Subjects
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (85) دراسة في شخصية اليماني الموعـود (الحلقة الأولى) تأليف الشيخ ناظم العقيلي طبعة مزيدة ومصححة الطبعة الثانية 1432 هـ - 2011 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org الإهداء إلى ليوث الوغى ... وفرسان الهيجاء ... إلى الشهداء السعداء ... إلى شهداء أنصار الله وأنصار الإمام المهدي ع... أهدي هذا الجهد المتواضع وكلي حياء منكم أيها الأطهار. أسأل الله أن يرزقني شفاعتكم، واللحوق بكم إنه سميع مجيب، وأن يحشرنا جميعاً مع محمد وآل محمد ص عند مليك مقتدر... لمقدمة والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. تعد مرحلة عصر الظهور للإمام المهدي ع من أهم مراحل البشرية، أو قل أهم المراحل إذا ما نظرنا لها من جهة الغربلة والتمحيص الذي تتعرض له الأمة الإسلامية بل البشرية برمتها، حيث الابتعاد عن مصادر التشريع الإلهي، وبُعد العهد الزمني بين الناس وبين الحجة المعصوم، وانحدار المجتمع البشري نحو المادة، والتكامل الفردي والاجتماعي على الصعيد الدنيوي - إن صح التعبير -، والغفلة عن علاقة الإنسان بالله تعالى وبالدين وبحجج الله تعالى، حيث نجد أن كل المقاييس قد قُلبتْ، فلا تجد نظرة ولا تعريفاً صحيحاً للأخلاق ولا للعلم ولا للعقل ولا حتى للإنسانية .. حيث نجد كل هذه المفاهيم قد وضعت في القالب الدنيوي والمنفعة الفردية المادية، وبالتالي فكل تنظير وتقنين لا يتلائم مع اعوجاج المفاهيم الدنيوية يُعد انحرافاً وجهلاً وتخلفاً يستدعي الضحك والفكاهة. وهذا الوضع المزري وصل إليه الناس نتيجة شدة التصاقهم بالدنيا وما يتعلق فيها وانبهارهم بزخرفها، وابتعادهم وجهلهم بالأخلاق الإلهية والتكامل الروحي والعلمي نحو السمو الذي أراده الله تعالى للبشر، فمن جهل شيئاً عاداه، وشبيه الشيء منجذب إليه، كما يقال. وهذا الجهل والانمساخ نحو المادة وقصر النظر عليها ليس ذنباً لعامة الناس فقط، بل الحصة الأكبر تقع على عاتق من وضعوا أنفسهم أدلاء على معرفة الله تعالى مع أنهم استأنسوا ظلمة السراديب وهدوء العزلة والانكماش، بحيث فاقوا المقصورات المخدرات من النساء، بل لا أبالغ إن قلت بأنه لا توجد مخدرات ولا مقصورات بمستوى رجال الدين المترفين، وليت شعري أنَّى لقائد يغط في سباته شتاءً وصيفاً أن يقود الأمة ويُعرّفهم التكامل الحقيقي وما خلقوا من أجله، نعم إذا كانت الحيوانات التي تسبت شتاءً وتخرج للنور في الصيف لتوفر لنفسها الغذاء ونحوه، فهؤلاء لا يرون ضرورة لذلك؛ لأنهم وفروا لأنفسهم ما يكفي لسباتهم بقدر أعمارهم مئات المرات من حقوق اليتامى والمساكين والمحرومين، فكل نفس دافئ تحت دثارهم، وكل طعام مستمرئ في مقصوراتهم هو أنَّةُ يتيم جائع ولوعة مسكين ضائع، والطامة الكبرى أن الناس يعتبرون ذلك منقبة وفضيلة يستحق بها ذلك الـمُخَدَّر أن تقبل يديه ويتبرك بتراب رجليه - إن كان لرجليه تراب - ! فمن الطبيعي إن غاب الراعي وتقوقع في صَدَفة ذات أطباق، أن تألف الغنم الذئاب، بل وتبرر قسوتها وافتراسها على أنها رحمة من أجل المصلحة العامة ! فانقسم عموم المجتمع إلى قسمين: أحدهما ظل يقدس قائده المزعوم المحبوس في شرنقته كالعذراء الدائمة العذرية، وهؤلاء هم أكثر الناس البسطاء، والمنتفعين من فضلة موائد الزهاد بالزهد. وأما القسم الآخر وهو من يتمتع بالجرأة على النقد ورفض هكذا استحمار مقيت، فقد رفض تقديس هكذا فقهاء باتت أكراشهم مقبرة للحيوانات وما لذ وطاب، ولكن للأسف الشديد هذا القسم الأخير رفض الدين كمنهج ودستور وراح يطلب البديل، ظناً منه أن الدين الإلهي متمثل بهؤلاء المتطفلين، وعند فسادهم فلا دين ! وغفل عن أن واجبه يحتم عليه أن يكون نموذجاً صالحاً لتجسيد الدين والأخلاق السماوية، وفضح وكشف أقنعة المنتحلين والمنافقين والدجالين، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. عن أمير المؤمنين ع: (... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى ؟ أو أكون كما قال القائل: وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى أو أهمل عابثاً، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة...) ([1]). وبقيت ثلة قليلة مستضعفة منبوذة من كلا القسمين، أي منبوذة من قبل عبَّاد الأصنام البشرية، ومن قبل الذين رفضوا واستبشعوا حال تلك الأصنام التي قلّما تتكلم أو تفارق الظلام! هذه الثلة المستضعفة هم الذين جعلوا نهج محمد وآل محمد ص ميزاناً يقيسون به الرجال، ولم ينبهروا بالعمائم واللحى الطويلة، فمن كان من الفقهاء عاملاً زاهداً متبعاً لنهج أمير المؤمنين يقدسوه ويعتبروه من العلماء الربانيين الأمناء، وأما من حاد عن نهج الحق وسلك نهج معاوية الذي لم تشبع بطنه وإن تآكلت أسنانه، أو أصبح كالخفاش عاشقاً للظلام والفيء، لا طاقة له على التعرض لشعاع الشمس، في حين أن الفقراء والمساكين واليتامى قد نحلت أجسامهم وخمصت بطونهم وذبلت شفاههم .. ربما لم يروا مائدة (المرجع الأعلى) حتى في الأحلام ! فهم يرفضون هكذا فقهاء، بل يرونهم أعدى أعداء الدين. هذه الثلة المستضعفة يرفضهم أتباع فقهاء السوء؛ لأنهم يرونهم قد مرقوا عن الدين وتعدوا على خلفاء الله في أرضه، وكذلك يرفضهم من تخلوا عن الدين؛ لأنهم يحسبون أن كل من تسمَّى بالدين فهو صورة عن هؤلاء الفقهاء المترفين، الذين لا يقتدي بهم ولا يقبلهم إلا من سفه نفسه. فأمست هذه الثلة المستضعفة مُحمَّلة بجرم غيرها، ومسلوبة حقها، غرباء مستضعفون منبوذون، كما قال رسول الله ص: (إن الإسلام بدء غريباً وسيعود غريباً كما بدء، فطوبى للغرباء) ([2]). (... المسلم يومئذ كالغريب الشريد ذاك الزمان يذهب فيه الإسلام ولا يبقى إلا اسمه، ويندرس فيه القرآن ولا يبقى إلا رسمه ... فإذا تكلم منهم متكلم بحق أو تفوه بصدق قيل له اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلالة...) ([3]). وفقهاء السوء في آخر الزمان قد تواترت الأخبار في ذمهم: عن رسول الله ص: (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه، يسمعون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود)([4]). وعن أبي جعفر ع، قال: (يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤن يتقرؤن ويتنسكون حدثاء سفهاء .... يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم...) ([5]). وعن محمد بن مسلم، قال: (سأل رجل أبا عبد الله ع: متى يظهر قائمكم ؟ قال: إذا كثرت الغواية، وقلت الهداية، وكثر الجور والفساد، وقل الصلاح والسداد ... ومال الفقهاء إلى الدنيا، وأكثر الناس إلى الأشعار والشعراء...) ([6]). وأما حال سائر الناس فقد أمسوا لا هم مسلمون ولا هم نصارى كما يصفهم النبي محمد ص: (يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه، فإذا رأيته لقيته خيراً من أن تجربه، ولو جربته أظهر لك أحوالاً، دينهم دراهمهم، وهمهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم، يركعون للرغيف، ويسجدون للدرهم، حيارى سكارى، لا مسلمين ولا نصارى)([7]). نعم، هذا هو آخر الزمان، وهذا هو عصر الظهور المقدس للإمام المهدي ع، هذا هو عصر الفتن والانحراف على مختلف الأصعدة ... فقهاء سوءٍ قد مالوا إلى الدنيا والحكام الطواغيت .. وأتباع لهم همج رعاع ينعقون بما لا يفقهون ... وقوى وتيارات معادية للإسلام وأهله... ! وفي خضم هذا البحر الهائج .. تظهر راية الحق الممهدة للإمام المهدي ع، راية اليماني الموعود، التي تقف نداً قوياً ثابتاً لفقهاء السوء وللطواغيت، بلا مداهنة ولا مساومة، في قلة مستضعفة، تمخضت بهم الأرض فأولدتهم في آخر الزمان. ولذلك نجد الإمام الصادق ع يبين لنا موقف الناس تجاه هذه الراية، بقوله: (إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب...) ([8]). وراية الحق في عصر الظهور هي راية اليماني الموعود (أهدى الرايات)، كما سيأتي تفصيل ذلك، وسنعرف أن امتحان الأمة الأول والأصعب سيكون مع اليماني الموعود قبل قيام الإمام المهدي ع. هذه الراية التي أرَّقت فقهاء آخر الزمان وأقضَّت مضاجعهم ونغصَّت عليهم سباتهم وترفهم، فهرعوا إلى محاولة تأويل روايات أهل البيت ص التي تذكر اليماني، ليقنعوا الناس بأن اليماني الموعود ليس بواجب الطاعة ولعله لا يظهر الآن، وعلى فرض ظهوره فلابد أن يأتي أولاً ويقبل أعتاب فقهاء آخر الزمان، ويقرهم على مراكزهم وجاههم، أو يكون تابعاً لهم وخاضعاً لإرادتهم، وإلا فلا يرى إلا الاستهزاء والحرب والتشريد؛ لأنهم زعماء القوم، وبمجرد أن يتفوهوا بكلمة ترددها الناس بلا شعور كالببغاوات ! وقد جنَّد فقهاء آخر الزمان أقلاماً مأجورة لتُنَظِّر للناس كيفية قيام الإمام المهدي ع، وظهور الممهد له، فإن قال أحدٌ بخلاف تنظيرهم فعلى الناس أن ترجمه بالحجارة وتتبرأ منه ! وطبعاً هذا التنظير محدد بإطار حفظ هيبة المرجعية العليا وضمان رئاستها، وبيان أنها الطريق الوحيد إلى معرفة الإمام المهدي ع، فأمست تلك الأقلام النخرة كحاطب ليل لا يدري أين يضع فأسه ! ومن أجل هذا وغيره، عزمت على التعرض لدراسة مفصلة حسب الإمكان حول الروايات التي تتحدث عن عصر الظهور، والراية الممهدة للإمام المهدي ع، وتكليف الناس تجاهها، وإيضاح السبل إلى معرفة تلك الراية المقدسة، فقد وجدت حتى من تعرض لبيان هذا الموضوع بنية حسنة قد قصر نظره على روايات معينة، وترك البقية، أو إنه لم يوفق إلى التوفيق بين الروايات واقتناص النتيجة منها ولو بصورة جزئية. فتجدهم عندما يتناولون موضوع اليماني الموعود يقتصرون على الروايات التي صرحت باسمه فقط، ويغفلون عن سائر الروايات التي ترتبط بروايات اليماني وبشخصيته ارتباطاً وثيقاً، حيث نجد روايات كثيرة تتكلم عن أشخاص أو رايات ممدوحة بمدائح جليلة، بحيث لا يمكن أن تكون بمعزل عن شخصية اليماني الموعود، وخصوصاً إذا لاحظنا أن راية الحق والهدى والمأمور بنصرتها هي راية واحدة لا أكثر، وبقية الشخصيات أو الرايات إما أن تكون منطوية تحت راية الحق والهدى، وإما أن تكون ضالة وشاذة. ومسألة أن راية الحق والهدى في عصر الظهور واحدة لا غير، مستفاد من روايات كثيرة، وبهذا القيد نستطيع أن نحكم روايات كثيرة تحدثت عن رايات عصر الظهور بشكل رمزي أو مموَّه، فلا يمكن لكاتب في موضوع ما أن ينظر إليه من جانب واحد ويترك بقية الجوانب التي بدونها لا يمكن معرفة تمام معالم وحدود ذلك الموضوع، بل قد يصل إلى صورة مشوهة عن الموضوع المبحوث عنه. فمثلاً عندما نقرأ القرآن الكريم لا يمكن أن نقتصر في فهم مسألة معينة على آية واحدة أو آيات، بل لابد أن ننظر إلى كل الآيات التي تتحدث عن تلك المسألة المعينة. فنحن مثلاً لا يمكن أن ننظر إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ...﴾([9]). فنحكم أن لله يداً كالأيدي، وإن لها ظرف مكان (فوق أيديهم)، بل لابد مثلاً أن ننظر إلى قوله تعالى: ﴿... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾([10]). وقوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾([11]). وهكذا في مسائل كثيرة. وأنا - وأعوذ بالله من الأنا - في هذه الدراسة لا أدَّعي إني قد وقفت على كل تفاصيل شخصية اليماني الموعود، أو إني أصبت عين الحقيقة في كل ما سأكتب، فإن هذا بحر عباب، وسر إلهي مكنون، قد أحكمه أهله أشد الإحكام؛ لحكم وغايات تقصر عن إدراكها العقول. وإنما أقول: بأني قد بذلت جهدي في تتبع الروايات ومقارنة بعضها بالبعض الآخر، بما وفقني إليه الله (، فكل صواب هو من توفيق الله تعالى، وكل خطأ هو من قصوري وتقصيري لا محالة. ولكن الذي أجزم به أن القارئ اللبيب عندما يتأمل في هذا البحث سيقف على خطأ كثير من الباحثين الذين خبطوا خبط عشواء، وسيجد أن هناك كثيراً من الأسرار والمفاتيح التي بثَّها أهل البيت ص في رواياتهم، وأن من الخطأ الفادح أن نقولب روايات أهل البيت ص في منظار ضيق ونتعامل معها بعين الهوى والمصالح والمنافع. فسنعرف إن شاء الله في هذه الدراسة جوانب كثيرة عن شخصية اليماني الموعود، وخفايا كثيرة عن عصر الظهور المقدس ومراحله وتداعياته، فإن هذا من الأهمية بمكان؛ لأنه يتعلق بمصير جميع البشر الدنيوي والأخروي، وتتعلق به السعادة والشقاوة في الدارين. والذي أرجوه من القارئ الكريم أن يترك الهوى والتعصب الأعمى، ويتجرد عن العوائق المعرفية، عسى أن تتضح له الصورة بجلاء، ويمسك بطرف الخيط الذي يوصله إلى الصراط المستقيم، حيث النجاة من فتن آخر الزمان والفوز برضا الرحمن ونصرة إمام الإنس والجان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء). ولا أخفي عليكم بأني سأتعرض في هذه الدراسة لعقبات كثيرة، لا يمكن تجاوزها إلا على نحو طرح الاحتمالات، لكي لا نكون من القائلين بلا علم، ومراعاة للتدرج مع القارئ الكريم، لكي تتضح عنده الصورة بلا تشويش. وأكيد قد فاتني الكثير من الروايات والحقائق، لقصر باعي وقلة بضاعتي، ولأني كتبت هذا البحث على عجلة وضيق من الوقت، والأمل في الإخوة المؤمنين أن يتموا ذلك، ويتكرموا عليّ بملاحظاتهم، أو أن يعملوا أبحاثاً بهذا الصدد، لينيروا الطريق لسالكيه، ويرموا بسهم بين يدي القائم ع. وأكثر شيء تحريته في هذه الدراسة هو أن أشد انتباه طلاب الحقيقة والحق إلى أمور مهمة جداً، عسى أن يفكوا قيود التقليد والتعصب، وأن يتجهوا إلى دراسة الحقائق بعين التجرد والإنصاف والمسؤولية، فالطريق شائك، والحساب عسير، والناقد بصير، لا تخفى عليه خافية في السموات والأرض. وإن لم يُرِد القارئ الاقتناع بطرح معين، فلا أقل أن يكون محتملاً عنده، فلا ينكره ويعتقد بخلافه، فيهلك نفسه من حيث يعلم أو لا يعلم، فقد روي عن أمير المؤمنين ع: (... فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإن أكثر الحق فيما تنكرون...) ([12]). (أيها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة من يسلكه، إن الناس اجتمعوا على مائدة قليل شبعها، كثير جوعها، والله المستعان) ([13]). وعن الإمام الصادق ع: (فإذا حدثناكم بحديث فجاء على ما حدثناكم به، فقولوا: صدق الله، وإذا حدثناكم بحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به، فقولوا: صدق الله، تؤجروا مرتين) ([14]). (فإذا قلنا في الرجل منا شيئاً وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك) ([15]). (إن حدثناك بأمر أنه يجيء من ها هنا فجاء من ها هنا فإن الله يصنع ما يشاء، وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غداً بخلافه فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت) ([16]). فليحذر كل من يريد النجاة من مكر الله تعالى واختباره، قال الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾([17])؛ لأن الإمام المهدي ع سيظهر بأمر جديد شديد لا يقر به إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، كما روي عن الإمام: (إذا قام القائم ع جاء بأمر غير الذي كان) ([18]). (إذا قام القائم ع دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً؛ لأنه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه، وسمي بالقائم؛ لقيامه بالحق) ([19]). وعن مالك الجهني، قال: (قال: قلت لأبي جعفر ع: إنا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس. فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) ([20]). وبعد ذلك أنَّى للمتخرصين المتشدقين أن ينصبوا أنفسهم منظرّين لكيفية ظهور وقيام القائم من آل محمد ص، كأنهم قد اتخذوا عند الرحمن عهداً، أو كأن الله قد فرغ من الأمر وفوّضه إليهم. قال الله تعالى: ﴿أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾([21]). والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً. * * * عن الرسول ص: (إن خير الرجال أهل اليمن، والإيمان يمان، وأنا يماني) ([22]). عن الإمام الباقر ع: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم...) ([23]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني؛ لأنه يدعو إلى الحق) ([24]). الأوصاف الواردة عن اليماني في روايات أهل البيت ص أوصاف جليلة وعظيمة لا يمكن أن تتوفر إلا في حجج الله تعالى والمعصومين ص، ومن خلال روايات أهل البيت ص يتبين أن امتحان الأمة الأول هو باليماني وقبل قيام الإمام المهدي ع، وإنه قسيم النار والجنة في عصر الظهور، وإن عَجِبتَ فيزول عَجَبُك عندما تسمع الإمام الباقر يصف الملتوي عليه بأنه من أهل النار، أي حتى لو كان مقراً - بلسانه - بجميع الأئمة ص يكون من أهل النار إن التوى على اليماني. وهذا الامتحان والخروج عن الولاية واستحقاق النار قبل قيام الإمام المهدي ع قد حذَّر منه الأئمة ص: عن الإمام الصادق ع في تفسير بعض الآيات القرآنية، قال: (وقوله: ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ يعني بذلك الشيعة وضعفاءها ... إلى قوله: وقوله: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ.. لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾([25])، قال: اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه، ومن شاء تأخر عنه...)([26]). فمن تقدم إلى قبول الحق تأخر عن سقر، ومن تأخر عن قبول الحق تقدم إلى سقر. إذن، فالالتواء على اليماني ومعاداته يُخرج الناس عن الولاية ويوردهم سقر - والعياذ بالله -، وسيتبين أن اليماني هو واعية أهل البيت ص في عصر الظهور ومن سمعه ولم ينصره أكبه الله في النار على وجهه، كما قال الإمام الحسين ع: (... فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا، كبه الله على وجهه في نار جهنم) ([27]). والواعية هي الدعوة، والكلام في هذا الموضوع طويل أتركه إلى محله. ولنسلط الضوء الآن على صفات اليماني الموعود التي وردت في كلام الباقر والصادق (عليهما السلام): 1- (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني): فهو أهدى الرايات في عصر الظهور، وهذا يعني أنه الممهد الرئيسي لقيام الإمام المهدي ع، وكل راية أو دعوة تعارضه فهي باطل وانحراف، ولا يمكن أن يُقرَن به أحد مهما كان. قال الله تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾([28]). وقال الله تعالى: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾([29]). ومن هذا نعرف أن في عصر الظهور المقدس هناك راية هي أهدى الرايات، ومأمور بنصرتها ومنهي عن مخالفتها، وتدعو إلى الإمام المهدي ع، وتدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فهي راية محمد وآل محمد ص؛ لأنها نفس أوصافها. وعندما نخوض في دراسة موضوع الرايات في عصر الظهور يطول بنا الكلام كثيراً، وسأحاول اختصاره قدر الإمكان، ولذلك أرجو من القارئ الكريم أن يتابع معي وبدقة إلى النهاية؛ لأنه سيتضح أن أهل البيت ص قد بيَّنوا الأمر بصورة جلية ولكن بمناسبات وعبارات مختلفة. عن أمير المؤمنينع في حديث طويل: (... لنا راية، من استضل بها كنته، ومن سبق إليها فاز، ومن تخلف عنها هلك، ومن فارقها هوى، ومن تمسك بها نجا...) ([30]). وهذا أيضاً وصف الراية الموروثة من رسول الله ص: عن أمير المؤمنين ع: (... ونشهد أن لا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدى أميناً ومضى رشيداً، وخلف فينا راية الحق، من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق، ومن لزمها لحق دليلها، مكيث الكلام، بطئ القيام، سريع إذا قام...) ([31]). بل نجد راية اليماني الموعود مشابهة لدين محمد ص وآله ص، كما في الرواية الآتية: عن محمد بن سنان، قال: (كنت عند أبي جعفر الثاني ع فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد، إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون، ويحرمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى. ثم قال: يا محمد، هذه الديانة التي من تتدينها مرق، ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد) ([32]). وهذا الوصف وُصِف به باب آل محمد ص والذي يكون عند التمييز - عصر الظهور - كما في قول أمير المؤمنين ع لبعض شيعته وقد ذكر تغلب أهل الباطل: (يا معشر شيعتنا، صلوا معهم الجمعات، وأدوا إليهم الأمانات، فإذا جاء التمييز قامت الحرب على ساق، فمعنا أهل البيت باب من أبواب الجنة، من اتبعه كان محسناً، ومن تخلف عنه كان ممحقاً، ومن لحق به لحق بالحق. ألا إن الدين [بنا] فتح وبنا يختم، ولو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لولاه الله تعالى رجلاً منا يملاها عدلاً كما ملئت جوراً) ([33]). ولاحظ هنا أن أمير المؤمنين ع يشير إلى زمن قيام الإمام المهدي ع والحروب والفتن التي تسبقه، فتأمل في قوله ع عن هذا الباب: (ومن لحق به لحق بالحق)، وقارنه مع وصف اليماني في كلام الإمام الباقر ع: (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، و (هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم)، والحر تكفيه الإشارة. فإن قلت: من أين لك إثبات أن راية اليماني هي راية أهل البيت ص؟ أقول: ثبت من خلال ما تقدم أن راية اليماني راية هدى بل أهدى الرايات، وهي راية حق وتدعو إلى الحق وإلى الإمام المهدي ع، وممدوحة بمدائح عظيمة. وعندما نأتي إلى روايات أهل البيت ص نجدها تحذر بلهجة شديدة عن اتباع أي راية قبل قيام القائم ع وفي عصر الظهور، إلا راية واحدة، وصفت بعدة أوصاف وبألفاظ مختلفة، فتارة نجدهم يعبرون عنها بأنها حسينية، وتارة بأن مع صاحبها عهد رسول الله ص، وتارة بأنها مشرقية، وتارة بأنها سوداء، وتارة بأن صاحبها خامل أصله، وتارة بأنها راية آل محمد وعلي ص، وتارة بأنها يسوقها رجل من آل محمد ص... الخ. وبما أن الحق واحد لا يتعدد، فلابد أن تكون هذه الراية الممدوحة من بين الرايات والمأمور باتباعها هي راية اليماني الموعود - أهدى الرايات -، إذن فهي راية أهل البيت ع لا غير، ولنتصفح الروايات الآتية لنقف على الحقيقة بشكل أوضح: عن الباقر ع، قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد ص، فأن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك...) ([34]). وفي الرواية السابقة لو قلنا بأن هذه الراية غير راية اليماني الموعود للزم أن تكون راية اليماني من ضمن الرايات الشاذة والمنهي عن اتباعها؛ لأن الرواية لم تستثنِ غير راية واحدة حسينية، ومن المعلوم أن راية اليماني الموعود موصوفة بأنها أهدى الرايات وتدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم ومأمور بنصرتها، إذن فهي الراية الحسينية وهي راية آل محمد ع. ومما تقدم نعرف أن اليماني سيد حسيني ومن آل محمد ومعه عهد رسول الله ص. عن أبي جعفر ع أنه سُئل عن الفرج متى يكون، فقال: (إن الله ( يقول: ﴿فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾([35])، ثم قال: يرفع لآل جعفر بن أبي طالب راية ضلال، ثم يرفع آل عباس راية أضل منها وأشر، ثم يرفع لآل الحسن بن علي ع رايات وليس بشيء، ثم يرفع لولد الحسين ع راية فيها الأمر) ([36]). وهذه الرواية أيضاً تؤكد على أن الراية الحقة الوحيدة قبل قيام الإمام المهدي ع هي راية حسينية وفيها الأمر أي الفرج وقيام الإمام المهدي ع وإنشاء دولة العدل الإلهي الموعودة. وقوله: (فيها الأمر) له علاقة بوصف اليماني (لأنه يدعو إلى صاحبكم)، أي إلى الإمام المهدي ع، ويمهد له قيامه المقدس. عن أمير المؤمنين ع في حديث طويل: (... وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد، تظهر بالمشرق، وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها بشهر حتى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم. فبينما هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان...) ([37]). وفي هذه الرواية عدة نقاط: أ- بعد أن أسسنا نقطة هامة جداً، وهي أن راية الهدى والحق في عصر الظهور واحدة وهي راية اليماني الموعود، يتبين أن هذه الراية أو الرايات التي في الرواية السابقة هي رايات اليماني الموعود؛ لأنها موصوفة بصفات جليلة وعظيمة، وقد تقدم أن كل الرايات في عصر الظهور مذمومة إلا راية واحدة: (... فأن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه...). ب- قوله ع: (وتقبل رايات من شرقي الأرض): نعرف منه أن هذه الرايات مشرقية ولا علاقة لها باليمن أو غيره، وجهة المشرق هنا هي العراق وإيران، إذن فحركة اليماني مشرقية مرددة بين العراق وإيران أو إن عصبة أنصارها منهما. ج- قوله ع: (غير معلمة، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير): الرايات المعلمة الظاهر هي الرايات الملونة أو المرسوم على حافاتها رموز أو كتابة معينة، ومع مقارنة ذلك مع روايات أخرى يتبين أنها رايات سود لا يشوبها لون غير السواد، ولعل لها معنى باطنياً آخر؛ وهو كونها هدى خالصاً لا يشوبه باطل، أي كوصف راية اليماني (أهدى الرايات.. يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم..). وأما وصفها بأنها ليست من قطن ولا كتان ولا حرير، فلعل معناه أنها هي الراية الغالبة التي يتوارثها الأئمة ص كابر عن كابر، أو أنها منها ومنطوية تحتها هدفاً ومنهجاً ... الخ. ويتضح هذا الأمر أكثر عندما نسمع وصف الراية المغلبة، وأنها ليست من قطن ولا كتان ولا حرير، في الرواية الآتية: عن أبي بصير، قال: (قال أبو عبد الله ع: لا يخرج القائم ع حتى يكون تكملة الحلقة. قلت: وكم تكملة الحلقة ؟ قال: عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها، وهي راية رسول الله ص نزل بها جبرئيل يوم بدر. ثم قال: يا أبا محمد، ما هي والله قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير. قلت: فمن أي شيء هي ؟ قال: من ورق الجنة، نشرها رسول الله ص يوم بدر، ثم لفها ودفعها إلى علي ع، فلم تزل عند علي ع حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين ع ففتح الله عليه، ثم لفها وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم ع، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً، ثم قال: يا أبا محمد، إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق...) ([38]). ويؤيد هذا الأمر أكثر ما تقدم من أن راية اليماني الموعود هي راية آل محمد وعلي ص. د- قوله ع: (مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر): السيد الأكبر هو الرسول محمد ص، لا كما حاول الكوراني تحريفها، عندما قال: بأنه قد يكون السيد الخميني (رحمه الله)، فقد جاء في دعاء الندبة: (وصل على محمد جده رسولك السيد الأكبر...) ([39]). وأيضاً روى المفضل بن عمر في حديث طويل، عن الإمام الصادق ع في القائم ع والرجعة: (... هيهات يا مفضل، والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله ص والصديق الأكبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة ص وكل من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً...) ([40]). وهذا إن لم يعني أنها نفس راية رسول الله ص المغلبة، فهي منها أي من يمثلها ويحكي عنها. وأما مسألة خاتم رسول الله ص، فالمستفاد من الراويات أن له ص أكثر من خاتم، ولكن الأرجح - إن حملناه على المعنى المادي - هو الخاتم الذي أعطاه الرسول ص لعلي ع قبل وفاته: عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله ع، قال: (لما حضرت رسول الله ص الوفاة.... قال - أي الإمام علي ع -: فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من أصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي، قال: فنظرت الخاتم حين وضعته في إصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم...) ([41]). وقد احتج أمير المؤمنين ع على القوم بوراثته لهذا الخاتم: عن أبي جعفر ع، قال: قال أمير المؤمنين ع حين قتل عمر ناشدهم، قال: (نشدتكم الله هل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله ورايته وخاتمه غيري ؟ قالوا: لا) ([42]). والظاهر أن هذا الخاتم هو خاتم سليمان ع الذي كان يفتخر به أمير المؤمنين ع: عن أبي جعفر ع، قال: (خرج أمير المؤمنين ع ذات ليلة بعد عتمة وهو يقول: همهمة همهمة، وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام، عليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى عليهما السلام) ([43]). وخاتم سليمان كان عند الإمام الجواد ع أيضاً: عن الحسين بن موسى بن جعفر، قال: (رأيت في يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام)، خاتم فضة ناحل، فقلت: مثلك يلبس مثل هذا ! قال ع: "هذا خاتم سليمان بن داود (عليهما السلام)") ([44]). وقد يكون هو نفسه الخاتم ذو الفص الأسود الذي أخرجه الإمام الصادق ع ([45]) لعبد الله بن سنان: عن عبد الله بن سنان، قال: (ذكرنا خاتم رسول الله ص، فقال: تحب أن أريكه؟ فقلت: نعم، فدعا بحق مختوم ففتحه وأخرجه في قطنة، فإذا حلقة فضة وفيه فص أسود عليه مكتوب سطران "محمد رسول الله ص"، قال: ثم قال: إن فص النبي ص أسود) ([46]). وقد روي عن الإمام علي ع أن خاتم سليمان عند دابة الأرض التي تخرج في آخر الزمان: (... وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال: خروج دابة (من) الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى ص، يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقاً، ويضعه على وجه كل كافر فينكتب هذا كافر حقاً...) ([47]). وأيضاً روي أن خاتم سليمان يكون مع القائم ع: عن الريان بن الصلت، قال: (قلت للرضا ع: أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالذي أملاها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهما السلام). ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) ([48]). وقد قيل أن خاتم سليمان سداسي الشكل، كما جاء في هامش بحار الأنوار ج92 هامش ص 28، رقم2: (قيل: وصورة خاتم سليمان أن ترسم مثلثين متواردين، بحيث يحصل من ذلك كوكبة لها ستة زوايا هكذا (أي نجمة سداسية) ([49])، وقيل يرسم ثلاث مثلثات متواردات). وأيضاً جاء ذلك في هامش مكارم الأخلاق للطبرسي هامش ص402، رقم1: (صورة خاتم سليمان ع في الكتب المشهورة هكذا: وفي بعضها كذا: وفي بعضها كذا:). وذكر أن أحد الأشكال هو النجمة السداسية. وقد وردت النجمة السداسية في بعض أحراز الأئمة ص، وهي نجمة نبي الله داود ع، ولها أسرار عظيمة، والثابت أن مواريث الأنبياء كلها عند الرسول محمد ص وقد ورثها منه أمير المؤمنين ع وهكذا الأوصياء من بعده إلى القائم ع، وقد دلت الروايات السابقة على أن خاتم سليمان ع عند الأئمة ص وهم يتفاخرون به ويعظمونه أشد التعظيم ([50]). وعلى أي حال فالراجح إن لم يكن أكيداً أن المقصود من خاتم الرسول ص هو خاتم نبي الله سليمان ع وهو سداسي الشكل، وإذا غضضنا النظر عن ذلك، فالمتحصل لدينا أن هذه الرايات المشرقية هي رايات آل محمد ص ومختومة بخاتم رسول الله ص أي إنها منه وله وإليه وليست برايات ضلال. هـ- قوله ع: (يسوقها رجل من آل محمد تظهر بالمشرق): هنا تأكيد آخر على أن هذه الرايات تظهر بالمشرق، وقوله بأنها يسوقها رجل من آل محمد ص أي يقودها، سواء كانت قيادة فكرية وعقائدية أو قيادة مباشرة بأن يكون معها في نفس المسير، ومن هذا نعرف أن هذه الرايات يقودها رجل من آل محمد أي إنه صاحب راية آل محمد وعلي (عليهما السلام) كما في رواية الإمام الباقر ع، وهي أيضاً راية حسينية كما ثبت أيضاً فيما تقدم، إذن فلا يكون لها مصداق غير راية اليماني؛ لأنه لا توجد أكثر من راية ممدوحة هكذا غير راية اليماني الموعود، وبذلك يتضح أن اليماني رجل من آل محمد ومعه عهد رسول الله ص - وصيته - أي إنه وصي من الأوصياء. و- قوله ع: (وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر): ربما الريح هنا كناية عن العلم والهداية وحسن السيرة، أي إن هذه الرايات تظهر بالمشرق ويبلغ هداها واستقامة منهجها إلى المغرب، وتوجد هناك من يعرف ريحها ويحمله ويتعطر به. والله العالم. ز- قوله ع: (يسير الرعب أمامها بشهر حتى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم): ومسألة مسيرة الرعب أمامها شهراً هي من صفات راية رسول الله ص التي جاء بها جبرائيل ع من الجنة والتي هي راية الإمام المهدي ع كما سبق في رواية الإمام: (... فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً...). وهذا يؤكد أكثر على أن هذه الراية هي راية الإمام المهدي ع أو إنها راية اليماني الموعود التي هي أهدى الرايات، والمأمور باتباعها، المنهي عن اتباع غيرها. ح- قوله ع: (فبينما هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان...): الظاهر أن المقصود من خيل اليماني هنا ليس راية اليماني ولا جيشه الملتصق به منذ البداية؛ لأن تكملة الرواية تبين أن هؤلاء - خيل اليماني - يظهرون الندم والتوبة عن تأخرهم وجلوسهم، وهذا هو قولهم كما جاء في تكملة الرواية: (فيقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا اللهم فإنا التائبون، وهم الأبدال الذين وصفهم الله في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾([51])). وقد يكون هؤلاء من أتباع اليماني والخراساني وقد تأخروا عن النصرة أو عرض لهم أمر ما سبب تأخرهم ولذلك نرى حسرتهم وندامتهم.. فالرواية عبَّرت عنهم بـ (خيل اليماني) وليس اليماني نفسه. وسيأتي إن شاء الله في الحلقات القادمة مبحث تعدد اليماني بمعنى أن أصحاب وأنصار وقادة اليماني الموعود كلهم يمانية نسبة إلى قائدهم، أي إن كل واحد منهم يوصف بـ (اليماني)، كما أن قادة وأتباع السفياني كل واحد منهم يسمى سفياني نسبة إلى قائدهم السفياني الأصل. وعلى هذا فقد يكون (خيل اليماني) هي خيل أحد قادة اليماني وأتباعه، وقد تأخروا أو حال بينهم وبين اللحوق حائل ما ... والله العالم. ولا ننسى الأصل الأصيل الذي تقدم بيانه وهو أن راية اليماني هي أهدى الرايات، وهي راية آل محمد ص ولا توجد راية غيرها مأمور بطاعتها... الخ. ولنأتي الآن إلى سماع رواية أخرى عن راية آل محمد في عصر الظهور المقدس. عن أمير المؤمنين ع، قال على منبر الكوفة: (لابد من وجود رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله، يكون النصر معه، أصحابه الطويلة شعورهم، أصحاب السبال، سود ثيابهم، أصحاب رايات سود، ويل لمن ناواهم، يقتلونهم هرجاً، والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم وما يلقى الفجّار منهم والأعراب الجفاة يسلطهم الله عليهم بلا رحمة، فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد) ([52]). وأيضاً في الرواية أعلاه عدة نقاط لابد من بيانها: أ- قوله ع: (لابد من وجود رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها...): نجد هذا الوصف للفتن ورحى الحرب: (قامت على قطبها وثبتت على ساقها) في غير هذه الرواية من كلام أهل البيت ص، ونجدهم يصرِّحون أو يشيرون بأنه حينئذ يكون الفرج برجل من آل محمد ص، بل ويشيرون إلى راية آل محمد في عصر الظهور المقدس. عن أمير المؤمنين ع في خطبة طويلة: (.... أما بعد، فإنه لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها. ألا وإن لطحنها روقاً، وإن روقها حدها وعلى الله فلها. ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً، معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق، ومن خذلها محق، ومن لزمها لحق. إنا أهل بيت من علم الله علمنا، ومن حكم الله الصادق قيلنا، ومن قول الصادق سمعنا. فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا، وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء. نحن أفق الإسلام، بنا يلحق المبطئ، وإلينا يرجع التائب) ([53]). فنجد أمير المؤمنين ع يخبر عن رحى الضلالة والحرب، ثم يخبر عن راية الحق والهدى التي من لزمها لحق ومن خذلها محق، وكأنه يقول عند ذلك فعليكم باتباع رايتنا المعصومة المنجية من تلك الفتنة، وقد عرفنا أن راية آل محمد وعلي (عليهما السلام) في آخر الزمان هي راية اليماني الموعود، وهي متصفة بنفس الصفات التي ذكرها أمير المؤمنين ع: (راية الحق والهدى، من سبقها مرق، ومن خذلها محق، ومن لزمها لحق). وكذلك نجد أمير المؤمنين ع يتكلم عن نفس الرحى الطاحنة، وخصوصاً إذا قارنا بين الروايتين: (لابد من وجود رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها...). (لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها). ثم نجد الإمام علي ع بعد ذلك يطلب النصرة والاتباع لهذه الراية المهدية، ويحذر عن خذلانها بالعذاب: (فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا، وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء). وأيضاً قارن ذلك بوصف الباقر ع لليماني الموعود بوجوب نصرته وأن المتخلف عنه من أهل النار، يتضح لك الحال بأوضح مقال. والآن نأتي إلى قول أمير المؤمنين ع بعد قوله: (لابد من وجود رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها...). ب- قوله ع: (بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله): أي إن بعد قيام الرحى يبعث الله تعالى عليها عبداً عنيفاً، أي يبعثه للحرب والقضاء على قطب رحى الباطل والفساد والإفساد، ووصفه بـ (عبداً)، مأخوذ من العبودية والطاعة لله تعالى، أي إن هذا الرجل هو (عبد الله) في عصر الظهور، وطبعاً هذا لا يعني انتفاء هذه الصفة عن غيره مطلقاً، بل يعني انطباقها عليه بأعلى مستوياتها في وقته ومحيطه، كما قال عيسى ع: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً﴾([54])، وكما وصف الله تعالى رسوله محمد ص: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾([55])، وأيضاً كما كان يقول أمير المؤمنين ع مفتخراً: (أنا عبد الله وأخو رسوله) ([56]). ووصفه بـ (عنيفاً) يعني أنه شديد صلب في أمره، مأخوذ من العنف وهو ضد الرفق، وهذا أكيد نظراً إلى مهمة هذا الرجل الذي هو الممهد الرئيسي للإمام المهدي ع، وقد استفاضت الروايات في وصف شدة الإمام المهدي ع وكثرة القتل والتنكيل الذي يوقعه بالظالمين والمنافقين والمنحرفين عند قيامه. وأما وصفه بـ (خاملاً أصله)، فهنا مفردتان لابد من الوقوف على معناهما، وهما: (خاملاً) و (أصله): - خاملاً: مأخوذ من (خمل) أي خفي، فيكون (خاملاً) بمعنى خافياً. قال الزبيدي في تاج العروس: ([خمل]: خمل ذكره وصوته خمولاً: خفي. قال المتنخل: هل تعرف المنزل بالأهيل * كالوشم في المعصم لم يخمل ؟ أراد لم يدرس فيخفى، هو من حد نصر، هكذا صرح به الأزهري وابن سيده والجوهري والصاغاني وابن القطاع وابن القوطية....) ([57]). إذن، فالخمول هنا في هذا الحديث هو الخفاء وعدم الشهرة بين الناس. - (أصله): وأصل الشجر والنبات هو جذوره وعروقه، وقولهم قلعت الشجرة من أصلها أي من عروقها، وهو يطلق على الإنسان ويراد منه نسبه من الآباء والأجداد. قال ابن منظور في لسان العرب: (... أنشد ثعلب: ورب حسيب الأصل غير حسيب أي له آباء يفعلون الخير ولا يفعله هو...) ([58]). وهذا هو المتعارف بين الناس والمتبادر عندما يقال (أصل فلان) أي نسبه، والنسب هو الانتساب إلى الآباء .. والحسب هو مفاخر الآباء ومناقبهم، أو مفاخر الرجل نفسه، وقد يطلق أيضاً على المال.. الخ. فيكون معنى (خاملاً أصله) أي خافياً نسبه، ومنه يتضح أن صاحب راية آل محمد وأهدى الرايات في عصر الظهور يوجد أمر خفي في نسبه، وهذه الإشارة من أهل البيت ص ليست اعتباطية - وحاشاهم من الاعتباط - فلهم في كل إشارة غاية أو غايات، وسيأتي بيان كيفية خفاء نسب اليماني وخموله في الحلقات القادمة إن شاء الله فانتظر. وقوله: (بعث الله عليهم عبداً...) أي إن هذا الرجل مبعوث من الله بمعنى أنه من جند الله تعالى، لا بمعنى أنه سلطه عليهم كما يُسلط الظالم على الظالم.. ويعرف هذا من بقية فقرات الرواية وسائر الروايات أيضاً، حيث نعرف أنه الممهد للإمام المهدي ع وصاحب راية آل محمد ص، وهذا البعث والإرسال جاء في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾([59]). وتعال معي أيها القارئ لنقارن بين ألفاظ الآية والرواية: بعثنا = بعث الله. عباداً لنا "عباد الله" = عبداً "عبد الله". أولي بأس شديد = عنيفاً... يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجاً. وكما هو معلوم أنه يمكن التعبير عن المفرد بالجمع للتعظيم أو ما شابه، وكذلك يمكن أن يعبر عن المجموع ويراد زعيمهم وقائدهم، وأيضاً قد يعبر عن الزعيم ويراد الأعم منه ومن قومه. ولنسمع ما جاء عن أهل البيت ص في تأويل هذه الآية المباركة: عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى: (﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ قال: قتل علي بن أبي طالب ع وطعن الحسن ع، ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ قال: قتل الحسين ع، ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ فإذا جاء نصر دم الحسين ع ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ﴾ قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ع فلا يدعون وترا لآل محمد إلا قتلوه، ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾([60]) خروج القائم ع...) ([61]). تفسير العياشي: عن حمران، عن أبي جعفر ع، قال: (كان يقرأ ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾، ثم قال: وهو القائم وأصحابه أولى بأس شديد) ([62]). وأترك التعليق على هاتين الروايتين؛ لأن فيهما كلام طويل ربما يأتي في مستقبل هذه الدراسة إن شاء الله تعالى. ج- قوله ع: (يكون النصر معه): والنصر هنا على الفاسقين والمنحرفين من بني العباس وأتباعهم وبني أمية وأشباههم أي كل عدو لآل محمد ص، وهذا النصر هو نصر وفتح للقائم ع. قال تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾([63]). قال علي بن إبراهيم القمي: (﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ يعني في الدنيا بفتح القائم...) ([64]). د- قوله ع: (أصحابه الطويلة شعورهم أصحاب السبال): قد تكون الشعور هنا كناية عن الأفكار والعلم، أي إن علم هؤلاء المؤمنين المجاهدين وافر وكثير. وأما (أصحاب السبال)، فقد يراد منه وصف للشعر بأنه سبل أو سبط أي ليس بجعد، وهذا أيضاً قد يكون على الظاهر، وقد يكون أيضاً كناية عن سهولة أفكارهم بمعنى عدم تشوشها واضطرابها واعوجاجها. وقد يكون السبال جمع سبلة وهي بمعان عديدة، منها سبلة الشارب وتثنى سبالان، وهما طرفا الشارب النازلان على اللحية، وقيل هي اللحية، وقيل إنها مقدمة اللحية خاصة ([65]).. وقد تعني أن هؤلاء أصحاب شجاعة ورجولة في ذات الله ودينه، أي أن شجاعتهم مقيدة بقيود الدين والأخلاق؛ لأن الشارب يرمز للرجولة واللحية ترمز للدين .. والله العالم. هـ- قوله ع: (سود ثيابهم، أصحاب رايات سود): بعد بيان أن راية الحق في عصر الظهور هي واحدة، وأنها راية اليماني الموعود، وأنه حسيني النسب، وأنه وصي... فهنا يضاف شيء آخر، وهو أنه صاحب الرايات السود كما تدل عليه روايات أخرى، وكذلك أن أتباعه أصحاب ثياب سود. و- قوله ع: (ويل لمن ناواهم، يقتلونهم هرجاً، والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم وما يلقى الفجّار منهم والأعراب الجفاة يسلطهم الله عليهم بلا رحمة، فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد). وهنا يبين الإمام علي ع شدة هؤلاء الأولياء ضد الفجار والأعراب الجفاة، وأنهم يقتصون من هؤلاء الفاسقين بلا رحمة هرجاً بشاطئ الفرات أي في العراق، ومسألة القتل بلا رحمة هرجاً وصف بها القائم ع أيضاً: عن أبي بصير، قال: (سمعت أبا جعفر الباقر ع يقول: ... ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً مرجاً حتى يرضي الله. قلت: فكيف يعلم رضاء الله ؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة) ([66]). وعن أمير المؤمنين ع في خطبة له: (... فإذا كان ذلك ابتعث الله خير هذه الأمة (أو قال: البرية) فيقتلهم هرجاً هرجاً حتى يرضى الله، وحتى يقول قريش والعرب: والله لو كان هذا من آل محمد لرحمنا. ويتمنون أنهم رأوني ساعة من نهار لأشفع لهم الله. فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ومتى يبلغ رضا الله ؟ قال: يقذف الله في قلبه الرحمة، فيرفع السيف عنهم. فقال له: متى يكون ذلك ؟ قال: إن شاء الله) ([67]). وإلى هنا انتهينا من شرح الرواية السابقة بتوفيق الله تعالى ونشرع برواية أخرى أيضاً لأمير المؤمنين ع وهي تنطبق انطباقاً عجيباً مع سابقتها. عن أمير المؤمنين ع، أنه قال: (ملك بني العباس يسر لا عسر فيه، دولتهم لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه، ولا يزالون في غضارة من ملكهم حتى يشذ عنهم مواليهم وأصحاب ألويتهم، ويسلط الله عليهم علجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا هدها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي، يقول بالحق ويعمل به) ([68]). وهنا أيضاً عدة نقاط: أ- بنو العباس هنا هم بنو العباس في آخر الزمان، وهم آخر دولة في العراق قبل قيام الإمام المهدي ع، والظاهر أن التسمية هنا ليست بسبب النسب، بل بسبب المشابهة في المنهج والحكم، فإن بني العباس ابتدأت دولتهم برايات سود وشعارات الرضا من آل محمد ع، ثم تتبعوا آل محمد وقتلوهم وسجنوهم ومثلوا بهم... الخ، أي إنها دولة مكر وخداع مقنعة ببرقع الدين وهي منه براء. والدليل على أن آخر دولة للباطل في العراق تسمى دولة بني العباس الروايات الآتية: عن الحسن بن الجهم، قال: (قلت للرضا ع: أصلحك الله، إنهم يتحدثون أن السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العباس. فقال: كذبوا إنه ليقوم وإن سلطانهم لقائم) ([69]). وعن علي بن أبي حمزة، قال: (رافقت أبا الحسن موسى بن جعفر ع بين مكة والمدينة، فقال لي يوماً: يا علي، لو أن أهل السماوات والأرض خرجوا على بني العباس لسقيت الأرض دماءهم حتى يخرج السفياني. قلت له: يا سيدي، أمره من المحتوم ؟ قال: نعم. ثم أطرف هنيئة، ثم رفع رأسه، وقال: ملك بني العباس مكر وخداع، يذهب حتى يقال: لم يبق منه شيء، ثم يتجدد حتى يقال: ما مر به شيء) ([70]). وعن أبي جعفر الباقر ع: (لا بد أن يملك بنو العباس، فإذا ملكوا واختلفوا وتشتت أمرهم خرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من ها هنا، وهذا من ها هنا، حتى يكون هلاكهم على أيديهما، أما إنهما لا يبقون منهم أحداً أبداً) ([71]). وعن أبي جعفر الباقر ع: (... لابد لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم، وتشتت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم أحداً. ثم قال ع: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم...) ([72]). وأعتقد أن الروايات لا تحتاج للتفصيل بالمعنى المراد، وسيأتي شرحها من جهات أخرى إن شاء الله تعالى. ب- قوله ع: (ويسلط الله عليهم علجاً): في الرواية التي سبق شرحها قال أمير المؤمنين ع: (بعث الله عليها عبداً عنيفاً...)، هنا قال: (سلط الله عليهم علجاً...) وهما متقاربان كما سيأتي. ومنه ومما سبق نعرف أن رحى الحرب والفتنة التي تدور المقصود أنها في العراق خاصة، وإن كان هذا لا ينفي وجود فتن وحروب في باقي الدول، ولكن التركيز في هذه الروايات على العراق كما لا يخفى. وقيل في معنى (العلج) عدة معان: (الرجل القوي الضخم..، الجلد الشديد في أمره..، شديد صريع معالج للأمور..، الكافر..، الجافي في الخلقة..، اللئيم) ([73]). وطبعاً لا يمكن حمله على المعاني المذمومة؛ لأنه هو الذي يسلب ملك بني العباس ويسلمه إلى الإمام المهدي ع كما تبين نفس الرواية، بل إن الرواية تشهد على أنه الشديد في الحرب القوي الحازم في أمره والمعالج للأمور الصعاب؛ لأنه موصوف بأنه لا ترفع له راية إلا هدها.. والويل لمن ناواه.. الخ. وقد ذكر هذا المعنى ابن منظور في لسان العرب ضمن معاني مادة (علج): (علج: العِلْج: الرجل الشديد الغليظ، وقيل هو كل ذي لحية، والجمع أعلاج وعلوج ... واستَعْلَج الرجل: خرجت لحيته وغلظ واشتد وعبل بدنه... وكل صلب شديد: عِلْج... والعُلَّج: الشديد من الرجال قتالاً ونطاحاً. ورجل عُلَّج: شديد العلاج. ورجل عَلِج، بكسر اللام، أي شديد. وفي التهذيب: عُلَج وعُلَّج...) ([74]). فيكون لفظ (علج)، أما بفتح العين وكسر اللام هكذا (عَلِج)، وأما بكسر العين وسكون اللام هكذا (عِلْج)، وأما بضم العين وفتح اللام مع التشديد وبدونه هكذا (عُلَج أو عُلَّج). وكذلك الزبيدي في تاج العروس حيث قال: (... وكل صلب شديد: علج. والعلج: "الرغيف"...... وعالجه "أي الشيء،" علاجاً ومعالجة: زاوله "ومارسه....... وفي حديث علي رضي الله عنه" أنه بعث برجلين في وجه وقال: "إنكما علجان فعالجا عن دينكما". العلج: هو الرجل القوي الضخم. وعالجا: أي مارسا العمل الذي ندبتكما إليه واعملا به وزاولاه. وكل شيء زاولته ومارسته فقد عالجته. وعالج المريض معالجة وعلاجاً عاناه و "داواه". والمعالج: المداوي، سواء عالج جريحاً أو عليلاً أو دابة........ وفي اللسان: العلج: الشديد من الرجال قتالاً ونطاحاً) ([75]). ذكرت المعاني اللغوية التي تبين المعنى الحسن، مع أننا في غنى عنها بروايات أهل البيت ع التي بيَّنت أن هذا الرجل هو من آل محمد وأهدى الرايات ومشرقي وحسيني... الخ، ومنها يتضح معنى (علجاً) وهو الشديد في أمره المعالج للأمور الصعاب من الحروب والأهوال، وهو مقارب لمعنى قول أمير المؤمنين ع في الرواية التي سبقت (بعث عليهم عبداً عنيفاً...) أي عنيفاً في الحروب، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يرحم أحداً من أعداء آل محمد ص؛ لأنه العذاب الإلهي المصبوب على الجاحدين والغاصبين والمفسدين، فكيف للمعالج أن يسمح ببقاء الداء والعلة في جسد الدين والأمة الإسلامية، بل إن الرحمة في هكذا مجال لا تسمى رحمة بل هي خيانة وتقصير في أداء التكليف الإلهي وتفريط في النصح لله ولعباده. ج- قوله ع: (يخرج من حيث بدأ ملكهم): وتحديد ذلك يكون بالتدقيق في بداية ملك دولة بني العباس في آخر الزمان، وهذا بحث مؤجل إلى وقته.. إن شاء الله تعالى. د- قوله ع: (لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا هدها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه): وهذا يدل على أن هذا الرجل عند خروجه وقيامه بالسيف في الوقت المعلوم، يكون مؤيداً مظفراً بنصر الله تعالى، وهذا يساوي معنى قول أمير المؤمنين ع في الرواية السابقة: (... بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله يكون النصر معه ... ويل لمن ناواهم...). وعميت عين لا ترى الحقيقة إن بانت كالشمس إذا انزاح عنها السحاب. هـ- قوله ع: (فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي، يقول بالحق، ويعمل به): وهنا نقطتان: الأولى: هي أن هذا الرجل يخرج على بني العباس وينتصر عليهم ويسقيهم كأساً مصبرة وبدون رحمة، وهو نفسه الـ (العبد العنيف خامل الأصل) الذي بيَّن أمير المؤمنين ع أنه يخرج على الظالمين في العراق ويقتلهم هَرْجاً بلا رحمة، وهؤلاء أيضاً هم بنو العباس. وهذا الرجل المنصور المظفر صاحب الفتح يدفع بنصره إلى الإمام المهدي ع أي إنه الممهد للإمام المهدي ع، وقد تبين من خلال الروايات التي ناقشناها وسيتبين أكثر مما سيأتي بأن هذا الممهد هو صاحب راية آل محمد ص وهو حسيني النسب ويخرج من المشرق وهو أهدى الرايات ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم وصاحب دعوة إلى الإمام المهدي ع، ودليل الانحصار به هو الروايات التي تنص على أن كل الرايات في عصر الظهور شاذة إلا راية واحدة، إذن فلابد أن تكون الراية صاحبة الظفر المدفوع للإمام المهدي ع هي راية الهدى والمأمور بنصرتها والمنهي عن الالتواء عليها. الثانية: بعد إثبات أن آخر دولة للباطل في العراق هي دولة بني العباس، فنحن نعلم من خلال الروايات بأن الرايات التي تشارك في استئصالها وهلاكها ثلاث رايات: راية اليماني، وراية الخراساني، وراية السفياني. فلابد أن يكون هذا العبد العنيف أحد هذه الرايات الثلاث، ومن البديهي أن راية السفياني ساقطة رأساً؛ لأنها راية ضلال، فيبقى الترديد بين راية اليماني والخراساني، وبعد الرجوع إلى ما أصلناه سابقاً من أن الراية الممدوحة بمدائح عظيمة هي راية اليماني الموعود وهي راية آل محمد ص وقائدها رجل من آل محمد ص... فتسقط راية الخراساني من الاحتمال، ويكون اليماني هو الرجل العنيف خامل الأصل الذي كون النصر معه والذي يدفع بنصره وظفره إلى الإمام المهدي ع. وراية الخراساني إما أن تكون منطوية تحت راية اليماني وتابعة لها، وإما أن تكون راية ضلال، وإن شاء الله سيأتي تفصيل هذه المسألة في الحلقات القادمة.. فانتظر. وقد وردت روايات وأخبار عن طرق العامة تتكلم عن الذي يؤدي الطاعة للمهدي ع ويقاتل عنه، أتعرض لها باختصار: عن أبي قبيل، عن شفى، عن تبيع، عن كعب، قال: (إذا ملك رجل الشام وآخر مصر فاقتتل الشامي والمصري، وسبى أهل الشام قبائل من مصر، وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قبل صاحب الشام، فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي، قال أبو قبيل: ثم يملك رجل أسمر يملاها عدلاً ثم يسير إلى المهدي، فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه) ([76]). وهذا الخبر ينص على أن الذي يؤدي الطاعة للمهدي ع ويقاتل عنه رجل أسمر يأتي من المشرق صاحب رايات سود صغار وهو معاصر للسفياني الملعون، ونستفيد من هذا الخبر صفة أخرى لصاحب راية الهدى في عصر الظهور وهو أنه اسمر اللون، وأنه يملأ الأرض عدلاً قبل أن يسلمها للإمام المهدي ع. وأما وصف راياته بأنها سود صغار فستأتي أيضاً روايات أو أخبار تنص على ذلك. بقيت مسألة في الخبر السابق لا ينبغي إغفالها، وهي أن الخبر كأنه يوحي بوجود أكثر من مهدي، فهو قال أولاً: (... وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قبل صاحب الشام، فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي)، ثم قال: (قال أبو قبيل: ثم يملك رجل أسمر يملاها عدلاً ثم يسير إلى المهدي، فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه). فإن كان كلام أبي قبيل متفرعاً عن الكلام الأول، فالخبر يدل على أن صاحب الرايات السود الصغار يسلم الأمر لمهدي غير الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع أي يسلمها إلى الرجل الأسمر الذي يملاها عدلاً.. ثم هذا الرجل الأسمر - المهدي - يسلمها إلى المهدي الأصل الحجة ابن الحسن ع ويقاتل عنه. وأما إذا كان كلام أبي قبيل الأخير مستقلاً عن الكلام الأول فهو ظاهر في أن الرجل الأسمر هو صاحب الرايات السود الصغار المشرقية وهو الذي يسلمها إلى الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع.. والله العالم. وسيأتي إن شاء الله أن اليماني أيضاً يسمى مهدي، وأن هذا الاسم أو الصفة ليس مختصاً فقط بالإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع. وعن رسول الله ص أنه ذكر بلاء يلقاه أهل بيته: (حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيولوه أمرهم، فيؤيده الله وينصره) ([77]). وقول الرسول ص عن هذه الراية: (من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله) يعني وجوب نصرتها وحرمة الالتواء عليها، بل كلام الرسول ص يوحي بأنها الراية الوحيدة التي يكون بها النصر والفرج والتمهيد للإمام المهدي ع: (حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء). وإن قلنا بأن هذه الراية غير راية اليماني الموعود يكون التناقض على قدم وساق، بل يكون اليماني مأموراً بنصرة هذه الراية السوداء المشرقية وإلا فهو مخذول وحاشاه، في حين أننا نجد الإمام الباقر ع يصف راية اليماني بأنها أهدى الرايات، وقد تقدم أن بها النصر والفتح وهي التي تدفع بنصرها إلى الإمام المهدي ع، إذن فلا محيص عن القول بأن هذه الراية السوداء المشرقية هي نفسها راية اليماني الموعود أو أنها تابعة له وجزء من ثورته المقدسة، بل إن أوصافها مواطئة لأوصاف راية اليماني ومؤكدة لها. وقد جاءت هذه الرواية بألفاظ أخرى دالة على المطلوب وزيادة بل منها ما ينص على أن في هذه الرايات المهدي ع. وسيأتي تفصيل ذلك في الحلقات القادمة إن شاء الله. عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله ص: (تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يمكثون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق، ويؤدون الطاعة للمهدي) ([78]). نستفيد من هذه الرواية أمراً جديداً في معرفة راية الهدى والحق في عصر الظهور، وهو أنها مسبوقة برايات سوداء أخرى تخرج من المشرق وتمتاز بأنها سود كبار.. ثم بعد ذلك بزمن ليس بالقصير تخرج الرايات السود الصغار التي تحارب السفياني وتؤدي الطاعة للمهدي ع. عن جابر، عن أبي جعفر، قال: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان الكوفة، فإذا ظهر المهدي بمكة بعثت إليه بالبيعة) ([79]). وعن الرسول ص، قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي) ([80]). ورد هذا الحديث بألفاظ متقاربة وهناك أحاديث كثيرة بمعناه، ولابد من نقاش نقطتين فيه: الأولى: إنها تبين أن هناك مهدياً يأتي من المشرق مع الرايات السود بينما الروايات متواترة عن أهل البيت ص تنص على أنه يأتي من مكة، وكذلك روايات كثيرة عن طرق أبناء العامة، وتفصيل الكلام في هذه النقطة موكول إلى محله في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى. الثانية: نجد هذه الرواية وغيرها تنص على أن الراية السوداء المنصورة والمأمور بنصرتها وعدم التخلف عنها تأتي من خراسان، ونجد التأكيد على نصرتها شديداً جداً، فهي إذن لا يمكن بحال أن تكون غير راية اليماني الموعود، ولكن ليس هذا هو السؤال المهم الآن، بل السؤال المهم هو هل أن اليماني خراساني الأصل أي البلد أم لا ؟! والجواب: أكيد كلا.. وهذا بالنظر إلى عموم الروايات، فإننا لا يمكن أن ننظر إلى رواية واحدة أو روايات في مسألة متشابهة، كما سبق التنبيه على ذلك، بل لابد من النظر إلى عموم الروايات ومحاولة إرجاعها إلى أصولها وتقييد وتخصيص وتفسير وإحكام بعضها بالبعض الآخر، وسيأتي إن شاء الله تعالى بأن اليماني الموعود لابد أن يكون من العراق أي أصله وبلده، ومن البصرة بالخصوص، وهذا بحث ليس هنا محله كما قلت. فيبقى احتمالان لتوجيه هذه الروايات: الاحتمال الأول: أن يضطر اليماني الموعود بعد مراحل من دعوته وظروف وأحداث قاهرة إلى الهجرة من العراق هو وبعض أو كل أنصاره إلى إيران، وتجتمع له أنصار هناك ويقوى أمره، ثم عند توجه السفياني نحو العراق يتوجه هو أيضاً ويتسابق معه نحو الكوفة بالتحديد. الاحتمال الثاني: أن تكون هذه الرايات منسوبة لليماني ليس لأن شخص اليماني فيها بالفعل أو قائد لها بالمباشرة، بل آمنت به وبدعوته وأعدت نفسها لنصرته، وعندما يتوجه السفياني نحو الكوفة تخرج هذه الرايات ملبية لأمر اليماني الموعود، والظاهر أن عدد أفرادها سيكون هو الثقل الأكبر من جيش اليماني ولذلك ركزت الروايات عليها، فقد روي أن قوامها (12000) ألفاً، ويؤيد هذا الاحتمال الرواية الآتية التي تصف هذه الرايات بأن فيها نفر من أصحاب القائم ع: عن أبي جعفر ع في حديث طويل: (.... ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان وتطوي المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم...) ([81]). فالظاهر هنا من (أصحاب القائم) ليس الجيش أو مطلق الأنصار، بل إن لهم مزية خاصة من الصحبة، وإلا فهؤلاء الاثنا عشر ألفاً كلهم يصدق عليهم أنهم جيش وأنصار للقائم ع، في حين أنه ع عبر عن هؤلاء الأصحاب بالنفر، وقيل إن النفر هم العشرة فما دون من الرهط أو القرابة أو الخاصة... وإذا كان هؤلاء أصحاباً للقائم ع بمعنى المصاحبة، فالروايات تبين أن الإمام المهدي ع في هذا الوقت لم يقم، فكيف صاحبوه ؟! والجواب محصور بأمرين: الأمر الأول: أن يكون هناك ظهور مبكر للإمام المهدي ع قبل فترة ليست بالقصيرة من خروج السفياني، وهذا الوجه محتمل وخصوصاً إذا لاحظنا بعض الروايات التي تنص على أن هناك اثنا عشر شخصاً يرونه ويكذبهم الناس.. ولكن هذا الوجه ربما سيضعف في مستقبل البحث عندما يتبين تعدد القوام وأن القائم كما يصدق على الإمام المهدي ع كمصداق أعلى، أيضاً يصدق على غيره كاليماني الموعود كمصداق أدنى منه. الأمر الثاني: أن يكون هؤلاء الأصحاب هم أصحاب اليماني الموعود، وهم من خُلَّص أصحابه والمقربين إليه، وقد صحبوه وعايشوه لفترة بحيث يكون لهم هذا التمييز عن غيرهم، وخصوصاً إذا لاحظنا أن تمييزهم جاء في وسط جيش موصوف بالإيمان وبصفات جليلة أخرى. فكما كررت مراراً بأن اليماني الموعود أيضاً قائم بأمر القائم الأصل وهو الحجة ابن الحسن ع، بل سيتضح أن كل أو أكثر الملاحم والحروب ستجري على يد اليماني الموعود وبإشراف وتوجيه الإمام المهدي ع، بل سيتضح في مستقبل هذا البحث أن هناك روايات تكلمت عن القائم أو عن المهدي ع وتقصد اليماني الموعود. فقد يكون هؤلاء أصحاب اليماني الموعود هم من يقود هذه الرايات المشرقية الخراسانية نيابة عن اليماني الموعود، ويكون بقية الجيش قد آمنوا بدعوة اليماني من دون أن يصاحبوه أو من دون أن يروه أصلاً، بل آمنوا من خلال حسن سيرته وقوة حجته واستقامة نهجه وضلال من ناواه وخالفه، فكما يقال (تعرف الأشياء بأضدادها). ولو قارنَّا رواية: (... فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان وتطوي المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم...) مع الرواية التي ناقشناها في الصفحات السابقة وهي: (وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد تظهر بالمشرق، وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها بشهر حتى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم)، لعرفنا أن الروايتين تتكلمان عن نفس الرايات المشرقية، وقد أشرت سابقاً إلى أن معنى (يسوقها رجل من آل محمد)، أي يقودها اليماني الموعود الذي هو من آل محمد ص، وقلت أيضاً بأنه لا يشترط أن يقودها اليماني بصورة مباشرة بحيث يكون فيها ومن ضمنها، بل قد تكون تحت قيادته ورهن إشارته، فالسائق هو القائد المرشد والباعث والمدبر، وفيه دلالة على انقياد هذا الجيش له وإجماعهم عليه، وهذه القيادة كما تصدق بالمباشرة أيضاً تصدق بالنيابة وبامتثال الأمر والنهي غير المباشرين. ويؤكد هذا المعنى أكثر فأكثر الرواية الآتية: عن الإمام الباقر ع: (إن لله كنزاً بالطالقان، ليس بذهب ولا فضة، إثنا عشر ألفاً بخراسان، شعارهم (أحمد أحمد)، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج)([82]). فالرواية هذه تتكلم عن نفس الرايات الخراسانية المشرقية المأمور باتباعها، وتنص الرواية على أن شعارهم (أحمد أحمد)، والشعار هو العلامة، وهي إما أن تكون للجيش ليعرف بها بعضه البعض الآخر ككلمة سر، أو كعلامة يَسِمون بها أنفسهم ليتميزوا عن غيرهم، كأن تكون مكتوبة على الأعلام والرايات أو ما شابه ذلك أو أنه هتافهم عند الحرب. والمعنى الثاني أقرب وأوفق؛ لأن الرواية بصدد التعريف بهذا الجيش والهداية إليه، فهي تذكر صفاته وعلامته ثم تختم بقوله ع: (فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج)، أي إذا سمعتم بهؤلاء القوم الذين يأتون من خراسان والذين شعارهم (أحمد أحمد) ويقودهم شاب من بني هاشم عليه عصابة حمراء، فسارعوا إلى نصرتهم. والجيش الذي يرفع اسماً معيناً كشعار يعرف به، لابد أن يكون لهذا الاسم قدسية خاصة، وعادة ما يكون هو إمام القوم أو قائدهم.. كما هو متعارف في هذا الزمان. وقد تقدم بيان أن أهدى وأفضل وأقدس شخصية في عصر الظهور هي شخصية اليماني الموعود، وهو حامل راية آل محمد ص، وعرفنا أيضاً أن الراية الوحيدة المأمور باتباعها هي راية اليماني الحسيني.. إذن فلابد أن تكون هذه الرايات تابعة إليه ومقتدية به، وشعارها (أحمد أحمد) هو اسم اليماني الموعود، ويتأكد ذلك أكثر إذا عرفنا في مستقبل هذا البحث أن أول أنصار الإمام المهدي ع اسمه أحمد، وإن وصي الإمام المهدي ع أيضاً اسمه أحمد كما جاء في وصية الرسول محمد ص، وقد وصفه الرسول ص بأنه أول المؤمنين، وسيتبين أن لا معنى لذلك إلا أن يكون أول المؤمنين والمصدقين بالإمام المهدي ع في عصر الظهور، وإنه من ذريته وولده، وبه سيتضح معنى الروايات التي تصف حامل وقائد راية آل محمد ص بأنه رجل من آل محمد وأن معه عهد رسول الله ص وأنه من أهل بيت الإمام المهدي ع. وقوله: (يقودهم شاب من بني هاشم)، ليس بالضرورة أن يكون هذا الشاب هو اليماني الموعود، فقد يكون قائداً منصباً من قبل اليماني الموعود لقيادة الرايات المشرقية.. والله العالم. عن علي بن أبي طالب ع، قال: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت [فلا يقتله أحد حتى يموت] ([83]))([84]). ولابد من التوقف عند ثلاث نقاط في هذا الحديث: النقطة الأولى: قوله ع: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق): لقد سمعنا - وسنسمع - روايات كثيرة تتحدث عن رجل من آل محمد ص يخرج قبل قيام الإمام المهدي ع وإن رايته ممدوحة بمدائح جليلة، وقد تقدم بيان أن هذا الرجل هو اليماني الموعود، بل جاء التصريح بذلك في أحد الأخبار: عن كعب قال: (فيظهر اليماني ويقتل قريش ببيت المقدس وعلى يديه تكون الملاحم) ([85]). والآن هذه الرواية تتحفنا بشيء جديد، وهو أن هذا الرجل المشرقي من أهل بيت الإمام المهدي ع، ونحن نعلم أن الإمام المهدي ع ليس له أهل بيت في عصر الظهور إلا أن يكونوا من ذريته، فلا مناص من القول بأن هذا الرجل هو من ذرية الإمام المهدي ع، والرواية تبين أنه هو الممهد الرئيسي المشرقي صاحب الملاحم. إذن فاليماني الموعود هو مشرقي حسيني مهدوي أي من ذرية الإمام المهدي ع (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق). بل إن كل الروايات التي تصف هذا الممهد بأنه من آل محمد أو من أهل البيت ص لابد أن يكون معناها أنه من ذرية الإمام المهدي ع ومن الأوصياء بالخصوص؛ لأن (أهل البيت) لا تصدق على كل من انتسب إلى أمير المؤمنين ع، وخصوصاً عندما نلاحظ صفاته ومهمته الواردة في الروايات، ومن المعلوم أن آخر الأئمة الاثني عشر هو الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع، وهذا الرجل غيره؛ لأن الرواية تقول بأنه يخرج قبله ومن أهل بيته، وإذا رجعنا إلى وصية الرسول محمد ص عند وفاته وغيرها من الروايات لا نجد مصداقاً لهذا الرجل إلا المهدي الأول (أحمد) من ذرية الإمام المهدي ع والذي وصفه رسول الله ص بأنه أول المؤمنين، وأنه وصيه وأول المهديين ص. ولنعرج على روايات الأئمة ص لنعرف معنى (أهل البيت) ما هو: عن علي بن أبي طالب ع، قال: (قال رسول الله ص: إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين - وضم بين سبابتيه - فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله، ومن عترتك ؟ قال: علي والحسن والحسين، والأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة) ([86]). وعن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: جعلت فداك، مَن الآل ؟ قال: ذريته محمد ص. قال: فقلت: ومَن الأهل ؟ قال: الأئمة ص. فقلت: قوله (: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾([87])، قال: والله ما عنى إلا ابنته) ([88]). وعن أبي بصير، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: مَن آل محمد ص ؟ قال: ذريته. فقلت: أهل بيته ؟ قال: الأئمة الأوصياء. فقلت: مَن عترته ؟ قال: أصحاب العباء. فقلت: من أمته ؟ قال: المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله (، المتمسكون بالثقلين، اللذين أمروا بالتمسك بهما كتاب الله (، وعترته أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وهما الخليفتان على الأمة بعده ص) ([89]). ومن الروايات المتقدمة نعرف أن (أهل البيت) تعني الأوصياء من ذرية علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى يوم القيامة، وأرى من الضروري هنا أن أذكر مختصر الوصية لنعرف من هم أوصياء الرسول ص إلى يوم القيامة: عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ع، قال: (قال رسول الله ص - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي ع: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماماً..... (إلى قوله): فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص، فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، وهو أول المؤمنين) ([90]). ومن هذه الوصية المقدسة نعرف أن أوصياء الرسول ص اثنا عشر إماماً واثنا عشر مهدياً من ذرية الإمام المهدي ع، وأول أوصياء الإمام المهدي ع اسمه (أحمد)، وهو أول المؤمنين أي بالإمام المهدي ع في عصر الظهور المقدس، وأرجو أن القارئ الكريم لم ينسَ شعار الرايات الخراسانية (أحمد أحمد)، فقد تقدم التنبيه على أن له علاقة بأحمد ابن الإمام المهدي ع، وكذلك لم ينسَ أن الراية المأمور باتباعها واحدة لا غير، فلابد أن تكون هي راية أحمد اليماني المشرقي الحسيني المهدوي وصي الإمام المهدي ع، وأول أنصاره والمصدقين به في عصر الظهور المقدس. وما دام الكلام قد جرني إلى مسألة ابن الإمام المهدي ع ووصية فلا بأس أن أسلط الضوء عليه أكثر بذكر بعض الروايات لتتم الفائدة: روي عن الإمام الرضا ع الدعاء لصاحب الأمر بهذا الدعاء، وإليكم ملخصه: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك، وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك بإذنك ....... إلى قوله ع: اللهم أعطه في نفسه وأهله ووَلَدِه وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه ....... إلى قوله ع: اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم في أمرك لهم، وثبت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد رسلك، والسلام عليهم ورحمه الله وبركاته) ([91]). فهنا خص بالدعاء ولداً واحداً من ذرية الإمام المهدي ع، وهذا ما يؤكد على وجود خصوصية لهذا الولد الطاهر. وهذا الدعاء للذرية مشابه للدعاء الآتي المروي عن الإمام المهدي ع وأذكره باختصار أيضاً: (بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البريء من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض إليه دين الله ... إلى قوله ع: اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ... إلى قوله ع: وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم، ديناً ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير) ([92]). ومما تقدم تبين أن الأوصياء من ذرية الإمام المهدي ع مهديون وأئمة أي حجج الله تعالى على الناس بعد أبيهم الإمام المهدي ع، وللإحاطة أكثر بهذا الموضوع أنصح بقراءة كتاب (الوصية والوصي) الذي هو أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي ع. وإذا عرفنا أن المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع (أحمد) يوصف بأنه (مهدي)، فلنسمع الرواية الآتية والتي تزيد الأمر وضوحاً حول رواية (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق). عن حذلم بن بشير، قال: (قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: ... ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) ([93]). والرواية واضحة الدلالة على أن المهدي ع موجود وظاهر قبل خروج السفياني من الوادي اليابس، في حين أن الروايات متواترة على أن السفياني علامة من علامات قيام الإمام المهدي ع وأنه يخرج قبله بشهور عديدة، إذن فمن هو هذا المهدي الظاهر قبل خروج السفياني ؟ ولا أظن أن الجواب بات صعباً بعد أن عرفنا بأن هناك ممهداً من ذرية الإمام المهدي ع، وهو من أهل البيت ص، وأيضاً يوصف بـ (المهدي)، وسيأتي البحث مفصلاً في موضوع تعدد المهدي والقائم في الحلقات المقبلة إن شاء الله تعالى. وما يؤكد ذلك أيضاً الرواية الآتية: عن أبي الحسن ع، قال: (كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([94]). ولابد أولاً من معرفة الوصيات وصاحبها أولاً حتى نعرف ابنه. فأقول: الوصيات هي جمع وصية، وكذلك يأتي الجمع: وصايا، والمراد هنا بالوصيات هي وصايا الأنبياء ووصية الرسول محمد ص ووصايا الأئمة الطاهرين ومواريثهم ص، فإن وصايا الأنبياء ورثها الرسول محمد ص وورَّثها لعلي ع، ويرثها إمام عن إمام إلى أن وصلت إلى الإمام المهدي ع، فهي الآن مستحفظة عند الإمام المهدي ع؛ لأنه الإمام والحجة على الخلق أجمعين. وما يدل على ذلك ما يلي: عن درست بن أبي منصور، أنه سأل أبا الحسن الأول ع: (أكان رسول الله ص محجوجاً بأبي طالب ؟ فقال: لا، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه ص. قال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به ؟ فقال: لو كان محجوجاً به ما دفع إليه الوصية. قال: فقلت: فما كان حال أبي طالب ؟ قال: أقر بالنبي وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات من يومه) ([95]). عن أمير المؤمنين ع، قال: (إن رسول الله ص علمني ألف باب من الحلال والحرام ومما كان وما هو كائن إلى يوم القيمة، كل يوم يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب حتى علمت المنايا والوصايا وفصل الخطاب) ([96]). وقال سلمان المحمدي ع: (... ألا وإن عند علي بن أبي طالب ع المنايا والبلايا، وميراث الوصايا، وفصل الخطاب...) ([97]). وفي أحد رسائل أمير المؤمنين ع إلى معاوية: (... أفغير الله يا معاوية تبغى رباً، أم غير كتابه كتاباً ..... أم غير الحكم تبغى حكماً، أو غير المستحفظ منا تبغى إماماً، الإمامة لإبراهيم وذريته والمؤمنون تبع لهم...) ([98]). وقال أمير المؤمنين ع: (.... ولقد أعطيت الست، علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكرات ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس) ([99]). ومن ألقاب زين العابدين ع: (... ووصي الوصيين، وخازن وصايا المرسلين...) ([100]). إذن فالأئمة عندهم علم الوصايا، وهم المستحفظون والخزان لها، ولذلك نجد الإمام المهدي ص قد وصفه الرسول محمد ص في وصيته السابقة الذكر بـ (المستحفظ من آل محمد): (... فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص...). وأيضاً وصفه الإمام الصادق ع بـ (الحافظ لما استودع): (... الحافظ لما استودع، يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) ([101]). ومما تقدم يتضح لنا أن صاحب الوصيات هو الإمام المهدي ع، فيكون معنى (ابن صاحب الوصيات) هو ابن الإمام المهدي ع، وهذا الابن تهدى إليه الرايات أي تبايع وتطيع. فقول الإمام علي ع: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق)، يعني أن هذا الرجل هو ابن الإمام المهدي ع، وهو أحمد وهو وصيه وهو اليماني الموعود... الخ، كما تقدم بيان ذلك مراراً. ومسك الختام في هذه النقطة هو رواية تدل على أن (أحمد) وصي الإمام المهدي وولده أيضاً تكون له بيعة بين الركن والمقام: عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله ص وذكر المهدي فقال: (إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) ([102]). ولا أريد أن أطيل في شرح هذه الرواية؛ لأن ذلك سيأتي في مستقبل هذا البحث إن شاء الله تعالى، ولكن فقط أرجو مقارنة هذه الرواية مع ما جاء في وصية رسول الله ص من وصف وصي الإمام المهدي ع: (... فإذا حضرته الوفاة (أي الإمام المهدي ع) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، وهو أول المؤمنين). فلاحظ تطابق الأسماء بتمامها في الروايتين: أحمد وعبد الله والمهدي ! والآن نأتي إلى النقطة الثانية حول رواية أمير المؤمنين ع. النقطة الثانية: قوله ع: (يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر): مسألة حمل السيف ثمانية أشهر للقتال وخوض الملاحم وقتل أعداء آل محمد ص من المنحرفين والمفسدين جاءت في روايات عديدة، ولكن تارة يظهر منها أنها تقصد الممهد للإمام المهدي ع، وتارة يظهر منها أنها تقصد الإمام المهدي ع نفسه، وهنا أمير المؤمنين ع ينص على أن الذي يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر هو رجل من أهل بيت الإمام المهدي ع ويخرج قبل الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع: (يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر). في خطبة طويلة لأمير المؤمنين ع: (... فقال الرجل: فهل من جماعة - يا أمير المؤمنين - بعد ذلك ؟ قال ع: إنها ستكونون جماعة شتى، عطاؤكم وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة. قال: قال واحد: كيف تختلف القلوب ؟ قال ع: هكذا - وشبك بين أصابعه -، ثم قال: يقتل هذا هذا وهذا هذا، هرجاً هرجاً، ويبقى طغام جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى. نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة. قال: فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين ؟ قال ع: انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء. قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال ع: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته، ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجاً هرجاً، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقاماً واحداً فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني، وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا: ما هذا من قريش، لو كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا، يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى. ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([103]). أما بعد، فإنه لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها. ألا وإن لطحنها روقاً، وإن روقها حدها وعلى الله فلها...) ([104]). في هذه الرواية يخبر أمير المؤمنين ع عن فتن آخر الزمان وتشتت أهله واختلافهم واقتتالهم، ثم يخبر ع عن تفريج ذلك برجل من أهل البيت ص: (يفرج الله البلاء برجل من بيتي)، ثم يصف شدة بأسه وقتاله وأنه: (يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر)، وبعد ذلك يخبر عن شدة قتله لبني أمية: (يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى)، وفي بعض الروايات بلفظ: (يغريه الله ببني العباس وبني أمية...) ([105]). ثم يقول ع: (لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها). وهنا بعض الملاحظات: الملاحظة الأولى: أظن أننا لا زلنا نذكر قول أمير المؤمنين ع في رواية ناقشناها سابقاً، وهو: (لابد من وجود رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله يكون النصر ..... يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد). وكذلك قول أمير المؤمنين ع في رواية أخرى أيضاً ناقشناها سابقاً، وهو: (ملك بني العباس يسر لا عسر فيه ... ويسلط الله عليهم علجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا هدها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي، يقول بالحق ويعمل به). وتبين أن الروايتين تتكلم عن شخص واحد يقضي على دولة بني العباس، الرواية الأولى عبرت عنه بأنه: (عبداً عنيفاً خاملاً أصله)، والرواية الثانية عبرت عنه بأنه: (علجاً)، وقد عرفنا آنذاك معنى العنيف والعلج وأنهما بمعنى واحد أو متقارب، وأيضاً استشهدت بأحد فقرات هذه الرواية التي الآن بصدد مناقشتها، والفقرة هي: (لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها). وقد تبين مدى انطباق كلام أمير المؤمنين ع في الروايات الثلاث على رجل واحد، عبّر عنه بألفاظ ومناسبات مختلفة، إذن فهذا الرجل الذي هو من أهل البيت ص مزامن لرحى الحرب والضلالة وعندما تقوم على قطبها أو ساقها يكون هو من يقضي عليها وعلى دعاتها، وهذا يكون في نهاية ملك بني العباس، أي إن ملك بني أمية قد انقرض وولى ([106])، ولكن الظاهر أن عشاقه ومحبيه ومواليه والمنتفعين منه ما زالوا موجودين، وإنهم يتحينون الفرص لأعادت ملكهم المقبور، ولذلك ستكون مواجهة وقتال الممهد اليماني ليس لبني العباس فحسب بل لبني أمية أيضاً. وقد عرفنا أن النصر والظفر يكون للرجل (العنيف)، وهو الذي سوف يقتل بني العباس وأتباعهم شر قتلة ويدفع بنصره وظفره إلى الإمام المهدي ع، ومنه نخلص إلى نتيجة أن قول أمير المؤمنين ع: (يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته...، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر)، يساوي قوله ع الآخر: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر...)، حيث أن بيت الإمام علي ع في آخر الزمان هو بيت الإمام المهدي ع لا غير، فيكون قوله (من بيتي) و (من بيت الإمام المهدي) واحد. الملاحظة الثانية: قوله ع: (... يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجاً هرجاً، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ... يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى...) دال على شدة القتل والقتال الذي يمارسه هذا الرجل، وهو مشابه لما يقوم به الممهد العنيف، انظر: (... بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله يكون النصر ..... يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد). وكذلك انظر: (ملك بني العباس يسر لا عسر فيه ... ويسلط الله عليهم علجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا هدها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي، يقول بالحق ويعمل به). حيث نجد أن هذه الملاحم العصيبة يقوم بها رجل واحد قبل قيام الإمام المهدي ع، بل هو من يمهد ويمكن للإمام المهدي ع، بل هو حامل راية أهل البيت ص في آخر الزمان، وإنه سيسقي بني العباس وبني أمية كأساً مصبَّرة ويطحنهم طحن الرحى، وقد تقدم الخبر الذي ينص على أن اليماني هو الذي تجري على يديه ملاحم عصر الظهور. الملاحظة الثالثة: قول قريش آخر الزمان: (ما هذا من قريش، لو كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا)، ظاهر المعنى في التشكيك بانتساب هذا الرجل الممهد إلى آل محمد ص، وأظن أن له علاقة بوصف هذه الممهد على لسان أمير المؤمنين ع بـ (عبداً عنيفاً خاملاً أصله)، وخمول الأصل أو النسب وعدم اشتهاره وجدوه طريقاً للطعن بهذا الرجل ألجأهم إلى ذلك شدة ما ينزله بهم قصاصاً عن أفعالهم الشنيعة وفسقهم في دين الله تعالى، ونجد هذا التشكيك مرتبطاً بقوة البطش الذي ينزله بهم شبل آل محمد ع، كما تدل عليه الروايتان الآتيتان: عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه، مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم) ([107]). وعن يحيى بن العلاء الرازي، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (ينتج الله تعالى في هذه الأمة رجلاً مني وأنا منه، يسوق الله تعالى به بركات السماوات والأرض، فينزل السماء قطرها، ويخرج الأرض بذرها، وتأمن وحوشها وسباعها، ويملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويقتل حتى يقول الجاهل: لو كان هذا من ذرية محمد ص لرحم) ([108]). الملاحظة الرابعة: قوله ع: (انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء). يدل على أن شيعة آل محمد ص مأمورون بالجلوس في تلك الفتنة والاختلاف، حتى يستنصرهم رجل من آل محمد ص، وهو نفس معنى قول الإمام الباقر ع: (... إياك وشذاذ من آل محمد ص، فأن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه...) الذي ناقشناه سابقاً، وهناك روايات عديدة في هذا المعنى. ومن المعلوم أن اليماني الموعود هو أول راية أمر أهل البيت باتباعها ونصرتها وحذروا من الالتواء عليها، إذن فاليماني الموعود من أهل بيت النبي ص، بدليل أن الإمام علي ع حصر النصرة فقط لأهل بيت النبي ص بقوله السابق: (انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا). وتأمل في بقية كلام أمير المؤمنين ع: (انظروا أهل بيت نبيكم ... فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى)، تجده نفس معنى صفات اليماني الموعود التي وردت عن الإمام الباقر ع: (راية هدى ... أهدى الرايات ... يدعو إلى صاحبكم ... فانهض إليه ... يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). وما دام أن شيعة آل محمد ص مأمورون أن لا يجيبوا ولا ينصروا إلا رجل من أهل بيت النبي ص، يكون المقصود بالرجل في قول أمير المؤمنين ع: (يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم)، هو اليماني الموعود حتماً، والقول بغير هذا يستلزم التناقض في كلام أهل البيت ص - وحاشاهم -؛ لأنه يعني أن اليماني منهي عن نصرته؛ لأنه ليس من بيت النبي ص، ونحن مأمورون بالجلوس وعدم نصرة أي شخص حتى نسمع نداء رجل من أهل بيت النبي ص: (انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا). وكذلك الكلام في الروايات التي تصف هذا الممهد بأنه (رجل من آل محمد) و (من ولد الحسين) و (من المشرق)... الخ، فكلها تدل على رجل واحد، ولا أريد الإطالة بالإعادة والتفصيل. وبالتالي فإن قوله: (يفرج الله البلاء برجل من بيتي) يساوي (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته). نعم توجد روايات ([109]) كما أشرت قبل قليل يظهر منها أن الذي يحمل السيف على عاتقه هو الإمام المهدي ع الحجة ابن الحسن، كالروايات التالية: عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله ع: (.... وسيفه سيف رسول الله ص ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً ..... ولا يخرج القائم ع حتى يقرأ كتابان، كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالبراءة من علي ع) ([110]). وعن عيسى الخشاب، قال: (قلت للحسين بن علي ع: أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المكنى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر) ([111]). وعن أبي بصير، قال: (سمعت أبا جعفر ع يقول: في صاحب هذا الأمر سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد ص، فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من عيسى فيقال فيه ما (قد) قيل في عيسى، وأما من يوسف فالسجن والغيبة، وأما من محمد ص فالقيام بسيرته وتبيين آثاره، ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (، قلت: وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي ؟ قال: يلقي الله ( في قلبه الرحمة) ([112]). وبعد غض النظر عن بعض الأمور في متن الروايات السابقة، أقول: نحن هنا أمام خيارين لفهم هذه المسألة: الخيار الأول: أن نقول بأن اليماني الموعود سيضع السيف على عاتقة ثمانية أشهر تمهيداً للإمام المهدي ع، ثم إن الإمام المهدي ع أيضاً بعد قيامه يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ليتم ما بدأه اليماني الموعود من تطهير الأرض من الفاسدين والمفسدين الذي لا علاج لهم إلا السيف والنار. وهذا الوجه وإن كان ممكناً في ذاته، ولكنه ربما سيسبب لنا مشاكل وعقبات في مستقبل البحث، وربما سيكون الخيار الثاني هو الأصح والأوفق مع مجمل أحداث الظهور والقيام المذكورة في الروايات. الخيار الثاني: أن نقول بأن فترة الملاحم هذه الموصوفة بأنها لمدة ثمانية أشهر - بهذه الشدة والصعوبة - هي فترة واحدة حسب ما يفهم من عموم الروايات، حيث يتراءى منها أن الثمانية أشهر هي واحدة، وإنَّ رجلاً واحداً هو الذي يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ويقتل هرجاً مرجاً بلا رحمة. ولكن المهم هو تحديد من هو هذا الرجل، هل هو اليماني الموعود، أم الإمام المهدي ع؟ والجواب: هو أن هذا الرجل هو اليماني الموعود الممهد وليس الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع، وطبعاً من حق القارئ أن يتساءل، ويقول لماذا ؟ أقول: الدليل على ذلك عدة أمور: الأمر الأول: إنه تقدم تفصيل أن اليماني الموعود هو من يقضي على دولة بني العباس في آخر الزمان وعلى أعداء آل محمد ص، وإن على يديه تكون الملاحم، ويتبين من الروايات أن ذروة ذلك يكون في ثمانية أشهر، ونعلم أيضاً أن اليماني هو من سيهزم السفياني من العراق ومن إيران .. أي إن اليماني الموعود سيخوض ذروة الملاحم وأشدها، فيكون انطباق الوصف عليه أكثر، في حين أننا نجد أن الإمام المهدي ع عند قيامه في عاشوراء سيخسف بجيش السفياني وبعد الخسف تنهار معظم قوة السفياني، وحتى لو كان هناك قتال معه بعد القيام المقدس في عاشوراء ولكننا نجده قليلاً ولمدة قصيرة لا تصل الثمانية أشهر، وحينئذ يكون اليماني الموعود قد أخمد نيران فتنة العراق وانتصر على رؤوس الضلال، وإنه يدفع بظفره هذا إلى الإمام المهدي ع، فأين إذن هي الثمانية أشهر من الملاحم الموصوفة بهذه الشدة من القتل والقتال المرير ؟! الأمر الثاني: يمكن لنا أن ننسب كل الحروب والملاحم التي يقوم بها اليماني الموعود إلى الإمام المهدي ع، من باب أنها بأمره وإرشاده، كما نقول فتح الملك الفلاني المدينة الفلانية، في حين أن قائد جيشه هو الذي فتحها وليس الملك نفسه، ولكن لا نستطيع أن نعكس المسألة، أي لا نستطيع أن ننسب الملاحم التي يقودها الإمام المهدي ع بنفسه بالمباشرة إلى اليماني الموعود؛ لان اليماني الموعود حينئذ لا يكون سوى جندي كبقية الجنود والقادة، فلا قيادة مباشرة له ولا أمر أو نهي أو تخطيط. الأمر الثالث: وردت روايات عديدة تشير أو تؤكد على وجود سر خفي في مسألة قيام الإمام المهدي ع، وأنه قد يكون هناك كثير من الأخبار قالها أهل البيت ص على سبيل الرمز والتنويه، وأنها تعرف في وقتها، ولنسمع بعض هذه الروايات: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، في أجوبة الرضا ع على مسائله عن الواقفة: (... وأما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأول تأويلاً لم يحسنه، ولم يؤت علمه، فألقاه إلى الناس، فلج فيه وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها ولم يحسن تأويلها ولم يؤت علمها، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كائن لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء، ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء، ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة له وشبه عليه وفر من أمر فوقع فيه. وقال أبو جعفر ع: من زعم أنه قد فرغ من الأمر فقد كذب؛ لأن لله ( المشيئة في خلقه، يحدث ما يشاء ويفعل ما يريد. وقال: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾([113])، فآخرها من أولها وأولها من آخرها، فإذا أخبر عنها بشيء منها بعينه أنه كائن، فكان في غيره منه فقد وقع الخبر على ما أخبر، أليس في أيديهم أن أبا عبد الله ع قال: إذا قيل في المرء شيء فلم يكن فيه ثم كان في ولده من بعده فقد كان فيه) ([114]). وعن محمد بن أبي طلحة، قال: (قلت للرضا ع: أيأتي الرسل عن الله بشيء ثم تأتي بخلافه ؟ قال: نعم، إن شئت حدثتك وإن شئت أتيتك به من كتاب الله تعالى، قال الله تعالى جلت عظمته: ﴿ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ﴾([115]) الآية، فما دخلوها ودخل أبناء أبنائهم. وقال عمران: إن الله وعدني أن يهب لي غلاماً نبياً في سنتي هذه وشهري هذا، ثم غاب وولدت امرأته مريم وكفلها زكريا، فقالت طائفة: صدق نبي الله، وقالت الآخرون: كذب، فلما ولدت مريم عيسى قالت الطائفة التي أقامت على صدق عمران: هذا الذي وعدنا الله) ([116]). تفسير علي بن إبراهيم: أبي، عن محمد بن الفضيل، عن أبيه، عن أبي جعفر ع، قال: (قلت له: جعلت فداك، بلغنا أن لآل جعفر راية ولآل العباس رايتين فهل انتهى إليك من علم ذلك شيء ؟ قال: أما آل جعفر فليس بشيء ولا إلى شيء، وأما آل العباس فإن لهم ملكاً مبطئاً يقربون فيه البعيد، ويباعدون فيه القريب، وسلطانهم عسر ليس فيه يسر، حتى إذا أمنوا مكر الله وأمنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم مال يجمعهم ولا رجال يمنعهم، وهو قول الله: ﴿حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾([117]) الآية. قلت: جعلت فداك فمتى يكون ذلك ؟ قال: أما إنه لم يوقت لنا فيه وقت، ولكن إذا حدثنا كم بشيء فكان كما نقول فقولوا: صدق الله ورسوله، وإن كان بخلاف ذلك فقولوا: صدق الله ورسوله تؤجروا مرتين....) ([118]). وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر ع، قال: (قال: قلت له: لهذا الأمر وقت ؟ فقال: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، إن موسى ع لما خرج وافداً إلى ربه واعدهم ثلاثين يوماً، فلما زاده الله على الثلاثين عشراً، قال له قومه: قد أخلفنا موسى، فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدثناكم بحديث فجاء على ما حدثناكم به، فقولوا: صدق الله، وإذا حدثناكم بحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به، فقولوا: صدق الله، تؤجروا مرتين) ([119]). وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (إن الله تعالى أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكراً سوياً مباركاً، يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وجاعله رسولاً إلى بني إسرائيل، فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم، فلما حملت كان حملها بها عند نفسها غلام، فلما وضعتها قالت: رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى، أي لا يكون البنت رسولاً، يقول الله (: ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾([120])، فلما وهب الله تعالى لمريم عيسى كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه. فإذا قلنا في الرجل منا شيئاً وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك) ([121]). عن إبراهيم ابن عمر اليماني، عن أبي عبد الله ع، قال: (إذا قلنا في رجل قولاً، فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك، فإن الله تعالى يفعل ما يشاء) ([122]). عن أبي خديجة، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (قد يقوم الرجل بعدل أو يجور وينسب إليه ولم يكن قام به، فيكون ذلك ابنه أو ابن ابنه من بعده، فهو هو) ([123]). تفسير العياشي: عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام): (يا أبا حمزة، إن حدثناك بأمر أنه يجيء من ها هنا فجاء من ها هنا فإن الله يصنع ما يشاء، وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غداً بخلافه فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت) ([124]). والروايات كثيرة ويطول المقام عند التعليق عليها، ولكنها كلها تعطي معنى متقارباً، وبعضها نص على أنهم ص إن قالوا في أحد الأئمة ص شيئاً ولم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فهو هو، وهذا في الحقيقة إشارات واضحة على أن هناك سراً مكنوناً في مسألة الإمام المهدي ع، وإن الأمة ستمتحن به امتحاناً شديداً، ولا ينجو منه إلا من اهتدى بهدي محمد وآل محمد ص. وبعد أن ثبت فيما سبق أن اليماني الموعود من ذرية الإمام المهدي ع، فقد تنص الروايات على أمور كثيرة يقوم بها الإمام المهدي ع، ولكن في الحقيقة سيقوم بها ابنه ويمانيه أحمد الوصي، ومنها مسألة مباشرة الملاحم وحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، وقد تكون هناك أمور أخرى لم تخطر على البال، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالهدى والبصيرة وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين دائماً أبداً. عن مالك الجهني، قال: (قلت لأبي جعفر ع: إنا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس. فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) ([125]). بقيت ملاحظة بسيطة، وهي هل أن ملاحم أو قتال اليماني الموعود سيستمر لثمانية أشهر فقط، أم ماذا ؟ الجواب: ليس بالضرورة ذلك، وإنما قد تكون هذه ذروة الملاحم وأشدها والتي يتلوها الفتح المبين، ولذلك عبر عنه بأنه (يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر) إشارة إلى شدة هذه الحرب واستمرارها دون انقطاع بحيث لا يضع سيفه أو يهدأ من الحرب والقتال. والآن نأتي إلى شرح أخر فقرة من حديث أمير المؤمنين. النقطة الثالثة: قول أمير المؤمنين ع: (يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت [فلا يقتله أحد حتى يموت]). وهنا يواجهنا إشكال قد ينقدح في ذهن القارئ الكريم، وهو كيف يموت هذا الممهد الذي هو من أهل بيت الإمام المهدي ع قبل أن يبلغ بيت المقدس، ونحن قد عرفنا بأنه هو اليماني الموعود وهو من يمهد ويمكن للإمام المهدي ع... ؟! أقول: الجواب في عدة أمور: الأمر الأول: لقد ذكر محقق كتاب عقد الدرر الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوريني، في هامش الكتاب تعليقاً على لفظ (فلا يبلغه حتى يموت)، قائلاً: ( في [أ] فلا يقتله أحد حتى يموت)، أي إن هذه الرواية في أحد النسخ الخطية لكتاب عقد الدرر جاءت بلفظ: (... فلا يقتله أحد حتى يموت)، وهذه المخطوطة التي رمز لها المحقق بـ (أ)، هي أحد النسخ الخطية التي اعتمد عليها في تحقيق كتاب عقد الدرر، وقال المحقق عنها في مقدمته ما نصه: ( 1- نسخة مكتبة البلدية بالاسكندرية، ومصورتها في معهد المخطوطات برقم 165 توحيد. وكتبت بخط نسخي جيد سنة 1106 هـ. كتبها يوسف بن محمد الشهير بابن الوكيل الملوي. وتقع في 144 صفحة ومسطرتها 23 × 10. وخطها دقيق، وهي نسخة (أ) ). انتهى. فيكون معنى الرواية؛ إن هذا الرجل الممهد المشرقي الذي هو من أهل بيت الإمام المهدي ع، لا يقتله أحد في تمهيده وقتاله وتوجهه نحو بيت المقدس، حتى يموت بأجله الذي كتبه الله له، أي إنه لا يقتل في مهمة التمهيد للإمام المهدي ع .. والله العالم ([126]). وبهذا يكون لفظ (فلا يبلغه حتى يموت)، على الأقل مشكك فيه، فلا يصلح للاستدلال، بل إن لفظ (فلا يقتله أحد حتى يموت) هو الأقرب، وخصوصاً إذا لاحظنا سائر الروايات والأخبار. الأمر الثاني: إننا بعد أن سمعنا الترابط العجيب في روايات أهل البيت ص، وهو ترابط مقصود ومخطط له أكيداً، نعلم أن هذا الكلام لا يمكن أن يفهم على ما يتبادر منه لأول وهلة؛ لأن هذا الممهد هو من آل بيت النبي وهو (أحمد) وصي الإمام المهدي واليماني الموعود..، فلا يمكن أن يموت قبل قيام الإمام المهدي ع وبسط دولة العدل الإلهي، إذن فلابد من حمل الكلام على معنى آخر لمناسبة معينة، وهو ما سيتضح في الأسطر التالية إن شاء الله تعالى. الأمر الثالث: وردت في اللغة عدة معاني للموت غير الذي يقابل الحياة، منها: الموت بمعنى (السكون)، قال ابن منظور: (وقيل: الموت في كلام العرب يطلق على السكون، يقال: ماتت الريح أي سكنت) ([127]). وقال الزبيدي في تاج العروس: (من المجاز: الموت: السكون، يقال: "مات: سكن"، وكل ما سكن فقد مات، وهو على المثل، ومن ذلك قولهم: ماتت الريح، إذا ركدت وسكنت، قال: إني لأرجو أن تموت الريح * فأسكن اليوم وأستريح) ([128]). ومنها: الموت بمعنى (النوم)، قال ابن منظور: (... أبو عمرو: مات الرجل وهمد وهوم إذا نام ... وفي حديث دعاء الانتباه: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. سمي النوم موتاً؛ لأنه يزول معه العقل والحركة، تمثيلاً وتشبيهاً، لا تحقيقاً ... ومنها المنام، كقوله تعالى: ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾، وقد قيل: المنام الموت الخفيف، والموت: النوم الثقيل...) ([129]). ومنها: الموت بمعنى (الجهل)، ذكر ابن منظور: (... ومنها زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة، كقوله تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾، و ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾...) ([130]). ومنها: الموت بمعنى (الحزن والخوف)، قال ابن منظور: (ومنها الحزن والخوف المكدر للحياة، كقوله تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾) ([131]). وقال الزبيدي: (ومن المجاز: فلان مائت من الغم) ([132]). ومنها: الموت بمعنى (الشدة ومطلق الأحوال الشاقة)، قال ابن منظور: (وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة: كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية، وغير ذلك، ومنه الحديث: أول من مات إبليس؛ لأنه أول من عصى...) ([133]). وقال الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش شقياً كاسفاً باله، قليل الرجاء فأنـاس يمصصون ثماداً وأناس حلوقهم في الماء ومنها: الموت بمعنى (الخضوع للحق)، قال ابن منظور: (وقال اللحياني: الموتة شبه الغشية. ومات الرجل إذا خضع للحق. واستمات الرجل إذا طاب نفساً بالموت) ([134]). ومنها: الموت بمعنى (الاستبسال في الحرب والقتال وعدم المبالاة بالموت...الخ)، قال ابن منظور: (والمستميت: الشجاع الطالب للموت، على حد ما يجئ عليه بعض هذا النحو. واستمات الرجل: ذهب في طلب الشيء كل مذهب .... والمستميت: المستقتل الذي لا يبالي في الحرب، الموت. وفي حديث بدر: أرى القوم مستميتين أي مستقتلين، وهم الذي يقاتلون على الموت) ([135]). ومنها: الموت بمعنى (أسباب الموت)، قال ابن منظور: (وقوله تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾، إنما معناه، والله أعلم، أسباب الموت، إذ لو جاءه الموت نفسه لمات به لا محالة) ([136]). وعلى ما تقدم يمكن أن يكون معنى (فلا يبلغه حتى يموت)، أي إنه لا يبلغ بيت المقدس إلا من بعد جهد وعناء واستماتة في القتل والقتال والمبالغة في التضحية وعدم المبالاة بالموت والمرور بالمصاعب والشدائد المميتة.. وما شابه هذه المعاني مجازاً أو استعارة. الأمر الرابع: ثم إننا نجد بعض الروايات والأخبار تفيد أن هذا الممهد يصل إلى بيت المقدس، وأنه يسمى المهدي وعلى لوائه شعيب بن صالح، وهذه النقطة وإن كان محل بحثها في حلقة قادمة من هذه الدراسة، ولكن لا بأس بالإشارة إليها باختصار لعلاقتها بموضوعنا الآن: عن رسول الله ص، أنه قال: (يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيليا) ([137]). وعن محمد بن الحنفية ع: (تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح، أو صالح بن شعيب، من تميم، يهزمون أصحاب السفياني، حتى تنزل بيت المقدس، توطئ للمهدي سلطانه، ويمد إليه ثلاثمائة من الشام. يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً) ([138]). وعن عمار بن ياسر، قال: (المهدي على لوائه شعيب بن صالح) ([139]). عن عبد الله بن إسماعيل البصري، عن أبيه، عن الحسن، قال: (يخرج بالري رجل ربعة أسمر، مولى لبني تميم، كوسج يقال له شعيب بن صالح، في أربعة آلاف، ثيابهم بيض وراياتهم سود، يكون على مقدمة المهدي، لا يلقاه أحد إلا فله) ([140]). وعن سفيان الكلبي: (يخرج على لواء المهدي غلام حديث السن، خفيف اللحية، أصفر، لو قاتل الجبال لهزها حتى ينزل إيليا) ([141]). وعن عمار بن ياسر أنه قال: (... ثم يسير إلى الكوفة (أي السفياني) فيقتل أعوان آل محمد ص ويقتل رجلاً من مسميهم. ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح...) ([142]). ومن الأحاديث والأخبار السابقة نستخلص نتائج ثلاث: النتيجة الأولى: إن هذه الرايات الخراسانية هي الممهدة للإمام المهدي ع، وهي التي تهزم السفياني من إيران والعراق حتى تصل إلى بيت المقدس، وقد تقدم أن هذه الرايات لابد أن تكون تابعة لليماني الموعود، المهدي الأول من ذرية الحجة محمد بن الحسن ع؛ لأن الراية الممدوحة والمأمور بنصرتها واحدة لا غير وهي أهدى الرايات. النتيجة الثانية: إن هذه الرايات هي رايات المهدي ع، وعلى لوائه شعيب بن صالح، كما صرحت رواية عمار بن ياسر ع: (ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح)، فأي مهدي هذا الذي يخرج مع الرايات الخراسانية التي تكون مزامنة لخروج السفياني نحو العراق، والتي هي من علامات قيام الحجة محمد بن الحسن ع ؟! وسيأتي بحث هذا الموضوع مفصلاً إن شاء الله في الحلقات القادمة. النتيجة الثالثة: إن هذا المهدي لا يموت، بل يصل إلى بيت المقدس، بل لا يشترط أن يكون هو بنفسه موجوداً في الجيش الذي يفتح بيت المقدس، إنما يكون هذا الجيش مؤتمراً بأمره وتحت إشرافه وجزء من ثورته، ويكون القائد المباشر هو شعيب بن صالح، وينسب قتال شعيب بن صالح إلى اليماني الموعود؛ لأنه جندي من جنوده ومنفذ لأوامره وإرادته. وبهذا لابد من حمل الرواية (فلا يبلغه حتى يموت) على غير معنى الموت الذي يقابل الحياة، بل إن التعبير بالموت في هكذا مورد مستبعد كما هو في كلام أهل البيت ص، أي إن الذي يموت في الحرب يعبر عنه بـ (استشهد أو قتل)، وعلى أي حال فاعتقد أن المسألة باتت واضحة جداً لكل ذي عينين. والآن بعد هذا الإسهاب، نأتي إلى مناقشة رواية أخرى حول حامل راية آل محمد في عصر الظهور المقدس، ولكن لابد من الاختصار حسب الإمكان. عن أبان بن تغلب، قال: (سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ع يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب، أتدري لم ذلك ؟ قلت: لا. قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه) ([143]). أقول: أ- قوله ع: (إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب): قد عرفنا بأن راية الحق والهدى وراية آل محمد ص في عصر الظهور هي راية اليماني الموعود، فأكيد أن راية اليماني مقصودة من هذه الرواية. ب- قوله ع: (لعنها أهل المشرق وأهل المغرب): اللعن هو الطرد، أي الطرد من رحمة الله تعالى، وهذا يدل على أن اللاعنين لهذه الراية هم من الذين يدَّعون التدين، ويرون هذه الراية بحسب اجتهادهم أنها خارجة عن الدين وبدعة، ولذلك يلعنونها ويتبرأون منها. وأهل المشرق والمغرب: إما يراد منهم كل أهل الأرض، أو يراد منهم الشيعة وأبناء العامة، باعتبار أن الثقل الأكبر للشيعة في المشرق كالعراق وإيران..، وأن المغرب هو من المخالفين لأهل البيت إلا نسبة قليلة، ابتداء من الشام والحجاز وإلى أقصى المغرب العربي.. فكل هؤلاء يلعنون راية الحق، وكل حسب اعتقاده وتخرصه. ج- قوله ع: (للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه): وهنا ربما يتبادر - لأول وهلة - إلى الذهن معنى غير الذي سأبينه، ولكن عند التأمل في معنى العبارة ومقارنتها مع روايات أخرى يتبين معنى آخر، وهو: أن الناس تلعن راية الحق؛ لأنهم سيرون أن حاملها هو رجل من أهل بيت الإمام المهدي ع؛ لأن قوله (من أهل بيته قبل خروجه)، الضمير في (بيته) وفي (خروجه) عائد على الإمام المهدي ع، أي إن الناس ستلقى أحد أهل بيت الإمام المهدي ع وذلك قبل خروج الإمام المهدي ع. وبعبارة أخرى: إن الناس ستلاقي رجلاً من أهل بيت الإمام المهدي ع، وهو حامل راية آل محمد راية الحق، وسيلعنون تلك الراية، إما لأنهم سيعتقدون بأن هذا الرجل ليس من آل المهدي ع، وإما لأنه سيبين لهم أنهم قد انحرفوا عن الدين وأنهم لا خلاق لهم، وبذلك سيرونه مبتدعاً ومنحرفاً (وحاشاه)، فيلعنونه، وإما بسبب ما ينزله بهم من القتل والتنكيل والقضاء على كل فسادهم ومفسديهم، ولذلك سمعنا في بعض الروايات أنهم يقولون: (لو كان من آل محمد لرحمنا)، و (لو كان من بني فاطمة لرحم)..، وقد تكون كل هذه الأسباب وغيرها مجتمعة سبباً في لعنهم لراية الحق وحاملها اليماني الموعود الذي هو من أهل بيت الإمام المهدي ع. فإن قيل: لماذا لا نفهم من هذه الرواية بأن الناس ستلعن راية الإمام المهدي عند خروجه؛ لأنهم عايشوا الفساد والإفساد الذي ظهر من مدعي الدين والتشيع، فعندما يرون راية الإمام المهدي ع سيظنون بأنه نفس سيرة هؤلاء المنحرفين عن الإنصاف والعدل.. ؟ وخصوصاً إذا لاحظنا أن هناك رواية بنفس المعنى ولكنها تنص على أن علة اللعن هو ما ستلقاه الناس من بني هاشم قبل خروج الإمام المهدي ع: عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله ع أنه قال: (إذا رفعت راية الحق لعنها أهل المشرق والمغرب. قلت له: مم ذلك ؟ قال: مما يلقون من بني هاشم) ([144]). أقول: نعم قد يتبادر إلى الذهن هذا التفسير، ولكنه بعيد بعد ملاحظة عدة أمور: الأمر الأول: إن الرواية الأولى تحكم وتقيد الرواية الثانية، أي إنها تقيد (بني هاشم) بـ (أهل بيت الإمام المهدي ع)، فكل أهل بيت المهدي ع هم من بني هاشم ولا عكس، أي ليس كل بني هاشم هم من أهل بيت الإمام المهدي ع، وخصوصاً إذا لاحظنا الروايات التي تفسر (أهل بيت النبي) بأنهم الأوصياء وليس مطلق ذريته، فحتى لو تنزلنا وقلنا بأن المقصود هو (أهل بيت النبي) وليس (أهل بيت المهدي) خاصة، فأهل بيت النبي ص فسّرها أهل البيت ص بأنها تعني الأوصياء إلى يوم القيامة، فمن هذا الوصي الذي ستلقاه الناس قبل خروج الإمام المهدي ع. الأمر الثاني: حمل فساد بعض رموز الشيعة أو من ينتمي إلى أهل البيت ص بالنسب على الإمام المهدي ع بعيد، وخصوصاً إذا لاحظنا أن الإمام الصادق ع لا يتكلم حكاية عن لسان أهل آخر الزمان، أي إنه لم يقل بأنهم سيقولون: إن هذا الرجل من أهل بيت المهدي ع، بل الإمام الصادق ع في مقام الإخبار والتكلم بلسانه، فعندما يقول: (أهل بيت المهدي) يقصد المعنى الذي عنده هو، لا المعنى المغلوط الذي عند أهل آخر الزمان الذين يلعنون راية الحق. الأمر الثالث: راية الحق عند ظهورها لا يمكن حملها على مذهب معين بالذات، وبعبارة أخرى: إنه لا يخرج مثلاً مؤيداً لمن ينتحل التشيع في آخر الزمان، بل سيعلن مذهب التشيع الأصيل، وسيميت ويحارب كل البدع سواء التي عند الشيعة أو عند العامة أو غيرهم، بل نلاحظ من الروايات بأنه أول ما يبدأ بكذابي الشيعة ومنحرفيهم. عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم) ([145]). وعن رسول الله ص: (... ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان) ([146]). وقد سمعنا الروايات التي تنص على أنه لا يبقى من الشيعة مع القائم ع إلا كالكحل في العين أو الملح في الزاد..، إذن الإمام المهدي ع يبدأ بالتصدي للانحراف الشيعي ثم غيرهم، وهكذا، أي إن راية الإمام المهدي ع وراية الحق ستكون ثورة على كل انحرافات المذاهب، وأولها من ينتحلون التشيع، فكيف ستظن الناس أنه من صنف المنحرفين من رموز الشيعة.. ؟! بل ستراه كل الناس شيئاً جديداً وديناً جديداً، وأول من يراه كذلك الشيعة فضلاً عن غيرهم، ولذلك نطقت الروايات بأنه يقوم بدين جديد وكتاب جديد وسنة وقضاء جديد. عن أبي جعفر ع: (إذا خرج يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، وليس شأنه إلا القتل، لا يستبقي أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم) ([147]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (يصنع كما صنع رسول الله ص، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله ص أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً) ([148]). فسيرى جميع المسلمين بما فيهم الشيعة ديناً جديداً، وكذلك كل العالم، وهذا ليس لأن القائم سيقوم بغير دين الإسلام، بل لأن كل المذاهب قد انحرفت عن الإسلام الحنيف بآرائهم وأهوائهم ... فغيروا صورة الإسلام الحقيقية، ولذلك عندما يرون الإسلام المهدوي يعدونه ديناً جديداً. وعلى ما تقدم يكون من البعيد جداً أن تظن الناس بأن الإمام المهدي ع من صنف مفسدي الشيعة، في الوقت الذي يرونه يبدأ بهم فيقتلهم ويستأصل فسادهم وبدعهم ! فلا وجه لحمل قول الصادق ع: (للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه)، على غير معناها الذي قدمته قبل قليل، وهو: أن الناس ستلقى رجلاً من أهل بيت الإمام المهدي ع، وخصوصاً إذا تذكرنا قول الإمام علي ع: (يخرج قبله رجل من أهل بيته)، وقول الإمام الرضا ع: (ابن صاحب الوصيات)، وغير ذلك. الأمر الرابع: الرواية تشير إلى أن كل الناس ستلعن راية الحق ولا استثناء للشيعة، فكيف يعقل أن الشيعة سيلعنون راية الحق؛ لأنهم يرونها موافقة لهم أو لسيرة فقهائهم في آخر الزمان؟! وبعبارة أوضح: إن الرواية لم تستثنِ منتحلي التشيع من اللاعنين لراية الحق، فإذا كانوا من ضمن اللاعنين ينتفي القول بأن الناس تلعن راية الحق؛ لأنهم يظنونها من صنف رايات فقهاء الشيعة في آخر الزمان الذي يعتقدون بفسادهم؛ لأن غير الشيعة إذا كان هذا هو سبب لعنهم لراية الحق فما هو الداعي للشيعة إلى لعن تلك الراية ؟! عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (قال: الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل، قال: قلت له: جعلت فداك، فأخبرني بما أستريح إليه، قال: يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت، يشير (يسير) بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين، القائد العادل، الحافظ لما استودع، يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) ([149]). أقول: أ- الرواية تخبر عن خروج رجلين من أهل البيت ص، أولهما ممهد صاحب راية هدى، والآخر هو الإمام المهدي ع، والأول لا يمكن أن يكون غير اليماني الموعود وصي الإمام المهدي ع (أحمد). ب- قوله ع: (ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم): لابد لنا أولاً أن نعرف المقصود من (بني فلان)، هل هم بنو أمية أم بنو العباس؛ لأن أهل البيت ص أحياناً يخبرون عن كليهما بـ (بني فلان). فإن قلنا إن المقصود هم (بنو العباس) يستعرضنا إشكال لا يمكن تجاوزه، وهو أن دولة بني العباس آخر الدول، وهلاكها سيكون على يد رجل عبر عنه أهل البيتص في رواياتهم بـ (منا أهل البيت) وبصفات أخرى جليلة، فكيف يتيحه الله تعالى بعد انقراض ملكهم ؟! في حين أننا نجده هو من يقضي على ملك بني العباس ! إذن فلابد أن يتاح هذا الرجل المحمدي عند أو بعد انقراض ملك بني أمية في آخر الزمان، والذي يسبق ملك بني العباس في آخر الزمان. وبما أنه قد تقدم بيان أن هذا الرجل الممهد الحسيني المهدي المشرقي هو اليماني الموعود، يتبين لنا أن ظهور اليماني الموعود يكون قبل قيام الإمام المهدي ع بفترة زمنية طويلة، بل وقبل خروج السفياني بكثير أيضاً. ج- قوله ع: (فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت، يشير (يسير) بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا): جاء معنى هذا الوصف (يشير (يسير) بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا)، في كلام أمير المؤمنين ع في أحد خطبه وهو يتكلم عن فتن وملاحم آخر الزمان، إليكم ملخصها: عن الأصبغ بن نباته أنه قال: خطب علي بن أبي طالب ع فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس، إن قريشاً أئمة العرب، أبرارها لأبرارها وفجارها لفجارها، ولابد من رحى تطحن على ضلالة وتدور، فإذا قامت على قلبها طحنت بحدتها، ألا إن لطحينها روقاً وروقها حدتها وفلها على الله ............ ألا إن العجب كل العجب بعد جمادى في (و) رجب، جمع أشتات، وبعث أموات، وحديثات هونات هونات بينهن موتات، رافعة ذيلها، داعية عولها، معلنة قولها، بدجلة أو حولها. ألا إن منا قائماً عفيفة أحسابه، سادة أصحابه، تنادوا عند اصطلام أعداء الله باسمه واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثاً .... ليستخلفن الله خليفة يثبت على الهدى ولا يأخذ على حكمه الرشا، إذا دعى دعوات بعيدات المدى، دامغات للمنافقين، فارجات عن المؤمنين، ألا إن ذلك كائن على رغم الراغمين، والحمد لله رب العالمين...) ([150]). وفي الخطبة إشارات كثيرة ومهمة ولكن لا يسعني الآن الوقوف عليها، فقط أنبه إلى التطابق في الوصف بين هذا الخليفة وبين الرجل الذي ذكره الإمام الصادق ع بأنه يخرج قبل قيام الإمام المهدي ع ووصفه بأنه من أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا. وأيضاً أنبه إلى أن قول أمير المؤمنين ع: (ليستخلفن الله خليفة)، سيفسر لنا الروايات التي تنص على وجود خليفة الله المهدي مع الرايات السود أو مزامن لها: عن ثوبان، عن النبي ص قال: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي) ([151]). وغير هذه من الروايات. د- قوله ع: (والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه): يشعر هذا الكلام بأن اسم هذا الرجل واسم أبيه من الأسرار التي اختص بها الأئمة ع ولا يعرفه أحد غيرهم إلا منهم، وخصوصاً إذا لاحظنا أن الإمام الصادق ع يقسم على ذلك ويؤكد كلامه بـ (لام التأكيد) .. (لأعرفه). وكذلك نجد أمير المؤمنين ع يؤكد على هذه المسألة عندما يتكلم عن قائد جيش الغضب، كما في الرواية الآتية: عن جابر، قال: حدثني من رأى المسيب بن نجبة، قال: (وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع ومعه رجل يقال له ابن السوداء، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك. فقال أمير المؤمنين ع: لقد أعرض وأطول، يقول ماذا ؟ فقال: يذكر جيش الغضب. فقال: خل سبيل الرجل، أولئك قوم يأتون في آخر الزمان قزع كقزع الخريف، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتى يبلغ تسعة، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم، ثم نهض وهو يقول: باقراً باقراً باقراً، ثم قال: ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقراً) ([152]). وهنا أيضاً نجد أمير المؤمنين ع يقسم على أنه يعرف اسم هذا الأمير، ويؤكد أيضاً كلامه بـ (لام التأكيد) .. (لأعرفه). وأيضاً توجد إشارات أخرى في كلام أمير المؤمنين ع، ربما يأتي التأكيد عليها إن شاء الله تعالى. هـ- وردت بعض الألفاظ في كلام الإمام الصادق ع ربما تكون غير مفهومة، أحاول الآن بيانها، مثل: (الرشا ... الغليظ ... القصرة ... ذو الخال ... الشامتين): (الرشا): الظاهر أنه مأخوذ من الرشوة، أي إن مفرد الرشا هو رشوة. قال الجواهري: ([رشا] الرشاء: الحبل، والجمع أرشية. والرشوة معروفة، والرشوة بالضم مثله، والجمع رشا ورشا. وقد رشاه يرشوه رشوا. وارتشى: أخذ الرشوة. واسترشى في حكمه: طلب الرشوة عليه...) ([153]). (الغليظ): الغلظة ضد الرقة سواء كانت في الأعضاء أو الصفات والطباع. قال ابن منظور: (غلظ: الغلظ: ضد الرقة في الخلق والطبع والفعل والمنطق والعيش ونحو ذلك...) ([154]). والظاهر أن (الغليظ) هي وصف لـ (القَصَرَة)، كالآتي: (القصرة): الظاهر المقصود منها الرقبة أو أصل الرقبة، وقيل الرقبة إذا غلظت تسمى (قَصَرَة) بفتح القاف والصاد والراء، قال ابن منظور: (... والقَصَرَة، بالتحريك: أصل العنق. قال اللحياني: إنما يقال لأصل العنق قصرة إذا غلظت، والجمع قَصَر، وبه فسر ابن عباس قوله (: إنها ترمي بشرر كالقصر، بالتحريك، وفسره قصر النخل يعني الأعناق .... وقال كراع: القصرة أصل العنق، والجمع أقصار، قال: وهذا نادر إلا أن يكون على حذف الزائد...) ([155]). فيكون معنى (الغليظ القصرة)، هو غليظ الرقبة، كما تقول مثلاً (الطويل القامة)، فيكون لفظ الغليظ وصف لـ (القصرة)، وهو من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها... والله العالم. وهذا الوصف إشارة إلى قوة الإمام المهدي ع وصلابة بنيته الجسمانية، وقد روي عن أبي عمرو عثمان بن سعيد - أول السفراء - أنه وصف الإمام المهدي ع بعظم رقبته إشارة منه إلى ضخامة جسمه: عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: (اجتمعت والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف. فقلت له: .... أنت رأيت الخلف من أبي محمد ع ؟ فقال: إي والله ورقبته مثل هذا وأومأ بيده...) ([156]). وفي الأبيات المنسوبة إلى أمير المؤمنين ع في وصف نفسه ([157]): أنا الذي سمتني أمي حيدرة ضرغام آجام وليث قسورة عبل الذراعين شديد القصرة كليث غابات كريه المنظـرة أكيلكم بالسيف كيل السندرة أضربكم ضربا يبين الفقـرة وأترك القرن بقاع جزرة أضرب بالسيف رقاب الكفـرة وقد توهم وتحير الكوراني في كتابه (عصر الظهور) في تفسير معنى (الغليظ القصرة)، فتوهم أن الغليظ تعني البدين أي السمين، والقصرة تعني القصير القامة، ولذلك استبعد أن يكون هذا الوصف للإمام المهدي ع، وأساء فهم الرواية الشريفة، ولو اتعب نفسه قليلاً ربما توصل إلى معنى العبارة، وإليكم نص كلام الكوراني: (أما عبارة: "ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين القائد العادل" فهي تتحدث عمن يأتي بعد هذا السيد الموعود ([158])، والمفهوم منها أنه المهدي ع الذي هو ذو الخال والشامتين كما ورد في أوصافه. ولكن وصف "الغليظ القصرة" أي البدين القصير لا ينطبق على المهدي ع؛ لأن الروايات تجمع على أنه طويل القامة معتدلها. ولذا يرجح أن يكون سقط من الرواية فقرة أو أكثر باستنساخ ابن طاووس (رحمه الله) أو غيره من النساخ، وأن يكون هذا الرجل البدين القصير يأتي بعد السيد الموعود، وأن بعض أوصافه الأخرى سقطت. ولذا لا يمكن أن نستفيد من الرواية الاتصال بين هذا السيد الموعود وبين ظهور المهدي ع) ([159]). وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان !!! (ذو الخال والشامتين): الخال والشامة كلاهما نكته سوداء في البدن، وقد تكون قريبة إلى السواد أو قريبة إلى الحمرة .. والظاهر أن الفرق بين الخال والشامة، إن الخال يكون بارزاً عن البدن مرتفعاً عن مستواه، وأما الشامة فهي مجرد بقعة سوداء بمستوى البدن أي ليست مرتفعة عنه، كما قال ابن منظور: (والخال: الذي يكون في الجسد. ابن سيده: والخال سامة سوداء في البدن، وقيل: هي نكتة سوداء فيه، والجمع خيلان. وامرأة خيلاء ورجل أخيل ومخيل ومخيول ومخول مثل مقول من الخال أي كثير الخيلان، ولا فعل له. ويقال لما لا شخص له شامة، وما له شخص فهو الخال) ([160]). وقد روي عن أهل البيت ص أن الإمام المهدي ع في خده الأيمن خال وفي ظهره شامتين. عن أبي الحسن بن هلال بن عمير، قال: سمعت علياً ع يقول: (قال رسول الله ص: يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث، على مقدمته رجل يقال له: منصور، يوطئ أو يمكّن لآل محمد ص كما مكنت قريش لرسول الله ص، واجب على كل مؤمن نصرته، أو قال: إجابته) ([161]). وأذكر بعض النقاط حول هذا الحديث: أ- قوله ص: (يقال له الحارث بن حراث): أكيد أن هذا صفة وليس اسماً، وربما يؤيد ذلك قوله (يقال له...) ولم يقل يسمى أو اسمه.. وخصوصاً إذا لاحظنا أنه ورد عن الأئمة ص النهي عن تسمية الولد بـ (حارث)، نعم روي عن الأئمة ص أن اسم (حارثة) من أفضل الأسماء، ولكن الظاهر حارثة غير حارث. وحارث مأخوذ من حرث، والحرث يعني الكسب والتفقه والتفتيش والزرع... الخ. قال الزبيدي في تاج العروس: ([حرث]: "الحرث: الكسب"، كالاحتراث، وفي الحديث "أصدق الأسماء الحارث"؛ لأن الحارث هو الكاسب، واحتراث المال كسبه، والإنسان لا يخلو من الكسب طبعاً واختياراً. قال الأزهري: والاحتراث: كسب المال، والحرث العمل للدنيا والآخرة... والحرث "التفقه"، يقال: حرث، إذا تفقه، ويقال: احرث القرآن، أي ادرسه، وهو مجاز، وحرثت القرآن أحرثه، إذا أطلت دراسته وتدبرته، وفي حديث عبد الله "احرثوا هذا القرآن" أي فتشوه وثوروه...) ([162]). فقد يكون (الحارث) بمعنى حارث العلم والقرآن ومن يبقر العلم بقراً، كما روي عن أمير المؤمنين ص في وصف أمير جيش الغضب: (... أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم، ثم نهض وهو يقول: باقراً باقراً باقراً، ثم قال: ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقراً). فبقر الأرض وحرث الأرض بمعنى متقارب، أي شقها وقلبها لتغطية البذر. قال الجوهري: (والتبقر: التوسع في العلم والمال. وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "الباقر"؛ لتبقره في العلم) ([163]). وقال الزبيدي: (... وبقره، كمنعه، يبقره: شقه، وفتحه ووسعه، وفي حديث حذيفة: "فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا"، أي يفتحونها ويوسعونها، ومنه حديث الإفك: "فبقرت لها الحديث"، أي فتحته وكشفته. وبقر الهدهد الأرض: نظر موضع الماء فرآه. في التهذيب: روى الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في حديث هدهد سليمان، قال: "بيننا سليمان في فلاة احتاج إلى الماء، فدعا الهدهد، فبقر الأرض، فأصاب الماء فدعا الشياطين فسلخوا مواضع الماء، فرأى الماء تحت الأرض، فأعلم سليمان حتى أمر بحفره". وبقر في بني فلان، إذا عرف أمرهم، وفي التكملة: إذا علم أمرهم وفتشهم...) ([164]). و(حرَّاث) على وزن (فعَّال) صيغة مبالغة، وهي أيضاً صفة، قال الجوهري: (... والحرث: الزرع. والحراث: الزراع...) ([165]). وعلى ما تقدم يكون معنى (الحارث بن حراث)، العالم ابن العلام، أو الباقر ابن البقَّار، وما أشبه ذلك، أي فيه دلالة على أن الأب أعلم وأفضل وأفقه من الابن .. والله العالم. ب- قوله ص: (يوطئ أو يمكن لآل محمد ص كما مكنت قريش لرسول الله ص): وهذا يدل على أن هذا الرجل (الحارث بن حراث) هو نفسه الممهد الرئيسي الذي هو من أهل البيت ص والذي هو اليماني الموعود...الخ، كما تقدم تفصيله، أو أن يكون تابعاً له ومنطوياً تحت رايته (أهدى الرايات) و (راية آل محمد) و (راية الهدى) إلى غيرها من الصفات والأسماء التي تقدم تفصيل القول فيها. ج- قوله ص: (واجب على كل مؤمن نصرته): وهذا يؤكد لنا أكثر أن هذا الممهد لا يمكن أن ينفك عن اليماني الموعود؛ لأننا أثبتنا أن أهل البيت ص قد أمروا شيعتهم بالجلوس وعدم نصرة أي راية قبل قيام الإمام المهدي ع حتى يروا رجلاً من ولد الحسين أو من أهل البيت أو اليماني الموعود أو الرايات المشرقية... والتي تبين أنها جميعاً بمعنى واحد وإن كانت بصيغ مختلفة. وإذا قارنت ما قاله الرسول ص عن هذا الممهد (الحارث) مع ما قاله الإمام الباقر ع عن اليماني الموعود لوجدتهما يصبان في معنى واحد: (يوطئ أو يمكن لآل محمد ص كما مكنت قريش لرسول الله ص، واجب على كل مؤمن نصرته). (هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم،... وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). وكذلك قول الرسول محمد ص عن الرايات المشرقية: (... حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله...). ويجمعها جميعاً صفة راية آل محمد ص في كل زمان: (معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق، ومن خذلها محق، ومن لزمها لحق). عن أبي الطفيل، أن علياً ع قال له: (يا عامر، إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها، فإن لم تستطع فتدحرج حتى تقتل تحتها) ([166]). وفي هذه الرواية يبلغ التأكيد على نصرة الرايات السود الخراسانية ذروته، وبصورة عجيبة، فلا يمكن أن تكون غير راية آل محمد ص اليمانية الحسينية المهدوية. عن أبي جعفر ع أنه قال: (كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر) ([167]). ولنحاول توضيح بعض النقاط في هذه الرواية: أ- إن الرواية موافقة للروايات السابقة في حديثها عن رايات مشرقية، بيد أنها لم تعين إيران أو خراسان، والمشرق هنا كما أشرت سابقاً يشمل العراق أو جنوبه بالخصوص وإيران. وقد حاول بعض الكاتبين تفسير هذه الرواية بثورة السيد الخميني (رحمه الله)، ولكن هذا بعيد جداً، ولا حاجة الآن إلى الانشغال برده. ب- تؤكد لنا هذه الرواية الشريفة على أمر مهم جداً، وهو أن هؤلاء القوم يطلبون الحق مرتين ولا يعطونه ثم يضعون سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا ولا يقبلونه حتى يسلموا الأمر للإمام المهدي ع، وهذا يدل على أن هذه الراية تخرج قبل قيام الإمام المهدي ع بزمن ليس بالقصير، ويتبين أيضاً أن هؤلاء أصحاب دعوة إلى الحق، كما هو الحال في وصف اليماني (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). ويظهر أن دعوتهم على ثلاث مراحل، والمرحلة الثالثة يضعون سيوفهم على عواتقهم، أي يدخلون في مرحلة ذروة الملاحم وشدتها دون انقطاع أو هدنة، وهذا ما سمعناه سابقاً عن حامل راية آل محمد في عصر الظهور (يحمل السيف على عاتقة ثمانية أشهر)، وتأكيد الباقر ع على أن هؤلاء يمهدون الأمر للإمام المهدي ويدفعون بظفرهم للإمام المهدي ع، يتبين منه أيضاً اتحادهم مع الرجل (العنيف خامل الأصل) الذي يقضي على بني العباس ويدفع بظفره إلى الإمام المهدي ع، وكذلك مع الروايات التي تصف الرايات المشرقية التي توطئ أو تمهد للإمام المهدي ع، وكذلك مع (الحارث بن حراث) الذي يوطئ أو يمكن لآل محمد ع... وهكذا.... فنجد كل الروايات مرتبطة بعضها مع البعض الآخر. ج- وقول الإمام الباقر: (أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر)، لا يعني أنه تقليل من أهمية ووجوب نصرة هذه الرايات، فلعل معناه: إن أدرك ذلك الزمان لادخر نفسه لنصرة القائم، وقد تبين أن هذه الرايات هي رايات القائم، أي إن الإمام الباقر ع بصدد إرشاد من يدرك آخر الزمان أن لا يتبع أي راية سوى راية آل محمد ص، أي كأنه يقول: إن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فلا تتبع إلا راية آل محمد ص. أو لعل معنى كلامه أن قيام الإمام المهدي ع قريب بعد خروج هذه الرايات بحيث أن من يعاصر هذه الرايات فهو يدرك الإمام المهدي ع إن بقي حياً. وعلى أي حال فالإمام الباقر ع قال: (إني لو أدركت ذلك) أي يتكلم عن نفسه، ولم يقل من أدرك ذلك أو إن أدركتم ذلك فاستبقوا أنفسكم للإمام المهدي ع، فهو ع أعلم بمراده من قوله، فهم ص لهم غايات وإرادات لا يمكن إدراكها إلا بتوفيق الله ( .. والله أعلم وأحكم. فتكليف الأمة قد تحرر تجاه راية آل محمد في عصر الظهور من الروايات المتكاثرة والتي سبق شرحها بالتفصيل، والتكليف هو وجوب النصرة، وإن من نصرها نصره الله ومن خذلها خذله الله تعالى ومصيره جهنم وبئس المصير - أعاذنا الله -، ولا أنسى التنبيه على أن الإمام الباقر في نفس هذه الرواية قد مدح هؤلاء القوم وأنهم يطلبون الحق ويمهدون الأمر للإمام المهدي ع وإن قتلاهم شهداء، فكيف نتصور أنه يقلل من أهميتها ومن شدة الحرص على نصرتها ؟! في حين أننا نجد هؤلاء القوم هم أنفسهم في الرواية الآتية عن رسول الله ص والذين يشدد على نصرتهم ولو حبواً على الثلج: عن رسول الله ع: (إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً، حتى يجئ قوم من ها هنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه - حتى أعادها ثلاثاً - فيقاتلون فينصرون، ولا يزالون كذلك حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً على الثلج) ([168]). 2- (يدعو إلى صاحبكم): أي إلى الإمام المهدي ع، وهذا يعني أنه صاحب دعوة وفكر يختلف عن غيره من أصحاب الرايات، أي إن دعوته خاصة بالإمام المهدي ع لا إلى مرجعية دينية ولا إلى حزب سياسي ولا غير ذلك، كما هو متعارف عند أهل هذا الزمان. قال الله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾([169]). وقال تعالى: ﴿وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([170]). وقد تقدم ذكر روايات كثيرة تدل على وجود دعوة قبل قيام الإمام المهدي ع، والآن أذكر بعض ما لم يذكر أو ذكر بدون شرح: عن جابر، عن [جعفر بن محمد و] أبي جعفر (عليهما السلام)، في قول الله: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾([171])، قال: (خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه)([172]). والتعليق في نقاط: أ- الرواية تنص على أن هناك دعوة للإمام المهدي ع وهناك آذان لهذه الدعوة أي إعلان وإعلام. ب- وقد ثبت مما تقدم وبالتفصيل أن حامل راية آل محمد ص في عصر الظهور هو صاحب دعوة، وهو اليماني الموعود، كما وصفه الإمام الباقر ع بقوله: (يدعو إلى صاحبكم ... يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم). والرواية أعلاه تقول: (وأذان دعوته إلى نفسه) أي إلى نفس الإمام المهدي ع، ونحن نجد أن اليماني الموعود دعوته إلى نفس الإمام المهدي ع (يدعو إلى صاحبكم) أي إلى الإمام المهدي ع. ج- وعندما نرجع إلى انطباق هذه الآية في زمن رسول الله ص: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([173]). نجد أن صاحب الدعوة هو رسول الله ص والمؤذن والداعي إليه هو علي بن أبي طالب ع. عن حفص بن غياث النخعي القاضي، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾، فقال: (قال أمير المؤمنين ع: كنت أنا الأذان في الناس...) ([174]). وعن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: (خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من ... وأنا المؤذن في الدنيا والآخرة، قال الله (: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾([175]) أنا ذلك المؤذن، وقال: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ فأنا ذلك الأذان...) ([176]). وعن علي بن الحسين (عليهما السلام) في قول الله (: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾، قال: (الأذان علي ع) ([177]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (سألته عن قول الله (: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾، فقال: اسم نحله الله ( علياً صلوات الله عليه من السماء؛ لأنه هو الذي أدى عن رسول الله ص براءة، وقد كان بعث بها مع أبي بكر أولاً فنزل عليه جبرئيل ع، فقال: يا محمد، إن الله يقول لك: إنه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث رسول الله ص عند ذلك علياً ع فلحق أبا بكر وأخذ الصحيفة من يده ومضى بها إلى مكة فسماه الله تعالى أذاناً من الله، إنه اسم نحله الله من السماء لعلي ع) ([178]). فالآية تقول: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ وكان الأذان والمؤذن هو علي بن أبي طالب ع. د- ومن النقطة (ج) يتضح لنا السنة الإلهية في مصاديق هذه الآية الشريفة في زمن رسول الله ص وفي زمن القائم ع والتطابق بينهما، لاسيما إذا لاحظنا أن الداعي إلى الإمام المهدي ع في عصر الظهور هو ابنه ووصيه ومنه، كما ثبت في الصفحات المتقدمة، إذن فاليماني الموعود هو الأذان وهو المؤذن بدعوة الإمام المهدي ع، وهو رجل من أهل بيت النبي محمد ص ؟ هـ- وأيضاً من النقطة (ج) يتضح لنا أن أذان أمير المؤمنين ع كان بالبراءة من المشركين والكافرين الذين لم يؤمنوا برسالة الرسول محمد ص: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. فهناك براءة وتبشير بالنار للمكذبين والمتولين، وإذا رجعنا إلى دعوة اليماني الموعود وأذانه إلى الإمام المهدي ع نجده أيضاً كذلك: (...لأنه يدعو إلى صاحبكم، ... ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم...). ويكون الأمر أكثر وضوحاً إذا سمعنا الرواية الآتية: عن الإمام الصادق ع في تفسير بعض الآيات القرآنية، قال: (وقوله: ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ يعني بذلك الشيعة وضعفاءها ... إلى قوله: وقوله: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ .. لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾([179])، قال: اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه ومن شاء تأخر عنه....) ([180]). فلاحظ أن هذا التقدم والتأخر قبل قيام القائم ع، فمن تقدم إلى قبول الحق تأخر عن سقر، ومن تأخر عن قبول الحق تقدم إلى سقر، إذن فالالتواء على اليماني ومعاداته يُخرج الناس عن الولاية ويوردهم سقر - والعياذ بالله -، فاليماني هو واعية أهل البيت ع في عصر الظهور - والواعية هي الدعوة - ومن سمعه ولم ينصره أكبه الله في النار على وجهه، كما قال الإمام الحسين ع: (... فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا، كبه الله على وجهه في نار جهنم) ([181]). وكذلك قارِن بين قوله تعالى: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ﴾. و- ومن النقطة (ج) أيضاً نعرف أن المؤذن لرسول الله والمؤدي عنه لابد أن يكون منه، كما في قول الإمام الصادق ع: (... فنزل عليه جبرئيل ع فقال: يا محمد، إن الله يقول لك: إنه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث رسول الله ص عند ذلك علياً ع...). وأيضاً سمعنا الروايات التي تتحدث عن حامل راية آل محمد والداعي لهم في عصر الظهور تصفه بـ (رجل منا أهل البيت)، و (رجل من آل محمد)، و (رجل من أهل بيت القائم ع)، و (من ولد الحسين ع)، و (ابن صاحب الوصيات)، إلى غيرها من الأوصاف الجليلة، والتي بيَّنتُ أنها كلها تنطبق على اليماني الموعود وصي الإمام المهدي ع، والموصوف بوصية رسول الله ص بأنه (أول المؤمنين)، أي هو أول المؤمنين بالإمام المهدي ع وأول المصدقين له وأول أنصاره في عصر الظهور، كما كان الإمام علي ع هو أول المؤمنين برسول الله ص في بداية دعوته، فكان يمانية ووصيه وخليفته وأقرب الناس إليه. واليماني الموعود هو الداعي إلى الإمام المهدي ع قبل قيامه، وهو وزيره في حياته، وهو خليفته بعد استشهاده، كما كان الإمام علي ع لرسول الله ص، وهذا الوزير نجده من أخلص أصحاب الإمام المهدي ع، كما تبينه الرواية الآتية: عن أبي عبد الله ع: (كأني أنظر إلى القائم ع على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله ع فيجفلون عنه إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى ابن عمران ع فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه، والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به) ([182]). ومن المعلوم أن أول الذين بقوا مع موسى ع هو وصيه وخليفته وفتاه، يوشع بن نون ع. وهذا الوزير وردت الإشارة إليه في لقاء الإمام المهدي ع مع علي بن مهزيار الأهوازي: عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الصنعاني، قال: (دخلت إلى علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ..... إلى قول الإمام ع: ... فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج، فقلت: يا سيدي، متى يكون هذا الأمر ؟ فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم...) ([183]). وهنا الشمس والقمر والكواكب والنجوم كناية وليس على الحقيقة؛ لأنه لم يرو أن الشمس والقمر يجتمعان قبل قيام الإمام المهدي ع. والشمس هنا هو الإمام المهدي ع، والقمر يشير إلى الوزير والوصي، والكواكب والنجوم هم النقباء والأصحاب الثلاثمائة والثلاثة عشر، واستدارتهم حول الشمس والقمر تعني اجتماعهم عليهم ونصرتهم والاقتباس من أنوارهم والاقتداء بهم. والشمس والقمر أيضاً يرمزان إلى رسول الله ص ووزيره ووصيه علي بن أبي طالب ع: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (سألته عن قول الله (: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾، قال: الشمس رسول الله ص أوضح الله به للناس دينهم. قلت: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾([184])، قال: ذلك أمير المؤمنين ع...) ([185]). وبعد وفاة الرسول محمد ص كان الشمس هو علي بن أبي طالب ع والقمر هما الحسن والحسين (عليهما السلام): عن الفضل بن العباس، عن أبي عبد الله ع، أنه قال: (﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ الشمس أمير المؤمنين ع، وضحاها قيام القائم ع، ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ الحسن والحسين (عليهما السلام)، ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾([186]) هو قيام القائم ع...) ([187]). وقد وصف الإمام المهدي ع في دعاء الندبة الأئمة ص بأنهم الشموس الطالعة والأقمار المنيرة: (... أين الشموس الطالعة، أين الأقمار المنيرة...) ([188]). إذن فالشمس هو الحجة في زمانه والقمر وصيه ووزيره. وقد وُصِف الإمام المهدي ع بأنه الشمس الطالعة: عن الإمام المهدي ع أنه قال: (... وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب...) ([189]). وعن جابر بن عبد الله الأنصاري: (.... قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال ص: أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سر الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلا عن أهله) ([190]). وعن النزال بن سبرة، عن أمير المؤمنين ع في حديث يذكر فيه أمر الدجال ويقول في آخره: (لا تسألوني عما يكون بعد هذا، فإنه عهد إليّ حبيبي ص أن لا أخبر به غير عترتي. قال النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة ابن صوحان: ما عنى أمير المؤمنين بهذا القول ؟ فقال صعصعة: يا ابن سبرة، إن الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي (عليهما السلام)، وهو الشمس الطالعة من مغربها...) ([191]). وما دام أن الإمام المهدي ع هو الشمس فمن هو القمر غير وصيه (أحمد) اليماني الموعود المذكور في وصية الرسول محمد ص ؟ والذي هو من علامات قيامه الحتمية، واجتماع الشمس والقمر هو كونهما في زمان واحد، وحينئذ تجتمع عليهم الكواكب والنجوم، وهم الدعاة إلى الشمس والقمر، أي هم أيضاً أصحاب دعوة، كما في الخبر الآتي: ذكر السيد ابن طاوس (قدس الله روحه) في كتاب سعد السعود: (أني وجدت في صحف إدريس النبي ع عند ذكر سؤال إبليس وجواب الله له قال: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال: لا، ولكنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي. وانتخبت لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للإيمان، وحشوتها بالورع والإخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقى والزهد في الدنيا والرغبة فيما عندي، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر، وأستخلفهم في الأرض، وأمكن لهم دينهم الذي ارتضيته لهم ثم يعبدونني لا يشركون بي ... اخترت لهم نبياً مصطفى وأميناً مرتضى فجعلته لهم نبياً ورسولاً وجعلتهم له أولياء وأنصاراً...) ([192]). و (دعاة الشمس والقمر)، أي أصحاب دعوة إلى الإمام المهدي ع ووصيه (أحمد اليماني)، وهذه الدعوة تكون قبل قيام الإمام المهدي ع، فبعد قيام الإمام المهدي ع ترفع التوبة، فلا ينفع نفس إيمانها. قال الله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾([193]). عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله ع أنه قال في قول الله (: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾، فقال: (الآيات هم الأئمة، والآية المنتظرة هو القائم ع ، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه ص) ([194]). وعن تفسير الإمام العسكري: (أتى أعرابي إلى النبي ص، فقال: أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل ؟ فقال ص: إن بابها مفتوح لابن آدم لا يسد حتى تطلع الشمس من مغربها، وذلك قوله: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ وهي طلوع الشمس من مغربها، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾) ([195]). عن عمار بن ياسر أنه قال: (.... ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك، رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب، ويحضر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر. فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد ص...) ([196]). وهذا الخبر ينص على أن هذا الداعي لآل محمد ص يخرج قبل خروج السفياني بالشام وقبل توجهه نحو العراق، وقد عرفنا أن صاحب الدعوة لآل محمد ص في عصر الظهور هو اليماني الموعود، فهذه إشارة إليه .. والله أعلم. وعليه فيكون ظهور اليماني الموعود كدعوة سابق للفتن المميزة في عصر الظهور كفتنة السفياني وغيره. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (إن لولد فلان عند مسجدكم - يعني مسجد الكوفة - لوقعة في يوم عروبة، يقتل فيها أربعة آلاف من باب الفيل إلى أصحاب الصابون، فإياكم وهذا الطريق فاجتنبوه، وأحسنهم حالاً من أخذ في درب الأنصار) ([197]). الرواية تتحدث عن فتنة تكون في دولة بني العباس في آخر الزمان وفي عصر الظهور في يوم جمعة، ويقتل في هذا اليوم أربعة آلاف بين باب الفيل وهو أحد أبواب مسجد الكوفة وبين أصحاب الصابون وهو اسم موضع في الكوفة أو اسم لسوق في الكوفة، والإمام الصادق ع يحذر من اتباع طريق هؤلاء المقتتلين ويرشد إلى اتباع طريق الأنصار، وإنه المنجي من هذه الفتنة والاقتتال. ودرب الأنصار يعني نهج وسيرة وراية وفكر الأنصار، وهذا يدل على أن في ذلك الوقت هناك مجموعة معينة تسمى (الأنصار)، وقوله ع: (وأحسنهم حالاً من أخذ في درب الأنصار)، يدل على أن نهج وسيرة وطريق هؤلاء الأنصار هو أهدى الطرق والمناهج الموجودة آنذاك، وبه تكون النجاة من الفتن والضلال. وهناك رواية أخرى تؤكد هذه الواقعة بالكوفة: عن أبي عبد الله ع، قال: (لا يذهب ملك هؤلاء حتى يستعرضوا الناس بالكوفة في يوم الجمعة، لكأني أنظر إلى رؤوس تندر فيما بين باب الفيل وأصحاب الصابون([198])) ([199]). وإذا عرفنا أن (ولد فلان) هم بنو العباس، يتضح لنا أن درب الأنصار موجود قبل زوال دولة بني العباس؛ لأن الرواية توحي إلى أن هذا الدرب معروف ومشهور ومتبع من بعض الناس، وقد عرفنا مما سبق أن أهدى الرايات في عصر الظهور هي راية اليماني الموعود الذي يحمل راية آل محمد ويدعو إليهم ص، وقول الإمام ع: (أحسنهم حالاً) أكيد غير ناظر إلى الجانب الدنيوي، بل إلى الجانب الديني الأخروي وإلى الهدى والحق، وقد عرفنا أيضاً أن الداعي إلى الهدى والحق والصراط المستقيم هو اليماني الموعود. بل إذا حملنا هذا الدرب على غير درب اليماني، نصدم بالروايات التي تحذر الناس من اتباع أي راية إلا راية رجل من أهل البيت ص، فكيف يشير الإمام الصادق ع إلى اتباع هذا الدرب للنجاة من الفتن والضلال ؟! ثم إن اسم جماعة (الأنصار) مأخوذ من النصرة، والنصرة الحق في ذلك الوقت هي نصرة الإمام المهدي ع.. ومنه يتضح أن هذه الجماعة أنصار للإمام المهدي ع أي إن عنوانهم: (أنصار الإمام المهدي) ... وبما أن دربهم (أحسن درب) أي أهدى طريق، فلابد أن يكونوا أتباعا لـ (أهدى الرايات) في ذلك الزمان، الذي (يدعو إلى طريق مستقيم). عن رسول الله ص: (... وليكونن في آخر الزمان قوم يتولونك يا علي يشنأهم الناس، ولو أحبهم كان خيراً لهم لو كانوا يعلمون، يؤثرونك وولدك على الآباء والأمهات والإخوة والأخوات وعلى عشائرهم والقرابات صلوات الله عليهم أفضل الصلوات، أولئك يحشرون تحت لواء الحمد، يتجاوز عن سيئاتهم ويرفع درجاتهم جزاء بما كانوا يعملون) ([200]). آخر الزمان هو عصر ظهور الإمام المهدي ع كما هو معلوم، والرواية أعلاه تبين أن هناك جماعة في آخر الزمان يتولون الإمام علي ع، وهذا إشارة إلى أن الناس سوف تترك ولاية أمير المؤمنين بالقول أو بالفعل، كما أن هناك روايات كثيرة تؤكد ذلك يطول المقام بذكرها. والناس سوف تبغض تلك الجماعة بسبب ولايتهم لأهل البيت ص، وهؤلاء الجماعة يتركون الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والعشائر والقرابات من أجل ولاية أهل البيت ص، وطبعاً لا يتركونهم إلا إذا خيروا بين ولاية أهل البيت ص وبين ولاية أهلهم وعشائرهم وأقربائهم، أي إن هؤلاء الأقرباء هم من سيحاربون عقيدة هذه الجماعة المنتجبة وبالتالي فيجب حينئذ البراءة من أعداء الله تعالى، أو إن الأقرباء والعشائر سيتبرؤون من تلك الجماعة بسبب تمسكهم بولاية أهل البيت ص في آخر الزمان، كما حصل ذلك في زمن الرسول محمد ص وفي زمن الأئمة ص. وتلك الجماعة المطهرة بلغ من منزلتها أن الرسول محمد ص يصلي عليهم بأفضل الصلوات بقوله: (صلوات الله عليهم أفضل الصلوات، أولئك يحشرون تحت لواء الحمد، يتجاوز عن سيئاتهم ويرفع درجاتهم جزاء بما كانوا يعملون). بل الرواية تشير إلى أن عشائر وقرابات وأهل تلك الجماعة كانوا معهم على دينهم أي موالين؛ لأنهم أولادهم، وليست المسألة من قبيل أن هؤلاء مثلاً كانوا نواصب واستبصروا؛ لأن الرواية تصف كل تلك الجماعة بذلك، وهذا يدل على أن من ينتمون إلى ولاية أهل البيت ص أي الشيعة سيتعرضون إلى غربلة وتمحيص وبلاء لا ينجو منه إلا أقل القليل، كما نطقت بذلك روايات متواترة، أذكر منها: عن رسول الله ص: (إن الإسلام بدء غريباً وسيعود غريباً كما بدء، فطوبى للغرباء) ([201]). ونجد سبب الغرابة متعلقاً بالإمام المهدي ع ودعوته في آخر الزمان، كما في الرواية الآتية: عن أبي جعفر ع أنه قال: (إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله ص، وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) ([202]). فأكيد أن الناس ستحارب القائم وأنصاره بسبب الأمر الجديد الذي سيدعون إليه؛ لأن الناس تراه مخالفاً لعقولهم ولموروثهم عن الدين، أو قل إنه مخالف لهواهم ودنياهم .. ولذلك ستحصل البراءة من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأقرباء والعشائر. وهذه الغربلة ستحصل في من ينتمون إلى التشيع، وإلا فغيرهم ساقطون ومنحرفون منذ مئات السنين وليس في آخر الزمان فقط، ونجد الأئمة ص قد صرَّحوا بذلك وحذروا منه أشد التحذير: عن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين ع لشيعته: (.... أما إنكم لن تروا ما تحبون وما تأملون - يا معشر الشيعة - حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم على هذا الأمر إلا كالكحل في العين، أو كالملح في الطعام، وهو أقل الزاد ...... وكذلك أنتم تمحصكم الفتن حتى لا يبقى إلا عصابة لا تضرها الفتن شيئاً) ([203]). وهذه العصابة الباقية رغم الفتن والمتمسكة بولاية أهل البيت ص هم أنفسهم في قول رسول الله ص: (وليكونن في آخر الزمان قوم يتولونك يا علي يشنأهم الناس). وعن مهزم الأسدي، عن أبي عبد الله ع أنه دخل عليه بعض أصحابه، فقال له: (جعلت فداك، إني والله أحبك وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال له: اذكرهم. فقال: كثير. فقال: تحصيهم ؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله ع: أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ..... فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون ؟ فقال: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم. إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعاً. قلت: جعلت فداك، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة ؟ فقال: اطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون، وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان) ([204]). ونهاية كلام الإمام الصادق تدل على أن هؤلاء الجماعة قد تبرأت منهم الناس وهجرتهم ونبذتهم، بحيث أنهم حتى إذا خطبوا لا يزوجهم أحد... !!! وعن أمير المؤمنين ع، يقول: (كأني بكم تجولون جولان الإبل، تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر الشيعة) ([205]). وعن أبي جعفر ع أنه قال: ([والله] لتمحصن يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كمخيض الكحل في العين؛ لأن صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين ولا يعلم متى يذهب، فيصبح أحدكم وهو يرى أنه على شريعة من أمرنا فيمسي وقد خرج منها، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا فيصبح وقد خرج منها) ([206]). فليتأمل طلاب الحق والهدى والنجاة في هذه الروايات وغيرها ولا يلتفتوا إلى نعيق العمائم الرقطاء المترفة، وأصحاب المنابر المتشدقين، الذين يصورون الدين وولاية آل محمد ص للناس على أنها مجرد شعائر ظاهرية كاللطم على الصدور والبكاء وما شابه ذلك، ويتركون تحذيرهم وإرشادهم إلى التأمل في كلام أهل البيت ص ومعرفة مدى الغربلة والتمحيص الذي يتعرض له شيعة آل محمد ص بحيث لا يبقى منهم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، فهؤلاء المترفون يريدون أن يصوروا للناس أن مجرد اتباع العمائم وأهل المنابر هو الذي يوصل إلى نصرة الإمام المهدي ع، والمسألة بالعكس؛ لأننا لو سألنا الرسول محمداً ص وأهل بيته ص عن فقهاء آخر الزمان وأتباعهم من أهل المنابر الذين يقولون ما لا يفعلون لوجدنا الجواب كالتالي: عن أبي عبد الله ع، قال: (قال أمير المؤمنين ع: قال رسول الله ص: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه، يسمعون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([207]). عن جابر، عن أبي جعفر ع، قال: (يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤن يتقرؤن ويتنسكون، حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتم الفرائض وأشرفها...) ([208]). وفي حديث المعراج: قال رسول الله ص: (... فقلت: إلهي وسيدي، متى يكون ذلك (أي قيام القائم ع) ؟ فأوحى الله (: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر القتل، وقل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء....) ([209]). والروايات في ذلك كثيرة جداً يطول المقام في سردها، ولكن المهم هو التأكيد على موضوعنا وهو الثلة المحقة المهدية في آخر الزمان، الذين يتبرأ منهم أهلهم وعشائرهم وأقاربهم، والذين تعاديهم الناس وتنبذهم بسبب ثباتهم على ولاية أهل البيت ص رغم كل الصعاب والفتن، وإن هؤلاء هم أنصار الإمام المهدي ع الذين يقبلون ويسلمون للأمر الجديد الذي سيظهره الإمام المهدي ع (أحسنهم حالاً من أخذ في درب الأنصار)، وبلغ فضل هؤلاء الأولياء الأتقياء أن اتخذهم رسول الله ص إخوة له ووصف شدة صبرهم على دينهم وأنهم يكونون في آخر الزمان: عن أبي جعفر ع، قال: (قال رسول الله ص ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله ص ؟ فقال: لا، إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة) ([210]). ولاحظ التأكيد على أن هؤلاء يأتون في آخر الزمان: (وليكونن في آخر الزمان قوم يتولونك يا علي يشنأهم الناس)، (وإخواني قوم من آخر الزمان)، والرواية الآتية أيضاً تؤكد على هذه الثلة في آخر الزمان وأنهم أفضل أهل كل زمان، وعلة ذلك أنهم آمنوا بسواد على بياض، أي بروايات أهل البيت ص: عن علي بن أبي طالب ع في حديث طويل في وصية النبي ص يذكر فيها أن رسول الله ص قال له: (يا علي، واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي، وحجبتهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض) ([211]). وعن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين زين العابدين ع: (.... يا أبا خالد، إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان؛ لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله ص بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله ( سراً وجهراً) ([212]). وأختم الكلام في هذا الموضوع بالرواية الآتية التي تبين مدى عداء الناس للمؤمنين في آخر الزمان: عن عمرة (عمرو) بن نفيل، قال: سمعت النبي ص يقول: (... ألا ولا يقوم الساعة حتى يبغض الناس من أطاع الله، ويحبون من عصى الله، فقال عمر: يا رسول الله، والناس يومئذ على الإسلام ؟ قال: وأين الإسلام يومئذ يا عمر، المسلم يومئذ كالغريب الشريد، ذاك الزمان يذهب فيه الإسلام ولا يبقى إلا اسمه، ويندرس فيه القرآن ولا يبقى إلا رسمه ... فإذا تكلم منهم متكلم بحق أو تفوه بصدق قيل له اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلالة...) ([213]). ونأتي الآن إلى دراسة وصف آخر من أوصاف اليماني الموعود. 3- (فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم): (حرم) إما أنها مبني للمعلوم نحو (حَرَّم) فيكون فاعلها هو اليماني، أي إن اليماني هو الذي يُحرِّم بيع السلاح، وإما أن تكون مبني للمجهول نحو (حُرِّم)، فتفيد أن هناك علة تشريعية في خروج اليماني بحيث يُحرَّم بيع السلاح تلقائياً، وعلى أي حال فالمستفاد هو حرمة بيع السلاح على الناس وحتى على المسلمين، وحتى لو كان المحرم هو اليماني فهو أهدى الرايات ومأمور باتباعه.. فيكون تحريمه لبيع السلاح حكماً شرعياً نافذاً. وتحريم بيع السلاح على كل المسلمين لا يكون إلا في حالة أنهم جميعاً أصبحوا أعداء للإسلام الحقيقي وإن أظهروا الإسلام، وحينئذ سيكون بيع السلاح إليهم إعانة لأعداء الدين، وإلا فبيع السلاح على المسلمين حقيقة فيه تقوية لدين الله تعالى على أعدائه، فلماذا يحرم عليهم إذا كانوا ما زالوا مسلمين بعد خروج اليماني الموعود ؟! وقوله ع: (فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح)، جملة شرطية، أي إن تحريم السلاح مشروط بخروج اليماني، والخروج هنا الظاهر أنه الخروج للحرب، وهذا يعني أن قبل ذلك لا يحرم بيع السلاح على كل المسلمين، فقد تكون هناك بعض الموارد المحللة لبيع السلاح على جهة معينة، ولكن عندما يرفع اليماني السلاح حينئذ يحرم بيع السلاح على كل الناس وكل المسلمين، والرواية هنا لم تستثنِ أحداً أبداً، وهذا يعني أن اليماني الموعود هو راية الحق الوحيدة في عصر الظهور وكل الرايات التي لا تتبعه ولا تنصره فهي رايات ضلال سواء كانت رايات دينية أو سياسية، فيحرم إعانتها أو بيع السلاح لها؛ لأنه يعتبر إعانة لأعداء راية الحق؛ راية آل محمد ص. ومسألة تحريم بيع السلاح للأعداء عند الحرب بين أهل الحق وأهل الباطل نطقت بها روايات آل محمد ص: عن أبي سارة، عن هند السراج، قال: (قلت لأبي جعفر ع: أصلحك الله إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم، فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك، وقلت: لا أحمل إلى أعداء الله، فقال لي: احمل إليهم، فإن الله يدفع بهم عدونا وعدوكم - يعني الروم - وبعه، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا، فمن حمل إلى عدونا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك) ([214]). وعن جعفر بن محمد، عن آبائه ص - في وصية النبي ص لعلي ع - قال: (يا علي، كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة: .... إلى قوله: والساعي في الفتنة، وبايع السلاح من أهل الحرب، ومانع الزكاة، ومن وجد سعة فمات ولم يحج) ([215]). وعن أبي بكر الحضرمي، قال: (دخلنا على أبي عبد الله ع فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها ؟ فقال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله ص، إنكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح)([216]). وهذه الروايات تصرح بحرمة بيع السلاح في حال الحرب بين أهل الحق وأهل الباطل أو بين أهل البيت ص وبين أعدائهم، وأما إذا كانت الحرب بين فئتين ضالتين فروي أنه يجوز بيع ما يحميهم كالدروع والأحذية وما شابه: عن محمد بن قيس، قال: (سألت أبا عبد الله ع عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أنبيعهما السلاح ؟ قال: بعهما ما يكنهما كالدرع والخفين ونحو هذا) ([217]). إذن فمسألة تحريم السلاح على كل المسلمين عند خروج اليماني تدل على أن كل من خالف اليماني فهو خارج عن جماعة الحق وداخل في جماعة الباطل، ويجب على الجميع نصرته وإعانته بالمال والسلاح والنفس. وإلى هنا عرفنا أن بيع السلاح وإعطاءه لأهل الحرب محرم في عصر الظهور إلا لليماني الموعود، فكل الناس مأمورة بالنهوض إليه ونصرته، والآن نأتي إلى ذكر الرواية الآتية والتي تأمر الناس بحمل السلاح إلى رجل معين في عصر الظهور المقدس: عن أبي بكر الحضرمي، قال: (دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله ع وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى ؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح) ([218]). (فانهدوا إلينا بالسلاح)، أي فانهضوا وسارعوا إلينا بالسلاح، وهو نفس الأمر بالنهوض لليماني: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه)، إذن فهذا الرجل الذي يجتمع عليه أهل البيت ص هو اليماني الموعود؛ لأن الإمام الصادق وغيره من الأئمة ص قد أمروا الشيعة بالجلوس وعدم النهوض بالسلاح إلا لرجل يجتمع عليه أهل البيت، ومن المعلوم أن اليماني مأمور بنصرته، فيتضح أنه هو من ينهد إليه بالسلاح، وأما كيفية اجتماع أهل البيت ص على رجل فسيأتي بيانه في الحلقات المقبلة إن شاء الله تعالى. وإذا عرفنا أن اليماني الموعود قد أمر أهل البيت ص بنصرته والنهوض معه في عصر الظهور، يتبين لنا أنه هو: (متحرك أهل البيت ص)، وهو: (من يبايع له بين الركن والمقام) في الروايتين الآتيتين: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (إنه قال لي أبي ع: لا بد لنار من أذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم، والبدوا ما ألبدنا، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب) ([219]). وعن جابر، قال: قال لي محمد بن علي (عليهما السلام): (يا جابر، إن لبني العباس راية ولغيرهم رايات، فإياك ثم إياك ثم إياك - ثلاثاً - حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع، يبايع له بين الركن والمقام...) ([220]). فالروايات هنا تحصر النهوض فقط لمتحرك أهل البيت ص ولرجل من ولد الحسين ع، فلو حملنا هذه الروايات على الإمام المهدي ع يلزم حرمة النهوض مع اليماني الموعود؛ لأن الروايات تقول: (فكونوا أحلاس بيوتكم، والبدوا ما ألبدنا)، وهذا غير صحيح أبداً؛ لأننا سمعنا الروايات المتكاثرة والمتواترة التي تأمر بنصرة الممهد الرئيسي وحامل راية أهل البيت ص قبل قيام الإمام المهدي ع، وهو اليماني الموعود. وأما مسألة البيعة بين الركن والمقام، وهل هي متعددة أم لا ؟ فسيأتي الكلام عنها في الحلقات القادمة من هذه الدراسة إن شاء الله تعالى. 4- (وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى): وفرض طاعة اليماني الموعود على الناس لا يمكن أن تكون إلا إذا كان اليماني معصوماً عن الضلال والانحراف، وإلا لزم من اتباعه ضلال الناس وانحرافهم، كما في كلام آل محمد ص: عن عيون أخبار الرضا ع: فيما كتب الرضا ع للمأمون: (لا يفرض الله تعالى طاعة من يعلم أنه يضلهم ويغويهم، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به وبعبادته ويعبد الشيطان دونه) ([221]). وعن أمير المؤمنين ع أنه قال: (إنما الطاعة لله ( ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته) ([222]). و (إنما) هنا للحصر كما هو معلوم، أي حصر الطاعة بالرسول ص وأولي الأمر، وهم أوصياء الرسول ص، ثم بيَّن الإمام علي ع بأن العلة من الأمر بطاعتهم هي لأنهم معصومون لا يأمرون بمعصية. واليماني الموعود مأمورٌ بطاعته وعدم الالتواء عليه، وقبل قيام الإمام المهدي ع، إذن فاليماني معصوم عن المعصية والضلال والانحراف. وقد تقدم تفصيل الكلام في أن اليماني الموعود رجل من أهل البيت ص ومن الأوصياء وأنه من أهل بيت الإمام المهدي ع، فلا حاجة للإطالة هنا. 5- (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار): أي إن الملتوي على اليماني مهما صام أو صلى ... الخ، فهو من أهل النار، ومن المعلوم أن أهل النار هم الخارجون عن ولاية أهل البيت ص، وأما الموالون فهم ليس من أهل النار أبداً، وقوله ع: (من أهل النار) أي إنه آهل فيها ومنها كما يكون الشخص من أهله أي إنه منهم وإليهم، أو إنه مستحق للنار. وقد رويتْ روايات كثيرة تنص على أن الذي يدين بإمامة الأئمة الذين نصبهم الله تعالى لا يكون من أهل النار وإن كانت أعماله سيئة قبيحة، أي إن الله تعالى يوفقه للتوبة قبل الموت، وإن الله تعالى لا يعفو عن أي شخص ينكر إمامة إمام منصب من الله وإن كانت أعماله برة تقية: عن أبي جعفر ع، قال: (قال الله (: لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفون عن كل رعية دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة) ([223]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (إن الله لا يستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية، وإن الله ليستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة) ([224]). وعن عبد الله بن أبي يعفور، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق. قال: فاستوى أبو عبد الله ع جالساً وأقبل عليّ كالمغضب، ثم قال: لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله. قلت: لا دين لأولئك، ولا عتب على هؤلاء ؟! قال: نعم، لا دين لأولئك، ولا عتب على هؤلاء، ثم قال: أما تسمع قول الله (: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ﴾ فأي نور يكون للكافر فيخرج منه، إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام، فلما تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم إياهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار، فقال: ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾([225])) ([226]). إذن فما دام أن الالتواء على اليماني يسبب دخول النار والكون من أهلها - والعياذ بالله - فلابد أن يكون اليماني إماماً منصباً من الله تعالى وحجة إلهية؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان الملتوي عليه من أهل النار، ولكان الملتوي عليه غير خارج عن ولاية أهل البيت ص، ويكون من أهل الجنة لا من أهل النار. والحجج والأئمة هم المنصوص عليهم بوصية الرسول محمد ص اثنا عشر إماماً، واثنا عشر مهدياً من ذرية الإمام المهدي ع، وقد مضى من الأئمة أحد عشر إماماً (سلام الله عليهم)، وبقي منهم الإمام المهدي ع، وطبعاً اليماني ليس هو الإمام المهدي ع، إذن لابد أن يكون اليماني هو وصي الإمام المهدي ع وأول المهديين من ذريته والموصوف بوصية الرسول محمد ص بأن اسمه (أحمد) وهو أول المؤمنين، أي أول المؤمنين بالإمام المهدي ع، أي إنه يكون موجوداً قبل قيام الإمام المهدي ع، وهذا الموضوع تم تفصيله في كتاب (الوصية والوصي أحمد الحسن) وغيره، فمن أراد التفصيل فليراجع. إذن فمعرفة اليماني غير مقتصرة أبداً على جهة أو مكان خروجه أو ظهوره، بل يعرف بوصية الرسول محمد ص التي لا يمكن أن يدعيها غير صاحبها، ويعرف أيضاً بالعلم الإلهي، وكذلك بأنه أهدى الرايات ودعوته للإمام المهدي ع. 6- (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق وإلى الصراط المستقيم لا يمكن أن تكون إلا من قبل المعصوم؛ لأن غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، وإذا كان محتمل الخطأ لا يكون معصوماً، ولا يسمى أو يوصف بأنه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم؛ لأن الاستقامة تعني عدم الانحراف والخطأ أبداً في هداية الأمة، أي إنه لا يدخل الأمة في ضلال ولا يخرجهم من هدى. وقولي بأن غير المعصوم لا يهدي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، أي على نحو الحتم والجزم، كما هو الحال في اليماني، لا على نحو الجزئية والاحتمال، فأي إنسان ممكن أن يدعو إلى حق أو إلى الصراط المستقيم عموماً كمن يدعو الناس إلى اتباع أهل البيت ص، ولكن هذا الشخص لا يمكن وصفه بأنه يدعو إلى تمام الحق وإلى حقيقة الصراط المستقيم - على نحو الجزم -، فهو قد يدعو إلى عموم الحق ولكنه قد يخطأ في مصداقه أو في تفاصيله، أو إنه ظاهراً مثلاً: يدعو إلى أهل البيت ص ولكن حقيقته غير ذلك، أو أنه يسير بخلاف منهج أهل البيت ص، فهو قد يكون ضالاً ذاتاً أو منهجاً أو أنه يصيب أشياءً ويخطأ أشياءً أخرى ... إذن فاتباعه يؤدي إلى الضلال أو لا أقل أنه محتمل الضلال. أما اليماني فقد وصف بنص كلام الطاهرين بأنه: (يدعو إلى الحق...)، والحق هنا محلى بـ (الـ) مما يفيد كل الحق المطلوب لهداية الناس، واليماني مأمور باتباعه ونصرته على نحو الإطلاق، وكذلك منهي عن الالتواء عليه على نحو الإطلاق، فإذن هو يدعو إلى الحق قولاً ومنهجاً وفعلاً على نحو الحتم والجزم لا على نحو الجزئية أو الاحتمال... الخ. ولو تتبعنا هذه الصفة (يهدي إلى طريق مستقيم) في القرآن والسنة المطهرة، لوجدنا أنها صفة للثقلين، أي القران والعترة وكذلك الأنبياء والرسل ص. قال الله تعالى حكاية عن قول الجن عندما سمعوا القران: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([227]). فلاحظ وصف القرآن في هذه الآية بأنه: ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ تجده تماماً كوصف اليماني في رواية الإمام الباقر ع (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، ولا يتصور أحد أن هذا مجرد صدفة؛ لأن أهل البيت ص حكماء علماء يحسبون لكل كلمة ولكل حرف حسابه. وقد وصف الإمام المهدي ع أبيه وكل أجداده بهذا الوصف - يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم -، في أحد التوقيعات الصادرة عنه ع: (... أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم ص واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله ( إلى الماضي - يعني الحسن بن علي عليهما السلام - فقام مقام آبائه ص يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، كانوا نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، و قمراً زاهراً، ثم اختار الله ( له ما عنده فمضى على منهاج آبائه ص حذو النعل بالنعل على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله ( بأمره إلى غاية وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله ( فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية، وأبين دلالة، وأوضع علامة، ولأبان عن نفسه وقام بحجته، ولكن أقدار الله ( لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق....) ([228]). وعن الرسول محمد ص في وصف أمير المؤمنين وعترته ص: (... ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم، لم يهب الله ( محبتهم لعبد إلا أدخله الله الجنة) ([229]). وقال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([230]). وهذه الآية تدل على أن اليماني معصوم، وليس مجرد ممهد، والدليل على ذلك أن ذيل الآية مكون من فعل شرط وجوابه، وفعل الشرط هو: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ﴾، وجوابه هو: ﴿فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، أي إن الذي يعتصم بالله يهتدى إلى صراط مستقيم، فكيف بمن هو يهدي ويدعو إلى صراط مستقيم ؟ أي إنه هو من يُعرِّف الناس ويدعوهم إلى الصراط المستقيم، فيكون هو أكثر الناس اعتصاماً بالله تعالى. فإن قيل: كثير من الناس يهتدون إلى الصراط المستقيم مع أنهم غير معصومين ! أقول: لا يخفى أن مفهوم العصمة مفهوم مشكك وليس متواطئاً، أي إنه متفاوت وليس متساوي النسبة بين البشر، فكل من يهتدي إلى الصراط المستقيم لابد أن يكون معصوماً بنسبة ما وكل بحسبه وقدر إخلاصه واعتصامه بالله تعالى، كما أن الهداية إلى الصراط المستقيم أيضاً نسبية أي تختلف باختلاف اليقين والمعرفة والنصرة... الخ. واليماني موصوف بأنه (أهدى الرايات)، أي إنه أكثر الناس اعتصاماً بالله تعالى على الإطلاق، و (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، أي إنه ليس أهدى الرايات فقط، بل إنه هاد لغيره وعاصم لغيره ويعرف الناس بالصراط المستقيم ويدعوهم إليه. قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾([231]). إذن فاليماني مستغنٍ عن كل الناس، وكل الناس تحتاج إليه للهداية إلى الصراط المستقيم، إذن فاليماني معتصم بالله وقد عصمه الله عن كل ضلال وانحرف عن الصراط المستقيم، وإن لم يكن كذلك لما صح وصفه بأنه: (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). ويزداد الأمر تأكيداً عندما نلاحظ أن اليماني مأمور بطاعته (وإذا خرج اليماني فانهض إليه)، ومنهي عن معصيته (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار)، فلو كان اليماني ممكن أن يضل أو ينحرف لما أطلق الأئمة ص وجوب طاعته وحرمة معصيته أو الالتواء عليه، بل إن الالتواء عليه يستلزم أن يكون الملتوي من أهل النار ! والآن نرجع إلى قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، فقد اتضح لدينا بأن اليماني أهدى الناس، وهذا يعني أنه أكثرهم اعتصاماً بالله تعالى، بل إن اليماني هو من يُعرِّف الناس بالصراط المستقيم ويدعوهم إليه، وواجب عليهم اتباعه وامتثال أوامره. فإن قيل: سلمنا بأن اليماني حسب الروايات بأنه أهدى الناس إلى الصراط المستقيم، والهداية إلى الصراط المستقيم لا تكون إلا بالاعتصام بالله، إذن فهو أكثر الناس اعتصاماً بالله، ولكن هل أن العصمة هي مجرد الاعتصام بالله تعالى، وما هو الدليل الشرعي على ذلك ؟! أقول: لا يخفى أنه لا حول ولا قوة للإنسان إلا بالله العلي العظيم، وإذا أوكل الله الإنسان إلى نفسه لا يهتدي إلى حق، وإن أفضل ما يصعد إلى السماء الإخلاص وأفضل ما ينزل من السماء التوفيق، أي كلما زاد المؤمن إخلاصاً واعتصاماً بالله تعالى زاد توفيقاً وتسديداً من الله (، حتى يكون أهدى الناس ويكون هادياً لغيره، أو يكون حجة على غيره ويجب اتباعه ويحرم معصيته. إذن فالعصمة هي من الله تعالى وتابعة إلى مقدار اعتصام الإنسان بالله (، وقد نص الأئمة ص على ذلك في بعض الروايات: الشيخ الصدوق بسنده عن علي بن الحسين ع، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين ص، قال: (الإمام منا لا يكون إلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله (: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾([232])) ([233]). الشيخ الصدوق بسنده عن حسين الأشقر، قال: (قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إن الإمام لا يكون إلا معصوماً ؟ فقال: سألت أبا عبد الله ع عن ذلك فقال: "المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([234])) ([235]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (... ومن اعتصم بالله عصمه الله...) ([236]). وعن أبي عبد الله ع أنه قال: (قال إبليس: خمسة [أشياء] ليس لي فيهن حيلة وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم بالله عن نية صادقة، واتكل عليه في جميع أموره...) ([237]). وعن الكاظم ع، أنه قال لهشام في خبر طويل: (عليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه، وجاهد نفسك لتردها عن هواها، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك. قال هشام: [فقلت له:] فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال: أقربهم إليك، وأعداهم لك، وأضرهم بك، وأعظمهم لك عداوة، وأخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس الموكل بوسواس القلوب، فلتشتد عداوتك له، ولا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنه أضعف منك ركناً في قوته، وأقل منك ضرراً في كثر شره إذا أنت اعتصمت بالله ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾) ([238]). وعن صفوان، قال: قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): (من اعتصم بالله ( هدي...)([239]). إذن فاليماني معصوم، ويدل على ذلك القرآن والعترة الطاهرة، فقوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، يدل على أن الهداية لا تكون إلا بالاعتصام بالله تعالى، وبما أن اليماني راية هدى وأهدى الرايات ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ومأمور بطاعته ومنهي عن معصيته، إذن فهو معتصم بالله تعالى بل أكثر الناس اعتصاماً بالله، بدليل أنه أهداهم، أي إنه لا يُدخل أحداً في ضلال، ولا يُخرج أحداً من حق أبداً. ولا ننسى تعريف الأئمة ص للعصمة بقولهم: (هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن)، (المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله). وقال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([240]). فهنا الله تعالى يصف رسوله ص بأنه يدعو إلى صراط مستقيم، وكذلك نجد هذا الوصف لليماني بقول الباقر ع: (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([241]). وقال الله تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([242]). وفي الآية السابقة نجد الله تعالى قد وصف (الأهدى) بأنه: ﴿يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وأيضاً نجد اليماني قد وصف بأنه: (أهدى الرايات)، (ويدعو ... إلى طريق مستقيم)، أي إنه يمشي سوياً بدون انحراف على صراط مستقيم لا عوج فيه. وقد روي في تفسير هذه الآية: عن الفضيل، قال: دخلت مع أبي جعفر ع: (... ثم تلا هذه الآية: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يعني والله علياً ع والأوصياء ص...) ([243]). والمتحصل مما سبق أن مجموع أوصاف اليماني تدل على أنه إمام مفترض الطاعة ومعصوم، ولا يوجد في دعوته أي انحراف أو ضلال، وهكذا شخص يُعرف من خلال دعوته ومن خلال النص لا من خلال جهة أو مكان ظهوره، ولاسيما إذا لاحظنا أن الروايات تنص على أن الزمان والمكان متعرض للبداء والتغيير. وقبل أن أختم هذه النقطة أود أن أسلط الضوء أكثر على (الصراط المستقيم)، لنرى دقة وصف الأئمة ص عندما وصفوا اليماني بأنه يدعو إلى طريق مستقيم. الصفار: حدثنا محمد بن الحسين، عن النضر بن سويد، عن خالد، بن حماد ومحمد بن الفضيل، عن الثمالي، عن أبي جعفر ع، قال: (أوحى الله إلى نبيه: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([244])، قال: إنك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم) ([245]). الصفار: حدثنا عبد الله بن عامر، عن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن عثمان، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، قال: (سئلت أبا جعفر ع: .... إلى قوله ع: وأما قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ إنك لتأمر بولاية علي ع وتدعو إليها، وعلي هو الصراط المستقيم، وأما قوله: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ إنك على ولاية علي، وعلي هو الصراط المستقيم، وأما قوله: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ﴾ يعني فلما تركوا ولاية علي وقد أمروا بها، ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يعنى مع دولتهم في الدنيا وما بسط إليهم فيها، وأما قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾([246]) يعني قيام القائم) ([247]). فالروايتان نصتا على أن (الصراط المستقيم) هو علي بن أبي طالب ع وولايته، وأن الذي يدعو إلى (صراط مستقيم) يدعو إلى ولاية علي بن أبي طالب ع، والرواية الأخيرة تشير إلى أمر مهم، وهو أن ولاية الإمام علي ع ستترك في آخر الزمان وقبل قيام القائم ع، ويكون ذلك مزامناً لدولة مبسوطة قد فتح الله على أهلها النعيم الدنيوي، وعند فرحهم بذلك يأخذهم الله بغتة بقيام القائم ع. وعن محمد بن الفضيل - في حديث طويل -، عن أبي الحسن الماضي ع، قال: (سألته عن قول الله ( ...... قلت: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سوياً على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين ع...... قلت: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً﴾([248]) يعني بذلك القائم وأنصاره .....) ([249]). إذن فعلي ع هو الصراط المستقيم، والدعوة إلى ولايته وولاية أوصيائه هي الدعوة إلى الصراط المستقيم، واليماني الموعود موصوف بأنه: (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، أي إنه يدعو إلى ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ذريته وإلى القائم ع، حيث أن اليماني أيضاً موصوف بأنه (يدعو إلى صاحبكم) أي الإمام المهدي ع، أي إن اليماني يدعو إلى التنصيب والاختيار الإلهي المتمثل بأوصياء الرسول ص المنصوص عليهم بوصيته ص، بخلاف غيره من الرايات في عصر الظهور التي تكون إما أنها تدعو إلى حاكمية وتنصيب الناس، وإما أنها مشوبة بذلك، ولذلك وصف اليماني بأنه: (أهدى الرايات)، و (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). وهذه أهم صفة في دعوة اليماني، حيث نجد الإمام الباقر ع جعل علة الأمر بطاعة اليماني والنهي عن مخالفته أو الالتواء عليه هو: (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). وسأذكر تمام العبارة ليكون الأمر واضحاً للقارئ اللبيب: (... فإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). والدعوة إلى الحق أي كل الحق، وإلى الصراط المستقيم أي الذي لا اعوجاج فيه أبداً، أي إنه يدعو إلى ولاية أمير المؤمنين ع بحقيقتها الناصعة، لا إلى صورتها التي شوهها فقهاء آخر الزمان، وجعلوها فقط كلمات تقال على المنابر لتدر عليهم الأموال وكثرة الأتباع والجاه، وأفتوا بشرعية التشريع والحكم الطاغوتي، وكأن الدين لا يصلح إلا أن يكون من مخدرات المساجد والصوامع !! ويؤيد ذلك ما روي عن الإمام الصادق ع: عن هشام، عن أبي عبد الله ع، قال: (لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله ع: نرجو أن يكون هذا اليماني ؟ فقال: لا، اليماني يوالي علياً ع، وهذا يبرأ "منه"([250])) ([251]). فلا يخفى تأكيد الإمام الصادق ع على صفة (ولاية أمير المؤمنين) والتي هي الصراط المستقيم، التي يمتاز بها اليماني. ومما يؤيد ذلك أيضاً أن بعض الشيعة كاتبَ الإمام الصادق ع عندما ظهرت الرايات السود من خراسان آنذاك بأنهم قدَّروا أن يكون التمكين للإمام الصادق ع، أي إنهم توقعوا أن هذه الرايات هي الرايات الممهدة أو رايات اليماني الموعود كما في الرواية السابقة، مع علمهم أنها اتجهت من خراسان وليس من بلاد اليمن: الكافي: بسنده عن المعلى بن خنيس، قال: (ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله ع حين ظهرت المسودة قبل أن يظهر ولد العباس بأنا قد قدرنا أن يؤول هذا الأمر إليك، فما ترى ؟ قال: فضرب بالكتب الأرض، ثم قال: أف أف ما أنا لهؤلاء بإمام، أما يعلمون أنه إنما يَقتُل السفياني) ([252]). وقول الإمام ع: (أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني)، الظاهر رجوع الضمير في (أنه) إلى صاحب الرايات السود (أبي مسلم الخراساني) الذي ظنوا به أنه اليماني الموعود، أو الممهد الذي به يؤول الأمر إلى أهل البيت ص، فبين لهم الإمام ع بأن ذلك إنما يقتل السفياني، وليس هذا - أبو مسلم الخراساني - الذي لم يخرج معه السفياني - عندما خرج للقتال ورفع الرايات السود -، وعلى هذا يكون الذي يقتل السفياني هو اليماني الموعود، بملاحظة الروايات التي تذكر مواجهة وقتال اليماني مع السفياني ... والله العالم. وعلى أي حال فإن صفة حاكمية الله والدعوة إلى ولاية أمير المؤمنين - الصراط المستقيم - هي من أبرز صفات اليماني التي يُعرف بها، ولا يوجد تأكيد على أن من علاماته خروجه من بلاد اليمن تحديداً، وسيأتي الكلام عن ذلك ومناقشته تفصيلاً إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله الأئمة والمهديين، ولعنة الله على ظالميهم ومنكري حقوقهم إلى يوم الدين. تم تحرير هذا الجزء بتوفيق الله ( بتاريخ: يوم الجمعة: 13/ صفر/ 1431 هـ 29/ 1/ 2010 مFooters
[1] - نهج البلاغة: ج3 ص71 – 72.
[2] - كمال الدين وتمام النعمة: ص201، غيبة النعماني: ص337 باب22 ح4، صحيح مسلم: ج1 ص90 باب إن الإسلام بدأ غريباً...، سنن ابن ماجة: ج2 ص1320.
[3] - جامع أحاديث الشيعة - للبروجردي: ج14 ص36 – 37 ح1967.
[4] - الكافي: ج8 ص307 – 308 ح479.
[5] - تهذيب الأحكام - للطوسي: ج6 ص180 – 181 باب الأمر بالمعروف... ح372.
[6] - معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص490 – 491، نقلاً عن مختصر إثبات الرجعة واثبات الهداة.
[7] - مستدرك الوسائل: ج11 ص379 ح13305، بحار الأنوار: ج71 ص166، جامع أحاديث الشيعة: ج13 ص376 ح981.
[8] - كتاب الغيبة: ص308 باب17 ح4.
[9] - الفتح: 10.
[10] - الشورى: 11.
[11] - الأنعام: 103.
[12] - نهج البلاغة: ج1 ص154.
[13] - الغيبة للنعماني: ص35.
[14] - الغيبة للنعماني: ص305.
[15] - الكافي: ج1 ص535.
[16] - بحار الأنوار: ج4 ص119.
[17] - العنكبوت: 2 – 3.
[18] - الغيبة للطوسي: ص473 ح494.
[19] - الإرشاد - للمفيد: ج2 ص383.
[20] - كتاب الغيبة للنعماني: ص337 باب22 ح3.
[21] - مريم: 78.
[22] - الأصول الستة عشر - عدة محدثين: ص81، أصل جعفر بن محمد الحضرمي، بحار الأنوار: ج57 ص232، مستدرك سفينة البحار: ج10 ص602.
[23] - الغيبة - للنعماني: ص62 – 264 باب14 ح13.
[24] - الإرشاد - للمفيد: ج2 ص375، إعلام الورى بأعلام الهدى - للطبرسي: ج2 ص284، الغيبة - للطوسي: ص446 – 447 ح443 بتفاوت يسير.
[25] - المدثر: 31، 37.
[26] - بحار الأنوار: ج24 ص325 – 326، تأويل الآيات - لشرف الدين الحسني: ج2 ص734 – 735.
[27] - الامالي - للصدوق: ص219.
[28] - القصص: 49.
[29] - القصص: 24.
[30] - بحار الأنوار: ج10 ص89 – 111.
[31] - نهج البلاغة: ج1 ص193.
[32] - الكافي: ج1 ص441 باب بلد النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته ح5.
[33] - شرح الأخبار - للقاضي النعمان المغربي: ج3 ص389.
[34] - إلزام الناصب: ص296.
[35] - الأعراف: 71، يونس: 20، يونس: 102.
[36] - شرح الأخبار: ج3 ص97.
[37] - بحار الأنوار: ج52 ص274.
[38] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص319 – 320 باب19 ح1.
[39] - المزار - للمشهدي: ص583.
[40] - بحار الأنوار: ج53 ص14.
[41] - الكافي: ج1 ص236 باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ح9.
[42] - بصائر الدرجات - للصفار: ص202.
[43] - الكافي: ج1 ص231 – 232.
[44] - مستدرك الوسائل: ج3 ص284.
[45] - هذا هو الظاهر؛ لأن عبد الله بن سنان يروي عن أبي عبد الله الصادق (، وقيل إنه يروي عن الكاظم ( ولكنه غير ثابت كما قال النجاشي في رجاله.
[46] - الكافي: ج6 ص473 – 474.
[47] - كمال الدين وتمام النعمة: ص527.
[48] - كمال الدين وتمام النعمة: ص376.
[49] - ما بين قوسين من المؤلف للتوضيح، وليس من المصدر.
[50] - ومن باب؛ الشيء بالشيء يذكر، فقد قيل أن الصابئة عملوا هياكل للكواكب وكان هيكل زحل مسدس الشكل، وربما هذا ليس من سبيل الصدفة؛ لأن بعض الأديان وإن كانت منحرفة ولكنها ورثت بعض الأمور، أي علمتها من الشرائع السابقة للأنبياء (عليهم السلام):
قال الطباطبائي في تفسيره: (... ثم ذكر المسعودي .... ومن هياكل الصابئة هيكل السلسلة، وهيكل الصورة، وهيكل النفس وهذه مدورات الشكل، وهيكل زحل مسدس...) تفسير الميزان: ج7 ص239.
وكوكب زحل هو كوكب أمير المؤمنين ( كما روي عن أهل البيت (عليهم السلام):
قال الإمام الصادق ( في حوار له مع رجل يماني: (فما زحل عندكم في النجوم ؟ فقال اليماني: نجم نحس. فقال له أبو عبد الله (: مه، لا تقولن هذا فإنه نجم أمير المؤمنين (، وهو نجم الأوصياء عليهم السلام، وهو النجم الثاقب الذي قال الله ( في كتابه. فقال له اليماني: فما يعني بالثاقب ؟ قال: إن مطلعه في السماء السابعة وإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا، فمن ثم سماه الله ( النجم الثاقب...) الخصال - للصدوق: ص489 – 490.
وقال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: ("والسماء والطارق" قال: الطارق النجم الثاقب، وهو نجم العذاب ونجم القيامة، وهو زحل في أعلى المنازل...) تفسير القمي: ج2 تفسير سورة الطارق ص415.
[51] - البقرة: 222.
[52] - غيبة النعماني: ص265.
[53] - كتاب سليم بن قيس - تحقيق الأنصاري: ص258 – 259.
[54] - الجن: 30.
[55] - الجن: 19.
[56] - انظر: الخصال: ص402.
[57] - تاج العروس: ج14 ص212 مادة خمل.
[58] - لسان العرب: ج1 ص310 مادة حسب.
[59] - الإسراء: 5.
[60] - الإسراء: 4 – 5.
[61] - الكافي: ج8 ص206.
[62] - تفسير العياشي: ج2 ص281، بحار الأنوار: ج51 ص57.
[63] - الصف: 13.
[64] - تفسير القمي: ج2 ص366.
[65] - راجع لسان العرب - لابن منظور: ج11 ص321 – 322 مادة سبل.
[66] - الغيبة - للنعماني: ص168.
[67] - شرح الأخبار - للقاضي النعمان المغربي: ج3 ص372.
[68] - الغيبة - للنعماني: ص258.
[69] - الغيبة - للنعماني: ص315.
[70] - الغيبة - للنعماني: ص314.
[71] - الغيبة - للنعماني: ص267.
[72] - كتاب الغيبة - للنعماني:ص264.
[73] - راجع بحار الأنوار: ج31 ص531 – 532، وغيبة النعماني: ص258.
[74] - لسان العرب: ج2 ص327.
[75] - تاج العروس: ج3 ص436 – 437.
[76] - الملاحم والفتن: ص121 الباب100.
[77] - الملاحم والفتن: ص121 الباب101، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج1 ص386، دلائل الإمامة - للطبري الشيعي: ص444 – 445 ح418 بتفاوت.
[78] - الملاحم والفتن: ص123 الباب 103، الفتن - لابن حماد: ص116، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج1 ص396.
[79] - الملاحم والفتن: ص123 الباب105.
[80] - المهدي الموعود المنتظر: باب24 ص58، الملاحم والفتن: ص119 باب 95، بحار الأنوار: ج51 ص82، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج1 ص390، مسند أحمد: ج5 ص277، مستدرك الحاكم النيسابوري: ج4 ص502 وصححه على شرط الشيخين، الجامع الصغير - للسيوطي: ج1 ص100 ح648، كنز العمال: ج14 ص261 ح38651، وغيرها من المصادر.
[81] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص298 – 291.
[82] - منتخب الأنوار المضيئة: ص343.
[83] - ما بين معقوفتين موجود في أحد النسخ الخطية لكتاب عقد الدرر، كما سيأتي بيانه.
[84] - كتاب الفتن - لنعيم بن حماد: ص 198، شرح إحقاق - للمرعشي: ج29 ص573، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص119 باختلاف يسير، كنز العمال: ج14 ص589 ح39669.
[85] - كتاب الفتن - لنعيم بن حماد المروزي: ص237.
[86] - معاني الأخبار: ص91 باب معنى الثقلين ح5.
[87] - غافر: 46.
[88] - معاني الأخبار: ص94 باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة ح2.
[89] - معاني الأخبار: ص94 باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة ح3.
[90] - الغيبة - للطوسي: ص150 – 151 ح111، مختصر بصائر الدرجات: ص39، بحار الأنوار: ج36 ص260 – 261، مكاتيب الرسول (صلى الله عليه وآله) - للميانجي: ج2 ص95 – 96، غاية المرام - للسيد هاشم البحراني: ج1 ص195 – 196، وغير ذلك من المصادر.
[91] - مصباح المتهجد - للطوسي: ص409 وما بعدها، المصباح - للكفعمي: ص548 وما بعدها، مفاتيح الجنان - للقمي: ص616 ط بيروت، مؤسسة الاعلمي، الطبعة الأولى 2004 م، وغير ذلك من المصادر.
[92] - غيبة الشيخ الطوسي: ص273 وما بعدها، وجمال الأسبوع - للسيد ابن طاووس: ص301 وما بعدها، وإلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - للشيخ علي اليزدي الحائري: ج1 ص331، وغيرها من المصادر.
[93] - الغيبة - للطوسي: ص443 – 444 ح437، بحار الأنوار: ج52 ص213، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص199، مكيال المكارم - للأصفهاني: ج2 ص146.
[94] - الإرشاد: ج2 ص376، الصراط المستقيم - لعلي بن يونس العاملي: ج2 ص250، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج4 ص167، كشف الغمة - للاربلي: ج3 ص259.
[95] - الكافي: ج1 ص445.
[96] - بصائر الدرجات - للصفار: ص325.
[97] - بحار الأنوار: ج29 ص79.
[98] - مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) - للميرجهاني: ج4 ص68، بحار الأنوار: ج33 ص138.
[99] - الكافي: ج1 ص197 – 198.
[100] - بحار الأنوار: ج46 ص4.
[101] - بحار الأنوار: ج25 ص269.
[102] - الغيبة - للشيخ الطوسي: ص454.
[103] - الأحزاب: 61 – 62.
[104] - كتاب سليم بن قيس: ص258 – 259.
[105] - راجع معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص118، كنز العمال: ج14 ص589 ح39670، كتاب الفتن - لابن حماد: ص216، شرح إحقاق الحق: ج13 ص304.
[106] - الظاهر هنا ملك بني أمية إشارة إلى حكم صدام الملعون، لمشابهته لهم في نصب العداء لآل محمد (عليهم السلام) وشيعتهم المعلن، وقد يشمل النواصب وأمثالهم الأرجاس.
[107] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص238.
[108] - الغيبة - للطوسي: ص188.
[109] - يوجد فيها أو في بعضها كلام أتركه الآن، وربما سأتعرض إليه في مستقبل هذا البحث، فلأجل تسهيل طريق البحث أغض النظر عن نقاشها الآن.
[110] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص320 – 321.
[111] - الإمامة والتبصرة - لابن بابوية القمي: ص115.
[112] - كمال الدين وتمام النعمة: ص329.
[113] - آل عمران: 34.
[114] - قرب الإسناد - للحميري القمي: ص348 – 352 ح1260.
[115] - المائدة: 21.
[116] - بحار الأنوار: ج26 ص225.
[117] - يونس: 24.
[118] - تفسير القمي: ج1 ص310 – 311، بحار الأنوار: ج4 ص99.
[119] - الغيبة - للنعماني: ص305.
[120] - آل عمران: 36.
[121] - الكافي: ج1 ص535.
[122] - الكافي: ج1 ص535.
[123] - الكافي: ج1 ص353.
[124] - بحار الأنوار: ج4 ص119.
[125] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص337 باب22 ح3.
[126] - والرواية في كتاب عقد الدرر: ص197، للشيخ العلامة يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السلمي؛ من علماء القرن السابع الهجري، طبع ونشر وتوزيع مكتبة المنار، الأردن، الزرقاء، الطبعة الثانية؛ 1410 هـ – 1989 م.
والمؤلف أورد الرواية مختصرة هكذا: (وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل، ويتوجه الى بيت المقدس، فلا يبلغه حتى يموت".
2- الملاحم والفتن: باب133 ص139، كنز العمال: ج14 ص589 ح 39669، شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج13 ص313، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص119.
[127] - لسان العرب: ج2 ص92 مادة موت.
[128] - تاج العروس: ج3 ص136 مادة موت.
[129] - لسان العرب: ج2 ص92.
[130] - لسان العرب: ج2 ص92.
[131] - نفس المصدر.
[132] - تاج العروس: ج3 ص141 مادة موت.
[133] - نفس المصدر.
[134] - لسان العرب: ج2 ص93.
[135] - لسان العرب: ج2 ص94.
[136] - لسان العرب: ج2 ص91.
[137] - البداية والنهاية - لابن كثير: ج6 ص276.
[138] - الملاحم والفتن: ص117 – 118 باب93، الفتن - لابن حماد: ص188، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص397.
[139] - الملاحم والفتن: ص120 باب97.
[140] - الملاحم والفتن: ص119، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص398.
[141] - الملاحم والفتن: ص120 باب99، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص398 – 399.
[142] - الغيبة - للطوسي: ص463 – 464 ح479، الملاحم والفتن: ص123 باب 104، ومعجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص399 باختلاف يسير.
[143] - الغيبة - للنعماني: ص308 باب17 ح4.
[144] - الغيبة - للنعماني: ص309 باب17 ح5.
[145] - اختيار معرفة الرجال - للطوسي: ج2 ص589 ح353، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص422، نقلاً عن اختيار معرفة الرجال واثبات الهداة. والرواية صحيحة السند.
[146] - كمال الدين وتمام النعمة: ص253 باب23 ح3، إعلام الورى بأعلام الهدى - للطبرسي: ج2 ص182، مناقب آل أبي طالب - لابن شهر آشوب: ج1 ص242.
[147] - الغيبة - للنعماني: ص263 – 264 باب14 ح13.
[148] - الغيبة - للنعماني: ص236 باب13 ح13، بحار الأنوار: ج52 ص352 – 353.
[149] - بحار الأنوار: ج25 ص269.
[150] - مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) - للميرجهاني: ج2 ص360 – 364، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص55 – 57، كنز العمال: ج14 ص592 – 595 ح39679، شرح إحقاق الحق: ج29 ص385 – 387.
[151] - الملاحم والفتن: ص119 الباب95، مسند أحمد بن حنبل ج5 ص277، المستدرك للحاكم النيسابوري ج4 ص502.
[152] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص325.
[153] - الصحاح: ج6 ص2357 مادة رشا.
[154] - لسان العرب: ج7 ص449.
[155] - لسان العرب: ج5 ص101.
[156] - الغيبة - للطوسي: ص243 – 244 ح209.
[157] - انظر بحار الأنوار: ج21 ص18، أعيان الشيعة: ج1 ص551، ينابيع المودة - للقندوزي: ج1 ص155، شرح إحقاق الحق: ج5 ص468.
[158] - احتمل الكوراني قبل كلامه هذا أن يكون هذا الرجل هو السيد الخميني (رحمه الله) !
[159] - عصر الظهور: ص210 – 211.
[160] - لسان العرب: ج11 ص229 مادة خيل.
[161] - العمدة - لابن البطريق: ص434، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص394، سنن أبي داود - للسجستاني: ج2 ص311، شرح إحقاق الحق: ج29 ص464،غاية المرام - للسيد هاشم البحراني: ج7 ص95 باختلاف: حرث مكان حارث مع عدم ذكر الأب (حراث).
[162] - تاج العروس: ج3 ص194 – 195 مادة حرث.
[163] - الصحاح: ج2 ص594 – 595 مادة بقر.
[164] - تاج العروس: ج6 ص105 مادة بقر.
[165] - الصحاح: ج1 ص279 مادة حرث.
[166] - كنز العمال: ج11 ص278 ح31514، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص79.
[167] - الغيبة - للنعماني: ص281 – 282 باب14 ح50.
[168] - دلائل الإمامة - للطبري (الشيعي): ص442، الملاحم والفتن: ص118 باب94 مع زيادة في آخره (فانه المهدي)، بحار الأنوار: ج51 ص87 مع اختلاف يسير، وغيرها من المصادر.
[169] - الانشقاق: 14.
[170] - الانشقاق: 25.
[171] - التوبة: 3.
[172] - تفسير العياشي: ج2 ص76.
[173] - التوبة: 3.
[174] - علل الشرائع: ج2 ص442 باب188 ح1.
[175] - الأعراف: 44.
[176] - معاني الأخبار: ص58 – 59.
[177] - معاني الأخبار: ص298.
[178] - معاني الأخبار: ص298.
[179] - المدثر: 31 – 37.
[180] - بحار الأنوار: ج24 ص325 – 326، تأويل الآيات - لشرف الدين الحسني: ج2 ص734 – 735.
[181] - الأمالي - للصدوق: ص219.
[182] - كمال الدين وتمام النعمة: ص672 – 673 باب58 النوادر ح25.
[183] - الغيبة - للطوسي: ص263 – 267 ح228.
[184] - الشمس: 1 – 2.
[185] - تفسير القمي: ج2 ص424.
[186] - الشمس: 1 – 3.
[187] - بحار الأنوار: ج24 ص72.
[188] - بحار الأنوار: ج99 ص104 – 107.
[189] - كمال الدين: ص83 – 485، باب45 التوقيعات ح4.
[190] - كمال الدين وتمام النعمة: ص253 باب23 ح3.
[191] - كمال الدين وتمام النعمة: ص77 – 78.
[192] - بحار الأنوار: ج52 ص384 – 385، سعد السعود - لابن طاووس: ص34 – 35، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج5 ص199 – 200، إلزام الناصب: ج2 ص259 – 260.
[193] - الأنعام: 158.
[194] - كمال الدين وتمام النعمة: ص18.
[195] - بحار الأنوار: ج6 ص34.
[196] - الغيبة: ص463 ح479.
[197] - الإرشاد: ج2 ص377.
[198] - يستعرضوا الناس: أي يعرضوهم للقتل. وتندر: أي تسقط.
[199] - الإرشاد: ج2 ص376.
[200] - الغيبة - للطوسي: ص136 – 137 ح100.
[201] - كمال الدين وتمام النعمة: ص 201، غيبة النعماني: ص337 باب22 ح4، صحيح مسلم: ج1 ص90 باب إن الإسلام بدأ غريباً...، سنن ابن ماجة: ج2 ص1320.
[202] - الغيبة - للنعماني: ص336 باب22 ح1.
[203] - الغيبة - للنعماني: ص33.
[204] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص210 – 211 باب12 ح4 – 5.
[205] - كمال الدين وتمام النعمة: ص304 باب26 ح18.
[206] - الغيبة - للطوسي: ص339 – 340 ح288، الأنوار البهية للشيخ عباس القمي: ص366، الغيبة - للنعماني: ص214 باب12 ح12.
[207] - الكافي: ج8 ص307 – 308 ح479.
[208] - تهذيب الأحكام - للطوسي: ج6 ص180 – 181 باب الأمر بالمعروف... ح372.
[209] - كمال الدين وتمام النعمة: ص250 – 252 باب23 ح1.
[210] - بصائر الدرجات - للصفار: ص104.
[211] - كمال الدين وتمام النعمة: ص288 باب25 ح8.
[212] - كمال الدين وتمام النعمة: ص319 – 320 باب31 ح2.
[213] - جامع أحاديث الشيعة - للبروجردي: ج14 ص36 – 37 ح1967.
[214] - الكافي: ج5 ص112 باب بيع السلام منهم ح2.
[215] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج11 ص31.
[216] - الكافي: ج5 ص112 باب بيع السلاح منهم ح1.
[217] - الكافي: ج5 ص113 باب بيع السلاح منهم ح3.
[218] - الغيبة - للنعماني: ص203 باب11 ح6.
[219] - الغيبة - للنعماني: ص200 باب11 ح1.
[220] - مستدرك الوسائل: ج11 ص38 ح12376، الأصول الستة عشر: ص79 (أصل جعفر بن محمد الحضرمي)، جامع أحاديث الشيعة - للبروجردي: ج13 ص75 ح164، الأصول الستة عشر من الأصول الأولية - تحقيق ضياء الدين المحمودي: ص248.
[221] - بحار الأنوار: ج25 ص199.
[222] - علل الشرائع: ج1 ص123 باب102.
[223] - الغيبة - للنعاني: ص131 باب7 ح13، الكافي: ج1 ص376.
[224] - الكافي: ج1 ص376.
[225] - البقرة: 257.
[226] - كتاب الغيبة - للنعماني: ص131 – 132 باب7 ح14، الكافي: ج1 ص374.
[227] - الأحقاف: 30.
[228] - كمال الدين وتمام النعمة: ص511 باب45 ح42.
[229] - الأمالي - للشيخ الصدوق: ص74.
[230] - آل عمران: 101.
[231] - يونس: 35.
[232] - الإسراء: 9.
[233] - معاني الأخبار: ص132 باب معنى عصمة الإمام ح1.
[234] - آل عمران: 101.
[235] - معاني الأخبار: ص132 باب معنى عصمة الإمام ح2.
[236] - الكافي: ج2 ص65.
[237] - الخصال - للشيخ الصدوق: ص285.
[238] - مستدرك الوسائل - للميرزا النوري: ج11 ص141 – 142 ح12654.
[239] - بحار الأنوار: ج66 ص399.
[240] - المؤمنون: 73.
[241] - الشورى: 52.
[242] - الملك: 22.
[243] - الكافي: ج8 ص288.
[244] - الزخرف: 43.
[245] - بصائر الدرجات - لمحمد بن الحسن الصفار: ص91 – 92، الكافي: ج1 ص416 – 417.
[246] - الأنعام: 44.
[247] - بصائر الدرجات: ص97 – 98.
[248] - الجن: 24.
[249] - الكافي: ج1 ص432 – 435.
[250] - (منه) زيادة في بحار الأنوار ج47 ص297.
[251] - الأمالي - للشيخ الطوسي: ص661 ح1375.
[252] - الكافي: ج8 ص331 ح509، بحار الأنوار: ج47 ص297.