Subjects
-الإهداء
-المقدمة
-تمهيد
-الفصل الأول
نظرية الشورى
-ما هي الشورى
-تاريخ الشورى
-عمر يؤسس الشورى
-لماذا الشورى
-تأسيس الشورى لإقصاء علي بن أبي طالب ع:
-الفصل الثاني
أدلة الشورى
-النص الأول: قوله تعالى:﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾
-النص الثاني: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
-الفصل الثالث
شبهات وردود
الشبهة الأولى (اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى)
-الشبهة الثانية (من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة ..)
-الشبهة الثالثة (انه قد بايعني القوم الذين بايعوا ..)
-الشبهة الرابعة (دعون والتمسوا غيري)
-الشبهة الخامسة (ما كانت لي في الخلافة رغبة)
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع / العدد (116) الشورى في المــيزان بيان موجز ونقد لنظرية الشورى في الحكم الإسلامي تأليف الشيخ عبد العالي المنصوري الطبعة الأولى 1432 هـ - 2011 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى الذين حاربوا الشورى في كل الأزمان إلى الذين طالبوا بحاكمية الله سبحانه إلى خلفاء الله سبحانه أتمرغ بتراب أقدامكم وأسألكم التفضل على خادمكم بالقبول. ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ النساء: 65. -المقدمة: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي عرّفنا بسادة الخلق محمد ص تفضلاً منه لا باستحقاق منّا لأنه الرؤوف الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين الأئمة والمهديين. من الأمور الدخيلة في الإسلام ما يسمى بنظرية الشورى التي رفعها أتباع مدرسة الخلفاء شعاراً لهم من خلاله يبّررون خلافة أسلافهم. فارتأيت تسليط الضوء بشكل موجز على نظرية الشورى وأدلتها ونقدها، فجاء هذا الكتيب، وفيه فصولاً ثلاثة. الفصل الأول: الشورى. الفصل الثاني: في أدلة الشورى. الفصل الثالث: شبهات وردود. وأسأل الله أن يكون نافعاً للقارئ الكريم. بسم الله الرحمن الرحيم -تمهيد: لقد بذل النبي ص كل ما بوسعه لإرشاد الأمة وسوقها إلى ما فيه صلاحها في الدارين، وبعد أن التحق بالرفيق الأعلى ظهرت الضغائن التي كانت في صدور قوم لآل بيت النبي وخليفته الشرعي علي بن أبي طالب ع، وتقمصوا الخلافة بقصة معروفة مشهورة في التاريخ لا يستطيع المغرضون إخفائها رغم المحاولات التي بذلت ولازالت تبذل من أجل تحريف الواقعة. فالنبي الكريم صكان هو الخليفة والقائد الإلهي والإمام المتبع، بيد أن أكثر المسلمين بعد وفاته ارتدوا وانقلبوا على أعقابهم ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾([1]). وتركوا تعاليم النبي الواضحة ونصوصه الصريحة على الخليفة من بعده. وفي هذه الدراسة الموجزة نريد أن نسلط الضوء على معالم الحكم في الإسلام بعرضنا لنظرية الشورى المبتدعة ومناقشتها كي يتبيّن للقارئ المنصف الحق الصراح من الباطل المزيف وأن لبس بلباس الحق. فالنبي ص لم يغفل عن مستقبل الأمة، بل كان ينظر لها عبر نافذة الغيب التي يطلعه الله عليه، ونصب لهم ميزاناً يرجعون إليه ألا وهو الإمام الذي نص عليه في مواطن كثيرة. إلاّ أنّ الأمة اختلفت بعد نبيها الكريم ولا زالت في اختلافات وانقسامات متتابعة إلى أن تنحصر النجاة بفرقة واحدة كما قال ص، في حديثه عن افتراق الأمة من بعده، ونرى اليوم خلافاً كبيراً في بيان الطريقة التي من خلالها يكون تنصيب الحاكم والخليفة والإمام. فالشيعة يقولون بالنص والتعيين من قبل النبي ص، والسنة يقولون بأنّ النبي ترك الأمر إلى المسلمين، فهم يعينون من يريدوه حاكماً وخليفة وإماماً، وهذا ما يسمى بالشورى عندهم. الشورى. عهد الخليفة لمن بعده. القهر والغلبة. وهذه الطرق لا أصل لها في التشريع الإسلامي بل هي جاءت طارئة عليه، ومن هنا يقال: أن أبا بكر تعين كخليفة بالشورى، وهو الطريق الأول، وعمر تعين بالطريق الثاني وهو نص الخليفة عليه، ومعاوية أصبح خليفة من خلال الطريق الثالث. وهذه الطرق الثلاثة ليس لها أثراً في نصوص الشريعة لا من القرآن ولا من السنة، فلم يأت بهذه الطرق الثلاثة وحي إلهي ولا نص نبوي، مع العلم بأنّ النبي ص قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى بيَّن كل شيء للمسلمين وكان المسلمون يقرؤون قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾([2])، فالدين كامل قبل اختراع هذه الطرق. فمن أين جاءت هذه الطرق ؟ في الحقيقة أنّ هذه الطرق الثلاثة جاءت لتبرير ما هو موجود في الساحة التاريخية التي مر بها المسلمون بعد رحيل النبي ص، ولا تمت إلى الإسلام بصلة، بل أوجدها واخترعها أهل الأهواء وعلماء الضلالة الذين يستجيبون لنداء السلاطين بائعين دينهم لهم وصاروا أبواقاً لهم ينطقون بما تفرضه السلطة عليهم في كل زمان، فهم وعاظ السلاطين الذين حرفوا الدين وتلاعبوا بقيم الإسلام، مما جعل المستشرقين وغيرهم يوجهون اتهامهم للنبي بمجانبة الحكمة - وحاشاه ص -وراحوا ينتقدون القائد الأول لهذا الدين وهو خاتم الأنبياء محمد ص. يقول المستشرق ويلز: (ترك محمد أمته من غير نظام لتكوين حكومة ثابتة يظهر فيها أثر الرأي العام، وكذلك لم يعين لها أسلوباً عملياً لتحقيق نظام الديمقراطية) ([3]). وقال أحمد أمين: (إنّ ترك الأمر - الخلافة - مفتوحاً لمن شاء، جعل المسلمين طوال عصرهم يختلفون على الخلافة) ([4]). وقال إبراهيم فوزي: (وعند وفاة النبي ص لم يكن قد وضع لهذه الدولة أي تشريع يبين شكل الحكم فيها) ([5]). ولم يعتمدوا في ذلك على دليل قرآني أو روائي محكم، بل استدلوا على ذلك بأمور منقوضة، وكل ذلك منهم لتبرير الخلافة التي جاءت بعد النبي ص، فهم ينظرون إلى الأدلة لكي يبرروا ما فعله ما يسمّون بأصحاب رسول الله ص من بعده وكيف استولوا على دفة الحكم كالخليفة الأول والثاني والثالث، ولم ينظروا إلى الأدلة بموضوعية وإنصاف، بل جاءوا بحكم مسبق وبحثوا عن مبرر من الشرع لذلك الحكم. والحكم المسبق هو أحقية أبي بكر بالخلافة بعد النبي ص، ثم يليه عمر، ثم يليه عثمان، ثم يليه علي بن أبي طالب ع. ورتبوا أفضليتهم بهذا الترتيب أيضاً. وفي هذه الدراسة سنتعرّض لقول السنة الذين قالوا بالشورى بشكل موجز كي يتضح الحق للقارئ الكريم، تاركين له الحكم والاختيار. -الفصل الأول نظرية الشورى نظرية الشورى: خلاصة هذه النظرية تتبنى القول بأن أمر تعيين الخليفة يكون بالشورى وبالانتخاب وبالديمقراطية بلغة اليوم. ولكي تتضح حقيقة الأمر في هذه النظرية لابد من معرفة أمرين: الأول: الشورى في القضايا الخاصة، من قبيل القضايا الاجتماعية والشخصية، وفي هذه الحدود نجد الشرع قد حث عليها؛ لأنها في الحقيقة ضم خبرات الآخرين والاستفادة منها، فمن شاور الناس شاركهم في عقولهم. قال ص: (لا مظاهرة أوثق من مشاورة) ([6]). وقال أمير المؤمنين ع: (ما عطب امرؤ استشار) ([7]). قال ع: (لا رأي لمن انفرد برأيه) ([8]). وقال ع: (من شاور ذوي الأسباب دل على الرشاد) ([9]). وقد بيّن آل محمد ص حتى صفات الشخص الذي يُستشار، فلابد أن يكون متقياً ورعاً ناصحاً عاقلاً ومن ذوي الخبرة. قال النبي ص: (استرشدوا العاقل، ولا تعصوه فتندموا) ([10]). عن أمير المؤمنين ع، أنه قال: (خير من شاورت ذوو النهى والعلم، وأولو التجارب والحزم) ([11]). وقال الصادق ع: (شاور في أمورك ما يقتضي الدين من فيه خمس خصال: عقل، وعلم، وتجربة، ونصح، وتقوى، فإن [ لم ] تجد فاستعمل الخمسة، واعزم وتوكل على الله، فإن ذلك يؤديك إلى الصواب، وما كان من أمور الدنيا التي هي غير عائدة إلى الدين، فاقضها ولا تتفكر فيها، فإنك إذا فعلت ذلك أصبت بركة العيش، وحلاوة الطاعة، وفي المشاورة اكتساب العلم، والعاقل من يستفيد منها علماً جديداً، ويستدل بها على المحصول من المراد، ومثل المشورة مع أهلها، مثل التفكر في خلق السماوات والأرض وفنائهما، وهما غنيان عن العبد، لأنّه كلما (قوى تفكره فيهما) غاص في بحار نور المعرفة، وازداد بهما اعتباراً ويقيناً، ولا تشاور من لا يصدقه عقلك، وإن كان مشهوراً بالعقل والورع، وإذا شاورت من يصدقه قلبك، فلا تخالفه فيما يشير به عليك، وإن كان بخلاف مرادك، فإنّ النفس تجمح عن قبول الحق، وخلافها عند قبول الحقائق أبين، قال الله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾([12])، وقال الله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾([13])، أي: متشاورون فيه) ([14]). وغير ذلك من الروايات التي ذكروها في محلها والتي تتكلم عن المشاورة في الأمور الشخصية والاجتماعية التي لا مساس لها في تعيين الخليفة والحاكم والإمام. الثاني: الشورى في اختيار الإمام أو الخليفة. وهذه ليس للإنسان دور فيها أبداً، فلم يعط الإنسان هذه الصلاحية في انتخاب الحاكم والإمام والخليفة. وحديثنا حول الأمر الثاني، أي: الشورى في اختيار الإمام والحاكم، فهل يجوز للناس تنصيب الخليفة أم لا يجوز لهم ذلك ؟ -ما هي الشورى ؟ قال الطريحي: (قوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" يقال: صار هذا الشيء شورى بين القوم: إذا تشاوروا فيه، وهو فعلى من المشاورة وهو المفاوضة وفي الكلام ليظهر الحق، أي لا ينفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه. قوله: "وشاورهم في الأمر" أي في أمر الحرب تطييباً لقلوبهم، أي استخرج آراءهم واستعلم ما عندهم) ([15]). وجاء في معالم المدرستين: (التشاور، والمشاورة، والمشورة في لغة العرب: استخراج الرأي بمراجعة البعض البعض الآخر. وشاوره: استخرج ما عنده من رأي. وأشار عليه بالرأي، يشير: إذا ما وجه الرأي. "وأمرهم شورى بينهم" من صار هذا الشيء شورى بين القوم إذا تشاوروا فيه. لم يتغير معنى مشتقات هذه المادة في استعمال القرآن الكريم، والحديث الشريف، ولدى المسلمين عما كانت عليه في لغة العرب وإنما الكلام في مورد الشورى والمشاورة في الشرع الإسلامي وحكمها) ([16]). وقال الدكتور عبد الهادي الفضلي: ("وأمرهم شورى بينهم". والشورى لغة - اسم من المشاورة، يقال: شورى ومشاورة وتشاور ومشورة - بضم الشين وسكون الواو - ومشورة بسكون الشين وفتح الواو - وتعني المفاوضة في الكلام بمراجعة البعض إلى البعض لاستخراج الرأي. وهي من قولهم "شرت العسل" إذا اتخذته من موضعه واستخرجته منه. وتطلق أيضا على الأمر الذي يتشاور فيه، يقال: "صار هذا الشيء شورى بين القوم" إذا تشاوروا فيه) ([17]). -تاريخ الشورى: لو راجعنا التاريخ ودرسناه بحياد تام لوجدنا أن فكرة الشورى في الحكم جاءت بعد عهد الخليفة الثاني، وهو من أسسها، فلم يكن في عهد أبي بكر ما يسمى شورى، ولم تأتِ بيعته عن الشورى بل كانت فلتة ومراوغة حصلت في سقيفة بني ساعدة تمخض عنها خلافة أبي بكر. وآل أمر الخلافة والإمامة إلى ما آل إليه، فقد تفرّق الناس عن رسول الله ص وتركوه جنازة بلا تغسيل ولم يمتثلوا كلامه، وبدأ الاختلاف والافتراق بين الأمة. واجتمعوا في سقيفتهم، ثم التحق بهم عدد قليل من المهاجرين، فوقعت المنازعة حول الخلافة بين المهاجرين والأنصار وأسفر الاجتماع عن البيعة لأبي بكر، ولم يدّع أحد أن هذه البيعة كانت عن طريق الشورى، ولم يكن هناك - في السقيفة - أي شورى، بل كان الصياح والسب والشتم، والتدافع والتنازع، حتى كاد سعد بن عبادة - وهو مسجّى - بينهم يموت أو يقتل بين أرجلهم. يقول اليعقوبي: (واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، يوم توفي رسول الله ... يغسل، فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي، وعصبته بعصابة، وثنت له وسادة. وبلغ أبا بكر وعمر والمهاجرين، فأتوا مسرعين، فنحوا الناس عن سعد، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: يا معاشر الأنصار! منا رسول الله، فنحن أحق بمقامه. وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير! فقال أبو بكر: منا الأمراء وأنتم الوزراء. فقام ثابت بن قيس ابن شماس، وهو خطيب الأنصار، فتكلم وذكر فضلهم. فقال أبو بكر: ما ندفعهم عن الفضل، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل، ولكن قريش أولى بمحمد منكم، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله: اللهم أعز الدين به! وهذا أبو عبيدة بن الجراح الذي قال رسول الله: أمير هذه الأمة، فبايعوا أيهما شئتم! فأبيا عليه وقالا: والله ما كنا لنتقدمك، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين. فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر، وثنى عمر، ثم بايع من كان معه من قريش. ثم نادى أبو عبيدة: يا معشر الأنصار! إنكم كنتم أول من نصر، فلا تكونوا أول من غير وبدل. وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال: يا معشر الأنصار، إنكم، وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، وقام المنذر بن أرقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب. فوثب بشير بن سعد من الخزرج، فكان أول من بايعه من الأنصار، وأسيد بن حضير الخزرجي، وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد بن عبادة، وحتى وطئوا سعداً. وقال عمر: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً) ([18]). فهذا شاهد واضح على أنّ البيعة إنما دبرّت بليل وبإرهاب، ونتيجة صراعات وأحقاد بين الأوس والخزرج بقيت في نفوس الأنصار، وها هو عمر ينادي اقتلوا سعداً ! وحينئذٍ جاء عنوان البيعة إلى جنب عنوان النص، ولولا السقيفة لما نازع أحد علياً ع في الخلافة والإمامة. أمّا عنوان الشورى فلم يتحقق في السقيفة أصلاً، ولم يدّعِ أحد أن إمامة أبي بكر ثبتت عن طريق الشورى، ولو قال أحد بذلك لما تمكن من إقامة الدليل والبرهان على ما يقول. وكذلك استخلاف عمر لم يكن عن طريق الشورى، بل لم يكن عنوان الشورى موجوداً آنذاك، إنما جاء - أي استخلاف عمر- عن طريق نص أبو بكر عليه، حتى أن المسلمين اعترضوا على أبي بكر بأنه قد ولّى عليهم رجلاً فظاً غليظاً، والروايات صريحة في ذلك. قال ابن عساكر: (قال لما ثقل أبو بكر فأراد أن يستخلف عمر فقالوا استخلف علينا فظا غليظا فهو إذا ولي كان أفظ وأغلظ ماذا تقول لربك إذا أتيته وقد استخلفت عمر قال أبربي تخوفوني أقول أمرت عليهم خير أهلك) ([19]). عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد (ابن الحارث) اليامي، قال: (لما حضرت أبا بكر الوفاة بعث إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: استخلف علينا فظاً غليظاً، لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ فماذا تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ؟ فقال أبو بكر: أتخوفوني بربي ؟! أقول يا رب أمرت عليهم خير أهلك) ([20]). وقال ابن تيمية، في منهاج السنة، في ضمن كلام له يذكر فيه عمر ما لفظه: (ولهذا لما استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة، حتى قال له طلحة: ماذا تقول لربك إذا وليت علينا فظاً غليظاً ؟! فقال: أبا لله تخوفوني، أقول: وليت عليهم خير أهلك) ([21]). وروى ابن سعد في الطبقات: (أن أبا بكر الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به، فقال: على ذلك يا أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر يرحمك الله والله لو تركته ما عدوتك. وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأسيد بن الحضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك يرضى للرضي ويسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. وسمع بعض أصحاب النبي ص بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر لعمر علينا وقد ترى غلظته، فقال أبو بكر: أجلسوني أبالله تخوفوني خاب من تزود من أمركم بظلم أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت لك من وراءك، ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان فقال: اكتب "بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياك خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم والخير أردت ولا أعلم الغيب سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمة الله"، ثم أمر بالكتاب فختمه، ثم قال بعضهم لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر فذهب به قبل أن يسمي أحداً فكتب عثمان إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ علي ما كتبت فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن أقبلت نفسي في غشيتي تلك يختلف الناس فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها لأهلاً ثم أمره فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب، فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به. قال بن سعد: علي القائل وهو عمر فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا، ثم دعا أبو بكر عمر خالياً فأوصاه بما أوصاه به ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه مداً فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك أصلح لهم وإليهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وهدى الصالحين بعده وأصلح له رعيته) ([22]). ويبدو واضحاً من النص المتقدم إنّ لعبد الرحمن بن عوف وعثمان ضلع في تعيين عمر بعد أبي بكر، فلاحظوا كيف أشار عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وكيف كتب عثمان وصية أبي بكر لعمر بن الخطاب. ويعد التفتازاني استخلاف أبي بكر لعمر بمنزلة الشورى فيقول: (إن هذا الاستخلاف يعد بمنزلة الشورى، ودليله على ذلك عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر) ([23]). ومن هنا نعرف أموراً خمسة: الأمر الأول: أنه لم يقل أحد من المسلمين أنه هجر أو غلبه الوجع كما قيل ذلك لرسول الله ص حينما أراد أن يوصي، فهل الهجر وغلبة الوجع تكون في حق رسول الله ص ولم تكن في حق أبي بكر !! من هنا نعرف أنّ الذي اتهم الرسول ص بالهجر أنما اتهمه بذلك لعلمه بما سيوصي به الرسول ص، فلو كانت الوصية بعمر لما قيل هجر رسول الله ص كما لم يقل أحد لأبي بكر ذلك. كما ونفهم أيضاً أن قائد الحزب الذي اتهم النبي بالهجر وغلبة الوجع هو عمر بن الخطاب، بل القائل عمر بن الخطاب كما هو واضح من خلال الجمع بين الروايات التي يذكرها البخاري وغيره. وإليكم بعضاً من تلك الروايات: روي عن عبد الله بن عباس، قال: (لما اشتد بالنبي ص وجعه، قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي ص غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط. قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين كتابه ..) ([24]). وعن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، قال: (لما حضر رسول الله ص وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي ص: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي ص قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله ..) ([25]). وبسند آخر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، قال: (لما حضر رسول الله ص وفي البيت رجال فقال النبي ص: هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال بعضهم: إنّ رسول الله ص قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ..) ([26]). وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: (يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله ص وجعه يوم الخمي، فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا هجر رسول الله ص) ([27]). وفي صحيح البخاري: (سمع سعيد بن جبير سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، قلت: يا ابن عباس ما يوم الخميس، قال: اشتد برسول الله ص وجعه، فقال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه، فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ...) ([28]). وقد روى البخاري في باب مرض النبي ص ووفاته روايتين: (عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله ص وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا فلا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه) ([29]). وفي مسند أحمد بن حنبل: (عن جابر أن النبي ص دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده، قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها) ([30]). وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر في مادة "هجر": (ومنه حديث مرض النبي ص: قالوا ما شأنه أهجر؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به المرض؟ وهذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل إخبارا، فيكون إما من الفحش أو الهذيان، والقائل كان عمر، ولا يظن به ذلك) ([31]). بينما القرآن ينص بوجوب طاعة النبي ص في كل الأحوال قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([32])، وقال: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾([33])، وبيّن الله تعالى بأن طاعة الرسول من طاعته بقوله تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾([34])، وما ذلك إلاّ أن الله تعالى ائتمنه على دينه، فهو أمين الله على دينه، ولذا قال: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾([35]). فكيف يقال عنه بأنه يهجر؟! وغلبه الوجع؟! فعمر يريد أن يقول لا تأخذوا بكلام رسول الله ص لأنه غلبه الوجع!! والحال أنّ القرآن يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([36])، وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾([37])، ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً﴾([38])، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾([39])، وقال تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾([40]). فهل يعقل مسلم نسبة الهجر وغلبة الوجع لرسول الله ص أثناء مرضه مع تصريح الآيات بوجوب طاعته مطلقاً، وعدم طروه على أبي بكر ؟!! الأمر الثاني: إنّ أبا بكر أوصى لعمر ولم يترك الأمة بلا خليفة يدير شؤونها ويدبر أمورها الدينية والسياسية والاجتماعية حرصاً منه على الأمة، وكذلك عمر أيضاً كما سيأتينا فلم يترك الأمة من بعده إلاّ بعد وضع آلية من خلالها يتم تنصيب الخليفة، فهل أنّهما أحرص من النبي ص على الأمة الذي ترك الأمة بلا أن ينصب لها خليفة؟! هذا لا يقرّه عاقل يحفظ كرامة النبي ص، فمن هنا لابد أن يكون للنبي ص وصية أو نص يبين من خلالهما الخليفة من بعده، وإلاّ فمن قال بترك الرسول الأمة بلا خليفة فهو في الحقيقة يتجنّى على خاتم الأنبياء ص وينسب له ما لا يليق بأبي بكر وعمر فهما لم يتركا الأمة إلاّ بعد تنصيب خليفة للأمة يدبر شؤونها. قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾([41]). الأمر الثالث: إنّ إمامة عمر بعد أبي بكر لم تكن بشورى، وكذلك خلافة أبي بكر من قبل. الأمر الرابع: لم يكن لإمامة عمر نص من رسول الله ص، وكذلك خلافة أبي بكر من قبل. الأمر الخامس: إنّ أبا بكر لم يستشر أحداً في استخلافه لعمر بن الخطاب وردّ اعتراضات الصحابة، بل ادعى أفضلية عمر، ويقول للمعترضين الذين لا يرغبون بخلافة عمر وإمامته لما رأوا منه من الغلظة والفظاظة التي توجب نفرة الناس منه: أقول: اللهم أمرت خير أهلك، فكأنّ أبو بكر يدعي أنّ الأفضلية موجبة لاختيار الخليفة وأفضلية عمر على جميع الصحابة بما فيهم علي بن أبي طالب ع، مع ما روي عن النبي ص في فضله وأنه باب مدينة علمه ص ([42]). وليت شعري كيف تثبت أفضلية عمر مع ما عُرف عنه من الجهل في أبسط الأمور مضافاً إلى سوء الأخلاق والفظاظة البدوية التي كانت طاغية على سلوكه، وفراره الغزوات من ساحات القتال ([43]) ؟! -عمر يؤسس الشورى: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع: (أما والله لقد تقمصها فلان ([44]) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى. ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير. فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحاً. وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير. ويشيب فيها الصغير. ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى. وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده. (ثم تمثل بقول الأعشى): شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها. ويكثر العثار فيها. والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم. وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض. فصبرت على طول المدة وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله. جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا. فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله. وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته ...) ([45]). من خلال النص السابق نفهم أنّ الشورى جاءت بعد خلافة عمر بن الخطاب، وهو من أسسها، والذي يجده الباحث في النصوص أنّ عمر التجأ إلى الشورى وكان مخالفاً لها لكن ألجأته إليها ظروف سيأتي بيانها؛ حيث صرّح هو بذلك. فقال: (لو كان أبو عبيدة حياً لوليته) ([46])، وقال: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته) ([47])، وقال: قوله: ( لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته) ([48]). فلم يكن عمر بن الخطاب يعتقد أهلية هؤلاء للخلافة مع وجود علي بن أبي طالب ع، ومع ذلك أقدم على تأسيس بدعة في الإسلام وهي بدعة الشورى في الحكم وخطب خطبته التي ذكر فيها السقيفة وبيعة أبي بكر فحذر من العودة إلى مثلها، فقال: (فمن بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه ، تغرة أن يقتلا) ([49]). وهكذا حدد الخليفة نظاماً للحكم لم يكن موجوداً قبله بل هو لم يقرّه وإلاّ لما صرح قائلاً: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته)، وقال : (لو كان سالم حياً لما جعلتها شورى) ([50])، وقبل عمر لم يكن لمبدأ الشورى عين ولا أثر، ولم يؤمن بها الخليفة الأول أبو بكر، بل هو نظام حدده الخليفة عمر ويجب على الأمة امتثاله، وحتى لم يكن لأهل الحل والعقد عين ولا أثر. ثم إنّ عمر بن الخطاب ضرب بأحاديث الرسول الصريحة في كون الإمامة والخلافة في قريش، حيث تمنى سالماً ولم يكن قرشياً بل هو من بلاد فارس وأصله من اصطخر وكان مولى لأبي حذيفة ([51]) ! وأمّا معاذ؛ فهو رجل من الأنصار وليس من قريش ([52]). فقد روى محمد بن عيسى الترمذي في سننه، قال: (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، حدثنا عمر بن عبيد الطنافسي عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله ص: يكون من بعدي اثنا عشر أميراً قال : ثم تكلم بشئ لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال: قال: كلهم من قريش، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح) ([53]). وروى مسلم بن حجاج القشيري في صحيحه، قال: (.... حدثنا خالد عن حصين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي ص فسمعته يقول: إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال ثم تكلم بكلام خفي علي قال: فقلت لأبي ما قال ؟ قال: كلهم من قريش) ([54]). وروى البخاري في صحيحه، قال: (حدثني محمد بن المثنى، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي ص يقول: يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش) ([55]). وروى أحمد بن حنبل في المسند، قال: (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة ..) ([56])، فذكر الحديث بعين ما تقدم عن صحيح البخاري سنداً ومتناً. فكيف يتمنى سالماً ومعاذاً، فهل خلت الساحة من كفؤ غير من تمناه الخليفة!! وينبغي الالتفات إلى أمر هام؛ وهو أن كل من طالب بالخلافة ادعى الرحم والقربى من محمد ص مما يجعله هو الأحق بالخلافة، وأول من بدأ بذلك أبو بكر وعمر في السقيفة حيث صرّحا بعدم إمكانية أحد منازعتهم الخلافة لأنهم أمس رحماً برسول الله وعشيرته وأقربائه الذين لا تعدوهم الخلافة. فاسقطا دعوى الأنصار بذلك، كل ذلك استناداً للأحاديث التي مر ذكرها التي تبين أن الأئمة من قريش، ومن هنا قد أوقع قول عمر: لو كان سالم مولى حذيفة لوليته ابن خلدون وغيره من جهابذة علماء أهل السنة في حيص وبيص لعدم كون سالم قرشياً فضلاً عن كونه أمس رحماً برسول الله من غيره !! حتى إن ابن كثير صرح في فتنة محمد بن الأشعث الكندي قائلاً: (والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالإمارة، وليس هو من قريش، وإنما هو كندي من اليمن، وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك، حتى أن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين، فأبى الصديق عليهم ذلك .. ثم مع هذا كله ضرب سعد بن عبادة، الذي دعا إلى ذلك أولاً، ثم رجع عنه) ([57]). فتراه يستشكل في عمل من بايعوا محمد بن الأشعث بإمرة المؤمنين، التي رآها مخالفة للإجماع المدعى يوم السقيفة على أنّ الخلافة في قريش. والغريب أنه يقول بالإجماع في الوقت الذي يذكر مخالفة سعد بن عبادة لخلافة الخليفة الأول، لكنه أراد أن يهون الخطب فقال (ثم رجع عنه)، والحال أن الثابت تاريخياً أنه لم يرجع عن ذلك وكان على خلاف معهم حتى اغتيل في الشام. وجاء بنو أمية، فعرفوا أنفسهم ذوي قربى النبي ص حتى لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام، وأصحاب النعم والرياسة فيها للسفاح: على أنهم لم يكونوا يعرفون إلى أن قتل مروان ، أقرباء للنبي ص، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية. حتى أن إبراهيم بن المهاجر البجلي، الموالي للعباسيين قد نظم قضية هؤلاء الأمراء شعراً، فقال: أيها الناس اسمعوا أخبركم عجباً زاد على كل العجب عجباً من عبد شمس إنهم فتحوا للناس أبواب الكذب ورثوا أحمد فيما زعموا دون عباس بن عبد المطلب كذبوا والله ما نعلـمه يحرز الميراث إلاّ مـن قرب ([58]). ويقول الكميت عن دعوى بني أمية هذه: وقالوا ورثناها أبانا وأمنا ولا ورثتهم ذاك أم ولا أب ([59]). وقالت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب لمعاوية: (.. ونبينا ص هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، تحتجون بقرابتكم من رسول الله ص، ونحن أقرب إليه منكم، وأولى بهذا الأمر...) ([60]). ثم جاء العباسيون، وادعوا نفس هذه الدعوى، كما هو واضح من النصوص التي ذكرناها، ونذكرها. وهذا يعني أنّ العامل النسبي قد لعب دوراً هاماً في الخلافة الإسلامية، وكان الناس بسبب جهلهم، وعدم وعيهم لمضامين الإسلام يصدقون ويسلمون بأنّ القربى النسبية تكفي وحدها في أن تجعل لمدعيها الحق في منصب الخلافة. إلاّ أنّ حقيقة الأمر هي غير ذلك، فإن منصب الخلافة في الإسلام، لا يدور مدار القربى النسبية منه، بل هو يدور مدار الأهلية والجدارة، والاستعداد الذاتي لقيادة الأمة قيادة صالحة، كما كان النبي ص يقودها، و لو رجعنا إلى النصوص القرآنية وإلى ما ورد عن النبي ص بشأن الخليفة بعده، لا نعثر على نص واحد منها يفهم منه أن استحقاق الخلافة يدور مدار القربى النسبية منه ص فقط، وكون خلفاؤه الحقيقيون هم قرباه، لا يعني أنهم أصبحوا خلفاءه بسبب قربهم النسبي منه، بل لأنّ الأهلية والجدارة الحقيقية لهذا النصب قد انحصرت في الخارج فيهم. وقد أنكر علي ع مبدأ استحقاق الخلافة بمجرد القرابة والصحابة أشد الإنكار، فقد جاء في نهج البلاغة قوله ع: (واعجباه أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة). وروي له شعر في هذا المعنى: فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غيب وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغـيرك أولى بالنبي وأقرب ([61]) ؟! -لماذا الشورى؟ هذه الفكرة طرحت وحدثت بسبب، سيأتينا الآن من صحيح البخاري، وغيره من المصادر مع فوراق في العبارات. روى البخاري: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاء الناس وغوغائهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها، فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر علي - سعيد بن زيد - وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله ؟ فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة، قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي، إن الله بعث محمدا ص بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضل بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف. ثم إنا كنا نقرأ في ما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ([62]). ثم إن رسول الله قال: لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم، وقولوا عبد الله ورسوله. ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه ص أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف علينا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم، لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم أخذوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له ؟ قالوا: يوعك ، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلها، وأن يحضوننا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزوير إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين (يعني أبو عبيدة وعمر) فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله لأن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جذيله المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف. فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فساد. فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين ، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا) ([63]). فإنّ ابن عباس يُقرئ جماعة القرآن في دار عبد الرحمن بن عوف في منى، فجاء رجل وقال لعمر: (يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم). ولم نعرف القائل الذي قال لو مات عمر لبايعت فلاناً، ومن هو فلان الذي أراد أن يبايعه؟ فهذا القائل يقول إن بيعة أبي بكر فلته ولو مات عمر لبايعت فلاناً، وهنا دق جرس الإنذار عند عمر وبدت عليه علامات الغضب وأراد أن يخطب بالناس في الحج لكن منعه عبد الرحمن بن عوف واتفق معه أن يكون ذلك عند رجوعه المدينة قائلاً: (يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاء الناس وغوغائهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير ، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها، فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة). وبالفعل حينما رجع للمدينة خطب بالناس وتقدمت خطبته التي هدد فيها المبايع والمبايع له، وحدد مسألة الشورى، فالذي دعاه إلى الشورى هو مقولة ذلك القائل الذي قال لو مات عمر لبايعت فلاناً. فمن هو القائل يا ترى ولمن يريد أن يبايع ؟ والظاهر أنّ أمير المؤمنين ع وطلحة والزبير وعمار وجماعة معهم كانوا في منى، وكانوا مجتمعين فيما بينهم يتداولون الحديث، وهناك طرحت هذه الفكرة أن لو مات عمر لبايعنا فلاناً، ينتظرون موت عمر حتى يبايعوا فلاناً، اصبروا حتى نعرف من فلان ؟ ثم أضافوا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فأولئك الجالسون هناك، الذين كانوا يتداولون الحديث فيما بينهم قالوا: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، يريدون أن تلك الفرصة مضت، وإنا قد ضيعنا تلك الفرصة، وخرج الأمر من أيدينا، لكن ننتظر فرصة موت عمر فنبايع فلاناً. ولقد نقل ابن حجر اسم المبايع والمبايع له في مقدمة فتح الباري عن البلاذري فقال: (حديث ابن عباس عن عمر في قصة السقيفة فيه فقال عبد الرحمن بن عوف لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا في مسند البزار والجعديات باسناد ضعيف أن المراد بالذي يبايع له طلحة بن عبيد الله ولم يسم القائل ولا الناقل ثم وجدته في الأنساب للبلاذري باسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل (أي في صحيح البخاري) ولفظه قال عمر بلغني أن الزبير قال لو قد مات عمر بايعنا علياً الحديث فهذا أصح وفيه فلما دنونا منهم لقينا رجلان صالحان هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي سماهما المصنف في غزوة بدر وكذا رواه البزار في مسند عمر وفيه رد على من زعم أن عويم بن ساعدة مات في حياة النبي ص وفيه تشهد خطيبهم قيل هو ثابت بن قيس بن شماس وفيه فقال قائل الأنصار هو الحباب بن المنذر رواه مالك وغيره وأما القائل قتلتم سعداً فلم أعرفه) ([64]). وخبر البلاذري هو أصح وقد روي بسند قوي كما صرّح ابن الحجر في فتح الباري كما تقدّم. ونقل عين ما ذكره ابن حجر القسطلاني في الجزء العاشر من إرشاد الساري، فيقول: (لو قد مات عمر لبايعت فلاناً ... (وينقل عبارة ابن حجر المتقدمة إلى أن يقول): ثم وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام ابن يوسف عن معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه: قال عمر بلغني إن الزبير قال: لو قد مات عمر لبايعنا علياً ... الحديث، وهذا أصح) ([65]). وتوجد أقوال أخرى في تشخيص المراد من فلان وفلان التي أبهمهما البخاري في روايته، وغير مستبعد أنّ هذه الكلمة (لو مات عمر لبايعت علياً) قد صدرت من أكثر من واحد لما عرفت من أن أمير المؤمنين ع كان جالساً مع وجوه الصحابة، ومن هنا جاءت أقوال أخرى في تحديد فلاناً وفلاناً. ثم إنّ ابن حجر نفسه في شرحه فتح الباري لصحيح البخاري، في الجزء الثاني عشر، حيث يشرح الحديث لا يصرّح بما ذكره في المقدمة، نعم إنه شرح جملة: هل لك في فلان، يقول: (لم أقف على اسمه أيضاً، ووقع في رواية ابن إسحاق أن من قال ذلك كان أكثر من واحد) ([66]). وهذا ما جعل عمر يغضب وأراد أن يخطب في الناس وهو الحج لكن منعه عبد الرحمن بن عوف. -تأسيس الشورى لإقصاء علي بن أبي طالب ع: عرفنا مما تقدّم كيف طرحت فكرة الشورى ومتى طرحت وكيف أنها طرحت بالتهديد بالقتل بقتل المبايع والمبايع له كما سنّها عمر بن الخطاب، وجعلها قراراً لا يقبل الخدشة فيه من أحد. وحينما فقد الخليفة من تمنّاهم كأبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ اختار في قرارة نفسه أن تكون الخلافة لعثمان بن عفان، لكنه أراد أبطال مشروع الآخرين الذين يريدون بيعة علي بن أبي طالب ع، وهددهم بالقتل، فأراد إقصاء علي بطريقة لا تسبب له الاتهام فجعلها في ستة كما تقدّم. ومن هنا لابد أن يفكّر الخليفة بطريقة توصله إلى اختيار عثمان ومع ذلك تكون عن طريق الشورى المزعومة، فأسس لها شروطاً: إنها شورى بين ستة نفر، وحسب، يعينهم الخليفة وحده دون الأمة ! أن يكون الخليفة المنتخب واحداً من هؤلاء الستة، لا من غيرهم ! إذا اتفق أكثر الستة على رجل وعارض الباقون، ضربت أعناقهم ! إذا اتفق اثنان على رجل، واثنان على آخر، رجحت الكفة التي فيها عبد الرحمن بن عوف - أحد الستة - وإن لم يسلم الباقون ضربت أعناقهم ! ألا تزيد مدّة التشاور على ثلاثة أيام، وإلاّ ضربت أعناق الستة أهل الشورى بأجمعهم !! يتولى صهيب الرومي مراقبة ذلك في خمسين رجلاً من حملة السيوف، على رأسهم أبو طلحة الأنصاري ([67]) ! هذا هو القرار الملزم الذي صدر من الخليفة عمر والذي لم يترك لأحد من المسلمين أن يعمل بمبدأ الشورى المزعوم، ولا يمكن أن يسمى هذا الأمر شورى بين المسلمين أبداً، ولا بين أهل الحل والعقد. فجعل الأمر بيد عبد الرحمن بن عوف، لكن عبد الرحمن بن عوف لا بد وأن يدبر القضية بحيث تطبق كما يريد عمر بن الخطاب وكما اتفق معه عليه، إنه يعلم رأي علي في خلافة الشيخين، ويعلم مخالفة علي لسيرة الشيخين، فجاء مع علمه بهذا ، واقترح على علي أن يكون خليفة على أن يسير بالناس على الكتاب والسنة وسيرة الشيخين، يعلم بأن علياً سوف لا يوافق، أما عثمان فسيوافق في أول لحظة، فطرح هذا الأمر على علي، فأجاب علي بما كان يتوقعه عبد الرحمن، من رفض الالتزام بسيرة الشيخين، وطرح الأمر على عثمان فقبل عثمان، أعادها مرة، مرتين، فأجابا بما أجابا أولاً فقال علي لعبد الرحمن: أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني. فبايع عبد الرحمن عثمان. فقال علي لعبد الرحمن: والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك أو عليك. فقال له: بايع وإلاّ ضربت عنقك. فخرج علي من الدار. فلحقه القوم وأرجعوه حتى ألجأوه على البيع. وهكذا تمت البيعة لعثمان طبق القرار. ولكن هل بقي عثمان على قراره مع عبد الرحمن ؟ إنه أرادها لبني أمية، يتلقفونها تلقف الكرة، فثار ضد عثمان كل أولئك الذين كانوا في منى وعلى رأسهم طلحة والزبير، اللذين كانت لهما اليد الواسعة الكبيرة العالية في مقتل عثمان، لأنهما أيضا كانا يريدان الأمر، وقد قرأنا في بعض المصادر أن بعض القائلين قالوا لو مات عمر لبايعنا طلحة، وطلحة يريدها وعائشة أيضا تريدها لطلحة، ولذا ساهمت في الثورة ضد عثمان. أما عبد الرحمن بن عوف، فهجر عثمان وماتا متهاجرين، أي لا يكلم أحدهما الآخر حتى الموت، لأن عثمان خالف القرار، وقد تعب له عبد الرحمن بأكثر ما أمكنه من التعب، وراجعوا المعارف لابن قتيبة، فيه عنوان المتهاجرون، أي الذين انقطعت بينهم الصلة وحدث بينهم الزعل، ومات عبد الرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمان. وهكذا كانت الشورى، فكرة لحذف علي ع. كما أنّ معاوية طالب بالشورى عند خلافة علي ومبايعة المهاجرين والأنصار معه، طالب بالشورى، لماذا ؟ لحذف علي ع، أراد أن يدخل من نفس الباب الذي دخل منه عمر، ولكن علياًع كتب إليه: (إنما الشورى للمهاجرين والأنصار) ([68]). ومن الواضح أن معاوية ليس من الأنصار، وليس من المهاجرين، لأنّ الهجرة لمن هاجر قبل الفتح، ومعاوية من الطلقاء ولا هجرة بعد الفتح، فأراد معاوية أن يستفيد من نفس الأسلوب لحذف علي، ولكنه ما أفلح. وكل من يطرح فكرة الشورى، يريد حذف النص، وكل من يطرح الشورى يريد حذف علي ع. * * * -الفصل الثاني أدلة الشورى أين أدلة الشورى ؟ من خلال ما تقدّم يعرف القارئ عدم وجود ذكر لنظرية الشورى في عهد الخليفة أبي بكر ولم تأتِ بيعته عن طريق الشورى بل مسألة الشورى غائبة في تلك الحقبة الزمنية بالمرة، وكذلك عرفنا الرأي الأولي للخليفة الثاني حيث إنّه يصرّح بنظرية التنصيب والتنصيص على معاذ أو سالم مولى أبي حذيفة، والشورى أمر طارئ على طريقة التنصيب للخليفة، فبيعة أبي بكر كانت فلتة ولم تكن بقانون قد رسمه الإسلام، وكذا بيعة عمر بنص من أبي بكر، ولم يكن للشورى عين ولا أثر لم يطالب بالشورى أحد من المسلمين، بل كما تقدّم أنّ كبار الصحابة كانوا يرغبون ببيعة علي بن أبي طالب ع بعد موت عمر، فهؤلاء كانت فكرة الشورى غائبة عنهم أيضاً إذ في الحقيقة أنهم يعلمون أن الخلافة لا بالفلتة ولا بالشورى بل بالنص من الحجة. ولكون أبي بكر فاقد الحجية اعترض عليه المسلمون في تنصيب عمر بكونه فظاً غليظاً، لكن الخليفة لم يعبأ باعتراضات الصحابة وأصر على تنصيب عمر بن الخطاب. وفي ذلك الوقت لم يكن لنظرية الشورى أثر فضلاً عن أدلتها، وإنما جاءت الأدلة اليوم لتبرير خلافة الخلفاء لا أكثر. فلم يستدل لا الخليفة الأول ولا الثاني ولا الثالث بالأدلة اليوم التي تساق للشورى أبداً، وإنما جاء الاستدلال اليوم للتبرير فقط. ومن هنا وعلى الرغم من أنّ الأدلة التي احتج بها غير ناظرة لتنصيب الخليفة فلا بأس في بيان أدلة الشورى التي استدل بها اليوم ونقدها نقداً علمياً بعيداً عن التعصب وبكل حياد. أدلة نظرية الشورى: لقد استدل القائلون بنظرية الشورى بنصوص عديدة سنتعرض لأهمها: -النص الأول: قوله تعالى:﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾([69]). ونورد عدّة مناقشات لهذا النص: المناقشة الأولى: جاءت هذه الآية الكريمة ضمن سياق آيات تتحدث عن صفات المجتمع الأمثل، فوصفته بصفات متعددة، قال تعالى:﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾([70]). فالآيات ناظرة إلى ظواهر يتميز بها المجتمع الإسلامي التي تمثل أهداف الإسلام وآدابه، فمع ما يتحلون به من الإيمان، وحسن التوكل على الله تعالى، واجتناب الكبائر والفواحش، والعفو والمسامحة، والاستجابة لأمر ربهم، وإحياء الصلاة، ورد البغي والعدوان، فهم أيضاً شأنهم المشاورة بينهم في أمورهم الحياتية في حدود ما شرعة الله سبحانه وتعالى. وهذا ليس محل النقاش كما تقدم في بداية البحث فالمشورة في الأمور الشخصية الاجتماعية وغيرها محبذ في الإسلام، حتى بيّن الإسلام شروط الشخص المستشار وحق المستشير على المستشار إلى غير ذلك مما يتعلق في بحث المشورة، ونقلنا فيما تقدم روايات كثيرة في ذلك. منها: قال ص: (لا مظاهرة أوثق من مشاورة) ([71]). ومنها: قال أمير المؤمنين ع: (ما عطب امرؤ استشار) ([72]). ومنها: قال ع: (لا رأي لمن انفرد برأيه) ([73]). إنما الكلام هل يمكن أن يستدل بهذه الآية على تنصيب الخليفة الواجب طاعته على الناس، بمعنى الخروج عن طاعته يكون خروجاً عن طاعة الله تعالى. والآية أجنبية عن ذلك، وهذا ما نقوله لأبناء العامة. بل في الآية إشارة إلى أنهم أهل الرشد وإصابة الواقع، يمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول، فإن من استشار ضم عقول الناس إلى عقله، وخبراتهم إلى خبرته، فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾([74]). ولذا قال المفسرون وغيرهم انطلاقاً من هذه الآية باستحباب مشاورة الناس لمن أهمه أمر، والاسترشاد بعقول الآخرين وآرائهم الناضجة، دائرين في دائرة ذلك البعد الاجتماعي الذي تقدم آنفاً، وليست الاستشارة فريضة ربانية في الأمور مطلقاً، فاعتبارها في اختيار الخليفة الذي تجب طاعته من الله سبحانه توسع في دائرة المستفاد من الآية وهو لا دليل عليه. قال ابن عبد البر: (قال أبو عمر في هذا الخبر ما كانوا عليه من المشورة في أمورهم وقد أتى الله على من كان أمرهم شورى بينهم وكان رسول الله ص يشاور أصحابه في الحروب ليقتدى به وفيه أن الرئيس حق عليه الحذر على جيشه وأن لا يقدمهم على الهلكة ولذلك أوصى بعض السلف من الأمراء أمير جيشه فقال له كن كالتاجر الكيس الذي لا يطلب ربحاً إلا بعد إحراز رأس ماله) ([75]). وقال الجصاص: (قوله تعالى: "وشاورهم في الأمر". اختلف الناس في معنى أمر الله تعالى إياه بالمشاورة مع استغنائه بالوحي عن تعرف صواب الرأي من الصحابة، فقال قتادة والربيع بن أنس ومحمد بن إسحاق: "إنما أمره بها تطييباً لنفوسهم ورفعاً من أقدارهم، إذ كانوا ممن يوثق بقوله ويرجع إلى رأيه". وقال سفيان بن عيينة: "أمره بالمشاورة لتقتدي به أمته فيها ولا تراها منقصة كما مدحهم الله تعالى بأن أمرهم شورى بينهم". وقال الحسن والضحاك: "جمع لهم بذلك الأمرين جميعاً، في المشاورة ليكون لإجلال الصحابة ولتقتدي الأمة به في المشاورة". وقال بعض أهل العلم: "إنما أمره بالمشاورة فيما لم ينص له فيه على شيء بعينه" فمن القائلين بذلك من يقول: إنما هو في أمور الدنيا خاصة، وهم الذين يأبون أن يكون النبي ص يقول شيئا من أمور الدين من طريق الاجتهاد، وإنما هو في أمور الدنيا خاصة، فجائز أن يكون النبي ص يستعين بآرائهم في ذلك ويتنبه بها على أشياء من وجوه التدبير ما جائز أن يفعلها لولا المشاورة واستشارة آراء الصحابة، وقد أشار الحباب بن المنذر يوم بدر على النبي ص بالنزول على الماء فقبل منه، وأشار عليه السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يوم الخندق بترك مصالحة غطفان على بعض ثمار المدينة فينصرفوا فقبل منهم، وخرق الصحيفة في أشياء من نحو هذا من أمور الدنيا. وقال آخرون: كان مأمورا بمشاورتهم في أمور الدين والحوادث التي لا توقيف فيها عن الله تعالى، وفي أمور الدنيا أيضاً مما طريقه الرأي وغالب الظن، وقد شاورهم يوم بدر في الأسارى وكان ذلك من أمور الدين، وكان ص إذا شاورهم فأظهروا آراءهم ارتأى معهم وعمل بما أداه إليه اجتهاده) ([76]). وقال الثعالبي: (وقوله تعالى: "والذين استجابوا" مدح لكل من آمن بالله وقبل شرعه ومدح الله تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم؛ لأن في ذلك اجتماع الكلمة والتحاب واتصال الأيدي والتعاضد على الخير، وفي الحديث: "ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأحسن ما بحضرتهم")([77]). وقال ابن كثير: ("وأمرهم شورى بينهم" أي لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم، في مثل الحروب وما جرى مجراها، كما قال تبارك وتعالى: "وشاورهم في الأمر" ولهذا كان ص يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم) ([78]). قال الشيخ كاشف الغطاء: (وأمّا ما يذهب إليه البعض من أن تعيين الإمام أو الوصي يتم بواسطة مبدأ الشورى الذي يشير إليها قوله تعالى: [وأمرهم شورى بينهم]، وقوله تبارك وتعالى [وشاورهم بالأمر] فإن قولهم هذا لا ينهض كحجة شرعية يعتد بها في نفي النص واعتماد الشورى، لأن المشاورة هنا لا يراد بها قطعاً مسألة الخلافة، حيث يعد ضرباً من المحال اتفاق آراء الأمة على فرد معين، وفيها الجاهل والمنافق والمناوئ وغيرهم) ([79]). المناقشة الثانية: إنّ الآية ليست في مقام التشريع، وإنما هي في مقام بيان أهمية وقيمة التشاور في الأمور العامة التي تتطلب ذلك. وهذا يقتضي عدم الأخذ بها إذا كان في القرآن الكريم ما ينص على تشريع الخلافة، وهي آيات استخلاف الله لآدم وداود وطالوت وغيرهم ص. فلو كانت الآية في مقام بيان فريضة إلزامية فالآيات بعدها تقول: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾([80])، فلماذا يفتون بعدم مشروعية الخروج على الحاكم الباغي بل قالوا بوجوب طاعته وحرمة الخروج عليه. المناقشة الثالثة: إنّ الآية لم تبيّن من الذين يقتضي أن يقوموا بمهمة التشاور، ومن هنا لا بد من الاحتياط المبرئ للذمة من مسؤولية التكليف والخروج من عهدته، ويكون ذلك بجمع كل الأطراف التي يحتمل دخالة رأيها في مسألة التشاور، وهذا ما لم يتحقق تاريخياً منذ اختيار أول خليفة حتى عهدنا الحاضر. القول الفصل: لقد أورد السيد أحمد الحسن اليماني ع مناقشتين لهذه الآية الكريمة، أنقلهما كي يكونا قولاً فصلاً بعد توضيح ما تقدم. المناقشة الأولى: قال ع: (هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾([81]). نزلت على محمد ص وفي حياة محمد ص، فلو كانت في الحكم والحاكم لكان للمسلمين أن يختاروا غير محمد ص وينصبوه عليهم !! ولو كانت في الحكم والحاكم لشاور محمد ص المسلمين في الأمر قبل أن يعلن تنصيب علي ابن أبي طالب ع بعده في غدير خم !! ولو كانت حتى في تنصيب أمير على جيش يخرج لقتال الكفار لشاور رسول الله المسلمين قبل أن ينصب أسامة بن زيد بل كان كثير منهم غير راضين بهذا التنصيب فلماذا لم يقبل رسول الله مشورتهم واعتراضهم على صغر سن أسامة بن زيد إذا كان مأموراً بأخذ مشورتهم في أمور الحكم ؟؟!! أتراه ص يخالف القرآن وحاشاه ؟؟!!!! إن للقرآن أهله فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه وسمع حقاً فأذعن) ([82]). المناقشة الثانية: قال ع: (أمّا قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾([83]). فالسؤال هنا هل خلافة الله في أرضه هي أمرهم أم أمر الله ؟ وللتوضيح أكثر نضرب هذا المثل: هل خلافة زيد في بيته هي أمر زيد أم أمر عمر أكيد إنها أمر زيد، وزيد هو من يضع من يخلفه في بيته وتدخل عمر لا قيمة له بل هو تدخل فضولي وغير شرعي وغير أخلاقي وغير مقبول في كل الأعراف والقوانين ولا يقبله العقل أيضاً. إذن، أكيد إن خلافة الله في أرضه هي أمر الله وليست أمر الناس، فالله هو من ينصب خليفته في أرضه وليس الناس تنصب خليفة الله، فلو نصب الناس كان تنصيبهم لا قيمة له وفضولي وغير شرعي ولا أخلاقي ومرفوض في كل الأعراف والقوانين. والله نصب أول خليفة له في أرضه؛ آدم ع، ولم يسمح للملائكة أن يختاروا منهم أو من غيرهم خليفة لله في أرضه فإذا كان الله لم يسمح أن يختار الملائكة الأطهار المعصومون خليفته في أرضه فكيف يسمح أن يختار خليفته سبحانه أناس غير معصومين يخطئون ويصيبون في أبسط الأمور ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾([84]). خلافة الله في أرضه هي أمر الله وليس لأحد أن يقول إنها أمر الناس إلاّ إن أراد العناد وإلاّ أن يقول عنزة ولو طارت. قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ والذي يقول إن هذه الآية تعني أن كل الناس خلفاء الله في أرضه؛ بمعنى أنهم يخلفون الله في عمارة الأرض ويبنون ويزرعون فنقول لهم وهل الله فلاح أم عامل بناء، أم أن الله خالق الخلق ومالكهم وملكهم الحقيقي فمن يخلفه في أرضه يقوم بمقامه باعتباره مالك الملك فخليفة الله يكون هو الملك والحاكم في الأرض، وأيضاً في القرآن قوله تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾([85]). فلو كانت خلافة الله في أرضه لكل الناس فداود من الناس أيضاً فلا داعي لأن يخاطبه الله مرة أخرى ويقول له ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾. ثم إن الآية بينت أن هذه الخلافة تشمل الملك والحكم بين الناس ﴿فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾. فهذه الآية بينة وواضحة إن خلفاء الله في أرضه هم الذين يحكمون). -النص الثاني: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾([86]). نجد البعض يستدل بهذا النص القرآني على مشروعية الشورى في الحكم الإسلامي، وتعيين الخليفة الواجب الطاعة من الله سبحانه، ولكنه خطأ ويتضح ذلك بأمور: الأمر الأول: إنّ الآية لا تأمر الرسول ص بالعمل برأي الناس وإنما تأمره بالمشاورة معهم في الأمور تلطفاً بهم كما تشير لذلك مقدمة الآية حيث ذكرت اللين الذي عند الرسول ص ودماثة أخلاقه وعطفه على المؤمنين، و فرعت الآية على ذلك بحرف الفاء؛ أي على أساس هذه الرحمة اعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر. أمّا الأمر في الأخير فهو للنبي ص، ويدل على ذلك بوضوح قوله تعالى ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ﴾، حيث يدل على أنّ المشاورة معهم لا تمنعه من العمل بما عزم عليه وإن كان مخالفاً لرأيهم، ولم تقل الآية فإذا رأوا رأياً فاعمل به كما هو مقتضى وجوب العمل حسب المشورة. عن معمر بن خلاد، قال: (هلك مولى لأبي الحسن الرضا ع يقال له: سعد، فقال له: أشر علي برجل له فضل وأمانة، فقلت: أنا أشير عليك ؟ فقال شبه المغضب: إنّ رسول الله صكان يستشير أصحابه ثم يعزم على ما يريد) ([87]). الأمر الثاني: إنّ مجال هذه المشاورة ليس هو تعيين القيادة كما تقدم في مناقشتنا للنص السابق، فالناس لم يكونوا مختارين في الشريعة أن يقبلوا قيادة الرسول ص أو يرفضوها بل كان الواجب عليهم إطاعته في جميع الأمور فقيادته قيادة إلهية مفروضة على الناس، وإنما كان مجال هذه المشاورة الشؤون الاجتماعية الدخيلة في إدارة النظام ([88]). الأمر الثالث: إنّ الآية تبيّن أنّ للشورى ثلاثة أركان: الأول: ضرورة وجود مستشارين حتى تتم الاستشارة، وهذا يدل عليه لفظة (هم) في (وشاروهم). الثاني: وجود مادة التشاور وموضوعها لكي تقوم هذه الشورى. الثالث: ولي أمر الشورى، والأمر في النهاية منوط برأيه، وهذا يدل عليه ضمير تاء المخاطب في (عزمت)، ولا إشكال أنه إذا كان الموضوع أمراً كلياً يخص كل المسلمين فإنّ الذي له حق الحسم إنما هو ولي أمر المسلمين. ولا يمكن للشورى أن تتم بانهدام ركن من الأركان الثلاثة، لأنه إمّا أن يكون ولي الأمر موجوداً والمستشار موجوداً ولا يكون هناك موضوع للشورى فلا تنعقد هناك المشاورة أصلاً؛ إذ لا أمر هناك حتى يتناقش ويتشاور فيه. وإمّا أن يكون ولي الأمر موجوداً وهنا يتغير العنوان من الشورى إلى النص أو الأمر. وإمّا أن تكون الجماعة المستشارة موجودة وموضوع الشورى موجداً وولي الأمر غير موجود, وهنا لا تقع الشورى بصيغتها الشرعية التي يقرّرها الله في كتابه حيث فرض على الشورى قيِّماً، بل الآية أكدت أن الأمر في النهاية منوط بولي الأمر (فإذا عزمت فتوكل على الله). وربما يقال: إنّ هذه الآية ﴿وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ..﴾ مختصة برسول الله ص، ولا تشمل غيره من أولي الأمر، بقرينة قوله تعالى :﴿وأمرهم شورى بينهم﴾، فليس فيها ولي أمر، بل قالت:﴿وأمرهم شورى بينهم﴾، أي: بينهم هم أنفسهم. أقول: أولاً: إنّ المورد لا يخصص الوارد، وبعبارة أخرى:إنّ الآية غير محصورة الدلالة في سبب النزول وفي القصة التي تناولها القرآن، بل أنّ القرآن يجري في كل جيل مجرى الشمس والقمر([89])، فتكون الآية جارية في أولي الأمر بعد النبي ص، بل القرآن صريح في ذلك. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([90]). فكل ما ثبت لرسول الله ص من حق الطاعة يثبت لولي الأمر بمقتضى الآية المباركة، فطاعة ولي الأمر هي طاعة رسول الله ص لوجود العطف على سبيل الجزم، لذا جاءت الآية بالعطف بدون تكرار الفعل لتبين تماثل الطاعتين فقالت: ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ..﴾، وهذا دليل تماثل الطاعتين؛ طاعة الرسول ص وطاعة أولي الأمر ولم يكن بينهما اختلاف. وإن قيل: إنّ أولي الأمر هم الأمراء الذين بعد النبي ص. أقول: أولاً: هذه مصادرة؛ إذ نحن نبحث عن الطريقة التي تثبت هؤلاء الأمراء بعد الرسول ص، فهل هي النص أم الشورى لكي نطيعهم ولا نعصيهم، فالقول بأنّ أولي الأمر هم الأمراء كيف ثبت ؟ إن كان ثبت بالنص فأين النص الذي يعين الأمراء بقول مطلق، وبالتالي لا نجد نصاً على خلافة الخليفة الأول ولا الثاني والثالث، وإن ثبت عن طريق الشورى فنحن نبحث بهذا الصدد فكيف يتمسك بالشورى لإثبات الشورى في الحكم ؟! ثانياً: قال تعالى:﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾([91]). الآية واضحة في اشتراط الأعلمية في أولي الأمر، بمعنى أنّ الرد إليهم كالرد للرسول ص، ومن هنا يتساوى أولو الأمر والرسول ص في وجوب الرد إليهما، فيكون علم أولي الأمر من سنخ علم رسول الله ص، وإلاّ لما ساوت الآية بين الرد للرسول ص والرد إليهم. ولم يثبت أحد ورث علم رسول الله ص غير علي بن أبي طالب ع وذريته الكرام عليهم أفضل التحية والسلام. لذا أمر رسول الله ص بالتمسك بعترته لأنهم هم أولو الأمر الذين يجب الرد إليهم. قال ص: (يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ([92]). وقال ص: (إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ([93]). وقال ص: (إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ([94]). وقال ص: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ([95]). وقال ص: (إني أوشك أن أدعى، فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ([96]). وقد تقدّم أن علياً ع باب مدينة علم الرسول ص، أليس هو الأولى بانطباق الآية عليه والرد إليه يكون رداً للرسول ص باعتبار أنه مدينة باب مدينة علمه ؟! ثالثاً: إنّ أبناء العامة اختلفوا في المراد من أولي الأمر، فقد نقل العيني أحد عشر قولاً، قال: قوله: (وأولي الأمر منكم)، في تفسيره أحد عشر قولاً: الأول: الأمراء، قاله ابن عباس وأبو هريرة وابن زيد والسدي. الثاني: أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، قاله عكرمة. الثالث: جميع الصحابة، قال مجاهد. الرابع: الخلفاء الأربعة قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي. الخامس: المهاجرون والأنصار، قاله عطاء. السادس: الصحابة والتابعون. السابع: أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس، قاله ابن كيسان. الثامن: العلماء والفقهاء، قاله جابر بن عبد الله والحسن وأبو العالية. التاسع: أمراء السرايا. قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي. العاشر: أهل العلم والقرآن، قاله مجاهد واختاره مالك. الحادي عشر: عام في كل من ولي أمر شيء، وهو الصحيح، ..) ([97]). ولا مرجّح لقول منها على الآخر، مضافاً إلى أنها مجرد تفاسير لم تصدر من الرسول صالواجب الإتباع، بل هي تفاسير لأشخاص لم يفرض الله علينا طاعتهم والتعبّد بقولهم. ثانياً: إن كيفية الشورى التي قرّرها القرآن في الأمور الكلية التي تخص جميع المسلمين هي كيفية واحدة ﴿وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل..﴾ والإتيان بكيفية أخرى يستلزم الدليل الشرعي. والاستدلال بآية ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ على كيفية ثانية من الشورى غير تامة. إذ يرد عليه بأنّ هذه الآية نزلت على رسول الله ص وهو ص حي بين ظهراني المسلمين، والعقل والشرع يمنعان أن يتشاور المسلمون على أمر كلي يخص المسلمين دون وجود الرسول ص بينهم ورجوعهم إليه، فهذا قبيح وبعيد جداً، مما يدل أنه لا بد أن يكون معهم وأن الضمير (هم) في (وأمرهم) شامل لرسول الله ص ([98]). وعليه فيكون قوله تعالى: ﴿وشاروهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل..﴾ شارحاً ومفصلاً لقوله سبحانه: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾. فنصل إلى نتيجة محصورة في ما لو التزمنا بأنّ آية ﴿وشاورهم في الأمر..﴾ مختصة برسول الله ص دون أولي الأمر، لأن الشورى عندئذٍ لا تتم إلاّ بوجود رسول الله ص فإذا مات فلا شورى بسبب عدم وجود ركن أساسي فيها وهو رسول الله ص، أما إذا لم نلتزم بانحصار الآية في رسول الله ص وحده وقلنا بأنها تتعدى إلى أولي الأمر، فتكون الشورى موجودة وشرعية بشرط وجود ولي الأمر فيها، ويكون لولي الأمر ما للرسول ص من حقوق في الشورى لأنه يحل محله، فيكون معنى ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ أي لا يعقدون أمراً دون مشاورة الرسول صوأولي الأمر فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم، كما قال تعالى: ﴿ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ..﴾. وسواء قلنا بأنّ آية الشورى مختصة بحياة الرسول ص أم لا، تقع نظرية الشورى في تنصيب الخليفة بمأزق ومحذور يستلزم بطلانها. فعلى الرأي الأول: وهو أن آية ﴿وشاورهم في الأمر ..﴾ مختصة برسول الله ص فمن المعلوم أن الشورى التي انعقدت لتنصيب الخليفة إنما كانت بعد وفاة رسول الله ص فبالتالي هي شورى غير شرعية بحكم الإسلام وبمنظور الرأي القرآني، وكل ما ينتج عنها غير شرعي، ومنها تنصيب الخليفة. وعلى الرأي الثاني، أي أن آية ﴿وشاورهم ..﴾ منعقدة برسول الله ص أو من يحل محله وهو ولي الأمر، فإنّ الشورى الشرعية لا تنعقد إلاّ بولي الأمر وولي الأمر لا ينصب إلاّ بالشورى الشرعية فهذا دور والدور باطل، إذ لا يمكن انعقاد الشورى الشرعية إلاّ بعد وجود ولي الأمر ولا يمكن أن يوجد ولي الأمر إلاّ بعد انعقاد الشورى الشرعية، وهذا الأمر متوقف على نفسه فلا يمكن انعقاد الشورى الشرعية أبداً. اللهم إلاّ أن يقال أن هناك ولي أمر معين من قبل رسول الله ص سبق وجوده الشورى، وهذا تسليم بنظرية النص التي تدعيها مدرسة أهل البيت ص. ومما سبق يتضح أن نظرية الشورى تقع بين محذورين: الأول: إمّا أن الشورى انعقدت دون رسول الله ص وولي الأمر، وهذه شورى باطلة غير شرعية، والقول الذي يقول بإمكانية الشورى من دون الرسول ص وأولي الأمر بحاجة إلى دليل شرعي ولا دليل عليها. الثاني: وإمّا أن الشورى تمت بوجود ولي أمر يرجعون إليه، وهذا يتصور على وجوه: 1- إما أن يكون ولي الأمر هذا نصب نفسه بنفسه لولاية أمر المسلمين، فهذا سلوك لا مسوغ له شرعاً، وهو مصادرة غير مشروعة لحقوق المسلمين، فكيف تجب طاعته شرعاً على جماعة المسلمين إذا عزم على أمر بعد الشورى ؟ 2- وإما أن تكون هناك ثلة صغيرة ولته أمر المسلمين فنقول هل لهؤلاء الصلاحية في التولية؟ وبأي طريقة ولّوا الخليفة، إن كان بالشورى فهو ما نريد تحقيقه، فهل التولية تكون بالشورى أم بالنص ؟ وإن ولوه بالنص فهذا هو الإقرار بما تتبناه مدرسة أهل البيت ص، لكن هنا نبحث عن النص الشرعي الذي يدل على تنصيب المنصب. 3- وإما أن يكون الله ورسوله نص عليه ونصبه لولاية الأمر فلا حاجة حينها للشورى إذ لا يمكن مخالفة الله ورسوله، وهذا الرأي عينه نظرية النص فانتفت الشورى، وانتفت بيعة الفلتات أيضاً. اللهم إلا أن يدعى أن الله تعالى ورسوله ص نصّاً على خلافة الأول !! وهذا ما لم يدَّعه أبو بكر نفسه إذ لو كان لاحتج به على الأنصار في سقيفة بني ساعدة. * * * -الفصل الثالث شبهات وردود شبهات وردود: الشبهة الأولى: جاء في الدر المنثور: (وأخرج الخطيب في رواة مالك عن علي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء قال: اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد) ([99]). الجواب: أولاً: أن هذا النص لم يرد في مصادر الحديث المعتمدة، فقد قال ابن عبد البر: (هذا حديث لا يعرف من حديث مالك إلاّ بهذا الإسناد ولا أصل له في حديث مالك عندهم ولا في حديث غيره وإبراهيم وسليمان ليسا بالقويين ولا يحتج بهما. قلت: وقال الدارقطني في غرائب مالك لا يصح، تفرد به إبراهيم بن أبي الفياض عن سليمان ومن دون مالك ضعيف وساقه الخطيب في كتاب الرواة عن مالك من طريق إبراهيم عن سليمان وقال: لا يثبت عن مالك والله أعلم) ([100]). ثانياً: على فرض صحته فهو يتكلم عن أمر لم ينزل فيه قرآن ولم يرد فيه شيء عنه ص، مما قد يستجد بعده من أمور لم يكن لها موضوع، أو ضرورة تدعوه لطرقها وتقديم الإرشاد فيها، وهذا موضوع عام لسائر مستجدات الحياة المدنية والاجتماعية والتنظيمية. ثالثاً: النبي ص بيّن الجهة التي تتولى مهام القيادة، وتقع عليها مسؤولية الحكم: (اجمعوا له العابد من أمتي) فهناك جهة مسؤولة هي التي تتولى مهمة جمع الصالحين من المؤمنين للمشاورة. فمن هو العابد من أمته الذي ارجع الناس إليه ؟ أليس هم أهل بيته الذين أمرنا بإتباعهم والاقتداء بهم وأنهم مع القرآن ولا يفترقان. -الشبهة الثانية: روى الصدوق في عيون أخبار الرضا ع عنه ع بإسناده عن النبي ص قال: (من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة ويغصب الأمة أمرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه، فإن الله قد أذن ذلك) ([101]). الجواب: أولاً: إنّ هذا النص ربما يشير إلى واقع خارجي سيحصل بعد النبي ص، فيكون ردعاً عمّا سيجري من اغتصاب الخلافة الذي أدى لتفريق الأمة عن الطريق الذي خطه لها النبي ص. ثانياً: أن النص ناظر إلى المشورة في أعمال الولاية لتطيب نفوس المسلمين بسبب استشارتهم ولم يأتي لتشريع أصل الولاية، فيكون بمفاد قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾([102]). والتي فيها الشورى لتطييب نفوسهم في بعض الأعمال لا في أصل تنصيب الخليفة. ولقد وجّه الرواية المتقدّمة الشيخ ناظم العقيلي زاده الله توفيقاً بما حاصله: (والجواب على هذا الإشكال يكون من عدّة وجوه: الوجه الأول: عندنا في هذه الرواية بعض الكلمات لابد من الوقوف على معانيها لكي يتضح لنا معنى الرواية: 1- (الجماعة) المراد من الجماعة هنا جماعة أمة الرسول محمد ص، وأكيد المراد بجماعة أمة محمد هي جماعة الحق لا الجماعات الضالة، لأن الخبر المشهور يقول بأن أمة محمد ص ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية والبقية في النار، إذن المراد بالجماعة هي جماعة الحق لا غير. وهل جماعة الحق تعرف بالحق أم بالكثرة، لا ريب أن الكثرة لا يمكن أن تكون هي ملاك الحق، فهذا ينكره القرآن والسنة والوجدان كما هو حاصل في دعوات الأنبياء والمرسلين ص. وقد روي عن ابن مسعود: (... الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك) ([103]). وأيضاً عن ابن مسعود بلفظ: (... الجماعة ما وافق طاعة، وإن كنت وحدك) ([104]). وأيضاً عن ابن مسعود بلفظ: (... إن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل) ([105]). وعن أبي عبد الله ع قال: (سئل رسول الله ص عن جماعة أمته، فقال: جماعة أمتي أهل الحق وإن قلوا) ([106]). وعن عاصم ابن حميد رفعه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع فقال: أخبرني عن السنة والبدعة وعن الجماعة وعن الفرقة ؟ فقال أمير المؤمنين ع: (السنة ما سن رسول الله ص، والبدعة ما أحدث من بعده، والجماعة أهل الحق وإن كانوا قليلاً، والفرقة أهل الباطل وإن كانوا كثيراً) ([107]). وعن سليم بن قيس العامري قال: سال ابن الكوا علياً عن السنّة والبدعة وعن الجماعة والفرقة فقال: (يا ابن الكوا حفظت المسألة فافهم الجواب السنة والله سنه محمد ص والبدعة ما فارقها والجماعة والله مجامعة أهل الحق وان قلوا والفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا) ([108]). وجماعة أمة محمد المحقّة في عقيدة أهل البيت ص هم أهل الولاية في كل زمان، ومنه نعرف أن رواية الإمام الرضا ع أجنبية تماماً عن تشريع جماعة غير التي تؤمن بأن الحاكمية لله وأن الإمام والخليفة منصب من الله تعالى لا غير. وان قلت ما معنى قوله (من غير مشورة) فهل الخلافة فيها شورى حتى يقيد الإمام قتل المتعدي إذا كان بدون مشورة .. فهل بمشورة يجوز ؟! أقول: سيتضح الجواب عند الكلام عن (أمر الأمة) ما هو .. فتأمل. 2- (أمر الأمة) ... قد اتضح في إصدارات أنصار الإمام المهدي ع بأن الخلافة الإلهية والإمامة ليست من أمر الناس ولا دخل للناس في تحديد أو تشخيص مصاديقها، وإن الخلافة والإمامة غير قابلة للاغتصاب لأنها صفة جعلها الله لأوليائه المصطفين .. نعم يمكن غصب منصب قيادة الناس بالغلبة في الواقع الخارجي .. كما كان في زمن الأنبياء ص، وهذا لا يعني أن المُغتصِب قد غصب مقام الخلافة أو الإمامة .. بل انتحله .. أي أزاح أهله الحق عن ممارسة مهامهم فعلياً ووضع نفسه مكانهم. فيكون المعنى لـ (ويغصب الأمة أمرها) أي يتلسط بالقوة وبالمكر على قيادة الناس وتولي أمورهم سواء في بلد معين أو في كل البلاد .. ومن المعلوم أن تولي أمور الأمة العامة من مهام الخليفة والإمام .. وله أن يباشرها بنفسه أو يعين من يباشرها أو حتى يوكل تعيين من يباشرها إلى الأمة أو إلى كل أهل بلد يختارون من يباشر أمورهم .. وطبعاً هذا باستثناء أمر التشريع فهو مختص بالإمام حصراً وبقية الأمة لا يسعها إلا أن تكون متبعة ومبلغة عن الإمام المعصوم. فلا يجوز لأحد أن يمارس مباشرة أمر الأمة إلاّ بعد مشاورة الإمام أو من فوَّضه الإمام للمشاورة سواء كان فرداً أو مجموعة، وطبعاً تبقى نتيجة المشاورة مرهونة بموافقة الإمام أو رفضه. ولا يخفى أنّ الولايات مثلاً في زمن أمير المؤمنين ع كانت راجعة إلى تعيين أمير المؤمنين ع، فهو من ينصب أو يعزل الولاة الذين يباشرون أمر الأمة في كل بلد. فمن جاء يريد أن يباشر ولاية بلد معين أو كل البلاد من دون مشورة وأخذ الأذن من الخليفة والإمام الشرعي فيجب قتله إن لم ينته ويرتدع .. ولا يخفى أن المتطفلين على الولايات يتسببون في شق عصا الأمة بحيث يصبح كل بلد تحت قيادة شخص مارق يذهب به حسب هواه ورغباته الشاذة .. فتكون الأمة طوائف متناحرة وقد يصل الأمر إلى التقاتل فيما بينها. إذن فـ (أمر الأمة) ليس مقام الخلافة والإمامة .. بل هو ما يرجع إليهم من إدارة أمورهم سواء كانت الاقتصادية أو السياسية أو حتى القضاء وفض الخصومات وغير ذلك من المهام التي يمارسها الولاة المنصبون من الخليفة والإمام الشرعي. فإن قلت بأن (المشورة) المراد بها مشورة الأمة فيما بينها لا مشورة الإمام أو الخليفة ! أقول: المشورة هنا في الرواية جاءت منكرّة ولم تضاف لا إلى الجماعة ولا إلى الأمة .. وعقيدة أهل البيت ص أنه لا ولاية لأحد على أحد إلاّ بإذن الله تعالى وإذن من خوَّل الله لهم ذلك .. فلا يمكن تصور أن الإمام الرضا ع في مقام تشريع الولاية إلى الأمة وإن لها أن تختار من تشاء .. فالإمام الرضا عقيدته هي عينها عقيدة أجداده وهي عينها دين الله الحق. 3- (المشورة) تقدم بيان أن المشورة تكون للإمام وهي امتداد لقوله تعالى للرسول محمد ص: ﴿.... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾([109]). وكما قدمت أن هذه المشورة راجعة إلى المعصوم سواء في نوع الأمر الذي يشاور الأمة به أو في الأخذ بمشورة الأمة أو الأخذ بخلافها بدليل ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. فسواء كانت الولايات واقعة ضمن الأمور التي يشاور بها الإمام أم لا .. فهذا الأمر لا يهمنا الآن .. إنما يهمنا أن من يريد أن يتولّى أو من يراد له أن يتولّى شيئاً من أمور المسلمين فعليه أولاً أن يشاور الإمام المعصوم أي يأخذ الإذن منه .. لكي تكون أمور الأمة جميعا تخرج من مخرج واحد ... دفعاً للخلاف والافتراق والفتنة. فالقرآن والسنة والعقل يحكمون بأن أمر الخلافة والإمامة مقام مختص بالله تعالى ولا يمكن للناس أن تجزم في تحديد مصاديقه أبداً .. وهذا محكم تُحكم به كل النصوص المتشابهة أو التي يُدّعى تشابهها. الوجه الثاني: لنا أن نقول: إن أمر الأمة هنا هو (البيعة): وعلى هذا فلا يخلو قول الإمام الرضا ع: (من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة ويغصب الأمة أمرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه)، من احتمالين؛ إما انه يقصد الجماعة قبل أن تبايع الخليفة، أو الجماعة بعد أن بايعت الخليفة، والاحتمال الثاني إما يراد منه الجماعة التي بايعت خليفة غير الشرعي وغير المنصب، وإما يراد منه الجماعة التي بايعت الخليفة الشرعي المنصب. فالبيعة شيء وتعيين الخليفة أو الإمام شيء آخر، فالخليفة لا يُعيَّن بالبيعة، بل بالنص من الله ومن رسوله، والبيعة تكون عهداً بين الأمة وبين الخليفة في تصديقه ونصرته وامتثال أوامره، كما كانت البيعة في زمن رسول الله ص. فـ (البيعة) هنا هي من حق الأمة ولا يمكن لأحد أن يسعى إلى اغتصابها من دون مشاورة الأمة، أي إذنها وقبولها، والحق هنا بمعنى أن الله جعل لها الخيار فإن اختارت بيعة الخليفة الشرعي المنصب، فقد اهتدت وفازت في الدنيا والآخرة، وإن اختارت بيعة الخليفة غير الشرعي .. فقد ضلت وخسرت وعليها تحمل تبعات هذا الاختيار ... ويبقى الخليفة الشرعي إن وجد أنصاراً قاتل من اجل استرداد حقه المغتصب ... وإن لم يجد يصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. وحق الاختيار في البيعة ليس معناه شرعية النتيجة مهما كانت .. بل هو مثل حق الإنسان في اختيار طريق الحق أو طريق الضلال أو اختيار الطاعة أو المعصية، بمعنى أنه مخير وليس مجبور، وعليه تحمل تبعات اختياره إن خيراً فخير وان شراً فشر ، قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([110]). فلم ينقل لنا أن الرسول محمداً ص قد أجبر شخصاً أو جماعة على بيعته، وذلك لأن البيعة من العقود، أي أنها بين جهتين أو طرفين: المُبَايِع والمُبَايَع له، ومن أهم شروط صحة العقد أن يكون المتعاقد مختاراً غير مجبور، فإن كان المتعاقد مجبوراً فلا شرعية للعقد ولا تترتب عليه الآثار الشرعية. وكذلك لم يُنقل لنا بأن أحد الأئمة طلب بيعة الأمة بالجبر والإكراه، بل هم يُذكرّون الأمة بأحقيتهم بالخلافة من خلال القرآن والسنة، وهذا ما نقل لنا عن أمير المؤمنين ع وعن الإمام الحسين ع والمجال لا يسع لنقل كلماتهم وخطاباتهم للأمة في ذلك. فرغم أن الإمام علي ع منصب من الله ورسوله، لم يجبر أحداً على مبايعته، في حين نرى أن من لا حق له بالخلافة قد سعى إلى إجبار الناس على بيعته بشتى السبل ووصل الأمر إلى إراقة الدماء وسلب الأموال وانتهاك الأعراض !!! وهذا ما يفسر لنا ما يروى عن أمير المؤمنين ع عندما انهال عليه الناس للبيعة: (... فلما أصبحوا يوم البيعة وهو يوم الجمعة حضر الناس المسجد وجاء علي ع فصعد المنبر وقال: أيها الناس عن ملا وإذن إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وإنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح ما لكم معي وليس لي أن آخذ درهما دونكم فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا آخذ على أحد فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس فقال: اللهم اشهد. وبويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة ...) ([111]). فقول أمير المؤمنين ع: (إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم)، ليس المراد من (أمركم) هو أمر مقام الخلافة والإمامة أبداً، لأن هذا أمر الله وحده، بل المراد أمر بيعتهم في أن يبايعوه على أن يقلدوه أمرهم واتباعهم له، أي يبايعونه على أن يلتزموا أمره ونهيه، أي له الإمارة والولاية عليهم. فلابد من التمييز بين اختيار مصاديق الإمامة والخلافة وتنصيبهم، وبين بيعة الناس والتزامهم باتباع الخليفة، فالخليفة خليفة وإمام سواء بايعته الناس أم لم تبايعه، وبيعة الناس حق لهم لا يجوز لأحد انتزاعها بالجبر، وهذه البيعة والاختيار قد يتصف بالحق أو الباطل تبعاً للشخص المبايع له والمختار، فإن بايعوا الخليفة المنصب من قبل الله تعالى فقد اهتدوا وافلحوا .. وان بايعوا الخليفة الغاصب فقد ضلوا وعصوا وعليهم تحمل ما يترتب على اختيارهم الخاطئ. فبيعة الناس لا تجعل من المبايع له خليفة أو إماماً، بل قد يجب محاربة من بايعوه إن كان ليس ممن اختاره الله، وقلت: (قد) لأن ذلك راجع إلى الخليفة الشرعي فإن وجد العدة والعدد قاتل أئمة الكفر، وإن لم يجد العدة والعدد صبر ... وعدم مبايعة الناس له لا تنفي عنه صفة الخلافة والإمامة لأنه لم يتصف بها بسبب بيعة الناس حتى تنعدم عند انعدامها. نعم بيعة الناس تمكن الخليفة الحق من ممارسة مهام الخلافة في الخارج، ولكن عدم تمكن الخليفة الشرعي من ممارسة مهام الخلافة في الخارج لا يعني انتفاء صفة الخلافة والإمامة منه. فمثلاً لو أن الخليفة الشرعي قد تغلب عليه زمرة من الناس وسجنوه ، واستلموا تولي مهام الخلافة وكسبوا بيعة الناس لهم ترغيباً أو ترهيباً، فحينئذٍ هل انتقلت صفة الخلافة الشرعية من الخليفة المنصب إلى الغاصبين، لأنهم هم من يمارسون مهام الخلافة أو بعضها في الخارج ؟! في الحقيقة هذا منهج غريب يزري بعقول الناس إلى الحضيض، ومنزلق خطير يهدف إلى تبرير تعدي الظالمين والطواغيت وإلقاء الشرعية على أفعالهم وغصبهم لدين الله تعالى !!! فمثلاً الطبيب صفة ثابتة لمن يمتلك القدرة والخبرة على معالجة الأمراض، ولكن إن حالت الظروف دون ممارسة الطب فعلاً في الخارج، لا تنتفي صفة (الطبيب) عن ذلك الرجل، بل يبقى طبيباً سواء مارس الطبابة في الخارج أم لم يمارسها، وكذلك الأمر بالنسبة للمهندس وغيرها من الاختصاصات. وكذلك يجب التنبه إلى أن حرية البيعة شيء، وفرض دين الله الحق شيء آخر، فالخليفة والإمام الشرعي وإن قلنا بأنه لا يجبر الناس على بيعته .. ولكن له أن يفرض دين الله الحق على كل الناس وان استلزم ذلك القتال .. وذلك إذا وصل فساد وإفساد بقية الأديان والمذاهب إلى مرحلة لا يمكن السكوت عليها ويكون بقاؤها شراً على كل أهل الأرض، ولا يهنأ العيش للناس مع وجود هذا الانحراف الذي لا يسلم منه أخضر ولا يابس. ففرض الدين الحق على الناس ليس الهدف منه فقط إزاحة المذاهب الباطلة والمنحرفة، بل لأن هذه المذاهب المنحرفة ستكون عقبة كؤوداً في طريق سعادة البشرية دنيا وآخرة، وكما يقال آخر الدواء الكي ... وهذا ما سيكون إن شاء الله على يد المنقذ المقدس. ولذلك تواترت الروايات بأن الإمام المهدي لا يقوم حتى تملئ الأرض ظلماً وجوراً .. أي أن تذهب الناس في الانحراف والضلال والظلم مذهباً لا يرجى معه صلاح دنيا ولا آخرة. فحتى الإمام المهدي ع لم اسمع برواية تقول بأنه سيجبر الناس على بيعته بالذات، وإن كان سيوحد الناس على ما يحصنهم أخلاقياً ودينياً ودنيوياً. ولكن مشكلة عقول الوهابية أنها جامدة على ما يزرق فيها بدون تأمل أو تدبر .. فهم لا يفرقون بين البيعة التي هي من العقود والعهود وبين شرعية تنصيب الخليفة أو الإمام. الوجه الثالث: نقول إن الإمام الرضا ع نفسه، قد صرّح بأنّ من كلامهم محكم كمحكم القرآن، ومن كلامهم متشابه كمتشابه القرآن، فردّوا المتشابه إلى المحكم، وإليكم نص كلامه ع: عن الرضا ع قال: (من رد متشابه القرآن إلى محكمة هدى إلى صراط مستقيم ثم قال: إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا) ([112])، فلا يمكن أن نقصر النظر على رواية واحدة ونريد أن نصوغ العقيدة عليها، بل لابد من النظر إلى مجموع روايات أهل البيت ص، فلا يخفى أن الروايات منها العام ومنها الخاص ومنها المطلق ومنها المقيد ومنها المحكم ومنها المتشابه... الخ، فحتى لو قلنا بأن هذه الرواية متشابهة فلابد من إحكامها ببقية الروايات المتواترة عن آل محمد ص في النص على أنّ الخلافة والإمامة تنصيب إلهي ولا يمكن إيكالها لاختيار الناس أو انتخابهم أبداً، والروايات في ذلك كثيرة جدّاً لا يمكن استقصاءها في هذا المختصر .. ولكن أذكر طرفاً منها: عن الإمام المهدي ع في جوابه لأسئلة سعد بن عبد الله القمي: (... قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم، قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلة، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم وأهدي إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن، قلت: لا، فقال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله تعالى: ﴿واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا - إلى قوله - لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم﴾، فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتتصرف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح ...) ([113]). وعن الرضا ع قال: (الأئمة خلفاء الله ( في أرضه) ([114]). وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر ع قال: قال رسول الله ص: (من سره أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدنيها ربي ويتمسك بقضيب غرسه ربي بيده فليتول علي بن أبي طالب ع وأوصياءه من بعده، فإنهم لا يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب هدى، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم وإني سألت ربي ألا يفرق بينهم وبين الكتاب حتى يردا علي الحوض هكذا - وضم بين أصبعيه - وعرضه ما بين صنعاء إلى أيلة، فيه قد حان فضة وذهب عدد النجوم) ([115]). وعن جابر، عن أبي جعفر ع قال: قال: لما نزلت هذه الآية: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) قال المسلمون: يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم أجمعين ؟ قال: فقال رسول الله ص: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقومون في الناس فيُكذَبون، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، فمن والاهم، واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ) ([116]). الوجه الرابع: فإن أصَّر المعاند على أن رواية الإمام الرضا ع تعني تشريع الشورى في تعيين الخليفة الشرعي ! فأقول: - بعد التنزل جدلاً - قد تكاثرت الروايات عن أهل البيت ص بأنهم أحياناً يتكلمون بما يوافق مذاهب أبناء العامة تقية من بطش الطواغيت وأتباعهم .. وقد أمرونا أن نترك الأخذ بما كان موافقاً لمراكب أبناء العامة ومخالفاً لعقيدة أهل البيت ص: عن أبي عبد الله ع قال: (ما سمعته منى يشبه قول الناس فيه التقية، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه) ([117]). وعلى فهمكم لكلام الإمام الرضا ع في الرواية التي هي محل النقاش، يكون المعنى موافقاً لمذاهب أبناء العامة ومخالفاً لعقيدة أهل البيت ص، فلابد من حمله على التقية. فإن قلت: وكيف عرفت أنها موافقة لعقيدة أبناء العامة ؟ أقول: عقيدة أبناء العامة واضحة في القول بالشورى ... ولكن اختصر على ذكر رواية هي مقاربة لرواية الإمام الرضا ع في بعض المفردات: صحيح مسلم ج6 ص23: عن عرفجة قال سمعت رسول الله ص يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) انتهى كلامه وفقه الله. -الشبهة الثالثة: ما جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ع: من كتاب له ع إلى معاوية: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك والسلام) ([118]). والإشكال هو: وإذا كان إمامكم علي يقول إنّ بيعة الخلفاء الثلاثة مرضية لله، فلماذا تعترضون ولا ترضون بها ؟ الجواب: أولاً: إن هذا الكلام لأمير المؤمنين ع في كتابه إلى معاوية على سبيل الإلزام له به. فالاحتجاج به خداع وتضليل؛ لأنه إنما ورد من باب إلزموهم بما ألزموا به أنفسهم. والمفروض أن معاوية رضي بالطريقة التي وصل بها الخلفاء الثلاثة للحكم فالطريقة التي وصل بها علي ع مثلها فلماذا ارتضى معاوية الخلفاء الثلاثة ولم يرتضِ خلافة علي ع ([119]). فأمير المؤمنين ع يحتج على معاوية بأنه أطاع أبا بكر وعمر وعثمان واعترف بخلافتهم بسبب بيعة المهاجرين والأنصار لهم ، ونفس هذا السبب موجود في بيعة أمير المؤمنين ع. ثانياً: قوله ع: (فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضا) كلام دقيق جدّاً يدل على عظمة قائله ولا يدل إعطاء الشرعية لمن يبايعه المهاجرون والأنصار. توضيح ذلك: (إنْ) أداة شرط، والشرط هو (اجتمعوا على رجل وسموّه إماماً)، والمشروط هو(كان ذلك لله رضا)، ومن هنا يطرح هذا السؤال هل اجتمعت الأمة على رجل؟ الجواب: لم تجتمع الأمة أبداً لا في خلافة الأول ولا الثاني ولا الثالث، فقد خالف الكثير وهذا معلوم في التاريخ. فاجتماع الأمة على رجل مستحيل، وذلك لأنّ الإمام علي ع ومن تبعه من المهاجرين، ومن المستحيل أن يقرّوا طوعاً بإمامة أو خلافة الغير منصب، وبدون الإمام علي لا يتحقق إجماع الأمة، فإذا لم يتحقق الشرط لم يتحقق المشروط الذي هو قوله (كان لله رضا)، وعليه فلا يكون كلام أمير المؤمنين معارضاً للنصوص التي تقول بكون الإمامة تثبت بالنص لأنه قال إن اجتمعوا، وهم لم يجتمعوا. قد يقال: بما أنّ معاوية رافض لبيعة علي ع فلم يتحقق الإجماع على بيعته، وعليه فلا تكون ولاية علي وإمامته شرعية ع ؟ الجواب: إنّ الإجماع مستحيل التحقق كما توضّح من الجواب المتقدّم. إنّ رفض معاوية لبيعة علي ع بعد أن بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر - المهاجرين والأنصار - لا يقدّم ولا يؤخر شيئاً لانّ معاوية من الطلقاء وليس من المهاجرين والأنصار الذين تضر مخالفتهم بإجماع الأمة؛ لذا قال الإمام وحصر الأمر بالمهاجرين والأنصار (وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار). بل في هذا إبطال لخلافة الخلفاء الثلاثة حيث يدل على لزوم المشورة من جميع المهاجرين والأنصار، ولا ريب في أن بيعة أبي بكر لم تكن عن مشورة، بل كانت - على حد تعبير عمر - فلتة وقى الله شرّها ([120])، فمن دعا إلى مثلها فاقتلوه ! ثم قال: من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. كما لم تكن خلافة عمر وعثمان كذلك. -الشبهة الرابعة: من خطبة لأمير المؤمنين ع لما أراد المسلمون بيعته بعد قتل عثمان: (دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان. لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول. وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب. وإن تركتموني فأنا كأحدكم و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً) ([121]). ويصوروا الإشكال في كلام أمير المؤمنين ع برفضه بيعتهم قائلاً: دعوني والتمسوا غيري، فلو كان منصوصاً عليه لما قال ذلك. ويمكن الإجابة عن هذا التصور الخاطئ بوجوه شتى: الوجه الأول: إنّ رفضه لقبول البيعة منهم لا يدل على انتفاء النص عليه؛ إذ البيعة هي تعهد بالتزامهم للشخص المبايع له ونصرته وليست البيعة هي انتخاب للخليفة. الوجه الثاني: بما أنه ع يعلم أن الأمة مستقبلة أمراً وصفه بأنه له وجوه وألوان ولا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وأن الآفاق قد أغامت والحجة قد تنكرت، وأنه ع أن أجابهم وقبل البيعة فسيسر بهم كما يرى ولا يصغي لقول وعتب أحدهم، بل يسير بهم على المحجة البيضاء، وعلى النهج الذي خطه الرسول ص. وقد عرف منهم الخذلان طيلة الأعوام السابقة فلم يرض منهم ببيعة متعارفة كما بايعوا الآخرين، وأراد أن تكون بيعتهم بيعة مؤكدة إتماماً للحجة عليهم، وكان يعلم كما أخبره الرسول ص بأن الأمة لا تكتفي في غدرها بغصب الخلافة بل تغدر به بعد البيعة فتنكث البيعة ويخرج الناكثون و القاسطون والمارقون، فأراد أن يتم الحجة عليهم؛ ولذا لم يكتفِ منهم بالبيعة في بيته بل أرادها في المسجد. وليس في كلامه أي إشارة إلى أنه ليس هو صاحب الحق الشرعي في الخلافة !! جاء في تاريخ الطبري بسنده عن محمد بن الحنفية، قال: (كنت مع أبي حين قتل عثمان فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله ص فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل، ولابد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله ص. فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميرا. فقالوا: لا والله، ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا تكون إلاّ عن رضى المسلمين)([122]). الوجه الثالث: إنّ رفضه لاستلام أمرهم إلاّ باختيارهم وإصرارهم لا ينافي أن يكون مفروض الطاعة عليهم، فقد كان النبي مفروض الطاعة، ومع ذلك كان يشاورهم، ويقيم الحجة عليهم، ويطلب منهم البيعة !! فطلب المعصوم للبيعة طلب التزام من الأمة، وليس طلب إنشاء حق له غير موجود. وإن عصت الأمة ربها ولم تطعه، يجوز له أن يبايع من تختاره الأمة، ويطيعه في غير معصية الله، لمصلحة الإسلام العليا ؟! ومن الثابت تحقيقاً أنّ علي بن أبي طالب ع بايع مكرهاً لأبي بكر ([123])، ومن الواضح أن البيعة لا تنعقد مع الإكراه، فبايع علي بن أبي طالب ع مكرهاً بدافع الحفاظ على نفسه ورعايةً لمصلحة الإسلام العليا التي تتطلب وجوده في ذلك الوقت. ألا يدل ذلك على عدم رضاه بخلافة الفلتات، وما تلتها من خلافة الثاني والثالث ؟ الوجه الرابع: من يريد معرفة عقيدة أمير المؤمنين ع فعليه بمراجعه كل النصوص التي رويت عنه لا أنه يتصيد بعض الكلمات ويبني عليها وجه نظره عليه السلام وعقيدته، ولو رجعنا إلى كلمات أمير المؤمنين ع لوجدناه يتأوه ويتألم مما فعلته به الأمة من سلبه حقه الشرعي والأعراض عنه، وكونه صاحب الخلافة الحقيقي. وإلى القارئ الكريم بعضاً من تلك النصوص التي جاءت عنه ع: 1- قال أمير المؤمنين ع: (ألا وإن العرب قد اجتمعت على حرب أخيك اليوم، اجتماعها على حرب النبي ص قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا حقه، وجحدوا فضله وبادئوه العداوة، ونصبوا له الحرب، وجهدوا عليه كل الجهد، وجروا إليه جيش الأحزاب ...) ([124]). 2- وقال ع في نفس الخطبة بعد قوله السابق: (اللهم فاجز قريشاً عني الجوازي فقد قطعت رحمي، وتظاهرت علي، ودفعتني عن حقي، وسلبتني سلطان ابن أمي، وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول، وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال). 3- قوله ع: (إنّ لنا حقاً إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى) ([125]). قال ابن الأثير في النهاية في شرحه لكلام أمير المؤمنين ع المتقدم: (ومنه حديث علي: "لنا حق إن نعطه نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى"، الركوب على أعجاز الإبل شاق، أي: إن منعنا حقنا ركبنا مركب المشقة صابرين عليها وإن طال الأمد. وقيل: ضرب أعجاز الإبل مثلا لتأخره عن حقه الذي كان يراه له وتقدم غيره عليه، وانه يصبر على ذلك وإن طال أمده، أي: إن قدمنا للإمامة تقدمنا، وإن أخرنا صبرنا على الأثرة وإن طالت الأيام) ([126]). 4- قوله ع: (اللهم اخز قريشاً فإنها منعتني حقي، وغصبتني أمري) ([127]). 5- قوله ع: (فجزى قريشاً عني الجوازي، فإنهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن أمي) ([128]). 6- قوله ع: (اللهم إني استعديك على قريش فإنهم ظلموني حقي وغصبوني إرثي)([129]). 7- قوله ع: (ما زلت مستأثَراً عليّ، مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه) ([130]). 8- ومن خطبة له ع بعد البيعة له قال: (لا يقاس بآل محمد ص من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله) ([131]). 9- قوله ع: (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلي أمر من طعم العلقم) ([132]). 10- ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية: (أما والله لقد تقمصها فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى. ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير. فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً. وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير. ويشيب فيها الصغير. ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى. وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده) ([133]). فلكي يعرف القارئ رأي أمير المؤمنين ع عليه بمراجعة جميع كلماته لا أن يتشبث بنص مجمل أو كلمة مجملة تفسّرها الكثير من الكلمات، فيلغي الكلمات المفسِّرة ويأخذ المجمل ويفسره طبقاً لهواه، فهذا ظلم لعلي بن أبي طالب ع وقلة علم وتعصب يبعد الإنسان عن الإنصاف. وها هي كلماته الصريحة وهو يبيّن كيفية سلب الحق الشرعي منه، وهو حق الخلافة عن النبي ص، فلماذا يُؤخذ ببعض الكتاب ويُكفر ببعض، فهذه حيلة العاجز المفلس. فهل يصح بعد كل هذا أن يؤخذ بكلام متشابه وتترك كل هذه النصوص الصريحة في تظلمه ع؛ إذ يقول: ما زلت مستأثَراً عليّ ، مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه ؟!! الوجه الخامس: إن الخلافة غير متقومة بالإمرة المادية واليد السلطوية بل الإمامة ثابتة لشخص الخليفة سواء تحقق حكمه في الأرض أم لم يتحقق، والإمام علي ع لم يتنازل عن الخلافة الثابتة له من الله سبحانه، والذين جاءوا لبيعته لم يدعونه إلى خلافته الحقيقية الثابتة له من الله عزّ وجل، بل دعوة بعنوان خليفة كسائر من سبقه، فدعوتهم له دعوة لإمرة مادية وخلافة دنيوية ظاهرية؛ وعلي ع عنده الدنيا: (أهون عليه من عفطة عنز) ([134])، وحاشا علي بن أبي طالب ع أن يعبر عن تنصيب الله له بأنه أهون من عفطة عنز !! قال ع: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك) ([135]). وقال في كتاب منه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها: (... ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً) ([136]). تتميم: قال ابن أبي الحديد المعتزلي وهو في صدد كلام أبي بكر: (وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة، فكثير من الناس رواها: (أقيلوني فلست بخيركم)، ومن الناس من أنكر هذه اللفظة ولم يروها، وإنما روى قوله: (وليتكم ولست بخيركم). واحتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة. ومن رواها اعتذر لأبي بكر فقال: إنما قال: أقيلوني، ليثور ما في نفوس الناس من بيعته، ويخبر ما عندهم من ولايته، فيعلم مريدهم وكارههم، ومحبهم ومبغضهم. فلما رأى النفوس إليه ساكنة، والقلوب لبيعته مذعنة، استمر على إمارته وحكم حكم الخلفاء في رعيته، ولم يكن منكراً منه أن يعهد إلى من استصلحه لخلافته. قالوا: وقد جرى مثل ذلك لعلي ع، فإنه قال للناس بعد قتل عثمان: دعوني والتمسوا غيري، فأنا لكم وزيراً خير مني لكم أميراً. وقال لهم: اتركوني، فأنا كأحدكم، بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، فأبوا عليه وبايعوه، فكرهها أولاً، ثم عهد بها إلى الحسن ع عند موته. قالت الإمامية: هذا غير لازم، والفرق بين الموضعين ظاهر، لأنّ علياً ع لم يقل: إني لا أصلح، ولكنه كره الفتنة، وأبو بكر قال كلاماً معناه: إني لا أصلح لها، لقوله: (لست بخيركم)، ومن نفى عن نفسه صلاحيته للإمامة، لا يجوز أن يعهد بها إلى غيره) ([137]). ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي تعليقاً على كلام أمير المؤمنين ع المتقدم: (وهذا الكلام يحمله أصحابنا على ظاهره، ويقولون: أنه ع لم يكن منصوصاً عليه بالإمامة من جهة الرسول ص، وإن كان أولى الناس بها وأحقهم بمنزلتها، لأنه لو كان منصوصاً عليه بالإمامة من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام لما جاز له أن يقول: "دعوني والتمسوا غيري"، ولا أن يقول: "ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم"، ولا أن يقول: "وأنا لكم وزيراً خير مني لكم أميراً") ([138]). وتحمله الإمامية على وجه آخر فيقولون: إن الذين أرادوه على البيعة هم كانوا العاقدين بيعة الخلفاء من قبل، وقد كان عثمان منعهم أو منع كثيرا منهم عن حقه من العطاء، لأن بني أمية استأصلوا الأموال في أيام عثمان، فلما قتل قالوا لعلي ع: نبايعك على أن تسير فينا سيرة أبي بكر وعمر لأنهما كانا لا يستأثران بالمال لأنفسهما ولا لأهلهما، فطلبوا من علي ع البيعة، على أن يقسم عليهم بيوت الأموال قسمة أبي بكر وعمر، فاستعفاهم وسألهم أن يطلبوا غيره ممن يسير بسيرتهما، وقال لهم كلاماً تحته رمز، وهو قوله: "إنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت". قالوا: وهذا كلام له باطن وغور عميق، معناه الإخبار عن غيب يعلمه هو ويجهلونه هم، وهو الإنذار بحرب المسلمين بعضهم لبعض، واختلاف الكلمة وظهور الفتنة. ومعنى قوله: "له وجوه وألوان" أنه موضع شبهة وتأويل، فمن قائل يقول: أصاب علي، ومن قائل يقول: أخطأ، وكذلك القول في تصويب محاربيه من أهل الجمل وصفين والنهروان وتخطئتهم، فإن المذاهب فيه وفيهم تشعبت وتفرقت جداً. ومعنى قوله: الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت "أن الشبهة قد استولت على العقول والقلوب، وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي، فأنا لكم وزيراً عن رسول الله ص أفتى فيكم بشريعته وأحكامه خير لكم منى أميراً محجوراً عليه مدبراً بتدبيركم، فإني أعلم أنه لا قدرة لي أن أسير فيكم بسيرة رسول الله ص في أصحابه مستقلاً بالتدبير، لفساد أحوالكم، وتعذر صلاحكم. وقد حمل بعضهم كلامه على محمل آخر، فقال: هذا كلام مستزيد شاك من أصحابه، يقول لهم: دعوني والتمسوا غيري، على طريق الضجر منهم، والتبرم بهم والتسخط لأفعالهم، لأنهم كانوا عدلوا عنه من قبل، واختاروا عليه، فلما طلبوه بعد أجابهم جواب المتسخط العاتب. وحمل قوم منهم الكلام على وجه آخر، فقالوا: إنه أخرجه مخرج التهكم والسخرية، أي أنا لكم وزيراً خير مني لكم أميراً فيما تعتقدونه، كما قال سبحانه: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) أي تزعم لنفسك ذلك وتعتقده. واعلم أن ما ذكروه ليس ببعيد أن يحمل الكلام عليه لو كان الدليل قد دل على ذلك، فأما إذا لم يدل عليه، دليل فلا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره، ونحن نتمسك بالظاهر إلا أن تقوم دلالة على مذهبهم تصدنا عن حمل اللفظ عن ظاهره، ولو جاز أن تصرف الألفاظ عن ظواهرها لغير دليل قاهر يصدف ويصد عنها، لم يبق وثوق بكلام الله عز وجل وبكلام رسوله عليه الصلاة والسلام ؟ وقد ذكرنا فيما تقدم كيفية الحال التي كانت بعد قتل عثمان، والبيعة العلوية كيف وقعت، انتهى. -الشبهة الخامسة: (والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة. ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها) ([139]). والإشكال الذي يصوره البعض هو: أن علي بن أبي طالب ع يقسم بأنه لا رغبة له في الخلافة، فهل أنه قسم كاذب؛ وبما أنه لا يمكن أن يكون كاذباً فيتعين أن يكون صادقاً وعليه فلو كانت الخلافة حق له ومنصوص عليه فكيف يقسم بأنه لا رغبة له فيها ؟ فمن ذلك نعلم أنّ علياً غير منصوص عليه. والجواب عن ذلك: أولاً: هناك فرق بين القول بأنه ع لاحق له في الخلافة وبين عدم رغبته فيها، فعدم الرغبة فيها شيء وعدم أحقيته شيء آخر، فمثلاً: لو جعلوا في المدرسة مديراً فشاكسه أحد الطلاب كثيراً فقال مدير المدرسة إني لا رغبة لي في هذا الطالب، فهل معنى ذلك أنه ليس له حق عليه ؟ الجواب: كلا. إذن، يوجد فرق بين عدم الرغبة وعدم الأحقية، والإمام ينفي عدم الرغبة في الخلافة عليهم بمعنى الإمرة الفعلية والسلطوية لا أنه يريد التنصل من منصبه الإلهي الذي خصه الله به سبحانه، وقد تقدم أن المنصب الإلهي لخليفة الله لا يشترط فيه ممارسة الإمرة والسلطة الفعلية على الأمة، فكثير من خلفاء الله لم يتأمروا على الأمة على الرغم من بقاء صفة الخلافة عليهم، فهذا عيسى على الرغم من أنهم أرادوا صلبه ورفعه الله إليه ودفع عنه الصلب إلاّ أنه يبقى خليفة الله المنصوص عليه، فالخلافة غير متقومة بممارسة الخليفة الحكم فعلياً، بل متقومة بتنصيب الله له فقط. فالإمام علي ع ينفي عدم رغبته لقيادة هذه الأمة التي خذلته مراراً وتخلت عن مسؤليتها وتنصلت عن مواقفها التي لا بد أن تقفها مع خليفة الله الحق وهو علي بن أبي طالب ع؛ ولذا تراه يذكرهم بأنهم هم من دعوه للولاية وللإمرة عليهم وحملوه عليه، لكنهم خذلوه بعد أن أصرّوا على مبايعته. فهو ع يقسم على نفي رغبته في الولاية والإمرة الفعلية عليهم بسبب معرفته بعدم الطاعة له وامتثال أوامره، لا أنه ينفي أحقيته بالخلافة. ثانياً: ثم إن الإمام علي ع لم يوجه هذا الكلام للخلص من أصحابه بل وجهها إلى جمهور القوم الذين يظنون أنّ خلافته كخلافة من سبقه من الخلفاء ولم يفهموا بأنه منصب من قبل الله تعالى وخليفته في الأرض، فهم بالأمس يبايعون الخليفة الأول والثاني والثالث ويركنون لهم مدعين أنهم أحق بالخلافة من علي بن أبي طالب ع، وجاء هؤلاء في زمن قد أثرت على الإسلام خلافة الخلفاء الثلاثة مما يصعب معه إرجاعهم إلى الخط الرسالي الصحيح الذي خطه الرسول محمد ص؛ لأنهم لا يطيقون ذلك كما صرّح قائلاً: (فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان. لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول. وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب. وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً). وأوضح لهم بأنه لا إربة له بالخلافة أي لا حاجة دنيوية له فيها كما كان للذين سبقوه إلاّ أن يحق حقاً أو يبطل باطلاً، فهم لا يتحملون عدله الذي يريد إقامته؛ لذا فهم لا يتحملون خلافته وإمارته عليهم. ولهذا عندما قام بتغييرات جذرية فعزل الولاة وبدّل القادة، ونقل مركز الخلافة من المدينة إلى الكوفة وغير التوزيع المالي فأخذ يساوي في العطاء، فتبين أن هذا الوضع الجديد لم يكن يعجبهم، لهذا خرج عليه الخوارج من المارقين والقاسطين والناكثين، ولم يعطوا له فرصة طيلة فترة خلافته إلى أن قتلوه في محراب صلاته، صلوات الله وسلامه عليه. فعلي بن أبي طالب ع يُقسم على عدم رغبته لقيادتهم لا عدم أحقيته في الخلافة، وهناك فرق بين الأمرين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على حبيبه المصطفى وعلى آله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً. عبد العالي المنصوري غرة ربيع الأول 1432Footers
[1] - آل عمران: 144.
[2] - المائدة: 3.
[3] - وركبت السفينة - مروان خليفات: ص502.
[4] - المصدر نفسه.
[5] - المصدر نفسه.
[6] - الوسائل طبعة آل البيت: ج12 ص39.
[7] - مستدرك الوسائل: ج8 ص341.
[8] - كنز الفوائد: ص171.
[9] - مستدرك الوسائل: ج8 ص342.
[10] - مستدرك الوسائل: ج8 ص344.
[11] - مستدرك الوسائل: ج8 ص343.
[12] - المائدة: 159.
[13] - الشورى: 38.
[14] - مستدرك الوسائل: ج8 ص344.
[15] - مجمع البحرين:ج 2 ص557.
[16] - معالم المدرستين: ج1 ص152.
[17] - خلاصة علم الكلام: ص296.
[18] - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص123.
[19] - تاريخ مدينة دمشق: ج 30 ص413.
[20] - تاريخ المدينة: ج2 ص671.
[21] - منهاج السنة: ج2 ص170 ط بولاق.
[22] - الطبقات الكبرى: ج3 ص199.
[23] - شرح المقاصد: ص272.
[24] - صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم: ج1 ص37.
[25] - صحيح البخاري، باب قول المريض قوموا عني: ج7 ص9، وباب كراهية الخلاف: ج8 ص161.
[26] - صحيح البخاري، باب مرض النبي: ج5 ص137. وقد ورد هذا الحديث - بمضمون غلبة الوجع - في مصادرهم الأخرى، منها: مسند أحمد: ج1 ص325 و326، صحيح مسلم: ج5 ص76، مجمع الزوائد: ج4 ص214، السنن الكبرى للنسائي: ج3 ص433 - 435، صحيح ابن حبان: ج14 ص562، المعجم الأوسط:ج5 ص288، الطبقات الكبرى:ج2 ص242 و 244، المصنف لعبد الرزاق: ج5 ص438.
[27] - صحيح البخاري، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم: ج4 ص31.
[28] - صحيح البخاري، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب: ج4 ص65.
[29] - صحيح البخاري، باب مرض النبي (ص): ج5 ص137.
[30] - مسند أحمد بن حنبل: ج3 ص346.
[31] - النهاية في غريب الحديث والآثار: ج5 ص245.
[32] - آل عمران: 132.
[33] - المائدة: 92.
[34] - النساء: 80.
[35] - الشعراء: 107.
[36] - الحشر: 7.
[37] - الأحزاب: 36.
[38] - الجن: 23.
[39] - الأحزاب: 36.
[40] - النجم: 2- 3.
[41] - التوبة: 128.
[42] - روى الحاكم في المستدرك، قال: (حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي بالرملة ثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله /: "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) المستدرك: ج3 ص126.
وقال أيضاً: (أخبرني عبد الرحمن بن الحسن القاضي بهمدان ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي اياس ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن زيد عن علقمة عن عبد الله قال: "كنا نتحدث إن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) المستدرك: ج3 ص135.
وروى أحمد في مسنده: (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا خالد يعني ابن طهمان عن نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي /ذات يوم فقال هل لك في فاطمة رضي الله عنها تعودها فقلت نعم فقام متوكئاً علي فقال أما انه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك قال فكأنه لم يكن على شيء حتى دخلنا على فاطمة /فقال لها كيف تجدينك قالت والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي قال أبو عبد الرحمن وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث قال: أوما ترضين إني زوجتك أقدم أمني سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً) مسند أحمد: ج5 ص26.
وروى الهيثمي: (عن أبي إسحاق أن علياً لما تزوج فاطمة قالت للنبي / زوجتنيه أعيمش عظيم البطن فقال النبي /: لقد زوجتكه وإن لأول أصحابي سلماً وأكثرهم علما وأعظمهم حلماً. رواه الطبراني وهو مرسل صحيح الإسناد) مجمع الزوائد: ج9 ص101.
وقال الموفق الخوارزمي: (وأنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني - نزيل بغداد - أنبأنا أبو طالب محمد بن عبد القادر عن عبد العزيز بن علي، قال أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد، حدثنا عبيد الله بن الحسن ويحيى بن عبد الله المديني قالا: حدثنا عبيد الله بن سعد، حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم، حدثنا سلام أبو عبد الله، قال حدثنا يحيى - وهو ابن سلم الطويل المدايني - قال محمد بن أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي، حدثنا أبي، عن سلام بن سلم قالوا: في حديثهم عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله /: إن أقضى أمتي علي بن أبي طالب () المناقب: ص81.
وقال أيضاً: (وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني - فيما كتب إلي من همدان - أخبرنا أبي أخبرنا أبو إسحاق القفال بأصبهان حدثنا أبو إسحاق خرشيد قوله حدثنا أبو سعيد أحمد بن زياد ابن الأعرابي، حدثنا نجيح بن إبراهيم بن محمد بن الحسن الزهري القاضي، حدثنا أبو نعيم ضرار بن صرد، حدثنا علي بن هاشم، حدثنا محمد بن عبد الله الهاشمي، عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن عبد الله، عن سلمان "رض"، عن النبي /أنه قال: أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام) المناقب: ص81.
وقال أيضاً: (وأخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا أبي، أخبرنا الميداني الحافظ، أخبرنا أبو محمد الخلال، أخبرنا محمد بن العباس بن حيويه، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي الدهان، حدثنا محمد بن عبيد بن عتبة الكندي، حدثني أبو هاشم محمد بن علي الوهبي حدثنا أحمد بن عمران بن سلمة، عن سفيان بن سعيد، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله /: "قسمت الحكمة على عشرة أجزاء، فاعطي علي تسعة، والناس جزءاً واحداً") المناقب : ص82.
قال أيضاً: (وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن علي المقري، حدثنا أبو عيس الترمذي، حدثنا عياش العنبري، حدثنا الأحوص بن جواب، حدثني سفيان الثوري، عن قليت العامري، عن جسرة قال: قالت عايشة: من أفتاكم بصوم يوم عاشوراء ؟ قلنا: علي بن أبي طالب، قالت: هو أعلم الناس بالسنة) المناقب: ص91.
[43] - أود أن اطلع القارئ الكريم على بعض جوانب حياة عمر بن الخطاب. قال ابن أبي الحديد: (وكان في أخلاق عمر، وألفاظه جفاء وعنجهية - أي كبر – ظاهرة) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص61.
وقال أيضاً: (كان عمر شديد الغلظة، وعر الجانب، خشن الملمس، دائم العبوس. كان يعتقد أن ذلك هو الفضيلة وأن خلافه نقص) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص115.
وينقل الدميري قول عمر: (إن الناس قد هابوا شدتي وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله / بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف الآن وقد صارت الأمور إليه، ولعمري من قال ذلك فقد صدق) حياة الحيوان الكبرى: ج1 ص49.
وكان في الجاهلية كان معروفاً بوئد البنات، اذ روي عنه أنه قال: (يا رسول الله إني وأدت في الجاهلية، فقال: إعتق رقبة عن كل موؤودة) المجموع للنووي: ج19 ص187.
وفي هذا يقول عباس محمود العقاد: (أنه - أي عمر - كان جالساً مع بعض الصحابة إذ ضحك قليلاً ثم بكى. فسأله من حضر، فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة فنعبده، ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي: أما بكائي فلأنه كانت لي ابنة، فأردت وأدها فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية) عبقرية عمر: ص214.
هذا مضافاً إلى أنه يسب ويشتم، يقول ابن أبي الحديد: فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضاً فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإمام الروافض كلهم. ثم ما شاع واشتهر من قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، وهذا طعن في العقد، وقدح في البيعة الأصلية. ثم ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته، وقوله عن عبد الرحمن ابنه: دويبة سوء ولهو خير من أبيه.
ثم عمر القائل في سعد بن عبادة، وهو رئيس الأنصار وسيدها: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً، اقتلوه فإنه منافق. وقد شتم أبا هريرة وطعن في روايته، وشتم خالد بن الوليد وطعن في دينه ، وحكم بفسقه وبوجوب قتله، وخوّن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفيء واقتطاعه. وكان سريعاً إلى المساءة، كثير الجبه - اي يصك جبهته بيده - والشتم والسب لكل أحد، وقلّ أن يكون في الصحابة من سلم من معرّة لسانه أو يده، ولذلك أبغضوه وملوا أيامه مع كثرة الفتوح فيها، فهلا احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامة! أما أن يكون عمر مخطئاً، وإما أن تكون العامة على الخطأ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ص21.
وأمّا جهله فقد قال النووي: (وروى عن عمر أنه خطب الناس وقال يا معاشر الناس لا تغالوا في صدقات النساء، فو الله لا يبلغني أحد زاد على مهر أزواج رسول الله / إلا جعلت الفضل في بيت المال، فعرضت له امرأة من قريش، فقالت كتاب الله أولى أن يتبع، إن الله يعطينا ويمنعنا ابن الخطاب، فقال: أين، قالت: قال الله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً) الآية. فقال: فليضع الرجل ماله حيث شاء. وفي رواية كل الناس أفقه من عمر، فرجع عن ذلك) المجموع: ج16 ص327.
قال الزركشي - وهو يتحدث عن إعجاز القرآن -: (.. ولهذا كان عمر بن الخطاب يقرأ قوله تعالى فاكهة وأباً فلا يعرفه فيراجع نفسه ويقول ما الأب ويقول إن هذا منك تكلف) البرهان في علوم القرآن: ج2 ص174.
وأمّا شجاعته فينبئنا عنها كبار علماء العامة، قال الفخر الرازي: (ومن المنهزمين عمر، إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين، ولم يبعد بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي /. ومنهم: عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما: سعد، وعقبة. انهزموا حتى بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام) مفاتيح الغيب: ج9 ص62.
وقال الآلوسي: (فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنه لم يبق مع النبي / يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفساً، خمسة من المهاجرين: أبو بكر، وعلي، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص والباقون من الأنصار .. وأما سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل ، وعمر بن الخطاب كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير) روح المعاني: ج4 ص99.
[44] - المقصود بفلان أبي بكر.
[45] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص30.
[46] - مسند أحمد: ج1 ص18، سير أعلام النبلاء: الجزء الأول، وغيرهما.
[47] - تفسير البحر المحيط لابن حيان الأندلسي: ج4 ص314، تاريخ ابن خلدون: ج1 ص194.
[48] - مسند أحمد، الطبقات، سير أعلام النبلاء: بترجمة معاذ .
[49] - مسند أحمد:ج1 ص56، صحيح البخاري: ج8 ص26، عمدة القاري: ج24 ص7، تاريخ الإسلام للذهبي:ج3 ص8، وقال: متفق على صحته.
[50] - البداية والنهاية: ج6 ص370، طبقات ابن سعد: ج3 ص248.
[51] - قال ابن عبد البر في ترجمة سالم: (سالم بن معقل مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف يكنى أبا عبد الله وكان من أهل فارس من اصطخر وقيل إنه من عجم الفرس من كرمد وكان من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبارهم وهو معدود في المهاجرين لأنه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة تولى أبا حذيفة وتبناه أبو حذيفة ولذلك عد في المهاجرين وهو معدود أيضا في الأنصار في بني عبيد لعتق مولاته الأنصارية زوج أبي حذيفة له وهو يعد في قريش المهاجرين لما ذكرنا وفي الأنصار لما وصفنا وفي العجم لما تقدم ذكره أيضا يعد في القراء مع ذلك أيضا وكان يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر بن الخطاب قبل أن يقدم رسول الله / المدينة وقد روى أنه هاجر مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونفر من الصحابة من مكة وكان يؤمهم إذا سافر معهم لأنه كان أكثرهم قرآنا وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يفرط في الثناء عليه وكان رسول الله / قد آخى بينه وبين معاذ بن ماعص وقد قيل إنه آخى بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه ولا يصح ذلك وقد روى عن عمر أنه قال لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى وذلك بعد أن طعن فجعلها شورى وهذا عندي على أنه كان يصدر فيها عن رأيه والله أعلم) الاستيعاب: ج2 ص567 - 568.
[52] - معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو ابن أدى بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ... الاستيعاب: ج3 ص1402.
[53] - سنن الترمذي: ج9 ص 66، ط الصاوي بمصر.
[54] - صحيح مسلم: ج6 ص3، ط محمد علي صبيح بمصر.
[55] - صحيح البخاري: ج 9 ص 81، ط الأميرية بمصر.
[56] - مسند أحمد: ج 5 ص 92، ط الميمنية بمصر.
[57] - البداية والنهاية ج9 ص54.
[58] - النزاع والتخاصم للمقريزي: ص71، كتاب الفتوح: ج8 ص340
[59] - أعيان الشيعة: ج9 ص35، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: ص566.
[60] - العقد الفريد: ج2 ص120 طبعة دار الكتاب العربي، مواقف الشيعة: ج1 ص403، نفحات الأزهار: ج18 ص228.
[61] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص43.
[62] - هذا كان عمر يقرؤه في كتاب الله، وهو غير موجود الآن في القرآن، فيكون دليلاً من أدلة تحريف القرآن ونقصانه التي رويت من طرق القوم.
[63] - صحيح البخاري: ج8 ص25.
[64] - مقدمة فتح الباري: ص337.
[65] - إرشاد الساري: ج10 ص19.
[66] - فتح الباري: ج12 ص128.
[67] - الكامل في التاريخ: ج3 ص66.
[68] - سنورد في الفصل الثالث قول الإمام علي ( لمعاوية ومناقشته.
[69] - الشورى: 38.
[70] - الشورى: 36 - 39.
[71] - الوسائل طبعة آل البيت: ج12 ص39.
[72] - مستدرك الوسائل: ج8 ص341.
[73] - كنز الفوائد: ص171.
[74] - الزمر: 18.
[75] - الاستذكار: ج5 ص18.
[76] - أحكام القرآن: ج2 ص51. ولا أعلق على العبارة بل أتركها على حالها.
[77] - تفسير الثعالبي: ج5 ص165.
[78] - تفسير ابن كثير: ج4 ص127.
[79] - أصل الشيعة وأصولها: ص33.
[80] - الشورى: 39.
[81] - الشورى: 38.
[82] - الجواب المنير: ج2 السؤال 15.
[83] - الشورى: 38.
[84] - البقرة: 30.
[85] - ص: 26.
[86] - آل عمران: 159.
[87] - المحاسن: ج2 ص601.
[88] - قال الزمخشري: (﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر﴾ يعني في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي لتستظهر برأيهم، ولما فيه من تطييب نفوسهم والرفع من أقدارهم. وعن الحسن - أي الحسن البصري - رضي الله عنه: قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة، ولكنه أراد أن يستنّ به من بعده) تفسير الكشاف: ج1 ص474.
وقال البيضاوي: (﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر﴾ أي في أمر الحرب إذ الكلام فيه، أو فيما يصح أن يشاور فيه استظهاراً برأيهم وتطييباً لنفوسهم وتمهيداً لسنة المشاورة للأمة. ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ﴾ فإذا وطنت نفسك على شيء بعد الشورى. ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنه لا يعلمه سواه) تفسير البيضاوي: ج2 ص108.
وقال الطبري في تفسيره للآية محل البحث: (ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيَّه / أن يشاورهم، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه ؟ فقال بعضهم: أمر الله نبيه /بقوله: ﴿وشاورهم في الأمر﴾، بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدو، تطييبًا منه بذلك أنفسَهم، وتألّفًا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أمورَه، وسياسته إيّاه وتقويمه أسبابه عنهم).
وفي الدر المنثور أخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال: لما نزلت وشاورهم في الأمر - قال رسول الله /- أما إن الله ورسوله لغنيان عنها - ولكن جعلها الله رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشداً - ومن تركها لم يعدم غياً) الدر المنثور: ج2 ص90.
ويعرف مما نقلناه عن المفسرين: أن النبي / قد أغناه الله عن مشاورتهم وليس محتاجاً إليها، وإنما يشاورهم لأجل التلطف بهم وتطييب أنفسهم. وإن مشورته لهم في أمور الحرب الجزئية لا في أصل التنصيب؛ إذ قد نصب النبي أسامة مع اعتراضهم على تنصيبه إلاّ أنه لم يعر أهمية لهم لكون الأمر راجع إليه /.
هذا مضافاً إلى أن قوله سبحانه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر﴾ جاء في سياق آيات تتحدث عن غزوة أحد، ومن المعلوم أن السياق حجة عند أبناء العامة فيتعين حمل الآية على أمر الحرب – وهذا ما صرّح به أكثر المفسرين- لا مطلق الأمر الشامل لتنصيب الخليفة الواجب الطاعة، فتكون اللام في لفظ الأمر للعهد.
ومما يدل على ذلك ما رواه ابن حجر عن ابن عباس في تفسيره للآية فقال: (عن ابن عباس في قوله تعالى وشاورهم في الأمر قال في بعض الأمر قيل وهذا تفسير لا تلاوة ونقله بعضهم قراءة عن ابن مسعود) فتح الباري - ابن حجر: ج13 ص283. فتكون المشورة في بعض الأمور لا في مطلق الأمر الشامل لتنصيب الخليفة.
قال أبو البقاء العكبري: (الأمر هنا جنس، وهو عام يراد به الخاص، لأنه لم يؤمر بمشاورتهم في الفرائض، ولذلك قرأ ابن عباس: في بعض الأمر) إملاء ما من به الرحمن: ج1 ص155 – 156.
[89] - روى العياشي: عن عبد الرحيم القصير قال: كنت يوماً من الأيام عند أبي جعفر ( فقال: يا عبد الرحيم، قلت: لبيك، قال: قول الله (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) إذ قال رسول الله /: أنا المنذر وعلي الهادي، من الهادي اليوم؟ قال: فسكت طويلاً ثم رفعت رأسي فقلت: جعلت فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتى انتهت إليك، فأنت - جعلت فداك - الهادي، قال: صدقت يا عبد الرحيم، إن القرآن حي لا يموت، والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا ماتت الآية لمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين. وقال عبد الرحيم: قال أبو عبد الله (: إن القرآن حي لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما يجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا) بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج35 ص403 – 404.
[90] - النساء: 59.
[91] - النساء: 83.
[92] - أخرجه الترمذي والنسائي عن جابر. ونقله عنهما المتقي الهندي في أول باب الاعتصام بالكتاب والسنة من كنز العمال ص44 من جزئه الأول.
[93] - أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم وهو الحديث 874 من أحاديث كنز العمال في ص 44 من جزئه الأول.
[94] - أخرجه الإمام أحمد من حديث زيد بن ثابت بطريقين صحيحين أحدهما في أول صفحة 182، والثاني في آخر صفحة 189 من الجزء الخامس من مسنده. وأخرجه الطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت أيضاً وهو الحديث 873 من أحاديث الكنز ص 44 من جزئه الأول.
[95] - أخرجه الحاكم في ص 148 من الجزء الثالث من المستدرك ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بصحته على شرط الشيخين.
[96] - أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين أحدهما في آخر ص17، والثاني في آخر ص26 من الجزء الثالث من مسنده وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد وهو الحديث 945 من أحاديث الكنز في ص 47 من جزئه الأول.
[97] - عمدة القاري: ج18 ص176.
[98] - هذا أن لم نقل بقول القرطبي والشوكاني الذين صرّحا بأنّ الآية ناظرة للأنصار قبل قدوم النبي / قال القرطبي في معرض كلامه عن الآية: فكانت الأنصار قبل قدوم النبي / إليهم إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه، فمدحهم الله تعالى به، قاله النقاش. وقال الحسن: أي إنهم لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون، فمدحوا باتفاق كلمتهم. قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم. وقال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله /، وورد النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الايمان به والنصرة له. وقيل تشاورهم فيما يعرض لهم، فلا يستأثر بعضهم بخبر دون بعض. وقال ابن العربي: الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا) تفسير القرطبي: ج 16 ص36 – 37.
ويقول الشوكاني: ("وأمرهم شورى بينهم" أي يتشاورون فيما بينهم ولا يعجلون ولا ينفردون بالرأي، والشورى مصدر شاورته مثل البشرى والذكرى. قال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله / وورود النقباء إليهم حين اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له. وقيل المراد تشاورهم في كل أمر يعرض لهم فلا يستأثر بعضهم على بعض برأي، ...) فتح القدير – الشوكاني: ج4 ص540 – 541.
وبناءً على ما ذكراه لا ربط لها بمسألة تعيين الخليفة والحاكم الواجب الطاعة، بل هي بصدد مدح الأنصار قبل مجيء النبي / وكونهم اتفقوا بعد المشاورة على نصرته، فمدح الله سبحانه تلك المشاورة التي كانت نتيجتها نصرة خليفته ورسوله، لا أن مشورتهم هي السبب لتعيين النبي /، بل يجب عليهم الإيمان به لكونه نبياً مرسلاً من الله سبحانه خالقهم والمفيض عليهم نعمه، إذن لا ربط للشورى في مسألة التنصيب الذي هو محل الكلام، البتة.
[99] - الدر المنثور: ج6 ص10، تفسير الآلوسي: ج25 ص46.
[100] - لسان الميزان - ابن حجر: ج3 ص78.
[101] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص67.
[102] - آل عمران: 159.
[103] - تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج46 ص409.
[104] - نفس المصدر السابق.
[105] - تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج46 ص410.
[106] - معاني الأخبار: ص 154.
[107] - معاني الأخبار: ص 154 – 155.
[108] - كنز العمال للمتقي الهندي: ج1 ص378 ح1644، كتاب سليم بن قيس: ص 484.
[109] - آل عمران: 159.
[110] - البقرة: 256.
[111] - بحار الأنوار: ج32 ص8 – 9.
[112] - عيون أخبار الرضا (: ج2 ص261.
[113] - كمال الدين وتمام النعمة ص461 - 462.
[114] - الكافي: ج1 ص193.
[115] - الكافي: ج1 ص209.
[116] - الكافي: ج1 ص215.
[117] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج 22 ص285 ح28605.
[118] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص7.
[119] - وكذا يقال في كتاب الإمام الحسن ( لمعاوية، الذي قال فيه: (... إنّ علياً لما مضى لسبيله - رحمة الله عليه يوم قبض ويوم من الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حياً - ولّاني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله ألا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة، وإنما حملني على الكتاب إليك الأعذار فيما بيني وبين الله عز وجل في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب ...).
[120] - روى أحمد في حديث طويل عن عمر إلى أن يقول: وقد بلغني أن قائلاً منكم يقول لو قد مات عمر رضي الله عنه بايعت فلاناً فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبى بكر رضي الله عنه كانت فلتة إلا وأنها كانت كذلك إلا وان الله عز وجل وقى شرها) مسند أحمد: ج1 ص55.
وفي البخاري: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال كنت اقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذي يريدون أن يغصبوهم أمورهم قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وان لا يعوها وان لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها) صحيح البخاري: ج8 ص25.
[121] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص181.
[122] - تاريخ الطبري: ج3 ص450.
[123] - حتى قال معاوية له انه ساقوه للبيعة كما يقاد الجمل المخشوش في أحدى رسائله للإمام ( فأجابه أمير المؤمنين (: (وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت. وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه. وهذه حجتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها ...) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص33.
[124] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج2 ص119، الإمامة والسياسة بتحقيق الزيني: ج1 ص54، مصباح البلاغة للميرجهاني: ج4 ص128، بحار الأنوار: ج34 ص23، مكاتيب الرسول: ج1 ص580، نهج السعادة: ج2 ص302، المعيار والموازنة: ص180، أعيان الشيعة: ج1 ص520، الغارات: ج2 ص431.
[125] - نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج1 ص195، غريب الحديث: ج1 ص370 تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص429، تاريخ الطبري:ج3 ص300، الكامل في التاريخ: ج3 ص74، كتاب الفتوح: ج2 ص332، أعيان الشيعة: ج1 ص438، مصباح البلاغة: ج1 ص316، الغارات: ج2 ص769، سعد السعود: ص42،كتاب الأربعين لمحمد طاهر القمي: ص191، بحار الأنوار: ج31 ص405.
[126] - النهاية في غريب الحديث: ج3 ص185.
[127] - شرح نهج البلاغة لابن ابن الحديد المعتزلي: ج9 ص307، الغارات: ج2 ص768، كتاب الأربعين: ص191، بحار الأنوار: ج29 ص629.
[128] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج9 ص306، الغارات: ج2 ص768.
[129] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج10 ص286، الرسائل العشر للطوسي: ص125،مسألتان في النص للشيخ المفيد: ج2 ص28.
[130] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج9 ص307، الغارات: ج2 ص768، كتاب الأربعين: ص191، بحار الأنوار: ج29 ص629.
[131] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص30، دلائل الإمامة لابن جرير الطبري: ص21، المراجعات لشرف الدين: ص391.
[132] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص67، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج2 ص20، المراجعات: ص390.
[133] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص30، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص151، المراجعات: ص389، وغيرها من المصادر.
[134] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص37.
[135] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج2 ص13.
[136] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص120.
[137] - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد: ج1 ص169.
[138] - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد: ج7 ص33 – 35.
[139] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج2 نص184.