Subjects

-الإهداء

-كلمة

-نصيحة:

-فتنة التقليد لعلماء الضلالة

-من هم فقهاء آخر الزمان

-البراءة عقيدة الأحرار

-الممهد والمهدي (عليهم السلام)


Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (47) أقولها وقلبي مفعم بها أهلاً يا ابن فاطمة بقـلـم السيد علاء الأعرجي طبعة مصححة ومزيدة الطبعة الثانية 1432 هـ - 2011 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى سيدي وابن سيدي ومولاي الإمام المهدي (مكن الله له في أرضه، وأسعده في حكمه، وأبلغه مقصده، وأنجز فيه وعده) السيد أحمد الحسن دام الله تسديده لنا، ورعايته إلينا، وجعلنا الله معه والملازمين له، ومن الذين يعصمهم الله من كل فتنة ضالة مضلة، ويسددهم في مقصدهم من إعلاء كلمته سبحانه.. ولا أقول إلا كما قال: (أما نصراً لدينه أو استشهاد في سبيله). كما أرجو أن يعذرني على جهلي السابق وغفلاتي اللاحقة.. عفو أبٍ حنون صابر ومربٍ فاضل لأبن متسرع جاهل. -كلمة: أخواني أنصار الأنبياء والمرسلين أنصار الإمام المهدي ع ... دعائي إلى الله أن يجعلني منكم, ومن الذين يجاهدون بأيديهم وأموالهم ولسانهم لإعلاء كلمة الله، ونشر عدله، وبيان أمره، يوم يظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وإن كل ما أشير إليه أن الفتن كثيرة ادعوا لنا الله أن يخلصنا منها وأن يهون علينا شدتها وسلام قولاً من ربٍ رحيم. بسم الله الرحمن الرحيم ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾([1]). -نصيحة: ﴿وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([2]). إلى مقلدة العلماء غير العاملين الضالين المضلين .. راجعوا أنفسكم، راجعوا منهاج آل محمد ص ولا تركنوا إلى الدنيا وتستسلموا لعدوكم، فإن الله على نصر المؤمنين لقدير، ولا تغرنكم المسميات ولا من نصب من نفسه إماماً لكم بغير إذن الله، فعلماء اليهود أضلوا الناس عن موسى، وها هم علماء اليهود أضلوا الناس عن عيسى، ثم هؤلاء أحبار ورهبان اليهود والنصارى والأحناف أضلوا الناس عن محمد، وها هم علماء اليهود والنصارى والمسلمين كافة يضلون الناس عن قائم آل محمد أعانه الله ونصره على جهل هذه الأمة. قال الله سبحانه: ﴿لقدكَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾([3]). وها هو أحمد الحسن يصيح بأعلى صوته: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([4]). ولكن لم يجنِ منكم سوى قول الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ ميتٍ إيـلامُ علاء الأعرجي -فتنة التقليد لعلماء الضلالة إن من أصعب الفتن التي يُواجَه بها الامام المهدي ع هي فتنة التقليد الاعمى، وهي مبنية على تقديس وتعظيم أناس ليس هم محل ثقة واحترام وتقديس, بل هم هالة مزيفة يبان بريقها بوجه الجاهل من الناس، ويبان صداها بوجه الذين اطلعوا على حقيقتهم كما هي، وإنها حقاً حقيقة مؤسفة ومؤلمة وانهيار لقلعة كنت أنا من الناس الذين كانوا يظنون بها خيراً وملاذاً من الفتن ولكن سرعان ما تداركني قول الرسول الاعظم محمد ص: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ، وَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ، يُسَمَّوْنَ بِهِ وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهُ، مَسَاجِدُهُمْ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى، فُقَهَاءُ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَرُّ فُقَهَاءَ تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، مِنْهُمْ خَرَجَتِ الْفِتْنَةُ وَإِلَيْهِمْ تَعُودُ) ([5]). فالله الله بدينكم .. الله الله بآل محمد ص، وإني خصصت هذا البحث لنقل الأحاديث عن آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم وعن بعض العلماء التي إن شاء الله فيها منفعة لي ولكم ولنستبصر بها عسى الله أن يكتبنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. عن المفضل (رضي الله عنه)، يقول في وصيته لشيعة أهل البيت ص: (لاتأكلوا الناس بآل محمد، فإني سمعت أبا عبدالله ع يقول: افترق الناس فينا ثلاث فرق: فرقة أحبوا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا، فسيحشرهم الله إلى النار، وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا، ليستأكلون الناس بنا فيملأ الله بطونهم ناراً يسلط عليهم الجوع والعطش، وفرقة أحبونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا فعلنا، فأولئك منا ونحن منهم) ([6]). وإن من الواضح أن تلك الثلاث فرق هم من الذين يدعون الولاء لآل محمد، بل هم ممن يدعي أنهم شيعتهم، وبالخصوص الطبقة الثانية فهي تعتبر بنظر عامة الشيعة خواصاً ومقدسين و .. و.. وهم لا قدسية ولا خاصية لهم، بل هم يموهون ويخدعون من يتمكنون من خداعه بمختلف الأساليب العبادية والعملية والعقلية والعلمية وغيرها. وإني لا أرى لعامة الناس تأثيراً عبادياً أو علمياً أو عقلياً، بل ينبغي أن يكون مثل هذا شخص قوي التأثير بالمكر والخداع والتمويه والتظاهر بمظلومية آل محمد (صلوات الله عليهم)، ويجب أن يكون معزز بمكانة أو منصب يؤهله على تمرير زيفه على عامة الناس الذين يأخذون منه الكلام والفتوى بغير فحص. والحر تكفيه الإشارة أو كما يقول الإمام علي ع: وفي العين غنى للعين إن تنطق أفواهُ وللقلب على القلب دليل حين يلقاه وقد ورد في هذا المعنى حديث للإمام علي ع في نهج البلاغة: (إنَّ مِنْ أَبْغَضِ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ ( لَرَجُلَيْنِ، رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، مَشْعُوفٌ بِكَلَامِ بِدْعَةٍ، قَدْ لَهِجَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ. ورَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً فِي جُهَّالِ النَّاسِ، عَانٍ بِأَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَلَمْ يَغْنَ فِيهِ يَوْماً سَالِماً، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ آجِنٍ وَاكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ خَالَفَ قَاضِياً سَبَقَهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ كَفِعْلِهِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ الْمُعْضِلَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ غَزْلِ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا أَنْكَرَ وَلَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَ مَا بَلَغَ فِيهِ مَذْهَباً. إِنْ قَاسَ شَيْئاً بِشَيْ‏ءٍ لَمْ يُكَذِّبْ نَظَرَهُ وَإِنْ أَظْلَم عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ لِكَيْلَا يُقَالَ لَهُ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ جَسَرَ فَقَضَى فَهُوَ مِفْتَاحُ عَشَوَاتٍ، رَكَّابُ شُبُهَاتٍ، خَبَّاطُ جَهَالَاتٍ، لَا يَعْتَذِرُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ فَيَسْلَمَ، وَلَا يَعَضُّ فِي الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ فَيَغْنَمَ، يَذْرِي الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ، تَبْكِي مِنْهُ الْمَوَارِيثُ، وَتَصْرُخُ مِنْهُ الدِّمَاءُ، يُسْتَحَلُّ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ، وَيُحَرَّمُ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَلَالُ، لَا مَلِي‏ءٌ بِإِصَْارِ مَا عَلَيْهِ وَرَدَ وَلَا هُوَ أَهْلٌ لِمَا مِنْهُ فَرَطَ مِنِ ادِّعَائِهِ عِلْمَ الْحَقِّ) ([7])، ([8]). وعلى هذه الشاكلة كثير من الفقهاء وبالخصوص فقهاء آخر الزمان الذين يصفهم رسول الله: (هم شر فقهاء تحت ظل السماء) ([9]). وهذه هي الطامة الكبرى وهي أن تطيع الناس شر خلق الله وتظن أنها مع خير خلقه، وتقبل أفعاله بقبول حسن سواء ما عرف بطلانه وما خفي. وعن رسول الله ص في شرح كيفية حال الفقهاء في آخر الزمان عسى أن يتضح شيء من هذه الصورة التي شغلت مساحات من بيوتنا وشوارعنا وشيئاً من عقولنا أيضاً ولا ندري أتحتها ملاك أم شيطان ؟ فالله كفيل مثلما يخلص الروح من البدن أن يخلص الحق من الباطل كيفما تلون الباطل تتلون طرق الله في دحره. قال الرسول محمد ص: (قلت: إلهي، فمتى يكون ذلك ؟ فأوحى إليّ (: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر الفتك، وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة الخونة، وكثر الشعراء، واتخذ أمتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أمتك به ونهوا عن المعروف، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وصارت الأمراء كفرة وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذوو الرأي منهم فسقة، وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يدي رجل من ذريتك يتبعه الزنوج، وخروج ولد من ولد الحسين بن علي ع، وظهور الدجال، يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السفياني. فقلت: إلهي، وما يكون بعدي من الفتن ؟ فأوحى إليّ وأخبرني ببلاء بني أمية وفتنة ولد عمي وما هو كائن إلى يوم القيامة، فأوصيت بذلك ابن عمي حين هبطت إلى الأرض وأديت الرسالة، فلله الحمد على ذلك كما حمده النبيون وكما حمده كل شيء قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة) ([10]). وعن الإمام الصادق ع لحمران (رضوان الله عليه) وهو يتحدث عن علائم الظهور، إلى أن يقول: (ورأيت الفقيه يتفقه لغيرالدين يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب) ([11]). وعن أبي الفضيل بن يساره، قال: (سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبلة رسول الله ص من جهل الجاهلية. قلت: وكيف ذاك ؟ قال: إن رسول الله ص أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلن عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر) ([12]). وفي رواية مقاربة من هذه عن صادق العترة ع: (إن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه) ([13]). إذن ولا شك في الوجدان ومن سيرة الناس مع الائمة ص أن من يمتلك القدرة على التأويل هو ليس أصحاب الحرف العامة، كالبقال أو صاحب محل أو ما شابه ذلك من عامة الناس، بل يجب أن يكون عالماً وليس في أي علم بل في علم الدين حصراً. وأما قول الصادق ع: (وكلهم يتأول عليه كتاب الله) فإن تأول الناس أجمعين يكون بعد أن يتأول علماء الدين القرآن على الإمام المهدي ووصيه ص، فينطق عامة الناس بتأويل علمائهم. إذن، فلتكن هنالك بصيرة وليكن هناك تدبر وتفكر في تلك الروايات، ولعلها تكشف لك شيئاً ممن عظمتَ وممن جعلوا من أنفسهم أرباباً من دون الله، ولا أستثني مذهباً دون آخر؛ لأن الإمام إذا ظهر يرفع جميع المذاهب، فالكل يجب أن يكون لهُ خط رجعة ولا يكن مصداقاً لقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([14]). وإذا التفتنا لتفسير هذه الاية عن آل البيت ص، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله ع: اتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله، فقال: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون) ([15]). ولكي تتضح لك الصورة بشكل أدق فإن التقليد لا يكون بشكل مطلق إلا لإمام مفروض الطاعه منصب من الله؛ لأن الله في اتصال مباشر ومستمر معهُ، وكل شخص منصب من غير السماء فهو معرض للخطأ والصواب والاستفسار والتبصر والتشكيك في أفعاله والاطلاع على كيفيتها، وإلا أصبح الأمر عبادة عمياء من غير حجة ولا دليل إلهي، وأصبح موقفنا مخزياً أمام الله سبحانه وخروجاً عن حاكميته وحبله الممدود الذي هو طرف منهُ بيده وطرفه الآخر بأيدينا، وإن كل متشبث بغير ذلك الحبل هاوٍ إلى النار لا مناص من ذلك. وليعلم الجميع إن لم يكن محمد ص وآل بيته بيننا فإن أحاديثهم بيننا وكل من حاول رد حديث واحد منهم لأي منهم ص لعدم مطابقته لهواه فقد رد عليهم كلهم، (أو قل رد على الله حكمه). وفي باب ذم التقليد الأعمى من عامة الناس لعلمائهم في حديث طويل، يقول الإمام العسكري ع: (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾([16])، قَالَ: هَذِهِ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ لِلصَّادِقِ ع إِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْعَوَامُّ مِنَ الْيَهُودِ لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ إِلَّا بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ وَالْقَبُولِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَهَلْ عَوَامُّ الْيَهُودِ إِلَّا كَعَوَامِّنَا يُقَلِّدُونَ عُلَمَاءَهُمْ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ ع: بَيْنَ عَوَامِّنَا وَعَوَامِّ الْيَهُودِ فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ وَتَسْوِيَةٌ مِنْ جِهَةٍ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ عَوَامَّنَا بِتَقْلِيدِهِمْ عُلَمَاءَهُمْ كَمَا ذَمَّ عَوَامَّهُمْ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ افْتَرَقُوا فَإِنَّ عَوَامَّ الْيَهُودِ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عُلَمَاءَهُمْ بِالْكَذِبِ الصُّرَاحِ وَأَكْلِ الْحَرَامِ وَالرِّشَا وَتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ وَاضْطُرُّوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى الْوَسَائِطِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ، وَكَذَلِكَ عَوَامُّنَا إِذَا عَرَفُوا مِنْ عُلَمَائِهِمُ الْفِسْقَ الظَّاهِرَ وَالْعَصَبِيَّةَ الشَّدِيدَةَ وَالتَّكَالُبَ عَلَى الدُّنْيَا وَحَرَامِهَا، فَمَنْ قَلَّدَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ عُلَمَائِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ، مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ، فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا كُلَّهُمْ، فَإِنَّ مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ وَالْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ عُلَمَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً وَلَا كَرَامَةَ، وَإِنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ لِجَهْلِهِمْ، وَيَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ، وَآخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَيْنَا الْحَدِيثَ) ([17]). وإن الأئمة ص لم يتركوا الحال إلى تقديراتنا التي هي في كل الأحوال قاصرة، بل وضعوا لنا عدة نقاط ما إن سرنا عليها لن نضل ولا ندخل بفتنة، وإن من خرج من تلك النقاط كان كالشاة الضالة، فإنها إن ضلت كانت فريسة سهلة للذئاب. وعن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام حيث يقول عن آخر الزمان: (فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([18]). فإذا كان هذا حال الفقيه فكيف هو حال المقلد (إنا لله وإنا اليه راجعون)، إن الأمر لا يحتاج إلى تعليق وإنما يحتاج إلى تدقيق وعناية ووعاية ورعاية ولفتة تحررية لا تنقاد إلى أي هوى أو جهة، وإليك السؤال الأول: إذا كان هذا هو آخر الزمان، فأين الفقهاء السبعون الذين يذبحهم الإمام الحجه أرواحنا فداه .. ؟ وهم من الشيعه خاصة. وعن مالك بن ضمرة، قال: "قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض - ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير ؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) ([19]). وهذا ما يعينك في التفكير ويؤيد المعنى وهو ما رواه المحدث الأجل أبو الحسن المرندي في كتابه مجمع النورين: (.. فإذا خرج القائم من كربلاء وأراد النجف والناس حوله، قتل بين كربلاء والنجف ستة عشر ألف فقيه، فيقول من حوله من المنافقين: إنه ليس من ولد فاطمة وإلا لرحمهم، فإذا دخل النجف وبات فيه ليلة واحدة فخرج منه من باب النخيلة محاذي قبر هود وصالح استقبله سبعون ألف رجل من أهل الكوفة يريدون قتله فيقتلهم جميعاً فلا ينجي منهم أحد) ([20]). ولعل كلمة لاينجي منهم أحد تدل على أنه لا يوجد فيهم حتى جريح واحد وإنما كلهم قتلى .. وإن لكثرة العدد وهو السبعون ألفاً يجعلني أقترب أكثر من أن حقيقة السبعين هم من مقلدة العلماء حصراً لما يجدونه مخالفاً لفتاوى علمائهم، وهناك تغيير جذري للسنة المتبعة لديهم، وهذا يجعلهم يتصورن أن خروجهم على قائم آل محمد (روحي له الفداء) هو نصرة للدين (الطين بمعنى أصح) الذي عاشوا فترات متوارثة على اتباعه وفي غمراته وقد عميت بصيرتهم عن معرفة إمامهم وراحوا يتصورون أن الأمر لم يحن بعد، وأن الدنيا في خير وهم ما زالوا يصلون ويصومون وممتثلين لأمر المرجع الديني الأعلى الذي وضعوه في مرتبة أسمى مما وضعوا به إمام عصرهم، وعافوا كل شيء على ذمة عالمهم على أساس مقولاتهم السائدة (نحن لا نفكر مثلهم ؟ ومن لا يتبع أحدهم أعماله باطلة. واتباعهم بشكل أو بآخر هو مبرأ للذمة ..الخ)، ونسوا أن الله عز شأنه يقول: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ﴾([21]). ونقلاً من كتاب فتوحات القدس لابن عربي في كلام له عن الإمام المهدي ع جاء فيه: (.. ويدعو بالسيف، ويرفع المذاهب عن الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد، لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه، ولو لا السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله ولكن الله يظهره بالسيف والكرم، فيطمعون ويخافون ويقبلون حكمه من غير إيمان، بل يضمرون خلافه ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم: إنه على ضلالة في ذلك الحكم؛ لأنهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد في زمانه قد انقطعوا، وما بقي مجتهد في العالم، وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحداً له درجة الاجتهاد، وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية فهو عندهم مجنون فاسد الخيال لا يلتفتون إليه) ([22]). وقد جاء في بيان الأئمة ص ج3 ص99: (... إذا خرج الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة، ولولا السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله، ...). وأيضاً على نفس المعنى في يوم الخلاص ص279: (.. أعداؤءه الفقهاء المقلدون، يدخلون تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته، ورغبة فيما لديه ...). أليس في هذا عظة وعبرة لمراجعة النفس وردها إلى الصواب، فمن قال أن الإمام يرحمني ويسامحني ويعذرني فكل تلك التصورات خاطئة ولا وجود لها؛ لأن القائم (روحي لهُ الفداء) لا يستتيب أحداً وحكمه بالسيف، والدليل قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾([23]). أي إن الذين فشلوا في التمحيص والإمتحان وكذبوا رسول الإمام المهدي ع (أحمد الحسن) قبل ظهور الإمام لا تنفعه التوبة بين يديه عليه أفضل الصلاة والسلام، بل سيقتله المهدي ع ولا يرجو منه توبة، حيث ورد عنه (أي الإمام المهدي عليه أفضل الصلاة والسلام): (فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويجتنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجاءه حين لا تنفعهُ توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة) ([24]). (وأما الناجحون الممحصون في التخطيط العام، فهم المؤمنون بالمهدي ع، المبايعون له, الآمنون في دولته، السعداء في ظل عدله، وهم الذين يباشرون القتل تحت قيادته، وقد سبق أن سمعنا عنهم: أن يعطي الواحد منهم قوة أربعين رجلاً، لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله()([25]). إليك التعليق: عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام: (وينتقم من أهل الفتوى في الدين لما لا يعلمون، فتعساً لهم ولأتباعهم، أكان الدين ناقصاً فتمموه ؟ أم كان به عوج فقوموه ؟ أم الناس هموا بالخلاف فأطاعوه ؟ أم أمرهم بالصواب فعصوه ؟) ([26]). ولهُ أيضاً ع: (ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ... إلى أن يقول صلوات الله وسلامه عليه: والله واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه بالإختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه، أم كانوا شركاء لهُ فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول ص عن تبليغه وادائه، والله سبحانه يقول: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" وفيه تبيان لكل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً، وأنه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾([27])، وأن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولاتكشف الظلمات الا به) ([28]). وإني لأظن لو لم يكن إلا هذا الحديث لغنى وكفى عن كل البحث ..! * * * -من هم فقهاء آخر الزمان قبل معرفة فقهاء آخر الزمان يجب علينا معرفة معنى آخر الزمان وتحديده أو حصره. آخر الزمان: هو آخر عهد الكفر والظلم والجور والاستبداد، وهو زمن ظهور قائم آل محمد (روحي فداه) من غيبته الكبرى، يوم تشرق الأرض بنور ربها وتجلى الغبرة وينكشف اللصوص، وهذا الزمان لهُ حصر وتحديد على لسان الأئمة ص حسب ما هو مسند ومتوارث من حديثهم، وله أيضاً علامات حتى لا يقول أحدهم ليس هذا الزمان وإنما الزمان الذي يليه هروباً من نصرة قائم آل محمد وخوفاً من أن يطاله عدل الله أو يرى من قدَّسه مذبوحاً بسيف الإمام (روحي فداه). وإني حينما أحدد لك الزمان فللحليم تحديد الفقهاء ومن يفتي، ويتأول، ويقلّد، ومن هم المقلدون .. فوالله إني لأكتب بحسرة؛ لأن أكثر الناس خُدعت بزيف ومكر علماء الضلالة الخونة، وعادت إمام عصرها وهي تقول يا مهدي لتحارب وتقتل المهدي ..؟ فمن هذه تكون مظلومية الإمام المهدي (روحي لمقدمه الفداء) باعتقادي أكبر مظلومية من حيث الفترة التي عاشها والتي شاهد فيها أنواع التعسف والجهل من القاصي والداني وأن كل ما يكتب عنه ع هو جزء من مظلوميته. وعن مالك بن ضمرة، قال: "قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض - ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير ؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) ([29]). وعن الوشاء، عن علي بن الحسن، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله ع: (كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين فيأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة، وسمي بعضهم بعضاً كذابين، وتفل بعضهم في وجه بعض، قلت: جعلت فداك ما عند ذلك من خير، فقال: الخير كله في ذلك الزمان - ثلاثاً -) ([30]). وهذا المعنى في كتاب غيبة النعماني ص306 باب ما يلحق بالشيعة من التمحيص، عن أبي عبد الله ع: (لايكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم بوجه بعض ويسمي بعضكم بعضاً كذابين). وهل الشيعه الآن تسمي بعضها البعض صادقين ؟ وهل مرَّت عليها فترة زمنية تشبه هذه الفترة الزمنية، وهل تعلم نحن الآن (حائرية، وسيستانية، وحكيمية، وصدرية، ويعقوبية، وصرخية، و.. و ..) وكل داعية يدعي أنه طريق الله وأنه مع الحق وغيره باطل وإن لم يصرح بذلك علناً، وبذلك أصبحنا سُبلاً كثيرة، والله يقول: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾([31])، و ﴿لَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾([32])، وقد ذمَّ الله الطرائق القدد، إذن لماذا هذا التجاهل، ولقد تبين فيما سبق انطباق الأحاديث على زماننا دون غيره من الأزمنة السالفة من تباين بالآراء واختلاف وتكفير. والآن، وبعد أن أعلن اليماني عن نفسه ما بقي علينا إلا التكهن في شخصية السفياني، والصادق ع يقول – ما معناه -: (إذا خرج السفياني فعليكم بنا) ([33])، إذن فمن يقودني إلى الامام ع (هل من يقول لا أراه لا بيقظة ولا بنوم، أم من يقول هو هذا يأمرني والله وقد دعاكم في كل سبيل)، وهل ثقل الأمر عليكم أن يقودكم إلى الله شخص لم تشهدوا له منصباً دنيوياً أو دينياً معهوداً لديكم وأنتم تعلمون أن الكل عبيد الله والله يختار من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء ويؤتي فضله من يشاء. فلماذا هذا التكبر على الله، وهل استشار الله قوماً قبلكم بمن يبعثهُ إليهم، وحاشا لله أن يفعل ذلك؛ لأن الإستشارة دليل نقص فكري وجل الله وتنزه عن ذلك. فما لكم عذر أن تقولوا لماذا لم يبعث فلاناً وبعث فلاناً .. فعلينا أن لا نكون كالنعامة حينما ترى نفسها في خطر تغطي رأسها ظناً منها أنها آمنت الخطر، وقد جعلها الله آية لكل عاص معاند كما جعل الغراب لابن آدم عبرة. فإلى متى نرى الحديث صادقاً مصدقاً فنعرض عنه وكأن فوق رؤسنا الطير أو قد عمينا، أو كأن القرآن لم يقص علينا القصص ولم تمر بنا سنة الأولين ... وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولعل الريح تجلب الغمام لينزل على وجوهنا المطر فنستيقظ لاستقبال ونصرة قائم آل محمد. ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾([34]). عن سدير الصيرفي، قال: (كنت عند أبي عبد الله ع وعنده جماعة من أهل الكوفة، فأقبل عليهم وقال لهم: حجوا قبل أن لا تحجوا، قبل أن تمنع البرجانية ([35])، حجوا قبل هدم مسجد بالعراق بين نخل وأنهار، حجوا قبل أن تقطع سدرة بالزوراء على عروق النخلة التي اجتنت منها مريم ص رطباً جنياً، فعند ذلك تمنعون الحج، وينقص الثمار، وتجذب البلاد، وتبتلون بغلاء الأسعار، وجور السلطان، ويظهر فيكم الظلم والعدوان مع البلاء والوبا والجوع، وتظلكم الفتن من الآفاق، فويل لكم يا أهل العراق إذا جائتكم الرايات من خراسان، وويل لأهل الري من الترك، وويل لأهل العراق من أهل الري، ثم ويل لهم من الشط. قال سدير: فقلت: يا مولاي، من الشط ؟ قال: قوم آذانهم كأذان الفأر صغر، لباسهم الحديد، كلامهم ككلام الشياطين، صغار الحدق، مرد جرد، استعيذ بالله من شرهم، أولئك يفتح الله على أيديهم الدين ويكونون سبباً لأمرنا) ([36]). وللإشارة أقول: ألم تمنعوا الحج على يد (البرجانية) في زمن صدام (لعنه الله)، حتى أنه في ذات مرة وضع الحجاج في طائرة ودفع بهم إلى مكة جزافاً، ألم تبتلوا بغلاء الأسعار، ألم يدخل عليكم الأمريكان وغيرهم يلبسون دروع الحديد وكلامهم كلام الشياطين إلى آخر وصفهم .. ولثبوت الزمان ثبت الحديث والحمد لله .. اللهم صدق رسولك والأئمة الهداة من بعده .. اللهم صدق رسولك والأئمة الهداة من بعده .. فاكتبنا من أنصار قائم آل محمد ... ولتناسب هذه الأحاديث على زماننا فلا يبقى لي إلا أن أقول: الحر تكفيه الإشارة. ولتسليط الضوء على كيفية التعامل مع مثل هؤلاء الفقهاء فيكفينا حديث الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله وسلم وهو يشير بحسرة لهذا الزمان: (يا ابن مسعود، علماؤهم وفقاؤهم خونه فجرة، ألا إنهم أشرار خلق الله، وكذلك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم، أشرار خلق الله، يدخلهم نار جهنم. ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾([37]). ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾([38]). ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ﴾([39]). ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾([40]). ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا﴾([41]). وقيل لهم: ﴿ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾([42]). ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾([43]). يدّعون أنهم على ديني وسنتي ومنهاجي وشرائعي، أنهم مني براء وأنا منهم بريء. يا ابن مسعود، لا تجالسوهم في الملأ، ولا تبايعوهم في الأسواق، ولا تهدوهم إلى الطريق، ولا تسقوهم الماء، قال الله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾([44]). يا ابن مسعود، ما بلوى أمتي منهم العداوة والبغضاء والجدال، أولئك أذلاء هذه الأمة في دنياهم، والذي بعثني بالحق ليخسفن الله بهم ويمسخهم قرده وخنازير. قال: فبكى رسول الله ص وبكينا لبكائه، وقلنا: يا رسول الله، ما يبكيك ؟ فقال: رحمة للأشقياء، يقول الله تعالى ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾([45]) - يعني العلماء والفقهاء -) ([46]). فكيف أنت يا حبيبي يا محمد لو رأيتهم اليوم وما يعملون بولدك، يا حبيبنا يا محمد قوّي قلوبنا لنصرة ابنك، واحمنا فأنت حرزنا وأبونا ونبينا حتى يتم الله شريعتة الحقة، وادعُ لنا فإن لك منزلة عند الله لم يصلها مخلوق وأذهلت عقول الأنبياء والمرسلين والملائكة. وعن إمامنا ومقتدانا سيد الأوصياء أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: (يامعشر شيعتنا، المنتحلين مودتنا، إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها، واعتهم السنة أن يعوها، فاتخذوا عباد الله خولاً، وماله دولاً، فذلت لهم الرقاب، وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق أهله، وتمثلوا بالأئمة الصادقين، وهم من الكفار الملاعين، فسُئلوا عما يعملون، فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعملون، فعارضوا الدين بآراهم فضلوا وأضلوا) ([47]). وفي سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار ج2 ص57 وص58 ج4: عن الإمام الحسن العسكري ع، إنه قال: قال لأبي هاشم الجعفري: (يا أبا هاشم، سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة وقلوبهم مظلمة منكدرة، السنة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنة، المؤمن بينهم محقر، والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلم سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدمون على الكبراء، كل جاهل عندهم خبير، وكل محيل (يعني الماكر) عندهم فقير، لا يميزون بين المخلص والمرتاب، ولايعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض؛ لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، ويضلون شيعتنا وموالينا، فإن نالوا منصباً لم يشبعوا عن الرشا، وإن خذلوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنهم قطاع طريق المؤمنين، والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم، وليصن دينه وإيمانه. ثم قال: يا أبا هاشم، هذا ما حدثني أبي، عن آبائه، عن جعفر بن محمد ص، وهو من أسرارنا فاكتمه إلا عن أهله). وعن النبي محمد ص، قال: (لكل نبي حواري، فإذا انتهى الحواريون، يأتون رجال يركبون رؤوس المنابر يقولون ما يعلمون، ويعلمون ما ينكرون، فأولئك عليكم جهادهم بالأيدي والألسن والقلوب، فأعظمهم درجة من جاهدهم باليد واللسان والقلب، وأوسطهم إيماناً من جاهدهم بلسانه ويده، وأضعفهم إيماناً من جاهدهم بالقلب. قالوا: يا رسول الله، أو للقلب جهاد ؟ قال: نعم، أن تنكروا أعمالهم بقلوبكم) ([48]). قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ( وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾([49]). إنها حقاً كارثة كبيرة .. ولكن لكل إنسان بصيرة، وليرد أعمال مثل هؤلاء العلماء إلى القرآن والسنة فإن وجدها مطابقة فهذا هو المنى، وإن وجدها خارجة فلابد أن يكون له تأمل وترك ما هو فيه والعدول إلى أمر الله سبحانة قبل أن يتبرأ منه من اتبعه .. فهذا علي بن أبي طالب ع يقول: (لا تكن عبداً لغيرك وقد جعلك الله حراً) ([50])، وهذا الحسين ع يخاطب شيعة أبي سفيان وهو يقول: (كونوا أحراراً في دنياكم) ([51]). هكذا علمنا أهل البيت ص، إنّ تحرر الفكر يجذبه نحو الحق أو الصواب. وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَاب﴾([52]). فلم يكن هناك أحسن من قول الله وأهل بيته يستدل بهما، وأما باقي الكلام فهو عبارة عن آراء شخصية لا علاقة لله بها. وإن تاريخ الشيعة يؤيد أن هناك معارضاً ومؤيداً من فقهاء الشيعة على فكرة الإجتهاد والأخذ بالرأي وليس هنا موضع البحث ولكن من أراد أن يطلع ويبحث في تاريخ الإجتهاد سوف يجد هناك صحة لما أقول. ولكن كل ما أريد أن أقوله مما مضى هو ثبوت أننا في آخر الزمان، فما هي العدة المتخذة أو ما هي تدابير الفقهاء لنصرة الإمام، وهل أعدوا لهُ أنصاره أو جمعوا لهُ السلاح أو حرروا له نقطة انطلاق (كالنجف مثلاً) على أقل تقدير ؟ أو لم يسمعوا صادق أهل بيت النبوة وهو يقول – ما معناه -: ( لو كانت الأمور تسير عفواً لسارت إلى رسول الله)، أو حينما يقول: (والله لا يكون ما تمنون حتى يختلط العلق بالعرق) ([53]). وهل غفلوا عن هذه الأحاديث أم سمعوها وهم الآن مصداق قوله تعالى: ﴿جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ﴾([54])، وهل يمكن أن يقابل الإمام بالسكون وتكون حركتهم ونشاطهم فقط تكذيب رسول الإمام المهدي ع ولا يأتيهم النشاط بالنهوض بمسؤولياتهم أمام الله والمهدي والناس وطلب دليل واحد على الإقل لدفع الشبهة وتبين اليقين من الشك للناس الذين فقدوا بصيرتهم، ثم ماذا يكون موقف هؤلاء العلماء أمام الامام المهدي (روحي فداه) أذا اتضح فيما بعد صحة هذا الإدعاء، وهل ينفع العذر في حضرة الإمام المهدي، وقد اتضح فيما سبق أنه صلوات الله عليه لا يستتيب أحداً ولا يقبل عذراً. أولم يقل الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([55]) صدق الله العلي العظيم. أو لا يعلم الناس والعلماء بشكل خاص أن أمر الإمام بغتة، ثم لم يكن هناك حجة على تكذيب رسول الإمام إلا رواية ضعيفة السند ومتشابهة الدلالة، وفي أحسن الأحوال هي خبر آحاد (رواية السمري)، وخير دليل على تفنيدها هو ما حصل من مشاهدة إلى الإمام على طول الغيبة الكبرى، ويا ليتهم فهموا معنى ومراد الإمام ع منها. وللوقوف على سر هذا الحديث راجع كتاب قراءة جديدة في رواية السمري من إصدارات أنصار الإمام المهدي ع للأستاذ ضياء الزيدي. وإذا انتقلنا إلى باقي الناس أو عامتهم فهو يبني التكذيب على مرحلتين: المرحلة الأولى: تخويل الأمر إلى العلماء، (أي لماذا لم تصدق به العلماء، ولماذا هذا التهجم عليهم) وهم حسب ما هو مدعى وما ينسب إليهم من حديث النبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) ([56]). وليتبين هذا الحديث لمن خلط القول ووضع هذا الحديث بعيداً عن محله وفي غير موضعه وجعله طريق ضلال بدل أن يكون طريق هداية له، فإن المقصود بهذا الحديث هم الأئمة الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، الصادقون المصدقون، والمصدق بعضهم بعضاً، فهم علماء الأمة بأحوالها، وأخبرهم بأمورها، وأقربهم إلى الله، وأشجعهم في انفاذ الحق، وأسرعهم أمراً بالمعروف والنهي عن المنكر، وأكثرهم صوماً وصلاةً، وهم حبل الله الممدود الذي طرفه بأيدينا والطرف الآخر بيد الله. عنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً ع يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُفْتُوا النَّاسَ بِمَا لَا تَعْلَمُونَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَدْ قَالَ قَوْلاً آلَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ قَوْلاً مَنْ وَضَعَهُ غَيْرَ مَوْضِعِهِ كَذَبَ عَلَيْهِ. فَقَامَ عَبِيدَةُ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَأُنَاسٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا نَصْنَعُ بِمَا قَدْ خُبِّرْنَا بِهِ فِي الْمُصْحَفِ ؟ قَالَ: يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاءُ آلِ مُحَمَّدٍص) ([57]). وفي حديث طويل عن الصادق ع: (.... وَجَعَلَ الْجُهَّالَ وُلَاةَ أَمْرِ اللَّهِ، وَالْمُتَكَلِّفِينَ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللَّهِ، فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَرَغِبُوا عَنْ وَصِيِّهِ ع وَطَاعَتِهِ، وَلَمْ يَضَعُوا فَضْلَ اللَّهِ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَتْبَاعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ ع لِقَوْلِ اللَّهِ ( وَلَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، فَالْحُجَّةُ الْأَنْبِيَاءُ ص وَأَهْلُ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ص حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَنْطِقُ بِذَلِكَ وَصِيَّةُ اللَّهِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ ( فِي (بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَع) وَهِيَ بُيُوتَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْحُكَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى، فَهَذَا بَيَانُ عُرْوَةِ الْإِيمَانِ الَّتِي نَجَا بِهَا مَنْ نَجَا قَبْلَكُمْ وَبِهَا يَنْجُو مَنْ يَتَّبِعُ الْأَئِمَّةَ.... وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنْ تَكْفُرْ بِهِ أُمَّتُكَ فَقَدْ وَكَّلْتُ أَهْلَ بَيْتِكَ بِالْإِيمَانِ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ فَلَا يَكْفُرُونَ بِهِ أَبَداً وَلَا أُضِيعُ الْإِيمَانَ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ عُلَمَاءِ أُمَّتِكَ وَوُلَاةِ أَمْرِي بَعْدَكَ وَأَهْلِ اسْتِنْبَاطِ الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ وَلَا إِثْمٌ وَلَا زُورٌ وَلَا بَطَرٌ وَلَا رِيَاءٌ، فَهَذَا بَيَانُ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ طَهَّرَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ ص وَسَأَلَهُمْ أَجْرَ الْمَوَدَّةِ، وَأَجْرَى لَهُمُ الْوَلَايَةَ، وَجَعَلَهُمْ أَوْصِيَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ ثَابِتَةً بَعْدَهُ فِي أُمَّتِهِ، فَاعْتَبِرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا قُلْتُ حَيْثُ وَضَعَ اللَّهُ ( وَلَايَتَهُ وَطَاعَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ وَاسْتِنْبَاطَ عِلْمِهِ وَحُجَجَهُ فَإِيَّاهُ فَتَقَبَّلُوا وَبِهِ فَاسْتَمْسِكُوا تَنْجُوا بِهِ وَتَكُونُ لَكُمُ الْحُجَّةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَطَرِيقُ رَبِّكُمْ جَلَّ وَعَزَّ، وَلَا تَصِلُ وَلَايَةٌ إِلَى اللَّهِ ( إِلَّا بِهِمْ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَهُ وَلَا يُعَذِّبَهُ، وَمَنْ يَأْتِ اللَّهَ ( بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ ( أَنْ يُذِلَّهُ وَأَنْ يُعَذِّبَهُ) ([58]). ومن هنا نستدل أنه إذا نسب هذا الحديث (حديث العلماء) إلى غير الأئمة ص فيحدث هناك إشكال كبير؛ لأن العلماء كذب بعضهم بعضاً وادعى بعضهم بأنه أعلم من الآخر وحسد بعضهم بعضاً، ثم هل يسكت نبي من أنبياء بني إسرائيل والنبي الآخر يذبحه الظالم (كما حصل للسيد محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر وغيرهم). ثم هل يسكت النبي والقرآن يُنَجَس بالدم .. ولا أدري هل أنبياء بني إسرائيل يحسد أحدهم الآخر، وهل أنبياء بني إسرائيل يدعي أحدهم أنهُ أعلم من الآخر أو يقول عليه صنم أو ابن زنى ... الخ؟ كيف تفسرون لي كل ذلك ولا أدري أي فخ وضع الناس فيه أنفسهم؟ وإليكم هذه الكلمات من بعض الأجلاء والتي تؤيد التناقض والحسد بين العلماء. فهذا ما قاله السيد الخميني (قدس سره) في آخر ليلة في النجف الأشرف: (وبكل حسرةً: لقد كنت مستأنساً هنا بالحرم المطهر، ولكن الله وحده يعلم كم عانيت في هذه الديار...)([59]). فأي شيء لقاه هذا الرجل المجاهد والعالم العامل من الحوزتين القمية والنجفية. ويقول أيضاً: (.. إن خطر المتحجرين فكرياً والحمقى المتظاهرين بالصلاح في الحوزات العلمية ليس بالهين، وعلى الطلاب الأعزاء أن لا يغفلوا عن أفكار هذه الأفاعي الرقطاء ناعمة الملمس، أنهم دعاة الإسلام الأمريكي وأعداء رسول الله، ألا ينبغي أن يحفظ الطلبة وحدتهم أمام هذه الثعابين ؟) ([60]). ينقل السيد نعمة الله الجزائري فيقول: (لما كنت في شيراز لتحصيل العلوم العقلية، أتيت إلى شيخنا الفاضل البحراني الشيخ جعفر، فقلت لهُ: ما تقول في تفسير الشيخ عبد علي الحويزي وهو تفسير القرآن بالأحاديث، وكان أول من فسر القرآن بالاخبار في عصرنا هذا، فأجابني: ما دام الشيخ عبد علي حياً فلا يساوي تفسيره فلساً واحد، أما إذا مات فأول من يكتبه أنا، ثم أنشد: ترى الفتى ينكر فضل الفتى ... ما دام حياً فإذا ما ذهب لجّ به الحرص على كتبـه ... يكتبها عنه بماء الذهب ([61]) وما ذكره السيد الخوانساري في روضات الجنات: (وهو الخبير بأحوال العلماء وتاريخهم - من تعجبه من وجود مودة وصفاء حقيقي بين اثنين من العلماء الأقران المعاصر أحدهما للآخر، وهما: السيد الميرداماد، والشيخ البهائي، إذ يقول: (وكان بينهما أيضاً خلطة تامة, ومؤاخاة عجيبة، قلما يوجد نظيرها في سلسلة العلماء، ولا سيما المعاصرين منهم ..) ([62]). وإن القصص من هذا النوع كثيرة حتى في عصرنا هذا حيث وصف بعضهم البعض بالعمالة و (ابن زنا) وغيرها من الأوصاف الرذيلة، فهل هذه صفة من صفات أنبياء بني إسرائيل، كيف ينظر الناس لأنبياء بني إسرائيل وفي أي موضع يضعونهم وهم أنبياء معصومون لا يحسد بعضهم بعضاً بل متمم بعضهم الآخر. المرحلة الثانية: هو ما يدور بذهن الناس بل حتى على مستوى طلبة الحوزة بأن العلماء معصومون عصمة كسبية، وأن الكلام السابق في المرحلة الأولى كفيل بالرد على هذا الإدعاء، ولكن السؤال هنا من أعطى العصمة الكسبية، هل هو إمام معصوم مثلاً بارك لهذا الشخص وأعطاه العصمة !! وهذا غير ممكن وخاصة في وقتنا هذا؛ لأن أكبر مرجع موجود (وهو السيد السستاني) الآن يقول إن الإمام لا يرى لا باليقظة ولا بالمنام، فمن أي باب أتاه وأعطاه العصمة؟ وأي نوع من العصمة الكسبية التي نالوها، هل هو في نقل الرواية، وقد أشرت فيما سبق أنهم لا يرون الإمام فكيف يكون لهم عصمة في النقل عنه، أم في استنباط الأحكام، وهذا غير ممكن (راجع حديث الإمام الصادق ع نفس البحث ص36) هو يحصر الاستنباط في آل محمد ص. فلا نعرف إذا كان الطريق إلى العصمة محصوراً في هذين الطريقين، فمن أي طريق دخلتم يا علماء بني إسرائيل ؟ ولو تنزلنا وعلى اعتبار ثانٍ أن قول الإمام المعصوم ثابت؛ لأنه كلام الله وليس فيه تغيير من معصوم إلى آخر ونحن نرى الاختلاف لدى العلماء وارداً وليس بينهما فارق زمني، بل في نفس اللحظة أيضاً إذن باب العصمة الكسبية للعلماء باب ضيق بل مغلق لا يمكن المرور من قبله إلا بإذن إمام معصوم، ثم إذا هم معصومون عصمة اكتسابية فلماذا يوبخهم الرسول الأعظم محمد ص ويصفهم بالكفرة العصاة مثل: (تحدث فزعة في أمتي فيهرعون إلى علمائهم فيجدوهم مسخوا إلى قردة وخنازير) ([63])، (صم بكم فهم لا يعقلون)، (علماء آخر الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء) ([64]). و.... و... الخ من الأحاديث التوبيخية والتحذيرية. وحتى لا أنفي دور العلماء فإن هناك علماء أجلاء عاملين، وهم كثرة في تاريخ الشيعة الحديث والقديم، إلا أنهم غير معصومين، والحمد لله رب العالمين. * * * -البراءة عقيدة الأحرار البراءة من أعداء الله ورسوله والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم, لا تقتصر أو تتعلق بأناس عاصروا النبي ص والأئمة المعصومين ص وأظهروا العداء والخلاف لهم, وارتكبوا ما ارتكبوا من الظلم الشنيع والجور الفظيع في حقهم صلوات الله عليهم, فحسب. وهذا خطأ كبير فاحش لا يغتفر، إذ إن مثل هذا الإعتقاد والتفكير إنما هو فرع من غفلة الشيعة عن إمام زمانها ع، فكيف يمكن لعاقل أن يجعل البراءة محصورة بعصر دون آخر، والحق نفسه هو الحق والباطل عينه هو الباطل ولا يدور الحق إلا حيث يدور الحجة ابن الحسن صلوات الله عليهما. إذ هو معدن الحق وأصله وحقيقته صلوات الله عليه. فالبراءة من أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد صلوات الله عليهم مقرونة في كل أحوالها قلباً ولساناً وفعلاً بحسب المكنة (بالبراءة القولية والفعلية) مع البراءة من كل ظلمتهم على طول الدهر وإلى يوم القيامة. وإنما البراءة في زماننا هذا وفي كل الأزمنة، إنما هي براءة: من كل الحكام الظلمة الطغاة، ومن كل المتجبرين والمتفرعنين وأعوانهم القساة، ومن كل غاصب لحقوق أهل الإيمان وقتلتهم لعنة الله عليهم، ومن كل أهل الضلالة والإضلال والإنحراف عن أهل البيت ص من السلاطين، والفقهاء, والعلماء، والقراء، والوعاظ، ومن تابعهم وشايعهم، كل أولئك إنما هم أعداء إمام زماننا صلوات الله عليه. ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾([65]). فالبراءة بهذا المعنى عقيدة حية فاعلة باعثة على تماسك المجتمع الإيماني في وجه الكفر والإلحاد والنصب والخلاف على الحق. وربما مرت السنون وبراءتنا في القلوب محبوسة، حتى قيض الله تعالى لها من يقيم أركانها، ويعلي بنيانها في عصرنا الحاضر، بصرخة علوية مهدوية في وجه كل الزيف في هذا العالم التائه الضال. وبوقفة حسينية في ميادين صراع الضلالة والهدى، إنه صوت أحمد الحسن رسول الإمام المهديع. هل ينبغي أن نجلس في بيوتنا وننشغل بالتحليلات الخاطئة، والإستهانة بهذا الصوت والقاء إيحاءات الضعف والعجز بين المسلمين، وأن ننصاع إلى الشيطان وجند الشيطان، ونمنع المجتمع من الوصول إلى الإخلاص لله الذي هو غاية الكمال ونهاية الآمال ؟ ونتصور بأن جهاد الأنبياء ضد الأوثان والوثنيين كان محدوداً بمقارعة الأوثان الحجرية والخشبية، وبأن الأنبياء - كإبراهيم - كانوا من السباقين في كسر الأصنام، لكنهم- والعياذ بالله - تركوا ساحة الكفاح ضد الظالمين ؟ بينما كانت كل عمليات تحطيم الأوثان وعمليات الكفاح والحروب التي خاضها سيدنا إبراهيم ع مع النمرود ومع عبدة القمر والشمس والنجوم مقدمة لهجرة كبيرة .. وكل تلك الهجرة وما صاحبها من المشاق، والسكن في واد غير ذي زرع، وإقامة البيت، وفداء اسماعيل، كانت مقدمة لبعثة ورسالة صدَع بها خاتم النبيين (صلوات الله وسلامه عليه وآله) أوكار الشرك والكفر بكل أقنعته التافهة. وها هو قائم آل محمد (صلوات الله عليه) يستمد حبره منها ليجلي الغبرة عن دين جده المصطفى ص؛ لإعلان الكلمة الأبدية (إنني بريء مما تشركون). وإذا كان غير هذا التحليل فسوف يكون المخرج بنتيجة هي الأصنام وعبادة الأصنام موجودة أصلاً في العصر الراهن، وأي عاقل يعرف عبادة الأصنام الجديدة. وبهذا احترق هبل وأصبح ورقة مكشوفة لا تحتاج إلى دليل لتسقيطها من نظر الناس، بل حتى الإنسان على أبسط وأعقد المستويات صار يعرف أن الحجارة لا تضر ولا تنفع. فراح الشيطان (لعنه الله) يبحث عن البديل في هذا الزمان، فلم يجد إلا الطواغيت أمثال الحكام وعلماء السوء والضلالة، وبنفس التفرع أكبر فأصغر، وبهذا قد خلف هبل (لعنه الله) ذرية صالحة له تتماشى مع رغبات المنحرفين وفي زي وهيئة جديدة. تتطلب إخلاصاً كاملاً لله في كشف مثل هؤلاء الأصنام المتحركة. * * * -الممهد والمهدي (عليهم السلام) يبدو من خلال الروايات أن هناك حركة تمهيدية يقودها القائم الأول لآل محمد ص، وهو الذي يبسط أو يعبد الطريق إلى الإمام المهدي ع في نفوس الناس واستخلاص الناصرين لهُ من المعارضين إلى دولته الإلهية العالمية، وأن هذا الشيء بديهي ولا يحتاج إلى تعليل ويستدل عليه من قبل العالم والجاهل، إلا أنهم يعترفون به ويركنوه إلى أجل غير مسمى، فهم كالذي يقول نعم هذه الشمس ولكن لم يحن النهار بعد ؟ والرد الحاسم في هذا القول هو قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ( وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾([66]). عن الإمام الباقر ع، قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى - حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم ها هنا ؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً، فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة ويقول: أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة، فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها) ([67]). فهل من عاقل يسأل نفسه من هو هذا الشخص ؟ وما هي آلية علاقته بأصحاب المهدي ع، وكما هو واضح من الرواية أنهُ يراه وله اتصال معه وهم ليس لديهم اتصال مباشر معه إلا من خلال هذا الشخص، ثم ما هي درجة قرابته من الإمام المهدي ع، وأيضاً توضح الرواية أن خروجه قبل الإمام ع وهذا يتضح من علاقته بالأنصار، حيث أنهم من منطوق الرواية يعرفونه وهو محل ثقة لديهم، وواثقون بأنه سوف يذهب بهم إلى الإمام المهدي ع. ولا أدري ما المانع أن يكون هذا الشخص هو (أحمد الحسن ع) وهو يدعو إلى الإمام ع ويجتمع بالأنصار ولديه كل ما يوثقه بالروايات والإثباتات المنقولة عن أهل البيت ص، وهو أيضاً مستعد لكل ما يطلب منه على سبيل المعرفة بالله والإلتحاق بالإمام المهدي ع لا على سبيل الاستهزاء أو عدم الدراية، حيث يرى الإعجاز ويقول هذا سحر، ويرى العلم ويقول هذه كتب، ويرى الرؤيا ويقول هذه من الشيطان، وهو في كل حال لا يؤمن حتى يكون مغلوباً على أمره مكرهاً على الإيمان، وهذا هو حال أسلافهم. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾([68]). وعن ثوبان، قال رسول الله ص: (يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا تصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقاتلون قتالاً لا يقاتله قوم. ثم ذكر شاباً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة المهدي) ([69])،([70]). وهذا حديث صريح آخر لرسول الله ص يشير إلى هذا الممهد هو خليفة الإمام، أو قل وصيه، وكما يلزم الرسول الأعظم محمد ص الناس ببيعته؛ لأن هذه البيعة هي الطريق إلى الإمام المهدي ع، بل تستطيع أن تقول إن هذا الشاب هو المهدي إلى الإمام المهدي، ويتضح ذلك من الحديث السابق حيث أنه يأخذ الأنصار إلى الإمام المهدي ع. وإن هذا الأمر يحتاج إلى قليل من التمعن والتدبر. ومن الواضح والثابت لدينا أن الإمام المهدي ع يخرج من المدينة ويسند ظهره إلى جدار الكعبة، وهذا حديث طويل ومعروف أي إنه لا يخرج من جهة المشرق، إذن فلماذا هذا التركيز على المشرق من قبل رسول الله ص، ولماذا لا يقول الرسول الأكرم إذا أتت الرايات من مكة أو المدينة وفيها المهدي شاب فبايعوه، وبهذا يكون الحديث مطابقاً للخروج، وباعتبار أن الرايات تقدم من مكة ونحن نرتقب هذا الطريق وننصر الإمام بل في حديث آخر في نفس المصدر (البشارة) يقول: (فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي). وإن مثل هذا الحديث لم يصدر من الرسول الأكرم بحق أي إمام سابق من الأئمة المعصومين ص، لم يكن هذا الحديث إلا بمثابة صاعقة لإيقاظ أهل التقية والمتقاعسين والباحثين عن الأعذار لرقودهم ونومهم. حيث أن من المعلوم الذي يسير مسافة قصيرة على الثلج سوف يتجمد ويموت .. (أي لا عذر لمعتذر) إذن لهذا الشاب سر إلهي وتعلق تام في قضية الإمام المهدي ع. ولو تمعنا قليلاً لوجدنا هذا الشاب هو بمثابة علي لمحمد والعباس للحسين (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، حيث أن هذا الشاب هو حامل اللواء أو الراية السماوية التي يلعنها أهل المشرق والمغرب، وهذا يتضح من حديث الإمام علي ع: (... وتقبل رايات شرقي الأرض، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختومة في رأس القنا بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد ص، يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها شهر ...) ([71]). ويتضح من هذا الوصف هي راية الإمام المهدي علية أفضل الصلاة والسلام، حيث يسير الرعب أمامها شهراً .. لا قطن ولا كتان، وفي رواية أقرب هي من ورق الجنة: (... هي راية رسول الله ص، نزل بها جبرئيل يوم بدر، ثم قال: يا أبا محمد، ما هي و الله قطن و لا كتان ولا قز ولا حرير. قلت: فمن أي شيء هي ؟ قال: من ورق الجنة، نشرها رسول الله ص يوم بدر ثم لفها ودفعها إلى علي ع، فلم تزل عند علي ع حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين ع ففتح الله عليه ثم لفها، وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً ووراءها شهراً وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً) ([72]). إذن راية الإمام تقدم من قبل المشرق، ولكن بعد إثبات الراية يجب إثبات حاملها، حيث أن حاملها في المرة الأولى محمد ص وهو معصوم، وحاملها بالمرة الثانية علي ع وهو معصوم، وأما حاملها في المرة الثالثة فهو قادم من المشرق وهذا هو محل الإختبار، أي أن هناك أطروحتين: إذا كان حامل تلك الراية القادمة من المشرق غير معصوم وغير وصي لإمام معصوم فيصبح هناك خرق للقاعدة وخروج صريح عن أحاديث الأئمة، حيث أن الحامل الأول للراية هو محمد ص في معركة بدر، أما الحامل الثاني للراية فهو الإمام علي ع في معركة الجمل، ودفعها الإمام علي ع إلى المهدي ع، وإنها راية سماوية قد ذخرها الله لقائم آل محمد، ففي حديث عن الصادق ع ينزل بها جبريل إليه، إذن هذه الراية مسددة ولا تنزل إلا على إمام أو وصي إمام قد بلغ درجة العصمة وهو حجة على الخلق. إذا كان حاملها معصوماً إذن هو غير المهدي ع حيث أن الإمام المهدي وحسب الروايات يقدم من مكة خائفاً يترقب وغيرها من الروايات الكثيرة. وبهذا تصح رواية خليفة المهدي ع هو أول الممهدين، وهو وصي الإمام المهدي ع، وهو حامل الراية، وأيضاً هو معد الأنصار، ويماني الإمام المذكور، والملتوي عليه من أهل النار، وهو ذلك الشاب الذي ذكره محمد ص، وصاحب البيعة التي قال فيها النبي الأعظم محمد ص بايعوه ولو حبواً على الثلج، وهو ابن الإمام ووصيه وخليفته، اللهم زد وبارك على محمد وآل محمد واجعلنا من حملة أمرهم ومن الذين لا يخشون إلا ربهم ولا يخشون في الحق لومة لائم. بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾([73]). * * * الخاتمة ولا يبقى لي إلا أن أقول: سيدي يا إبراهيم، أعطنا فأسك لنكسر الأصنام الجديدة، ونهزم النمروديين. سيدي يا موسى، أعطنا عصاك حتى نغرق الفرعونيين ونخلص الناس من عبدة الناس. سيدي يا محمد صلوات الله عليك وعلى آلك، عد إلى مكة الجديدة ودمر أصنامها حتى يعود إلى ذاكرتنا اليوم الذي دخلتها فيه ورفعت علياً ع على ظهرك واسقطت كبير أصنامها ... فها هي قريش الجديدة تستعد لحربك، وهذا أبو لهب وأبو سفيان وآل مروان كلهم عادوا ... بوثنيتهم وبكفرهم، بجرأتهم على الله، لم يبق إلا عودتك لنا المتجسدة بمحمد بن الحسن صلوات الله وسلامه عليه ... ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾([74]). إذن لابد من عودة الحق بعد غيبته لدحر الباطل بكل أشكاله وألوانه التي تلون بها على طول الدهر. علاء الأعرجي
Footers

[1] - العنكبوت: 2.

[2] - هود: 34.

[3] - يوسف: 111.

[4] - ال عمران: 31.

[5] - الكافي: ج8 ص307.

[6] - تحف العقول: ص384 – 385.

[7] - قمش: جمع موضع، مسرع في إضلال الأمة. عاد: من العدو والجري بسرعة. اغباش الفتنه: ظلمتها. أشباه الناس: البعيدون عن أهل البيت . بكر فأستكثر: من جمع. ما قل منه خير مما كثر: يشير ( إلى كثير من المسائل العلمية التي لا نفع في وجودها مطلقاً. ماء آجن: هو الماء الفاسد المتغير لونه وطعمه ورائحته كما في البالوعة. استكثر: طلب الكثرة. خباط: مبالغه من خابط وهو الذي يسير في الظلام.

[8] - الكافي: ج54 ص1 باب البدع والرأي والمقاييس.

[9] - قال أمير المؤمنين (: قال رسول الله : (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه، يسمعون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) الكافي: ج8 ص308 ح49.

[10] - بحار الأنوار: ج52 ص276 باب 25 علامات ظهوره.

[11] - غيبة النعماني: ص297.

[12] - غيبة الشيخ النعماني: ص297.

[13] - المصدر السابق: ص297 من ح3.

[14] - التوبة: 31.

[15] - الكافي: ج1 ص53.

[16] - البقرة: 79.

[17] - وسائل الشيعة: ج10 ص131 ح27 باب عدم جواز تقليد غير المعصوم.

[18] - الكافي: ج8 ص308 ح49.

[19] - غيبة النعماني: بـ12 ح11 ص214.

[20] - مجمع النورين: ص345.

[21] - البقرة: 167.

[22] - عن كتاب نور الأنوار: ص354.

[23] - الأنعام: 158.

[24] - بحار الأنوار: ج53 ص176.

[25] - تاريخ ما بعد الظهور: ص574 – 575.

[26] - بيان الائمة عليهم أفضل الصلاة والسلام: ج3 ص298.

[27] - النساء: 82.

[28] - نهج البلاغة: ج1 ص60 – 61.

[29] - غيبة النعماني: بـ12 ح11 ص214.

[30] - الكافي: ج1 ص335.

[31] - الانعام: 153.

[32] - النساء: 82.

[33] - عن الفضل الكاتب قال: (كنت عند أبي عبد الله ( ..... قال: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً - وهو من المحتوم) الكافي: ج8 ص274 ح412.

[34] - البقرة: 89.

[35] - البرجانية: جماعة من الروم.

[36] - بشارة الإسلام: ص15.

[37] - البقرة: 18.

[38] - الإسراء: 97.

[39] - النساء: 56.

[40] - الملك: 7 – 8.

[41] - الحج: 22.

[42] - آل عمران: 181.

[43] - الأنبياء: 100.

[44] - هود: 15.

[45] - سبأ: 51.

[46] - مكارم الاخلاق: ج2 ص346 – 348، طبعة قم.

[47] - المستدرك: ج17 ص309 من ح6/ 21429.

[48] - عن بيان الأئمة : ج2 ص169.

[49] - هود: 123.

[50] - نظم درر السمطين - الحنفي: ص166.

[51] - بحار الأنوار: ج45 ص51.

[52] - الزمر: 18.

[53] - عن بشير النبال، قال: (.. لما قدمت المدينة قلت لأبي جعفر (: إنهم يقولون: إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهريق محجمة دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله  حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته) الغيبة - للنعماني: ص295.

[54] - النمل: 14.

[55] - التوبة: 94.

[56] - أوائل المقالات - للمفيد: ص178.

[57] - الإستبصار: ص78 ح140

[58] - الكافي: ج8 ص119، حديث آدم ( مع الشجرة: ص113

[59] - كتاب الإمام الخميني (قدس سره): ص140.

[60] - عن مجلة الحوار الفكري: عدد 41 ص30.

[61] - عن زهر الربيع ج1 ص68: والمقصد في الشيخ جعفر في هذه القصة هو الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني المتوفي سنة 1091 هـ، كان أستاذاً للسيد الجزائري في شيراز، ثم انتقل بعد ذلك إلى بلاد الهند واستقر فيها إلى وفاته، حيث كان مرجعاً للشيعة في حيدر آباد.

[62] - عن روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: ج2 ص63.

[63] - أخرج السيد ابن طاووس في الملاحم والفتن: ص283 (عن ابن عباس، قال: تهيج ريح حمراء بالزوراء ينكرها الناس، فيفزعون إلى علمائهم، فيجدونهم قد مسخوا قردة وخنازير تسود وجوههم وتزرق أعينهم).

[64] - بحار الأنوار: ج52 ص190.

[65] - النحل: 36.

[66] - المعارج: 6 – 7.

[67] - غيبة النعماني: ص182.

[68] - الأنعام: 25.

[69] - بشارة الإسلام: ص31.

[70] - وجاءت هذه الرواية أيضاً بلفظ (خليفة الله المهدي)، وهي لا تغير من المعنى شيئاً بملاحظة متن الرواية وروايات اخرى حول هذا الموضوع.

[71] - بشارة الإسلام: ص69.

[72] - الغيبة للنعماني: ص308

[73] - الأحزاب: 69 – 70.

[74] - الإسراء: 3 – 9.