Subjects

Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (70) دحض تقوّلات المعاندين ( الجزء الأول ) رداً على كتاب (سهم الأنصار) لكاتبه المدعو ناصر المهدي بقـلم عبد الرزاق الديراوي الطبعة الثانية 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً مقدمة قبل الشروع في مناقشة ما ورد في هذا الكتاب لابد من بيان أن كاتبه أراد له أن يكون رداً على كتاب (موجز عن دعوة السيد أحمد الحسن ع)، والملاحظ أن الكاتب كان بعيداً كل البعد عن تبين المراد الحقيقي الذي استهدفه كتاب (موجز عن دعوة السيد أحمد الحسن ع)، الأمر الذي أربك قلمه أيما إرباك فكان كأنه في واد والكتاب المردود عليه (بحسب زعم الكاتب) في واد آخر. ولكي يتضح هذا المعنى للقارئ سأضع بين يديه مختصراً يكشف الفكرة الأساس لكتاب (موجز ...). يسعى الكتاب (موجز ...) لتقديم البراهين والدلائل التي تؤيد طرحه المتمحور حول فكرة إن وصف القائم أو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ينصرف إلى شخصين اثنين، هما الإمام المهدي محمد بن الحسن ع وولده المذكور في وصية رسول الله ص وهو (أحمد)، هذا أولاً. أما ثانياً: فإنه يحاول التدليل على أن القائم الفعلي هو (أحمد)، فهو الذي يباشر الملاحم، وهو الذي يُنادى باسمه في السماء (الصيحة)، وهو الذي يقف محتجاً بين الركن والمقام، وبكلمة واحدة هو صاحب الأمر، فلقب صاحب الأمر وإن كان قد أطلق على الإمام المهدي محمد بن الحسن ع ولكنه ليس خاصاً به ع، بل إن هذا المعنى هو ما حاول كتاب: موجز عن دعوة السيد أحمد الحسن إثباته، أما الإمام المهدي محمد بن الحسن ع فهو الإمام والموجه لكامل الحركة، فلا يقدم (أحمد) قدماً ولا يؤخر أخرى إلا بأمر منه ع. هذه الفكرة (الحقيقة) يقدم كتاب (موجز ...) أدلة روائية كثيرة لتأكيدها، وعليه فمن أراد دحضها ينبغي له مناقشة مداليل الروايات المؤكدة لها، لا أن يشيح بوجهه عنها غير ملتفت لها، كما يفعل صاحب الكتاب قيد المناقشة. لننظر الآن في كتابه: يقول في التعليق الأول: (من أين لك بأن للإمام ابن يمهد له قبل ظهوره وسميته القائم وكأنك تفصل بين المهدي والقائم وتجعلهما شخصان أحدهما الإمام المهدي المعصوم ع والثاني صاحب الأمر القائم وهو أحمد الحسن، علماً أن المهدي ع هو القائم وصاحب الأمر وهو شخص واحد لا شخصان، وإليك ما يشير إلى ذلك: عن أبي سعيد الخراساني، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: المهدي والقائم واحد ؟ فقال: نعم. فقلت: لأي شيء سمي المهدي ؟ قال: لأنه يهدي إلى أمر خفي، وسمي بالقائم لأنه يقوم بعد ما يموت إنه يقوم بأمر عظيم). عن ابن فضال، عن الريان بن الصلت، قال: سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول - وسئل عن القائم - فقال: (لا يرى جسمه، ولا يسمى اسمه). وها أنت تسمى باسمك ويرى شخصك فأي انحراف وافتراء على المعصوم ع). أقول: لو أنه فهم ما يرمي إليه كتاب (موجز ...) لما جازف بمثل هذا الكلام الفاضح، ولكان عليه أن يناقش أدلة الكتاب بدلاً من مصادرتها تماماً، فقد قدم كتاب (موجز ...) كما أسلفت الكثير من الأدلة الروائية على وجود الولد للإمام المهدي ع، وقدم كذلك دلائل روائية كثيرة على أن القائم ينصرف أيضاً (أحمد) ابن الإمام المهدي ع. على صاحب الكتاب إذن أن يعيد قراءة نفس الكتاب الذي يزعم أنه يناقشه ليجد جواب سؤاله !! أما بشأن الروايتين اللتين يستدل بهما فأقول: إنّ المهدي أو القائم في الرواية الأولى التي تقول إن القائم والمهدي واحد فهي لا تحصر هاتين الصفتين بالإمام المهدي ع، وإنما هي إشارة إلى أن هاتين الصفتين مجتمعتان في شخص واحد ولا مانع من اجتماعهما في شخص آخر، والدليل أن (المهدي) على فهم الصرخية من الرواية يجب أن يكون محصوراً بالإمام المهدي ع أيضاً، بينما نجد الروايات متواترة في تسمية غير الإمام المهدي ع بـ (المهدي). ومنها: روايات المهديين، والروايات التي تصف الأئمة بأنهم كلهم مهديين ([1]). ومثلها الرواية الثانية، ويكفي أن أقول له: إن الإمام المهدي محمد بن الحسن ع يسمى باسمه ويُرى جسمه (انظر الأخبار الكثيرة التي فاقت حد التواتر - على حد تعبير السيد الصدر - التي تؤكد لقاء الإمام ع بكثير من الناس)، إذن من هو الذي لا يُرى جسمه ولا يُسمى اسمه ؟ عن المفضل، عن أبي عبد الله ع: (... على أنه قد قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله ص وكنيه لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسماً ولا كنيه ولا نسب. والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتى يسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم ثم يظهره الله كما وعد به جده ص ..) ([2]). أقول: لعلك ترى في هذه الرواية ما يناقض الرواية التي استدلت بها ؟ ولكن لا تناقض، لو أنك فهمت المراد من الروايتين بأنه (أحمد) فأحمد سُمي ولكن ذكره مع ذلك بقي خاملاً لحكمة يريدها الله (لعلها حفظه ولعلها اختبار الناس به). وقوله ع: (والله ليتحقق الإيضاح باسمه) إشارة إلى المستقبل كما يفهم من الفعل المضارع (يتحقق). ويقول في التعليق الثاني: (لو سلمنا بفرض ما تقول بأنك ابن الإمام ووصيه ألم يكن في هذا كشف لغيبته وتعريف الأعداء بشخصه وقواعده وأنصاره وهم مهتمون بذلك لأجل القضاء عليه واستئصال دعوته في مهدها، فإذا كانت الدعوة ظاهرة ومعلنة للقيام بأمره فما هو الداعي لإرسال ابنه للتعريف بشخصه المقدس، فإذا كان الأصيل ظاهر بالحجة البالغة فهل هناك ضرورة لطرح النائب البديل الذي هو ابنه لإظهار معاجزه ودليل أحقية دعوته فإنه أبلغ للحجة على الناس من ابنه. وفي المقام لابد أن أسالك: هل أن الإمام ع ظاهر بشخصه وحقيقته أم أنه محتجب في غيبته وأرسل ابنه قبله ؟ فإن كان ظاهراً بشخصه كما تدعي فإن ذلك مخالف لنصوص الروايات التي نصت على ظهوره، والاجهار بدعوته من جانب الحجر الأسود في مكة المكرمة، فإنه يظهر والسفياني خصمه وطالبه ومطارده في العراق فأين الإمام وقد أذن الله له بالخروج ليتشرف المؤمنون بنصرته ؟ وإن قلت إنه محتجب بغيبته الشريفة وأرسل ابنه ليبلغ الناس بدعوته فإن الابن ليس من عامة الناس حتى يتعذر على العدو كشف الإمام والوصول إلى مكانه وسكناه، بل إن ابنه من أهل خاصته وهو أسهل الطرق للدلالة عليه وكشف شخصه المقدس، وهذا الكشف يخالف الغيبة بل هو سبب لتفويت مراده وغرضه). أقول: أولاً: إن صاحب كتاب (موجز ...) لم يدع أنه هو ابن الإمام المهدي ووصيه فلا معنى لمخاطبته قائلاً: (لو سلمنا بفرض ما تقول بأنك ابن الإمام ووصيه). ثانياً: إن عليك أن تتبين هل أن السيد أحمد الحسن ع هو مرسل من قبل الإمام المهدي ع حقاً، وهذه على أية حال هي فكرة كتاب (موجز ...) الذي تزعم الرد عليه، فإذا تبين لك ذلك يتبين لك أن وجوده ودعوته جزء من تخطيط الإمام المهدي ع لعملية الظهور، والإمام المهدي أدرى بما يفعل فهو صاحب الفكر المتين حقاً، أليس كذلك ؟ حاول أن تركز على بحثك المزعوم ولا تخلط الحابل بالنابل، بل لا تدع الحابل والنابل يختلطان في رأسك !! إذن، ركز على مسألة هل أن السيد أحمد الحسن ع مرسل من قبل الإمام المهدي محمد بن الحسن ع وابحث فيها جيداً. ويقول: (المورد الثاني قال: (بل وأكثر من ذلك سيترتب عليه إنكار الغالبية العظمى لقائم آل محمد ع ومحاربتهم له كما عرفت). التعليق الثالث: نعم، ستكون الغالبية العظمى من الناس ممن تقف لحربه أما بسبب الجهل لحقيقة دعوته المقدسة ومنهجه المقدس أو بسبب الشبهات التي تظهر قبله وهي متلبسة بالمهدوية كدعوتك وفي حقيقتها هي حرب للإمام وإنكار لدعوته الحقة؛ لأنها سلباً لأحقية النهج الذي رسمه أهل البيت ص وسار عليه العلماء الصالحون وقد خالفتهم في ذلك). أقول: مرة أخرى إن صاحب كتاب (موجز ...) ليس هو صاحب الدعوة بل صاحبها هو الإمام المهدي محمد بن الحسن ع وولده (أحمد)، ثم سبحان الله لماذا هذا الاجتزاء المتعمد لكلام صاحب كتاب (موجز ...) أليس ذلك خيانة علمية ؟ وعلى أية حال يكفي أن أقول للقارئ إن عبارة (كما عرفت) تشير إلى وجود الدليل على الكلام المتقدم عليها، وهذا الدليل هو كل الأدلة الروائية التي ساقها مؤلف كتاب (موجز ...) وأوضح من خلالها خروج المتشيعة من نظام التشيع، على حد تعبير الشيخ النعماني صاحب كتاب الغيبة، ولا بأس هنا من إدراج البحث الآتي لتتضح الصورة للقارئ: (شيعتنا الأندر فالأندر). في مقدمة هذا البحث تقدمت بدعوى مضمونها خروج الغالبية العظمى ممن يدعون التشيع من ولاية أهل البيت ص، واستدللت هناك بمقابلة الواقع الذي يعيشه الشيعة بالحديث الوارد عن الإمام المهدي ع في الرسالة التي بعثها إلى الشيخ المفيد، وسأحاول هنا تعزيز استدلالي بأحاديث أخرى وردت عن أهل البيت ص. عن الإمام الباقر ع أنه قال: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فانبذوه إليهم نبذاً، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكر فذروه، إنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا)([3]). هذا الحديث ينص على وجود فتنة أو اختبار قبل قيام القائم ع تكون نتيجتها سقوط أكثر الناس، حتى من يشق الشعرة بشعرتين (وهذا التعبير كناية عن الدقة والمعرفة بمجاري الأمور)، ولا يبقى بالنتيجة إلا أهل البيت وشيعتهم. السؤال الآن: كم هم شيعة أهل البيت ص، أهم حقاً عشرات الملايين، بل مئات الملايين الذين يدعون أنهم شيعة لأهل البيت ص ؟ لنقرأ الحديث الآتي: عن أبي عبد الله ع أنه قال: (والله لتُكسرنّ تكسر الزجاج، وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتُكسرنّ تكسر الفخار، وإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، و والله لتُغربلنّ، و والله لتُميزنّ، والله لتُمحصنّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصعّر كفه) ([4]). ولنقرأ كذلك هذا الحديث الوارد عن الإمام الرضا ع: (والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُمحّصوا وتُميّزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر) ([5]). أقول: واضح أن الأقل والأندر فالأندر ليسوا ملايين، وليسوا آلافاً، وإذا شئتم الدقة فانظروا في هذا الحديث الوارد عن الصادق ع، حين سأله بعض أصحابه قائلاً: (جعلت فداك، إني والله أحبك، وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال له: اذكرهم. فقال: كثير، فقال: تُحصيهم ؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله ع: أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون ... فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون ؟ فقال ع: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم...الخ) ([6]). يُفهم من هذا الحديث أنه إذا اكتمل من الشيعة ثلاثمائة وبضعة عشر يتحقق خروج القائم ع، وأما الأعداد الغفيرة التي تدّعي التشيع فإن الغربال سيُسقطهم حتماً. وفي حديث آخر يرويه أبو بصير عن الإمام الصادق ع: (قال أبو عبد الله ع: لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة. قلت: وكم تكملة الحلقة ؟ قال: عشرة آلاف..) ([7]). إذن جيش القائم هم هؤلاء الـ (313 + 10000). قد تقول: إن هؤلاء هم صفوة الشيعة وليسوا كل الشيعة. أقول: إنّ الراوي في حديث (لو كملت العدة الموصوفة ... الخ) يسأل الإمام ع قائلاً: (فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون)، ومعنى ذلك أنه فهم من العدد الذي ذكره الإمام ع أن هؤلاء هم كل الشيعة، ومن هنا سأله عن الموقف من الأعداد الكبيرة التي تدعي التشيع، ولو عدت إلى سياق الحديث يتأكد لك هذا الفهم. فالراوي يبدأ كلامه بإخبار الإمام ع بأن شيعته كثيرون، وأن عددهم أكثر من أن يُحصى، وهنا يأتي قول الإمام ع: (تُحصيهم) والاستفهام هنا استنكاري، أي إنه ع يستنكر أن يكون شيعته كثيرون، ويؤكد هذا قوله ع: (أما لو كملت العدة ... الخ) ومعنى كلام الإمام أنه لو وجد في الشيعة هذا العدد أي الـ (313) لتحقق الفرج لهم، ثم إن الإمام ع يخبره أن الأعداد الكبيرة سيجري عليها التمييز والتمحيص والتبديل، وغيرها، وبنتيجة هذه الأمور سينكشف زيف ادعاؤهم، وسيخرجون من دائرة التشيع. فالإمام ع في كلمته هذه يبين المصير السيئ للمتشيعة، ولو كان مطلبه الإشارة إلى صفوة الشيعة، وإنهم أفضل من الآخرين فقط لا إنهم هم الشيعة والآخرون مدعون لاكتفى بمدح هذه الصفوة دون بيان الموقف النهائي (أؤكد على كلمة النهائي) من الآخرين؛ لأن بيان الموقف النهائي يوجد مقابلة نوعية بين الفريقين، لا مجرد فرق في الدرجة. ولو كان الأمر مجرد فرق في درجة الإيمان، وأن الآخرين هم بالنتيجة شيعة ولكنهم أضعف إيماناً، لكان - وهذا هو المظنون - توجّه بالنصح لهم، ودعوتهم إلى مزيد العمل والتكامل، والله أعلم وأحكم. ولكي أزيدك ثقة بهذه النتيجة أقترح عليك قراءة هذه الأحاديث الشريفة. عن أبي عبد الله ع أنه قال: (مع القائم ع من العرب شئ يسير. فقيل له: إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير. قال: لابد للناس من أن يُميّزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير) ([8]). وعن أبي جعفر ع: (لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها) ([9]). الحديث الأول يُشبّه التمحيص بالغربال، ونتيجة التمحيص هي بقاء الإنسان على حد الإيمان أو خروجه منه، فالخارجون من الغربال خارجون من حد الإيمان كما هو واضح. ثم أليس هذا هو ما ينص عليه الحديث الثاني، اسمع إذن تعليق الشيخ النعماني على الحديث، يقول الشيخ: (أليس هذا دليل الخروج من نظام الإمامة، وترك ما كان يعتقد منها) ([10]). وهذا ينبغي أن يكون واضحاً، فأمرهم ص هو الولاية، والخروج من أمرهم خروج منها. وما ظنك بقوم يتفل بعضهم في وجوه بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ويُكفّر الأخ أخاه .. و.. و.. إلى آخر ما ستسمعه الآن، أترى هؤلاء أمة مرحومة، يجمعها مبدأ التشيع لآل محمد ص ؟ عن عميرة بنت نفيل، قالت: (سمعت الحسين بن علي ع يقول: لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير. فقال الحسين ع: الخير كله في ذلك الزمان يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله) ([11]). وعن أبي عبد الله ع: (لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل يعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يُسمي بعضكم بعضأ كذابين) ([12]). وعن مالك بن ضمرة، قال: (قال أمير المؤمنين ع: يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض - ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير ؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله ص فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد)([13]). وعن أمير المؤمنين ع: (كونوا كالنحل في الطير .. إلى قوله ع: فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يُسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم - أو قال من شيعتي - إلا كالكحل في العين والملح في الطعام ..) [14]). أقول: لعل هذا الحديث الأخير الوارد عن أمير المؤمنين يكفينا مؤونة توضيح المراد من الأحاديث المتقدمة، إذ يتضح منه بجلاء أن الخلاف بين الشيعة الذي يصل حد اللعن والتكفير جزء من عملية الغربلة التي تسفر كما عرفت قبل قليل عن خروج أكثر الشيعة عن ولاية أهل البيت ص، فقوله ع: (وحتى لا يبقى منكم أومن شيعتي ... الخ) مرتبط بما تقدم - أي الحديث عن الخلاف- بل هو النتيجة التي ترشح عن الخلاف. فمعنى الحديث إنكم يا شيعة لا تزالون في خلافكم حتى لا يبقى منكم إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام. أي إن أكثركم يخرج من ولاية أهل البيت ص، ويبقى القليل. وأود هنا التعقيب بكلمات عسى أن تكون مفيدة، فأقول: هذا الخلاف بين الشيعة من عسى يثيره أو يتسبب به ؟ هل أنا وأنت من البشر العاديين الذين لا نملك سلطاناً على غير أنفسنا ؟ بالتأكيد لا، فأنا وأنت لا نملك تأثيراً في الغالبية العظمى من الشيعة، ومن يفعل هذا لابد له من سلطان عليهم، فمن يكون غير فقهاء آخر الزمان ممن يتبعهم الناس باسم التقليد الأعمى ؟ قد تقول: ربما كان هذا بسبب بعض المغرضين ؟ فأقول لك: إن الواقع الشيعي يشهد بما لا يقبل لبساً أن الناس تبع لمراجعهم، فلا يمكن لمغرض أن يحقق مآربه على هذا المستوى الواسع الذي تنص عليه الأحاديث، ثم إن قولك هذا يلقي باللوم على فقهاء آخر الزمان من حيث لا تريد، فلو أن ما تقوله صحيح فأين المراجع الذين يرفعون شعار: نحن حصن الأمة، وأين دورهم في إرشاد الأمة، أم إنها كلمات تقال لخداع الأتباع لا غير ؟! الحق إن هذه الأحاديث الشريفة من الخطورة بحيث توجب على كل شيعي أن يعيد التساؤل مراراً وتكراراً، وينظر إلى أية هاوية سحيقة يقوده فقهاء آخر الزمان، (أم على قلوب أقفالها) ؟ أختم هذا المبحث بروايتين تعززان الفكرة التي يتمحور حولها، فعن أبي جعفر ع: (إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله ص، وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) ([15]). وعن أبي عبد الله ع: (الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. فقلت: اشرح لي ذلك هذا أصلحك الله. فقال: مما يستأنف الداعي منا دعاء جديداً كما دعا رسول الله ص) ([16]). أقول: إن عودة الإسلام غريب كما بدأ تشير بوضوح إلى خروج أكثر أهله، أو قل منتحليه عن حوزته حتى لا يبقى إلا الأقل، أو الأندر فالأندر كما عبرت الروايات الشريفة. وليت شعري أين هم حصون الأمة ؟ أم لعلهم السبب في خروج الناس من دين الله أفواجاً؟ فإذا كان الإنسان يمسي على شريعة من أمر أهل البيت ص ويصبح وقد خرج منها، أو يصبح على شريعة من أمرهم ص ويمسي وقد خرج منها، فلابد أن يكون هذا التحول المفاجئ الذي يشبه خروج الكحل من العين لا يدري صاحبه به ناتجاً عن فتنة جماعية أوقعهُ بها الكبراء والسادات الذين أسلم لهم قياده. إذن، السؤال الآن: ما الذي أخرج الأمة عن دينها، حتى عاد غريباً كما بدأ ؟ وعلى أية حال فإن كلماتك التي كتبتها أقرب إلى السباب منها إلى الكلام العلمي !! بل إنها كذلك بالتأكيد !! ويقول: (المورد الثالث قال (له علم إذا حان وقته انتشر ذلك العلم من نفسه)... التعليق الرابع: أي علم تقصد ؟ هل هو كشف المعاجز، فظهور الإمام بالمعجزة يخالف هدفه الشرعي الذي يريد أن يهدي الناس ليموت من مات على بينة ويحيى من حيى على بينة إن لم تنحصر الهداية بالإعجاز، وهذا لا ضرورة له مع توفر السبل الأخرى، فإن إظهار المعجزة هو مخالف لملاك الاختيار في التكليف والامتثال؛ لأن العبد يصبح أمام سبب قهري للإيمان، فيهتدي الجميع بسبب الإعجاز وبالتالي ينتفي ملاك الامتحان والاختبار الإلهي لإنتاج النخبة المؤمنة الصالحة لنصرة الإمام ع، وإن قلت إن الأنصار قد اصطفاهم الله من الناس بعدد ثلاثة مائة وثلاثة عشر آنذاك يحتج المؤمنون ويقولون ما ذنبنا لم نكن من هؤلاء، فهم ليسوا بأنبياء ولا بأوصياء فهل فرض الله الجبر على هؤلاء دون غيرهم، فالجبرية بالتكليف باطلة فلابد أن تكون النخبة المؤمنة ناتجة على نحو الأمر بين أمرين، فهم بعقولهم اهتدوا وهداهم الله لاستعدادهم التام لمعرفة الحق ونصرته فاجتازوا الامتحان بنجاح واستحقوا درجة القربى والنصرة للإمام ع، إذن لا حاجة لطرح المعجزة وكما يقول السيد الصدر في موسوعته (نذكره لأنك تستشهد بكلامه في بعض كلامك) بأنه ينتفي طريق الإعجاز في دعوة الإمام ويكون الطريق الطبيعي هو الأصلح لبيان أحقية دعوته. فقال: (إن أسلوب الدعوة الإلهية غير قائم على المعجزات ما لم ينحصر بها الأمر وإلا كان نبي الإسلام في نصره على قريش أولى بالمعجزات ولأستطاع السيطرة على العالم بين عشية وضحاها، ومن هنا لا نقول بوجود المعجزات في طريق نصرة المهدي ع إلا بمقدار الضرورة التي لا بديل عنها) تاريخ ما بعد الظهور. فالطرق الأخرى موجودة وأيسرها للتبليغ هو طريق طرح الدليل العلمي وهو الطريق الطبيعي الأسهل في إتمام الحجة، وهو الطريق الذي رسمه الإمام الباقر ع، وهو كما سنه أهل البيت جميعاً لإثبات أحقيتهم، فقال ع: (يظهر القائم وهو أعلم الناس بالحلال والحرام)، والمعلوم أن معرفة الحلال والحرام هو عن طريق استنباط الحكم الشرعي من أدلته التفصيلية والسيرة المقدسة للرسول وأهل البيت (عليهم الصلاة و السلام) جرت على أنهم لم يعطوا حكماً شرعياً إلا وعضدوه بالدليل من القرآن بالتنزيل أو التأويل، وبهذا يكون المُمهِّد للإمام هو الأعلم بالحلال والحرام وبالتالي سيجد المؤمن الحقيقي نفسه بأحضان مولاه المقدس الحجة ابن الحسن ع دون الحاجة إلى إتباع من يدعي البنوة للإمام وهو يكشف الإمام وشخصه المبارك ويدل أعدائه عليه وعلى مكانه فذلك عدواً للإمام وليس سفيره ورسوله وابنه، فالروايات تدل على بطلان دعوتك وليست موافقه لدعوتك الضالة المظلة). أقول: قبل كل شيء لابد للمدعو ناصر المهدي أن يعلم أن (له علم إذا حان وقته انتشر ذلك العلم من نفسه) هو حديث من أحاديث أهل البيت ص، وعليه لا أدري هل إن تساؤلاته - الاستنكارية على ما يبدو- موجهة للمعصوم ؟ وعلى أية حال لم يقل أحد منا أن العلم المقصود هو المعجزة، وإن كانت المعاجز - كما هو معلوم من روايات أهل البيت ص- ستظهر على يدي القائم بصورة غير مسبوقة. ولكنه شيء لطيف حقاً أن تصدر مثل هذه الكلمات عن أحد مقلدي الصرخي الذي طالما طبل للمعجزة الأصولية !! والحق إن حديثه عن المعجزة وكونها بخلاف مسألة الإيمان بالغيب والاختبار الذي ينبغي أن يخضع له الناس هو حديث صحيح على الجملة. ولكن بعض ما ورد في حديثه يحتاج إلى التوضيح، فعلى سبيل المثال نحن لا نستشهد بكلام السيد الصدر (رحمه الله) إلا إذا وجدناه موافقاً لما ورد عن أهل البيت ص. وكذلك فإن معرفة الحلال والحرام بالنسبة للقائم ع لا تأتي عن طريق الاستنباط، كما يزعم ناصر المهدي، وإنما هو علم علمه الله له. وما تبقى من كلام ناصر المهدي (كذا) لا قيمة له إلا بمقدار تعبيره عن أخلاق أتباع الصرخي المعروفة !! ويقول: (المورد الرابع: قال: (كل الصفات التي ذكرتها الروايات للقائم وميزته عن الإمام المهدي ع تنطبق على السيد أحمد الحسن، فالسيد اسمه أحمد، ومسقط رأسه البصرة، وهو غائر العينين، عريض المنكبين، بوجهه أثر، وفي رأسه حزاز، أسمر الوجه، يتسم بالطول ورشاقة البنية، جسمه إسرائيلي، وأمه أمة سوداء). التعليق الخامس: إن هذا التفاف على الروايات الشريفة الصادرة من أهل البيت ص، فالروايات جميعها تذكر أن القائم هو صفة أو كنية للإمام ع وليس كما تدعي أن القائم شخص آخر وهو ابنه، وقد مرت الرواية علينا في مورد سابق أن القائم والمهدي هو شخص واحد وهو الإمام الثاني عشر ع. وإليك ما يشير إلى هذا المعنى: 1- محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت إثني عشر آخرهم القائم ع، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي). 2- حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد ابن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت إثني عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي). 3- رواه بأسانيده الكثيرة عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليهما السلام)، عن جابر، قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت إثنى عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي). 4- حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت إثنا عشر آخرهم القائم ع ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي ص). 5- أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد ابن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة بنت رسول الله (عليهما السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها، فعددت إثني عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطم، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي). وهذه الروايات المتقدمة تذكر أن الأئمة إثنا عشر وهم أوصياء الرسول وقد ذكروا في اللوح أو الصحيفة في معنى آخر والذي ورد أنهم من علي وصي رسول الله وأول الأوصياء وآخرهم القائم آخر الأوصياء ثلاثة منهم محمد، وهم: (محمد الباقر ومحمد الجواد ومحمد المهدي وهو القائم آخرهم)، ولم تذكر الروايات وصي اسمه أحمد الحسن، فمن أين ابتدعت تلك الوصية، وهل أنت الوصي الثالث عشر وقد سقط مقامك في الطبع سهواً من تلك الروايات. 6- روى الصدوق في كتاب الخصال وكمال الدين بسند في غاية الصحة، عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: (دخلتُ على النبي ص وإذا الحسين على فخذيه وهو يقبِّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنت سيِّد ابن سيِّد، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حُجَج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم). 7- وروى الكليني قدس سره في كتاب الكافي بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ع، قال: (يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم.....) لاحظ إن التاسع هو القائم الذي هو الإمام المعصوم محمد بن الحسن العسكري وليس أحمد الحسن المدعي أنه وصي الإمام المهدي، وهاتان الروايتان وغيرها الكثير تؤكد على أن الإمام المهدي والقائم هو شخص واحد وليس شخصين كما تدعي). أقول: الخطأ الذي ارتكبه صاحب الكتاب في مطلع كتابه يطل برأسه هنا أيضاً، فيذهب المؤلف مع مصادرته الأولى لأصل البحث شوطاً آخر. وبالنسبة للروايات التي يستشهد بها، أقول: الرواية الأولى والثانية تستثني علي أمير المؤمنين ع إذ ليس هو من أبناء فاطمة كما هو معلوم، وكذلك فإن العدد مع علي ع لا يستقيم، فمعه يكون لدينا أربعة أسماؤهم علي، هم: علي أمير المؤمنين. علي السجاد. علي الرضا. علي الهادي (عليهم جميعاً الصلاة والسلام). ومن الواضح أنّ مضمون الرواية الثالثة مضطرب، إذ أنها تُعدّد الأوصياء من ولد فاطمة ص وفي الوقت نفسه تدخل أمير المؤمنين ع في جردة الحساب ! وهكذا القول في بقية الروايات، نعم الرواية الرابعة لم ترد فيها عبارة (من ولدها) والمرجح أن يد النساخ قد امتدت إليها حين أعياهم فهم المراد منها. أما الوصية فهي مروية في الكثير من أمهات المصادر الشيعية، ومنها غيبة الشيخ الطوسي، ولم نبتدعها كما تزعم، ويبدو أن مقلدي الصرخي يأبون إلا ركوب سنة عمر، ويأبون إلا الإساءة إلى مقام الرسول ص، فقد ورد: (من مات ولم يوص مات ميتة جاهلية) ([17]). ولو أنك يا جاهل قرأت الروايات الآنفة التي استشهدت بها قراءة جيدة لعلمت أن القائم هو أحمد المذكور في وصية رسول الله ص، فهو من يكمل عدة الإثني عشر من ولد فاطمة ص. أما الروايتين السادسة والسابعة فالاستشهاد بها يشير إلى جهلك المركب، فنحن كما قلت في مطلع هذا البحث نقول بأن المهدي محمد بن الحسن ع هو القائم، ونقول بأن ابنه هو القائم أيضاً، على التفصيل الذي ورد هناك. فهاتان الروايتان لا تنقضان طرحنا كما تتوهم، إذ أننا لا ننكر وجود الإمام المهدي محمد بن الحسن ع كما يفعل فقهاء آخر الزمان الخونة بسلوكهم العملي وإن كانوا يقولون بوجوده على مستوى لقلقة اللسان. وهكذا فإن عدم فهمك لما جاء في كتاب (موجز ...) قد أوقعك في هذه المزالق. ويقول في التعليق السادس: (إن ما ذكرته من الصفات والعلامات فنقول نعم هي صفات وعلامات حقيقية ذكرت للإمام المهدي (سلام الله عليه) ولكن ليست هي الدليل الأساسي لمعرفته، أو بعبارة أخرى إنها ليست دليلاً على فصل الشخصية التي تدعيها باسم القائم أحمد الحسن صاحب تلك العلامات المنتحلة وبين الشخصية الحقيقية التي أشارت إليها الروايات وذكرت تلك العلامات لها وهي شخصية الإمام المهدي القائم صاحب الأمر (سلام الله عليه) وهي شخصية واحدة التي هي الإمام المهدي المعصوم بن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، ولابد أن نلفت النظر إلى القارئ وإليك أيضاً أنه في الوقت الحاضر أصبح الأمر غير متعذر بل سهل جداً على المنظمات الاستخباراتية العالمية والإقليمية والتي يقودها اليهود أن تهيئ رجلاً وتزينه بتلك العلامات حتى يتم التظليل على قضية الإمام العادلة الحقة. فما دامت وسائل التجميل موجودة، ومادامت إمكانية الرياء والكذب والخداع موجود، وما دام التأويل يمكن أن يدعيه أي شخص فإنه يمكن لأي شخص جعل بعض ظواهر الروايات تنطبق عليه ظاهراً بل كذباً وخداعاً، وحتى لو ثبت الإمكان فإنه لا يثبت الوجود والتحقق في خصوص هذا الشخص المدعي دون غيره ممن يثبت الإمكان في حقه أيضاً، وعلى هذا الفرض فالاحتمالات تكون كثيرة وكثيرة فعلى من ينطبق المورد الشرعي فليس لديك يا أحمد الحسن دليلاً بانطباق ظاهر الرواية عليك واقعاً، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هو لصرف المؤمنين الشيعة عنها أي الدعوة الحقة وإتباع تلك الدعوات المنحرفة الضالة المنبثقة من صميم الغرب والصهيونية العالمية لكي يبقى الإمام الحقيقي غريباً وحيداً لا ناصر ولا معين له وبالنتيجة ينخرم شرط الظهور المقدس وهو توفر القاعدة المؤمنة أو التشويه لقضية الإمام العادلة من خلال ظهور الكذابين تعود المشوهين لحقيقية الإمام ودعوته ومبادئه بانحراف سلوكهم وتصرفهم عن خط أهل البيت ص، ويؤكد هذا الاحتمال وتزداد القضية وضوحاً إذا أخذنا بعين الاعتبار ظهور الكثير من الكذّابين المنحرفين الذين يدعون المهدوية والنيابة عن الإمام. فإما أن يتحقق أحد الاحتمالين أو كلا الاحتمالين وهو ضرب للإمام المهدي ع في الصميم، وعلى هذا الأساس فإن دعواك إما أن تحقق أحد الصورتين أو كلاهما معاً وبهذا لا تكون تلك الإشارة إلى العلامات المذكورة دليل لك بل عليك باعتبارها مؤيدة للدعوة الحقة، وأما الدليل الحقيقي فهو العلم والبرهان دليل الاعلمية بالحلال والحرام إن اثبّتَ ذلك بالدليل العلمي فإننا لك مدانون ولدعواك مصدقون وإلا فإنك من دعاة المهدوية الكاذبة كما تشير الروايات إلى ذلك). أقول: من أين لك إن الصفات والعلامات التي نقول بانطباقها على السيد أحمد الحسن هي صفات وعلامات منتحلة ؟ هل الأمر بالنسبة لك لا يعدو عن كونه مناسبة للشتم فقط ؟ ثم ها أنت تعود لخطأك القديم نفسه وتقع في الحفرة نفسها، فلو أنك التفت إلى ما ورد في كتاب (موجز ...) من تمييز بين الإمام المهدي محمد بن الحسن والمهدي الأول أحمد الحسن (سلام الله عليهما) لانشغلت بتأملها بدلاً من هذا الهراء الذي تسميه رداً !!! أما مسألة التزيين كما تسميها فهي نكتة سوداء ابتدعها الصرخي وصرتم ترددونها وراءه كالببغاوات، فالعلامات والأوصاف التي ذكرها أهل البيت ص مشفوعة ببيانات أخرى تحدد شخصية القائم؛ منها العلامات التي تصف علمه واحتجاجه بالوصية، وسواها من علامات وأدلة فمن اجتمعت فيه هذه المواصفات يكون هو القائم، أما الاقتصار على علامة واحدة من قبيل المواصفات الشخصية وتوجيه الطعون والإشكالات لها فهو أمر خطير جداً، إذ هو يفتح الباب على مصراعيه أمام المبطلين لتوجيه سهامهم لكل علامة على حدة ليتحصل بالمجموع نفض اليد من كل العلامات. هذه هي النتيجة التي يريدها، أو لنقل بلغة مخففة، هذه هي النتيجة التي تنتهي إليها تخرصات فكر الصرخي المتين. أما الضجيج الكثير الذي تنقله عن الصرخي فليتك تأملت فيه قبل نقله، فالدعوات الضالة التي عرفها تأريخ التشيع لا ينبغي اتخاذها ذريعة لمحاربة كل الدعوات، فمن المعلوم أن راية الحق لابد أن تحفها رايات ضلال، وهذه سنة الله تعالى، ليميز الله الخبيث الذي يتخذ من الشبهات عاذراً لسقطاته من الطيب الذي يهديه نقاؤه إلى الراية الحق، بل إن هذا الواقع (واقع الرايات المشتبهة) مما دلت عليه الكثير من الروايات. وعلى أي حال، فإن المبالغة في كثرة مدعي النيابة واليمانية محاولة للخلط لإثارة حفائض الناس وإبعادهم عن كل دعوة بما فيها دعوة الحق. فالحقيقة أن ادعاء النبوة نادر وهو باطل بداهة للأدلة القطعية بعدم وجود رسول بعد محمد ص، وأما ادعاء المهدوية من قبل أبناء العامة فهو أيضاً ضروري البطلان لقيام الأدلة القطعية على أن الإمام المهدي ع هو من ذرية علي وفاطمة وابن الحسن العسكري ع المباشر ولا يمكن أن يكون من غير مذهب أهل البيت ص. وأما مدعي المهدوية من الشيعة فهو في غاية الندرة، وهو أيضاً باطل ضرورة إذا كان الشخص معروف الأب والأم وهو مولود الآن؛ لأنه دلت الأدلة القطعية على أن الإمام المهدي ع هو ابن الحسن العسكري ع وأمه نرجس ص وقد ولد قبل أكثر من ألف سنة، فمن ادعى خلاف ذلك فلا ينبغي الاستماع إليه أصلاً. ثم زج الادعاءات المهدوية في الموضوع حيلة شيطانية لتهويل الأمر، فالسيد أحمد الحسن لم يدع أنه الإمام المهدي ع ولم يدع النبوة. وأما قضية اليماني فلم أسمع من عصرنا الحالي وإلى الحسن العسكري ع أن أحداً ادعى تلك الشخصية أصلاً غير حيدر مشتت وهو باطل ضرورة؛ لأنه كان من أتباع السيد أحمد وارتد عنه. وحتى ادعاء السفارة يكاد يكون معدوماً في عصر الغيبة الكبرى فالادعاءات كلها كانت في زمن السفراء الأربعة ص ما عدا محمد علي الباب أو ربما تكون بعض الادعاءات التي لم يلتفت أو لا يلتفت إليها أصلاً. ويقول: (ولكن كيف تزوج الإمام، وهل علم أهل زوجته بأنه الإمام، وهل علمت زوجته بأنه الإمام، فإذا لم يعلموا به ولم ينسبوه إلى بيت وعشيرة كيف ارتبطوا به وزوجوه وهم لا يعرفونه، وإذا عرفوه بعد فترة الزواج وإنجاب الذرية كيف لم يعلم به الناس ولم يكشف أمره للناس، أو بأدق العبارة كيف لم يكتشف الناس أمره بالإشارة إلى أمر مجهول يثير السؤال والاستفهام حول شخصية هذا الرجل المجهول الذي تزوج. فلو قلت إنه تزوج ولم يعرف به لا زوجته ولا أهلها وهذا الإخفاء هو للحفاظ على حياته الشريفة، إذن كيف الآن يكشف شخصه ويعرف الناس به من خلال إرسال ابنه كما تدعي وهو لم يظهر ويكشف قناع الغيبة عن نفسه، وبعد ما ظهر ولده فهل أخبر عن وجود أولاد وذرية غيره، وأين هم الآن، فلماذا يدعي هو فقط دون غيره منهم، وإن كان صادقاً في دعواه فأين هي الذرية الكبيرة والعشيرة العظيمة التي لم يكتشفها الناس، فهل عرّف أحد منهم نفسه للناس أم إن أحمد الحسن هو الذي عرّف نفسه فقط، وإذا عرف نفسه فقط وجعل نفسه دليلاً على وجود الإمام وعائلته وذريته فهل هذا دليل للناس على صدق مدعاه، فلو كان الخبر منه فقط فإن دليل المدعى لا يحقق العلم واليقين عند المقابل بحيث يصدق بدعواه قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ..... ؟ بل نحن نعلم أنك أحمد ...... المعروف بعشيرتك ونسبك وسلوكك وماضيك، وأنك من دعاة المهدوية الكاذبة الذي أشار إليها أهل البيت ص). أقول: أما أسئلتك: كيف تزوج و... و... والخ فابحث بنفسك عن جوابها، فنحن لا نملك جواباً عليها ولا يهمنا معرفته، وكذلك نحن نعتقد بأن الإمام ع أكثر حكمة منا ومن المدعين بأنهم أصحاب فكر متين وهو أعلم بـ (كيف يتزوج وممن ...الخ)، والحق أني أعتقد أن أسئلتك هذه سفه، فأنت على ما يبدو تريد دليلاً على وجود الذرية للإمام المهدي ع وكان عليك أن تتوجه بالسؤال مباشرة بدل التفيقه والتعالم، وفي هذه الحالة نقول لك: ارجع إلى كتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم). وبخصوص العشيرة حاول أن تسأل الشيخ الكوراني فقد قال يوماً إنه التقى بأناس كثيرين في صعيد مصر ينتسبون إلى الإمام المهدي ع. أخيراً إن مؤلف الكتاب (موجز ...) هو الأنصاري وليس السيد أحمد الحسن، ولكن يبدو - والعلم عند الله - أنك تصر على أنّ المؤلف هو السيد؛ لأن مؤلف كتابك ربما كان هو الصرخي؟! ويقول: (المورد السادس: قال: ذكر في دعاء يوم الثالث من شعبان يوم ولادة الإمام الحسينع: "اللهم أسألك بحق المولود بهذا اليوم، إلى قوله: المعوض من قتْلهِ أن الأئمة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته". التعليق التاسع: إنك اقتطعت عبارة من الدعاء، وهي: (الممدود بالنصرة يوم الكرة) وفي هذا تكون الدلالة فيه على الرجعة التي تتحقق بعد ظهور الإمام أو حين ظهوره لتكون سبب لإرساء قواعد دولته المقدسة). أقول: ليس ما تم اقتطاعه مما يدخل في موضع الشاهد ولا تأثير له على نفس الاستشهاد، وإليك البيان: الممدود بالنصرة يوم الكرة هو الإمام الحسين ع فالدعاء له، أما موضع الاستشهاد فهو المضمون الوارد في الدعاء وهو: (والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته)، فالأوصياء المذكورون هنا يأتون بعد القائم وبعد غيبته، أي في دولة العدل الإلهي، باستثناء أولهم (أحمد) الذي دل الدليل على وجوده في عصر الغيبة (انظر الوصية). ويقول: (إن ما طرحته بأنك وصي من قبل الإمام ولك تكليف من الإمام قبل ظهوره هو عبارة عن احتمال يقابله احتمال عدم ذلك، ومع ورود الاحتمالين يتعين الإجمال وعند الإجمال يبطل الاستدلال وبهذا تكون دعوتك مجرد ادعاء ولا دليل عليها). أقول: ليست المسألة مسألة ادعاءات لا حقيقة خارجية لها، فإذا كنت تعتقد بوجود ما تسميه احتمال آخر فعليك أن تسمعنا إياه لنرى هل يصمد أمام المناقشة ؟! ويقول: (لم يتنصل الجميع من مبدأ حاكمية الله كما ذكرت بل نؤكد لك أنه لم يعلن أحد غير السيد الحسني هذا الأمر بأن الحكم لله ولا دستور لنا غير القرآن ولا قائد لنا غير المهدي في بياناته وتحركات أنصاره، وقد سجلت ونشرت وسمع بها القاصي والداني ونقلتها إذاعات وفضائيات العالم ولم يذكر لك هذا الأمر). أقول: سبحان خالق العقل، كيف لم يتنصل صرخيكم من مبدأ حاكمية الله وهو من دخل الانتخابات بحزبه (الولاء)، وإليك البيان الفضيحة الذي أصدره صرخيكم مشفوعاً بقراءة عسى أن تنتفعوا وتنزاح عن أعينكم غشاوة التقليد الأعمى: نص البيان: إلى من يهمه الأمر بسمه تعالى: أشرنا في مناسبات عديدة أنه ربما يكون حكم الفرد (الدكتاتورية) أهون الشرّين بل أهون الشرور للمجتمع، ومن المؤسف المبكي أن الحال المأساوي الدموي الذي يمرّ به العراق وشعبه المغلوب على أمره لا يناسبه في هذه الظروف وهذه المرحلة إلا ما يسمى بالحكم الفردي (الدكتاتوري) ونتمنى ونرجو بل نسأل الله تعالى ونتوسل إليه أن يكون الشخص الحاكم من الوطنيين المخلصين العادلين المنصفين، نقول ذلك لأن المؤسسات والتكتلات التي شكلت وتأسست باسم الديمقراطية وحكم الشعب صارت معرقلة لعمل الحكومة بل أصبحت هذه المؤسسات والتكتلات ومنابرها معرقلة ومهدّمة لكل خطوة وعمل فيه خير وصلاح للأمة، فالأنسب والأفضل بل المتعين إيقاف عمل مثل هذه المؤسسات إلى حين توفر الظروف الموضوعية المناسبة الصحيحة الصالحة، وعليه فلا يوجد اعتراض على ما يسمى بحكومة إنقاذ وطني أو حكومة انتقالية أو انقلاب عسكري ما دام يصب في مصلحة العراق وشعبه ويوقف أو يحجّم ويقلل من سفك الدماء وزهق الأرواح البريئة، فالواجب إيقاف هذا النزف والزهق للدماء والأرواح بغض النظر عن المسمى. قال أمير المؤمنينع : (لابد للناس من أمير برّ أو فاجر، يعمل في أمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويُجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح به برّ، ويستراح من فاجر) نهج البلاغة: ج1 خطبة40. قلنا ونكرر إن المهم بل الواجب الأهم هو إيقاف نزيف الدم وزهق الأرواح ودفع ومنع كل الأسباب والعوامل والمقدمات المؤدية إلى هذه المفسدة الكبيرة والقبح الفاحش، ولا فرق في ذلك سواء كان الحاكم سنياً أم شيعياً عربياً أم كردياً، وسواء كان الحاكم غير معروف وغير مشترك فيما يسمى بالعملية السياسية (وهو الأفضل والأنسب) أم كان مشتركاً في العملية السياسية وتوفرت فيه الشروط الوطنية والأخلاقية والشرعية، فمثلاً ليكن المالكي أو الزوبعي أو الطالباني أو غيرهم أحدهم بمفرده أو مع آخر أو آخرين على نحو المجلس الرئاسي أو المجلس الحاكم أو أي عنوان آخر المهم تحقيق الغرض والهدف الوطني والأخلاقي والشرعي والتاريخي. والله تعالى الموفق والمسدد والمعين والناصر. السيد الحسني 6/ شوال/ 1427هـ القراءة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على بلائه وعظيم نعمائه، والصلاة والسلام على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. قال الشاعر قديماً: أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل سبحان الله، أمثل هذا الكلام يصدر عن رجل يدعي التدين، بل يدعي أنه الأعلم، بل يدعي ولاية الأمر على شيعة آل محمد !! ألا يعلم محمود الصرخي أن عقيدة الإسلام في تعيين الحاكم تتمثل بمبدأ التنصيب الإلهي أو حاكمية الله تعالى ؟ بل ألا يعلم أن الإسلام برمته يدور مدار هذه الحاكمية (إن الحاكم ينصبه الله تعالى لا البشر) ؟ والغريب أن الصرخي يبرر تنصله من المبدأ الذي دفع آل محمد ص من أجله أزكى الدماء، دماء سيد الشهداء ص وضحوا من أجله بكل غال ونفيس يبرره بقول متهافت هو أن الديمقراطية (كذا) التي جلبها المحتل الكافر قد جرت الويلات على الشعب العراقي وعانى الناس منها الأمرين، وعليه رأى بفكره الثاقب المتين ضرورة اللجوء إلى طريقة الديكتاتورية في الحكم، والرجل يدعو بحرقة المخلصين أن يحدث انقلاب عسكري ينقذ الأمة من شرور الديمقراطية !! ولا أدري هل فكر الصرخي بما قد يجره الانقلاب العسكري من ويلات، أم إن كلامه كان كله فلتة من فلتات الفكر المتين وقى الله شرها ؟! أقول للصرخي: نعم، إن الديمقراطية الأمريكية وكل ديمقراطية لا تجر على الناس غير الويلات والمرارة، ومثلها الحكم الديكتاتوري (وقد علمتم وذقتم وما هو عنه بالحديث المرجم)، وليس ذلك إلا لسبب وحيد هو أن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية لا تصلح ما لم تناط قيادة الناس لولي الله الذي نصبته السماء، هذا ما يقوله الإسلام وما يقوله مذهب أهل البيت فأين أنت منه ؟ ولا أدري كيف سوّلت نفسك أن تظن بأنّ الحاكم الديكتاتوري أو الديمقراطي حين تتوفر ما تسميها الظروف المناسبة يمكن أن يسير بركب الأمة إلى الصلاح ؟ أبلغ بك الأمر أنك صرت تشك بدين محمد ص ؟ أتقول بأن الواقع يستدعي الآن أو في أي وقت من الأوقات تعطيل مبدأ حاكمية الله تعالى، هل الإسلام بظنك لا يستوعب كل الأزمان وكل الظروف ؟! وما معنى استشهادك بما ورد عن أمير المؤمنين ع: (لابد للناس من أمير برّ أو فاجر، يعمل في أمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويُجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح به برّ، ويستراح من فاجر)، أتظن أن هذا القول يوافق مقولة الحكم الدكتاتوري التي ذهبت إليها، إذن أي علم وأي أعلمية هذه التي تتبجح بها ؟ إنّ أمير المؤمنين ع هنا بصدد تبيين حقيقة تكوينية لا تشريعية هي أن الناس بحاجة إلى حاكم أو قائد. وبكلمة أخرى هذه المقولة لا تمثل تشريعاً يصحح تسلط الديكتاتور، أو الفاجر، بل فقط التأكيد على حقيقة تكوينية تتمثل بضرورة وجود حاكم، وأما من يعين هذا الحاكم وما هي مؤهلاته فهذا قد تكفلته نصوص أخرى. أما نزيف الدم وزهق الأرواح فلا يوقفه حكم المالكي ولا الزوبعي ولا الطالباني الذين تتملقهم، بل لا يوقفه غير حجة الله في أرضه. ويقول: (التعليق الثالث عشر: إن ما ذكرته بأنك صاحب الأمر والوصية فقد أبطلنا دعواك سابقاً بأن صاحب الأمر هو الإمام المهدي المعصوم ع، وقد ثبت بالروايات المتواترة بأنه القائم وهو صاحب الأمر وهو المهدي وهو الحجة ع، فإن ادعيت بأنك الإمام المهدي ع فهذا يناقض قولك بأنك ابنه ووصيه ورسوله، وإن قلت إنك ابن الإمام المهدي فهذا ادعاء بلا دليل). مرة جديدة أقول: لم يدع صاحب كتاب (موجز ...) بأنه صاحب الأمر والوصية، بل قال: إن السيد أحمد هو صاحب الأمر والوصية، وأثبت كل ذلك بالأدلة، فهلا ناقشت أدلته وكفيتنا شر سفهك، ثم ألا تلتفت إلى تناقضك أنت: فمن يقول إن السيد أحمد الحسن هو ابن الإمام المهدي ورسوله كيف يُتهم بأنه يقول بعدم وجود الإمام ع ؟ وهل قولنا أنه ولده ورسوله يحمل من المعنى غير أننا نقول بأن السيد أحمد ع فرع من أصل هو الإمام المهدي محمد بن الحسن ع. ويقول: (بعد إن عرفنا أن الإمام يخرج وهو أعلم الناس بالحلال والحرام، والعلم بالحلال والحرام هو تحصيل الحكم من الأدلة الثابتة في الشريعة وهذا وهو جري العلماء في عصر الغيبة، وأيضاً هو جري أهل البيت في إعطاء الأحكام، فعندما يتحير المسلمون بالحصول على حكم يرجعون إلى علي أو أحد أهل بيته ص، وعندما يعطيهم الإمام الحكم يقولون له ما هو الدليل فيعطيهم الدليل من القرآن أو السنة الشريفة للرسول فيكون القرآن والسنة هو المرجع لأهل البيت ص وكذلك للعلماء من بعدهم في عصر الغيبة، وبهذا اتضح أن من يكون أعلم الناس بالاستنباط في زمن الغيبة يحقق المقدمة التامة للإمام وأطروحته العادلة وهو أنه أعلم الناس بالحلال والحرام، وأنت تدعي أنك الأعلم بتفسير القرآن ومعرفة الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فالمطلوب منك أولاً إثبات أنك أعلم بالحلال والحرام، ومن ثم نقول عنك إمام أو نائب للإمام، وعليه نستطيع أن نشكل قياساً منطقياً وهو: كل أعلم بالحلال والحرام فهو الإمام أو نائب للإمام (كبرى). [تعليق مني: أدلة الحلال والحرام غير مسلمة؛ لأنكم تعتبرون الأصول العقلية منها]. أنت ليس أعلم بالحلال والحرام (صغرى). [تعليق مني: هي محل الخلاف، فالقول بها مصادرة على المطلوب]. إذن أنت ليس بإمام ولا نائب له.(نتيجة). [فيقيناً تكون النتيجة فاسدة بالنسبة للنيابة؛ لأن المقدمات فاسدة]. ونحن نتحداك أن تحقق الصغرى الذي أتى بها السيد الحسني (دام ظله) وهي ثبوت أعلميته بالحلال والحرام من خلال بحوثه الأصولية العالية في الفكر المتين، فمن كان أعلم بالقرآن بمحكمه ومتشابه وناسخه ومنسوخه وهو صاحب العظائم والمعجزات فهو أقدر على الرد على الفكر المتين، قل انتظروا إنا معكم من المنتظرين، وبالقياس المنطقي نثبت أن السيد الحسني هو نائب الإمام العام الحقيقي بالحق لتمامية المقدمتين الكبرى والصغرى بأنه الأعلم بالحلال والحرام). أقول: تقدم إيضاح معنى معرفتهم ص بالحلال والحرام، ولكن قوله بأن الأئمة يستنبطون الحكم الشرعي كما يفعل فقهاؤه هو الطامة الكبرى، فأهل البيت لا يعملون بالأصول ولا يعيرون اهتماماً أي اهتمام لفكر صاحبكم المتين، بل ما أعجب قولك إن الناس يسألونهم عن الدليل فيعطونهم الدليل من السنة، ألا تشعر بأن ثمة دور في كلامك ؟ فحديثهم من السنة وهو مورد التساؤل عن الدليل فيأتي الدليل من نفس السنة التي هي مورد التساؤل ؟! وأما عن قياسك الأرسطي الذي لا شك يبكي أرسطو ويدمي قلبه كمداً، فهو من تخرصاتكم العقلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ودين الله يا مقلد لا يصاب بالعقول الناقصة، فكيف بالعقول الناقصة جداً، فلم تخبرنا يا أرسطو هذا الزمن الردئ كيف تحققت من صدق المقدمة الكبرى ؟ ثم راجع صرخيك حول صحة شكل قياسك الفلتة لنرى ما يقول لك ولنا عندئذ عودة !! أما حديثك عن الرؤيا فما أشبهه بشخابيط الأطفال !! اقرأ كتاب (موجز ...) ثانية ثم عد لنقاشنا بعد استشارة صاحب الفكر المتين، إذ لا أظنه يرتضي كلامك. وإليك هذه الرواية: عن الحسن بن علي الوشاء - وقد رجع عن القول بالوقف بسبب إخبار غيبي أخبره به الإمام الرضا ع- قال: (كنا عند رجل بمرو، وكان معنا رجل واقفي، فقلت له: اتق الله، قد كنت مثلك، ثم نور الله قلبي، فصم الأربعاء والخميس والجمعة واغتسل وصل ركعتين، وسل الله أن يريك في منامك ما تستدل به على هذا الأمر. فرجعت إلى البيت، وقد سبقني كتاب أبي الحسن يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرجل، فانطلقت إليه، وأخبرته، وقلت: أحمد الله وأستخره مائة مرة. وقلت له: إني وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار أن أقول لك ما كنا فيه، وإني لأرجو أن ينور الله قلبك، فافعل ما قلت لك من الصوم والدعاء، فأتاني يوم السبت في السحر. فقال لي: أشهد أنه الإمام المفترض الطاعة. قلت: وكيف ذلك ؟ فقال: أتاني أبو الحسن ع البارحة في النوم، فقال: يا إبراهيم، والله لترجعن إلى الحق، وزعم أنه لم يطلع عليه إلا الله) ([18]). ويقول: (التعليق السابع عشر: إن طلبك الإتيان بالمعجزة وأنت تتحدى به العلماء حسب زعمك كالسيد السيستاني والسيد الخامنئي والسيد محمد سعيد الحكيم والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ الفياض (أدامهم الله) فقلت لهم أن يحددوا أي معجزة من معاجز الأنبياء ص فتأتي بها لهم، فنحن لا نكلفك بهذا قد يكون هذا أمراً صعباً عليك ومحرجاً ولكن نطلب منك أمراً سهلاً وميسوراً لك أمام قدراتك وعظائمك، وهو أن السيد الحسني (دام ظله الشريف) قد تحدى العلماء بمعجزة الفقه والأصول وهي مقدمة صحيحة للإمام أو نائبه كما أثبتنا آنفاً فعليك إبطال هذه المقدمة واثبات أن السيد الحسني ليس بأعلم بالحلال والحرام فتكون أطروحتك هي الراجحة والتامة والمؤيدة، فإنه ليس من العقل أن تكون دعوتان منجزتين على المكلف في آن واحد؛ لأن الحق واحد دائماً وعلى طول الفترة الزمنية فيلزم من تصديق أحدهما بطلان الأخرى، فعليك إبطال دعوى السيد الحسني وعدم تنجيز حجيتها على المكلف لتبقى الحجية تامة ومنجزة لدعوتك فقط). أقول: ليقرأ مقلدو الصرخي هذا المقال: وقفة مع محمود الصرخي: كان محمود الصرخي من أوائل الفقهاء الذين طالبوا السيد أحمد الحسن ع بالإتيان بمعجزة، والغريب في أمر هذا الرجل أنه توهم معجزة ما سبقه لمثلها أحد، فهو يطالب الإمام المهدي أو من يأتي مرسلاً منه بمعجزة موضوعها علم الأصول ! وقبل الوقوف عند مسألة المعجزة الأصولية المزعومة أود أولاً مناقشة الشيخ النجفي والشيخ الكوراني اللذين زعما أن دليل من يرسله الإمام المهدي ع محصور بالمعجزة لا غير. فأقول: لا دليل أبداً على أن المعجزة هي كل الدليل الشرعي، ولا دليل شرعياً سواها، فالمعجزة في أحسن أحوالها مصداق واحد من مصاديق الدليل الشرعي. وكذلك لا يوجد دليل على أن الإمام المهدي ع أو من يأتي مرسلاً من قبله لابد أن يُثبت نفسه من خلال المعجزة المادية، بل أن الروايات تشير إلى أمور أخرى ليس المعجزة المادية من بينها، ففي خطبته المشهورة بين الركن والمقام يعرض الإمام المهدي ع الاحتجاج بكتاب الله، (يا أيها الناس، من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله) ([19]). والحق أن النجفي والكوراني وغيرهما لا يُصران على المعجزة المادية؛ لأنهما يطلبان الحق، ويعتقدان أن الطريق إليه منحصر بها، وإنما يحاولان من خلال التركيز عليها صرف الأنظار عن الأدلة الشرعية الكثيرة التي طرحها وصي ورسول الإمام المهدي السيد أحمد الحسن ع. فلو كانا حقاً يطلبان الحقيقة لعملا على إقناع كبار مراجع الشيعة في العالم على قبول العرض الذي تقدم به السيد أحمد لهم بالإتيان بإحدى معاجز الأنبياء. وعلى أية حال أود الآن أن أتحدث حديثاً مختصراً عن المعجزة معتمداً فيه على ما ورد في كتاب (الجهاد باب الجنة) للسيد أحمد الحسن ع، الكتاب الذي أراه - كما هو شأن كتب السيد أحمد الأخرى - يكفي وحده دليلاً على صدق دعوته. إن طلب الناس للمعجزة يأتي في الحقيقة انطلاقاً من تصورهم أن المعجزة تمنحهم علماً جازماً يقطع كل شكوكهم، ويضعهم مباشرة بإزاء الحقيقة التي يتطلعون إلى بلوغها. وبمعنى آخر هم يطلبون المعجزة؛ لأنهم يريدون علماً قاطعاً جازماً يتسلط على عقولهم وقلوبهم دون أن يترك ولو مقدار خرم إبرة لتسلل الشكوك والظنون. ولكن تأملاً في القرآن الكريم يضعنا بإزاء حقيقة مغايرة، فالمعجزة التي يفترض الناس فيها أن تنقلهم مباشرة إلى الحق يبدو أنها تُخيّب تصوراتهم، وما يفترضونه فيها. فالمعجزات التي جاء بها الأنبياء - وأكثرها كانت بطلب من أقوامهم - لم يترتب عليها النتيجة التي يريدها الناس، وهي الإيمان، بل نتج عنها التكذيب والجحود والاتهام، بل قالوا: ﴿إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾([20]). ولم يكن ذلك بسبب قصور هذه المعاجز، بل في الحقيقة بسبب طبيعة المعجزة ؟ فالإيمان الذي يريده الله سبحانه وتعالى هو الإيمان بالغيب، قال تعالى: ﴿الم ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾([21]). ﴿إنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ﴾([22]). ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([23]). من هنا فإن المعجزة التي يأتي بها الأنبياء لا تجئ كما يتوقع الناس مهيمنة متسلطة لا تترك مساحة للشك أو التكذيب. الواقع أن هذه المساحة ضرورية لكي تنكشف دخائل الناس، ويتميز بعضهم عن بعض، ولكي لا يكون الإيمان قهرياً، بل نابعاً من اختيار واع. إن مراعاة الغيب والاختيار في مسألة الإيمان تترتب عليها أن تتخذ المعجزة صورة حضور يبقي الباب مفتوحاً للشك والالتباس، ولمن هم في ريبهم يترددون، ومن هنا في الحقيقة كانت المعجزات تأتي مشابهة لعلوم العصر التي يعرفها الناس، فليس الأمر - كما يظن البعض - تحد لعلوم العصر فقط. والحق أن تأملاً يسيراً يضع هذه الحقيقة أمامنا كالثمرة اليانعة، فعلى سبيل المثال جاء موسى ع بمعجزة قريبة من السحر الذي كان شائعاً بين المصريين في زمنه، ولا أظن منصفاً بإمكانه القول إن هذه المعجزة لا يمكن لأحد من المصريين أن يقول إنها هي سحر بدورها، أي أن يرى أنها من نوع السحر نفسه، وإن كانت على درجة كبيرة من المهارة والإتقان، وكيف وقد قالها فرعون ومن هم على شاكلته، (إنه لكبيركم ...). الحق أن هذا هو سر المعجزة، وهذا هو الباب الذي تبقيه مفتوحاً، بمعنى أن المعجزة تمتحن الناس لترى هل ينظرون لها على أن الفارق بينها وبين العلم الشائع بينهم (السحر مثلاً) هو فرق في النوع، وبالتالي هو فرق يدل على وجود الله القادر على كل شيء، وهذا ما تريد إيصال الناس إليه، أم أن الفرق هو فرق في الدرجة فقط، فتنفي بذلك دلالتها على الله تعالى عند من هم في ريبهم يترددون. أي أنها تترك للناس مساحة أن يفكروا: هل أن ما جاء به موسى ع معجزة حقاً وتدل بالتالي على اتصال بالسماء، أم عمل من نوع السحر، ولا شيء يميزه عن السحر سوى أنه سحر عظيم، ويكون موسى بالتالي ليس نبياً، وإنما ساحر، نعم ساحر، وإن كان ساحراً عظيماً. والحق أننا لو أردنا أن نفسر انحراف قوم موسى بفتنة السامري وما نتج عنه من تيه دام أربعين سنة لما وجدنا سبباً لهذا الانحراف غير الشك بموسى، وعدم الإيمان به إيماناً حقيقياً، مع ملاحظة أن هذا الانحراف جاء بعد رؤيتهم لكثير من المعاجز، وبعضها كان قريباً، مثل انفلاق الحجر، وانبجاس الماء منه، وشق البحر، وما أكثر المعاجز التي جاء بها موسى ع. إذن، لابد من اختبار إيمان الناس بالغيب، بل أن من لا يؤمن منهم بالغيب لا تنفعه المعجزة بشئ، ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾([24])، والكتاب هو معجزة الرسول الخالدة التي لا تدانيها معجزة، ومع ذلك فهو ينص على أنه لا يهدي إلا من يؤمن بالغيب. ولعلي لا أخطئ إذا قلت إن من يطلب معجزة مادية لا يؤمن بالغيب، ولعل مثل هذا الشخص يشعر بنفسه المتمردة التي تأبى الإيمان ويسعى من خلال طلب المعجزة المادية إلى قهر نفسه تماماً كالشخص الذي يفقد السيطرة كلياً على نفسه ومشاعره، وينهار أمام هواجسه فيهرع إلى الانتحار أو تدمير النفس بغية الحصول على ما يظنه سلاماً وراحة ؟ وبالعودة إلى المعجزة الأصولية التي ابتدع القول بها محمود الصرخي، أقول: إن علم الأصول قد وضعه من وضعه بدعوى أنّا قد ابتعدنا عن عصر التشريع، وضاع من مصادرنا ما ضاع، وما وصل إلينا منها لم يسلم من أيدي العابثين والوضّاعين، ومن جهة أخرى استجدت حاجات وقضايا ومناطق فراغ استوجبت علماً يوجه حركة الاستنباط، ويتيح لنا الوصول إلى استنباط الحكم الشرعي بنجاح، ومن هنا صار البعض إلى وضع القواعد الأصولية على أنها الطريق المبتغى. وعلى الرغم من إمكانية المناقشة في هذه المقدمة، إلا أني سأتجاوز المناقشة باعتبارها خارجة عن أصل الموضوع. ولكن هذه المقدمة تفيدنا أمراً مهماً هو أن علم الأصول معلول لغياب الإمام، أو انقطاع الاتصال به، بالنظر إلى أن الإمام هو القرآن الناطق، وهو السنة الصحيحة، فهو التشريع كله، ومعلوم - بحسب المباني الفلسفية التي يؤمن بها محمود الصرخي حتى العظم - أن المعلول يدور مدار علته وجوداً وعدماً، فينتج عنه إن حضور الإمام أو من يتصل به يبطل الحاجة لعلم الأصول، فالإمام وهو التشريع كله قد حضر، وبحضوره انعدمت علة علم الأصول، فينعدم هو أيضاً، غير مأسوف عليه. والحق أن المعجزة الأصولية المزعومة ليست سوى وهم في مخيلة متعبة، فبعض الناس حين يحصرون أنفسهم في عالم معين يبلغ بهم الوهم درجة أن يتصوروا أن عالمهم هذا هو كل العالم، أو هو العالم الأكمل، وأذكر أني قرأت مرة كلاماً للمفكر الفرنسي فولتير يقول فيه: إن صرصاراً دخل يوماً في جحر جرذ فتعجب كثيراً من سعة هذا الجحر، حتى لقد قال في نفسه: لا بد أن يكون هذا الثقب الواسع من عمل إله ! فالصرصار المسكين هذا يرى العالم من خلال ثقبه الضيق، وبظنه أن الإله لا يستطيع سوى أن يعمل ثقباً أوسع فهو غير قادر على تصور وجود شيء آخر سوى الثقب. وأود هنا أن أخبر محمود الصرخي بأن علم الأصول ليس سوى ثقب صغير قياساً بال (27) حرفاً من العلم التي يبثها القائم، بل هو وهم ثقب في الحقيقة. نعم، المعجزة الأصولية وهم، حتى إن محمود الصرخي على ما يبدو لا يملك تصوراً لكيفيتها، فلم يُخبرنا كيف يمكن أن نكون المعجزة الأصولية ! فعلى سبيل المثال يمكن أن نتصور معجزة انشقاق القمر بأن نراه كتلة واحدة ثم ينشق إلى جزأين، ويمكن أن نتصور معجزة إحياء الموتى بأن نرى ميتاً أمامنا تُعاد له الحياة، ولكن كيف نتصور المعجزة الأصولية ؟ إن إحياء الميت معجزة بالنسبة لنا لأننا نعجز عن القيام به، وعلم الأصول هو علم بالواسطة (أي بالعناصر المشتركة الداخلة في عملية استنباط الحكم الشرعي)، وهذا العلم يستمد ضرورته بحسبهم؛ لأننا لا نستطيع معرفة الحكم الشرعي مباشرة أو دون وساطته، وعلى ذلك هل تكون معرفة الحكم الشرعي مباشرة ودون وساطة من علم الأصول معجزة، أم لا ؟ وكيف لا تكون كذلك وهي شيء نعجز عنه ؟ ثم على افتراض وجود حد معجز لعلم الأصول كيف يمكن أن يطمأنوا إلى أن العلم الذي يأتي به الإمام أو المرسل من قبله هو هذا الحد المعجز ؟ هل تكون علة الاطمئنان معرفتهم المسبقة بأن من جاء به هو الإمام أو رسوله، وهذا باطل؛ لأن أصل طلبهم للمعجزة الأصولية هو للتعرف على الإمام أو المرسل من قبله، أم لعلهم يفترضون تصوراً مسبقاً للحد المعجز، وعلى هذا إذا قال لهم الإمام أو من يرسله إن ما تسمونه (المعجزة الأصولية) هو تعبير خاطئ عن العلم المعجز الذي تتطلع له كل البشرية، وهذا العلم ليس هو علم الأصول قطعاً، فلن يصدقوه على الأرجح. الواقع أن على محمود الصرخي وأتباعه أن يلتفتوا إلى أن علم الأصول قد استدعته ضرورة جهلنا بالحكم الشرعي كما يعترفون، فعلة وجوده إذن هو جهلنا، وهو إذن يشير بوجوده دائماً، ويعبر دائماً عن جهلنا. نعم إن غايته استكمال نقصنا - برأيكم - والتعويض عن جهلنا، ولكننا لم نبتكر هذا العلم ونحن نعلم أنه الطريق الصحيح الذي لا يرد عليه الباطل، والدليل على ذلك أننا لا نملك تصوراً عن صورته المثلى، ومن هنا ترى كل أصولي يرى منظومته كاملة ويسعه العمل بمقتضاها، حتى إذا جاء آخر نقضها، أو أضاف لها ما لم يكن فيها. إن عدم وجود تصور عن الصورة المثلى لمنهجية علم الأصول يمنعنا من الحكم بأنها طريق صحيح، فكيف إذن نقطع بوجود حد معجز لمنهجية لا نملك قطعاً بصحتها، بل نملك احتمالاً على الأقل بإمكانية أن تكون باطل الأباطيل ؟ والواقع أن الأمر يمكن أن يهون في حالة محمود الصرخي، فالرجل على ما يبدو مصاب بداء الأعلمية وعلم الأصول، ولكن المشكلة أن أتباعه مغرمون جداً بعلم الأصول مع أنهم لا يفقهون منه شيئاً، فلو سألت أحدهم: ما علم الأصول ؟ لأجابك من فوره: هو العلم بالعناصر المشتركة. وتسأله: وبعد ؟ فيجيبك بالصمت، فلا بعد ولا قبل، وكأن الأمر كلمتان حفظهما والسلام. ويقول: (التعليق الثامن عشر: أما مسالة المباهلة التي طرحتها لإثبات أحقية دعوتك فمن المعلوم والمتيقن أن المباهلة تجري لإثبات الحق المتيقن عند جحود المعاندين والمنكرين له، وبعد أن أثبتنا في موارد سابقة بطلان دعوتك وعدم أحقيتها وتماميتها فينتفي طرح المباهلة لعدم تحقق موضوعها، فعليك إثبات أحقية دعوتك بإبطال الأطروحات المقارنة لها كأطروحة السيد الحسني (دام ظله) الثابتة حجيتها بالدليل بعدها يحق لك طلب المباهلة من المنكرين لدعوتك). أقول: أين أثبتم بطلان الدعوة المباركة ؟ ثم ما تقول لو أن نصارى نجران واجهوا رسول الله ص بالسفاسف نفسها التي تواجهونا بها ثم قالوا له لا دليل لديك وإذن لا نباهلك، ما تقول في جوابهم ؟ وما رأيك هل أن الشلغماني الذي ادعى السفارة كذباً لديه شيء من الدليل، أم إن حجته داحضة سلفاً بالنسبة للحسين بن روح وهو من سفراء الإمام ع ؟ لا شك أن حجته داحضة، ومع ذلك وافق الحسين بن روح على مباهلته. عن أبي علي بن همام، قال: (أنفذ محمد ين علي الشلغماني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح - وهو أحد سفراء الإمام المهدي ع - يسأله أن يباهله، وقال: أنا صاحب الرجل وقد أمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً و ظاهراً، فباهلني. فأنفذ إليه الشيخ رضي الله عنه في جواب ذلك: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري فقتل وصلب) ([25]). ويقول: (المورد الثامن: قال: (ورد عنهم ص: ما ادعى هذا الأمر غير صاحبه إلا تبر الله عمره). تعليق السابع عشر: نعم، بعد أن تبر الله عمر إمام جند السماء بعد فترة من الإضلال والتضليل والاعتداء على المقام المقدس لصاحب الأمر ع سيكون أمرك هو الثاني وستزول عن الوجود ويذرك القوم في البحر أو الهواء فتكون عبر للآخرين إلا إذا رجعت إلى ربك وتبت إليه توبة نصوحاً). أقول: عما قريب ستعلم أنت وعجلك الذي تعبد من دون الله من سيتبر الله عمره. ويقول: (تعليق الثامن عشر: أما ادعائك عن كشف قبر الزهراء ص فهو دعوى بلا دليل بأن الذي تشير إليه هو قبرها حقاً فإنه افتراء وكذب وضلال؛ لأنه لو سلمنا معك بأنك تستطيع أن تكشف لنا قبر الزهراء ص فمن يصدق أن هذا هو قبر الزهراء لعلك تكذب علينا فهذا أول الكلام). أقول: يا لكع، هل هذا جواب ؟ ولماذا لا تسأل الله حتى يبصرك أنت وعجلك صاحب الخوار المتين عن صحة ما أشار له السيد أحمد الحسن ع ؟ أم على قلوب أقفالها ؟ ويقول: (تعليق التاسع عشر: أما ما ذكرته بأن دعوة أحمد الحسن انطلقت في تصحيح العقائد بينما ينحصر الآخرون بالفقه وحده فهذا أمر غير واقعي، فأين أنت من الصدر الأول - قدس - الذي خاض في كل العلوم وأبدع نظريات جديدة في العقيدة والاقتصاد وفي السياسة والأصول والفلسفة والتاريخ، وأين أنت من الصدر الثاني - قدس - حيث كتب في التاريخ والتفسير والعقائد والفقه والأصول، وأين أنت من الموسوعة المهدوية التي حللت القضية المهدوية بموضوعية وعلمية وكشفت الحقائق الدفينة لبيان القضية المهدوية والظهور المقدس وطرح المسائل والقضايا على شكل أطروحات وإبطال البعض والإشارة إلى التمامية إلى البعض الآخر بالدليل العلمي وبالنقاش والبرهان والحجة وكأنك لا ترى السيد الحسني (دام ظله) الذي يقرع كل أبواب العلوم في التفسير والفقه والأصول والتاريخ ويتحداك ببحوثه في معترك الصراع العلمي وساحة العلماء). أقول: أي عقائد صححها الصدران رحمهما الله دلنا عليها، ثم أنت لا تفهم معنى العقائد حتى، بدليل أنك تحشر معها الفقه والأصول والتأريخ !! ثم هل تعتقد أنت بموسوعة السيد الصدر ؟ من جهتنا نعتقد بوجود الكثير من الثغرات العلمية فيها. أخيراً أقول: يبدو من خلال كتاب المدعو ناصر المهدي أن أتباع الصرخي لديهم عداوة مستحكمة مع حديث أهل البيت، فلو أنهم صرفوا بعض الجهد في قراءتها لأغنتهم، بل وحفظت ماء وجوههم من خزي الجهل الذي هم فيه، ويبدو كذلك أن لديهم عداوة مع الخلق النبيل والخصومة الشريفة. ولإجابة ما تبقّى من أسئلته عليه قراءة هذا البيان: [ السيد أحمد الحسن اليماني الموعود: س/ السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع: من هو اليماني، وهل هناك حدود لهذه الشخصية يعرف بها صاحبها، وهل هو من اليمن، وهل هو معصوم بحيث لا يدخل الناس في باطل ولا يخرجهم من حق، وكما ورد في الرواية عن الباقر ع: (إن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ؟ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين يجب أولاً معرفة أن مكة من تهامة، وتهامة من اليمن، فمحمد وآل محمد ص كلهم يمانية، فمحمد ص يماني ([26])، وعلي ع يماني والإمام المهدي ع يماني، والمهديون الإثنا عشر يمانية، والمهدي الأول يماني، وهذا ما كان يعرفه العلماء العاملون الأوائل (رحمهم الله)، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾([27]). وقد سمّى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار كلام أهل البيت ص بـ (الحكمة اليمانية)([28])، بل ورد هذا عن رسول الله ص ([29])، كما وسمّى عبد المطلب ع البيت الحرام بـ (الكعبة اليمانية) ([30]). أما بالنسبة لحدود شخصية اليماني: فقد ورد في الرواية عن الباقر ع: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([31]). وفيها: أولاً: (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار): وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجة على الناس، بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا ([32])، إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين. ثانياً: (أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق والطريق المستقيم، أو الصراط المستقيم تعني: أن هذا الشخص لا يخطأ فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق، أي إنه معصوم منصوص العصمة، وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني. أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، فإنه يجعل هذا الكلام منهم ص بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني، وحاشاهم ص من ذلك. النتيجة مما تقدم في أولاً وثانياً: إن اليماني حجة من حجج الله في أرضه ومعصوم منصوص العصمة، وقد ثبت بالروايات المتواترة والنصوص القطعية الدلالة أن الحجج بعد الرسول محمد ص هم الأئمة الإثنا عشر ص وبعدهم المهديون الإثنا عشر، ولا حجة لله في الأرض معصوم غيرهم، وبهم تمام النعمة وكمال الدين وختم رسالات السماء، وقد مضى منهم ص أحد عشر إماماً، وبقي الإمام المهدي ع والاثنا عشر مهدياً، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي ع فلابد أن يكون اليماني أول المهديين؛ لأن الأحد عشر مهدياً بعده هم من ولده: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([33])، ويأتون متأخرين عن زمن ظهور الإمام المهدي ع، بل هم في دولة العدل الإلهي، والثابت أن أول المهديين هو الموجود في زمن ظهور الإمام المهدي ع وهو أول المؤمنين بالإمام المهدي ع في بداية ظهوره وتحركه، لتهيئة القاعدة للقيام، كما ورد في وصية رسول الله ص. ومن هنا ينحصر شخص اليماني بالمهدي الأول من الإثني عشر مهدياً. والمهدي الأول بيَّنت روايات أهل البيت ص اسمه وصفاته ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد وكنيته عبد الله - أي إسرائيل - أي إنّ الناس يقولون عنه إسرائيلي قهراً عليهم، ورغم أنوفهم. وقال رسول الله ص: (اسمي أحمد وأنا عبد الله أسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني) ([34]). والمهدي الأول هو أول الثلاث مائة وثلاثة عشر، وهو: (من البصرة) و (في خده الأيمن أثر) و (في رأسه حزاز) و (جسمه كجسم موسى بن عمران ع) ، و (في ظهره ختم النبوة) و (فيه وصية رسول الله ص) و (هو أعلم الخلق بعد الأئمة بالقرآن والتوراة والإنجيل) و (عند أول ظهوره يكون شاباً)، قال رسول الله ص: (… ثم ذكر شاباً، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فانه خليفة المهدي) ([35]). عن أبي عبد الله ع عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال : (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي انه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، وساق الحديث إلى أن قال: وليسلمها الحسن ع إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد ص فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله و أحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين ) ([36]). وعن الصادق ع أنه قال: (إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([37]). وعن الصادق ع قال: (إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([38]). وفي هذه الرواية القائم هو المهدي الأول وليس الإمام المهدي ع؛ لأن الإمام ع بعده إثنا عشر مهدياً. وقال الباقر ع في وصف المهدي الأول: ( … ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين المشرف الحاجبين العريض ما بين المنكبين برأسه حزاز و بوجهه أثر رحم الله موسى) ([39]). وعن أمير المؤمنين ع في خبر طويل: (… فقال ع: ألا وإن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال …) ([40]). وعن الصادق ع في خبر طويل سمى به أصحاب القائم ع: (.. ومن البصرة .. أحمد ..) ([41]). وعن الإمام الباقر ع أنه قال: (... له - أي للقائم - اسمان اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد) ([42]). وأحمد هو اسم المهدي الأول ومحمد اسم الإمام المهدي ع كما تبين من وصية رسول الله ص. وعن الباقر ع: (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: " أحمد أحمد "، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) ([43])، وأحمد هو اسم المهدي الأول. وفي كتاب الملاحم والفتن: (قال أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني) ([44]). وفي الملاحم والفتن للسيد بن طاووس الحسني: (فيجتمعون وينظرون لمن يبايعونه فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قال إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني) ([45]). وروى الشيخ علي الكوراني في كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي ع: (ما المهدي إلا من قريش ، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن) ([46])، وبما أن المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع فلابد أن يكون مقطوع النسب؛ لأن ذرية الإمام المهدي ع مجهولون، وهذه الصفات هي صفات اليماني المنصور وصفات المهدي الأول؛ لأنه شخص واحد كما تبين مما سبق. وإن أردتَ المزيد فأقول: إن اليماني ممهد في زمن الظهور المقدس ومن الثلاث مائة وثلاث عشر ويسلم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدس، وأول مؤمن بالإمام المهدي ع في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلابد أن يكون أحدهما حجة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديين حجج الله على جميع الخلق والمهدي الأول منهم فهو حجة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد فيصبح دور اليماني ثانوياً بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح لأن اليماني هو الممهد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدس، فتحتم أن يكون المهدي الأول هو اليماني واليماني هو المهدي الأول. وبهذا يكون اليماني: (اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خده الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شاباً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة، ومقطوع النسب، ويلقب بالمهدي، وهو إمام مفترض الطاعة من الله، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ويدعو إلى الإمام المهدي ع و … و … )، وكل ما ورد من أوصاف المهدي الأول في روايات محمد وآل محمد ص، فراجع الروايات في كتاب غيبة النعماني وغيبة الطوسي وإكمال الدين والبحار ([47])، وغيرها من كتب الحديث. ويبقى أن كل أتباع اليماني من الثلاث مائة والثلاثة عشر أصحاب الإمام ع هم يمانيون؛ باعتبار انتسابهم لقائدِهم اليماني، ومنهم يماني صنعاء ويماني العراق. ﴿كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ * إِنَّها لإَِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ * فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً * كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الآْخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ * وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾([48]). ﴿والقمر﴾: الوصي. ﴿والليل﴾: دولة الظالمين. ﴿والصبح﴾: فجر الإمـام المهدي ع، وبداية ظهوره بوصيه كبداية شروق الشمس، لأنه هو الشمس. ﴿إِنَّها لإَحْدَى الْكُبَرِ﴾: أي القيامة الصغرى. والوقعات الإلهية الكبرى ثلاث هي: القيامة الصغرى، والرجعة، والقيامة الكبرى ([49]). ﴿نَذِيراً لِلْبَشَرِ﴾: أي منذر، وهو الوصي والمهدي الأول (اليماني)، يرسله الإمام المهدي ع بشيراً ونذيراً بين يدي عذاب شديد، ليتقدم من شاء أن يتقدم، ويتأخر من شاء أن يتأخر عن ركب الإمام المهدي ع ([50]). ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾: وهذا واضح فكل إنسان يحاسب على عمله، ﴿إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ﴾، وهؤلاء مستثنون من الحساب وهم: المقربون وهم أصحاب اليماني الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي ع، يدخلون الجنة بغير حساب، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾([51])، ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾، أي لم نك من الموالين لولي الله، وخليفته ووصي الإمام المهدي ع والمهدي الأول (اليماني الموعود) ([52])، فاليماني (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار). فحسبي الله ونعم الوكيل: لقد ابتلي أمير المؤمنين علي ع بمعاوية بن هند (لعنه الله)، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقـة والجمل، وقد ابتليت اليوم كما ابتلي أبي علي بن أبي طالب ع، ولكن بسبعين معاوية (لعنه الله)، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون. والله ما أبقى رسول الله ص، وآبائي الأئمة ص شيئاً من أمري إلا بيَّنوه ، فوصفوني بدقة، وسموني، وبيَّنوا مسكني، فلم يبقَ لبس في أمري، ولا شبهة في حالي بعد هذا البيان، وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وإني أول المهديين واليماني الموعود ] ([53]).
Footers

[1] - بل حتى صفة القائم قد أطلقت على غير الإمام المهدي (، فقد أطلقت على أجداده الأئمة (عليهم السلام) وكذلك على ذريته المهديين(عليهم السلام):

بحار الأنوار: ج10 ص244: (روي أن قوماً من اليهود قالوا للصادق (: أي معجز يدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الحلال والحرام، وغيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه، فقال اليهود: كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت ؟ فقال لهم موسى بن جعفر (عليهما السلام) - وهو صبي وكان حاضراً -: وكيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسى أنها على ما تصفون ؟ قالوا: علمنا ذلك بنقل الصادقين، قال لهم موسى بن جعفر (عليهما السلام): فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالى من غير تعليم ولا معرفة عن الناقلين، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنكم الأئمة الهادية والحجج من عند الله على خلقه. فوثب أبو عبد الله ( فقبل بين عيني موسى بن جعفر (عليهما السلام) ثم قال: أنت القائم من بعدي).

بحار الأنوار: ج23 ص189: (عن محمد البرقي، عن علي بن أسباط، قال: سأل رجل أبا عبد الله ( عن قوله :( ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، قال: نحن هم، فقال الرجل: جعلت فداك حتى يقوم القائم ( ؟ قال: كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد حتى يجئ صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء أمر غير هذا.

وعن أبي جعفر وأبي عبد الله ( في ذكر الكوفة، قال: (... فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وصلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين) وسائل الشيعة الإسلامية: ج3 ص524.

وعن أمير المؤمنين (، قال في حديث طويل: (... إذا قام القائم بخراسان وغلب على أرض كوفان ... إلى أن قال: وقام منا قائم بجيلان ... إلى أن قال: ثم يقوم القائم المأمول والإمام المجهول له الشرف والفضل وهو من ولدك يا حسين لا ابن مثله...) غيبة النعماني: ص283.

وبعد ما تقدم يكون زعمكم بانحصار (القائم) بالإمام المهدي الحجة بن الحسن ( كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وبه يتبين مدى جهلكم ووهمكم الفضيع بأبسط الأمور !!!

فالرواية التي ذكرتموها لم تنص أصلاً على نفي هاتين الصفتين (القائم والمهدي) عن غير الإمام المهدي (. وغاية ما تفيده هو اجتماع هاتين الصفتين بالإمام المهدي ( دون التعرض إلى نفيهما عن غيره من الأئمة والمهديين (عليهم السلام).

[2] - بحار الأنوار: ج53 ص3.

[3] - غيبة النعماني: ص210.

[4] - غيبة النعماني: ص215.

[5] - غيبة النعماني: ص216.

[6] - غيبة النعماني: ص210 – 211.

[7] - غيبة النعماني: ص320.

[8] - غيبة النعماني: ص212.

[9] - غيبة النعماني: ص214.

[10] - الغيبة: ص215.

[11] - غيبة النعماني: ص213.

[12] - غيبة النعماني: ص214.

[13] - غيبة النعماني: ص214.

[14] - غيبة النعماني: ص217 – 218.

[15] - غيبة النعماني: ص336.

[16] - غيبة النعماني: ص336 – 337.

[17] - مناقب آل أبي طالب: ج1 ص217.

[18] - الخرائج والجرائح: ج1 ص366 الحديث 23، بحار الأنوار: ج49 ص53 الحديث 6، العوالم: ج22 ص104 الحديث 68.

[19] - المعجم الموضوعي: ص522.

[20] - الحجر: 15.

[21] - البقرة: 1 – 3.

[22] - يس: 11.

[23] - الحديد: 25.

[24] - البقرة: 2.

[25] - غيبة الطوسي: ص307.

[26] - عن رسول الله: (... ان خير الرجال أهل اليمن، والايمان يمان وأنا يماني ...) بحار الأنوار: ج57 ص232، الأصول الستة عشر: ص81.

[27] - مريم: 59.

[28] - راجع مقدمة بحار الأنوار: ج1 ص1.

[29] - قال رسول الله : ( الايمان يماني والحكمة يمانية ) الكافي: ج8 ص70 ح27.

[30] - راجع بحار الأنوار: ج22، 51، 75. وأيضاً وصف الله تعالى الكعبة بأنها يمانية في مناجاته لعيسى ( في وصف الرسول محمد  إذ جاء فيها: (... يا عيسى دينه الحنيفية وقبلته يمانية وهو من حزبي وأنا معه ...) الكافي: ج8 ص139.

[31] - غيبة النعماني : ص264.

[32] - وهذا مستفاد من إطلاق حديث الإمام الباقر ( في رواية اليماني؛ بمعنى أنه ( قد بيّن أنّ النار مصير كل من التوى على اليماني سواء كان الملتوي يصلي ويصوم و . . و . . أو لا.

وأيضاً جاءت روايات تنص على أن لا يكون أحد من أهل النار إلا إذا أنكر إماماً منصباً من الله تعالى، منها:

عن أبي جعفر ( قال: قال الله تبارك وتعالى: (لأعذبن كل رعية في الاسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفون عن كل رعية في الاسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة) الكافي: ج1 ص376.

وعن أبي عبد الله ( قال: (إن الله لا يستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية وإن الله ليستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة) الكافي: ج1 ص376.

[33] - آل عمران: 34.

[34] - تفسير العياشي: ج1 ص44، البرهان: ج1 ص95، بحار الأنوار: ج7 ص178.

[35] - بشارة الإسلام: ص30. وفي إمتاع الأسماع للمقريزي : ج12 ص296، قال: (وفي رواية: فإذا رأيتموهم فبايعوهم ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة المهدي).

[36] - بحار الأنوار: ج53 ص147، الغيبة للطوسي: ص150، غاية المرام: ج2 ص241.

[37] - بحار الأنوار: ج53 ص148، البرهان: ج3 ص310، الغيبة للطوسي: ص385.

[38] - بحار الأنوار: ج53 ص145.

[39] - غيبة النعماني: ص215.

[40] - بشارة الإسلام: ص148.

[41] - بشارة الإسلام: ص181.

[42] - كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص653 ب57.

[43] - منتخب الأنوار المضيئة: ص343.

[44] - الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس الحسني: ص27.

[45] - الملاحم والفتن: ص80.

[46] - معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص299.

[47] - بحار الأنوار: ج52 ج53.

[48] - المدثر: 32 – 56.

[49] - قال الإمام الصادق (: (أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم ( ويوم الكرة ويوم القيامة) مختصر بصائر الدرجات: ص18.

[50] - عن الإمام الصادق ( في تفسير بعض الآيات القرآنية قال: ( ... وقوله : وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ .. لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ، قال: اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه ومن شاء تأخر عنه .......) بحار الأنوار: ج24 ص325 – 326.

[51] - الواقعة : 88 – 89.

[52] - عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (: (قلت: " إنها لاحدى الكبر"، قال: الولاية، قلت: " لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر" ؟ قال: من تقدم إلى ولايتنا أخّر عن سقر ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر، " إلا أصحاب اليمين" قال: هم والله شيعتنا، قلت: " لم نك من المصلين" ؟ قال: إنا لم نتول وصي محمد والأوصياء من بعده ..) الكافي: ج1 ص432 ح91.

[53] - المتشابهات: ج4 سؤال رقم (144).