروض أنه لا يؤمن بالسيد أحمد الحسن، وعليه بالتالي أن يقدم دليلاً يعتقد به، ومن أين لمثله ؟ أقول: إنّ الرواية لا تحتاج عناء في فهم المراد منها، فهي تتحدث عن الرايات السود فالمقصود أن صاحب الرايات السود هو من يبعث بالبيعة المهدي، أو قد يكون المقصود أن أصحاب الرايات السود (أي الجيش كله) يبعثون بالبيعة للمهدي كما يظهر من رواية ابن حماد التي ينقلها السيد ابن طاووس: (حدثنا نعيم، حدثنا سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان الكوفة، فإذا ظهر المهدي بمكة بعثت إليه بالبيعة) ([280]). والمخجل أنّ كاتب السطور ارتكب جريمة تزوير في رواية ابن حماد التالية: (... فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم، وتنزل الرايات السود الكوفة فيبعث بالبيعة إلى المهدي، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان، ويفتح الله على يديه القسطنطينية) ([281])، حيث عمد إلى تحريك كلمة (يبعث) على هواه فجعلها مبنية للمجهول، بالصورة التالية: (فيُبعَث) ! بينما من الواضح أنّ الكلمة مبنية للمعلوم بدلالة السياق، فهي تتحدث عن فتح الله للمهدي أرض الحجاز، واستخراجه من كان في السجن، ثم تقول (يبعث) أي المهدي القادم مع الرايات السود وهو (أحمد) بالبيعة لأبيه الإمام المهدي ع. 8- وبخصوص الرواية التالية: (عن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين ع: صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي، ثم يخرج بعد ذلك)([282]). يقول كاتب السطور: (إن الرواية تدل على أن خروج الإمام يحصل بعد خروج السفياني) !! بينما من الواضح لكل ذي عينين، ولب سليم لم يفسده العناد أنّ الرواية تقول: (إذا ظهر السفياني اختفى المهدي) أي أنّ المهدي لابد أن يكون ظاهراً قبل السفياني وإلا ما معنى (اختفى) ؟؟ أما حديثه عن ظهور خفي فهو مثير للسخرية إذ لا معنى لمثل هذا الظهور، فبربكم كيف يكون الظهور خفياً، أليس الظهور ضد الخفاء، فكيف اجتمع المتضادان في رأس كاتب السطور ؟ أما رواية: (يظهر في شبهة ليستبين) فهي لا تعني ما قاله كاتب السطور عن هذا الظهور الغريب (الظهور الخفي)، فالشبهة ليست خفاؤه، بل التباس دليل دعوته على الناس المتمردين على الحق، أمثال كاتب السطور. وباقي كلام كاتب السطور ليس سوى لجاج وتعنت لا دليل عليه. ومثله ما قاله في النقطة التاسعة من كتابه. 9- بخصوص الرواية التالية: (عن أبي حمزة، قال: دخلت على أبي عبد الله ع فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال: لا. فقلت: فولدك ؟ فقال: لا. فقلت: فولد ولدك ؟ فقال: لا. قلت: فولد ولد ولدك ؟ قال: لا. قلت: فمن هو ؟ قال: الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً لعلى فترة من الأئمة يأتي كما أنّ النبي ص بعث على فترة من الرسل) ([283]). يقول كاتب السطور: (المقصود من الفترة هنا هو الغيبة) !! ودليله هو الرواية التالية: (عن علي بن الحارث بن المغيرة، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله ع: يكون فترة لا يعرف المسلمون فيها إمامهم ؟ فقال: يقال ذلك. قلت: فكيف نصنع ؟ قال: إذا كان ذلك فتمسكوا بالأمر الأول حتى يبين لكم الآخر) ([284]). أقول: كعادته أساء كاتب السطور فهماً فأساء قولاً، فالرواية الأولى قيدت الفترة بكونها (فترة من الأئمة)، والقيد دال على الانقطاع في الإمامة نفسها بسبب الغيبة، أما الرواية التي استدل بها فخالية من هذا القيد، فيكون المراد من الفترة نفس الانقطاع، أو الغيبة. 10- أما بخصوص تعليقه على رواية: (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) فهي مروية في غيبة الطوسي، أما كون سندها عامي فلا يعني إهمالها ما لم تتعارض مع شيء من رواياتنا، وهي ليست كذلك. 11- وبخصوص حديثه عن دعاء الافتتاح، يكفي في الرد عليه أن الدعاء للقائم بقوله: (وأيده بروح القدس) يعني أنه غير مؤيد به، فالدعاء طلب من الله تعالى، ولا يُطلب ما هو متحصل. 12- وبخصوص الرواية الواردة عن جابر الجعفي، قال: (سمعت أبا جعفر ع يقول: سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ع، فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ فقال: أما اسمه فإن حبيبي عهد إلي أن لاأحدث باسمه حتى يبعثه الله...) ([285]). أقول: هذه الرواية لا يمكن أن تنطبق على الإمام المهدي ع؛ لأن اسمه قد حدث به علي ع، وهو ما لا يتفق مع قوله هنا: (أما اسمه فإن حبيبي عهد إلي أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله). 13- أما بخصوص رواية: (الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي وهو صاحب الزمان وهو المهدي) ([286]). يقول كاتب السطور: (هذه الرواية تقرأ "من وُلد" وليس "من وَلد")، أما ما هو دليله ؟ فلا شيء سوى قوله هو ! أقول: الإمام العسكري ع ليس له أولاد كثيرون ليُقال أنّ المهدي منهم، أي بعضهم، فولده واحد وهو الإمام المهدي ع، وبالتالي القراءة الصحيحة هي (من وَلد) فيكون المهدي هو أحمد. أما استشهاده بالرواية التالية: (عن الإمام الصادق ع: الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي واسمه محمد وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يُقال لأمه صيقل) ([287]). أقول: هذا الاستشهاد في غير موضعه، فالرواية ورادة عن الصادق ع وهو لديه أولاد كثيرون، بخلاف الإمام العسكري ع. 14- أما بخصوص حديثه عن التقليد فالظاهر أنّ كاتب السطور يريد أن ينكر كون التقليد بالنسبة لهم عقيدة، وعليه أن يصحح معلوماته بالرجوع لكتاب العقائد للشيخ المظفر، ففيه: (2- عقيدتنا في التقليد بالفروع أما فروع الدين وهي أحكام الشريعة المتعلقة بالأعمال، فلا يجب فيها النظر والاجتهاد، بل يجب فيها - إذا لم تكن من الضروريات في الدين الثابتة بالقطع كوجوب الصلاة والصوم والزكاة - أحد أمور ثلاثة: إما أن يجتهد وينظر في أدلة الأحكام إذا كان أهلا لذلك، وإما أن يحتاط في أعماله إذا كان يسعه الاحتياط، وأما أن يقلد المجتهد الجامع للشرائط) ([288]). وكونهم يرددون بين ثلاثة أمور لا يعني أنهم لا يرون التقليد عقيدة، فهي عقيدة بالنسبة لغير المجتهد. أما قولهم ببطلان العمل من غير تقليد فهو أشهر من الشر، وهذه بعض فتاواهم: 1- العروة الوثقى- السيد اليزدي ج1 ص13: (مسألة 7) عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل. 2- مستمسك العروة - السيد محسن الحكيم ج1 ص10: (مسألة 7) عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل. 3- كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي ص77: (مسألة 7) عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل. -العلم والسيد أحمد الحسن ع: كل ما كتبه تحت هذا العنوان ناقشناه في كتاب (بحث في العصمة) فنحيل القارئ على هذا الكتاب. -كتب السيد أحمد الحسن ع: بخصوص جواب السيد أحمد الحسن التالي: (سؤال/ 182: لماذا الكلب أنجس وأوفى حيوان في نفس الوقت بينما النجاسة لا تلائم الوفاء ؟ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين. لما خلق الله آدم ع وضعه في باب الجنة أربعين سنة تطأه الملائكة قبل أن يُنفخ فيه الروح، ليكون ذليلاً في نفسه، فلما مرَّ عليه إبليس (لعنه الله) وكان مع الملائكة بصق عليه، فوقع بصاق إبليس (لعنه الله) على بطن آدم ع، فأمر الله الملائكة برفع الطينة التي وقعت عليها بصقة إبليس (لعنه الله)، فأصبح موضعها شبيه بالحفرة وهو السرة، والموجودة الآن في بطن الإنسان. وخلق الله من تلك الطينة التي عليها بصاق إبليس (لعنه الله) الكلب. فالكلب مخلوق من طينة نبي وهو آدم ع، ومن بصاق إبليس (لعنه الله)، ولذا فهو أنجس حيوان؛ لأنه خلق من بصاق إبليس (لعنه الله)، وأوفى حيوان؛ لأنه خلق من طينة نبي. فاجتمع في الكلب وفاء الأنبياء ونجاسة الشيطان إبليس (لعنه الله)، فسبحان المؤلف بين النور والديجور، هذا بالنسبة لنفس الكلب. أما جسده الجسماني فقد خلق أيضاً من بزاق إبليس (لعنه الله)، ومن الطين بعد نزول آدم إلى هذه الأرض). يقول كاتب السطور: إنّ قول السيد أحمد الحسن ع التالي: (فوقع بصاق إبليس (لعنه الله) على بطن آدم ع)، (هذا القول مردود)، أما دليله فهو التالي: 1- إبليس كان بدرجة ومنزلة الملائكة قبل السجود لآدم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى﴾([289])، فالأمر كان للملائكة فقط وكان إبليس من ضمنهم. 2- السجود لآدم كان بعد نفخ الروح لا قبله، أي بعد أن أصبح إنساناً تدب فيه الحياة. 3- إبليس أصبح ملعوناً بعد النفخ. 4- يتضح من ذلك أن ما قاله السيد ع عارٍ عن الصحة، لأن البصق كان قبل النفخ، واعتبار الطينة المرفوعة من بطن آدم نجاسة يتعارض مع كونه بدرجة الملائكة. أقول: أولاً: السيد ع قال بأنّ البصق كان قبل النفخ. ثانياً: إذا كان كاتب السطور يظن أنّ بصاق إبليس ليس نجساً فعليه أن يأتي بالدليل، أما التمسك بمسألة إنه بدرجة الملائكة قبل النفخ، فهذا لا يمثل دليلاً لأن من الممكن أن تكون نجاسته ثابتة لحقيقته لا لظاهره، إذن عليه أن يأتي بدليل. وبالنسبة لكتاب (بيان الحق والسداد من الأعداد) فالتسمية من الأنصار، أما السيد أحمد الحسن ع فكان يجيب على الأسئلة، والأنصار جمعوا الإجابة بكتاب واختاروا له الاسم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن العلم الذي لم تثبت لكاتب السطور صحته قد تكون فيه نسبة صحة، وهي التي قادت للحق. أما كلام السيد أحمد الحسن الذي نقله كاتب السطور وعلق عليه بأن السيد لم يجب عن سؤال ماجد المهدي الرئيسي فليس سوى جهل منه وعليه التركيز في قراءة الكتاب، وإن كان لا يحسن فليستعن بعاقل. أما سؤال كاتب السطور: (من يقوم بإدارة شؤون الناس قبل السيد أحمد الحسن)، فليخبرنا هو وليأت بدليل على كلامه لنرى. أما بخصوص ما ذكره السيد أحمد الحسن في كتاب الطريق إلى الله: (إذن، فواجب المسلمين في زمن الغيبة هي نصرة الدين بتمكين نائب الإمام الخاص المرسل منه ع، أو الفقيه الجامع للشرائط العادل الزاهد في الدنيا في حال عدم وجود نائب خاص له ع من بسط يده على الحكم من كل حيثية وجهة). أقول: يعلق كاتب السطور قائلاً: 1- كيف نمكن للفقيه العادل، هل نمكن له بالانتخابات ؟ 2- وكيف نمكن لشخص لم ينصبه الله ؟ 3- قد نكون مكنا لشرار خلق الله ؟ 4- كيف يتسنى له أن يحكم بما أنزل الله وليس هو خليفة لله ؟ في الجواب أقول له: قبل أن تتساءل افهم ما يقال لك أولاً، فالسيد ع علق التمكين للفقيه على شرط هو عدم وجود النائب الخاص، والنائب الخاص موجود في كل زمان، فيكون المشروط عدم عند عدم شرطه. هذا جوابنا الذي طلبه، وعليه الآن أن يجيبنا: كيف قبلتم بالإنتخابات ومكنتم العلمانيين والشيوعيين من حكمكم ؟ -ما يسميه كاتب السطور بالأحلام: ﴿بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾([290]). جواب النقطة الأولى: يمكن لكتاب السطور أن يسأل الأنصار وغيرهم ويطلب شهادتهم على أنهم رأوا رؤى تؤيد الدعوة اليمانية. جواب النقطة الثانية: أنت كذاب ونطلب تقديم شهادة هؤلاء الكثيرون الذين تزعم أنهم شاهدوا العكس كما تعبر. جواب النقطة الثالثة: لم نقل لكم خذوا دينكم من الرؤى فافهم ما نقول قبل أن تتفوه بما لا تعقله. جواب النقطة الرابعة: لو كنتم تتبعون من تسمونهم أئمتكم حقاً لعلمتم أنهم هم أيضاً قالوا بأن الرؤيا حجة. جواب النقطة الخامسة: نتكلم عن الرؤى الصالحة التي يحضر فيها المعصوم لو كنتم تعقلون. جواب النقطة السادسة: كلامك هذا رد على آل محمد، فهم يقولون شيء وأنت تلتف على قولهم. ولو كنت تعقل فقد ورد عن رسول الله ص: (من رآني في المنام فقد رآني، فإني أُرى في كل صورة)([291]). أما كون هذه الرواية قد رواها المجلسي عن أبي هريرة فليس بضارها بشيء فكذب أبي هريرة معروف الموارد، وليس هذا منها، على أن صحة الروايات لا تعرف من خلال بدعة علم الرجال. أما الرواية عن (المتكون) فهي ضدك وليست لك، فالإمام الصادق أقسم في نهايتها بأن هذا الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بصورة الإمام الباقر. ومثل هذا يُقال في الروايات التي تليها، فهل تعقلون ؟ أما كلامك عن رؤيا الزهراء (عليها السلام) فلا أظنه يصدر عن مؤمن، والرؤيا على أية حال تحققت على أرض الواقع وهذا أعظم دليل على صدقها، ولو كنتم تتقون الله لقلت لكم اتقوا الله. جواب النقطة السابعة: افهم قبل الكلام، الشيطان لا يد له بملكوت الله ومنه الرؤيا، وإلقاؤه يتم بعد نهاية الرؤيا. وكون الإلقاء بعد نهايتها قرينة على أن بالإمكان معرفة تدخلاته. أما تعليقك على رؤيا إبراهيم فالعجيب هو فهمك، فالرؤيا كلها وحي من الله، وكلها بمنزلة كلام يكلم الرب به عبده. أما الفرضية التي ذكرتها، وهي أنّ حضرتك لو رأيت رؤيا تأمرك بذبح ابنك هل تفعله، فلو كنت تعقل ما ذكرت هذا المثال لأنك قبل قليل قلت الرؤيا لا يستفاد منها التشريع، وها أنت تناقض نفسك وتأتي بمثال فيه تشريع، أما في زمن إبراهيم فكان مشرعاً للأب قتل ابنه. أما كلامك عن الرواية الواردة عن عبد الله بن عجلان، قال: (ذكرنا خروج القائم ع عند أبي عبد الله ع، فقلت: كيف لنا نعلم ذلك ؟ فقال ع: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعة معروفة، اسمعوا وأطيعوا) ([292]). أقول: كلامك يدل على مستواك العقلي، فأنت كما يظهر من كلامك تظن أن الإنسان يجد صحيفة، أي ورقة، وإن التعبير ليس مجازياً ؟! أما تعليقك عن الرواية الواردة عن البيزنطي، فجوابه: ليس الأمر كما تظن، فالمراد ليس هو الرؤيا نفسها، بل أسرارها. أما تعليقك على الرواية التالية: (عن أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله ع وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم ! فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح) ([293]). فجوابه: إنّ مناسبة السؤال لا تقيد الجواب، وكلام الإمام ظاهر في أن الاجتماع يحدث مستقبلاً، وهو لا يحدث إلا بالرؤيا. -الاستخارة: كلام السيد الصدر إذا لم يوافق كلام آل محمد نضرب به عرض الجدار. ونحن لو كنت تعقل لا نقول بأن الاستخارة يستفاد منها التشريع ولا أخذ العقائد، بل نقول هي حجة في تحديد المصداق دون المفهوم. أما قول السيد ع: (أمري أبين من الشمس) فهو كذلك، ونحن نقول بالاستخارة عليه لمن يتردد في ريبه نتيجة جهله، أو بسبب وساوس شياطين الإنس. أما وجه الاستدلال باستخارة صفوان فهو إنها دليل ساطع على صحتها كطريق مؤدي لمعرفة المصداق، ولأن الرضا ع أقرّه عليه. أما رواية: (إذا خار الله لك فاعزم) فمن مصاديقها الاستخارة حتماً. والاستخارة خير يعطيه الله لعبده، إن كنتم تؤمنون. -المعجزة: فيما يتعلق بإظهار قبر الزهراء صلوات الله عليها هو بالتأكيد معجزة تدل على اتصال الإمام أحمد الحسن ع بالإمام المهدي ع، أما مسالة التأكد من الموضع فيمكن للمؤمنين بالله حقاً أن يتأكدوا منه بطرق كثيرة، منها على سبيل المثال أن يدعوا الله عز وجل عند الموضع المحدد، أو يسألوا الله سبحانه وتعالى ليبين لهم. أما الروايات التي يستشف منها تحديد قبرها (عليها السلام) فلابد من حملها على التقية، لأن المقطوع فيه خفاء قبرها لحكمة. -أمرهم أبين من الشمس: نعم، أمرهم أبين من الشمس، ولكن للقلوب السليمة، أما من يريد أن يركب الشبهات فلن يرى الشمس، بل يبقى يتخبط في الظلمات. أما المدَّعُون الكَذَبَة فباطلهم يبينه افتقارهم للدليل الشرعي، والسيد أحمد الحسن يدعو للإمام المهدي ع وهذا لا ينكره إلا معاند، أما التعريف بشخصه فهو جزء من دعوته لأبيه، لأنه لابد أن يثبت بالدليل كونه حجة من حجج الله ليثبت اتصاله بالإمام. ثم إن الكَذَبَة لا يدعون للإمام بل لأنفسهم فقط كما تدل الروايات. أما التمسك بالأمر الأول فأنتم فرطتم به، ولو أنكم تمسكتم به لهداكم لليماني، فمن ضمن الأمر الأول كلامهمص، لا تخرصات عقولكم الناقصة. أما الشاذ النادر فلا شاذ ولا نادر في الدعوة اليمانية، ولكن قل العقلاء للأسف. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولجميع المؤمنين، والحمد لله الذي هدانا لولاية الطاهرين محمد وآله الأئمة والمهديين، ونسأله تعالى أن يثبتنا على ولايتهم وأن يمكن لقائمهم في الأرض.
Footers

[1] - الغيبة للنعماني: ص215.

[2] - الغيبة للنعماني: ص216.

[3] - الغيبة للنعماني: ص210 – 211.

[4] - الغيبة للنعماني: ص320.

[5] - الغيبة للنعماني: ص212.

[6] -الغيبة للنعماني: ص214.

[7] - الغيبة للنعماني: ص215.

[8] - يونس: 72.

[9] - هود: 51.

[10] - منتخب الأنوار المضيئة: ص343.

[11] - ابن حماد: ص84، ونه عقد الدرر: ص128، والحاوي: ج2 ص68.

[12] - ابن حماد: ج1 ص314، ونه الحاوي: ج2 ص69، وجمع الجوامع: ج2 ص103.

[13] - الملاحم والفتن: ص52. وتوجد طبعة الكترونية للكتاب وردت الرواية فيها في ص54، الباب الرابع والستون، وقد ورد في مقدمتها: (... وكان هذا السفر الجليل مختبئا في زوايا المكتبات وقد ظنت به الأيام كما هي عادتها في أمثاله حتى امتن المهيمن تعالت آلاؤه على الأمة بإرشاد المهذب الغيور (محمد كاظم ابن الحاج محمد صادق) صاحب المطبعة الحيدرية في النجف إلى هذا الكتاب، فبذل الجهد في البحث عنه ونسخه على نسخة العلامة المحقق الشيخ محمد السماوي، وقابلها بمساعدة العلماء المدققين على نسخة شيخنا الحجة الشيخ آغا بزرك مؤلف كتاب (الذريعة إلى مصنفات الشيعة) المستنسخة على نسخة الأصل للمؤلف أعلا الله مقامه. فخرج الكتاب من المطبعة درة ثمينة وقد ضم بين طياته آدابا علمية ودروسا أخلاقية وبراهين دالة على أحقية من هم الواسطة في هداية البشر وإرشادهم إلى الطريق المهيع. فالقراء الكرام يشكرون لحضرة الناشر المومى إليه هذه الهمة القعساء والشعور الملتهب غيرة على إحياء المؤلفات القيمة. كما أنه قبل هذا الكتاب أجهد نفسه في نسخ كتاب: (فرج المهموم لمعرفة النجوم) من مؤلفات سيدنا المترجم رضوان الله عليه الذي جمع فيه المؤلف أقوال أهل بيت العصمة عليهم السلام وما اعتقده علماء الفريقين في النجوم من أنها علامات دالة على ما يحدث في الكون من صلاح وفساد وأوضح بالشواهد التاريخية بطلان الإعتقاد بأنها فاعلة مختارة لاستلزامه التعطيل في حق (واجب الوجود) تعالى شأنه. وقد امتن علينا صاحب المطبعة الحيدرية بإخراج الكتاب ماثلا أمام القراء برونق بهيج يلتذ له السامع ويستفيد منه العالم ويستعين به المؤرخ وإنا لنشخص إلى المهيمن سبحانه مبتهلين بأن يفيض على ناشر هذين الكتابين ما يقر به منه زلفة في المثابرة على إحياء آثار آل الرسول الأقدس وفي ذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام: رحم الله من أحيى أمرنا ودعا إلى ذكرنا، إنه تعالى ولي العون والتوفيق). أما الخاتمة فقد جاء فيها: (تم الكتاب الملتقط الملحق بأجزاء كتاب التشريف بالمنن للسيد رضي الدين علي بن طاوس، وكتبت على نسخة منقولة عن خط المصنف السيد رضي الدين في سادس صفر سنة الاثنتين والخمسين والثلائمائة بعد الألف ثم صححها على نسخة الأصل التي بخط السيد ابن طاوس محمد ابن الشيخ طاهر السماوي عفى الله عنه في النجف سنة 1365هـ). وفي نسخة الكترونية من الكتاب موجودة في موقع (مكتبة كاسر الصنمين): (فيما ذكره نعيم عن المهدي ونصرته برايات خراسان. قال حدثنا أبو نصر الحباب عن خلاد عن أبي قلابة عن ثوبان قال إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة المهدي). وقد ورد التالي في التعريف بالنسخة: الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر عجل الله فرجه: تأليف العالم العامل العابد الزاهد رضي الله أبي القاسم علي بن موسى جعفر بن محمد بن طاووس الحسني الحسيني المتوفى 644 هـ منشورات الرضي قم - إيران الطبعة الخامسة 1398 هـ‍ - 1998 م. ص53 (الباب الرابع والتسعون).

[14] - انظر: ص37 من النسخة الإيرانية المذكورة.

[15] - انظر: ص36 منها.

[16] - دلائل الإمامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص33.

[17] - دلائل الإمامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص45.

[18] - كذا ولعلها: مؤرخة في.

[19] - دلائل الإمامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص44.

[20] - غاية المرام - السيد هاشم البحراني: ج1 ص11.

[21] - كذا والصحيح: بن.

[22] - الرواية كما وردت في النسخة التي حققها نزار الحسن، وفيها اختلاف عن سابقاتها.

[23] - إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري: ج2 ص174 – 177.

[24] - مجمع النورين - الشيخ أبو الحسن المرندي: ص331 – 334.

[25] - غاية المرام - السيد هاشم البحراني: ج7 ص92 – 93.

[26] - إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص153 – 155.

[27] - معجم أحاديث الإمام المهدي ( - الشيخ علي الكوراني العاملي: ج1 ص530 – 531.

[28] - أي يحج بهم حج العمرة.

[29] - علل الشرائع - الشيخ الصدوق: ج1 ص161.

[30] - الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس: ص142.

[31] - إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري: ج2 ص174 – 181.

[32] - معجم أحاديث الإمام المهدي (: ح659.

[33] - الزخرف: 61.

[34] - الملاحم والفتن - السيد بن طاووس الحسني: ص134.

[35] - الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس: ص121.

[36] - كتاب الفتن - نعيم بن حماد المروزي: ص189.

[37] - جدير بالذكر أن الكوراني - كعادته - تصرف في الرواية دون أن يشير، فقد أوردها في كتابه (معجم أحاديث الإمام المهدي ( - الشيخ علي الكوراني العاملي: ج1 ص415)، بالصورة التالية: (إذا ملك رجل الشام، وآخر مصر، فاقتتل الشامي والمصري، وسبا أهل الشام قبائل من مصر، وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قبل صاحب الشام، فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي. قال أبو قبيل: يكون بإفريقية أمير اثنا عشر سنة ثم تكون بعده فتنة، ثم يملك رجل أسمر يملاها عدلاً، ثم يسير إلى المهدي فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه).

[38] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص472 – 473.

[39] - الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس: ص280.

[40]  الغيبة للطوسي: ص299 و ص305.

[41] - قال في شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي: ج29 هامش ص339: (... وفي رواية: وولاكم الجابر خير أمة محمد. ألحقوه بمكة فإنه المهدي واسمه محمد بن عبد الله).

[42] - هذه الرواية تم تحريفها في الطبعات اللاحقة من قبل الناشرين والمحققين غير الأمناء، انظر على سبيل المثال الطبعة الإيرانية وطبعة نزار الحسن. فالقوم يحرفون ويتهمون غيرهم بالتحريف، فهل بعد هذا الاستهتار من استهتار!؟

[43] - قال آقا بزرگ الطهراني - الذريعة ج18 ص354: (العارف رضي الدين رجب بن محمد بن رجب الحلي، المعروف ب‍ (حافظ البرسي) صاحب "الألفين"، و "مشارق الأنوار" من أواخر المائة الثامنة والمقارب لعصر العلامة الحلي). وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة ج6 ص465 – 467: (كان حياً سنة 813 وتوفي قريباً من هذا التاريخ).

[44] - معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج8 ص188.

[45] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج51 ص162 – 163.

[46] - مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي: ص196 – 197.

[47] - الخصال - الشيخ الصدوق: ص477 – 478.

[48] - عيون أخبار الرضا ( - الشيخ الصدوق: ج2 ص52.

[49] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص269.

[50] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص311 – 312.

[51] - من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق: ج4 ص180.

[52] - الإرشاد - الشيخ المفيد: ج2 ص346.

[53] - من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق: ج4 ص180.

[54] - هناك من يسمي كتاب الشيخ الصدوق بكمال الدين، وآخرون - من قبيل السيد البروجردي - يسمونه إكمال الدين.

[55] - جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي: ج14 ص570.

[56] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص139.

[57] - المستجاد من الإرشاد (المجموعة) - العلامة الحلي: ص237.

[58] - الذريعة: ج21 ص2.

[59] - لمحات: ص230 – 231.

[60] - كفاية الأثر: ص158.

[61] - الكافي: ج1 ص336.

[62] - أصبت بحسب رواية كفاية الأثر: ص150، وهي غير مناسبة كما هو واضح. ووردت في معجم أحاديث الإمام المهدي ج1ص296: أصبت (الصمت). والصمت قريب من الصبر.

[63] - بحار الأنوار: ج36 ص335، معجم أحاديث الإمام المهدي ج1ص 297.

[64] - الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص531، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري - الخامسة 1363، الغيبة للطوسي: ص151 – 152.

[65] - معالم المدرستين: ج3 ص262.

[66] - انظر شبهات وردود - السيد سامي البدري: ج1 ص65 – 66.

[67] - لمحات - الشيخ لطف الله الصافي: ص228 – 229.

[68] - عيون أخبار الرضا ( - الشيخ الصدوق: ج2 ص60، الخصال - الشيخ الصدوق: ص480.

[69] - الإرشاد - الشيخ المفيد: ج2 ص347.

[70] - إعلام الورى بأعلام الهدى - الشيخ الطبرسي: ج2 ص171.

[71] - معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري: ج3 ص261.

[72] - كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي: ج3 ص311.

[73] - كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي: ج3 ص246.

[74] - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص340.

[75] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص151 – 152.

[76] - معالم المدرستين. ج3 ص264 وما بعدها.

[77] - معالم المدرستين: ج3 ص265 – 266.

[78] - مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي: ص82.

[79] - كمال الدين وتمام النعمة: ص74 – 75.

[80] - الصف: 8.

[81] - كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص379 – 380، بحار الأنوار: ج22 ص 148.

[82] - الأحزاب: 33.

[83] - كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص235 – 239.

[84] - الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص532.

[85] - الهداية الكبرى: ص374.

[86] - دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص446 – 447.

[87] - كتاب سليم بن قيس: ص429.

[88] - كتاب سليم بن قيس: ص133 – 135.

[89] - الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص531 – 532، الغيبة للطوسي: ص152 – 154.

[90] - الخصال - الشيخ الصدوق: ص629، وكذلك: تحف العقول - ابن شعبة الحراني: ص118 – 119.

[91] - كفاية الأثر - الخزاز القمي: ص95 – 96.

[92] - لمحات - الشيخ لطف الله الصافي: ص231 وما بعدها.

[93] - شبهات وردود - السيد سامي البدري: ج1 ص66.

[94] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص152 وما بعدها.

[95] - ما في المتن إشارة لبعض مباحث كتاب (ما بعد الإثني عشر إماماً).

[96] - كفاية الأثر - الخزاز القمي: ص69، مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب: ج1 ص258 – 259، بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج36 ص271.

[97] - الملك: 30.

[98] - الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص340.

[99] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص325 – 326.

[100] - التوبة: 36.

[101] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص149.

[102] - الحجر: 87.

[103] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج24 ص117.

[104] - نفسه: ج24 ص117.

[105] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص441، الغيبة - الشيخ الطوسي: ص246.

[106] - عيون أخبار الرضا ( - الشيخ الصدوق: ج1 ص78.

[107] - عيون أخبار الرضا (- الشيخ الصدوق: ج1 ص79.

[108] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج44 ص243.

[109] - كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص266، وانظر كذلك: بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص330، ومختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي: ص207.

[110] - إشارة لما ورد في كتاب (ما بعد الإثني عشر إماماً) فراجع.

[111] - مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي: ص26 وما بعدها.

[112] - مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني: ج3 ص95 – 96.

[113] - آل عمران: 85.

[114] - النبوة الخاتمة - السيد أحمد الحسن (: ص27.

[115] - كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص263 – 264.

[116] - كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص334.

[117] - الكافي: ج1 ص536.

[118] - الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص270.

[119] - البقرة: 124.

[120] - الخصال - الشيخ الصدوق: ص304 – 305.

[121] - الغيبة - الطوسي: ص167 وما بعدها.

[122] - إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص259 – 260.

[123] - مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي: ص45.

[124] - رجال النجاشي - النجاشي: ص440.

[125] - الغيبة - الطوسي: ص228.

[126] - الصحاح - الجوهري: مادة (عدا).

[127] - الكافي: ج1 ص379.

[128] - انظر: شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني: ج6 ص255 – 256.

[129] - تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي - السيد محمد على الأبطحي: ج5 شرح ص 206 – 212.

[130] - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج‏4 ص43.

[131] - مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج1 ص113.

[132] - التكوير: 15 – 16.

[133] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص330، وعنه: بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج51 ص137.

[134] - رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد: ج2 ص12 – 13.

[135] - إثبات الهداة: ص194 – 195.

[136] - الكافي - الشيخ الكليني: ج4 ص553.

[137] - مجمع البحرين - الشيخ الطريحي: ج3 ص215.

[138] - الكافي: ج1 ص535 ح1.

[139] - كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص211.

[140] - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص166.

[141] - الغيبة للنعماني: ص52 – 53 .

[142] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص672 – 673.

[143] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج52 ص342 – 343.

[144] - بحار الأنوار: ج52 ص138.

[145] - النجم الثاقب: ج2 ص73، الغيبة للطوسي: ص224.

[146] - قدقد أي قال: قد وقد.

[147] - كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي: ج3 ص95.

[148] - التوبة: 115.

[149] - قرب الإسناد - الحميري القمي: ص376 – 377.

[150] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج53 ص16.

[151] - الإسراء: 4 – 6.

[152] - الكافي - الشيخ الكليني: ج8 ص206.

[153] - الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص536.

[154] - الإسراء: 71.

[155] - ج1 ص536 – 537.

[156] - النبأ: 18.

[157] - مختصر البصائر - الحسن بن سليمان الحلي: ص181 – 182.

[158] - الإسراء: 6.

[159] - دلائل الإمامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص539 – 542.

[160] - كمال الدين وتمام النعمة: ص358.

[161] - البقرة: 124.

[162] - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - ص 89.

[163] - تهذيب الأحكام: ج3 ص253.

[164] - الغيبة للطوسي: ص 28، بحار الأنوار: ج52 ص22، وج 91 ص83.

[165] - بحار الأنوار: ج53 ص94، الإقبال للسيد ابن طاووس: ص689، المصباح للكفعمي: ص543، البلد الأمين: ص185، مصباح المتهجد - للشيخ الطوسي: ص826 .

[166] - مصباح المتهجد: ص405 – 411، الغيبة للطوسي: ص273 وما بعدها، جمال الأسبوع - للسيد ابن طاووس: ص301 وما بعدها، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - للشيخ علي اليزدي الحائري: ج1 ص331.

[167] - جمال الأسبوع: ص307 – 310.

[168] - الانبياء: 105.

[169] - شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي: ج3 ص364 – 365.

[170] - بحار الأنوار: ج53 ص94، الإقبال للسيد ابن طاووس: ص689، المصباح للكفعمي: ص543، البلد الأمين: ص185، مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: ص826 .

[171] - تهذيب الأحكام: ج3 ص253.

[172] - جمال الأسبوع: ص307 –310.

[173] - مصباح المتهجد: ص405 – 411، الغيبة للطوسي: ص273 وما بعدها، جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس: ص301 وما بعدها، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري: ج1 ص331.

[174] - بحار الأنوار: ج86 ص340.

[175] - الكافي - الشيخ الكليني: ج4 ص162.

[176] - مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي: ص630 – 631.

[177] - النمل: 83.

[178] - الكهف: 47.

[179] - الأنبياء: 95.

[180] - آل عمران: 81.

[181] - النور: 55.

[182] - القصص: 5.

[183] - القصص: 85.

[184] - البقرة: 243.

[185] - الأعراف: 155.

[186] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج53 ص118 – 119.

[187] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج51 ص64.

[188] - بحار الأنوار: ج99 ص228.

[189] - مصباح المتهجد: ص405 – 411، الغيبة للطوسي: ص273 وما بعدها، جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس: ص301 وما بعدها، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري: ج1 ص331.

[190] - المزار - محمد بن المشهدي: ص27.

[191] - الغيبة للطوسي: ص 28، بحار الأنوار: ج52 ص22، وج 91 ص83.

[192] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص274.

[193] - عيون أخبار الرضا ( - الشيخ الصدوق: ج2 ص69.

[194] - عيون أخبار الرضا ( - الشيخ الصدوق: ج2 ص69.

[195] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص250 – 251.

[196] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج92 ص448.

[197] - الغيبة للطوسي: ص150، بحار الأنوار: ج53 ص147.

[198] - كمال الدين وتمام النعمة: ص358.

[199] - منتخب الأنوار المضيئة: ص353 – 354.

[200] - الغيبة للطوسي: ص478 – 479. وسيأتي توضيح لهذه الرواية في القابل من مباحث الكتاب، وسنرى هناك أن الرواية لا تناقض مثيلاتها كما قد يُظن.

[201] - منتخب الأنوار المضيئة: ص353 – 354.

[202] - الغيبة للطوسي: ص478 – 479. وسيأتي توضيح لهذه الرواية في القابل من مباحث الكتاب، وسنرى هناك أن الرواية لا تناقض مثيلاتها كما قد يُظن.

[203] - الأصول الستة عشر - عدة محدثين: ص90 – 91. الظاهر أن هذا الحديث عن الإمام الصادق بدلالة سند الرواية التي تسبقه في الأصل نفسه، وهو كما يلي: (جعفر عن ذريح عن أبي عبد الله ( قال ...).

[204] - بحار الأنوار: ج66 ص13، مستدرك الوسائل: ج8 ص333، وكتاب التمحيص - لمحمد بن همام الإسكافي الشيعي: ص9، ومستدرك سفينة البحار: ج7 ص174.

[205] - مكيال المكارم للميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج2 ص73.

[206] - جمال الأسبوع - السيد ابن طاووس: ص307 – 310.

[207] - جمال الأسبوع - السيد ابن طاووس: ص310 – 313.

[208] - المهدي الموعود المنتظر - الشيخ نجم الدين العسكري: ص320.

[209] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص653، إعلام الورى بأعلام الهدى - الشيخ الطبرسي: ج2 ص294 – 295، منتخب الأنوار المضيئة - السيد بهاء الدين النجفي: ص53 – 54.

[210] - الأمالي - الشيخ الصدوق: ص700.

[211] - منتخب الأنوار المضيئة - السيد بهاء الدين النجفي: ص343.

[212] - الهداية الكبرى - للخصيبي: ص403.

[213] - بحار الأنوار: ج41 ص319.

[214] - الغيبة للنعماني: ص264.

[215] - المؤمنون: 73.

[216] - هود: 62.

[217] - الأعراف: 198.

[218] - الكافي - الشيخ الكليني: ج5 ص13 – 18.

[219] - الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس: ص89.

[220] - مستدرك الوسائل: ج4 ص279 – 280.

[221] - انظر على سبيل المثال: صحاح الجوهري مادة (سهك).

[222] - الصافات: 75.

[223] - المقنعة - الشيخ المفيد: ص127، مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي: ص345.

[224] - الصحيفة السجادية (ابطحي) - الإمام زين العابدين ( : ص566.

[225] - الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص584.

[226] - مستدرك الوسائل: ج4 ص279.

[227] - بصائر الدرجات: ص161.

[228] - نفسه: ص159 – 160، وانظر: تفسير العياشي: ج2 ص28.

[229] - كتاب‏ سليم ‏بن ‏قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص252 وما بعدها الحديث السادس عشر.

[230] - الصحاح للجوهري مادة عرب.

[231] - كتاب العين - الخليل الفراهيدي: ج2 ص128.

[232] - مجمع البحرين - الشيخ الطريحي: ج3 ص146 – 147.

[233] - الشعراء: 192 – 195.

[234] - الزخرف: 3.

[235] - فاطر: 28.

[236] - الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص285.

[237] - عيون أخبار الرضا - للصدوق: ج1 ص219، ومدينة المعاجز- للبحراني: ج7 ص155، وبحار الأنوار- للمجلسي: ج71 ص105 وج52 ص350 وج44 ص271، ودرر الأخبار: ص312.

[238] - الكهف: 63.

[239] - الكهف 61.

[240] - الكهف: 73.

[241] - الكافي: ج3 ص355 – 356.

[242] - بحار الأنوار: ج17 ص106 – 107.

[243] - بحار الأنوار: ج25 ص350.

[244] - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص474.

[245] - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص458.

[246] - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص451.

[247] - الخصال - الشيخ الصدوق: ص527 – 528.

[248] - مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي: ص76 – 77.

[249] - من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق: ج1 ص359 – 360.

[250] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج90 ص64.

[251] - تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي: ج2 ص350 – 351.

[252] - المقصود الشيخ الطوسي.

[253] - تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي: ج2 ص351.

[254] - كاتب السطور - كعادته - يأخذ من غيره دون أن يشير إلى المصدر، فهذه الكلمة قالها المجلسي بعد إيراده الرواية، حيث قال: (وقوله (: رحم الله موسى، لعله إشارة إلى أنه سيظن بعض الناس أنه القائم وليس كذلك أو أنه قال: "فلانا" كما سيأتي فعبر عنه الواقفية بموسى) بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج51 ص40.

[255] - (أقول: المراد أنه من أولاد موسى بن جعفر (، أو أنه شبيه موسى بن عمران عليه السلام كما صرح به في الأحاديث المتواترة، وليس المراد به أن اسمه موسى لمنافاته للأحاديث المتواترة، اللهم إلا أن يثبت كثرة أسمائه، وكون موسى منها) معجم أحاديث الإمام المهدي ( - الشيخ علي الكوراني العاملي: ج3 ص237.

[256] - الغيبة للنعماني: ص166.

[257] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص424 – 426.

[258] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص426 – 430.

[259] - حياة الإمام المهدي ( - باقر شريف القرشي: ص193 – 194.

[260] - كتاب الأربعين - الشيخ الماحوزي: ص390.

[261] - الغيبة للنعماني: ص299 – 300.

[262] - بحار الأنوار: ج52 ص23 – 224.

[263] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج75 ص378.

[264] - الحجر: 9.

[265] - النجم الثاقب: ج2 ص69.

[266] - منتخب الأنوار المضيئة - السيد بهاء الدين النجفي: ص155.

[267] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج53 ص324.

[268] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص61.

[269] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص43.

[270] - مزار محمد بن المشهدي: ص134.

[271] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص471.

[272] - الإرشاد - الشيخ المفيد: ج2 ص380.

[273] - كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص169.

[274] - الخصال - الشيخ الصدوق: ص108.

[275] - الإمامة والتبصرة - ابن بابويه القمي: ص115، كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص318.

[276] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص329.

[277] - كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص258 – 259.

[278] - كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص319 – 321.

[279] - كتاب الفتن: ص237.

[280] - الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس: ص123.

[281] - كتاب الفتن - نعيم بن حماد المروزي: ص213.

[282] - الغيبة للطوسي: ص444.

[283] - الغيبة للنعماني: ص187.

[284] - كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص161.

[285] - غيبة الطوسي: ص305.

[286] - كشف الغمة: ج2ص475.

[287] - السابق نفسه.

[288] - عقائد الإمامية - الشيخ محمد رضا المظفر: ص32 – 33.

[289] - البقرة: 34، طه: 116.

[290] - الأنبياء: 5.

[291] - بحار الأنوار: ج58 ص235.

[292] - كمال الدين: ص654.

[293] - الغيبة للنعماني: ص203.