Subjects
-الإهداء
-المقدمة
-الوصية واجب على كل مؤمن
-الوصية والإمامة
الوصية من آدم إلى محمد ص
-وصايا الأنبياء بالنبي محمد ص
-هل أوصى الرسول محمد ص أم لا ؟
-متى تكون الوصية ؟
-عمر منع الرسول ص من كتابة الوصية
-النجاة في ما كتب بالصحيفة والدواة
-وصية السماء ووصية الرسول ص
-ذكر الوصية عند أبناء العامة
-الوصية هي الطريق الوحيد
-الراد على الوصية خارج عن الولاية
الوصية من الرسول محمد ص إلى القائم ع
-الوصية بعد الإمام المهدي ع
-الوصية والرجعة
-الإمام يعرف بالوصية
-الوصية لا يدعيها إلا صاحبها
-وصي الإمام المهدي ع حسيني أم حسني
-وصي الإمام المهدي ع هو الممهد
-وصي الإمام المهدي ع هو اليماني
-الوصي اليماني من المشرق
-راية اليماني راية أهل البيت ص
-الوصي اليماني هو الذي يهزم السفياني
-متى يكتمل علم الوصي ؟
-الوصي والولاية في آخر الزمان
-عودة إلى وصية الرسول ص ليلة وفاته
-قرائن صحة الوصية
-الخاتمة
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع / العدد (59) الوصيّة والوصي أحمد الحسن الشيخ ناظم العقيلي الطبعة الثانية 1431هـ - 2010 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهــداء إلى المصطفى وأمه وأبيه وإلى المرتضى وأمه وأبيه وإلى الزهراء وأمها الزكية وإلى كل الأنبياء والأوصياء وآبائهم وأمهاتهم وذراريهم الصالحين وأتباعهم المخلصين وإلى زينب الكبرى وأبي الفضل العباس ع أهدي هذا الجهد المتواضع متوسلاً إلى الله تعالى أن لا يحرمني من شفاعتهم وأن يميتني على ولايتهم غير شاك ولا مرتاب انه سميع مجيب. تقديم الطبعة الثانية الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. بما أني كتبت هذا الكتاب على عجلة، وحرصت أن ابتدأ به في شهر رمضان المبارك وانتهي منه في نفس الشهر الفضيل، لبركة هذه الأيام، ولعلمي بالحاجة الماسة إلى الكتابة في هذا الموضوع، كان هذا الكتاب يحتاج جهداً أكثر وبحثاً أوسع، وكنت منذ مدة أفكر في العمل على إضافة بعض المواضيع إليه، والتوسع في مواضيعه المدونة، وتهذيب وتعديل بعض المواضيع، ولكن لم أوفق لذلك مع الأسف الشديد. وبما أنه لا يسقط الميسور بالمعسور - كما يقال - فقد أضفت إلى مواضيعه بعض الزيادات من روايات وشروح بسيطة، وتعديل بعض المواضع فيه، وأملي أن أوفق مستقبلاً لإعطاء هذا الموضوع حقه من البحث والتفصيل، فالحقيقة أن موضوع الكتاب يحتاج إلى مجلدات عديدة، لتسليط الضوء على كل تفاصيله وجوانبه التي انطوت على حقائق وأسرار عجيبة لا حصر لها. ومن الله نستمد العون والتوفيق. والحمد لله وحده. الشيخ ناظم العقيلي رجب الخير والبركة / 1431 هـ ق عن أبي عبد الله ع قال: (قال رسول الله ص : من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله، قيل: يا رسول الله وكيف يوصى الميت؟ قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه قال: اللهم فاطر السماوات و الأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم إني أعهد إليك في دار الدينا أنى أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وان البعث حق ، وأن الحساب حق، والقدر والميزان حق، وأن الدين كما وصفت، وأن الاسلام كما شرعت وأن القول كما حدثت، وأن القرآن كما أنزلت، وأنك أنت الله الحق المبين، جزى الله محمداً ص خير الجزاء، وحيا الله محمداً وآل محمد بالسلام، اللهم يا عدتي عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي، ويا ولي نعمتي، إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا فإنك ان تكلني إلى نفسي طرفة عين أقرب من الشر وأبعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي اجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً. ثم يوصى بحاجته وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عز وجل: " لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها، وقال أمير المؤمنين ع: علمنيها رسول الله ص وقال رسول الله ص: علمنيها جبرئيل ع) ([1]). عن علي بن أبي طالب ع عن النبي ص أنه قال له: (يا علي: ... من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصاً في مروئته، ولم يملك الشفاعة) ([2]). وصية الرسول ص ليلة وفاته عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين عن أبيه الحسين الزكي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين ص، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملا رسول الله ع وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال : يا علي انه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداًً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر إماماً ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثة أسامي أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) ([3]). -المقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الأئمة والمهديين ص. تُعد الوصية الحجر الأساس لتأسيس الخلافة على هذه الأرض منذ آدم ع وإلى يوم القيامة وبها قامت الحجة على الناس واستدلوا على الأنبياء والأوصياء من خلالها. وقد اهتم بها الأنبياء ص أشد الاهتمام ولم يرحل نبي إلى ربه إلا ووضع وصيته عند وفاته ونصّب خليفته أو من يأتي بعده من الأنبياء ص. ولما رأيت أن هذا الموضوع المهم لم يعط حقه من البحث، بل لم يلتفت إليه بما هو حجة ودليل لا يشوبه شك قررت أن أخصص له بحثاً مستقلاً يحتوي على فكرة مجملة حول الوصية والأوصياء. وفي الحقيقة عندما شرعت في هذا البحث وجدت نفسي في بحر من الأدلة والروايات التي تخص الوصية والتي لا أستطيع استقصائها وتسطيرها في هذا البحث فاضطررت إلى ترك الكثير من المواضيع المهمة التي تص الوصية واقتصرت على الأهم فالأهم لكي لا يطول البحث ويتعسر على طالب الحق الإحاطة به. وأنبه على أني قد فاتني الكثير من الأدلة والروايات؛ لأني كتبت هذا البحث بصورة مستعجلة جداً لما أراه من ضرورة أن يصدر بأسرع وقت ممكن لكثرة فائدته لمن يطلب الحق بالحق. وقد ابتدأت أولاً بمسألة وجوب الوصية على كل مسلم، ثم وصية آدم ع وهكذا حتى نبينا محمد ص بمقدار ما عثرت عليه في هذه العجالة، وبعدها ركّزت على وصية الرسول محمد ص ليلة وفاته وكيفية الاحتجاج بها، وحاولت تسليط الأضواء عليها بقدر المستطاع، ثم ختمت ذلك بدراسة مفصلة حول انطباق الوصية على السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع واليماني الموعود. وبيّنت المراد من كثير من الروايات التي تخص ذرية الإمام المهدي ع وخصوصاً وصيّه الأول أحمد، والربط بينه وبين شخصية اليماني وأنهما شخصية واحدة تظهر من المشرق لا من اليمن كما توهم البعض، إضافة إلى فوائد أخرى لم يسبق التنبيه عليها في غير هذا البحث المتواضع. وأخيراً أسأل الله تعالى أن يغفر لي تقصيري في إعطاء هذا الموضوع حقه من الدراسة، وأن يجعله خالصاً لوجهه من كل رياء وسمعة وعجب. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الأئمة والمهديين واللعنة الدائمة على منكري وصاياهم إلى يوم الدين. * * * -الوصية واجب على كل مؤمن انطلاقا من قول الرسول محمد ص: (كلكم راعٍٍ وكلكم مسوؤل عن رعيته) ([4])، يجب على كل مؤمن أن لا يهمل رعيته بعد وفاته، فلا بد أن يرشدهم إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية وأن يرفدهم بما تم تحصيله خلال مراحل حياته من عقائد وأخلاق وتجارب لتُكمل الرعية مسيرة راعيها ولا تضطر إلى أن تبدأ من الصفر، وتجرب كل شيء من جديد، فليس للإنسان عمرين حتى يجرب بالأول وينجح بالثاني، فلابد من الاستفادة من تجارب الماضين والاعتبار بأحوالهم، وحث الله على ذلك بقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ...﴾([5]). والوصية أيضاً عند مراعاتها تمنع من الاختلاف والتناحر وتسهل على الرعية مهمتها في الحفاظ على الوحدة وصلاح العباد والبلاد. والرعية تارة تكون العالم بأسره وتارة تكون دولة وتارة تكون عشيرة وتارة تكون أسرة صغيرة وتارة تكون نفس الإنسان، فإمام العالَم لابد له قبل وفاته أن يُعيَّن خليفته ويرشد الأمة إلى مسارها الصحيح ويُعين لها عقبات الدهر التي قاساها خلال حياته، ويُبين لهم سبل الخروج منها وتجاوزها. ورئيس الدولة كذلك لابد له من تعيين خليفته وإرشاد دولته لما فيه صلاحها…. ورب الأسرة كذلك يجب عليه أن لا يهمل أفراد عائلته، بدون وصية يرشدهم فيها إلى فضائل الأخلاق والتمسك بالدين الحنيف ونصرة الحق وأهله وكذلك يرشدهم فيها إلى ما يصلح معاشهم وينظم أمرهم ويعطي لكل ذي حق حقه ،أضف إلى ذلك أن يوصي بما يتعلق بنفسه من واجبات وحقوق كقضاء ما في ذمته للناس من ديون ومظالم و… و… الخ. لأنه سيفارق الدنيا وينقطع عمله فلابد من قيام غيره مقامه لإتمام ما نقص، أو لإصلاح ما فسد من أمور دينه ودنياه. ولأجل ذلك وغيره نجد التشدد في الحث على الوصية عند وقبل الموت ووردت أحاديث وروايات كثيرة تؤكد على ذلك، منها: قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([6]). وقوله تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ..... ﴾([7]). وقال الإمام الصادق ع بعد أن ذكر قول الرسول ص بوجوب الوصية عند الموت، قال ع: (وتصديق هذا في سورة مريم قول الله تبارك وتعالى ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾([8]) وهذا هو العهد) ([9]). وقال الرسول ص لعلي ع: (تعلمها أنت وعلمها أهل بيتك وشيعتك. قال: وقال: علمنيها جبرائيل) ([10]). وقوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَه مُسْلِمُون﴾([11]). وعن النبي محمد ص: (من مات ولم يوصِ مات ميتة جاهلية) ([12]). وقال ص: (الوصية حق على كل مسلم) ([13]). وقال ص: (من مات ولم يوص فقد ختم عمله بمعصية) ([14]). وعن أبي الصباح عن أبي عبد الله ع، قال: (سألته عن الوصية، فقال: هي حق على كل مسلم) ([15]). وعن الإمام علي ع: (الوصية تمام ما نقص من الزكاة) ([16]). وعن الرسول ص: (من مات على وصية حسنة مات شهيداً) ([17]). وعنه ص: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة فيحيف في وصيته فيختم له بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بعمل أهل الجنة، ثم قرأ ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ﴾، وقال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ﴾([18])) ([19]). وغيرها الكثير من الروايات التي أكدت على ضرورة أن يوصي الإنسان عند موته وبينت كيفية الوصية وما يوصى به. فالشرع الحنيف لم يهمل أمر الأسرة الصغيرة وأوجب على ربها أن يوصي بها قبل وفاته، بل جعل ترك الوصية مستلزماً لموت الإنسان على الجاهلية وتكون خاتمة أعماله معصية. وهذا يشير إلى أهمية الوصية وأنها زمام الدين والدنيا، وأنها سنّة من سنن الله تعالى في خلقه، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً. والوصية تشتمل على نوعين، أو قل تتعلق بموضوعين: إما أن تكون متعلقة بالأموال وما يملكه الإنسان من أعيان، وإما أن تكون متعلقة بعهد وتنصيب وتقليد، أي أن يعهد الميت مثلاً بولاية من كان يتولاهم في حياته إلى شخص آخر يمارس هذه الولاية بعد وفاته. ويطلق على وصية الأموال الوصية التمليكية، ويطلق على الأخرى الوصية العهدية، ومما لا شك فيه أن الوصية العهدية أهم من الوصية التمليكية وخصوصاً إذا كان العهد متعلقاً بأمور الدين، كعهود الأنبياء والأوصياء، وتبقى الوصية بالأموال مهما كانت محدودة الأهمية وذات إطار خاص وشخصي محدود، اللهم إلا إذا كانت تستلزم الدلالة على الوصية العهدية والولاية من بعد الموصي إذا كان من أهل الولاية والقيادة. وقد يكون للمكلف المحتضر وصية تمليكية وعهدية، وقد تكون له أحدهما إما وصية تمليكية وإما وصية عهدية، وكلٌ بحسبه. * * * -الوصية والإمامة بعد أن عرفنا بأن الوصية حق وواجب على كل مسلم، وأن تاركها يموت ميتة جاهلية كما ورد في الروايات، وأن كل راعٍ لابد أن يوصي برعيته ويستخلف عليهم من يدير أمورهم، ويرشدهم لما فيه صلاحهم دنيا وآخرة، نأتي إلى الخلافة في الأرض، فنبيّن أولاً كيف تم تعيين أول خليفة على وجه الأرض، ثم نبيّن كيفية استمرار هذه الخلافة من شخص إلى آخر وبأي طريقة يكون تعيين الخليفة؟ فعندما أراد الله تعالى استخلاف آدم في الأرض لم يستشر أحداً ولم يوكل ذلك الاستخلاف لأحد لا إلى الملائكة ولا إلى غيرهم، بل فرض ذلك على الملائكة فرضاً وأمرهم بالسجود لآدم ع، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾([20]). واعترض الملائكة على نحو الاستفهام على هذا الجعل فقالوا كما حكى الله تعالى عنهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِين﴾([21]). وقد أقام الله تعالى الحجة على الملائكة وبيّن لهم السر في اختيار آدم ع لخلافة الأرض، وأنه أعلم منهم وأوسع فطرة، وبعد ذلك تاب الملائكة من اعتراضهم على الله تعالى واستغفروا وأخذوا يطوفون بالبيت الحرام كفارة عن اعتراضهم على تنصيب الله تعالى. إذن، مسألة الخلافة والإمامة مسألة جعل وتعيين من قبل الله تعالى لا يشركه فيها أحد، ولا يمكن الاعتراض عليها حتى على نحو الاستفهام وحتى من قبل الملائكة المقربين، ولا يمكن أن تخضع الخلافة والإمامة لاستشارة الخلق أو انتخابهم وأنها من الأمور الخاصة بالخالق تعالى؛ لأنه خالق الخلق وهو أعرف بالمصلح والمفسد منهم فإذا عيّن أحداً للإمامة فلا يمكن أن يكون مفسداً قط؛ لأنه علاّم الغيوب يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأما الخلائق فيمكن أن يختاروا شخصاً ويعتقدوا أنه الأصلح ثم يتبيّن أنه الأفسد؛ لعدم إحاطتهم علماً بسرائر الناس وحقائقهم، بل وقع الخطأ في الاختيار حتى من قبل الأنبياء ص، فهذا نبي الله موسى ع اختار من قومه سبعين رجلاً لميقات ربه على أنهم أفضل قومه وأصلحهم، ثم تبيّن أنهم الأفسد حيث سألوه رؤية الله جهرة وكذبوه فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، وكذلك نبي الله موسى مع العبد الصالح عندما قتل الغلام فاعترض موسى ع ووصف الغلام بأنه نفس زكية ثم تبيّن أنه نفس كافرة خبيثة. ونجد هذه الحقيقة واضحة وجلية في الرواية الآتية: (عن سعد بن عبد الله القمي في حديث طويل أنه سأل الإمام المهدي ع وهو غلام صغير في حياة أبيه الحسن العسكري ع فقال: أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم؟ قال ع: مصلح أم مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلّة التي أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك، أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل موسى وعيسى ص هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا، قال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله عز وجل: وأختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا، إلى قوله: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن انه أصلح دون الأفسد علمنا ان لا اختيار إلا ممن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتنصرف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء ص على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الإصلاح) ([22]). إذن، الدليل عقلاً وشرعاً يمنع من اختيار الناس للإمام والخليفة في الأرض لجهلهم بالمصلح والمفسد حقيقة، وإنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وإن الجعل والتنصيب للإمام خاص بالله تعالى العليم الخبير البصير. وبعد أن نصب الله تعالى آدم ع خليفة في الأرض وقربت أيامه من النفاد وقرب رحيله إلى لقاء الله عز وجل أمره الله تعالى بأن تكون الخلافة بعده بالاختيار الإلهي أيضاً عن طريق الوصية بأن يوصي آدم في تنصيب من عينه الله تعالى لخلافة الأرض، وكان المختار للخلافة في بداية الأمر هو هابيل ع، ولم يسلم هذا التنصيب من الاعتراض أيضاً والمعترض يومئذٍ هو قابيل (لعنه الله) أخو هابيل ع، ولكن اعتراضه هذه المرة على نحو الرفض لا على نحو الاستفهام. عن أبي عبد الله ع، قال: (...ثم أوحى الله إلى آدم أن يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه إلى هابيل، ففعل ذلك فلما علم قابيل غضب وقال لأبيه: ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به؟ فقال يا بني إن الأمر بيد الله وأن الله خصه بما فعلت فإن لم تصدقني فقربا قرباناً فأيكما قبل قربانه فهو أولى بالفضل وكان القربان في ذلك الوقت تنزل النار فتأكله. وكان قابيل صاحب زرع فقرّب قمحاً رديئاً وكان هابيل صاحب غنم فقرّب كبشاً سميناً فأكلت النار قربان هابيل، فأتاه إبليس فقال: يا قابيل لو ولد لكما وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك، ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وإنك إن قتلته لم يجد أبوك بداً من أن يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل إلى هابيل فقتله ...) ([23]). فأول من اعترض على تنصيب الله تعالى على وجه الأرض هو قابيل (لعنه الله) وظن أنه بيد الناس أي بيد آدم ع لا بيد الله سبحانه وعندما أخبره آدم ع بأن الاختيار لله لا لغيره أصَّر على معارضته إلى أن قتل أخاه هابيل ع، فكانت أول جريمة على الأرض بسبب الخلافة والإمامة والمجرم هو قابيل المعترض على التنصيب الإلهي التابع لهواه ونفسه الأمّارة بالسوء. ثم بعد ذلك رزق الله تعالى آدم ع ولداً صالحاً وهو هبة الله ع الذي كانت إليه الوصية بعد آدم ع. عن أبي عبد الله ع، قال: (لما انقضت نبّوة آدم وانقطع أكله أوحى الله إليه: يا آدم انه قد انقضت نبوتك وانقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد ما بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر) ([24]). إذن، فالوصية من الله تعالى، ووصي النبي أو الإمام يعينه الله تعالى ولا دخل للنبي أو الإمام في ذلك إلا من باب التبليغ للناس، ومن ذلك نعرف أيضاً بأن كل إمام مفترض الطاعة على الناس لابد أن يكون موصى به من قبل الله تعالى عن طريق أنبيائه ورسله ص؛ لأن الإمام والحجة لابد أن يكون معصوماً والمعصوم لا يعرفه إلا الله تعالى، فلا يُعرف إلا بنص من الله تعالى. عن الإمام علي بن الحسين ع، قال: (الإمام منّا لا يكون إلا معصوماً وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله عز وجل: ﴿إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾([25])) ([26]). وهذه هي عقيدة الشيعة الإمامية من الرسول محمد ص إلى يوم القيامة لا يقول بخلافها إلا من خرج من ولاية الله ودخل في ولاية الشيطان أعاذنا الله من ذلك. وهاك اسمع أقوال بعض علماء الشيعة بهذا الخصوص: قال الشيخ الصدوق (رحمه الله ) في وصف الأئمة ص: (... لا يضرهم قطع من قطعهم ولا إدبار من أدبر عنهم إذ كانوا من قبل الله منصوصاً عليهم على لسان نبي الله ص) ([27]). وقال أيضاً: (... دللنا على أن الإمام لا يكون إلا معصوماً وأرينا أنه إذا وجبت العصمة في الإمام لم يكن بد من أن ينص النبي ص عليه؛ لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينص عليها علاّم الغيوب تبارك وتعالى على لسان نبيه ص؛ وذلك لأن الإمام لا يكون إلا منصوصاً عليه. وقد صح لنا النص بما بيناه من الحجج وبما رويناه من الأخبار الصحيحة...) ([28]). وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (... أن يكون الإمام أعقل رعيته والمراد بالأعقل أجودهم رأياً أعلمهم بالسياسة. ويجب أن يكون على صورة غير منفرة ولا مشينة ولا يلزم أن يكون أحسن الناس وجهاً، ويجب أن يكون منصوصاً عليه لما قدمناه من وجوب عصمته. ولما كانت العصمة لا تدرك حساً ولا مشاهدة ولا استدلالاً ولا تجربة ولا يعلمها إلا الله تعالى وجب أن ينص عليه ويبينه من غيره على لسان نبي ...) ([29]). وقال الشريف الرضي (رحمه الله) : (... لأنا نعلم ضرورة أن كل عالم من علماء الإمامية يذهب إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوما منصوصا عليه ...) ([30]). وبعد أن ثبت أن الإمام والحجة على الخلق لابد أن يكون منصوصاً عليه بوصية النبي أو الإمام السابق نؤكد مرة أخرى على أن الوصية من الله تعالى، وليس من نبي أو إمام، وأن النبي أو الإمام مجرد مبلّغ للوصية عن الله تعالى لا غير. وإليك أيها القارئ بعض الروايات التي تدل على ذلك: عن أبي عبد الله ع قال: (أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله ص لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) ([31]). وفي حديث طويل عن أبي عبد الله ع، قال: (إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود ع أن اتخذ وصياً من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبياًً إلا وله وصي من أهله وكان لداود ع أولاد عدة وفيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محباً فدخل داود ع عليها حين أتاه الوحي فقال لها : إن الله عز وجل أوحى إليّّّّّّّّّ يأمرني أن أتخذ وصياًً من أهلي فقالت له امرأته: فليكن ابني قال: ذلك أريد. وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري ...) ([32]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (ما مات عالم حتى يعلّمه الله عز وجل إلى من يوصي ) ([33]). * * * الوصية من آدم ع إلى نبينا محمد ص قد تبيّن مما سبق أن الوصية هي الأساس في الخلافة وبها يعرف الحجة بعد الحجة ولا يمكن لأحد أن يدعي الإمامة إذا لم يُنص عليه بوصية عن نبي أو إمام عن الله تعالى. وبعد نبي الله آدم استمرت الوصية من وصي إلى وصي حتى وصلت إلى نبي الله نوح ع الذي بشّر به آدم ع قبل وفاته وذكره باسمه وصفاته في الوصية واستلم الوصية من آدم ع ابنه هبة الله ع كما سبق ذكره. عن أبي جعفر ع، قال: (قال رسول الله ص: إن أول وصي كان على وجه الأرض هبة الله إبن آدم، وما من نبي مضى إلا وله وصي وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبي وعشرين ألف نبي منهم خمسة أولي العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ص، وإن علي بن أبي طالب كان هبة الله لمحمد ووارث علم الأوصياء وعلم من كان قبله، أما أن محمداً ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين .. الحديث) ([34]). وعن أبي عبد الله ع قال: (إن قابيل أتى هبة الله ع فقال: إن أبي قد أعطاك العلم الذي كان عنده وأنا كنت أكبر منك وأحق به منك، ولكن قتلت ابنه فغضب عليَّ فآثرك بذلك العلم عليَّ، وإنك والله إن ذكرت شيئاً مما عندك من العلم الذي ورثك أبوك لتتكبر به عليَّ وتفتخر عليَّ لأقتلنك كما قتلت أخاك، واستخفى هبة الله بما عنده من العلم لينقضي دولة قابيل، ولذلك يسعنا في قومنا التقية؛ لأن لنا في ابن آدم أسوة. قال: فحدث هبة الله ولده بالميثاق سراً فجرت والله السنة بالوصية من هبة الله في ولده يتوارثونها عالم بعد عالم، فكانوا يفتحون الوصية كل سنة يوماً فيحدثون أن أباهم قد بشرهم بنوح ع. قال: وإن قابيل لما رأى النار التي قبلت قربان هابيل ظن قابيل إن هابيل كان يعبد تلك النار ولم يكن له علم بربه، فقال قابيل: لا أعبد النار التي عبدها هابيل ولكن أعبد ناراً واقرب قرباناً لها، فبنى بيوت النيران) ([35]). وكذلك نوح ع عندما دنا أجله أمره الله تعالى أن يعيّن وصيه من بعده ويدفع إليه الوصية ومواريث الأنبياء ص ويبشّرهم بنبوة نبي الله هود ع. عن أبي عبد الله ع قال: (عاش نوح ع خمسمائة سنة بعد الطوفان ثم أتاه جبرائيل، فقال: يا نوح قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فانظر الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام، فاني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي ويعرف به هداي ويكون نجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي الآخر، ولم أكن أترك الناس بغير حجة لي وداعٍ إلي وهادٍ إلى سبيلي وعارف بأمري، فأني قضيت أن أجعل لكل قوم هادياً أهدي به السعداء ويكون حجة لي على الأشقياء ... إلى أن قال: وبشّرهم نوح بهودٍ ص وأمرهم بأتباعه وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيداً لهم) ([36]). انظر أيها العاقل إلى أهمية الوصية بحيث أوصى بها آدم ع أن تفتح كل عام وتقرأ ويكون ذلك اليوم عيداً للمؤمنين وبشر بها بمجيء نبي الله نوح ع. وكذلك نبي الله نوح ع أوصى بها بمثل ما أوصى آدم ع وبشر بها بنبوة هود ع. عن أبي عبد الله ع، قال: (أوصى موسى ع إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع إلى ولد هارون .. إلى أن قال: وبشّر موسى ويوشع بالمسيح ع، فلما أن بعث الله المسيح قال المسيح: إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم. وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين، إنما سمّاهم الله المستحفظين؛ لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب يعلم به كل شئ الذي كان مع الأنبياء .. إلى أن قال: فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد ص، فلما بعث الله محمداً ص أسلم له العقب من المستحفظين وكذّب به بنو إسرائيل .. الحديث) ([37]). وعن أبي عبد الله الصادق ع، قال: (قال رسول الله ص: أنا سيد النبيين ووصيي سيد الوصيين وأوصياؤه سادة الأوصياء، إن آدم ع سأل الله عز وجل أن يجعل له وصياً صالحاً فأوحى الله عز وجل إليه: أني أكرمت الأنبياء بالنبوة ثم اخترت خلقي وجعلت خيارهم الأوصياء. ثم أوحى الله عز وجل إليه: يا آدم أوصِ إلى شيث، فأوصى آدم إلى شيث وهو هبة الله بن آدم، وأوصى شيث إلى ابنه شبان (شتبان) وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثاً، وأوصى شبان إلى مجلث (محلث)، وأوصى مجلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى غثميشا (عثميشا)، وأوصى غثميشا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي ع، وأوصى إدريس إلى ناحور (ناخور)، ودفعها ناحور إلى نوح النبي ع، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر، وأوصى عثامر إلى برعيثاشا (برعيثاثا)، وأوصى برعيثاشا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى جفسيه (جفيسه)، وأوصى جفسيه إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم خليل الرحمن ع، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثرياء (يثريا)، وأوصى بثرياء إلى شعيب ع، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران ع، وأوصى موسى بن عمران ع إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى داود ع، وأوصى داود ع إلى سليمان ع، وأوصى سليمان ع إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا ع، ودفعها زكريا ع إلى عيسى بن مريم ع، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة. ثم قال رسول الله ص: ودفعها إلي بردة، وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد، حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرن بك الأمة ولتختلفن عليك اختلافا شديداً الثابت عليك كالمقيم معي، والشاذ عنك في النار، والنار مثوى الكافرين) ([38]). وعن ابن عباس في قول الله تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾([39])، قال: (قضى إليه بالوصية إلى يوشع بن نون وأعلمه أنه لم يبعث نبياً إلا وقد جعل له وصياً وإني باعث نبياً عربياً وجاعل وصيه علياً. قال ابن عباس رضي الله عنه: فمن زعم أن رسول الله ص لم يوصِ فقد كذب على الله وجهل نبيه وقد أخبر الله نبيه بما هو كائن إلى يوم القيامة. وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) ([40]). وربما يقول قائل: إن بين نبي الله عيسى ع وبين محمد ص خمسمائة عام فمن الذي سلّم الوصية للرسول محمد ص ؟! والجواب: إن الذي سلّم الوصية للرسول هو أبو طالب ع عم الرسول محمد ص الذي كان هو آخر مستحفظ لوصايا الأنبياء والمرسلين ص. عن درست بن أبي منصور، أنه سأل أبا الحسن الأول ع: (أكان رسول الله ص محجوجاً بأبي طالب؟ قال: لا، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه عليه وآله السلام. فقلت: ودفع الوصايا إليه على أنه محجوج به ؟ فقال: لو كان محجوجاً لما دفع إليه الوصية، قلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: أقر بالنبي ص وآمن به ودفع إليه الوصايا ومات من يومه) ([41]). * * * -وصايا الأنبياء بالنبي محمد ص قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيل﴾([42]). وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾([43]). وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([44]). كل الأنبياء والرسل ص بشّروا بنبوة النبي محمد ص وإمامة أوصيائه من بعده، بل لم يُبعث نبي إلا أن يؤخذ عليه الإقرار بنبوة محمد ص وإمامة أوصياءه من بعده إلى يوم القيامة وقد نجا الأنبياء من الشدائد والمحن بفضل محمد وآل محمد ص. عن الإمام علي ع في حديث: (... لقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا لمحمد ص..) ([45]). والخوض في فضل محمد وآل محمد ص لا تسعه المجلدات فلذلك سأختصر على بعض الروايات والأخبار التي تُبيّن وصية الأنبياء بالرسول محمد ص وآل بيته ص: عن الإمام الكاظم ع في حديث طويل في اسلام سلمان الفارسي ع، قال: (... إلى أن قال سلمان: فقمت فأخذت الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه نبياً يقال له محمد ص يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن عبادة الأوثان، يا روزبه أيت وصي عيسى فآمن وأترك المجوسية ...) ([46]). وعن بكر بن عبد الله الأشجعي عن آبائه قالوا: (خرج سنة رسول الله ص وعبد مناة بن كنانة نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نعامة بن عدي تجاراً إلى الشام، فلقيهما أبو المويهب الراهب فقال لهما: من أنتما؟ قالا: نحن تجار من أهل الحرم من قريش، فقال لهما: من أي قريش فأخبراه فقال لهما: هل قدم معكما من قريش غيركما، قالا: نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد، فقال أبو المويهب: إياه والله أردت، فقالا: والله ما في قريش أخمل ذكراً منه إنما يسمونه يتيم قريش وهو أجير أمرأة منا يقال لها: خديجة فما حاجتك إليه، فأخذ يحرك رأسه ويقول: هو هو، فقال لهما: تدلاني عليه؟ فقالا: تركناه في سوق بصرى فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله ص، فقال: هو هذا فخلا به ساعة يناجيه ويكلمه، ثم أخذ يقبل بين عينيه وأخرج شيئاً من كمه لا ندري ما هو ورسول الله ص يأبى أن يقبله، فلما فارقه قال لنا: تسمعان مني هذا والله نبي آخر الزمان، والله سيخرج قريب فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه. ثم قال: هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي؟ فقلنا: لا، قال: إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أول من يؤمن به نعرفه، وإنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة، وإنه سيد العرب وربانيها وذو قرنيها، يعطى السيف حقه اسمه في الملا الأعلى علي، هو أعلى الخلائق بعد الأنبياء ذكراً وتسميه الملائكة البطل الأزهر المفلج، لا يتوجه إلى وجه إلا أفلج وظفر، والله لهو أعرف بين أصحابه في السماء من الشمس الطالعة) ([47]). وعن محمد بن المكندر عن أبيه عن جده، قال: (لما قدم السيد والعاقب أسقفا نجران في سبعين راكباً وفدا على النبي ص، فبينا نحن نسير وصاحب نفقاتهم إذا عثر بغلته فقال: تعس من نائية - يعني النبي ص - فقال له صاحبه وهو العاقب: أخطأت، قال: ولِمَ ذلك؟ قال: لأنك أتعست النبي أحمد ص، قال: وما علمك بنبّوته؟ قال: أما تقرأ من المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح: أن قل لبني إسرائيل أجهلكم تستطيبون بالطيب لتطيبوا به في الدنيا وعند أهلها وأجوافكم عندي كجيفة الميتة، يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان صاحب الوجه الأقمر والجمل الأحمر المشرّب بالنور ذي الثبات الحسن والثياب الخشن ... إلى أن قال: هو أحمد محمد رسولي إلى الخلق كافة وأقربهم مني منزلة ... الحديث)([48]). وعنهم ص في مناجاة الله تعالى لعيسى ع وهي طويلة منها: (.. ثم أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر ... إلى أن قال تعالى: أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه وأن ينصروه ... إلى أن قال تعالى: يا عيسى دينه الحنفية وقبلته يمانية وهو من حزبي وأنا معه فطوبى له ثم طوبى له .. الحديث) ([49]). وعن سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل: (إن رجلاً ديرانياً من نسل حواريّ عيسى جاء إلى أمير المؤمنين ع وذكر أن عنده كتباً بخط أبيه وإملاء عيسى ع، وذكر مما فيها شيئاً كثيراً من جملته: ان الله تبارك وتعالى يبعث رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله من أرض يقال لها تهامة من قرية يقال لها مكة، وذكر من مولده ومبعثه ومهاجره ... إلى أن قال: أحمد رسول الله وأسمه محمد وعبد الله والفتاح ويس والخاتم والحاشر والماحي والقايد ونبي الله وصفي الله وحبيب الله ... الحديث) ([50]). وعن الرضا ع، قال: (كان في الكنز الذي قال الله تعالى: وكان تحته كنز لهما لوح من الذهب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله محمد رسول الله عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ... الحديث) ([51]). وروي إن آدم ع قال: (اني لسيد البشر يوم القيامة إلا رجل من ذريتي نبي من الأنبياء يقال له أحمد ... الحديث) ([52]). وعن أبي عبد الله ع قال: (نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى يقول الله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ يعني رسول الله ص، ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾([53])؛ لأن الله عز وجل قد أنزل عليهم في التوراة والإنجيل والزبور صفة محمد ص وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجره وهو قوله: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ﴾([54])، فهذه صفة رسول الله ص في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه، فلما بعثه الله عز وجل عرفه أهل الكتاب كما قال جل جلاله: ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ﴾([55])، فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبي ص: أيها العرب هذا أوان نبي يخرج بمكة ويكون مهاجره بالمدينة، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة، يلبس الشملة ويجتزي بالكسر والتميرات ويركب الحمار العرية، وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، وليقتلنكم يا معاشر العرب قتل عاد، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ﴾ ... الحديث) ([56]). وعن ابن عباس: (إن رجلاً من اليهود سأل النبي ص عن الأئمة فأخبره فأسلم، وقال: لقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة وفيما عهده إلينا موسى بن عمران ع: إنه إذا كان في آخر الزمان يخرج نبي يقال له أحمد خاتم الأنبياء لا نبي من بعده يخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط) ([57]). وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ﴾([58])، عن أبي جعفر الباقر ع أنه قال: (كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من صفة محمد ص فنهاهم كبرائهم عن ذلك، وقالوا: لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد ص فيحاجوكم به عند ربكم، فنزلت الآية) ([59]). وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ ([60])، عن ابن عباس، قال: (كانت اليهود يستفتحون أي يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله ص قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كان يقولونه فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر اليهود اتقوا الله فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ص ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث، فقال سلام بن مشكم: ماجاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية) ([61]). وعن الرضا ع في محاججته مع جاثليق النصارى ورأس الجالوت وهي طويلة نأخذ طرفاً منها: (... قال الجاثليق: صفه، قال: لا أصفه إلا بما وصفه الله هو صاحب الناقة والعصا والكساء (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) يهدي إلى الطريق الأفضل والمنهاج الأعدل والصراط الأقوم، سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله وكلمته هل تجد هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي؟ فأطرق الجاثليق ملياً وعلم إنه إن جحد الإنجيل فقد كفر، فقال: نعم هذه الصفة في الإنجيل وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ص، وقد صح في الإنجيل فأقررت بما فيه صفة محمد ص. فقال: فخد عليّ في السفر الثاني فأني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين ص. فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا ع عالم بالتوراة والإنجيل فقالا: والله لقد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود الإنجيل والتوراة والزبور، وقد بشّر به موسى وعيسى ص جميعاً ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون إنه محمدكم. فقال الرضا ع: احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد؟ وتجدونه في شئ من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد؟ فأحجموا عن جوابه .. الحديث) ([62]). ومن كلام الإمام الرضا ع يتبيّن أنه ما دام أن النبي محمد ص مبشّر به من قبل الله تعالى ولم يأت ذلك المبشر به إلا في زمن نبينا محمد ص، فلا يسوغ التشكيك به والاعتراض عليه، وهذه المسألة تنفعنا في مستقبل البحث عند مناقشة مسـألة أول المؤمنين من ذرية الإمام المهدي ع. وأكتفي بهذا المقدار، وإلا فالبشارات والروايات عن ذكر محمد ص في الكتب القديمة تبلغ المئات ولا يسع استقصائها في هذا البحث المختصر. وهذا المقدار يكفي اللبيب في إثبات دور الوصية وأهميتها وأنها أهم الدلائل على صاحب الحق، وبها يعرف المحق من المبطل. * * * -هل أوصى الرسول محمد ص أم لا ؟ لا شك أن الرسول محمد ص هو القدوة والمثل الأعلى فلا يقول ما لا يفعل (وحاشاه)، ولقد سمعنا الآيات والروايات الكثيرة الواردة عن الرسول محمد ص بوجوب الوصية وإن من مات ولم يوصِ مات ميتة جاهلية وختم عمله بمعصية، فهل يعقل أن يموت الرسول ص ولا يوصي إلى أمته ؟! وهل يعقل أن يوجب الله تعالى على ربّ الأسرة أن يوصي بأسرته وما عليه وما له ولا يوجب على الرسول ص الوصية لهذه الأمة الإسلامية التي هي خاتمة الأمم ليرفع عنها الاختلاف والتناحر الذي أدى إلى الاقتتال فيما بين الفرق الإسلامية ؟! وقال ابن شهر آشوب حول هذا الموضوع: (في أن الإمام علي ع الوصي والولي لا يجوز أن يمضي رسول الله ص بلا وصي؛ لقوله تعالى: ﴿كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ... ﴾([63]) الآيات، ولقوله ع: من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية، وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ... ﴾([64]) الآية، ولأن الأنبياء كلهم مضوا بالوصية، وقال الله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾([65])) ([66]). ولم ينكر الوصية عن رسول ص إلا أبناء العامة؛ حيث ادّعوا أن الرسول ص مات ولم يوصِ لأحد ولم ينصب أحداً للخلافة على الأمة وترك الأمة هملاً بلا راعٍ، وعلى الأمة أن تختار قيّماً عليها بالتشاور (الانتخابات). وعند التحقيق ولو بنظرة عابرة على سيرة الرسول ص يتبيّن ضعف حجة أبناء العامة، وإن الرسول محمد ص لابد أنه قد أوصى ولا يمكن أن يترك الأمة بلا وصي عليها يرعى مصالحها ويقودها لما فيه نجاتها دنيا وآخرة. والأحاديث التي تنص على أن رسول الله ص قد استخلف على أمته كثيرة جداً بحيث لا يمكن أن يتسع لها المجال هنا ومن الطريقين الشيعة والسنة كالحديث المشهور (حديث الغدير)، ومن شاء التفصيل فليراجع كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين، وليراجع أيضاً مؤلفات محمد التيجاني في هذا المجال. وأريد أن أؤكد على مسألة مهمة وباختصار وهي: إذا كان الرسول محمد ص مات ولم يوصِ ولم يستخلف على أمته أحداً فهذه سنّة يجب الاقتداء بها والسير عليها، بينما نجد إن أول من خالف هذه السنّة - على فرضهم - هو أبو بكر وعمر بن الخطاب؛ حيث إن أبا بكر عندما حضرته الوفاة أوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب، وكذلك عمر أوصى وبيّن الطريق لمن بعده. فهنا ثلاثة احتمالات: أ- إما أن يكون الرسول ص مخطئاً (وحاشاه) عندما لم يوصِ ولم يعيّن الخليفة من بعده، وأراد أبو بكر وعمر تصحيح هذا الخطأ وتشريع الوصية. وهذا الاحتمال لا يقول به إلا كافر زنديق. ب- وإما أن يكون الرسول ص قد أصاب ولم يستخلف على الأمة أحداً، وعلى هذا الفرض يجب على أبي بكر وعمر أن يقتديا برسول الله ص وأن لا يوصيا لأحد بعد وفاتهما، وبما أنهما قد أوصيا فقد خالفا رسول الله ص وغيّرا سنته، فكيف يكون العاصي للرسول ص إماماً على الأمة وقيّماً عليها ؟!! جـ- وإما أن يكون رسول الله ص قد أوصى واستخلف على الأمة وقد تبعه أبو بكر وعمر واقتديا به وأوصيا عند مماتهما، وهذا احتمال جيد أفضل من سابقيه، ولكن أين هي وصية الرسول محمد ص وإلى من أوصى ؟؟! مع إن أبناء العامة يقولون بأن الرسول ص لم يوصِ فلم يبقَ لهم إلا احتمالان؛ أما الأول وأما الثاني، وعلى كلاهما فهم محجوجون ولا يمكن لهم إقامة البرهان ولا يستقيم لهم بيان. والحق أن الرسول ص قد أوصى قبل وفاته وفي ليلة وفاته لعلي بن أبي طالب ع ونصبه خليفة على الأمة من بعده. عن أبي جعفر الثاني - الجواد ع - في حديث طويل، قال: (ولا يستخلف رسول الله ص إلا من يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلا النبّوة، وإن كان رسول الله ص لم يستخلف في علمه أحداً فقد ضيّع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده ... إلى أن قال: لابد من سيد يتحاكمون إليه، ثم قال: أبى الله بعد محمد ص أن يترك العباد لا حجة عليهم. قال السائل: أرأيت أن قالوا حجة الله القرآن ؟ قال: إذاً أقول لهم إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون .. إلى أن قال: فقد أبى الله أن يصيب عبداً بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاضٍ بالصواب في تلك المصيبة... إلى أن قال: فكذلك لم يمت محمد ص إلا وله بعيث نذير. فإن قلت: لا، فقد ضيّع رسول الله ص من في أصلاب الرجال من أمته. قال: وما يكفيهم القرآن ؟ قال: بلى لو وجدوا له مفسراًً، قال: وما فسره رسول الله ص ؟ قال: بلى قد فسره لرجل واحد، وفسر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب ع .. إلى أن قال: وأيم الله ما مات آدم إلا وله وصي وكل من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها يعني ليلة القدر ووضع الوصية من بعده، وأيم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من لدن آدم إلى محمد ص أن أوصي إلى فلان) ([67]). إذن، فالقول بأن الرسول محمد ص لم يوصِ ولم يستخلف على الأمة أحداً يستلزم الخدش في شخصية الرسول محمد ص، وحاشاه من الخدش وهو الرسول الكريم الرحيم الذي لم ينفك لحظة واحدة عن التفكير بمصير أمته وما تؤول إليه، فكيف يرحل ويتركها بدون وصي يكون حجة لله على الناس لكي لا يكون للناس على الله حجة. وقد قال السيد عبد الحسين شرف الدين في المراجعات رداً على قول عائشة: بأن الرسول ص مات في حجرها ولم يوص لعلي ع ليلة وفاته، فقال: (... وقد قال الله عز وجل مخاطباً لنبيه الكريم في محكم كتابه الحكيم: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ﴾، فهل كانت أم المؤمنين تراه ص لكتاب الله مخالفاً وعن أحكامه صادفاً معاذ الله وحاشا لله، بل كانت تراه يقتفي أثره ويتبع سوره سباقاً إلى التعبد بأوامره ونواهيه بالغاً كل غاية من غايات التعبد بجميع ما فيه. ولا أشك في أنها سمعته يقول: (ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده). أو سمعت نحواً من هذا فإن أوامره الشديدة بالوصية مما لا ريب في صدوره منه ولا يجوز عليه ولا على غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين أن يأمروا بالشيء ثم لا يأتمرون به أو يزجروا عن الشيء ثم لا ينزجرون عنه تعالى الله عن إرسال من هذا شأنه علواً كبيراً. أما ما رواه مسلم وغيره عن عائشة إذ قالت: ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً ولا أوصى بشيء فإنما هو كسابقه، على أنه يصح أن يكون مرادها أنه ما ترك شيئاً على التحقيق وأنه إنما كان صفراً من كل شئ يوصي به نعم لم يترك من حطام الدنيا ما يتركه أهلها إذ كان أزهد العالمين فيها، وقد لحق بربه عز وجل وهو مشغول الذمة بدين وعدات وعنده أمانات تستوجب الوصية وترك مما يملكه شيئاً يقوم بوفاء دينه وإنجاز عداته ويفضل عنهما شيء يسير لوارثه بدليل ما صح من مطالبة الزهراء ص بإرثها. على أن رسول الله ص قد ترك من الأشياء المستوجبة للوصية ما لم يتركه أحد من العالمين، وحسبك أنه ترك دين الله القويم في بدء فطرته وأول نشأته ولهو أحوج إلى الوصي من الذهب والفضة والدار والعقار والحرث والأنعام، وأن الأمة بأسرها ليتاماه وأياماه المضطرون إلى وصيه ليقوم مقامه في ولاية أمورهم وإدارة شؤونهم الدينية والدنيوية ويستحيل على رسول الله ص أن يوكل دين الله - وهو في مهد نشأته - إلى الأهواء ...) ([68]). وفي قول السيد شرف الدين كفاية لمن قصد الحق بصدق، وأما من رفض هذا القول فهو من أتباع عائشة وعمر ونضائرهما الذين يسعون جاهدين لإنكار وصية الرسول محمد ص ليلة وفاته؛ لأنها لا تنسجم مع أغراضهم الدنيوية الرخيصة وما بعد الحق إلا الضلال المبين. وقد تعمدت الاختصار في هذا الموضوع لوضوحه وبداهته فلا حاجة للإطناب فيه. * * * -متى تكون الوصية ؟ قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾([69]). وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([70]). وقال تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ... ﴾([71]). نصت آيات وروايات كثيرة على أن الوصية عند الموت، فإذا حضر المؤمن الموت واجتمع عليه أهله وأحباؤه فعليه أن يوصي لهم وينصحهم النصيحة الأخيرة، نعم ربما تكون الوصية قبل الموت وأن يكون الإنسان قد كتب وصيته، خوفاً من مفاجئة الموت أو أن يموت الإنسان بقتل أو حرق أو غرق، ولكن إن مات الإنسان موتة طبيعية فعليه الوصية عند موته ليكون ذلك آخر كلام له في آخر لحظات حياته ويكون آخر ما يقرره ويثبته في الوصية. وربما تكون الحكمة من ذلك هو اختلاف أحوال الإنسان وتبدل قراراته، فعند الموت يكون أمام الأمر الواقع فيوصي بما أستقر عليه أمره وصية مودع لا رجعة له، وحتى لا يدعي أحد بأن الموصي قد غيّر وصيته خلال حياته فيقال له: بأنه قد أوصى في آخر حياته وعند موته وهي آخر كلام سمع منه فمتى غيّرها !! وهذا ما أكدت عليه روايات كثيرة عن الرسول محمد ص وأهل بيته الطاهرين: عن الصادق ع في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾([72])، قال: (يعني يوصي الإمام إلى إمام عند وفاته) ([73]). وعن أبي عبد الله الصادق ع قال: (قال رسول الله ص: من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله، قيل: يا رسول الله وكيف يوصي؟ قال: إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه، قال: ... الحديث) ([74]). وعن الصادق ع أيضاً، قال: (ما من ميت يحضره الموت إلا رد عليه من بصره وسمعه وعقله للوصية آخذ للوصية أو تارك، وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت فهي حق على كل مسلم) ([75]). وعن السكوني عن أبي عبد الله ع أنه قال: (من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية) ([76]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (وصى رسول الله ص علياً ع عند موته فقال: يا علي لا يظلم الفلاحون بحضرتك، ولا يزداد على أرض وضعت عليها، ولا سخرة على مسلم يعني الأجير) ([77]). وعن جعفر بن محمد ع أنه قيل له: (إن أعين مولاك لما احتضر اشتد نزاعه ثم أفاق حتى ظننا أنه قد استراح ثم مات بعد ذلك، فقال ع: تلك راحة الموت، أما إنه ما من ميت يموت حتى يرد الله عز وجل عليه من عقله وسمعه وبصره، وعدد أشياء للوصية أخذ أو ترك)([78]). وعن أمير المؤمنين ع أنه قال: (ينبغي لمن أحس بالموت أن يعهد عهده ويجدد وصيته. قيل: وكيف يوصي يا أمير المؤمنين، قال يقول: بسم الله الرحمن الرحيم شهادة من الله شهد به فلان بن فلان: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، اللهم من عندك وإليك، وفي قبضتك ومنتهى قدرتك ....) ([79]). وعن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ص، قال: (....... وكان ص يلبس من القلانس اليمنية والبيضاء والمضربة ذات الأذنين في الحرب، وكانت له عنزة يتكئ عليها ويخرجها في العيدين فيخطب بها، وكان له قضيب يقال له الممشوق، وكان له فسطاط يسمى الكن، وكانت له قصعة تسمى المنبعة، وكان له قعب يسمى الري، وكان له فرسان يقال لأحدهما: المرتجز وللآخر: السكب، وكانت له بغلتان يقال لأحدهما: دلدل وللأخرى: الشهباء، وكانت له ناقتان يقال لأحدهما: العضباء وللأخرى: الجدعاء، وكان له سيفان يقال لأحدهما: ذو الفقار وللآخر: العون، وكان له سيفان آخران يقال لأحدهما: المخذم وللآخر: الرسوم، وكان له حمار يسمى يعفور، وكانت له عمامة تسمى السحاب، وكانت له درع تسمى ذات الفضول لها ثلاث حلقات فضة: حلقة بين يديها وحلقتان خلفها، وكانت له راية تسمى العقاب، وكان له بعير يحمل عليه يقال له: الديباج، وكان له لواء يسمى المعلوم، وكان له مغفر يقال له: الأسعد. فسلم ذلك كله إلى علي ع عند موته، وأخرج خاتمه وجعله في إصبعه ...) ([80]). وعن يونس بن يعقوب، قال: قال أبو عبد الله ع: (إن أبي أوصاني عند الموت يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا وثوب كذا وكذا، واشتر لي برداً واحداً وعمامة وأجدهما، فان الموتى يتباهون بأكفانهم) ([81]). ومن وصية الرسول ص أنه قال: (يا علي من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصاً في مروءته ولم يملك الشفاعة) ([82]). وعن أمير المؤمنين ع، قال: (... رسول الله ص أخذ عند موته بيدي ففتح لي ألف باب من العلم تنفتح من كل باب ألف باب...) ([83]). فانظر أيها العاقل بعين الإنصاف إلى هذه النصوص الشريفة التي تنص على وجوب الوصية عند الموت، أي عندما تحظر الوفاة لتعرف أن الذين ينفون وصية رسول الله عند الوفاة (ليلة الوفاة) قد اتهموا الرسول ص بأنه يقول ما لا يفعل، وأنه خالف نص القرآن الكريم (وحاشاه)؛ لأن الرسول ص قال كما سبق : (من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله) ([84])، وقال الإمام علي ع: (ينبغي لمن أحس بالموت أن يعهد عهده ويجدد وصيته...) ([85])، وغيرها من الأحاديث التي تنص على أن من مات ولم يوص مات ميتة جاهلية وختم عمله بمعصية ولا يملك الشفاعة لأحد. وأضف إلى ذلك قول الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([86])، وقوله تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾([87]). وأنبه على أن الوصية الواجبة المذكورة في الآيتين والروايات السابقة الذكر هي الوصية عندما تحضر الوفاة بالخصوص بدليل قوله تعالى: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ وتأكيد الروايات على كلمة: (عند الموت)، فلابد أن يكون الرسول محمد ص قد أوصى في الليلة التي كانت فيها وفاته. وهذا ما حصل أيضاً مع نبي الله آدم ع، فقد أوحى الله تعالى إليه أن يوصي عندما انقضت أيامه وحانت وفاته. عن أبي عبد الله ع، قال: (لما انقضت نبّوة آدم وأنقطع أكله أوحى الله إليه: يا آدم انه قد انقضت نبوتك وانقطع أكلك، فأنظر إلى ما عندك من العلم والأيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله .. الحديث) ([88]). وكذلك نبي الله نوح ع، عن الإمام الصادق ع، قال: (عاش نوح ع خمسمائة سنة بعد الطوفان، ثم أتاه جبرئيل فقال: يا نوح قد قضيت نبوتك استكملت أيامك، فأنظر الاسم الأعظم وميراث العلم وآثار النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام .. الحديث) ([89]). وكذلك نبي الله يعقوب ع، إذ حكى عنه الله تعالى بقوله: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ ُمسْلِمُون﴾([90]). وقد أوصى رسول الله ص عند وفاته، فعن الرضا ع في حديث: (... إلى أن قال: وان رسول الله ص لما كان وقت وفاته دعا علياً ع وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كانت فيها الأسماء التي خصّ الله بها الأنبياء والأوصياء ...) ([91]). وعن أبي جعفر ع: (الوصية حق وقد أوصى رسول الله ص، فينبغي للمسلم أن يوصي) ([92]). والنص المنقول من وصية الرسول محمد ص ليلة وفاته هو: ... عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ص، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملا رسول الله ع وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي، فمن ثبتها لقيتني غداًً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد فذلك إثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) ([93]). وقد أوصت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ص: عن أبي بصير، قال: (قال أبو جعفر ع: ألا أقرئك وصية فاطمة ص؟ قال: قلت بلى، قال: فأخرج حقاً أو سفطاً فأخرج منه كتاباً فقرأه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله ص أوصت بحوائطها السبعة: العواف، والدلال، والبرقة، والميثب، والحسنى، والصافية، وما لام إبراهيم إلى علي بن أبي طالب ع، فان مضى علي فإلى الحسن، فان مضى الحسن فإلى الحسين، فان مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي، شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وكتب علي بن أبي طالب) ([94]). وقد أوصى الإمام علي ع أولاده بعد أن ضربه ابن ملجم (لعنه الله تعالى)، فعن أبي جعفر ع قال: (إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما حضره الذي حضره قال لابنه الحسن: أدنُ مني حتى أسر إليك ما أسر رسول الله ص إلي وائتمنك على ما ائتمني عليه ففعل) ([95]). وروى عن سليم بن قيس الهلالي، قال: (شهدت وصية علي بن أبي طالب ع حين أوصى إلى ابنه الحسن، وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء أهل بيته وشيعته ص، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال ع: يا بني أمرني رسول الله ص أن أوصى إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلى رسول الله ص ودفع إلى كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين، قال: ثم أقبل على ابنه الحسين ع فقال: وأمرك رسول الله ص أن تدفعه إلى ابنك علي بن الحسين، ثم أقبل على ابنه علي بن الحسين ص فقال: وأمرك رسول الله ص أن تدفع وصيتك إلى ابنك محمد بن علي، فأقرأه من رسول الله ص ومني السلام. ثم أقبل على ابنه الحسن ع فقال: يا بني، أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم. ثم قال: اكتب "بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين ولو كره المشركون ص، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فاني سمعت رسول الله ص يقول: " صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين ولا قوة إلا بالله. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب، والله الله في الأيتام فلا نعر أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله ص يقول: " من عال يتيماً حتى يستغنى أوجب الله له الجنة كما أوجب لاكل مال اليتيم النار". والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم. والله الله في جيرانكم فإن الله ورسوله أوصيا بهم. والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا فإن أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف من ذنبه. والله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم. والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم. والله الله في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار. والله الله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معيشتكم. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان: إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه. والله الله في ذرية نبيكم فلا تظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم. والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤوا محدثاً، فإن رسول الله ص أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث. والله الله في النساء وما ملكت إيمانكم لا تخافن في الله لومة لائم، يكفيكم الله من أرادكم وبغى عليكم وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله عز وجل. لا تتركن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم. عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام. ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله، حتى قبض صلوات الله عليه وسلامه في أول ليلة من العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة لأربعين سنة مضت من الهجرة) ([96]). ورواه الشيخ الطوسي في (تهذيب الأحكام) ([97]) بهذا السند: الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر ع، وإبراهيم بن عمر، عن أبان رفعه إلى سليم بن قيس الهلالي رضي الله عنه، قال: شهدت وصية أمير المؤمنين ع حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين ع ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ... إلى تمام الوصية المتقدمة. ونقلها الكافي متفرقة فنقل صدر الوصية إلى قوله: (... فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم) بالسند الآتي: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر ع ([98]). وكذلك نقل الكليني صدر هذه الوصية إلى قوله ع: (... وأمرك رسول الله ص أن تدفع وصيتك إلى ابنك محمد بن علي فأقرأه من رسول الله ص ومني السلام) بالسند الآتي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، وعمر بن أذينة، عن أبان، عن سليم بن قيس ([99]). ثم إن الكليني نقل تكملة الرواية مع بعض الاختلاف في المتن ([100]). والوصية موجودة في نفس كتاب سليم بن قيس الهلالي ([101]). وعن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال: (لما ضرب أمير المؤمنين ع حف به العواد وقيل له: يا أمير المؤمنين أوص، فقال: اثنوا لي وسادة، ثم قال: الحمد لله حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب، أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون. أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئاً، ومحمداً ص فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين المعمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ مجهوده، وخفف عن الجهلة رب رحيم وإمام عليم ودين قويم. أنا بالأمس صاحبكم [أنا] اليوم عبرة لكم وغداً مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها، وعفا في الأرض محطها، وإنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حركة وكاظمة بعد نطق؛ ليعظكم هدوي وخفوف إطراقي وسكون أطرافي، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي غداً ترون أيامي ويكشف الله عز وجل عن سرائري وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفن فالفناء ميعادي، [وإن أعف] فالعفو لي قربة ولكم حسنة فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يعفو الله لكم، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة أو تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه. ثم أقبل على الحسن ع فقال: يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم) ([102]). وكذلك الحسن ع فعل كما فعل جده وأبيه صلوات الله عليهما حيث أوصى إلى أخيه الإمام الحسين ع عندما حضرته الوفاة: عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (لما حضر الحسن بن علي ص الوفاة قال للحسين ع: يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، إذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله ص لأحدث به عهدا ثم اصرفني إلى أمي ص ثم ردني فادفني بالبقيع، واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت ...) ([103]). وعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله ع، قال: (لما حضرت الحسن بن علي ص الوفاة، قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد ص؟ فقال: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني، قال: ادع لي محمد بن علي، فأتيته فلما دخلت عليه، قال: هل حدث إلا خير ؟ قلت: أجب أبا محمد فعجل على شسع نعله، فلم يسوه وخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلم، فقال له الحسن بن عليص: اجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم، ومصابيح الهدى ، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض. أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم ع أئمة، وفضل بعضهم على بعض، وآتى داود ع زبوراً وقد علمت بما استأثر به محمداً ص يا محمد بن علي إني أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين، فقال الله عز وجل: ﴿كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾([104])، ولم يجعل الله عز وجل للشيطان عليك سلطاناً، يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال: بلى، قال: سمعت أباك ع يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا ولدي، يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك، يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي ص بعد وفاة نفسي، ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند الله جل اسمه في الكتاب، وراثة من النبي ص أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه ، فاصطفى منكم محمداً ص واختار محمد علياً ع واختارني علي ع بالإمامة واخترت أنا الحسين ع .....) ([105]). وكذلك فعل الإمام الحسين ع عندما حان وقت شهادته في كربلاء روحي له الفداء. عن أبي جعفر ع، قال: (إن الحسين بن علي ص لما حضره الذي حضره، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين ع فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسين ص مبطوناً معهم لا يرون إلا أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ع ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد، قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك ؟ قال: فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا، والله إن فيه الحدود حتى أن فيه أرش الخدش) ([106]). وجاء في كتاب (من أخلاق الإمام الحسين ع) لمؤلفه عبد العظيم المهتدي البحراني نقلاً عن كتاب الدمعة الساكبة ([107])، وكتاب معالي السبطين ([108])، وكتاب ذريعة النجاة ([109]) الرواية الآتية: (لما ضاق الأمر بالحسين ع وقد بقي وحيداً فريداً، التفت إلى خيم بني أبيه فرآها خالية منهم، ثم التفت إلى خيم بني عقيل فوجدها خالية منهم، ثم التفت إلى خيم أصحابه فلم ير منهم أحداً، فجعل يكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم ذهب إلى خيم النساء، فجاء إلى خيمة ولده زين العابدين ع فرآه ملقى على نطع من الأديم، فدخل عليه وعنده زينب تمرضه، فلما نظر إليه علي بن الحسين ص أراد النهوض فلم يتمكن من شدة المرض، فقال لعمته: أسنديني إلى صدرك فهذا ابن رسول الله ص قد أقبل، فجلست زينب خلفه وأسندته إلى صدرها، فجعل الحسين ع يسأل ولده عن مرضه، وهو يحمد الله تعالى، ثم قال: يا أبتاه ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين ؟ فقال له الحسين ع: يا ولدي قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وقد شب الحرب بيننا وبينهم لعنهم الله حتى فاضت الأرض بالدم منا ومنهم. فقال علي ع: يا أبتاه أين عمي العباس ؟ فلما سأل عن عمه اختنقت زينب بعبرتها، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه، لأنه لم يخبره بشهادة عمه العباس، خوفاً من أن يشتد مرضه. فقال ع: يا بني إن عمك قد قتل، قطعوا يديه على شاطئ الفرات. فبكى علي بن الحسين ع بكاء شديداً حتى غشي عليه، فلما أفاق من غشوته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته، والحسين ع يقول له: قتل. فقال: وأين أخي علي، وحبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة، وزهير بن القين ؟ فقال له: يا بني اعلم أنه ليس في الخيام رجل حي إلا أنا وأنت، وأما هؤلاء الذين تسأل عنهم فكلهم صرعى على وجه الثرى، فبكى علي بن الحسين بكاء شديداً، ثم قال لعمته زينب: يا عمتاه علي بالسيف والعصا. فقال له أبوه: وما تصنع بهما ؟ فقال: أما العصا فأتوكأ عليها، وأما السيف فأذب به بين يدي ابن رسول الله ص فإنه لا خير في الحياة بعده. فمنعه الحسين من ذلك، وضمه إلى صدره وقال له: يا ولدي أنت أطيب ذريتي، وأفضل عترتي، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال، فإنهم غرباء مخذولون، قد شملتهم الذلة واليتم وشماتة الأعداء ونوائب الزمان، سكتهم إذا صرخوا، وآنسهم إذا استوحشوا، وسل خواطرهم بلين الكلام، فإنهم ما بقي من رجالهم من يستأنسون به غيرك، ولا أحد عندهم يشكون إليه حزنهم سواك، دعهم يشموك وتشمهم، ويبكوا عليك وتبكي عليهم. ثم لزمه بيده ع وصاح بأعلى صوته: يا زينب ويا أم كلثوم ويا سكينة ويا رقية ويا فاطمة، إسمعن كلامي واعلمن أن ابني هذا خليفتي عليكم، وهو إمام مفترض الطاعة. ثم قال له: يا ولدي بلغ شيعتي عني السلام، فقل لهم: إن أبي مات غريباً فاندبوه، ومضى شهيداً فابكوه) ([110]). وعن أبي جعفر ع، قال: (لما قتل الحسين بن علي ع، أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين ع، فخلا به، ثم قال له: يا بن أخي، قد علمت أن رسول الله ص كان جعل الوصية والإمامة من بعده لعلي بن أبي طالب ع، ثم إلى الحسن، ثم إلى الحسين ص . وقد قتل أبوك ع، ولم يوص، وأنا عمك، وصنو أبيك وولادتي من علي ع، في سني وقدمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني الوصية والإمامة ولا تخالفني، فقال له علي بن الحسين ع: يا عم اتق الله، ولا تدع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين. يا عم، إن أبي صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إلي من (في) ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله ص عندي، فلا تعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر، وتشتت الحال ...) ([111]). وكذلك الإمام علي بن الحسين ع دفع الصندوق الذي فيه علم رسول الله ع والوصية وآثار النبوة إلى ولده محمد الباقر عند وفاته: عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر ع: (لما حضرت أبي علي بن الحسين ص الوفاة ضمني إلى صدره وقال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به يا بني اصبر على الحق وإن كان مراً) ([112]). وعن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده، قال: (التفت علي بن الحسين ص إلى وُلْدِه - وهو في الموت - وهم مجتمعون عنده ثم التفت إلى محمد بن علي، فقال: يا محمد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك، قال: أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءاً علماً) ([113]). وعن أبي بصير، عن أبي جعفر ع، قال: (كان فيما أوصى به إلي أبي علي بن الحسين ص أن قال: يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي غيرك، فإن الإمام لا يغسله إلا إمام (بعده) مثله ....) ([114]). وكذلك أوصى الباقر ع لابنه الصادق عند وفاته: الكليني في الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله ع قال: (إن أبي ع استودعني ما هناك، فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة من قريش، فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال: اكتب، هذا ما أوصى به يعقوب بنيه ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾([115])، وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة، وأن يعممه بعمامته، وأن يربع قبره، ويرفعه أربع أصابع وأن يحل عنه أطماره عند دفنه، ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله ، فقلت له: يا أبت - بعد ما انصرفوا - ما كان في هذا بأن تشهد عليه فقال: يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال: إنه لم يوص إليه، فأردت أن تكون لك الحجة) ([116]). وعن يونس بن يعقوب، قال: قال أبو عبد الله ع: (إن أبي أوصاني عند الموت يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا وثوب كذا وكذا، واشتر لي برداً واحداً وعمامة وأجدهما فان الموتى يتباهون بأكفانهم) ([117]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (لما حضرت أبي ع الوفاة قال: يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً، قلت: جعلت فداك والله لأدعنهم - والرجل منهم يكون في المصر - فلا يسأل أحداً) ([118]). والإمام الصادق ع رغم أن أبا جعفر المنصور العباسي كان متربصاً لوصيته ليقتل من ينص عليه بالإمامة من بعده، لم يترك الوصية عند الموت، واضطر إلى أن يوصي بالظاهر إلى متعددين ليتستر على وصيه ويحول دون قتله من قبل المنصور الدوانيقي، فنص على ابنه عبد الله وموسى ع والمنصور الدوانيقي وغيرهم، وهذا يدل على أن مسألة الوصية عند الموت مشهورة ومتسالم عليها بين الناس، وحتى المنصور الدوانيقي على علم بذلك، في حين أن الإمام الصادق ع قد نص في مواقف متعددة على إمامة ابنه الكاظم ع، ورغم كل تلك التقية لم يترك الوصية عند الموت، فأوصى وصية ظاهرة وعامة للحفاظ على وصيه الكاظم ع من مكر المنصور الدوانيقي، وأيضاً أوصى وصية خاصة ومستورة عن الأعداء ونص فيها على إمامة الكاظم ع بعده: عن أبي أيوب النحوي، قال: (بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه وهو جالس على كرسي، وبين يديه شمعة وفي يده كتاب، فلما سلمت عليه رمى الكتاب إلى وهو يبكي وقال: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات، فإنا لله وإنا إليه راجعون - ثلاثاً - وأين مثل جعفر ؟! ثم قال لي: أكتب فكتبت صدر الكتاب، ثم قال: أكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه. قال: فرجع الجواب إليه: أنه قد أوصى إلى خمسة نفر واحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى [بن جعفر] وحميدة. فقال المنصور: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل) ([119]). وعن المفضل بن عمر، قال: (لما قضى الصادق ع كانت وصيته في الإمامة إلى موسى الكاظم ع فادعى أخوه عبد الله الإمامة ...) ([120]). وعن أبي بصير قال: سمعت العبد الصالح ع يقول: (لما حضر أبي الموت قال: يا بني لا يلي غسلي غيرك، فإني غسلت أبي وغسل أبي أباه والحجة يغسل الحجة) ([121]). وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ع، قال: (مرض أبو جعفر ع مرضاً شديداً حتى خفنا عليه، فقال: ما عليّ من مرضي هذا بأس. قال: ثم سكت ما شاء الله، ثم اعتل علة خفيفة فأقبل يوصينا، ثم قال: أدخل عليّ نفراً من أهل المدينة حتى أشهدهم، فقلت: يا أبت ليس عليك بأس، فقال: يا بني إن الذي جاءني فأخبرني أني لست بميت في مرضي ذلك، هو الذي أخبرني أني ميت في مرضي هذا) ([122]). وعن مناقب ابن شهرآشوب: (اختلفت الأمة بعد النبي ص في الإمامة بين النص والاختيار فصح لأهل النص من طرق المخالف والمؤالف بأن الأئمة اثنا عشر، ونبغت السبعية بعد جعفر الصادق ع وادعوا دعوى فارقوا بها الأمة بأسرها. وكان الصادق ع قد نص على ابنه موسى ع وأشهد على ذلك ابنيه إسحاق وعلياً، والمفضل بن عمر، ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمان بن الحجاج، والفيض ابن المختار، ويعقوب السراج، وحمران بن أعين، وأبا بصير، وداود الرقي ويونس بن ظبيان، ويزيد بن سليط، وسليمان بن خالد، وصفوان الجمال، والكتب بذلك شاهدة، وكان الصادق ع أخبر بهذه الفتنة بعده وأظهر موت إسماعيل وغسله وتجهيزه ودفنه، وتشيع في جنازته بلا حذاء وأمر بالحج عنه بعد وفاته) ([123]). وهناك نصوص أخرى تبين بعض وصايا الإمام الصادق ع عندما حضرته الوفاة، منها تخص وصيه الكاظم ع ومنها عامة: عن أبي بصير، قال: قال أبو الحسن الأول ع: (أنه لما حضر أبي الوفاة قال لي: يا بني إنه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة) ([124]). وعن أبي بصير، قال: (دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله ع، فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله ع عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه، ثم قال: أجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحداً إلا جمعناه. قالت: فنظر إليهم، ثم قال: إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة) ([125]). وعن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد جميعاً، عن سالمة مولاة أبي عبد الله ع، قال: (كنت عند أبي عبد الله ع حين حضرته الوفاة، فأغمي عليه فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن علي بن الحسين - وهو الأفطس - سبعين ديناراً، وأعطوا فلاناً كذا وكذا، وفلاناً كذا وكذا، فقلت: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟ فقال: ويحك أما تقرأين القرآن؟ قلت: بلى، قال: أما سمعت قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾([126]). قال ابن محبوب في حديثه: (حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك، فقال: أتريدين على أن لا أكون من الذين قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾؟ نعم يا سالمة، إن الله خلق الجنة وطيبها وطيب ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم) ([127]). وقد اضطر بعض الأئمة ص أن يوصوا قبل مماتهم بأشهر أو سنين وذلك للتقية ولأن بعضهم مات في السجون كالإمام الكاظم ع، ومنهم من مات في دار الغربة كالإمام الرضا ع بعيداً عن أهله وولده الجواد ع، بل هناك بعض الأخبار تذكر أن الإمامين الكاظم والرضا ص قد جمعهما الله تعالى مع وصييهما قبل أو عند الوفاة. فقد اجتمع الإمام الكاظم ع مع ابنه الرضا ع قبل وعند وفاته: الصدوق: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن سليمان بن جعفر البصري عن عمر بن واقد، قال: ... إلى قوله: ( ثم إن سيدنا موسى ع دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلاً به، فقال له: يا مسيب، قال: لبيك يا مولاي، قال: إني ظاعن هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدي رسول الله ص لا عهد إلى علي ابني ما عهده إلى أبي واجعله وصيي وخليفتي وآمره أمري، قال المسيب: فقلت: يا مولاي كيف تأمرني أن افتح لك الأبواب وأقفالها والحرس معي على الأبواب ؟! فقال: يا مسيب ضعف يقينك بالله عز وجل وفينا، قلت: لا يا سيدي، قال: فمه، قلت: يا سيدي ادع الله يثبتني، فقال: اللهم ثبته، ثم قال: إني أدعو الله عز وجل باسمه العظيم الذي دعا آصف حتى جاء بسرير بلقيس ووضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه حتى يجمع بيني وبين ابني على بالمدينة. قال المسيب: فسمعته ع يدعو ففقدته عن مصلاه فلم أزل قائماً قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد رجليه، فخررت لله ساجداً لوجهي شكراً على ما أنعم به على من معرفته، فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب واعلم أني راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم، قال: فبكيت فقال لي: لا تبك يا مسيب فان علياً ابني هو إمامك ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فإنك لن تضل ما لزمته، فقلت: الحمد لله. قال: ثم إن سيدي ع دعاني في ليله اليوم الثالث، فقال لي: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل، فإذا دعوت بشربه من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني واصفر لوني واحمر وأخضر وتلون ألواناً فخبر الطاغية بوفاتي، فإذا رأيت بي هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحداً ولا على من عندي إلا بعد وفاتي. قال المسيب بن زهير: فلم أزل أرقب وعده حتى دعا ع بالشربة فشربها، ثم دعاني فقال لي: يا مسيب إن هذا الرجس السندي شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً ! فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فإن كل تربه لنا محرمه إلا تربه جدي الحسين بن علي ص فإن، تعالى جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا. قال: ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه وكان عهدي بسيدي الرضا ع وهو غلام، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى ع فقال: أليس قد نهيتك يا مسيب ؟! فلم أزل صابراً حتى مضى وغاب الشخص، ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك، فو الله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه، وأراهم لا يصنعون به شيئاً ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه، فلما فرغ من أمره، قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فاني امامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي ع يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ع ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا فعرفهم وهم له منكرون. ثم حمل ع حتى دفن مقابر قريش ولم يرفع قبره أكثر مما أمر به، ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه) ([128]). وفي راوية عن الإمام الرضا ع: (... فقام إليه نصر بن مزاحم، فقال: يا ابن رسول الله ما تقول في جعفر بن محمد ؟ قال: ما أقول في إمام شهدت أمة محمد قاطبة بأنه كان أعلم أهل زمانه، قال: فما تقول في موسى بن جعفر ؟ قال: كان مثله، قال: فإنّ الناس قد تحيروا في أمره ؟ قال: إن موسى بن جعفر عمر برهة من الزمان فكان يكلم الأنباط بلسانهم، ويكلم أهل خراسان بالدرية وأهل روم بالرومية، ويكلم العجم بألسنتهم، وكان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود والنصارى، فيحاجهم بكتبهم وألسنتهم، فلما نفدت مدته وكان وقت وفاته أتاني مولى برسالته يقول: يا بني إن الأجل قد نفد، والمدة قد انقضت، وأنت وصي أبيك فانّ رسول الله ص لما كان وقت وفاته دعا علياً وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خص الله بها الأنبياء والأوصياء، ثم قال: يا علي ادن مني، فغطى رسول الله ص رأس علي ع بملاءة ثم قال له: أخرج لسانك، فأخرجه فختمه بخاتمه ثم قال: يا علي اجعل لساني في فيك، فمصه وأبلغ عني كل ما تجد في فيك، ففعل علي ذلك فقال له: إن الله قد فهمك ما فهمني، وبصرك ما بصرني، وأعطاك من العلم ما أعطاني إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي، ثم كذلك إمام بعد إمام، فلما مضى موسى علمت كل لسان وكل كتاب) ([129]). وقد ذكر يزيد بن سليط وصية الكاظم ع لولده الرضا ع، فقال: (لما أوصى أبو إبراهيم ع أشهد إبراهيم بن محمد الجعفري، وإسحاق بن محمد الجعفري، وإسحاق بن جعفر بن محمد، وجعفر بن صالح، ومعاوية الجعفري، ويحيى بن الحسين بن زيد بن علي، وسعد بن عمران الأنصاري، ومحمد بن الحارث الأنصاري، ويزيد بن سليط الأنصاري، ومحمد بن جعفر بن سعد الاسلمي - وهو كاتب الوصية الأولى - أشهدهم: أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث ما في القبور، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الوعد حق، وأن الحساب حق، والقضاء حق، وأن الوقوف بين يدي الله حق، وأن ما جاء به محمد ص حق، وأن ما نزل به الروح الأمين حق، على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه ابعث إن شاء الله. وأشهدهم: أن هذه وصيتي بخطي وقد نسخت وصية جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ووصية محمد بن علي قبل ذلك نسختها حرفاً بحرف، ووصية جعفر بن محمد على مثل ذلك، وإني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه إن شاء وآنس منهم رشداً، وأحب أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه ... إلى آخر الوصية) ([130]). وعن الحسين بن المختار، قال: (خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن ع وهو في الحبس: عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا وأن يفعل كذا، وفلان لا تنله شيئاً حتى ألقاك أو يقضي الله علي الموت) ([131]). واجتمع الرضا ع مع ابنه الجواد ع قبل وعند وفاته رغم بعد المسافات التي بينهم: عن أبي الصلت في حديث طويل: (.... ثم قال ع: يا أبا الصلت غداً ادخل على هذا الفاجر فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك وإن أنا خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني، قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس فجعل في محرابه ينتظر فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا اتبعه حتى دخل المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما أبصر بالرضا ع وثب إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه ثم ناوله العنقود، وقال: يا بن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا، فقال الرضا ع: ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنة، فقال له: كل منه فقال له الرضا ع: تعفيني منه، فقال: لابد من ذلك وما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشيء، فتناول العنقود فأكل منه ثم ناوله فأكل منه الرضا ع ثلاث حبات ثم رمى به وقام، فقال المأمون: إلى أين ؟ فقال: إلى حيث وجهتني، فخرج ع مغطى الرأس فلم أكلمه حتى دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب فغلق ثم نام ع على فراشه، ومكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً، فبينما أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا ع، فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق ؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومن أنت ؟ فقال لي: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه ص فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إليه الرضا ع وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم سحبه سحباً إلى فراشه وأكب عليه محمد بن علي ع يقبله ويساره بشيء لم أفهمه، ورأيت على شفتي الرضا ع زبداً أشد بياضاً من الثلج ورأيت أبا جعفر ع يلحسه بلسانه، ثم ادخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج منه شيئاً شبيهاً بالعصفور فابتلعه أبو جعفر ع ومضى الرضا ع، فقال أبو جعفر ع: قم يا أبا الصلت ائتني بالمغتسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، وقال لي: ائته إلي ما آمرك به، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله، فقال لي: تنح يا أبا الصلت، فإن لي من يعينني غيرك، فغسله ثم قال لي: ادخل الخزانة فاخرج إلى السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه، فكفنه وصلى عليه، ثم قال لي: ائتني بالتابوت، فقلت: امضي إلى النجار حتى يصلح التابوت، قال: قم فان في الخزانة تابوتاً، فدخلت الخزانة فوجدت تابوتاً لم أره قط فأتيته به، فأخذ الرضا ع بعد ما صلى عليه فوضعه في التابوت وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت وانشق السقف فخرج منه التابوت ومضى، فقلت: يا بن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا ع، فما نصنع؟ فقال لي: أسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما، وما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت، فقام ع فاستخرج الرضا ع من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن ...) ([132]). وأما الإمام الجواد ع فقد أشخصه المعتصم العباسي من المدينة إلى بغداد سنة 220 هـ ق، وقد توفى في نفس السنة في بغداد، وقد أوصى بإمامة ابنه الإمام علي الهادي ع في علته، آخر يوم أو آخر أيام حياته ع: المفيد: عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه قال: كنت ألزم باب أبي جعفر ع للخدمة التي وكلت بها وكان أحمد بن [محمد بن] عيسى الأشعري يجئ في السحر من آخر كل ليلة ليتعرف خبر علة أبي جعفر ع، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد وخلا به. قال الخيراني: فخرج ذات ليلة، وقام أحمد بن محمد بن عيسى عن المجلس وخلا بي الرسول واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول: مولاك يقرئك السلام ويقول لك: إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي، ثم مضى الرسول. ورجع أحمد إلى موضعه، فقال لي: ما الذي قال لك ؟ قلت: خيراً، قال: قد سمعت ما قال، وأعاد علي ما سمع فقلت: قد حرم الله عليك ما فعلت؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾([133])، فان سمعت فاحفظ الشهادة، لعلنا نحتاج إليها يوماً ما وإياك أن تظهرها إلى وقتها. قال: أصبحت وكتبت نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمتها ودفعتها إلى وجوه أصحابنا، وقلت: إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها. فلما مضى أبو جعفر ع لم أخرج من منزلي حتى علمت أن رؤوس العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج يتفاوضون في الأمر، فكتب إلي محمد بن الفرج يعلمني باجتماعهم عنده يقول: لولا مخافة الشهرة لصرت معهم إليك، فأحب أن تركب إلي! فركبت وصرت إليه فوجدت القوم مجتمعين عنده فتجارينا في الباب فوجدت أكثرهم قد شكّوا. فقلت لمن عنده الرقاع وهو حضور: أخرجوا تلك الرقاع فأخرجوها فقلت لهم: هذا ما أمرت به، فقال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكد هذا القول، فقلت لهم: قد أتاكم الله بما تحبون هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة فسألوه القوم، فتوقف عن الشهادة فدعوته إلى المباهلة فخاف منها وقال: قد سمعت ذلك، وهي مكرمة كنت أحب أن يكون لرجل من العرب فأما مع المباهلة فلا طريق إلى كتمان الشهادة، فلم يبرح القوم حتى سلّموا لأبي الحسن ع) ([134]). وقبل ذلك نص على ابنه بالإمامة عندما هم بالخروج من المدينة إلى بغداد: عن إسماعيل بن مهران، قال: لما خرج أبو جعفر ع من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولة من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك ؟ فكر بوجهه إلي ضاحكاً وقال: ليس [الغيبة] حيث ظننت في هذه السنة، فلما استدعى به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك فأنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت إلي فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر من بعدي إلى ابني علي) ([135]). البحار: عيون المعجزات: (لما خرج أبو جعفر ع وزوجته ابنة المأمون حاجاً وخرج أبو الحسن علي ابنه ع وهو صغير فخلفه في المدينة، وسلم إليه المواريث والسلاح، ونص عليه بمشهد ثقاته وأصحابه، وانصرف إلى العراق ومعه زوجته ابنة المأمون، وكان خرج المأمون إلى بلاد الروم، فمات بالبديرون في رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، وذلك في ستة عشرة سنة من إمامة أبي جعفر ع وبويع المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون في شعبان من سنة ثمان عشرة ومائتين) ([136]). وعن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه: (أن أبا جعفر ع لما أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها أجلس أبا الحسن في حجره بعد النص عليه وقال له: ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائف العراق؟ فقال ع: سيفاً كأنه شعلة نار، ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له: ما تحب أنت؟ فقال: فرساً، فقال ع: أشبهني أبو الحسن، أشبه هذا أمه) ([137]). فلم يكتفِ الإمام الجواد ع بالنصوص المتعددة قبل وفاته، بل نص وكتب وصيته في العلة التي توفي فيها ع، مقتدياً بجده المصطفى ص وآبائه ص والأنبياء والمرسلين ص. بل لا يبعد حضور الإمام الهادي ع عند والده عندما حضرته الوفاة، بل هذا هو الأكيد وخصوصاً بعد ملاحظة الروايات التي تنص على أن الإمام لا يلي تغسيله إلا إمام مثله: عن أبي بصير، عن أبي جعفر ع قال: (كان فيما أوصى به إلي أبي علي بن الحسين ص أن قال: يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي غيرك، فإن الإمام لا يغسله إلا إمام (بعده) مثله....) ([138]). وعن أبي بصير قال: سمعت العبد الصالح ع يقول: (لما حضر أبي الموت قال: يا بني لا يلي غسلي غيرك فإني غسلت أبي وغسل أبي أباه، والحجة يغسل الحجة) ([139]). وعن أبي عبد الله ع في حديث طويل: (... ولا يلي الوصي إلا وصي) ([140]). وعن أحمد بن عمر الحلال أو غيره، عن الرضا ع قال: (قلت له : إنهم يحاجونا يقولون: إن الإمام لا يغسله إلا الإمام، قال: فقال: ما يدريهم من غسله، فما قلت لهم؟ قال: فقلت: جعلت فداك قلت لهم: إن قال مولاي إنه غسله تحت عرش ربي فقد صدق، وإن قال غسله في تخوم الأرض فقد صدق، قال: لا هكذا، [قال] فقلت: فما أقول لهم؟ قال: قل لهم: إني غسلته، فقلت: أقول لهم إنك غسلته ؟ فقال: نعم) ([141]). وعن الإمام الرضا ع في خبر طويل: (... فإنه سيشرف عليك - أي المأمون - ويقول لك، يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله، فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس، فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا ع بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهراً مكشوفاً ولا يغسله الآن أيضاً إلا هو من حيث يخفى ...) ([142]). ومن تأمل كلام الإمام الرضا ع يتبين له أن الإمام لابد أن يلي غسله إمام مثله، سواء على نحو الظهور والعلن، أو على نحو السر والكتمان، ولعل الرواية الآتية فيها إشارة إلى أن الإمام الهادي ع قد رجع من تجهيز والده الجواد ع بعد موته: عن الحسن بن علي الوشا، قال: (جاء المولى أبو الحسن علي بن محمد ع مذعوراً حتى جلس في حجر أم موسى عمة أبيه، فقالت له: مالك ؟ فقال لها: مات أبي والله الساعة، فقالت: لا تقل هذا، فقال: هو والله كما أقول لك، فكتب الوقت واليوم، فجاء بعد أيام خبر وفاته ع وكان كما قال) ([143]). وأيضاً أوصى الهادي ع بإمامة ابنه الحسن العسكري ع من بعده، وكذلك أوصى إليه وسلمه مواريث الأنبياء ص: عن المسعودي في كتابه إثبات الوصية: (واعتل أبو الحسن علته التي توفى فيها في سنة أربع وخمسين ومائتين وأحضر ابنه أبا محمد الحسن ع وأعطاه النور والحكمة ومواريث الأنبياء والسلاح، ونص عليه وأوصى إليه بمشهد ثقات من أصحابه) ([144]). وعن الحسين بن حمدان الحضيني في كتاب "الهداية في الفضائل" بإسناده عن محمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله الطلحي في حديث: (أن أبا الحسن ع أرسل إليهما: أنا راحل إلى الله في هذه الليلة، فأقيما مكانكما حتى يأتيكما أمر ابني أبي محمد ع ... إلى أن قال: وأصبحنا والخبر شائع بوفاة أبي الحسن ع) ([145]). عن يحيى بن يسار القنبري، قال: (أوصى أبو الحسن ع إلى ابنه الحسن ع قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشار إليه بالأمر من بعده، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي) ([146]). فانظر إلى الرواية الأخيرة فهي تنص على أن الإمام الهادي ع قد نص على الحسن العسكري ع قبل وفاته بأربعة أشهر، إلا أنه لم يترك ذلك عندما حضرته الوفاة، فجدد وصيته بمحضر خليفته وأعطاه مواريث الأنبياء والأئمة ص. وأما الإمام الحسن العسكري ع فهو رغم أنه أكد في عدة مواقف على إمامة ابنه الحجة ابن الحسن ع إلا أنه لم يترك الوصية التي أمر بها الله تعالى وهي الوصية عند الموت، فأوصى ونص على إمامة صاحب العصر والزمان ع: عن أبي سليمان داود بن غسان البحراني، قال: (قرأت على أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي [قال:] .... قال إسماعيل بن علي: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي ص في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد وهو ربى الحسن ع، فقال [له]: يا عقيد أغل لي ماء بمصطكي، فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف ع. فلما صار القدح في يديه وهم بشربه فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن ع فتركه من يده، وقال لعقيد: أدخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به. قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه فأوجز في صلاته، فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن ع. قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلم وإذا هو دري اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن ع بكى، وقال: يا سيد أهل بيته أسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه، فلما شربه قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه. فقال له أبو محمد ع: أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي وأنا ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ص. ولدك رسول الله ص، وأنت خاتم [الأوصياء] الأئمة الطاهرين، وبشر بك رسول الله ص، وسماك وكناك ، بذلك عهد إلى أبي عن آبائك الطاهرين صلى الله على أهل البيت ربنا إنه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين) ([147]). وعن الشيخ علي السد آبادي في المقنع: (إن الحسن بن علي نص على ولده الخلف الصالح ع، وجعل وكيله أبا محمد عثمان بن سعيد العمري الوسيط بينه وبين شيعته في حياته، فلما أدركته الوفاة أمره ع فجمع شيعتهم وأخبرهم أن ولده الخلف صاحب الأمر بعده ع، وأن أبا محمد عثمان بن سعيد العمري وكيله، وهو بابه والسفير بينه وبين شيعته، فمن كانت له حاجة قصده، كما كان يقصده في حال حياته، وسلم إليه جواريه) ([148]). بل حتى الإمام المهدي ع جاءت الرواية بأنه سيوصي عند وفاته وسيحضر عنده ولده وذريته كما كان حال نبي الله يعقوب ع: عن جابر عن أبي جعفر ع، قال: (سألته عن تفسير هذه الآية من قول الله: ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً﴾([149])، قال: جرت في القائم ع) ([150]). وبعد كل ما تقدم يتبيّن بما لا يقبل الشك أن وقت الوصية عند الموت وإن الإمام السابق يسلّم مواريث الأنبياء للإمام اللاحق عند الموت ويخصه بالوصية. وبهذا نعرف أيضاً أن الوصية الرئيسية للرسول محمد ص كانت في ليلة وفاته أملاها هو وكتبها علي بن أبي طالب ع. كما سأفصل هذا في مستقبل هذا البحث إن شاء الله تعالى. وجاءت روايات كثيرة في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾([151])، بأنها أداء الوصية والمواريث والإمامة، ومن المعلوم تسليم الإمامة والمواريث يكون عند الموت. عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، قال: (هو والله أداء الأمانة إلى الإمام والوصية) ([152]). وعن يحيى بن مالك عن رجل من أصحابنا قال سألته عن قول الله عز وجل ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، قال: (الإمام يؤدى إلى الإمام، قال ثم قال: يا يحيى انه والله ليس منه إنما هو أمر من الله) ([153]). وعن أحمد بن عمر، قال: سألت الرضا ع عن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، قال: (هم الأئمة من آل محمد ص أن يؤدي الإمام الأمانة إلى من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه) ([154]). وعن المعلى بن خنيس، قال: (سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، قال: أمر الله الإمام الأول أن يدفع إلى الإمام الذي بعده كل شئ عنده) ([155]). وعن يونس قال: سألت موسى بن جعفر ع عن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، فقال: (هذه مخاطبة لنا خاصة، أمر الله تبارك وتعالى كل إمام منا أن يؤدي إلى الإمام الذي بعده ويوصي إليه، ثم هي جارية في سائر الأمانات، ولقد حدثني أبي عن أبيه أن علي بن الحسين ص قال لأصحابه: عليكم بأداء الأمانة، فلو أن قاتل أبي الحسين بن علي ع ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه) ([156]). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ﴾ قال: (هي الوصية، يدفعها الرجل منا إلى الرجل) ([157]). عن الحسن بن علي بن فضال، قال: (سأل إسماعيل بن عمار أبا الحسن الأول ع فقال له: فرض الله على الإمام أن يوصي - قبل أن يخرج من الدنيا - ويعهد ؟ فقال: نعم. فقال: فريضة من الله ؟ قال: نعم) ([158]). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ﴾، قال: (هي الوصية، يدفعها الرجل منا إلى الرجل) ([159]). إذن، فهذه الروايات وغيرها الكثير تنص وتؤكد بأن كل إمام مأمور بأن يسلم الوصية وكل شيء إلى الإمام الذي بعده عند الموت، وبهذا يثبت أن جميع الأئمة ص أوصوا عندما حضرتهم الوفاة، وهذا دليل آخر يضاف إلى وجوب الوصية عند الموت. وحتى سفراء الإمام المهدي ع قد أوصوا عند الوفاة، كما جاء في الرواية الآتية وغيرها: عن أبي عبد الله محمد بن خليلان، قال: حدثني أبي، عن جده عتاب - من ولد عتاب بن أسيد - قال: (.... فلما مات عثمان بن سعيد أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: "لله أمر هو بالغه") ([160]). * * * -عمر منع الرسول ص من كتابة الوصية عندما حانت وفاة رسول الله ص واشتد المرض عليه واجتمع عليه أهل بيته والمسلمون أراد أن يكتب وصيته ويُعيّن خلفيته في آخر لحظاته، وقد أكد ص على خلافة الإمام علي ع خلال حياته في عشرات المواقف ولكنه أراد أن يقيم الحجة على الأمة، وأن لا يجعل لها عذراً تعتذر به، وأن يسد أفواه المشككين والمرتابين الذين يُحرفون الكلم عن مواضعه فأمر بإحضار صحيفة ودواة ليكتب لهم كتاباً (وصية) لن يضلوا بعده أبداً، ولكن كالعادة لابد من وجود معترض يعارض أمر الله ورسوله في تعيين الوصي فانبرى عمر بن الخطاب قائلاً : حسبنا كتاب الله إن محمداً يهجر - أي يهذي - وحاشاه من ذلك، فقد نزهه الله من ذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾([161])، وبقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([162]). عن أبان بن عثمان عن بعض أصحابه إن النبي ص قال في مرضه الذي قبض فيه: (إئتوني بصحيفة ودواة لأكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي، فدعا العباس بصحيفة ودواة فقال بعض من حضر: إن النبي ص يهجر، ثم أفاق النبي ص فقال له العباس: هذه صحيفة ودواة قد أتينا بها يا رسول الله، فقال: بعدما قال قائلكم ما قال، ثم أقبل عليهم وقال: احفظوني في أهل بيتي...) ([163]). ما رواه البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس، قال: لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه قال: ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي، فقال عمر (.....) : إن رسول الله ص قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط فقال النبي ص: قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع، قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين رسول الله) ([164]). وعلق السيد ابن طاووس على هذه الحادثة قائلاً: (...واعترفوا أن الحاضرين ما قبلوا نص النبي ص على هذا الكتاب الذي أراد أن يكتبه لئلا يضلوا بعده أبداً ومع كونهم ما قبلوا هذه السعادة التي هلك بإهمالها اثنان وسبعون فرقة ممن ضل عن الإيجاب، وكان في قبولها أعظم النفع لجميع الأديان حتى قالوا في وجهه الشريف إنه يهجر ونسبوه - وحاشاه - إلى الهذيان، وقد نزهه من اصطفاه عما أقدموا عليه من البهتان، فقال جل جلاله: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾) ([165]). ونقل السيد ابن طاووس عن كتاب الحميدي، فقال: (قال الحميدي: فاختلف الحاضرون عند النبي ص فبعضهم يقول: القول ما قاله النبي فقربوا إليه كتاباً يكتب لكم، ومنهم من يقول: القول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاط قال النبي ص: قوموا عني فلا ينبغي عندي التنازع، فكان ابن عباس يبكى حتى تبل دموعه الحصى ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس! قال راوي الحديث فقلت: يا بن عباس وما يوم الخميس، فذكر عبد الله بن عباس يوم منع رسول الله ص من ذلك الكتاب وكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين كتابه. (قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب: لقد صدق ابن عباس عند كل عاقل مسلم والله لو لبس المسلمون السواد وأقاموا المآتم وبلغوا غاية الأحزان كان ذلك يسيراً لما أدخل عمر عليهم من المصيبات وأوقعهم فيه من الهلاك والضلال والشبهات. وليت شعري أي اختلال في هذا كلام نبيهم محمد ص حتى يقول عمر انه يهجر أو قد غلب عليه المرض، أهكذا يجب أن يكون أدب الأمم مع الأنبياء أو هكذا يجب أن يكون أدب الرعية مع الملوك، وأي ذنب كان لنبيهم عندهم، وأي تقصير قصر في حقهم حتى يواجهه عمر عند وفاته ويجبهه في وجهه ويقول انه يهذي وأين هذا مما تضمنه كتابهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾([166])،ما هذا إلا بئس الامتثال من عمر لأمر ربه، فلقد رفع صوته وجهر له أقبح مما يجهر بعضهم لبعض. ومن أعجب ذلك أنهم ذكروا إن كتابهم يتضمن وصف نبيهم بقوله: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ وخاصة مثل هذا الكتاب الذي أراد أن يكتبه لهم إنهم لا يضلون بعده أبداً، فإن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي، وإن كان هذا بوحي أفما يكون عمر قد نسب الهجر إلى ربه سوءة له من هذا الهجر القبيح والكفر الصريح وسوءة لمن هان عنده هذا ...) ([167]). فالرسول ص أراد أن يحكم مستقبل الأمة ويمنع اختلاف العامة في الوصي في آخر لحظات حياته، ولكن ثقل ذلك على الشيطان وجنده فلم يجد وسيلة لمنع ذلك إلا التشكيك في قول الرسول وإنه يتكلم بلا وعي من شدة مرضه (وحاشاه)، وربما علم رسول الله ص إن هذا الإشكال سينطلي على عامة الناس فلذلك امتنع عن كتابة الوصية للعامة وكتبها فيما بعد للخاصة، كما سنذكر فيما بعد. فقد خسرت الأمة خسارة عظيمة عندما مُنع الرسول محمد ص من كتابة وصيته التي تتكفل بيان الوصي بعد رسول الله ص والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة وبيان الفتن والمخرج منها، وحينها لما وقع الخلاف بين المسلمين ولما أصبحوا طوائف وأحزاب يلعن بعضهم البعض الآخر. ولكن حكمة الله بالغة فقد قضى على هذه الأمة بالاختلاف بسبب عدم عزمها على مناصرة الحق وأهله ومخالفتها لوصايا الرسول ص. وأعلموا أن النجاة فيما سيكتب في الصحيفة والدواة كما سنذكره، فقد عيّن الرسول ص أوصياءه بأسمائهم وصفاتهم إلى قيام الإمام المهدي ع وبعد قيامه ع حتى قيام الرجعة وهم (24) وصياً منهم إثنا عشر إماماً ثم إثنا عشر مهدياً من ذرية الإمام المهدي ع، ولذلك قال رسول الله ص: (لن تضلوا بعدي أبداً)، وذلك كما قلته مراراًً بسبب ذكر الأوصياء والحجج على الخلق إلى قيام الرجعة التي هي من مقدمات يوم القيامة كما سأبيّن ذلك إن شاء الله تعالى. * * * -النجاة في ما كتب بالصحيفة والدواة ما أكثر الصحف وأكثر الأقلام ولكن شُح بها على رسول الله ص يوم طلبها ليكتب لأمته وصية تكفل نجاتهم إلى يوم القيامة بُخل بها على أكرم خلق الله، والذي من أجله خلقت السماوات والأرض الذي أعطى كل شيء لأمته وبخلوا عليه بصحيفة ودواة طلبها لمصلحتهم ونجاتهم دنيا وآخرة. وبعد أن خرج القوم عن رسول الله ص وبقي أهل بيته وبعض أصحابه طلب رسول الله ص من علي ع نفس الطلب الذي طلبه من القوم وترددوا في إحضاره واتهموا الرسول ص بما لا يليق به، طلب الرسول ص من الإمام علي ع أن يحضر صحيفة ودواة ليملي عليه الوصية لتكون عنده يتوارثها إمام عن إمام إلى يوم القيامة مادام التكليف باقياً على الناس. وأؤكد على مسألة: (إلى يوم القيامة) أي لابد أن تبيّن وصية رسول الله ص ولو إجمالاً تكليف الأمة والأوصياء بعد وفاة الإمام المهدي ع؛ لأن الإمام المهدي ع وكما هو معلوم يتوفى قبل يوم القيامة، فقد حددت الروايات مدة حكمه بسبعة سنين أو تسعة أو أربعين على اختلاف الروايات. فلكي يصدق قول الرسول ص بأنه سيكتب في الوصية ما ينجي الأمة إلى يوم القيامة فلابد أن يبيّن ويعيّن الأوصياء بعد الإمام المهدي ع وهم ذريته كما نطقت بذلك عشرات الروايات عن الرسول محمـد ص وأهل بيته الطاهرين، وأما من زعم أن الرسول ذكر الأوصياء إلى الإمام المهدي ع فقط فهذا يستلزم نقصان وصية رسول الله ص - وحاشاه - وأنه لم يبيّن مصير الأمة إلى يوم القيامة، وأنه ضيّع الأمة بعد الإمام المهدي ع وحاشاه. ومن الملاحظ عند الاطلاع على الروايات أن الرسول ص وأهل بيته حاولوا بيان التكليف بعد وفاة الإمام المهدي ع، ولكن مع تعمد الرمزية في ذلك بعض الأحيان ومع تعمد إخفاء بعض الجوانب في هذه المسألة عن عامة الناس ونجد هذا التحفظ واضحاً في جواب أمير المؤمنين ع عندما يُسأل عن ما بعد المهدي ع. عن عبد الله بن الحارث، قال: (قلت لعلي ع: يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم، قال: يا ابن الحارث ذلك شئ ذكره موكول إليه وإن رسول الله ص عهد إلي أن لا أخبر به إلا الحسن والحسين ص) ([168]). وفي حديث عن أمير المؤمنين ع يذكر فيه بعض علامات قيام القائم ع: (فعند ذلك ترفع التوبة فلا تقبل توبة ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ثم قال ع: لا تسألوني عما يكون بعد هذا فانه عهد إلى حبيبي رسول الله ص أن لا أخبر به غير عترتي) ([169]). ولم يصرح بذكر ذرية الإمام المهدي ع بصورة واضحة إلا بعد مقتل الإمام الحسين ع أو قبله بقليل فحتى وصية الرسول ع بالمهديين ص لم تروَ علناً إلا في زمن الإمام الصادق ع وهذا ما اقتضته حكمة الله تعالى للحفاظ على هذا السر العظيم. فلذلك نجد بعض الروايات تذكر الأوصياء وتعددهم إلى القائم ع وبعضها تكتفي بقولها: (إلى يوم القيامة)، وبعضها تنص على الأوصياء بعد القائم ع وهم ذريته، وهذا من تخطيط الله تعالى وحكمته في ستر هذه المسألة حتى يحين وقتها ويبينها صاحبها، ولكي لا يدعيها أحد غير صاحبها فقد ورد في كثير من الروايات إن القائم ع إذا قام يدعو إلى أمر قد خفي وضل عنه الجمهور، وأنه يدعو إلى أمر جديد على العرب شديد. عن أبي جعفر ع، قال: (إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله ع، وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء) ([170]). وعن مالك الجهني، قال: قلت لأبي جعفر ع: (إنّا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس. فقال: لا والله لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) ([171]). فلا يمكن لأحد أن يتكهن ويدّعي أنه يعرف الإمام المهدي ع وسيدعو إليه إثناء قيامه الشريف إلا من اتصل بالإمام المهدي ع. ومن الأمور الجديدة التي يدعو إليها الإمام المهدي ع هي ولاية المهديين من ذريته والتي ستكون ثقيلة وشديدة على العرب كما كانت ولاية الأئمة ص ثقيلة وشديدة على العرب عندما أعلنها رسول الله ص، وسيكون أثقل ما فيها ولاية ووصاية أول المهديين من ذرية الإمام المهدي ع كما كان أثقل ما أعلنه رسول الله ص هو ولاية علي بن أبي طالب ع. سنّة الله ولن تجد لسنّة الله تحويلاً. والآن، فلنعود إلى ذكر ما حدث بعد منع الرسول ص من كتابة الوصية التي تتكفل بنجاة الأمة إلى يوم القيامة. عن سليم بن قيس الهلالي، قال: (سمعت سلمان يقول: سمعت علياً ع بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله ص ودفع الكتف: ألا نسأل رسول الله ص عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان فسكت حتى إذا قام من في البيت وبقي علي وفاطمة والحسن والحسين ص وذهبنا نقوم وصاحبي أبو ذر والمقداد، قال لنا علي ع: إجلسوا. فأراد أن يسأل رسول الله ص ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله ع فقال: يا أخي أما سمعت ما قال عدو الله أتاني جبرئيل ع قبل فأخبرني أنه سامري هذه الأمة وأن صاحبه عجلها، وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي فأمرني أن اكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه أدع لي بصحيفة، فأتى بها فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلاً رجلاً وعلي ع يخط بيده، وقال رسول الله ص: إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي على أمتي علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين ...) ([172]). وقد احتج الإمام علي ع بهذه الواقعة على طلحة واستشهد بأبي ذر والمقداد على ذلك: عن سليم بن قيس الهلالي: (قال الإمام علي ع لطلحة: ألست قد شهدت رسول الله ص حين دعا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله ص ثم تركها، قال: بلى قد شهدت ذلك، قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله ص بالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة، فأخبره جبرئيل: إن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة، ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاث رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين - كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله ص ...)([173]). فالرواية الأولى المروية عن سليم بن قيس الهلالي لم تذكر ما أملاه رسول الله ص على علي بن أبي طالب نصاًً في الوصية إنما ذكرت إشهاد الرسول ص لسلمان وأبي ذر والمقداد بقوله: (إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي على أمتي علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعده تسعة من ولد الحسين ...)، وهذا الكلام موجه إلى هؤلاء الثلاثة وليس نص ما أملاه الرسول ص على الإمام علي ع في الوصية وخطه الإمام علي ع بيده، بل هو من بعد ما أملى الرسول ص وعلي ع يكتب إلى أن تمت الوصية، التفت الرسول إلى الشهود الثلاثة وخاطبهم بهذا الكلام كما ذكر في الراوية ذلك. ثم إن الرسول ص عندما أبلغ الشهود الثلاثة وعدد لهم الأئمة إلى تسعة من ولد الحسين لم يخبرهم بأن الأئمة هؤلاء فقط، بل بقيت القضية مهملة ومفتوحة فمن الممكن أن يكون بعد هؤلاء أوصياء لم يذكرهم الرسول للشهود، ولعدم ضرورة ذلك لأنه قد ذكرهم فيما أملاه على الإمام علي ع في الوصية. بل إنه ص قد أهمل تسمية التسعة من ذرية الحسين ع ولم يذكر صفاتهم، ومن المعلوم أنه ع قد ذكر أسماءهم في الوصية واحداً واحداً. إذن، هذه الرواية لم تذكر لنا نص ما أملاه الرسول ص وما خطه الإمام ع من الوصية، بل ذكرت الحادثة بصورة مجملة وبدون تفصيل، فأين يا ترى نجد الوصية وما عدده الرسول ص من أسماء الأوصياء بالكامل إلى يوم القيامة. وكذلك الرواية الثانية التي نقلها سليم بن قيس الهلالي لم تذكر نص ما أملاه رسول الله ص وخطه الإمام علي ع بيده من وصية الرسول ص، بل اختصر الإمام علي ع على نفس ما أشهد الرسول ع عليه سلمان وأبا ذر والمقداد. وقد تتبعنا الروايات التي تعدد أسماء الأئمة ص أو التي تذكر وصية الرسول ص فلم نجد رواية تذكر نص ما أملاه رسول الله ص ليلة وفاته وما خطه الإمام علي ع بيده من وصية الرسول محمد ع، فأما أن تكون الرواية تتكلم عن كلام الرسول ص في مراحل حياته قبل ليلة الوفاة، وهذا غير الذي نريد معرفته وهو ما أملاه الرسول ص في وصيته ليلة وفاته، وأما أن تذكر الروايات الوصية بصورة مجملة بدون ذكر نص الوصية كما سمعناه في الروايتين عن سليم بن قيس الهلالي، وأما أن تذكر الروايات كلام رسول الله ص في مرضه الذي توفى فيه ولكنه ليس الكلام الذي أودعه في الصحيفة لعلي بن أبي طالب ع، إنما هو كلام آخر تكلم به الرسول ص في مناسبات غير الوصية. وهذا أيضاً غير الذي نبتغيه من معرفة نص الوصية التي أملاها الرسول ص ووصفها بأنها نجاة للأمة إلى يوم القيامة. فلم نجد رواية واحدة تذكر نص ما أملاه الرسول ص في وصيته ليلة وفاته إلا رواية واحدة ذكرها زعيم الطائفة ورئيسها العالم النحرير العارف بالحديث والرجال المحقق الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460هـ في كتابه (الغيبة)، ويعتبر هذا الكتاب من أضبط كتب الشيعة وأفضلها، كيف لا ومؤلفه لا يشق له غبار في علوم الحديث وطرقه وأسانيده، والرواية كما يلي: ... عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ص، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الأثني عشر إمام سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) ([174]). وهذا ما يشفي العليل ويروي الغليل، وهو ما نبحث عنه من نص ما أملاه الرسول محمد ص ليلة وفاته وخطه علي بن أبي طالب ع بيمينه من تعداد أسماء الأئمة والأوصياء للرسول محمد ص إلى يوم القيامة. وقد أكد الرسول ع على أن الوصية تكون عند الوفاة - كما قدمت - بقوله في وصيته عن كل إمام: فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه... وهكذا. وصدق رسول الله ص عندما قال عن هذه الوصية: (... أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً)، فهي عيّنت الأئمة والأوصياء إلى يوم القيامة فلم يترك رسول الله ص أحداً في أصلاب الرجال لم يرشده إلى حبله الذي يتمسك به والذي يوصله إلى الله تبارك وتعالى. وهذه الوصية هي عهد رسول الله ص والتي يعرف بها كل إمام أو حجة، فمن لم يذكر فيها فلا يحق له ادعاء الإمامة، وشاء الله أن لا يدعيها أحد باطلاً؛ لأنها قد أطلقها الرسول محمد ص فلا تصيب إلا صاحبها: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾([175])، والحمد لله على ما هدانا. * * * -وصية السماء ووصية الرسول ص ربما يعترض معترض بالروايات التي تنص على نزول وصية من السماء مختومة لكل إمام اسمه، ويحاول أن يجعلها معارضة للوصية التي أوصى بها الرسول ص في ليلة وفاته لعلي بن أبي طالب ع، وسيتضح أنه لا معارضة بين الروايات فهناك وصية نزلت من السماء لكل إمام وهذه لا يطلع عليها أحد سوى الأئمة ص، وهناك الوصية التي أوصى بها رسول الله ص وكتبها الإمام علي بيده وأشهد عليها سلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد . وسأذكر كِلا الروايات: عن أبي عبد الله ع، قال: (الوصية نزلت من السماء على رسول الله ص كتاباً مختوماً ولم ينزل على رسول الله ص كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئيل ع: يا محمد هذه وصيتك في أمتك إلى أهل بيتك. فقال رسول الله ص: أي أهل بيتي يا جبرئيل، فقال: نجيب الله منهم وذريته ليورثك في علم النبوة قبل إبراهيم وكان عليها خواتيم، ففتح علي ع الخاتم الأول ومضى لما أمر فيه، ثم فتح الحسن ع الخاتم الثاني ومضى لما أمر فيه، ثم فتح الحسين ع الخاتم الثالث فوجد فيه: أن قاتل واقتل وتقتل وأخرج بقوم للشهادة لا شهادة لهم إلا معك ففعل، ثم دفعها إلى علي بن الحسين ع ومضى ففتح علي بن الحسين الخاتم الرابع فوجد فيه: أن أطرق وأصمت لما حجب العلم، ثم دفعها إلى محمد بن علي ع ففتح الخاتم الخامس فوجد فيه: أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورّث ابنك العلم واصطنع الأمة وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه. فقال معاذ بن كثير: فقلت له: وأنت هو ؟ فقال: ما بك في هذا إلا أن تذهب - يا معاذ - فترويه عني، نعم أنا هو، حتى عدد عليّ اثنا عشر اسماً ثم سكت، فقلت: ثم من ؟ فقال: حسبك) ([176]). وهنا إشارة مهمة جداً وردت في ذيل هذه الرواية المتقدمة وهي الإشارة إلى المهديين من ذرية الإمام المهدي ع، وهي أن المستمع عندما عدد عليه الإمام ع اثنا عشر إماماً أي إلى الإمام المهدي ع كان ينتظر من الإمام أن يسمي له الذي بعد الإمام ع، وهذا يدل على أن السائل كان في ذهنه أن الأئمة أكثر من اثني عشر إمام، أو أن هناك خلفاء بعد الإمام المهدي ع. ثم إن الإمام الصادق ع لم يقل له بأن الأئمة هؤلاء الأثني عشر فقط، بل اكتفى بقوله: (حسبك) ومعناه كفاك أو كفى، أي أن الإمام الصادق ع قد تكتم على أسماء الأوصياء بعد القائم ع وقال للسائل إلى هنا كفاك، ولم يقل له لا أحد بعد القائم ع. وهذا إشارة إلى أن المهديين مذكورين في الوصية التي نزلت من السماء وليس في وصية رسول الله فحسب، والظاهر أن المهديين ص كلهم داخلين ضمن الخاتم الخاص بالإمام المهدي ع؛ لأن الخواتيم النازلة من السماء اثنا عشر خاتماً. وذلك لأن المهديين هم مشاركون للإمام المهدي ع في حكم دولة العدل الإلهي بعد مضي الإمام المهدي ع، وهم الذين سيحكمون الدولة التي أسسها الإمام المهدي ع، ولذلك فقد شاركوه حتى بالصفة فهو المهدي وهم المهديون، وهو القائم وهم القوام من بعده كما وصفتهم الروايات. فالإمام المهدي ع وذريته يعتبرون عدة حكام في مرحلة واحدة لدولة واحدة وهي دولة الإمام المهدي ع والتي ستستمر بقيادة ذريته حتى تكون الرجعة فيخرج الإمام الحسين ع على آخر المهديين ص، ولذلك كانوا ضمن خاتم الإمام المهدي ع. وعن أبي عبد الله ع، قال: (دفع رسول الله ص إلى علي ع صحيفة مختومة باثني عشر خاتماً وقال له: فض الأول وأعمل به، وادفع إلى الحسن ع يفض الثاني ويعمل به، ويدفعها إلى الحسين ع يفض الثالث ويعمل بما فيه، ثم إلى واحد واحد من ولد الحسين ع) ([177]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (إن الله جل أسمه أنزل من السماء إلى كل إمام عهده وما يعمل به وعليه خاتم فيفضه ويعمل بما فيه) ([178]). وسيتبيّن لنا الفرق بين الوصية التي نزلت من السماء، وبين الوصية التي أملاها الرسول ص على الإمام علي ع ليلة الوفاة من خلال محاورة الإمام موسى الكاظم مع أبيه الإمام الصادق ع في الرواية الآتية: عن الإمام موسى بن جعفر ع، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: أليس كان أمير المؤمنين كاتب الوصية ورسول الله ص المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون ص الشهود، قال: فأطرق طويلاً ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله ص الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً نزل بها جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرائيل: يا محمد مُر بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منّا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها - يعني علياً ع - وفاطمة فيما بين الستر والباب ... الحديث) ([179]). والظاهر أن الإمام الكاظم ع أراد بسؤاله لأبيه الصادق ع أن يبيّن الفرق بين الوصيتين حتى لا يكون هناك تعارض بينهما، وحتى لا يتمسك أحد بإحدى الوصيتين ويترك الأخرى، والوصية التي نزلت من السماء خاصة بالأئمة ص وأما الوصية التي أملاها الرسول ص لعلي ع فهي التي أراد أن يعلنها للأمة ولكن اعترض عليها عمر ثم أملاها الرسول ص بعد ذلك للإمام علي ع، وأشهد عليها سلمان وأبا ذر والمقداد. والوصية النازلة من السماء هي نفس مضمون الوصية التي أوصى بها الرسول ص للإمام علي ع، وهذا ما صرح به الإمام علي ع نفسه في الرواية الآتية: عن أمير المؤمنين ع، قال: (دعاني رسول الله ص عند موته وأخرج من كان عنده في البيت غيري، والبيت فيه جبرئيل والملائكة أسمع الحس ولا أرى شيئاًً فأخذ رسول الله ص كتاب الوصية من يد جبرائيل فدفعها إليّ وأمرني أن أفضها ففعلت، وأمرني أن أقرأها فقرأتها، فقال: إن جبرائيل عندي أتاني بها الساعة من عند ربي فقرأتها فإذا فيها كل ما كان رسول الله ص يوصي به شيئاً شيئاً ما تغادر حرفاً) ([180]). إذن، فما دام أن وصية الرسول ص لعلي ع محتوية على ذكر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع فلابد أن تكون الوصية النازلة من السماء حاوية لذكرهم أيضاً. والظاهر أن وصية الرسول ص لعلي ع لم تنقل لنا بالكامل، فقد نُقل منها الرواية التي ذكرناها والتي عددت أسمـاء والأئمـة اسم المهدي الأول من ذرية الإمـام المهدي ع وذكرت عدد باقي المهديين ص، وقد وجدت بعض أجزاء الوصية في روايات متفرقة منها الرواية الآتية التي ذكرت بداية الوصية ونهايتها فقط وأنها عهد رسول الله ص: عن الكاظم ع عن أبيه ع، قال: (قال علي بن أبي طالب ع كان في وصية رسول الله ص في أولها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد محمد بن عبد الله ص وأوصى به وأسنده بأمر الله إلى وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ... وكان في آخر الوصية: شهد جبرائيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى به محمد ص إلى علي بن أبي طالب وقبضه وصيه وضمانة على ما فيها على ما ضمن يوشع بن نون لموسى بن عمران ... الحديث) ([181]). وقد أشار الإمام الرضا ع إلى وصية رسول الله ص حين وفاته بالإجمال في الرواية الآتية: عن الرضا ع في حديث دخوله الكوفة واحتجاجه على علماء اليهود والنصارى أنه قال لنصراني: (... إلى أن قال: وإن رسول الله ص لما كان وقت وفاته دعا علياً ع وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كانت فيها الأسماء التي خص الله بها الأنبياء والأوصياء ... الحديث) ([182]). وعن موسى بن جعفر ع عن أبيه، قال: (كان فيما أوصى به رسول الله ص أنه يدفن في بيته، ويكفن في ثلاثة أثواب أحدهما يمان ولا يدخل قبره غير علي ع .. الحديث) ([183]). وقد بقيت تلك الوصية التي أملاها رسول الله ص عند علي بن أبي طالب ع وأخرجها بذي قار لابن عباس وقرأ عليه شيئاً منها كما في الرواية الآتية: عن سليم بن قيس الهلالي عن ابن عباس في حديث: أنه دخل على علي بن أبي طالب ع بذي قار فأخرج له صحيفة، وقال: (يا ابن عباس هذه صحيفة أملاها عليَّ رسول الله ص وخطي بيدي، قال: فأخرج إلي الصحيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين أقرأها، وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول الله ص إلى قتل الحسين ع ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه، وكان فيما قرأه كيف يصنع به وكيف تستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسين وكيف تغدر به الأمة. ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة، وكان فيما قرأ منها أمر أبي بكر وعمر وعثمان، وكم يملك كل إنسان منهم، وكيف بويع علي ووقعة الجمل ومسيرة عائشة وطلحة والزبير ... إلى أن قال: فلما أدرج الصحيفة، قلت: يا أمير المؤمنين لو كنت قرأت عليَّ بقية الصحيفة، قال: لا، ولكني محدثك ما يمنعني منها، ما يلقي أهل بيتك وولدك من أمر فضيع من قتلهم لنا وعداوتهم وسوء ملكهم وشؤم قدرتهم، فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك ... إلى أن قال ابن عباس: لأن يكون نسخني ذلك الكتاب أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس) ([184]). وذكر الإمام علي ع شيئاً من الوصية فيما يخص دَين رسول الله ص في الرواية الآتية: عن الإمام علي ع، قال: (وأما السابعة والأربعون: فإن رسول الله ص عهد إليّ في وصيته بقضاء دينه وعداته، فقلت: يا رسول الله قد علمت أنه ليس عندي مال، فقال: سيغنيك الله، فما أردت أمراً من قضاء ديونه وعداته إلا يسره الله حتى قضيت ديونه وعداته، فأحصيت ذلك فبلغ ثمانين ألفاً وبقى بقية أوصيت الحسن أن يقضيها)([185]). وقد علم الإمام الرضا ع طريقة قتله وأين يدفن من خلال وصية رسول الله ص وإليك نص كلامه ع في الرواية الآتية: عن علي بن موسى الرضا ع، قال: (إني مقتول مسموم ومدفون بأرض غربة أعلم ذلك بعهد عهده إليّ أبي عن أبيه عن آبائه عن رسول الله ص .. الحديث) ([186]). وعن علي الأزرق، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (وصى رسول الله ص علياً ع عند موته، فقال: يا علي لا يظلم الفلاحون بحضرتك، ولا يزداد على أرض وضعت عليها، ولا سخرة على مسلم يعني الأجير) ([187]). وعن جعفر بن محمد ع أنه قال: (قال في وصية رسول الله ص لعلي: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثم قال: اللهم أعنه أما الأولى: فالصدق لا تخرجن من فيك كذبة أبداً، والثانية: الورع لا تجترئ على خيانة أبداً، والثالثة: الخوف من الله حتى كأنك تراه، والرابعة: كثرة البكاء لله يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة، والخامسة: بذلك مالك ودمك دون دينك، والسادسة: الأخذ بسنتي في صلاتي وصيامي وصدقتي، أما الصلاة فالإحدى والخمسون ركعة، وأما الصيام فثلاثة أيام في كل شهر خميس من أوله وأربعاء في وسطه وخميس في آخره. وأما الصدقة فجهدك حتى يقال: قد أسرفت ولم تسرف. فعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال، وعليك بتلاوة القرآن على كل حال، وعليك برفع يديك في صلاتك، وعليك بالسواك عند كل وضوء، وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها ومساوئ الأخلاق فاجتنبها وإن لم تفعل فلا تلم إلا نفسك) ([188]). وهناك روايات أخرى تتضمن بعض أجزاء وصية الرسول ص تركتها للاختصار، وفيما ذكرت كفاية وما يهمنا في هذا البحث هو إثبات وصية الرسول ص ليلة وفاته التي أملاها على الإمام علي ع وخطها أمير المؤمنين بيده، وأن هذه الوصية غير التي نزلت من السماء. وقد أكد على هذه المسألة الأحمدي الميانجي في كتابه مكاتيب الرسول ص، فقال: (أقول: مقتضى هذه الأحاديث أن الوصية كانت على قسمين: أ- قسم من الله تعالى إلى رسوله مختوماً بإثني عشر خاتما من الذهب، لكل إمام خاتم يفكه ويعمل بما كتب له. ب- قسم كتبه رسول الله ص لعلي فيه أمور قد أشير إليها في الأخبار والأحاديث المروية كقوله ص: (يا علي غسلني ولا يغسلني غيرك) ([189])، (يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً - إلى قوله - والاسم الثالث المهدي هو أول المؤمنين) ([190]). وأهم نص من الوصية هو ما ذكرته سابقاً، والذي يتكفل بيان الأوصياء من الأئمة والمهديين إلى يوم القيامة، ولا يوجد نص يثبت ما كتبه الرسول ص نصاً لبيان هذا الموضوع فتكون هذه الوصـية هي الأول وهي الآخر وهي السند وعليها المعتمد لمعرفـة أوصياء الرسول ص إلى يوم القيامة، ومن أعرض عنها فهو من أتباع الأول والثاني الذين رفضوا وصية الرسول ص وخالفوها، ونقول له: ائتنا بوصية غير هذه تبيّن الأوصياء واحداً بعد الآخر إلى يوم القيامة من فم الرسول ص إلى قلم أمير المؤمنين ع، وسيعيه الطلب ودون إثباته خرط القتاد؛ لعدم وجود ذلك إلا في الوصية التي ذكرتها سابقاً، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. -ذكر الوصية عند أبناء العامة رغم تجنب أبناء العامة للتطرق إلى مسألة وصية الرسول محمد ص؛ لأنها تتعارض مع مذهبهم إلا أن الله تعالى أظهر ذلك في بعض كتبهم وان كانوا له منكرين وأقصد بذلك مسألة وصـية الرسول لعلي ع ليلة الوفاة وأما ما ذكره الرسول ص في إثبات خلافة الإمـام علي ع في مراحل حياته وقبل الوفاة فقد امتلأت كتبهم بذلك ولا سبيل لنكرانها ولكن الذي يهمنا في هذا البحث هو ذكر الوصية في آخر حياة الرسول ص وإليك بعض ما ذكره أبناء العامة في كتبهم: فقد ذكر العجلوني في كتابه (كشف الخفاء) هذه الرواية عن الرسول محمد ص : (يا علي أدع بصحيفة ودواة، فأملى رسول الله ص فكتب علي وشهد جبرئيل ثم طويت الصحيفة، قال الراوي: فمن حدثكم أنه يعلم ما في الصحيفة إلا الذي أملاها وكتبها وشهدها فلا تصدقوه، فعل ذلك في مرضه الذي توفى فيه) ([191]). وذكر ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات) هذه الرواية مع زيادة وحاول تضعيف رواتها والطعن فيها؛ لأنها تعارض عقيدته في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان. فقال ابن الجوزي: (... عن أبي عرفجة عن عطية، قال: مرض رسول الله ص المرض الذي توفى فيه، قال: وكانت عنده حفصة وعائشة، فقال لهما: أرسلا إليّ خليلي فأرسلتا إلى أبي بكر، فجاء فسلّم ودخل المجلس فلم يكن للنبي ص حاجة فقام فخرج فنظر إليهما، فقال: أرسلا إليّ خليلي فأرسلتا إلى عمر، فجاء فسلّم ودخل فلم يكن للنبي ص حاجة فقام فخرج، ثم نظر إليهما فقال: أرسلا إليّ خليلي فأرسلتا إلى علي ع فجاء فسلّم ودخل، فلما جلس أمرهما فقامتا. قال: يا علي أدع صحيفة ودواة فأملى رسول الله ص وكتب علي وشهد جبرئيل، ثم طويت الصحيفة. فمن حدثكم أنه يعلم ما في الصحيفة إلا الذي أملاها وكتبها فلا تصدقوه) ([192]). وقد أخبرنا الذي كتب هذه الوصية ورواها لشيعته لكي يعرفوا بها الأوصياء إلى يوم القيامة. وقريب من هذه الرواية ما نقله الخاصة عن الإمام الصادق ع أنه قال: (قال رسول الله ص في مرضه الذي توفي فيه: ادعوا لي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما، فلما نظر إليهما رسول الله ص أعرض عنهما، ثم قال: ادعوا لي خليلي فأرسل إلى علي فلما نظر إليه أكب عليه يحدثه فلما خرج لقياه، فقالا له: ما حدثك خليلك، فقال: حدثني ألف باب يفتح كل باب ألف باب) ([193]). وبذلك تلزم الحجة أبناء العامة، ولابد لهم من معرفة ما أوصى به الرسول محمد ص لعلي في تلك الصحيفة ولا طريق إلى ذلك إلا الإمام علي ع كما شهد بذلك راويا تلك الرواية. وقد روي عندهم بأن علياً ع هو وصي رسول الله ص: عن سلمان، قال: (قلت: يا رسول الله إن لكل نبي وصياً فمن وصيك ؟ فسكت عني، فلما كان بعد رأني فقال: يا سلمان، فأسرعت إليه قلت: لبيك، قال: تعلم من وصي موسى؟ قال: نعم يوشع بن نون. قال: لِمَ ؟ قلت: لأنه كان أعلمهم يومئذ. قال: فانّ وصي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني، علي بن أبي طالب) ([194]). وقد روي عندهم أيضاً أحاديث تحث على الوصية وتشدد عليها: فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه: ( انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة، قال: عبد الله بن عمر ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي) ([195]). وقال الهيثمي: (وعن أنس بن مالك، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله مات فلان. قال: أليس كان معنا آنفاً ؟! قالوا: بلى. قال: سبحان الله كأنها أخذة على غضب، المحروم من حرم وصيته. قلت: روى ابن ماجة منه: المحروم من حرم وصيته. رواه أبو يعلى وإسناده حسن) ([196]). وروى الطبراني، والهيثمي، والسيوطي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ترك الوصية عار في الدنيا ونار وشنار في الآخرة) ([197]). وجاء في سنن ابن ماجة، والكامل لعبد الله بن عدي عن جابر بن عبد الله، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على وصية مات على سبيل وسنة، ومات على تقى وشهادة، ومات مغفورا له) ([198]). فكيف يمكن لأحد بعد سماع هذه الأحاديث أن يتجرأ ويقول بأنّ الرسول محمداً ص قد مات بلا وصية، وحاشاه ؟! * * * -الوصية هي الطريق الوحيد بعد أن ثبت وجوب الوصية على كل مسلم وتركها يستلزم أن يموت الإنسان ميتة جاهلية، وأيضاًً ثبت أن كل الأنبياء والأئمة ص قد أوصوا قبل مماتهم أو عند الموت بالخصوص، وأن الرسول محمد ص قد أوصى في ليلة وفاته وأن وصيته هذه إن اعتمدتها الأمة وسارت عليها لن تضل إلى يوم القيامة ولا يختلف اثنان، فلابد أن تكون هذه الوصية فيها أمر جديد غير الذي كان يؤكد عليه الرسول ص خلال حياته من وجوب طاعة خليفته والأئمة من ولده، فلابد من وجود بيان وتفصيل جديد على أقل تقدير، وإلا إذا كانت الوصية هي نفس ما كان يؤكد عليه الرسول ص في عدة مناسبات على خلافة الإمام علي ع فلماذا كل هذا الحرص من الإمام علي ع والصحابة المقربين على معرفة تفاصيل هذه الوصية، فهل أنهم كانوا يجهلون حق علي ع بخلافة الرسول ص وهم الذين عايشوا حادثة الغدير عياناً إضافة إلى مئات المواقف التي صرح بها الرسول ص بحق الإمام علي ع بالخلافة وأنه أفضل وأقرب وأعلم وأطهر أصحابه على الإطلاق !! فحتى لو لم يتمكن الرسول ص من إملاء الوصية على أمير المؤمنين ع فإن الصحابة أمثال سلمان المحمدي وأبي ذر والمقداد وغيرهم، لا يشكون في أحقّية الإمام علي ع بخلافة الرسول ص. إذن، فلابد من وجود أمر جديد حرص الرسول ص حرصاًًشديداً على تبليغه للأمة وبعد أن اعترض عمر بن الخطاب واتهم الرسول ص بأنه يهجر (وحاشاه) كتب الرسول ص هذه الوصية للإمام علي ع وأشهد عليها أخلص أصحابه وهم: سلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد كما تقدم ذكر ذلك مراراً. وحرص الرسول ص والإمام علي ع والصحابة على كتابة وسماع هذه الوصية يؤكد على مدى أهمية هذه الوصية، وأنها ستهدي الأمة إلى الصراط المستقيم وتجنبهم السبل التي تفرقهم عن الحق الخالص. وإذا كان كذلك ولكي تثمر هذه الوصية ثمرتها ولكي لا تضيع أتعاب الرسول ص والإمام علي ع أدراج الرياح، لابد أن تصل هذه الوصية إلى شيعة ومحبي الرسول ص وأوصيائه ص، فقد تحمل الرسول ص بسبب هذه الوصية معاناة شديدة وهو في سكرات الموت ولاسيما حين اتهمه عمر بأنه يهجر (وحاشاه) هذه التهمة التي من شأنها نسف الرسالة والدين من الأساس؛ إذ كيف يمكن أن يتطرق إلى الرسول ص الهذيان والكلام بلا شعور وهو الذي قال عنه الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([199])، فأمرهم الله تعالى بالأخذ في قول الرسول ع في أصغر الأمور وأكبرها فكيف يمكن التشكيك بكلام الرسول ص في أهم وأعظم وثيقة سيكتبها الرسول ص والتي تتكفل بيان تكليف الأمة الإسلامية إلى يوم القيامة !!! وإذا لم تصل هذه الوصية أو على الأقل أهم جزء منها إلى الشيعة فلا فائدة من كل هذه الجهود التي بذلها الرسول ص، ولكانت كل الأمة بما فيهم الشيعة فاقدة لصمام الأمان وهي الوصية التي قال عنها الرسول ص: (أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً)، وحاشا الله تعالى ورسوله ص ووليه علي ع أن يحرموا كل الأمة من هذه الوصية التي تتكفل بيان الأوصياء إلى يوم القيامة، فلابد أن يوصلها الإمام علي ع إلى شيعته ويؤدي الأمانة التي حمَّلها له الرسول ص لكي لا يُضيعوا من في أصلاب الرجال إلى يوم القيامة. إذن، إذا كان لابد من وصول الوصية للشيعة المخلصين، وأؤكد على أن المراد بالوصية هو ما أملاه الرسول ص ليلة الوفاة وما خطه الإمام علي ع بيده بالصحيفة والدواة التي طلبها الرسول ص فهل يمكن لأحد أن يأتينا بوصية غير الوصية التي ذكرتها سابقاً والتي بيّنت عدد وأسماء الأوصياء من الأئمة والمهديين من ذرية الإمام المهدي ع. وأؤكد على أنه لا توجد رواية واحدة تذكر نص ما أملاه الرسول ص لعلي ع غير تلك الوصية، وأتحدى الجميع بأن يأتوا بذلك فقد تتبعنا الروايات فلم نجد أثراً لما أملاه الرسول ص - نصاً - غير ما ذكرت. ومن المعلوم أن الرواية التي نقلها الشيخ الطوسي (رحمه الله) تتضمن أهم جزء من الوصية وهو تعيين الرسول ص لأوصيائه إلى يوم القيامة؛ لأن الولاية ومعرفة الإمام أهم ما في الدين بعد معرفة الله تعالى، وإلى هذا المعنى أشارت روايات كثيرة من شاء فليراجع: (الكافي ج1)، و(وسائل الشيعة ج18) وغيرها من كتب الحديث. وإذا كانت هذه الوصية هي الوحيدة التي تذكر نص ما أملاه الرسول ص ليلة الوفاة فهي الطريق الوحيد لمعرفة وصية الرسول ص ليلة الوفاة، ولا طريق غيرها على الإطلاق. والذي يحاول التشكيك بها أو ردها فهو شريك عمر بن الخطاب في اعتراضه على كتابة نفس تلك الوصية واتهامه للرسول ص بأنه يهجر (وحاشاه)؛ إذ أن عمر اعترض على كتابتها لأنه يعلم أنها إذا كتبت لا يمكن له الاعتراض على خلافة الإمام علي ع ولا يمكن تحقيق ما كان يصبو إليه من ملك دنيوي رخيص، والذي يعترض عليها الآن ولا يعترف بها كذلك؛ لأنه يعلم أن اعترافه بها يثبت حق المهديين بالوصاية وأن أولهم أول الممهدين للإمام المهدي ع وهو اليماني الموعود. وطبعاً، هذا لا ينسجم مع أهداف من اتبع هواه وأخلد إلى الأرض وابتغى الدنيا وزينتها من جاه وأتباع وشهوات فالأمر يعود كما بدأ، فنفس الأسباب التي من أجلها اعترض عمر على كتابة الوصية هي الأسباب التي من أجلها الآن يعترض المعترضون على الوصية. فلو نقلت الوصية بروايتين مختلفتين لربما كان هناك حق للاعتراض والتشكيك بإحداهما واثبات الأخرى لكي لا نكون صفر اليدين مما أملاه الرسول ص ليلة وفاته لعلي ع، ولكنها نص واحد ورواية واحدة وبرفضها ترفض وصية رسول الله ص ليلة الوفاة وتحرم الأمة من بركاتها ويُساء إلى الرسول ويجازى إحسانه بالإساءة، وتكون للناس حجة على الله تعالى بأنه لم يبيّن لهم كل الأوصياء إلى يوم القيامة ولله الحجة البالغة على الناس حيث يأتيهم الجواب: قد وصلتكم وصية رسول الله ص وقد رفضتموها لأنها لم تنسجم مع أهواءكم ورغباتكم الدنيوية، قال تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾([200]). وأما من قال: بأن هذه الوصية خبر آحاد لا يمكن الاستدلال بها، فهذا مردود من عدة جهات: منها: إننا لا نسلم بهكذا قاعدة، وإنها لم تصدر عن إمام معصوم، بل ما صدر عن الأئمة خلافها. ومنها: إن الوصية مؤيدة بعدة قرائن توجب القطع بصدورها كما سيأتي مناقشة ذلك بالتفصيل، فأنتظر وتأمل. * * * -الراد على الوصية خارج عن الولاية وردت الكثير من الروايات الصحيحة تحذر وتنذر من الرد على روايات أهل البيت مهما كانت الأسباب إلا إذا كانت مخالفة للقرآن الكريم أو السنّة الصحيحة الثابتة، وقد صرحت بعض الروايات بأن الراد على كلام الأئمة ص يعتبر خارجاً عن الولاية، وبعضها صرحت بأن الراد عليهم كالراد على الله تعالى. وأكثر العلماء ومدعي العلم والدين تراهم الآن بمجرد أن يسمعوا رواية لا تنسجم مع عقولهم الناقصة أو تخالف أهوائهم يبادرون إلى ردها ووصفها بأنها إسرائيلية أو موضوعة !!! وتجاهلوا كلام الأئمة ص بأن دين الله لا يصاب بعقول الرجال، وإن حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرّب أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان. عن أبي جعفر ع، قال: (قال رسول الله ص: إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد ص فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد ص، وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول: والله ما كان هذا، والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر) ([201]). ففي هذا الحديث يحكم الرسول ص بالكفر على من أنكر حديثاً من أحاديث آل محمد حتى إن كان مخالفاً لعقله، فهلاّ يتعض الآن من ينكر وصية رسول ص وبدون حجة، فلا هي مخالفة للقرآن بل هي موافقة للقرآن كما سيأتي، ولا هي مخالفة للسنّة بل هي السنّة، ولا هي مخالفة للعقول. نعم، هي مخالفة للأهواء الشيطانية والقلوب المريضة التي انطوت على معاداة أهل البيت ص وإن أظهرت المحبة ظاهراً. وفي الرواية الصحيحة عن الباقر ع: (والله إن أحب أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله اشمأز منه وجحده وكفّر من دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجاًً عن ولايتنا) ([202]). وسبحان الله، الكلام هنا عن الحديث الذي لا يقبله العقل والذي تشمئز منه النفوس ورغم ذلك يصف الإمام الراد لهكذا حديث يكون خارجاً عن ولاية أهل البيت ص، ومن البديهي أن الخارج عن ولايتهم ص قطعاً يكون داخلاً في ولاية الشيطان أعاذنا الله، فما عذر الذين يردون وصية رسول الله ص رغم أنها ذُكرت في أوثق الكتب الشيعية ومؤيدة بعدة روايات تعضد مضمونها، وأن سندها معتبر كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. وعن سفيان بن السمط، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: جعلت فداك إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه، قال: فقال أبو عبد الله ع: أليس عني يحدثكم، قال: قلت: بلى. قال: فيقول لليل إنه نهار وللنهار إنه ليل؟! قال: قلت: لا. قال: فقال: رده إلينا، فإنك إن كذبت إنما تكذبنا) ([203]). بل أكثر من ذلك فقد أمر الأئمة ص بعدم رد الخبر حتى إذا كان ناقله يعرف بالكذب والخبر مخالف للعقل !!! عن سفيان بن السمط في رواية صحيحة، قال: (قلت: لأبي عبد الله ع جعلت فداك يأتينا الرجل من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه، فقال أبو عبد الله ع: يقول لك إني قلت الليل إنه نهار والنهار إنه ليل؟! قلت:لا، قال: فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به فإنك إنما تكذبني) ([204]). ولا أعتقد أن عاقلاً يسمع هذه الروايات ويتجرأ على تكذيب رواية واحدة وإن كانت غير معقولة، بل في الرواية السابقة يمنع الإمام الصادق ع من تكذيب الخبر حتى إذا كان محالاً وهو كون الليل نهار والنهار ليل !! مع كون الناقل لهكذا خبر معروفاً بالكذب. وبهذا تسقط عن الاعتبار أكثر قواعد الحديث التي وضعت لرد روايات أهل البيت ص لمجرد أن الراوي ليس بثقة أو معتقد لغير الحق ويقسمون الحديث على أساس ذلك إلى صحيح وغير صحيح بينما قواعد أهل البيت ص في الحديث هي الأخذ بما وافق القرآن والسنّة الصحيحة والأخذ بما خالف أبناء العامة وترك ما وافقهم عند تعارض الروايات وغيرها من الضوابط التي ليس الآن محل بيانها. بل وردت روايات تحذر من تكذيب الرواية وإن كان المُكذِب يعرف خلاف ما نقل إليه؛ لاحتمال أن الأئمة ص يقصدون بكلامهم أمراً آخر غير الذي ظهر للمستمع. فعن الرضا ع في رواية صحيحة منها: (... ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه فإنك لا تدري لم قيل وعلى أي وجه وصفة) ([205]). بل أكثر من ذلك كله فقد وردت روايات تنهى عن التكذيب للخبر وإن كان الناقل له فاسد العقيدة والمذهب كالخارجي والقدري والمرجئي كما في الرواية الصحيحة الآتية: (لا تكذبوا بحديث أتى به مرجئي ولا قدري ولا خارجي فنسبه إلينا، فإنكم لا تدرون لعله شيء من الحق فتكذبوا الله) ([206]). فبربكم إذا كان الخبر يتصف بكل هذه الصفات المرفوضة عند الناس ورغم ذلك ينهى الأئمة ص عن تكذيبه بل يعدون ذلك خروجاً عن الولاية وتكذيباً لله تعالى ويرشدون إلى التوقف به وعدم رده وتكذبيه، على أقل تقدير. فكيف يمكن رد رواية الوصية وهي لم تروَ عن خارجي ولا مرجئي ولا قدري ولا كذاب وليست مخالفة للقرآن والسنة ولا للعقل بل موافقة للقرآن وللسنّة وللعقل وتعضدها كثير من القرائن الداخلية والخارجية وقد اعتمد عليها كثير من فطاحل العلماء والمحدثين ، فهي بذلك تكون قطعية الصدور عن الرسول محمد ص وهذا ما قرره أهل علم الحديث في كتبهم ولا يمكن التشكيك بها إلا من قبل منافق مرتاب وردها يعتبر كفر وخروج عن الولاية كما نطقت بذلك الروايات المتقدمة وكفى بذلك عاراً لمن كذب وصية رسول الله ص أو حاول التشكيك بها مع كل هذه الأدلة التي تعضدها. وليت شعري أين هي الروايات المدسوسة والموضوعة كذباً على الأئمة ص وهل بقي كذاب لم يفضحه الله تعالى حتى قال بعض العلماء: (ما ستر الله أحداًً يكذب في الحديث) ([207]). فأين هي الروايات المكذوبة والتي لم تكتشف لحد الآن بعد كل الجهود التي بذلها المحدثون في هذا المجال ؟! وهل هذا إلا كخوف الطفل من ابن آوى وهو في حصن حصين بين أهله !! فلا ينبغي المبالغة في التشكيك في الروايات بحجة أنها مدسوسة أو ما شابه ذلك، ولم نرَ لحد الآن أن هناك أخبار مدسوسة قد عملت بها الشيعة واعتمدت عليها أو نقلها العلماء في كتبهم الموثقة أو استدلوا بها، ولاسيما زعيم الطائفة ورئيسها الشيخ الطوسي الذي روى وصية رسول الله ص واستدل بها في كتابه (الغيبة) وهو صاحب كتابين من الكتب الأربعة التي تعد أوثق الكتب الشيعية على الإطلاق وعليها قام المذهب واعتمد وهما: (التهذيب) و(الاستبصار)، والكتابان الآخران هما (الكافي) للشيخ الكليني، و(من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق (رحمهم الله). ولكن لا غرابة في أن ترد أحاديث أهل البيت في هذا الزمان الذي يصف الرسول ص أهله بأنهم يرون المعروف منكراً والمنكر معروفاً. وهل يدري هؤلاء لماذا فضّل الله تعالى أهل آخر الزمان على أهل كل زمان، وهم أنصار المهدي ع ؟ لقد فضلهم الله تعالى لتصديقهم بروايات الرسول ص وعترته الطاهرة، وإليك الرواية الآتية عن الرسول ص التي يظهر أنها من ضمن الوصية التي أوصى بها رسول الله ص ليلة وفاته لتصريح الإمام علي ع بذلك، ولأنها نفس سياق الوصية ابتدأت بقول الرسول ص: (يا علي...). عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب ع في حديث طويل في وصية النبي ص يذكر فيها إن رسول الله ص قال له: (يا علي واعلم أن أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا بنبي وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض) ([208]). والسواد على بياض هو الروايات، فالذي يرد روايات أهل البيت بحجج واهية ناقص الإيمان وناقص اليقين بل كافر وخارج عن الولاية، كما ذكرت الروايات المتقدمة. ولا يتوقع نصرة القائم ع؛ لأن نصرة القائم لأعظم الناس يقيناً وهم المؤمنون بالروايات (بسواد على بياض)، والروايات كثيرة في مدح المصدقين والمسلّمين لروايات أهل البيت ص لا يتسع المقام لذكرها، وسأختصر بإضافة ثلاث روايات فقط: عن الرسول ص أنه قال: (أي إيمان أعجب، قالوا: إيمان الملائكة، قال: وأي عجب فيه وينزل عليهم الوحي، قالوا: إيماننا، قال ص: وأي عجب فيه وأنتم تروني، قالوا: فأي إيمان هو؟ قال: إيمان قوم في آخر الزمان بسواد على بياض) ([209]). وعن صفوان الصيقل، قال: (دخلت أنا والحرث بن المغيرة وغيره على أبي عبد الله ع فقال له الحرث: إن هذا - يعني منصور الصيقل- لا يريد إلا أن يسمع حديثنا فو الله ما يدري ما يقبل مما يرد، فقال أبو عبد الله ع: هذا الرجل من المسلّمين، وإن المسلمين من النجباء)([210]). وعن زيد بن الشحام، قال: (قلت لأبي عبد الله ع عندنا رجل يسمى كليباًً فلا نحدث عنكم شيئاً إلا قال: أنا أسلّم، فسميناه كليب التسليم، قال: فترحم عليه، ثم قال: أتدرون ما التسليم ؟ فسكتنا، فقال: هو والله الإخبات قول الله: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ﴾([211]))([212]). * * * الوصية من الرسول ص إلى الإمام المهدي ع بعد أن أطلت الكلام في إثبات وصية الرسول ص ليلة الوفاة ومدى أهميتها وفائدتها للأمة، وأنها تهدي الأمة في كل زمان إلى إمامهم الحق وتجنبهم إتباع أئمة الضلالة الذين يدعون إلى النار، أبدأ الآن في تسليط الضوء على هذه الوصية بعد الرسول محمد ص وانتقالها من إمام إلى إمام حتى قيام الإمام المهدي ع. فقد كانت الوصية قبل أن يخلق آدم ع: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾([213])، وهكذا هلم جراً إلى كل الأنبياء والمرسلين وإلى قيام القائم ع، ثم بعده إلى ذريته المهديين ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾([214])، وقد أوكل الله تعالى للرسول محمد ص بيان الخلافة من بعده إلى يوم القيامة. عن الإمام الباقر ع في حديث طويل: (إن الله أوحى إلى النبي ص إني لم أقبض نبياً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلا بعد إكمال ديني وكشف حجتي، وقد بقيت عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج أن تبلغهما قومك فريضة الحج وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، وإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها أبداً ... الحديث) ([215]). وقد امتثل الرسول ص لأمر الله تعالى وبيّن خلفاءه إلى يوم القيامة في وصيته ليلة وفاته، وهم الأئمة والمهديون ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([216]). عن أبي عبد الله ع في حديث: (إن رسول الله ص قال لعلي ع: وأنت تدفعها يعني الوصية إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرن بك الأمة ولتختلفن عليك اختلافاًً شديداً) ([217]). عن أبي عبد الله ع في قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾([218])، قال: (إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وبأنفسكم وأموالكم والذين آمنوا يعني علياً وأولاده الأئمة إلى يوم القيامة ... الحديث) ([219]). وعن أبي عبد الله ع أنه قال: (لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب) ([220]). وإليك أيضاً الروايات التي تذكر أن الإمام المهدي ع عندما يقوم بمكة يكون عنده عهد رسول الله (الوصية) وتكون دليلاً لإثبات صدقه عند الناس وهذا يدل على عظمة الوصية وأهميتها . عن الإمام الصادق ع في حديث قال: (... فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله ص قد توارثته الأبناء عن الآباء ...) ([221]). وعنهم ص: (... يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام معه عهد نبي الله ص ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة بإسمه وأمره من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلهم اسمه اسم نبي. ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ص ورايته وسلاحه ...) ([222]). وفي الرواية السابقة يؤكد الإمام ع على أنه إذا أشكل عليكم معرفة القائم ع فالدليل هو الوصية التي توارثها الأبناء عن الآباء، وبعد هذا فالتعليق لا يليق لأنه من توضيح الواضحات. وكل إمام يدفع الوصية إلى من بعده إذا حضرته الوفاة كما تقدم تفصيله، وإن الإمام اللاحق يعلم كل علم الإمام السابق في آخر دقيقة من حياته كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، والكلام في إمامة الأئمة إلى الإمام المهدي ع متفق عليه بين الشيعة فلا حاجة لإطالة الكلام في ذلك، ولننتقل إلى انتقال الوصية إلى ذرية الإمام المهدي ع من بعده. * * * -الوصية بعد الإمام المهدي ع لا شك أن التكليف سيبقى بعد استشهاد الإمام المهدي ع روحي له الفداء وستستمر دولته إلى يوم القيامة لأن مدة بقاء الإمام المهدي ع في الحكم قليلة جداً مرددة على ما جاء في الروايات بين خمس سنين إلى أربعين سنة، وهي مدة قصيرة نسبة إلى ما عاشته البشرية من دولة الباطل استمرت لآلاف السنين، فلا يتصور أن الله تعالى يجعل دولة الباطل آلاف السنين ودولة الحق أربعين سنة. وإلى هذا المعنى أشار السيد الشهيد الصدر (رحمه الله) في كتاب اليوم الموعود قائلاً: (... إن البشرية عاشت الآلام والويلات آلافاً من السنين مقدمة لوجود مستقبلها الموعود المتمثل بالدولة العالمية وما بعدها فليس من المعقول أن يوجد ذلك المستقبل لفترة قصيرة من الزمن بحيث تكون آلام البشرية أكثر من سعادتها ... إن هذا غير حسن في الحكمة الإلهية بكل تأكيد، بل ولا يمكن أن تكون السعادة بمقدار الآلام، إن هذه التضحية لا تصح إلا إذا كانت السعادة أضخم بكثير من الآلام ...) ([223]). وقد نطقت عشرات الروايات باستمرار الحكم بعد الإمام المهدي ع ومباشرة ذريته ص للحكم من بعده. فعن الإمام الرضا ع عن آبائه عن أمير المؤمنين ع في حديث طويل مع الرسول ص، في نهايته قال الله تعالى للرسول ص عن الإمام المهدي ع وعن مدة حكمه: (... ولأنصرنه بجندي، ولأمدّنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة) ([224]). وعن الإمام الصادق ع أنه قال: (إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما إن ذلك إلى مدة قليلة وعافية طويلة) ([225]). ونقل العلامة المجلسي عن كتاب البشارة للسيد رضي الدين علي بن طاووس: (وجدت في كتاب تأليف جعفر بن محمد بن مالك الكوفي بإسناده إلى حمران قال: عمر الدنيا مائة ألف سنة لسائر الناس عشرون ألف سنة وثمانون ألف سنة لآل محمد عليه وعليهم السلام) ([226]). إذن، ستستمر دولة الإمام المهدي من بعد استشهاده تتداول بين أولياء الله تعالى إلى مدة طويلة وهم ذرية الإمام المهدي كما سيتضح ذلك من روايات أهل العصمة ص. والانطلاقة الرئيسية لإثبات أنّ الوصية ستستمر بعد الإمام المهدي ع لذريته المهديين ص، هي وصية الرسول محمد ص ليلة وفاته التي ذكرتها سابقاً وسأذكرها الآن باختصار: عن الإمام علي ع، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الأثني عشر إمام ... وساق الحديث إلى أن قال: فإذا حضرته الوفاة (الحسن العسكري) فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص، فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثة أسامي: أسم كأسمى واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) ([227]). وهذا بيان واضح وجلي ولا يحتمل أي لبس من الرسول محمد ص يثبت بأن الوصية ستنتقل بعد الإمام المهدي ع إلى ذريته المهديين ص والذين سيكونون أئمة الأمة بعد أبيهم الإمام المهدي ع: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وليس وصية الرسول ص وحدها التي تثبت ذلك بل هناك الكثير من الروايات المتواترة معنىًً تؤكد على أن أوصياء الإمام المهدي ع هم ذريته منها: ما جاء في الدعاء المشهور المعتبر عن الإمام المهدي في كيفية الصلاة على محمد وآل محمد إلى أن يصل إلى نفسه فيقول ع: (... اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه ... إلى قوله ع: وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده ومدّ في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وآخرة ...) ([228]). وما جاء في دعاء الإمام الرضا ع - الصحيح - للإمام المهدي في عصر الغيبة: (... اللهم أعطه في نفسه وأهله وَوَلَدِه وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها... إلى أن يقول: اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وأعز نصرهم ...) ([229]). وعن الصادق ع إنه قال: (إن منّا بعد القائم ع إثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([230]). وعن أبي بصير، قال: (قلت للصادق جعفر بن محمد ع: يا ابن رسول إني سمعت من أبيك ع أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً. فقال إنما قال: اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([231]). وربما يظن من يجهل الحقيقة بأن الإمام الصادق ع هنا قد نفى الإمامة عن المهديين ص، والحقيقة أنه هنا أكد على أن أبيه الإمام الباقر قال (اثنا عشر مهدياً) ولم يقل اثنا عشر إماماً، ونفي أن يكون الإمام الباقر ع قد قال (اثنا عشر إماماً) لا يعني نفي الإمامة عن المهديين، ولكلام الأئمة ص غايات وحكم نجهلها نحن، وهم القائلون بأنهم يتكلمون على سبعين وجهاً ولكل وجه لهم منه المخرج. فقد يكون الإمام الصادق ع تكلم تقية لحضور بعض من يُتقى من إشاعته وعدم كتمانه؛ لأن أمر المهديين ص قد تكتم عليه الأئمة ص ولم يبوحوا به إلا في مناسبات ولمن يأمنون جانبه. ووصف [الشيعة] وصف عظيم وُصِف به نبي الله إبراهيم ع، وكذلك وصف به الحسن والحسين ص، فكونهم من شيعة أهل البيت ص لا يتناقض مع كونهم أئمة، فالحسن والحسين كانا من شيعة أمير المؤمنين وهم أيضا أئمة حجج ص. نعم مقام إمامة الأئمة الاثني عشر أكيد أعلى من مقام إمامة المهديين، ولكن هذا لا ينفي إمامة المهديين على الخلق بعد الأئمة الأثني عشر ص. فكون المهديون أئمة مفروغ منه بعدما صرح به أهل البيت ص: فقد جاء في الصلوات المروية عن صاحب الزمان ع: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم ... وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دينا ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير) ([232]). وأيضاً جاء عن الإمام الرضا ع في الدعاء لصاحب الأمر ع: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ..... اللهم أعطه في نفسه وأهله وَوَلَدِهِ وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها ..... اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده ...) ([233]). وأيضاً روي عنهم ص هذا الدعاء: (... اللهم كن لوليك القائم بأمرك، محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليا وحافظا وقائدا وناصراً ودليلاً ومؤيداً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طولاً وعرضاً، وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين ...) ([234]). وأيضاً عن حبة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين ع إلى الحيرة فقال: (لتصلن هذه بهذه - وأومى بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير وليبنين بالحيرة مسجداً له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم عجل الله فرجه لأن مسجد الكوفة ليضيق عنهم وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً ... الحديث) ([235]). فمن هو خليفة القائم ومن هؤلاء الاثنا عشر إمام الذين يصلّون بهذا المسجد الذي يبنى في دولة القائم ع، فهل يصدق هذا على غير ذرية الإمام المهدي ع الأثني عشر المهديين ص كما نصت الروايات عليهم. وعن أبي جعفر وأبي عبد الله ع في ذكر الكوفة، قال: (... فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وصلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين) ([236]). وعن الإمام السجاد ع، قال: (يقوم القائم منا ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً) ([237]). وفي الدعاء الوارد عن الحسن العسكري ع بمناسبة ولادة الإمام الحسين ع قال فيه: (... وسيد الأسرة (الحسين) الممدود بالنصرة يوم الكرة المعوض من قتله أن الأئمة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار، ويكونوا خير أنصار) ([238]). فهذا الكلام لا يمكن حمله على غير ذرية الإمام المهدي ع؛ لأن الإمام العسكري ع قال: (والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته)، أي أن الأوصياء بعد الإمام المهدي وغيبته هم من ذرية الإمام الحسين ع، وهم من ذرية القائم ع آخر التسعة من ذرية الحسين ع، فكلمة (بعد قائمهم وغيبته) دليل قاطع على أن المقصود هم ذرية الإمام المهدي ع الأوصياء المهديون ص. وأخرج الشيخ الطوسي في غيبته عن أبي عبد الله ع أنه قال لأبي حمزة في خبر طويل: (... يا أبا حمزة، إن منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين) ([239]). والمقصود بالقائم في هذه الرواية هو أول المهديين من ذرية الإمام المهدي ع، فهو الذي بعده أحد عشر مهدياً، وأما الإمام المهدي ع فبعده اثنا عشر مهدياً، ولا تعارض بين الروايات؛ حيث يصح تسمية كل واحد من ذرية الإمام المهدي ع بالقائم بعد ملاحظة قول الإمام الصادق ع عنهم في الرواية السابقة الذكر (وفيها يكون قائمه والقوام من بعده)، فهم قوام بعد القائم على أمر الأمة. وجاء في الحديث القدسي عن أبي عبد الله ع، قال: (قال الله عز وجل: افترضت على عبادي عشرة فرائض إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي وأبحتهم جناني: أولها: معرفتي. والثانية: معرفة رسولي إلى خلقي والإقرار به والتصديق له. والثالثة: معرفة أوليائي وأنهم الحجج على خلقي من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني، وهم العلم فيما بيني وبين خلقي، ومن أنكرهم أصليته ناري وضاعفت عليه عذابي. والرابعة: معرفة الأشخاص الذين أقيموا من ضياء قدسي وهم قوام قسطي. والخامسة: معرفة القوام بفضلهم والتصديق لهم ... الحديث) ([240]). فالفريضة الأولى في الربوبية وهي معرفة الله تعالى، والثانية في الرسالة وهي معرفة الرسول ص، والثالثة في الإمامة وهي معرفة الأئمة الاثني عشر أوصياء الرسول ص، وأما الرابعة فلا يمكن انطباقها إلا على الهداية وهم المهديون من ذرية الإمام المهدي ع وهم قوام قسط الله حيث عبر عنهم الإمام الصادق كما سبق بـ (القوام) من بعد الإمام المهدي ع. وعن الصادق ع قال في أحد الأدعية المشهورة: (اللهم كن لوليك القائم بأمرك محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ومؤيداً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طولاً وعرضاً وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين) ([241]). وروى علي بن بابويه دعاءاً عن الإمام الرضا ع وفيه ذكر المهديين ص قال: هذا ما نداوم به معاشر أهل البيت: (... إلى أن قال: اللهم صل عليه وعلى آله من آل طه ويس، واخصص وليك ووصي نبيك وأخا رسولك ووزيره وولي عهده إمام المتقين وخاتم الوصيين لخاتم النبيين محمد ع وابنته البتول، وعلى سيدي شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين، وعلى الأئمة الراشدين المهديين السالفين الماضيين، وعلى النقباء الأتقياء البررة الأئمة الفاضلين الباقين وعلى بقيتك في أرضك القائم بالحق في اليوم الموعود، وعلى الفاضلين المهديين الأمناء الخزنة ....) ([242]). والدعاء واضح وصريح في ذكر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع حيث ذكر الرضا ع أولاً الأئمة الماضين قبله، ثم الأئمة الباقين بعده، ثم القائم المنتظر ع، ثم أردفه بذكر المهديين ص. وهناك روايات كثيرة تنص على ذرية الإمام المهدي ع أعرضت عن ذكرها مراعاة للاختصار، ومن أراد الإحاطة فعليه بمراجعة كتاب (المهدي والمهديين في القرآن والسنة)، وكتاب (المهديون)، وكتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم)، وغيرها من إصدارات أنصار الإمام المهدي ع. وهذه الروايات متواترة معنىً بل تفوق حد التواتر، وكلها تؤكد على أن الوصاية بعد الإمام المهدي ع لذريته المهديين ص، فلا يمكن رد هذه الأخبار بحال بل الرد عليها يعتبر خروجاً عن الولاية وكفراً ورداً على الله تعالى كما نصت على ذلك الروايات السابقة الذكر. وهذه الروايات كلها تثبت مضمون وصية الرسول ص في ليلة وفاته حيث شاركتها في النص على ذرية الإمام المهدي ع، وكلها مؤيدات وقرائن على صحة الوصية، وبها تكون رواية الوصية متواترة معنىً ومحفوفة بقرائن ترفعها إلى مستوى القطع بصدورها، وإذا رُفض هكذا خبر مع كل هذه المؤيدات والقرائن فلا تثبت لنا عقيدة ولا فقه ولا تاريخ ولا ... ولا ... !!! إذن، فوصية الرسول ص في ليلة وفاته لا يمكن التشكيك بها إلا من قبل فاسق كافر خارج عن الولاية - كما تقدم - أعاذنا الله من ذلك، وهي تنص على عدد أوصياء الإمـام المهدي ع وعلى اسم وصفات أول المهديين أحمد ع. * * * -الوصية والرجعة قد يتوهم البعض أن روايات ذرية الإمام المهدي ع تتعارض مع الروايات التي تنص على رجوع بعض الأئمة أو كلهم بعد الإمام المهدي ع. وفي الحقيقة لا تعارض بين روايات كلا الفريقين - كما سيتضح - ولا يمكن ترك أو رد روايات المهديين؛ لأنها متواترة معنىً وتفيد الاعتقاد، وكذلك لا يمكن رد روايات الرجعة؛ لأنها كذلك تفيد الاعتقاد. وبسبب ذلك احتار الكثير من أكابر العلماء في الجمع بين ذلك، فمنهم من رجح روايات المهديين وضعف روايات الرجعة كالشهيد الصدر (رحمه الله)، ومنهم ترك روايات المهديين وأثبت الرجعة بعد الإمام المهدي ع مباشرة، وبذلك وقعوا في محذور خطير وهو رفض روايات متواترة معنىً تفيد الاعتقاد وتوجبه، وبين هذا وذاك تراوح العلماء إثباتاً ونفياً وضل هذا الأمر مبهم، ومن المتشابهات على الأمة ولم يستطع أحد من العلماء فك رموز هذه القضية والخروج بنتيجة الجمع بين كلا العقيدتين - المهديين والرجعة - إلى أن جاء أول المهديين من ذرية الإمام المهدي ع السيد أحمد الحسن اليماني الموعود ووصي ورسول الإمام المهدي ع فأفاض علينا ما يشفي العليل ويروي الغليل في حل هذه المسألة من دون رد أي رواية في كلا المسألتين. ولا عجب من ذلك فقد ورد في عدة روايات عن أهل البيت ص أن القائم يدعو إلى أمر قد خفي وضلّ عنه الجمهور، وهذه المسألة من أهم الأمور المخفية والتي ضلّ عنها الناس عالمهم وجاهلهم حتى جاء صاحبها فكشف القناع عنها ليثبت أنه صاحب الحق والمتصل مع الحق لا غير. فقد جاء في الرواية عن أبي جعفر ع: (... وإنما سمي المهدي مهدياً؛ لأنه يهدي إلى أمر خفي...) ([243]). وعن الصادق ع، قال: (إذا قام القائم جاء بأمر غير الذي كان) ([244]). وعن أبي جعفر ع، قال: (إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله ع وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء) ([245]). وعن أمير المؤمنين ع في خطبة طويلة جداً قال: (... ويظهر للناس كتاباً جديداً وهو على الكافرين صعب شديد يدعو الناس إلى أمر من أقر به هُدي، ومن أنكره غوى فالويل كل الويل لمن أنكره ......) ([246]). وإن أثقل ما دعا إليه الرسول ص هو إمامة علي بن أبي طالب ع والأئمة من ولده، وكانت ثقيلة جداً على العرب حتى لم يفز بها إلا القليل، وكذلك الإمام المهدي ع من أثقل ما أظهره وسيظهره هي ولاية المهديين من ولده، وكذلك لم يقر بها إلا القليل ممن وفى بما عاهد الله عليه. وأرجع وأقول أن لا تعارض بين حكم المهديين بعد الإمام المهدي ع وبين الرجعة؛ إذ أن حكم المهديين سيكون بعد القائم ع مباشرةً، ثم تكون الرجعة بعد المهدي الثاني عشر من ذرية الإمام المهدي ع والذي لا عقب له؛ لأنه خاتم أوصياء الإمام المهدي ع وبه تنقطع الإمامة من الأعقاب، وتبدأ الرجعة برجوع الإمام الحسين ع الذي سيتولى تغسيل آخر المهديين ودفنه. عن الحسن بن علي الخزاز، قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ع فقال: أنت الإمام؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد ع يقول: لا يكون الإمام إلا وله عقب، فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر: لا يكون الإمام إلا وله عقب إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي ع فانه لا عقب له، فقال: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول) ([247]). فالإمام الذي لا عقب له لا يمكن أن يكون إلا آخر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع لانتهاء الأوصياء به كما قدمت، وأما الإمام المهدي ع فقد ثبتت ذريته بعشرات الروايات فلا يحمل هذا الحديث عليه، وحتى لو قلنا بالتعارض فإن تعارض عدة أخبار متواترة مع خبر واحد يوجب الأخذ بالأخبار المتعددة وترك الخبر الواحد، ولكننا لا نقول حتى بترك الخبر الواحد بل المقصود منه آخر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع بلا شك. ويتضح معنى ذلك أكثر من خلال رواية أخرى في محاورة لعلي بن أبي حمزة البطائني مع الإمام الرضا ع، فقال البطائني للإمام الرضا ع في كلام طويل: (... إنا روينا أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه، قال: فقال أبو الحسن ع: أما رويتم في هذا الحديث غير هذا، قال :لا، قال: بلى والله لقد رويتم إلا القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل، قال له علي: بلى والله إن هذا لفي الحديث، قال أبو الحسن ع: ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه) ([248]). فانتبه هداك الله إلى قول الإمام الرضا ع: (وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل)، فلو كان المقصود به هو الإمام المهدي لما خفي ذلك على رجل كعلي بن أبي حمزة البطائني الذي يمتاز بكثرة حفظه وروايته لحديث أهل البيت ص، وكيف يخفى عليه وأغلب الناس في ذلك الزمان تعرف أن المقصود بالقائم هو الإمام المهدي ع، إذن فما دام هذا المعنى (لا عقب له) قد خفي على علي بن أبي حمزة وغيره من الرواة، فلابد أن يكون المقصود به غير الإمام المهدي ع وهو آخر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع، وهذا هو الأمر الذي قصده الإمام الرضا ع بقوله: (وأنتم لا تدرون لما قيل وما معناه). ولا توجد رواية واحدة تدل على مباشرة الرجعة بعد استشهاد الإمام المهدي ع إلا ما توهمه البعض من بعض الروايات، وهي: ما ورد عن الصادق ع: (أنه ع سئل عن الرجعة أحق هي؟ قال: نعم. فقيل له: من أول من يخرج قال: الحسين ع يخرج على أثر القائم ع، قلت: ومعه الناس كلهم ؟ قال: لا، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾([249]) قوم بعد قوم)([250]). وعنه ع: (ويقبل الحسين ع في أصحابه الذين قتلوا معه ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران ع، فيدفع إليه القائم ع الخاتم فيكون الحسين ع هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته) ([251]). وعن أبي عبد الله ع في حديث طويل أنه قال: (...﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾([252]) خروج الحسين ع في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان المؤدون إلى الناس إن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وإنه ليس بدجال ولا شيطان، والحجة القائم بين أظهرهم فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين ع جاء الحجة الموت فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي ص ولا يلي الوصي إلا الوصي) ([253]). وهذه الروايات لا تدل بصراحة بل مع ملاحظة روايات الذرية لا تبقى لها أي دلالة على مباشرة رجوع الإمام الحسين ع بعد القائم مباشرة؛ لأن الرواية لم تنص على الحجة محمد بن الحسن العسكري بل ذكرت (القائم)، وصفة القائم كما تصدق على الإمام المهدي ع كذلك تصدق على كل واحد من ذريته كما سبق في رواية الإمام الصادق ع: (والقوام من بعده) ([254])، والحديث القدسي (قوام قسطي) ([255]). إذن، فيجب حمل هذه الرواية على آخر قائم من ذرية الإمام المهدي ع والذي يخرج عليه الإمام الحسين في الرجعة - كما تقدم - ولا يوجد أي تعارض مع روايات ذرية الإمام المهدي ع. وأما الروايات التي تذكر ذرية الإمام المهدي ع فإنها تنص وبوضوح على مباشرة حكمهم بعد أبيهم الإمام المهدي ع وبدون أي فاصل، بخلاف روايات الرجعة التي لا تدل على المباشرة بعد الإمام المهدي ع، وبهذا تكون دولة ذرية الإمام المهدي ع الأثني عشر ثم تكون الرجعة. ومن الروايات التي تدل على مباشرة حكم المهديين بعد الإمام المهدي ع هي: 1- وصية الرسول محمد ص: (... فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثـة أسامي أسم كأسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين). فإنها تنص على أن الإمام المهدي ع يُسلّم الإمامة إلى ابنه أحمد بعده مباشرة وبدون أي فاصل. 2- ما روي عن الصادق ع: (إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع). 3- الرواية عن أمير المؤمنين ع في وصف المسجد الذي يصلي فيه خليفة القائم كما مر ذكرها، والخليفة ما يخلف الرجل. 4- ما روي عن الصادق ع في ذكر الكوفة: (... وفيها يكون قائمه والقوام من بعده...)، فنصت على أن القوام بعد الإمام المهدي ع بلا فصل. 5- دعاء الإمام الحسن العسكري، وفيه: (... والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته ...). 6- دعاء الإمام الرضا ع: (... اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده ...). 7- الدعاء عن الإمام المهدي ع: (... وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده...) ([256]). وغيرها الكثير من الروايات التي تدل على مباشرة حكم المهديين بعد الإمام المهدي ع. ولا توجد رواية واحدة تدل على مباشرة الرجعة بعد الإمام المهدي ع، فلا مناص من تقديم حكم المهديين على الرجعة، وبذلك خرجنا عن التعارض ولم نتورط في رد روايات أهل البيت ص، لا روايات المهديين ولا روايات الرجعة. وقد استدل الشهيد الصدر (رحمه الله) على مباشرة المهديين للحكم بعد الإمام المهدي ع بقوله: (وأوضح ما يرد على هذا الوجه هو أن روايات الأولياء صريحة بمباشرتهم للحكم على أعلى مستوى بحيث يكون التنازل عن هذه الدلالة تأويلاً باطلاً كقوله: (ليملكن منا أهل البيت رجل)، وقوله: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها - يعني الإمامة أو الخلافة - إلى ابنه أول المهديين)، وقوله: (اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده) ونحوه في الدعاء الآخر) ([257]). والشهيد الصدر قد أطال الكلام في هذا الموضوع وأثبت حكم ذرية الإمام المهدي ع بعد أبيهم ونفى الرجعة، وقد وقع في محذور وهو نفي أمر عقائدي ثابت وهو الرجعة. وطبعاً، خفاء هذا الأمر على السيد الصدر (رحمه الله) ليس لتقصير، بل لأن ذلك أمر مخفي على الجميع بمشيئة الله تعالى ولا يعرفه إلا صاحبه. * * * -الإمام يعرف بالوصية الوصية من أهم الأدلة التي يعرف بها الحجة على الخلق إذ كل حجة لابد أن يكون منصوصاً عليه وموصى إليه من قبل الحجة الذي قبله وقد تقدم ذكر وصية آدم ع وبشارته بمبعث نبي الله نوح ع وكذلك وصية نبي الله نوح ع وبشارته بمبعث نبي الله هود ع وكذلك بشارة نبي الله موسى وعيسى ص بمبعث النبي الخاتم محمد ص وأيضاً النبي محمد ص أوصى إلى الإمام علي ع وبشر بالأئمة والمهديين ص وأن الوصاية ستستمر الى يوم القيامة وقد احتج الله تعالى على اليهود والنصارى بأن الرسول ص مذكور في كتبهم فيلزمهم الإيمان به وعدم تكذيبه ومعنى ذلك أن الوصية والبشارة حجة إذا انطبقت على صاحبها ولا ينبغي التكذيب أو التشكيك في ذلك. قال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ﴾([258]). وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ...... ﴾([259]). وقوله تعالى على لسان عيسى ع: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾([260])، إلى غيرها من الآيات والروايات التي تقدم ذكرها في صدر البحث والتي تثبت حجية ما جاء من وصف الرسول ص وأهل بيته، وإن الله سيحتج بذلك على مكذبيهم ويدخلهم جهنم خالدين فيها (أعاذنا الله من ذلك). فذكر الرسول ع للأئمة والمهديين ص في وصيته يعتبر حجة على الخلق، كما كان ذكر الرسول ص والأئمة ص في وصايا الأنبياء ص حجة على اليهود والنصارى وغيرهم من الديانات الأخرى، ومن فرّق بين هذا وذاك يعتبر من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فحجة الله واحدة لا تختلف من زمان إلى زمان ولا من مكان إلى مكان آخر، سنّة الله ولن تجد لسنته تبديلاً. فالوصية هي الوصية حجة منذ أن خلق الله آدم ع وإلى يوم القيامة يسلمها نبي إلى نبي وإمام إلى إمام حتى تنتهي الدنيا، والكافر بها كافر بكل النبوّات والرسالات، وسأذكر الروايات التي تنص على أن الأئمة ص يعرفون بالوصية التي أوصاها الرسول ص ليلة وفاته: عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: قلت لأبي عبد الله ع: بم يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: (بالسكينة والوقار والعلم والوصية) ([261]). وعن أبي عبد الله ع في حديث طويل قال: (... يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قلبه وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله ص، ووصيته ... الحديث) ([262]). ولا يقول أحد أن المقصود بالوصية هي وصية الإمام السابق على اللاحق، فقد فرّق الإمام الصادق ع في كلامه بين المسألتين ونص على أن المقصود بالوصية هي وصية الرسول ع فقد قال أولاً: (هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه)، ثم ذكر العلامة الثالثة وهي: (عنده سلاح رسول الله ص ووصيته)، أي وصية الرسول ص، والحديث واضح لا لبس فيه. وأيضا في حديث طويل حول الوصية والإمامة عن الصادق ع قال: (... ثم قال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾([263]) فكان علي ع، وكان حقه الوصية التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة ...) ([264]). إذن، فالوصية هي الحق التي نص عليه تعالى أن يعطى لذي القربى ومن كذب بالوصية ولم يعترف بها لصاحبها فقد غصب حق ذي القربى وكذب الله ورسوله ص. وعن أبي عبد الله ع، قال: (أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد، لا والله ولكن عهد من الله ورسوله ع لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) ([265]). أي أن الأئمة ص لا يوصون لمن بعدهم بمحض إرادتهم واختيارهم، بل بعهد معهود من الله تعالى ورسوله ص، وقد تقدم أن عهد الله هو الوصية التي نزلت من السماء ولا يعلمها إلا الأئمة ص؛ لأنها خاصة بهم. وأما عهد رسول الله ص فهي الوصية التي أوصى بها ليلة وفاته وذكر فيها الأوصياء من الأئمة والمهديين إلى يوم القيامة، وقد كتبها أمير المؤمنين ع بيده وظلت تتوارث من إمام إلى إمام إلى يوم القيامة. وقال عبد الله بن أبي الهذيل عندما سُُئل عن الإمامة كلاماً طويلاً في وصف الأئمة ص منه: (... وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة لا تخلو الأرض من حجة منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت وأوان ...). ثم قال تميم بن بهلول: حدثني أبو معاوية عن الأعمش، عن جعفر بن محمد ص في الإمامة مثله سواء ([266]). وهذا نص صريح على أن الأئمة ص في كل زمان ومكان يعرفون بالوصية التي خصهم بها الرسول محمد ص، وهذا من الأمور التي خفيت على الأمة أو التي لم يعطوها حقها من الأهمية. وعن أبي عبد الله ع في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ﴾([267])، قال: هي الوصية يدفعها الرجل منا إلى الرجل) ([268]). فالوصية أيضاً هي الأمانة التي أمر الأئمة ص أن يؤدوها إلى أهلها وهم ذراريهم من الأوصياء إلى يوم القيامة، فإذا كان الإمام المعصوم ليس له الحق بمنع الوصية ويجب عليه أداؤها إلى صاحبها والإقرار له بها، فكيف بعامة الناس إذا اعترضوا على الإقرار بالوصية لأحد الأوصياء إذا كان مذكوراً بها باسمه وصفته !!! وفي حديث طويل يبيّن فيه الإمام الباقر ع راية الحق الوحيدة التي يجب اتباعها قبل قيام القائم ع وهي التي معها عهد نبي الله ص: عن الباقر ع قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد ص فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداًًً، وإياك ومن ذكرت لك ...) ([269]). وعهد الرسول ص هي الوصية وهي التي تنتقل من إمام إلى إمام، وسميت عهد لأن الرسول ع بدأ فيها بقوله: (هذا ما عهد به محمد بن عبد الله...) كما سبق ذكره، ولأنها العهد المذكور في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾([270])، كما سبق ذكر الدليل على ذلك، وهذا الذي معه عهد النبي ص هو المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع واليماني الموعود كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وفي نفس الحديث السابق ذكر الإمام الباقر ع إن من أهم العلامات لمعرفة الإمام المهدي حين قيامه هي الوصية فعن الباقر ع قال: (... اسمه اسم نبي، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه ...) ([271]). وهنا يجعل الإمام ع عهد الرسول ص (وصيته) من الأمور التي لا تشكل ولا تشتبه على الناس أي إنه لا يمكن لأحد أن يدّعي الوصية كذباً وزوراً وهي محفوظة بإرادة الله تعالى قال تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾([272]). وسبحان الله لم أسمع أحداً إدّعى أنه مذكور في وصية الرسول ص كذباً على مر التاريخ . وهناك الكثير من الروايات تذكر إن الوصية من مختصات الأئمة ص مما يؤكد على أنها دليل على إمامتهم أذكر بعضها: عن معاوية بن وهب، قال: استأذنت على أبي عبد الله ع فأذن لي، فسمعته يقول في كلام له: (يا من خصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقى وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا وجعلنا ورثة الأنبياء) ([273]). وعن معاوية بن وهب عن أبى عبد الله ع، قال: سمعته يقول: (اللهم يا من أعطانا علم ما مضى وما بقى وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية) ([274]). وقيل لأبي عبد الله ع: بأي شئ يعرف الإمام ؟ قال: (بالوصية الظاهرة وبالفضل إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج، فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه ذلك) ([275]). وعن الرسول ص إنه قال لعلي ع: (يا علي، تختم باليمين فإنها فضيلة من الله عز وجل للمقربين، قال: بِمَ أتختم يا رسول الله ؟ قال: بالعقيق الأحمر فإنه أول جبل أقر لله تعالى بالربوبية، ولي بالنبوة، ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولشيعتك بالجنة، ولأعدائك بالنار)([276]). وفي رسالة طويلة كتبها الإمام الرضا ع للمأمون، فقال بعد تعداد الأئمة وفضائلهم: (...... الحسن بن علي، ثم الحجة القائم المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين أشهد لهم بالوصية والإمامة، وإن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان، وأنهم العروة الوثقى أئمة الهدى) ([277]). وعن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت الرضا ع يقول: (... والذي أكرمنا بعد محمد ص بالإمامة وخصنا بالوصية إن زوار قبري أكرم الوفود على الله يوم القيامة، وما من مؤمن يزورني فيصيب وجهه قطرة من الماء إلا حرم الله تعالى جسده على النار) ([278]). ومن كلام للإمام علي ع مع أحد اليهود، قال له: (... هذه الحالة - يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله ص ومن بحضرتك منه بأني كنت أكثر عدداً وأعز عشيرة وأمنع رجالاً وأطوع أمراً وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثاراً لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها ...) ([279]). وفي الرواية السابقة أكد أمير المؤمنين ع على أمور مهمة جداً لابد من التوقف عندها وهي: 1- ذكر ع أولاً فضائله ومناقبه التي تجعله أولى من غيره بالخلافة. 2- قوله ع: (فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها)، وهنا يؤكد الإمام علي ع على أنه يستحق الخلافة بوصية رسول الله ص، ثم وصف تلك الوصية بأنها: لا مخرج للعباد منها، أي أنها الدليل المحكم الذي يلجم الجميع، وأنها مختصة به ع ولا يمكن لأحد أن يدعيها غيره، وأنها حجة الله تعالى على العباد في الدلالة على الخليفة الحق للرسول محمد ص. 3- ولا يمكن لأحد أن يزعم أن تلك الوصية هي وصية الرسول ص بعلي ع يوم الغدير أو غيرها من المناسبات التي أشار بها الرسول ع لعلي ع؛ لأن أمير المؤمنين ع بعد أن ذكر الوصية المختصة به أردف ذلك قائلاً: (والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها)، وبهذا الكلام ميز أمير المؤمنين ع بين الوصية وبين بيعة الغدير ووصف بيعة الغدير بأنها متقدمة على الوصية، وبيعة الغدير حدثت بعد حجة الوداع وهي آخر حجة للرسول محمد ع، وبملاحظة ذلك نستنتج: إن الوصية أيضاً متأخرة عن كل بيانات الرسول ص بحق أمير المؤمنين ع قبل بيعة الغدير، وبذلك تنحصر الوصية بالوصية التي أملاها الرسول ص في ليلة وفاته والتي أوصى بها بالأئمة والمهديين ص، إذن فهي الدليل الذي لا مخرج للعباد منه كما وصفها أمير المؤمنين ع في الحديث السابق. وعنه ع: (... فإن الله تبارك وتعالى خص نبيه ص بالنبوة وخصني النبي ص بالوصية فمن أحبني فهو سعيد يحشر في زمرة الأنبياء ص) ([280]). وقصة الراهب مع الرسول ص قبل مبعثه وكيف استدل الراهب بالوصية على نبوة الرسول محمد ص وإمامة أمير المؤمنين، وقد تقدم ذكرها، ونذكر هنا ما يخص الوصية: (... يناجيه ويكلمه ثم أخذ يقبل بين عينيه وأخرج شيئاً من كمه لا ندري ما هو ورسول الله ص يأبى أن يقبله، فلما فارقه قال لنا: تسمعان مني هذا والله نبي آخر الزمان، والله سيخرج قريب فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه، ثم قال: هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي ؟ فقلنا: لا، قال: إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أول من يؤمن به نعرفه، وإنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة ...) ([281]). فقد استدل الراهب على الرسول ع من خلال الوصية؛ لأنها تذكر محمداً ص باسمه وصفته ومسكنه، وكذلك بينت الوصية أول من يؤمن بالرسول ص وهو أمير المؤمنين ع، وبذلك تكون تلك الوصية شبيهة بوصية الرسول ع ليلة وفاته عندما ذكر فيها الإمام المهدي ع وأول من يؤمن به وهو وصيه أحمد (وهو أول المؤمنين)، إن في ذلك لآيات للمتوسمين. * * * -الوصية لا يدعيها إلا صاحبها سمعنا من الروايات السابقة أن الوصية دليل وعلامة على الوصي وبها مُّيز صاحب الحق من المدعين باطلاً وزوراًً لمنصب الإمامة، فتكون الحجة البالغة على هؤلاء وعلى الناس أن الإمام الحق هو الذي نُص عليه باسمه وصفته في وصية رسول الله ص، وقد صرف الله تعالى كل الذين حاولوا منازعة الأوصياء ص على منصب الإمامة صرفهم الله تعالى عن إدعاء الوصية ولم يجعل لهم نصيباً في انطباقها عليهم اسماً أو صفة، وهذا الصرف الإلهي إعجاز بحد ذاته كصرف الناس عن الرد على القرآن الكريم أو مباهلة الرسول محمد ص. فلم نرَ أو نسمع أن أحداً ادعى أنه منصوص عليه في وصية الرسول محمد ص غير الأئمة المعصومين ص من زمن أمير المؤمنين إلى القائم المنتظر ع، بل لم يدّعِ ذلك حتى في وصايا الأنبياء ص من زمن آدم إلى الرسول محمد ص. فعندما يقول الأئمة ص: إن الوصي يعرف بالوصية، فهذا يعني أن الوصية علامة تدل على أمر مجهول للكل أو للبعض، وإذا كان كذلك فلابد أن تكون هذه العلامة تدل على صاحبها فقط، بل لا يدّعيها غيره إطلاقاً؛ لأنه إذا مكن الله تعالى المدعين من انتحال الوصية أو جعلها تنطبق عليهم بالاسم والصفة فتكون هذه العلامة تنطبق على أكثر من مصداق أي على صاحبها الحق وغيره من المنتحلين، وبهذه تكون هذه العلامة هي سبب اختلاف الأمة وضلالها، وهذا خلف كونها علامة هداية تدل على الحق لا غير !!! فإنك إذا سألت شخصاً ما عن بيت زيد مثلاً في أي جهة يقع من الزقاق الفلاني، وقال لك: إن أمام بيته نخلة وعندما ذهبت إلى ذلك الزقاق وجدت أمام كل بيت منه نخلة، فهل أن ذلك الشخص الذي دلك على بيت زيد هداك أم أضلك ؟ بالطبع انه أضلك، أو انه لم يقدم لك شيئاً، ووصفه يعتبر سفهاً لا يصدر عن رشيد حكيم. وإذا كان هكذا فعل يوصف بالسفه إذا صدر عن شخص عادي، فكيف نتصور صدوره من الله تعالى وأنبيائه وأوليائه !! كيف يمكن أنهم يجعلون الوصية علامة ودليل تدل على الوصي ثم نجدها تنطبق على الوصي وغيره !! حاشا الله تعالى من ذلك. ولذلك نجد الإمام الرضا ع في مناظرته مع علماء اليهود والنصارى واحتجاجه عليهم بأن الرسول ص موصى به ومذكور في كتبهم التوراة والإنجيل، فعندما أقروا له بوجود اسم الرسول محمد ص وصفته في كتبهم وقالوا له: ولكننا لا نقطع بأن محمداً المذكور في كتبنا هو محمدكم نفسه فلعله محمد آخر !!! فبماذا تتوقع أجاب الإمام الرضا ع، وبماذا احتج عليهم، وهل أن جوابه كافٍ وحجة دامغة، وإذا كان جوابه حجة فهل يمكن أن نحتج به الآن أم لا ؟ وهاك اسمع احتجاج الإمام الرضا ع على إشكالهم حيث قال: (احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم ع إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟! فأحجموا عن جوابه ...) ([282]). ونحن نسألكم الآن: هل بعث الله من قبل أو من بعد من محمد ص إلى يومنا هذا وصياً اسمه أحمد مذكوراً في وصية النبي محمد ص، أو هل ادعى الوصية غير أحمد الحسن ؟ فما يرد على دليلنا هذا يرد على دليل الإمام الرضا ع في احتجاجه على اليهود والنصارى، ومن رد على الأئمة ص فقد رد على الله تعالى، أعاذنا الله من ذلك. ونجد هذا المعنى واضحاً جلياً أيضاً في قول الإمام الباقر ع في الدلالة على الإمام المهدي: (... ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه)، وفي رواية أخرى: (معه عهد رسول الله)، وعهد الرسول ص أي وصيته ليلة وفاته كما تقدم بيانه. وهنا نتسائل: كيف يمكن للناس معرفة العهد (الوصية) التي عند القائم ع !!! هل تقولون إن القائم ع يخبرهم بصحتها ؟! إذن أقول: إن الناس ما زالت تشك به فكيف تصدق قوله، وهذا دور واضح كما يقال!! فلا يوجد جواب غير أن الوصية لا يمكن أن تنطبق على غير صاحبها ولا يدّعيها أحد غيره بقدرة الله تعالى وتدبيره، فإن ادّعاها وكانت تنص على اسمه وصفته كان صادقاً ولا ينبغي التشكيك في دعواه. * * * -وصي الإمام المهدي ع حسيني أم حسني لقد أشرت عدة مرات فيما سبق من هذا البحث إلى أن الخلافة بعد القائم ع حسينية وليس حسنية؛ لأن الإمام المهدي ع حسيني وهو والد المهديين الإثنا عشر الذين سوف يحكمون بعده ع. ولكن لإقامة الحجة أكثر ولأهمية الموضوع أفردت له عنواناً خاصاً ومن الله التوفيق، فأقول: لقد استمرت الإمامة بعد رسول الله ع وانتقلت إلى الإمام علي ع وبعده إلى ولده الحسن ثم الحسين ع، وبعد الإمام الحسين ع استقرت الإمامة في ذريته يسلمها الأب إلى ابنه، ولا تخرج من ذرية الحسين ع أبداً إلى يوم القيامة إلى أن يستلمها هو ع عند رجوعه في الرجعة على آخر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع. عن أبي عبد الله ع، قال: (لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ص أبداً، إنها جرت من علي بن الحسين ص كما قال عز وجل: ﴿وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾([283])، فلا تكون بعد علي بن الحسين ص إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب) ([284]). وكذلك عن أبي عبد الله ع أنه قال: (لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ص إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب) ([285]). ولنا أن نسأل لماذا قال الإمام الصادق ع: (في الأعقاب وأعقاب الأعقاب) حيث كرر كلمة الأعقاب مرتان، فإن كلمة الأعقاب جمع (عقب) وهي تصدق على التسعة المعصومين ص فلا يحتاج أن تكرر مرة ثانية، لكي يصح الكلام !! فلابد من وجود فائدة ومعنى آخر لكلمة (الأعقاب) الثانية؛ لأن الأئمة ص لا يتكلمون بكلام زائد (وحاشاهم) وهم سادة البلاغة والفصاحة وكما يقولون: (خير الكلام ما قل ودل)، ومن تأمل في الرواية مع مقارنتها ببعض الروايات يجد أن معنى ذلك أن الإمامة بعد الحسين ع ستمر بمرحلتين تختلف إحداهما عن الأخرى بعض الشيء في الفضل هما: مرحلة الإمامة ومرحلة الهداية، أي أعقاب الأئمة وأعقاب المهديين بعد الإمام المهدي ع، ولذلك كرر الإمام الصادق ع كلمة الأعقاب مرتين (الأعقاب وأعقاب الأعقاب). وعن الصادق ع في حديث عندما سأله المفضل بن عمر عن قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾([286])، فقال ع: (يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن وهما جميعاً وَلدا رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة ؟ فقال ع: إن موسى وهارون كانا نبين مرسلين أخوين فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن يقول: لِمَ فعل الله ذلك، فإن الإمامة خلافة الله عز وجل ليس لأحد أن يقول: لِمَ جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله لا يُسأل عما يفعل وهم يُُسألون) ([287]). إذن، ذرية الإمام الحسن ع لا يكون لهم ملك ولا إمامة إلى يوم القيامة، وهذه مشيئة الله تعالى لا يمكن لأحد الاعتراض عليها ولا المناقشة فيها، فمن سَلَّم سَلَِم. وعن فضيل بن سكّرة، قال: (دخلت على أبي عبد الله ع، فقال: يا فضيل أتدري في أي شئ كنت أنظر قبيل، قال: قلت: لا، قال: كنت أنظر في كتاب فاطمة ص ليس من ملك يملك (الأرض) إلا هو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن ع فيه شيئاً) ([288]). وهنا الإمام أراد نفي الإمامة عن ذرية الإمام الحسن ع؛ لأن بعضهم كان يحسد الأئمة من ذرية الإمام الحسين ع وبعضهم حاول ادّعاء الإمامة لنفسه، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ... ﴾([289]). ورغم أن الروايات السابقة وغيرها الكثير نصت على أن لا إمامة لذرية الإمام الحسن ع إلى يوم القيامة أي حتى بعد الإمام المهدي ع نصت روايات كثيرة على أن الحكم بعد الإمام المهدي ع لذرية الإمام الحسين ع، وهم ذرية الإمام المهدي المهديون الإثنا عشرص. ففي وصية الرسول ص - التي مر ذكرها - قال ع في نهايتها: (... فإذا حضرته الوفاة أي الإمام المهدي ع فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) ومن المعلوم أن الإمام المهدي ع حسيني فابنه كذلك. ورواية الصادق ع: (إن منّا بعد القائم إثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع)، وكذلك عن الصادق ع في كلامه لأبي حمزة قال: (يا أبا حمزة إن منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين). وكذلك في الدعاء الوراد عن الإمام العسكري ع في يوم ولادة الحسين ع: (... والأوصياء من عترته - الحسين - بعد قائمهم وغيبته)، والدعاء الوراد عن الإمام المهدي ع: (... وصلّ على وليك - القائم - وولاة عهده والأئمة من ولده ...)، وما ورد عن الصادق ع في الدعاء للإمام المهدي ع: (... وتجعله وذريته من الأئمة الوراثين) وغيرها من الروايات الصريحة التي تنص على أن الخلافة بعد الإمام المهدي ع حسينية لا حسنية، ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([290])، وهذا أمر واضح وبيّن لا يحتاج إلى توضيح أكثر إلا لمن عمي عن الشمس في وضح النهار !!! إضافة إلى هذا كله فلا توجد رواية واحدة تنص أو تشير إلى حكم ذرية الإمام الحسن ع، بل هذا مخالف للقرآن والسنّة الصريحة الصحيحة فلا يمكن قبوله ولا يلتفت إلى قائله، والحمد لله وحده. * * * -وصي الإمام المهدي ع هو الممهد لقد درسنا فيما سبق مسألة الوصية والوصي من آدم ع إلى الرسول محمد ص وفصلت القول في وصية الرسول ص وأوصيائه من الأئمة والمهديين ص إلى يوم القيامة، وبيّنت أن وصية الرسول ص لابد أن تُبيّن تكليف الأمة تجاه الأوصياء إلى يوم القيامة وإلا كانت ناقصة، وحاشا الرسول ص من النقص. وأيضاً بيّنت مسألة الأوصياء بعد الإمام المهدي ع ونقلت بعض الروايات الدالة على ذلك، وبينت أنها لا تعارض القول بالرجعة. ولكن بقي موضوع لابد من أن نركز عليه ونسلط الضوء عليه أكثر ألا وهو موضوع وصي الإمام - المهدي الأول - فقد أعطته الروايات أهمية أكثر من باقي ذرية الإمام المهدي ع كما سيأتي، وخصه الرسول ص في وصيته والأئمة ص في رواياتهم بكثير من الألقاب والمميزات التي تفضله على سائر المهديين من ذرية الإمام المهدي ع، ومن تلك الخصائص أنه الخليفة الأول للإمام المهدي ع والذي يتلقى تربيته منه مباشرة، وهذا شرف عظيم يشابه ما ناله أمير المؤمنين ع من شرف التربية المباشرة من الرسول محمد ص وكان خليفته الأول. وقد أشار السيد الصدر إلى هذا المعنى في كتابه تاريخ ما بعد الظهور حيث قال: (إن الإمام المهدي ع لن يهمل أمر الأمة الباقية بعده لمجرد أن لا تبقى رهن الانحلال والضياع وإن كان هذا صحيحاً كل الصحة بل الأكثر من ذلك وهو ما قلناه من أن إحدى الوظائف الرئيسة للمهدي ع بعد ظهوره هو تأسيس القواعد العامة المركزة والبعيدة الأمد لتربية البشرية في الخط الطويل تربية تدريجية لكي تصل إلى المجتمع المعصوم، وهذه التربية لا يمكن أن يأخذ بزمام تطبيقها إلا الإنسان الصالح الكامل حين يصبح رئيساً للدولة العادلة، ومثل هذا الرجل لا يمكن معرفته لأحد غير الإمام المهدي نفسه ولعله يوليه التربية الخاصة التي تؤهله لهذه المهمة الجليلة، وأما احتمال تعيينه بالانتخاب فهو غير وارد على ما سنقول. ومن هنا سيقوم الإمام المهدي ع بتعيين ولي عهده أو خليفته خلال حياته وربما في العام الأخير ليكون هو الرئيس الأعلى للدولة العالمية العادلة بعده والحاكم الأول لفترة (حكم الأولياء الصالحين). وبالرغم من أن هذا الحاكم الأول قد يكون هو أفضل من الأحد عشر الآتين بعده باعتبار أنه نتيجة تربية الإمام المهدي ع شخصياً والمعاصر لأقواله وأفعاله وأساليبه بخلاف من يأتي بعده من الحاكمين ... إلى أن يقول: نعم، لا شك أن الإمام المهدي ع قبل وفاته قد أكد وشدد بإعلانات عالمية متكررة على ضرورة إطاعة خليفته وعلى ترسيخ (حكم الأولياء الصالحين) في الأذهان ترسيخاً عميقاً، إلا أن البشرية حيث لا تكون بالغة درجة الكمال المطلوب فإنها ستكون مظنة العصيان والتمرد في أكثر من مجال. ولكن وجود هذه المصاعب لا يعني الفشل بحال بعد القواعد التربوية التي تلقاها هذا الحاكم عن الإمام المهدي ع بكل تفصيل ...) انتهى كلام الشهيد الصدر (رحمه الله) ([291]). وهنا أبدع الشهيد الصدر (رحمه الله) في تفصيل هذه الحقيقة، وفاق كل أقرانه بها وقد أتحف الأمة الإسلامية بما كتبه، إلا أنه (رحمه الله) غابت عنه حقيقة مهمة جداً وهي أن هذا الخليفة الأول للإمام المهدي ع يكون من ذريته ويظهر قبل قيامه ويكون الممهد الرئيسي لقيام الإمام المهدي ع - كما سيأتي بيانه- وهذا لا يعد عيباً للسيد الصدر (رحمه الله)؛ لأن حكمة الله قد اقتضت أن يكون هذا الأمر مخفياً عن الجميع رغم وجوده في الروايات وأن يكون عقبة تبتلى بها الأمة وتمحص وتغربل ولكي يختص الإمام المهدي ع ببيانها كما أشارت الروايات إلى ذلك: (يدعو إلى أمر قد خفي وضل عنه الجمهور)، (يأتي بأمر جديد على العرب شديد)، (يأتي بأمر غير الذي كان)، (يدعو إلى أمر من أقر به فقد هدي ومن أنكره غوى فالويل كل الويل لمن أنكره). وقد أكد الشهيد الصدر نفسه على أنه لا يمكن له ولا لغيره الإلمام بكل التفاصيل عن عصر الظهور والدولة المهدوية؛ لأن كل باحث ابن عصره، فقال (رحمه الله): (... إن كل باحث ومفكر هو بطبيعة تكوينه ابن الفترة التي يعاصرها والزمن الذي يمر فيه ويتعذر عليه بالمرة مهما أوتي من عبقرية وطول باع أن يسبق الزمن فيدعي الوصول إلى المستوى الأول للفكر الإسلامي، أو إنه محتوٍٍ على وعي وثقافة الأجيال الإسلامية القادمة من المستوى الثاني ... تلك الثقافة القائمة على انكشاف ما في سوابقها من الأخطاء وملء ما فيها من فجوات. إذاً فكل باحث يحتوي على قصور طبيعي وذاتي في تفكيره الإسلامي بصفته ممثلاًً لمرحلة معينة من تطور الفكر الإسلامي لا يمكن أن يتعداها في حين يمثل الإمام المهدي ع بما ينشر في عصر ظهوره من ثقافات وأفكار وتشريعات يمثل المستوى الأول من الفكر الإسلامي. ومن هنا تنشأ الصعوبة من أن يتصدى باحث قاصر للتفكير فيما يتعدى عصره والتوصل إلى حقيقة شخص كامل ومجتمع عادل ... إلى أن قال: ومن ثم ينبغي الاعتراف بقصور هذا البحث عن الإحاطة بالعمق الحقيقي لليوم الموعود والحوادث التفصيلية الواقعة فيه وإنما غاية ما نحاوله أن نصور الأفكار العامة والأعمال الرئيسية المتوفرة فيه من خلال ما بلغنا من أخبار وما نعرفه من قواعد) انتهى كلام الشهيد الصدر (رحمه الله) ([292]). وبهذا الكلام قد أتحفنا السيد الشهيد الصدر (رحمه الله) بحقيقة مهمة جداً وهي أنه لم يتوصل إلى كل شيء بالنسبة إلى عصر الظهور، أو أنه ربما أخطأ في تشخيص بعض الأمور، وبهذا قد هيأ الأمة إلى توقع أموراً جديدة سيظهرها الإمام المهدي ع وعلى الأمة أن لا تتفاجئ بذلك وأن تروض نفسها على التسليم لأمر الإمام المهدي ع، وبعد ذلك نصل إلى ضرورة دراسة بعض الروايات التي تؤكد على أهمية المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع، وأنه يمتاز بفضله على باقي الذرية وانه الممهد الرئيسي لقيام الإمام المهدي ع. وأول ما نبدأ به دراسة ما نصت عليه وصية الرسول محمد ص ليلة وفاته من فضل المهدي الأول من ذرية القائم ع: الرواية الأولى: وأذكر من الوصية ما يخص الاستدلال فقط: .. عن أمير المؤمنين ع قال: (قال رسول الله ص - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي ع: ... يا علي انه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر الإمام ... إلى أن قال: فإذا حضرته الوفاة - أي الإمام المهدي ع - فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثة أسامي كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين). وهنا يجب الالتفات إلى نقطتين: النقطة الأولى: مشابهة أول المهديين من ذرية الإمام المهدي ع للإمام علي ع، فكما كان الإمام علي ع هو الوصي الأول للرسول ص وأول من استلم الوصية منه وتشرف بتربية الرسول ص له كذلك المهدي الأول، فهو أول وصي للإمام المهدي ع والذي يستلم الوصية منه مباشرة - كما نصت الرواية - ويتشرف بتربية الإمام المهدي ع له بالمباشرة، بخلاف باقي المهديين من ذرية الإمام المهدي ع، وهذا شرف عظيم شرّف الله به المهدي الأول لمشابهته أمير المؤمنين ع، ولكونه أول وصي للإمام المهدي ع. النقطة الثانية: اختص المهدي الأول بكونه أول المؤمنين بدعوة الإمام المهدي ع لقول الرسول ع عنه في الوصية (وهو أول المؤمنين)، وبهذه الصفة أيضاً شابه أمير المؤمنين ع فكما كان أمير المؤمنين ع هو أول من آمن بالرسول محمد ص ونصره كذلك المهدي الأول ع شرفه الله بكونه أول من يصدق الإمام المهدي ع ويؤمن به وينصره. وبملاحظة عبارة (وهو أول المؤمنين) يتضح مراد الرسول ص بأنه أول من يؤمن بالإمام المهدي ع عند قيامه، وهذا يستلزم أن يكون المهدي الأول موجوداً قبل قيام الإمام المهدي ع ليصدق عليه أنه أول المؤمنين؛ لأنه إن لم يكن موجوداً قبل قيام القائم ع، وأنه يولد بعد قيام القائم ع فلا يصدق عليه أنه أول المؤمنين، بل يصدق هذا الوصف على أول أنصار الإمام المهدي الثلاثمائة والثلاثة عشر، بل يكون كل أنصار الإمام المهدي ع قد سبقوا ولده الوصي بالإيمان بالإمام المهديع ، فهم أولى بهذا الوصف منه. إذن، لابد أن يكون أول أوصياء الإمام المهدي ع مولوداًً قبل قيامه ع ومن ذريته، ومن المعلوم أن معنى الابن يصدق على الابن من الذرية كما يصدق على الابن بالمباشرة، فقد جاء في عشرات الروايات وصف الأئمة من ذرية الإمام علي ع بأنهم أبناء رسول الله ص، لا لأنهم أبناءه بالمباشرة بل لأنهم من ذرية ابنته فاطمة الزهراء ص، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان، ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة كتابيّ (الرد الحاسم) و(سامري عصر الظهور)، فقد بيّنت هذه المسألة فيهما بالتفصيل. وإذا كان وصي الإمام المهدي ع - أول المهديين - موجوداً قبل قيام الإمام المهدي ع، فلابد أن يكون هو الحجة على الناس بعد الإمام المهدي ع، وأن يكون هو أهدى الرايات الممهدة ولا حجة فوقه غير الإمام المهدي ع؛ لاستحالة أن يكون الوصي تابعاً لأحد أو مأموماًً بأحد غير الإمام الذي قبله، وهذا أمر واضح لكل من اطلع على عقيدة أهل البيت ص، وبهذا لابد أن يكون وصي الإمام المهدي هو اليماني الموعود الذي أوجبت الروايات على الناس نصرته وإتباعه كما سيأتي بيانه، وأما من حاول تغيير الكلم عن مواضعه وقال: بأن عبارة (وهو أول المؤمنين) لا تعني أول من يؤمن بالإمام المهدي قبل قيامه وربما لها معنىً ثان. فأقول له: هذا خلاف ظاهر كلام رسول الله ص وخلاف ما تعارف عليه من مراد المعصومين عندما تكلموا بهذه العبارة في العديد من الروايات، بل خلاف المراد من بعض الآيات القرآنية، وإليك البيان: قال تعالى حكاية عن نبيه موسى ع: ﴿... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾([293])، ولنرى ما المقصود من (أول المؤمنين) في هذه الآية الشريفة وذلك عن طريق الروايات التي جاءت في تفسيرها. فعن الإمام علي ع في تفسير قول نبي الله موسى ع (وأنا أول المؤمنين)، قال: (... وأنا أول المقرين بأنك تَرى ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى) ([294]). وعن الإمام الرضا ع في حديث طويل، قال في تفسير قول نبي الله موسى ع (وأنا أول المؤمنين): (... يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك تَرى ولا تُرى ...) ([295]). فبربكم ماذا تفهمون من هاتين الروايتين في تفسير (أول المؤمنين) غير السبق إلى الإيمان بالله تعالى والرجوع إليه وخصوصاًً في الرواية الثانية حيث قال الرضا ع: (... أول المؤمنين منهم بأنك ترى ولا تُرى)، أي أنا أول المؤمنين من قومي الذين سألوا رؤيتك وأول مقر وسابق بأنك لا تُرى. وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قال: يقول: (سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك ترى ولا تُرى) ([296]). وقد جاء رسول الله ص بالفصل في معنى هذه العبارة (أول المؤمنين) عندما وصف بها أمير المؤمنين، فلكي لا يتأولها الحاسدون لأمير المؤمنين بيّن الرسول ص أن معنى وصف أمير المؤمنين بأنه أول المؤمنين، أي أول من سبق إلى الإيمان والإسلام والإقرار بنبّوة النبي محمد ص، وليس معنى آخر كما حاول أعداء السيد أحمد الحسن تأويل قول رسول الله ص في حق وصي الإمام المهدي بأنه أول المؤمنين، فقد حاولوا تأويلها في غير معنى السبق إلى الإيمان والإقرار بدعوة الإمام المهدي ع !!!! عن الرسول ص إنه قال لعلي ع: (أنت أول المؤمنين إيماناً وإسلاماً) ([297]). وعن أبي ذر ع، قال: (سمعت رسول الله ص يقول لعلي: أنت أول من آمن بي وصدق)([298]). وقال الرسول ص لعلي ع: (يا علي أنت أول المؤمنين إيماناً وأول المسلمين إسلاماً وأنت مني بمنزلة هارون من موسى) ([299]). وعن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله ص لعلي بن أبي طالب ع: (يا علي إنك تخاصم فتخصم بسبع خصال ليس أحد مثلهن: أنت أول المؤمنين معي إيماناً، وأعظمهم جهاداً، وأعلمهم بآيات الله ...) ([300]). ففي كل هذه الروايات وغيرها يؤكد الرسول ص على معنى (أول المؤمنين ) بأنه هو السبق إلى الإيمان والتصديق والإقرار، ولذلك دائماً يقول بعد (أول المؤمنين): (إيماناً) أو (إيماناً وإسلاماً) أو (معي إيماناً) أو (أول من آمن بي وصدق)، وخصوصاً في الرواية الأخيرة جعل الرسول ص صفة (أول المؤمنين) من الحجج التي يحاجج بها أمير المؤمنين ع، فلا يغلب فهل يصح لأحد أن يقول لأمير المؤمنين إن قول الرسول فيك بأنك (أول المؤمنين) لا يدل على أنك أول من آمن به وصدقه، بل ربما يدل على معنى آخر !!! فإذا كان لا يصح ذلك كذلك لا يصح الاعتراض على السيد أحمد الحسن بأن كلام رسول الله ص في حق الوصي الأول للإمام المهدي ووصفه بـ (أول المؤمنين) لا يدل على أول من يؤمن ويصدق الإمام المهدي ع وينصره. وبهذا يتضح أن المراد من عبارة (أول المؤمنين) في القرآن والسنّة هي أول السابقين في الإيمان والتصديق والإقرار والنصرة، وأما من حاول ابتداع التأويلات الباطلة فهو من أتباع اليهود والمسيح الذين أولوا ذكر وصفات الرسول ص في كتبهم، ولم يعترفوا بانطباقها عليه أو كأبناء العامة الذين تأولوا كلام الرسول ص لعلي يوم الغدير: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، وقالوا إنه لا يدل على الإمامة والخلافة وإنما يدل كذلك على الصاحب والمحب والموالي في الدين، إلى غيرها من التأويلات الباطلة المستوحاة من وساوس الشيطان أعاذنا الله من ذلك. وبهذا يثبت من أن المقصود من كلام الرسول ص في وصف أول وصي للإمام المهدي ع بأنه أول المؤمنين، أي أول من يؤمن ويصدق بقيام الإمام المهدي ع في آخر الزمان، وبهذا لابد أن يكون مولوداًً قبل قيام الإمام المهدي ع ليصح إطلاق هذا الوصف عليه. الرواية الثانية: عن حذيفة بن اليمان، قال: (سمعت رسول الله ص يقول - وذكر المهدي -: (إنه يبايع بين الركن والمقام اسمه أحمد وعبد الله والمهدي فهذه أسماءه ثلاثتها) ([301]). وهذا الحديث ينطبق على وصي الإمام المهدي ع أول المهديين من ذريته ويتضح انطباقه عند مقارنة هذا الحديث مع وصية رسول الله ص في وصف وصي الإمام المهدي ع حيث قال: (... له ثلاثة أسامي أسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين). فأحمد ومحمد هما اسم واحد والاسم الثاني عبد الله والاسم الثالث المهدي أو أن قوله ص : (وهو عبد الله وأحمد) شرح وتفصيل لقوله قبل ذلك : (اسم كاسمي واسم أبي) والتطابق بين الروايتين محكم وبيّن ومقصود ومخطط له من قبل الرسول ص وليس من باب الصدفة فإن القول بالصدفة ليس من مبادئ الإسلام بل من مبادئ الماديين والملاحدة والزنادقة. عن جابر الجعفي، قال: قال لي محمد بن علي ع: (يا جابر، إن لبني العباس راية ولغيرهم رايات، فإياك ثم إياك - ثلاثاً - حتى ترى رجلا من ولد الحسين ع يبايع له بين الركن والمقام معه سلاح رسول الله ص ومغفر رسول الله ص ودرع ...) ([302]). والرجل الحسيني في هذه الرواية لا يمكن أن يكون هو الإمام المهدي ع، فلو كان المقصود به الإمام المهدي ع لحرم إتباع أي راية قبل قيام القائم الحجة ابن الحسن ع، وهذا الفهم يتناقض مع الروايات التي تأمر بإتباع اليماني ونصرته، فيجب أن يكون الرجل الحسيني الذي يبايع له بين الركن والمقام في الرواية السابقة هو اليماني الموعود وصي الإمام المهدي أحمد، وهو الذي له ثلاثة أسامي: أحمد وعبد الله والمهدي. وهذا الرجل الحسيني المذكور في الرواية السابقة والمأمور بطاعته فقط والذي يبايع له بين الركن والمقام هو نفسه الرجل الحسيني في الرواية الآتية التي تصفه بأنه المأمور بطاعته فقط من دون سائر الرايات الشاذة التي يحرم إتباعها، وتصفه أيضاً بأنه معه عهد رسول الله ص أي وصيته التي أوصى بها عندما حضرته الوفاة. عن أبي جعفر في خبر طويل، قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ع، ثم صار عند محمد بن علي ع ويفعل الله ما يشاء، فألزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك ...) ([303]). ورب قائل يقول: إن هذا يتعارض مع الروايات الكثيرة التي تنص على أن الذي يبايع بين الركن والمقام هو الإمام المهدي وليس أول المهديين من ذريته (الوصي). فأقول: لا يوجد تعارض بين هذه الرواية وسائر الروايات بعد الالتفات إلى تصور ثلاثة معانٍ لبيعة وصي الإمام المهدي ع بين الركن والمقام، وكلاهما يصح ولا إشكال عليه: الأول: بعدما تتم البيعة للإمام المهدي ع بين الركن والمقام يأخذ البيعة أيضاً من أنصاره لوصيه المهدي الأول من ذريته، وهذه سنّة متبعة وأحد أوجه التشابه بين الإمام علي ع وصي رسول الله ص وبين المهدي الأول وصي الإمام المهدي ع، فكذلك قد أخذ رسول الله ص البيعة من المسلمين لوصيه علي بن أبي طالب ع في حادثة الدار عندما دعا عشيرته وطبخ لهم يد شاة، وكذلك في حادثة يوم الغدير المشهورة. وبهذا لا يكون أي تعارض بين الروايات وخصوصاً إذا لاحظنا حديث بيعة الوصي بأنه لا يلغي بيعة الإمام المهدي ع، ولا يقول إن بيعة الوصي هي البيعة الوحيدة أو المستقلة بين الركن والمقام، فتأمل. الثاني: يوكل الإمام المهدي ع وصيه في أخذ البيعة نيابة عنه من الأنصار بين الركن والمقام، وفي هذه الحالة تكون البيعة منتسبة للإمام المهدي ع؛ لأنها بأمره وتدبيره وتكون منتسبة للوصي، لأنه هو المباشر في أخذها للإمام المهدي ع. وهذا المعنى وارد حتى في القرآن الكريم، فتارة ينسب قبض الأرواح إلى الله تعالى ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾([304])، وتارة ينسب قبض الأرواح إلى ملك الموت ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾([305])، وتارة ثالثة ينسب قبض الأرواح إلى الملائكة ﴿تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ﴾([306])، ولا تعارض في كلام الله تعالى. فنسبة قبض الأرواح له تعالى؛ لأنه هو الآمر وهو المدبر وهو المسيطر وملك الموت والملائكة جنود عنده لا يسبقونه بالقول وبأمره يعملون، فعملهم هو عمل الله تعالى؛ لأنهم موكلون عنه في قبض الأرواح، وأيضاً ينسب العمل لهم لمباشرتهم لهذه المهمة. فيمكن أن تكون البيعة بين الركن والمقام واحدة يباشرها وصي الإمام المهدي ع نيابة عنه، فهي بيعة للإمام المهدي ع؛ لأنه هو الآمر بها، وبيعة لوصيه؛ لأنه هو المباشر لها وخصوصاً إذا لاحظنا أن هناك بعض الروايات نصت على ذلك. الثالث: أن تكون البيعة متعددة، أي تكون بيعة لوصي الإمام المهدي ع بين الركن والمقام، وأيضاً تكون بيعة أخرى للإمام المهدي ع عند قيامه المقدس. فالرواية الآتية تنص على أن هناك مولى للإمام المهدي ع يوليه الإمام المهدي ع إستلام البيعة من الناس: عن الباقر ع أنه قال في حديث طويل: (... ثم قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر فيقول يا هذا ما تصنع فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله ص أم بماذا؟! فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك، فيقول القائم: أسكت يا فلان، أي والله أن معي عهد من رسول الله ص، هات لي العيبة فيأتيه فيقرأ العهد من رسول الله ص، فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك اقبله، فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه، ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا البيعة، فيجدد لهم البيعة ...) ([307]). فبعد غض النظر عن أمر مهم في هذه الرواية أتركه إلى وقته، أقول: قد ذكر المولى الذي يتولى البيعة نيابة عن الإمام المهدي ع، والظاهر أن العهد الذي أخرجه الإمام المهدي ع للمعترض هو وصية الرسول ص ليلة وفاته؛ لأنها هي الموصوفة بالعهد في أكثر من رواية. وأيضاً ورد ذكر هذا المولى في عدة روايات؛ منها الرواية الآتية التي تبيّن غيبة الإمام المهدي ع، وأمر المولى الوحيد الذي يطلع على موضع الإمام المهدي ع. عن أبي عبد الله ع أنه قال: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، أحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قتل، ويقول بعضهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره) ([308]). وأوضح معنى لعبارة (الذي يلي أمره) هي الخلافة، أي أنه يليه من بعده في الإمامة فهو وصيه. وأيضاً يصح أن يلي أمره في استلام البيعة، فإن من أهم أمور الإمام ع هي استلام البيعة من الناس، فيليه عنه وصيه. وأما تفسير عبارة (يلي أمره) بالخادم فهذه من تأويلات المترفين من أصحاب الخدم والقصور والملذات، فكل شيء عندهم يتصل بالدنيا، وهذا بعيد عن الإمام المهدي ع الذي يفترش التراب ويتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجشب سلام الله عليه وهو ابن أمير المؤمنين ع الذي كان يخصف نعله بيده. ومن خلال الرواية الآتية يتبيّن أن هذا المولى يكون سفيراً بين الإمام المهدي ع وبين شيعته: عن أبي جعفر محمد بن علي ع أنه قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى- حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم ولو رأيتم صاحبكم. فيقولون: والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة ويقول: أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة، فيشيرون إليهم فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها...) ([309]). ومبحث المولى ربما يحتاج إلى بحث مستقل فنرجئه إلى مناسبات أخرى. واتضح من كل ما سبق أن قول الرسول ص: (يبايع بين الركن والمقام أسمه أحمد وعبدالله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) المقصود منه هو وصي الإمام المهدي وأول المهديين من ذريته أحمد، وإذا كان كذلك فلابد أن يكون مولوداً أو موجوداً قبل قيام الإمام المهدي ع. الرواية الثالثة: وعن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين ع: صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: (يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) ([310]). وقول الإمام السجاد ع في نهاية الرواية: (فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) حار في تفسيره بعض العلماء والباحثين لأنها لا تنطبق على الإمام المهدي ع؛ وذلك لأن هذه الرواية تفيد أن الإمام المهدي ع يكون موجوداً قبل ظهور السفياني، وهذا مخالف للكثير من الروايات المتكاثرة والمتواترة التي تنص على أن السفياني يخرج قبل قيام الإمام المهدي ع بخمسة عشر شهراً وعلى أقل تقدير ثمانية أشهر، أي أن السفياني علامة من علامات قيام الإمام المهدي أي قبل قيامه ع فكيف يكون الإمام المهدي ظاهراً قبل خروج السفياني ثم يختفي عند خروجه ثم يظهر بعد ذلك ؟! واضطر البعض إلى تأويل هذه الرواية بوجوه بعيدة عن الواقع. والحق أن هذا من الأمور التي حاول الأئمة إخفائها في كلامهم وتمويهها على الناس لتكون دليلاً على إن المقصود بـ (المهدي) في هذه الرواية وأشباهها ليس الإمام الحجة محمد بن الحسن ع؛ لأنه يظهر بعد السفياني لا قبله، وإنما المقصود بذلك المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع الذي ذكره الرسول ص في وصيته ووصفه بأول المؤمنين وأول المهديين وهو الذي يستلم الوصية من الإمام المهدي ع عند وفاته، وأيضاً قال عنه إنه يبايع بين الركن والمقام. وبهذا ينكشف الخفاء وينحل التعارض بين هذه الرواية وباقي الروايات، ويكون المقصود منها هو وصي الإمام المهدي ع وأول المهديين من ذريته الذي يكون ظاهراً قبل السفياني ثم يختفي عند خروج السفياني، ثم يظهر بعد ذلك ويقاتل السفياني وينتصر عليه، ويمهد لقيام أبيه الإمام المهدي ع. ومن أراد تفصيل الكلام في ذرية الإمام المهدي ع وهل أن الإمام المهدي متزوج في عصر الغيبة أم لا، فعليه بمراجعة كتاب (الرد الحاسم) أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي ع، فسيجد ضالته هناك إنشاء الله. الرواية الرابعة: وبعد أن عرفنا أن صفة (المهدي) لا تصدق فقط على الإمام محمد بن الحسن ع بل تصدق أيضاً على كل واحد من ذريته لأن الرسول ص وصفهم بـ (إثني عشر مهدياً)، وكذلك وصفهم الإمام الصادق بهذا الوصف، وقد ركزت الروايات على أن المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع يخرج قبل قيام الإمام ع ممهداً كالرواية السابقة التي شرحناها، وكالرواية الآتية والتي احتار في تأويلها فطاحلة العلماء. عن ثوبان عن النبي ص، قال: (إذا رأيتم الرايات السود من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي) ([311]). وهذا الحديث يعارض عشرات الروايات التي تنص على أن الإمام المهدي ع يبدأ قيامه من مكة المشرفة، ثم يتجه نحو العراق بينما هذا الحديث وغيره - كما يأتي- ينصّ على أن الإمام المهدي ع يأتي مع الرايات السود من خراسان، فلا يمكن حمل هذا الحديث إلا على وصي الإمام المهدي ع وأول المهديين من ذريته الذي يكون موجوداً قبل قيام الإمام المهدي ع - كما بيّنت - ويتولى مهمة التمهيد الرئيسة للإمام المهدي ع. بل هناك رواية صرحت بأن هذا المهدي الذي يأتي مع الرايات السود هو خليفة المهدي، عن ثوبان قال: قال رسول الله ص: (يقتل عنذ كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا تصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لا يقاتله قوم، ثم ذكر شاباًً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة المهدي) ([312]). وجاءت هذه الرواية أيضاً بلفظ (خليفة الله المهدي)، وعلى كلا اللفظين لا تصدق على الإمام المهدي ع، بل تصدق على وصيه المهدي الأول من ذريته، خصوصاً إذا لاحظنا أن لفظ (الخليفة) الوارد في هذه الروايات لا يصدق إلا على الأوصياء، فسواء كان اللفظ (خليفة المهدي) أو (خليفة الله المهدي) فهو لا يصدق إلا على وصي الإمام المهدي ع؛ لأن الإمام المهدي أول خروجه من مكة وليس من خراسان. وقد شدد الرسول ع على بيعة هذا (المهدي) حتى لو كان حبواً على الثلج كما أخبر أنه يبايع بين الركن والمقام أسمه أحمد وعبد الله والمهدي كما تقدم نقل الرواية، فالمأمور له بالبيعة قبل قيام القائم ع هو أول المهديين من ذرية الإمام المهدي ع وأول الأوصياء الذي أسمه أحمد كما تقدم في وصية الرسول محمد ص، والذي هو اليماني الموعود المصوف بأنه أهدى الرايات والمتخلف عنه من أهل النار كما سيأتي بيانه، وقد ورد عن أمير المؤمنين ع التشديد على نصرة هذه الرايات المشرقية التابعة لوصي الإمام المهدي ع (أول المهديي ) مما لا يترك أي خيار للمكلف بترك الالتحاق بها ونصرتها. عن أبي الطفيل أن علياً ع قال له: (يا عامر إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها - أي تحت الرايات السود - فإن لم تستطع فتدحرج حتى تقتل تحتها) ([313]). وقد وردت روايات كثيرة تذكر الرايات التي تأتي من المشرق بقيادة المهدي (وصي الإمام)، وإن على مقدمة جيش المهدي شعيب بن صالح، وإنهم يسلمون الراية للإمام المهدي ع ويبايعونه. عن ابن مسعود، قال: (بينما نحن عند رسول الله ص إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي ص اغرورقت عيناه وتغيّر لونه، (قال) فقلت: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيء نكرهه، فقال: إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءاً وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق، معهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثاً فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوه فلا يقبلونها حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً كما ملئوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج فإنه المهدي)([314]). عن أبي جعفر ع، قال: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان الكوفة، فإذا ظهر المهدي ع بمكة بعثت إليه بالبيعة) ([315]). وهذه الرواية تصرح بأن الرايات السود تأتي حتى تصل إلى الكوفة ثم يظهر المهدي في مكة فتبعث له بالبيعة، وهذا يعني إنها تخرج قبل خروج الإمام المهدي ع، وهذا يؤكد على أن المهدي الذي يأتي مع الرايات السود هو المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع، وليس الإمام المهدي نفسه، هذا بعد أن عرفنا صحة إطلاق صفة (المهدي) على كل واحد من ذرية الإمام المهدي ع، بل لم تصف الروايات أحداً بهذه الصفة غير الإمام المهدي ع وأوصيائه. وعن عمار بن ياسر، قال: (المهدي على لوائه شعيب بن صالح) ([316]). وهذا يدل على أن جيش المهدي (وصي الإمام) الذي يأتي من خراسان يقوده شعيب بن صالح بأمر من المهدي الأول (ابن المهدي ووصيه). وعن محمد بن الحنفية، قال: (تخرج من خراسان راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس يوطئ للمهدي سلطانه، يمد إليه ثلاثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي إثنان وسبعون شهراً) ([317]). ومعنى هذا إن رايات المهدي الأول (الوصي) بقيادة شعيب بن صالح هي التي تهزم السفياني من العراق حتى تصل إلى بيت المقدس وتسلّم الراية للإمام المهدي ع، وسيأتي تفصيل ذلك في مستقبل هذا البحث إن شاء الله تعالى. وتحصّل لدينا من كل ما سبق أن حركة التمهيد الرئيسية يقودها ابن الإمام المهدي ع والذي أسماءه أحمد وعبد الله والمهدي بنص وصية رسول الله ص وكذلك حديث الرسول ص عن بيعته بين الركن والمقام، وأنه واجب الطاعة على الناس وصاحب البيعة كما سمعت ذلك من أحاديث الرسول ص (فبايعوه)، (فأتوها ولو حبواً على الثلج)، (يبايع بين الركن والمقام)، وغيرها الكثير. ومن المعلوم والثابت في عقيدة أهل البيت ص أن البيعة لا تكون إلا للمعصوم؛ لأن البيعة معناها الطاعة وامتثال النصرة ولا يفرض الله طاعة غير المعصوم أبداً كما سيأتي بيانه، ومن المعلوم أيضاً أن الحجج المعصومين الذين أوجب الله طاعتهم على الخلق هم أربعة وعشرون أوصياء الرسول ص إلى يوم القيامة كما سبق بيانه، وبذلك يكون صاحب الرايات الخراسانية الذي أوجب الرسول ص بيعته على الناس معصوماً وبما أنه قد ثبت أنه ليس الإمام المهدي ع، بل ممهد للإمام المهدي ع، فلا يبقى إلا أن يكون أول المهديين من ذرية الإمام المهدي ع ووصيه ويمانيه. بقي تساؤل وهو هل أن المهدي الأول سيقوم بقيادة الرايات السود بالمباشرة، أم أنه سيولي عليها قادته ؟؟ وهل أنها مبايعة له منذ بداية قيامها، أم أنها ستبايعه عند دخولها العراق وتندرج تحت طاعته ؟؟ وهل ... وهل ... ؟؟ أسئلة كثيرة ما زالت غامضة حفاظاً على خطة الإمام المهدي ع، ولا يزيل هذا الغموض أو يحل رموز الروايات إلا رجل من أهل البيت ص، وكل شيء في وقته وكما يقال: (ليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يقال حان وقته وليس كل ما حان وقته حظر أهله)، وبما تبيّن أو سيتبيّن من خلال هذا البحث من فكرة تكفي المكلف في معرفة الحق وأتباعه، والله الموفق والمعين والهادي. الرواية الخامسة: وأخرج الشيخ الطوسي عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين ع فوجدته ينكث في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين مالي أراك مفكراً تنكت في الأرض أرغبة منك فيها، قال: لا، والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط، ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. قلت: يا مولاي فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: وإن هذا الأمر لكائن ؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. قال: قلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ قال: يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات) ([318]). وهذه الرواية لا يمكن انطباقها على الإمام المهدي ع لعدة أمور سأذكرها باختصار؛ لأنني بحثتها بالتفصيل في كتاب (سامري عصر الظهور) ([319]): 1- قول الإمام علي ع: (من ظهر الحادي عشر من ولدي ..)، فالحادي عشر من ولد الإمام علي ع هو الإمام المهدي ع والذي من ظهره هو ابنه كما هو واضح فلا يمكن انطباق هذه الرواية على الإمام المهدي ع، بل على ابنه ووصيه أول المهديين وعلى هذا لابد أن يكون مولوداً قبل قيام الإمام المهدي ع، وأما من قال: بأن الرواية بلفظ (من ظهري) وليس (من ظهر)، فليراجع كتاب (سامري عصر الظهور) ففيه التفصيل الكافي، ولا حاجة للإطالة بإعادته هنا. 2- قول الإمام علي ع: (... له غيبة وحيرة ...)، والظاهر أن لهذا المهدي المذكور في هذه الرواية غيبة واحدة؛ لأن الإمام ع عندما سئل عن مدتها أجاب بجواب واحد ولم يذكر مدتين فقال: (ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين)، فهي غيبة واحدة مرددة بين ثلاث احتمالات أي إنها في لوح المحو والإثبات الخاضع للبداء، فلا يمكن تفسير (الحيرة) على أنها الغيبة الثانية، ولو كان كذلك لذكر الإمام علي ع مدتين ولم يختصر على مدة واحدة. 3- لقد وقّت الإمام علي ع غيبة المهدي في هذه الرواية بستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، وفي هذه الحالة لا يمكن انطباقها على الإمام المهدي ع؛ لأن الأئمة ص لم يوقتوا وقتاً لغيبة الإمام المهدي ع وذكروا في عدة روايات بأنه كذب الوقاتون. عن عبد الرحمن بن كثير، قال: (كنت عند أبي عبد الله ع فدخل عليه مهزم فقال: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو ؟ فقال: يا مهزم كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون) ([320]). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع، قال: (سألته عن القائم ع فقال: كذب الوقاتون، إنّا أهل بيت لا نوقت) ([321]). وعنهم ص: (أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين) ([322]). إذن، فلابد أن تكون الرواية التي تحدد وتوقت وقت للغيبة المقصود منها غير غيبة الإمام المهدي ع، بل وصيه وولده المهدي الأول من ذريته ع. 4- والقول الفصل هو أن غيبة الإمام المهدي ع تجاوزت مئات السنين وليس ستة أيام ولا ستة أشهر ولا ست سنين، فمع القرائن السابقة نقطع بأن هذه الرواية تقصد وصي الإمام المهدي وليس الإمام المهدي نفسه ع؛ لعدم انطباق تفاصيل الرواية على الإمام المهدي ع. الرواية السادسة: عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع، قال: (الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل، قال: قلت له : جعلت فداك فاخبرني بما أستريح إليه، قال: يا أبا محمد ليس ترى أمة محمد فرجاً أبداً مادام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يشير (يسير) بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل الحافظ لما استودع يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) ([323]). فالرجل الأول غير الثاني في هذه الرواية قطعاً، وذو الخال والشامتين هو الإمام المهدي ع، إذن فمن هو الرجل الذي يأتي قبله والذي يظهر عند انقضاء ملك بني فلان وهم بنو أمية في آخر الزمان، وهذا الرجل يصفة أمير المؤمنين ع بـ (رجل منا أهل البيت)، وهذه الصفات واضحة الانطباق على وصي الإمام المهدي ع وأول المهديين من ذريته، والذي يظهر قبل قيام الإمام المهدي ع ويكون ممهداً له فهو من أهل البيت؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي ع ومن أوصياء الرسول ص المهديين، وفعلاً بدأ السيد أحمد الحسن دعوته آخر أشهر نظام صدام (لعنه الله) وهو الممثل لحكم بني أمية. وقد انتشرت الدعوة بعد النظام وكتب لها الاتساع والنمو وما كان لله ينمو رغماً على أنوف المكذبين الحاسدين. الرواية السابعة: أخرج الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد عن الرضا ع، قال: (كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([324]). وبعد ملاحظة ما ذكرته سابقاً من هذا البحث يتضح أن هذه الرواية تنطبق على وصي الإمام المهدي ع الذي يقوم ممهداً لدولة أبيه الإمام المهدي ع، ولا تنطبق على غيره؛ لأنه هو ابن صاحب الوصيات أي وصايا الأنبياء والأئمة ص التي استقرت عند القائم الحجة ابن الحسن ع، ولذلك وصف في وصية الرسول ص بـ (المستحفظ من آل محمد)، وبرواية الإمام الصادق ع: (الحافظ لما استودع)، أي الحافظ لوصايا الأنبياء والأئمة ص فهو وارثهم. وذكرت الرواية أن الرايات تهدى إلى ابن صاحب الوصيات، أي تبايع ابن ووصي الإمام المهدي ع وهذه البيعة أكد عليها الرسول ع والأئمة ص في عدة روايات نقلت قسماً منها فيما سبق كـ (فبايعوه فإنه خليفة " الله " المهدي)، و (فأتوه ولو حبواً على الثلج)، إضافة إلى الروايات التي أوجبت إتباع اليماني ونصرته والذي هو نفسه ابن صاحب الوصيات، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الرواية الثامنة: عن أمير المؤمنين ع، قال: (المهدي أقبل جعد، بخده خال، يكون (مبدؤه) من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر ...) ([325]). وأيضاً هذه الرواية لا تنطبق على الإمام المهدي ع لما سنذكره: 1- وصفت الرواية المهدي بأنه أقبل العينين جعد الشعر، وهذان الوصفان ليسا من صفات الإمام المهدي ع، بل ورد في الروايات أنه ع أعين وسهل الشعر. 2- وأيضاً ذكرت الرواية أن المهدي يكون من قبل المشرق (أي العراق أو وإيران)، ومن المعلوم أن الإمام المهدي ع يبدأ قيامه من مكة المكرمة فهذا الوصف لا يصدق على الإمام المهدي ع، بل يصدق تماماً على وصي الإمام المهدي (المهدي الأول)، والذي هو أول المؤمنين أي أول أنصار الإمام المهدي، وهو يخرج من العراق ومن البصرة تحديداً، فعن الإمام علي ع في خبر طويل، قال: (... ألا وان أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال ...) ([326]). 3- قال الإمام علي ع: (... وإذا كان ذلك خرج السفياني ...)، أي إذا كان المهدي ع من المشرق خرج السفياني، ومن المعلوم أن الإمام المهدي ع يخرج بعد السفياني وليس قبله، والذي يخرج قبل السفياني هو أول المهديين من ذريـة الإمام المهدي ع كما بيّنت ذلك في الرواية السابقة والتي تقول: (إذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يظهر بعد ذلك)، أي إن المهدي موجوداً قبل السفياني. الرواية التاسعة: عن أمير المؤمنين ع أنه قال: (... يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت) ([327]). وأهل الرجل هم ذريته، فهذا الرجل الذي يخرج قبل الإمام المهدي ع هو من أهل بيته، أي من ذريته، وهذا المعنى موافق لكل الروايات التي نصت أو أشارت على أن الممهد للإمام المهدي ع هو من ذريته (ولده)، وهو أول المؤمنين به وهو المهدي الأول من ذريته وهو اليماني الذي يسلّم الراية للإمام المهدي ع وصاحب أهدى راية والملتوي عليه من أهل النار. وقوله في آخر الرواية: (فلا يبلغه حتى يموت)، إما أن يكون مصحف وأصله (فلا يموت حتى يبلغه)، وإما أن يكون مأوّل وقد عُبّر عن التعب الشديد والقتال المرير بالموت، أي أنه لا يبلغ بيت المقدس إلا من بعد قتال شديد وتضحيات جسيمة في محاربة السفياني، ولعظم هذه الشدائد شبهها بالموت، ولا يمكن حمل العبارة على معناها الظاهري؛ لأن ذلك الممهد هو الذي يسلّم الراية للإمام المهدي فكيف يموت قبل ذلك !!! ومن خلال ملاحظة ما ذكرته من الروايات السابقة يتبيّن أن الممهد الرئيسي للإمام المهدي ع لابد أن يكون من ذريـته ووصيه الأول الذي وصفته الروايات بـ (المهدي) و (القائم)؛ لأنه أول المهديين والقوام من بعد أبيه الإمام المهدي ع. وعلى هذا لابد أن يكون اليماني الذي هو أهدى راية من ذرية الإمام المهدي ع كما سيأتي بيانه. الرواية العاشرة: عن أمير المؤمنين ع في خطبة طويلة، قال: (.... فإذا كان ذلك - أي قرب قيام القائم - فراجعوا التوبة، واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص فتداويتم من العمى والبكم وكفيتم مؤنة الطلب والتعسف، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ...) ([328]). وهذه الرواية تشير إلى ظهور ممهد للإمام المهدي ع من المشرق ويحث الإمام علي ع على إتباع هذا الممهد؛ لأنه يسير بسيرة الرسول ص، وإذا كان كذلك فلابد أن يكون أهدى الرايات وإلا لو كانت هناك راية أهدى منه لأمر الإمام علي ع باتباعها دون ذلك الرجل (طالع المشرق)، وإذا كان هذا الرجل أهدى الرايات فلا يمكن أن يكون غير اليماني الموصوف في عدة روايات بأنه أهدى الرايات، وأن المتخلف عنه من أهل النار. ولابد أيضاً أن يكون اليماني هو وصي الإمام المهدي ع وأول المهديين من ذريته كما سمعنا وسنسمع من الروايات الدالة على أن وصي الإمام المهدي ع يخرج قبل قيامه ممهداً له ع، وقد وصِف بـ (المهدي) في عدة روايات سطرتها فيما سبق من هذا البحث كـ (إذا ظهر السفياني اختفى المهدي)، والرايات الخرسانية (فيها خليفة الله المهدي)، أو (خليفة المهدي)، (يخرج قبله رجل من أهل بيته)، (المهدي أقبل جعد في خده خال يكون مبدأه من المشرق)، وغيرها عشرات الروايات. وقول الإمام علي ع (... وكفيتم مؤنة الطلب ...)، فالظاهر إنه طلب الإمام المهدي ع، أي أن من يتبع طالع المشرق اليماني لا يحتاج للبحث عن الإمام المهدي ع؛ لأن اليماني سيوصله إلى نصرة الإمام المهدي ع ويوفر عليه ذلك الجهد المضني. الرواية الحادية عشر: عن أبي عبد الله ع في قول الله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾، قال: قتل علي بن أبي طالب ع وطعن الحسن ع ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾، قال: قتل الحسين ع، ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ فإذا جاء نصر دم الحسين ع، ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ﴾ قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ع فلا يدعون وتراً لآل محمد إلا قتلوه ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾([329]) خروج القائم ع ... الحديث) ([330]). فمن هؤلاء القوم الذين يقومون قبل قيام الإمام المهدي ع ويقتلون أعداء آل محمد (السفياني وأتباعه)، وهؤلاء لهم شأن عظيم حيث وصفهم الله تعالى بـ ﴿عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ فنسبهم الله تعالى إلى نفسه، ولا يمكن أن يكون هؤلاء غير اليماني وأصحابه أصحاب (أهدى الرايات) والذين يتولون محاربة السفياني وأمثاله ويسلمون الراية للإمام المهدي ع. فاليماني هو الممهد الرئيسي وأهدى الرايات ولذلك فهو أحق بانطباق تلك الرواية عليه، بل لا يوجد لها مصداق غيره؛ لأن كل الرايات سواه إن لم تكن كلها باطل ففيها باطل، أي أنها ليست حقاً محضاً وحاشا الله تعالى أن ينسب لنفسه راية ضلال بقوله ﴿عِبَاداً لَّنَا﴾. الرواية الثانية عشر: قال أمير المؤمنين ع على منبر الكوفة: (لابد من وجود رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله يكون النصر معه، أصحابه الطويلة شعورهم أصحاب السبال سود ثيابهم أصحاب رايات سود ويل لمن ناواهم يقتلونهم هرجاً، والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم وما يلقى الفجّار منهم والأعراب الجفاة، يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد)([331]). فانظر هداك الله إلى قول الإمام علي ع في هذه الرواية: (بعث الله عليها..)، وبين قول الله تعالى في الرواية السابقة: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾، والذي فسره الإمام الصادق ع: بأنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ع، فالروايتان تتحدثان عن شئ واحد وهو خروج قوم يمهدون للإمام المهدي ع قبل قيامه ويتولون قتل أعداء آل محمد ص. وقوله ع: (عبداً عنيفاً خاملاً أصله يكون النصر معه ...)، فمن المعلوم أن هذا هو قائد وأمير هؤلاء القوم الممهدين وكذلك لابد أن يكون هو اليماني ولاسيما عند ملاحظة وصف الإمام علي ع لأصحابه: (سود الثياب أصحاب رايات سود ويل لمن ناواهم)، فهذه صفات أصحاب اليماني وصي الإمام المهدي ع، كما سيأتي بيانه. وقوله: (خاملاً أصله) فيه إشارة واضحة إلى أن اليماني منقطع النسب وسيواجه حملة من التشكيك في رجوع نسبه إلى الإمام المهدي ع؛ لأن هذا الأمر جديد ومخفي على الناس وغير مألوف لديهم، وفعلاً هذا ما واجهه السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع واليماني الموعود عندما أعلن أن نسبه ينتهي إلى الإمام المهدي ع. الرواية الثالثة عشر: الدعاء لصاحب الأمر ع المروي عن الرضا ع، روى يونس بن عبد الرحمن أن الرضا ع كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ....... اللهم أعطه في نفسه وأهله وَوَلَدِهِ وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها ....... اللهم صل على ولاة عهده والائمة من بعده وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وأعز نصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم وثبت دعائمهم واجعلنا لهم أعوانا وعلى دينك أنصارا فإنهم معادن كلماتك وخزان علمك وأركان توحيدك ودعائم دينك وولاة أمرك وخالصتك من عبادك وصفوتك من خلقك وأولياؤك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد نبيك والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته) ([332]). فهنا ميَّز الإمام الرضا ع وخصص أحد أولاد الإمام المهدي ع عن باقي الذرية والأهل بقوله: (ووَلَدِه) بفتح الواو واللام وكسر الدال، أي بصيغة المفرد لا الجمع بسكون الواو واللام وكسر الدال. وهذا التخصيص لأحد أولاد الإمام المهدي ع عن سائر الذرية يشير إلى أهمية هذا الولد وعظم دوره في دولة العدل الإلهي كما نص على ذلك الرسول ص في وصيته ووصفه بـ (أول المقربين " المهديين"، أول المؤمنين) وكما ذكرته باقي الروايات على أنه الممهد الرئيسي للإمام المهدي ع. وبعد كل ذلك أقول: إن الروايات التي تذكر وصي الإمام المهدي ع وتمهيده كثيرة يطول الكلام سردها، وفيما ذكرته كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد، والحمد لله وحده. * * * -وصي الإمام المهدي ع هو اليماني بعد أن أطلت الكلام في موضوع وصي الإمام المهدي ع وتمهيده لأبيه ع، وقد تبيّن بما لا يقبل الشك أن الذي يحمل راية التمهيد الرئيسية للإمام المهدي ع هو من ذريته وهو وصيه المذكور في وصية رسول الله ص باسمه وصفته: أحمد وأول المؤمنين - وقد وعدت فيما سبق - عدة مرات في إثبات أن وصي الإمام المهدي ع هو اليماني الموعود، ولا يمكن أن يكون اليماني غير شخصية وصي الإمام المهدي ع، وقد حان الوفاء بالوعد لإثبات ذلك. فأقول: من سنن الله تعالى أن يكون الحجة على الناس واحداً ليس متعدداً، قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾([333])، أي أن تعدد القيادة ينتج الاختلاف والتعارض في أغلب الأحيان - إن لم نقل دائماً - لاختلاف الأهواء والرغبات وطرق التفكير، وحتى في القيادات المعصومة رغم عصمتها وإتحاد أهدافها لم يجعل الله تعالى حجتين في مكان واحد وزمان واحد إلا أن يكون أحدهما ناطق والآخر صامت، ولا ينطق الآخر إلا عند فقدان أو موت الأول كما هو الحال في الأئمة المعصومين بعد الرسول محمد ص، وحتى في الغيبة الصغرى للإمام المهدي ع لم ينصب بينه وبين شيعته أكثر من سفير واحد، فإذا مات ذلك السفير نصب الإمام المهدي ع سفيراً غيره، وهذه هي سنّة الله تعالى في الدعوات الإلهية، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً. وقبل قيام الإمام المهدي ع لابد أن تكون هناك راية هدى تمثل الإمام المهدي ع قبال بقية الرايات الضالة المتشبهة بالحق؛ لأن الله تعالى لا يترك الناس في بحر الفتن والضلال من غير سفينة حق يهتدي إليها من طلب الحق حقاً وأزاح العمى عن بصيرته، ولكي لا يحتج أحد ويقول: ﴿لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى﴾([334])، كما حكى الله تعالى عن هؤلاء. عن سدير، قال: (قال أبو عبد الله ع: يا سدير إلزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه وأسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك إن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك) ([335]). ومن المعلوم أن السفياني يخرج قبل الإمام المهدي ع بخمسة عشر شهراً يقاتل ستة أشهر ويملك تسعة أشهر كما جاء في الرواية عن أبي عبد الله ع أنه قال: ( السفياني من المحتوم وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً) ([336]). فإذا كان كذلك فإلى من ترحل الناس عند خروج السفياني كما قال الصادق ع: (فارحل إلينا)، والإمام المهدي ع لم يخرج في ذلك الوقت وما زال مختفياً عن الظالمين. إذن، كما قلت لابد من وجود ممثل وسفير للإمام المهدي ع ترحل إليه الناس وتلتجئ من فتن ما قبل القيام المقدس لصاحب العصر والزمان أرواحنا فداه، وهذه الممثلية والسفارة عن الإمام المهدي ع لابد أن تكون متمثلة بشخص واحد لا بعدة أشخاص كما هي سنّة الله تعالى، وكما عن الإمام الباقر ع في حديث طويل، قال: (فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات ...). نعم، راية واحدة لا رايتان ولا رايات. وقد ثبت فيما سبق من هذا البحث أن وصي الإمام المهدي ع يخرج قبل قيام الإمام المهدي ع ممهداً له ع، وكذلك ثبت وسيثبت أن اليماني ممهد للإمام المهدي ع ورايته أهدى الراياتأ وقد أمر الأئمة ص بنصرته وعدم التخلف عنه (... وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه). وفي هذه الحالة لا يمكن القول بحجية كل من الوصي واليماني مع تعدد شخصيهما؛ لأنه تقدم القول بعدم إمكان وجود حجتين واجبين الطاعة على الناس في زمان واحد ومكان واحد فأما أن يكون الوصي هو الحجة واليماني تابع ومؤتم بوصي الإمام المهدي ع وهو أحمد كما بيّنت الروايات، وأما أن يكون اليماني هو الحجة والوصي تابع له ومؤتم به، وكلا الاحتمالين لا يمكن إثباتهما؛ لأن وصي الإمام المهدي ع حجة على الجميع، فلا يمكن أن يكون تابعاً لليماني. وكذلك اليماني لا يمكن أن يكون تابعاً لأحد فقد وصفته الروايات بأنه أهدى الرايات والملتوي عليه من أهل النار، وبهذا يكون حجة؛ لأن الأئمة ص لا يأمرون بطاعة غير الحجة وكذلك لا يأمرون بطاعة غير المعصوم؛ لأن الأمر بطاعة غير المعصوم يستلزم الأمر باتباع العاصي، والتالي باطل فالأول مثله، وقد فصلت الكلام في هذه المسألة في كتاب (من هم ورثة الأنبياء ...)، فمن أراد التفصيل فليراجع. إذن، لا يمكن التفريق بين شخصيتي وصي الإمام المهدي ع واليماني، بل هما شخصية واحدة لها عدة أسماء كما قال الرسول ص: (له ثلاثة أسامي أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنيين)، وقوله ص: (يبايع بين الركن والمقام أسمه أحمد وعبد الله والمهدي فهذه أسماؤه ثلاثتها). فاليماني هو أحمد وأول المؤمنين؛ لأنه أول الأنصار وهو المهدي، لأنه أهدى الرايات ويهدي إلى معرفة ونصرة الإمام المهدي ع ويهدي إلى أمر قد خفي وضل عنه الجمهور. وهو عبد الله؛ لأن العبادة هي الطاعة، وبما أنه أهدى الرايات فهو أطوعها لله تعالى وللإمام المهدي ع. وهو اليماني؛ لأنه يمين الإمام المهدي ع التي يضرب بها الظالمين الغاصبين، ولأنه من نسل الرسول ص الذي قال: (أنا يماني)، فكل من ينتسب للرسول ص فهو يماني والرسول ص من مكة ومكة من تهامة وتهامة من اليمن. وقد فصل هذا الأمر السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع في أحد بياناته بعنوان (السيد أحمد الحسن اليماني الموعود)، وبيّن أن كل أتباع اليماني هم يمانية نسبة إلى قائدهم، فيماني اليمن ويماني العراق وغيرهما هم من أتباع اليماني الأصل وليس خارجين عن طاعته وقيادته. وقد تم تفصيل الكلام في هذا الموضوع في كتاب (اليماني حجة الله) للشيخ حيدر الزيادي، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي ع. والوصي اليماني لابد أن يكون حسيني النسب كما سبق بيانه؛ لأن الأوصياء بعد الإمام المهدي ع من ذريته، فهم حسينيون نسبة إلى أبيهم الإمام المهدي ع الذي هو من ذرية الإمام الحسين كما هو ثابت، وقد وردت روايات تؤكد على أن راية الحق الوحيدة قبل قيام الإمام المهدي ع هي راية حسينية لا غير. عن أبي جعفر في خبر طويل، قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد، فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ع ثم صار عند محمد بن علي ع ويفعل الله ما يشاء، فألزم هؤلاء أبداً إياك ومن ذكرت لك...) ([337]). وهذا الرجل في هذه الرواية لا يمكن أن يكون هو الإمام المهدي ع؛ لأنه إذا كان كذلك فيحرّم اتباع أي شخص قبل قيام الإمام المهدي ع، وهذا مخالف للروايات التي تأمر باتباع اليماني ووصي الإمام المهدي ع قبل قيام الإمام ع. (... وإذا خرج اليماني فانهض إليه فأن رايته راية هدى ولايحل لمسلم أن يلتوي عليه) كما قال الأئمة ص: (إذا جاءت الرايات من المشرق فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة (الله) المهدي)، وعلى العموم فإن الثابت أن هناك ممهد قبل قيام الإمام المهدي ع يجب على الناس اتباعه ونصرته، وعلى هذا لا يكون المقصود من قول الإمام الباقر ع: (لا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع) هو الإمام المهدي ع؛ لأن الرسول ص والأئمة ص قد أمروا باتباع اليماني قبل قيام الإمام المهدي ع، فلا تناقض في كلامهم ص - وحاشاهم - فلابد أن يكون المقصود من ذلك الرجل غير الإمام المهدي ع قطعاً. وإذا فرّقنا بين شخصية الوصي وشخصية اليماني فأيضاً لا يصدق وصف هذا الرجل على شخصية الوصي ولا على شخصية اليماني، بل لابد من كونهما شخصية واحدة لكي يصدق عليهما وصف هذا الرجل المنصوص على اتباعه في هذه الرواية والمنهي عن اتباع غيره أياً كان. فإذا قلنا إن اليماني غير الوصي فلا يمكن أن تنطبق تلك الرواية على اليماني؛ لأنها وصفت ذلك الرجل المأمور بإتباعه بأنه: (... معه عهد نبي الله ص ...) وعهد نبي الله ص هو الوصية - كما تقدم بيانه - أي أن هذا الرجل لابد أن يكون وصياً، والأوصياء في زمن الظهور هما الإمام المهدي ع وولده أحمد - كما تقدم من الروايات – وبما أنها لا تنطبق على الإمام المهدي ع، فلا يبقى لها مصداق غير وصي الإمام المهدي ع أحمد، وهو أول المؤمنين كما وصفه الرسول ص في وصيته ليلة وفاته. إذن، فهذه الرواية لا تنطبق على اليماني إلا أن يكون هو نفسه وصي الإمام المهدي ع. وإذا قلنا بأن هذا الرجل هو الوصي دون اليماني أيضاً لا يستقيم الاستدلال؛ لأن معنى ذلك أن الطاعة واجبة لوصي الإمام المهدي ع فقط الذي عنده (عهد رسول الله ص)، وبهذا يكون اليماني غير واجب الطاعة والإتباع والنصرة، وهذا مخالف للروايات التي تأمر بنصرة اليماني وحرمة الالتواء عليه. عن الإمام الصادق ع قال في حديث طويل: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه ويل لمن ناواهم. وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي علي فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([338]). والذي هو أهدى الرايات ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ليس فيه أي عوج لا يكون إلا معصوماً وصاحب ولاية إلهية - كما بين ذلك السيد أحمد الحسن - وبهذا يكون واجب الطاعة. فلا يمكن أن ينطبق قول الإمام الصادق ع: (... ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ص) إلا على شخصية واحدة موصوفة بأنها وصي الإمام المهدي ع واليماني، ولا يمكن القول بأن وصي الإمام المهدي ع واليماني شخصان لا شخص واحد وهو المطلوب. أضف إلى ذلك أن الرواية حددت رجلاً واحداً لا غير، وهذا الرجل الذي معه (عهد نبي الله) هو نفسه في قول الإمام ع: (يخرج قبله رجل من أهل بيته بالمشرق ...)، وهو نفسه الذي قال عنه الإمام علي ع: (... أتاح الله لنا برجل منا أهل البيت ...)، وهو الذي قال عنه عمار بن ياسر ع: (... ويخرج من قبل ذلك من يدعو لآل محمد ص ) ([339]). وآل محمد ص في زمن الظهور هم الإمام المهدي ع، فهذا هو اليماني الذي (يدعو إلى صاحبكم) كما مر في الرواية، وهذا هو المذكور في أحد الروايات: (... ثم يملك رجل أسمر يملأها عدلاً ثم يسير للمهدي ع يطيعه ويقاتل عنه) ([340]). وهو ابن صاحب الوصيات الذي تهدى له الرايات قبل القائم ع، كما ورد عن الرضا ع، وهو الذي قال عنه الإمام علي ع: (... من ظهر الحادي عشر من ولدي ...)، وهو... وهو... إلى عشرات الروايات التي تصف صاحب أهدى راية في زمن الظهور، وهي صفات متعددة لرجل واحد. وقد تعمد أهل البيت ذلك؛ لإخفاء تفاصيل قضية الإمام المهدي ع لحين مجيء وقتها وأهلها لكي يفتضح كل من يدعيها باطلاً ويقع في تناقضات لا تحصى لعدم معرفته لأسرار هذه القضية الإلهية التي هي سر في سر. وإليك رواية أخرى تنص على أن راية الحق في عصر الظهور واحدة وحسينية النسب: عن أبي جعفر ع أنه سئل عن الفرج متى يكون، فقال: (إن الله عز وجل يقول: ﴿فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾([341])، ثم قال: يرفع لآل جعفر بن أبي طالب راية ضلال ثم يرفع آل عباس راية أضل منها وأشر، ثم يرفع لآل الحسن بن علي ع رايات وليس بشيء، ثم يرفع لولد الحسين ع راية فيها الأمر) ([342]). وهذه الرواية أيضاً - وكما قدمت - تنص على أن راية الحق الوحيدة هي حسينية، وكل الرايات الأخرى باطلة سواء كانت حسنية أو عباسية أو جعفرية، ولابد أن تكون هذه الراية التي فيها الأمر هي راية اليماني أحمد قطعاً؛ لأنه أهدى الرايات ويدعو إلى صاحبكم ويهدي إلى صراط مستقيم، أي إلى الإمام المهدي ع. * * * -الوصي اليماني من المشرق قد توهم البعض أن اليماني يخرج من اليمن معتمداً على بعض الروايات التي تُوهِم بذلك، ولا توجد رواية معتمدة واضحة الدلالة تنص على أن اليماني يخرج من اليمن. نعم، قد يخرج ثائر من اليمن ويوصف بأنه يماني، ولكنه ليس اليماني الأصل بل لابد من أن يكون تابعاً ليمين الإمام المهدي ع ووصيه (المهدي الأول) كما تبيّن ذلك. ووصف بأنه يماني نسبة إلى قائده اليماني الأول كقولنا لمن تبع الرسول محمد ص: (محمدي) كسلمان المحمدي، وقولنا لمن تبع الإمام علي ع: (علوي)، ولمن يتبع الإمام جعفر الصادق ع: (جعفري)، وكقولنا لمن يتبع السفياني (لعنه الله): (سفياني). وربما يظهر عدة أشخاص يوصف كل واحد منهم بـ (اليماني) نسبة إلى قائدهم، كما أن الرويات ذكرت عدة قوّام يقومون كممهدين ووصفتهم بـ (القائم) نسبة إلى قائدهم القائم الأصل الإمام المهدي ع. فعن أمير المؤمنين ع قال في حديث طويل: (... إذا قام القائم بخراسان وغلب على أرض كوفان ... إلى أن قال: وقام منا قائم بجيلان ... إلى أن قال: ثم يقوم القائم المأمول والإمام المجهول له الشرف والفضل وهو من ولدك يا حسين لا ابن مثله ...) ([343]). فقطعاً، إن قائم خراسان وقائم جيلان هما غير القائم الثالث (القائم المأمول)، ووصفا بهذا الوصف؛ لأنهما يقومان بأمر الإمام المهدي ع أو يهيئان له النصرة. وقبل أن نشرع في سرد الروايات التي تدل على خروج اليماني من المشرق لابد أن نشرح ولو باختصار معنى صفة اليماني ولماذا سمي بهذا الاسم. أقول: قد توهم من زعم أن اليماني سمي بهذا الاسم؛ لأنه من بلاد اليمن حصراً، بل اليماني سمّي يماني؛ لأنه يمين الإمام المهدي ع، ولانتسابه إلى الرسول محمد ص والرسول ص من تهامة وتهامة تابعة لبلاد اليمن، فالرسول ص يماني وبهذا يكون محمد وآل محمد ص كلهم يمانية، وكل من ينتسب إليهم فهو يماني كقولنا لمن ينتسب إلى الإمام علي ع علوي، ولمن ينتسب إلى الإمام الحسن ع حسني، والمنتسب للإمام الحسين ع حسيني، وهكذا . وقد سمّى الله تعالى الكعبة المشرفة بـ (اليمانية)، ففي رواية طويلة في مناجاة الله تعالى لعيسى بن مريم وعندما وصف له الرسول محمد ص قال عنه: (... يا عيسـى دينـه الحنفية وقبلته يمانية ...) ([344]). وقد ذكر ذلك المولى محمد صالح المازندراني في شرح الكافي؛ إذ قال: (... لأن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن ...) ([345]). وقال أيضاً عند شرحه لمناجاة الله تعالى لعيسى ع ووصفه لمحمد ص: (... قبلته يمانية) قال: (لأن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يقال: الكعبة اليمانية كذا في النهاية...)([346]). ونقل العلامة المجلسي عن الجزري قوله: (في الحديث الإيمان يمان والحكمة يمانية، إنما قال ص ذلك؛ لأن الإيمان بدأ من مكة وهي من تهامة، وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يقال: الكعبة اليمانية) ([347]). وقال الشيخ علي النمازي: (... وفي حديث آخر قال النبي ص: إن خير الرجال أهل اليمن والإيمان يمان وأنا يماني وأكثر قبائل دخول الجنة يوم القيامة مذحج. بيان: إنما قال ذلك؛ لأن الإيمان بدأ من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يقال: الكعبة اليمانية ...) ([348]). وقال الحموي في معجم البلدان: (... وقال المدائني: تهامة من اليمن وهو ما أصحر منها إلى حد في باديتها، ومكة من تهامة وإذا جاوزت وجرة وغمرة والطائف إلى مكة فقد اتهمت وإذا أتيت المدينة فقد جلست ...) ([349]). وقد سمَّى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار كلام أهل البيت ص: بـ (بالحكمة اليمانية) ([350])، وكذلك ورد هذا الاسم عن الرسول محمد ص، وقد ذكر هذا كله السيد أحمد الحسن في أحد بياناته تحت عنوان (السيد أحمد الحسن اليماني الموعود). وعلى هذا يكون الإمام المهدي ع يماني وأوصيائه كلهم يمانية ولاسيما أول المهديين (أحمد) وصي الإمام المهدي ع وصاحب أهدى راية قبل قيام القائم ع،كما تقدم بيانه. وبهذا يتضح أن صفة اليماني لا علاقة لها ببلد اليمن بل هي نسبة إلى الرسول محمد ص، والكلام طويل في هذه المسألة فمن أراد التفصيل فعليه بكتاب (اليماني حجة الله) للشيخ حيدر الزيادي، وهو أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي ع. وبعد أن تبيّن سبب تسمية اليماني بهذا الاسم أشرع ببيان أنه يخرج من المشرق وليس من اليمن، فأقول: من تتبع الروايات التي تشرح أحداث ما قبل القيام المقدس للإمام المهدي ع يجد أن بلد اليمن خالٍ من تلك الأحداث إلا يسيراً، ويجد أن أكثر الأحداث وأهمها تتمركز في العراق وإيران وبلاد الشام وإذا تتبعنا الروايات التي تحدد خروج أهدى راية ممهدة للإمام المهدي ع نجدها مرددة بين العراق وإيران (المشرق)، بل بعض الروايات نصت على أن أول أنصار الإمام المهدي ع (أول المؤمنين) من العراق ومن البصرة تحديداً، كما روي عن أمير المؤمنين ع في تعداد أسماء الثلاثمائة والثلاثة عشر: (... ألا أن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال...). ولأهمية هذا الممهد وحفاظاً عليه من أعداء آل محمد، ولكي لا تنكشف الخطة العسكرية للإمام المهدي ع فقد وُصِف هذا الممهد بعدة أوصاف، ولم يصرح باسمه الحقيقي إلا في موارد قليلة كوصية الرسول ص: (فليسلّمها - أي الإمام المهدي - إلى ابنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين)، وكقول الرسول ص: (يبايع بين الركن والمقام أسمه أحمد وعبد الله والمهدي فهذه أسماؤه ثلاثتها)، وكقول الإمام علي ع في الرواية السابقة: (أولهم من البصرة) أي أول أنصار الإمام المهدي ع، وكالرواية التي تذكر إن شعار كنوز الطالقان هو (أحمد أحمد) عند مجيئهم إلى العراق لنصرة الإمام المهدي ع. عن الإمام الباقر ع: (إن لله كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم (أحمد أحمد)، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء عليه عصابة حمراء كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج)([351]). وبملاحظة ما أثبته سابقاً من أن الأئمة ص لا يوجبون البيعة لأكثر من شخص في زمان واحد فلابد أن تكون هذه الرايات (كنوز الطالقان) بقيادة اليماني المأمور ببيعته ونصرته كما سمعنا، سواء كانت قيادة مباشرة أو بالتوكيل وشعارهم (أحمد أحمد) هو أسم اليماني ووصي الإمام المهدي ع وأول المؤمنين والأنصار كما ذكرت ذلك الروايات السابقة، والذي ينظر إلى مجموع الروايات التي تأمر بالبيعة لشخص قبل قيام الإمام المهدي ع وبأوصاف وأسماء متعددة ربما يتوهم أن هناك أكثر من شخص قد أمر الرسول ص والأئمة ص بطاعته، ولكن هذا لا يصح كما بيّنت؛ لأن البيعة ووجوب الطاعة لابد أن تكون لشخص واحد، ولابد أن يكون معصوماً، ولا تنطبق هذه الأوصاف إلا على الوصي اليماني كما بيّنت ذلك مراراً، فراجع. ومن الروايات التي تنص على خروج الممهد الرئيسي من المشرق قول أمير المؤمنين ع: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر...)، وقول الرسول ص: (... ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لايقاتله قوم ثم ذكر شاباً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة المهدي)، وبلفظ آخر: (خليفة الله المهدي)، وعن أمير المؤمنين ع: (... إذا قام القائم بخراسان ...)، وعنه ع في حديث طويل: (... وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة ليست بقطن ولا كتان ولا حرير مختوم في رأس القنا بخاتم السيد الأكبر يسوقها رجل من آل محمد ص تظهر بالمشرق وتوجد ريحها بالغرب كالمسك الأذفر يسير الرعب أمامها بشهر حتى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم ...) ([352]). وقائد هذه الرايات المشرقية الموصوف بأنه من آل محمد ص لا يمكن أن يكون غير وصي الإمام المهدي ع واليماني الموعود مع ملاحظة الروايات والمواضيع السابقة. وعن أمير المؤمنين ع، قال: (المهدي أقبل جعد بخده خال يكون مبدؤه من قبل المشرق وإذا كان ذلك خرج السفياني ...) ([353]). وقول أمير المؤمنين ع: (... إنكم إن أتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص ...) ([354]). وعن كعب الأحبار، قال: (... وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قتل صاحب الشام فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي ع) ([355]). وعن عبدالله بن عمر، قال: (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدها واتخذها طرقاً) ([356]). ولو قارنت هذه الرواية مع قول الصادق ع: (ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبي الله ...) اتضح أن الرجل الحسيني صاحب العهد المأمور بطاعته فقط هو نفسه الحسيني الذي يخرج من المشرق، وهو نفسه اليماني والمهدي الأول وصي الإمام المهدي (معه عهد نبي الله). وبهذا يتبين أن اليماني يخرج من المشرق وهو حسيني النسب وأهدى الرايات وهو أيضاً أحمد وصي الإمام المهدي وأول المهديين من ذريته وتبين وهم من زعم أن اليماني يخرج من اليمن. * * * -راية اليماني راية أهل البيت ص من المعلوم أن من السنن الإلهية وحدة مصدر الوجود ووحدة الحجة على الخلق، فالإله واحد جل جلاله قال تعالى : ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾([357])، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾([358])، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾([359]). وكذلك لكل مكان وزمان نبي واحد لا يمكن أن يكون أكثر من ذلك، فلم يبعث الله تعالى في مكان واحد وزمان واحد نبيين وكلاهما حجة على الخلق ويجب طاعتهما. وكذلك الأئمة الأطهار من ذرية الرسول محمد ص، لا ينطق اللاحق منهم حتى يموت أو يستشهد السابق، فالحسن والحسين ص إمامان في وقت واحد ولكن لم ينطق الإمام الحسين ع في حياة الإمام الحسن ع وكان محجوجاً به، وهكذا هلم جراً استمرت الإمامة بعد الحسين ع في ذريته يسلمها الوالد إلى ولده حتى انتهت إلى الحجة محمد ابن الحسن ع، ومن بعده ستستمر في ذرية المهديين ص. وحتى في زمن الغيبة الصغرى للإمام المهدي ع لم ينصب الإمام أكثر من سفير بينه وبين الشيعة رغم كثرة الشيعة وتفرقها في البلدان فأول سفير هو عثمان بن سعيد العمري ع وكان له وكلاء في سائر البلدان ثم هكذا بعد وفاته نُصب ابنه محمد بن عثمان ثم بعده الحسين ابن روح ثم علي بن محمد السمري ص جميعاً. وقد انحرفت الأمة الشيعية في آخر الزمان بالخصوص عن هذه السنة الإلهية الثابتة واتخذت كل طائفة إماماً لها تقتدي به وتعتبر قوله حجة عليها ومخالفته تعتبر مخالفة لله تعالى !!! وكل واحد من أولئك القادة يدعي النيابة عن الإمام المهدي ع، وانه النائب عنه في التصرف في البلاد والعباد حتى أصبحت الشيعة أكثر من سبعين فرقة كل واحدة تلعن الأخرى، وأصبح هؤلاء القادة يتنافسون فيما بينهم لجمع اكبر عدد ممكن من الأتباع والأنصار وقد غصَّت الجدران وأعمدة الكهرباء بصورهم المزخرفة، حتى وصل الأمر بينهم إلى التفسيق والقتل والقتال !!! فليت شعري هل من الممكن أن يتقاتل وكلاء الإمام المهدي فيما بينهم ؟!!! إن هذه المسرحية تشبه مسرحية العشرة المبشرين بالجنة الذين وصل الأمر فيما بينهم إلى التقاتل، وأجاب أبناء العامة عن ذلك: إن هذا مما عجب الله منه فضحك !!!!! فهل تقاتل نواب الإمام المهدي اليوم مما يعجب منه الإمام المهدي ع فيضحك ؟؟!!! لا أدري هل أصبح القوم بهذا المستوى من ضحالة التفكير والغفلة عن هذا الواقع المخزي الذي أصبح ناراً على علم ولا يمكن إنكاره ؟!!! والأمر المهم هو الكلام عن عصر الظهور، وهل توجد هناك راية واحدة واجبة الطاعة أم عدة رايات ؟ وإذا كانت هناك راية واحدة، فكيف يمكن معرفة هذه الراية ؟ وهل هي حسينية أم حسنية أم عباسية أم جعفرية ؟؟؟ لا شك أن هناك راية واحدة لأهل البيت ص تمثلهم في عصر الظهور، لأن راية أهل البيت واحدة لا تتعدد طبقاً للسنة الإلهية، وهذا ما نطقت به عشرات الروايات عنهم ص: عن أمير المؤمنينع في حديث طويل: (... لنا راية من استضل بها كنته ومن سبق إليها فاز ومن تخلف عنها هلك ومن تمسك بها نجا ...) ([360]). وفي حديث عن رسول الله ص: (... حتى يتيح الله لنا راية تجيء من المشرق من نصرها نصر، ومن يشاقها يشاق، ثم يخرج عليهم رجل من أهل بيتي اسمه اسمي وخلقه خلقي...)([361]). وعن محمد بن بشر عن محمد بن الحنفية، قال: (إن قبل رايتنا راية لآل جعفر وأخرى لآل مرداس ...) ([362]). وما دامت هناك راية واحدة لأهل البيت ص من لزمها لحق ومن تقدمها مرق ومن تأخر عنها زهق، نأتي الآن ونسأل هل أن أهل البيت ص وصفوا هذه الراية للأمة وحددوا معالمها ولو إجمالاً، أم أنهم تركوا ذلك ونسوا أمة آخر الزمان من هدايتهم، لتصبح الأمة فريسة الرايات الضالة التي تخرج قبل قيام الإمام المهدي ع ؟!! والجواب: حاشا الرسول محمد ص وعترته الطاهرة من ذلك: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فقد بيَّن الرسول محمد ص وآل بيته ص حامل تلك الراية وميَّزوه عن الرايات الضالة بالاسم والصفة والنسب والبلد ، ليكون ذلك حجة على كل منحرف قد اتخذ نفسه وهواه إلهاً يعبده من دون الله تعالى. والآن نأتي إلى بيان تلك الأوصاف واحداً بعد الآخر، فأقول: حامل راية آل محمد ص في عصر الظهور حسيني النسب: أكدت بعض الروايات على أن الراية الوحيدة التي يجب على الناس نصرتها قبل قيام الإمام المهدي ع هي راية واحدة لا غير وهي راية حسينية: عن الباقر ع، قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد ص، فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فألزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء فألزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك ...) ([363]). فالإمام الباقر ع يؤكد في هذه الرواية على أن لآل محمد وعلي راية واحدة في عصر الظهور ولغيرهم رايات، وان حامل هذه الراية من ذرية الإمام الحسين ع. وعن أبي جعفر ع أنه سُئل عن الفرج متى يكون، فقال: (إن الله عز وجل يقول: ﴿فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾، ثم قال: يرفع لآل جعفر بن أبي طالب راية ضلال ثم يرفع آل عباس راية أضل منها وأشر ثم يرفع لآل الحسن بن علي ع رايات وليس بشئ ثم يرفع لولد الحسين ع راية فيها الأمر) ([364]). وقد نفى الإمام الباقر ع في هذه الرواية أن تكون تلك الراية لآل جعفر أو لآل عباس أو لآل الحسن ع وحصرها في ذرية الإمام الحسين ع، ووصفها أنها فيها الأمر أي أمر الإمام المهدي ع، فقد ورد عنهم ص : إن أمرنا بغتة فجأة، وغيرها روايات كثيرة عبروا فيها عن قيام القائم ع بالأمر. وعن عبد الله بن عمر، قال: (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدها وأتخذها طرقاً) ([365]). 2- حامل راية آل محمد ص ابن الإمام المهدي ع ووصي من الأوصياء: من خلال الرواية الواردة عن الإمام الباقر ع والتي تقول: (... فألزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه فإن عهد نبي الله ...) يتبين أن صاحب راية أهل البيت ص هو وصي من الأوصياء ، بدليل قوله ع: (معه عهد نبي الله)، فقد تبين مما سبق أن عهد رسول الله ص هو وصيته حين حضرته الوفاة والتي نص فيها على الأئمة والمهديين ص ، وقد صرح الإمام الصادق ع بأن الوصية عند الموت هي العهد في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾([366])، والوصية لا تكون إلا عند الأوصياء، وما دام أن ذلك الممهد الحسيني وصف بأنه عنده عهد رسول الله ص فلابد أن يكون أحد أوصيائه، ومن المعلوم أن هذا الوصي يظهر قبل الإمام المهدي ع كما بينت ذلك في أكثر من موضع من هذا البحث ، فلابد أن يكون من ذريته ع؛ لأن الإمامة بعد الإمام الحسين ع لا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، أي من الوالد إلى الولد. وهذا ما نصت عليه وصية الرسول محمد ص - العهد - حيث قال عن الإمام المهدي ع عندما تحضره الوفاة: (... ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين)، فدلت الوصية على أن ابن الإمام المهدي ع هو أول من يؤمن به، وإلا كيف يصدق عليه أنه أول المؤمنين ؟ وقد بيّنت ذلك في أكثر من موضع من هذا البحث ، فلا حاجة للإعادة. وأيضاً نجد هذا المعنى واضحاً من خلال الرواية الآتية عن أمير المؤمنين: (... يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر...)، ولا يمكن أن يكون أهل للإمام المهدي ع غير ذريته. وكذلك يدل على ذلك الرواية الآتية عن الإمام الرضا ع: (كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([367]). وابن صاحب الوصيات هو ابن الإمام المهدي؛ لأن الإمام المهدي ع هو صاحب الوصيات، والذي اجتمعت عنده وصايا الأنبياء والأئمة ص، وهنا الرايات تهدى إلى ابن صاحب الوصيات أي تبايع له. ومن خلال النقطة الأولى والثانية يتضح أن حامل راية أهل البيت ص في عصر الظهور هو حسيني النسب ووصي الإمام المهدي ع وابنه. 3- حامل راية آل محمد ص من المشرق: بعد أن عرفنا أن راية أهل البيت ص واحدة في عصر الظهور ولا يمكن أن تتعدد، وأنها حسينية ومهدية بالتحديد، نأتي إلى بيان الجهة والمكان الذي تخرج منه تلك الراية. فأقول: نصت روايات كثيرة على أن راية أهل البيت ص المأمور بطاعتها ونصرتها تخرج من المشرق: عن الرسول ص: (... ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لا يقاتله قوم، ثم ذكر شاباً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة المهدي). وعن أمير المؤمنين: (... يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق ...). وعن أمير المؤمنين ع: (... أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص ...). وعن كعب الأحبار، قال: (... وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قتل صاحب الشام فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي ع) ([368]). وعن عبد الله بن عمر، قال: (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدها واتخذها طرقاً). وعن أمير المؤمنين ع في حديث طويل: (... وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة ليست بقطن ولا كتان ولاحرير مختوم في رأس القنا بخاتم السيد الأكبر يسوقها رجل من آل محمد ص تظهر بالمشرق وتوجد ريحها بالغرب كالمسك الأذفر ...) ([369]). وعن الرسول ص، قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي) ([370]). وعن رسول الله ص: (إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءاً وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق. معهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثاً فيقاتلون فينصرون فيعطون اسألوه فلا يقبلونها حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً كما ملئوها جوراً فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج فإنه المهدي) ([371]). وكل هذه الروايات تؤكد على أن راية الحق الممهدة تخرج من المشرق، ومن المعلوم أن المشرق هو العراق وإيران. 4- حامل راية آل محمد ص من البصرة: بعد أن اتضح يقيناً بأن راية الحق الوحيدة قبل قيام الإمام المهدي ع، هي حسينية مهدوية تخرج من المشرق، نأتي إلى تحديد بلد حامل راية أهل البيت ص أكثر، ومن أي منطقة من المشرق يكون مبدأ ظهوره ؟؟ أقول: لا شك أن حامل راية الإمام المهدي ع في عصر الظهور لابد أن يكون صاحب السبق إلى نصرة الإمام المهدي، لقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ([372])، ومن المعلوم أن حامل راية الإمام المهدي ع لابد أن يكون أقرب الناس إليه وأفضلهم بعد الإمام المهدي ع، فإذا عرفنا أول المؤمنين وأول الأنصار الثلاثمائة والثلاثة عشر، علمنا يقيناً أنه هو حامل راية الإمام المهدي ع. ومن خلال التأمل في وصية الرسول محمد ص نعلم أن أول المؤمنين بالإمام المهدي ع هو ولده ووصيه أحمد المهدي، فعن الرسول ص في آخر وصيته: (فإذا حضرته الوفاة - أي الإمام المهدي - فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين). وكما قلت مراراً إنه لا يكون أول المؤمنين أو المقربين إلا أن يكون الفائز بالسباق في تصديق ونصرة الإمام المهدي ع. وبعد أن عرفنا أن حامل راية الإمام المهدي ع هو من ذريته، ويمتاز عن غيره من الأنصار بأنه أول المؤمنين والسابقين إلى نصرة الإمام المهدي ع، نأتي الآن إلى سماع الرواية الآتية التي تنصّ على أن أول أنصار الإمام المهدي ع الثلاثمائة والثلاثة عشر هو من العراق ومن البصرة تحديداً: عن الإمام علي ع في خبر طويل في تعداد أنصار الإمام المهدي ع، قال: (... ألا وأن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال ...) ([373]). وبهذا يتضح أن أول أنصار الإمام المهدي ع من ذريته ووصيه واسمه أحمد ومن أهل البصرة بالخصوص. ويجب الالتفات إلى أن مبدأ ظهور حامل راية الإمام المهدي ع من العراق، وهذا لا يعارض الروايات التي تشير إلى مجيء هذا الممهد من خراسان، فربما يضطر إلى الهجرة إلى خراسان أو أن الرايات التي تقبل من خراسان تابعة له أو بقيادة أحد قادته اليمانية، وتحديد ذلك بالدقة متروك إلى أهله وستكشفه الأيام عن قريب إن شاء الله تعالى. 5- حامل راية آل محمد ص خامل الأصل: وما دام أن حامل راية الإمام المهدي ع من ذريته، فإنه سيواجه حملة تشكيك كبيرة من قبل الناس؛ لأن الناس نتيجة لطول غيبة الإمام المهدي ع، تستبعد أن يكون متزوجاً وله ذرية خلال كل هذه الأجيال المتعاقبة، فسيتصف هذا الممهد بأنه خامل الأصل والنسب بسبب ذلك، وهذا ما أشارت إليه الرواية الآتية: عن أمير المؤمنين ع قال على منبر الكوفة: (لابد من وجود رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله يكون النصر معه، أصحابه الطويلة شعورهم أصحاب السبال سود ثيابهم أصحاب رايات سود، ويل لمن لمن ناواهم، يقتلونهم هرجاً. والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم وما يلقى الفجّار منهم والأعراب الجفاة، يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد) ([374]). 6- حامل راية آل محمد ص من آل محمد ص: أشارت روايات كثيرة إلى أن حامل راية التمهيد للإمام المهدي ع هو رجل من آل محمد ص، واليك الروايات: في حديث طويل عن أمير المؤمنين ع: (... وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة ليست بقطن ولا كتان ولا حرير مختوم في رأس القنا بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد ص تظهر بالمشرق وتوجد ريحها بالغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها بشهر حتى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم ...) ([375]). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع، قال: قال: (الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل، قال: قلت له: جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه، قال: يا أبا محمد ليس ترى امة محمد فرجاً أبداً مادام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يشير (يسير) بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا. والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل الحافظ لما استودع يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) ([376]). وعن أمير المؤمنين ع أنه قال: (... يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق...). وقوله: (برجل منا أهل البيت) و (من آل محمد) و (من أهل بيته) لا يمكن أن تصدق على غير ما قلته فيما سبق وهو أنه من ذرية الإمام المهدي ع ووصيه، وهذا ما نصت عليه وصية رسول الله ص أيضاً، وخصوصاً إذا لاحظنا أن كلمة (منا أهل البيت) لا تصدق إلا على من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وهم الرسول محمد ص وعترته الطاهرة أو من حاز مراتب الإيمان العشرة كسلمان المحمدي، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([377]). 7- حامل راية آل محمد ص اسمه أحمد: تبين من النقطة الثانية أن صاحب راية الإمام المهدي ع اسمه أحمد وهو أول المؤمنين والناصرين للإمام المهدي ع، وهناك روايات أخرى تشير الى هذا الاسم منها: عن الإمام الباقر ع: (إن لله كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم (أحمد أحمد)، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء عليه عصابة حمراء كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج)([378]). واسم أحمد الذي ترفعه كنوز الطالقان شعاراً لها لابد أن يكون اسم أهدى الرايات ورافع راية الإمام المهدي ع؛ لأن كنوز الطالقان تأتي قبل القيام العلني للإمام المهدي، وتأتي ممهدة للإمام المهدي ع فلا يمكن أن تتخذ لنفسها شعاراً غير اسم أهدى الرايات، لأنها موصوفة بالهداية ومأمور بنصرتها ولو حبواً على الثلج، فكيف يمكن أن يأمر الأئمة ص بنصرة ثلة متخذة لنفسها شعار ضلالة ؟!! لأن الأئمة ص قد أمروا بنصرة أهدى الرايات فقط وهي الراية الحسينية المهدوية اليمانية ووصفوا الملتوي عليها بأنه من أهل النار، فإذا كان شعار أهل الطالقان (أحمد) اسماً لشخص غير تابع لصاحب راية المهدي فيعتبر ذلك الشخص ملتوياً على اليماني وهو من أهل النار، وهذا لا يمكن أن يتصوره عاقل، وخصوصاً إذا لاحظنا أن الأئمة لا يأمرون بنصرة غير المعصوم أو النائب عن المعصوم بنص خاص. إذن، فلابد أن يكون شعار كنوز االطالقان (أحمد أحمد) هو اسم أهدى الرايات اليماني أحمد وصي ونائب الإمام المهدي ع. وعن الإمام الباقر ع : (.... للقائم اسمان اسم يعلن واسم يخفى، فأما الذي يعلن فمحمد، وأما الذي يخفى فأحمد ...) ([379]). ولا يمكن حمل معنى الأسمين على المعنى الحقيقي؛ لأن الرواية تقول: اسم يعلن واسم يخفى. والحقيقة أن كلا الأسمين قد أعلن عنهما في نفس الرواية فأين الإخفاء ؟ والحقيقة أن معنى الأسمين هو الظهور، فللقائم ظهوران، ظهور باسم وصيه أحمد وظهور باسمه الشخصي محمد، والظهور الذي باسم أحمد قد خطط الأئمة ص لإخفائه عن الناس رغم ذكره في روايات كثيرة، للحفاظ عليه لحين وقته وحضور أهله. وقد روي إن القائم ع سيدعو إلى أمر مخفي عن عامة الناس: عن أبي جعفر ع قال فيه: (... إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي) ([380]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (إذا قام القائم ع دعى الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور وإنما سمي القائم مهدياً؛ لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه وسمي بالقائم لقيامه بالحق) ([381]). 8- حامل راية آل محمد ص اسمه المهدي: ورد عدة روايات تصرح بوجود ممهد قبل قيام الإمام المهدي ع وقبل خروج السفياني ونصت تلك الروايات على أن اسمه المهدي وقد يتوهم بعض الناس بأن المقصود بذلك هو الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع، وهذا لا يمكن الركون إليه؛ لأن تلك الروايات تصف ذلك الممهد بأنه يخرج من المشرق وقبل خروج السفياني، والمقطوع به من خلال الروايات المتواترة بأن الإمام المهدي ع يبدأ قيامه المقدس من مكة المكرمة وبعد خروج السفياني بخمسة عشر شهراً أو أكثر. إذن، فلابد أن يكون ذلك الممهد الموصوف بالمهدي هو غير الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع، وهو صاحب راية الإمام المهدي في عصر الظهور الوصي الحسيني اليماني والذي سماه الرسول محمد ص في وصيته بالمهدي: (... له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين). واليك الروايات التي تنص على ذلك: عن الرسول ص، قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها، فإنّ فيها خليفة الله المهدي) ([382]). وعن السجاد ع: (... فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) ([383]). ونقل نعيم بن حماد عن أبي هريرة أنه قال: (يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان فيغلب السفياني على ما يليه والمهدي على ما يليه، ثم تكون الغلبة للمهدي ع فيقتل السفياني وأصحابه ولا يبقى على وجه الأرض عدو لآل محمد ...) ([384]). والمهدي المذكور في هذه الرواية قطعاً غير الإمام المهدي ع لأنه يقوم بعد السفياني بعدة أشهر والذي يقوم ويتسابق مع السفياني نحو الكوفة هو اليماني (المهدي الأول) كما نصت الكثير من الروايات على ذلك، راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وكذلك الغيبة للشيخ النعماني وغيرهما، وهذا المعنى مشهور ولا يحتاج إلى دليل، وأذكر رواية واحدة فقط: عن أبي عبد الله ع أنه قال: (اليماني والسفياني كفرسي رهان) ([385]). وعن أمير المؤمنين ع، قال: (المهدي أقبل جعد بخده خال يكون مبدؤه من قبل المشرق وإذا كان ذلك خرج السفياني ...) ([386]). 9- حامل راية آل محمد هو اليماني: بعد أن ثبت أن أهدى الرايات في عصر الظهور والمأمور باتباعها هي راية الوصي أحمد الحسيني المهدوي المشرقي، فلا يمكن أن يكون هذا الرجل غير اليماني الموعود المنصوص عليه في روايات أهل البيت ص بأنه أهدى الرايات في عصر الظهور والملتوي عليه من أهل النار، فلابد أن يكون اليماني هو الحسيني الذي حذر الأئمة ص من اتباع غيره من الرايات الأخرى ولابد أن يكون هو أحمد الوصي؛ لأنه أول المؤمنين من الأنصار، وهذا يستلزم أن يكون أهداهم وأقربهم من الإمام المهدي ع، وهو ... وهو...؛ لأن الله تعالى لا يأمر بطاعة أكثر من شخص في مرحلة واحدة، وقد بينت هذا الموضوع بالتفصيل في أكثر من موضع من هذا البحث فراجع. 10- حامل راية آل محمد ص صاحب دعوة للإمام المهدي ع: وبعد أن سمعنا الروايات التي بينت بالتفصيل صفات حامل راية آل محمد ص في عصر الظهور، يتبين لنا بوضوح أن هذا الممهد لابد أن يكون صاحب دعوة ودعوة للإمام المهدي فقط لا إلى مرجعية ولا إلى حزب سياسي ولا ... ولا ... ولا ... عن الباقر ع في حديث طويل: (... وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([387]). وإذا لاحظنا قول الإمام الباقر ع: (لأنه يدعو إلى صاحبكم) و (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) يتضح أن اليماني صاحب دعوة إلى الإمام المهدي ع، وهذا هو علة كونه أهدى الرايات وأن الملتوي عليه من أهل النار، ويتبين من ذلك أن الرايات غير اليماني لا تدعو إلى الحق ولا إلى صراط مستقيم ولا إلى الإمام المهدي ع. وجاء في الدعاء عن الإمام الصادق ع: (..... اللهم فان حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي ...) ([388]). وعن عمار بن ياسر ع قال في حديث طويل: (... ويخرج أهل المغرب إلى أهل مصر، فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد ...) ([389]). وسيأتي التعليق على هذا الدعاء وهذه الرواية تحت عنوان (الوصي والولاية في آخر الزمان) فانتظر. 11- حامل راية آل محمد ص يعلن البراءة: وسأبين هذا الموضوع بالتفصيل فيما يأتي من هذا الكتاب تحت عنوان (الوصي والولاية في آخر الزمان)، فانتظر. وبهذا يكون أهل البيت ص قد أوضحوا الطريق لمن طلب الهداية إلى حامل راية الإمام المهدي ع في عصر الظهور وأقاموا الحجة على كل البشر بأوضح بيان، وليس للمعاندين والمكذبين إلا العار في الدنيا والخزي في الآخرة، وكفاهم عقوبة إتباعهم لرايات الضلال التي اتضح ضلالها كنار على علم، والحمد لله على ما هدانا. * * * -الوصي اليماني هو الذي يهزم السفياني الروايات التي تناولت قضية السفياني تشابهت إلى حد كبير بحيث خفيت على الناس كثير من الحقائق بسبب غموض أو فقدان بعض حلقات السلسلة، وهذه حكمة الله تعالى لكي يعرف صاحب الحق عندما يأتي بهذه الحلقات المفقودة أو يوضح ويُحكم ما تشابه في هذه القضية. والحقائق المخفية في هذه القضية كثيرة ومهمة جداً جداً وسوف أغض النظر عن أكثرها وأرجئها إلى وقتها فإن لكل شيء وقت وأهل فإذا حان وقته وحظر أهله يأذن أهله ببيانه وتوضيحه. وسأُبين الآن مسألة واحدة مهمة جداً وهي: إنه قد بيّنت بعض الروايات أن جيش السفياني الذي يأتي إلى العراق لا يأتي بصحبة السفياني نفسه، وإنما بصحبة أحد قادة جيش السفياني وسُمي هذا القائد بـ (السفياني) نسبة إلى قائده الأصل (سفياني الشام) وإن الذي يتولى محاربة جيش السفياني في العراق هو المهدي الأول سواء بنفسه أو عن طريق قادة جيشه (اليمانية) ويطلق اسم اليماني على كل واحد من هؤلاء نسبة إلى قائدهم اليماني الأول وصي الإمام المهدي ع كما تقدم تفصيل هذا الموضوع. ومتوهم من يزعم أن الإمام المهدي ع هو الذي يحارب سفياني العراق ويهزمه بنفسه؛ لأن الإمام المهدي ع في هذا الوقت لم يعلن ظهوره في مكة المكرمة وبعد ظهوره وقيامه في مكة يتوجه إلى الشام لمحاربة السفياني الأصل والانتصار عليه كما ذكرت ذلك عدة روايات سنأتي على ذكر بعضها، ولتوضيح هذا الأمر أكثر لابد من بيان نقطتين مهمتين: النقطة الأولى: عند وصول جيش السفياني إلى العراق تكون يومئذ دولة بني العباس قائمة ولكنها ضعيفة قد نخرتها الفرقة والفتن ويصاحب وصول السفياني للعراق خروج وقيام الخراساني واليماني وقدومهما أيضاً للعراق ويسبقهم السفياني إلى الكوفة فيسبيها ويقتل أهلها ثم يدركه جيش اليماني بقيادة شعيب بن صالح - كما تقدم بيانه - فيستنقذ السبايا منه ويهزمه حتى يوصله إلى بيت المقدس، ومعنى ذلك أن جيش السفياني ينهزم من العراق قبل قيام الإمام المهدي ع. عن الحسن بن الجهم، قال: (قلت للرضا ع: أصلحك الله إنهم يتحدثون أن السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العباس، فقال: كذبوا إنه ليقوم وإن سلطانهم لقائم) ([390]). وأخرج نعيم بن حماد عن محمد بن الحنفية أنه قال: (تخرج رايات سود لبني العباس، ثم تخرج من خراسان (رايات) أخرى سود قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح من تميم يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس يوطئ للمهدي سلطانه ويمد إليه ثلاثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين أن يسلّم الأمر للمهدي إثنان وسبعون شهراً) ([391]). وعن أبي جعفر ع: (يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال ويأتي من خراسان برايات سود بين يديه شعيب بن صالح يقاتل أصحاب السفياني ويهزمهم) ([392]). وعن رسول الله ص، قال: (تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس ثم يمكثون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق ويؤدون الطاعة للمهدي) ([393]). إذن، فالذي يتولى قتال السفياني في العراق وهزيمته هي الرايات السود المشرقية الخراسانية العراقية، وذلك قبل قيام الإمام المهدي ع بمكة؛ لأن الرايات السود تصل إلى العراق قبل قيام الإمام المهدي ع بمكة فإذا بلغها قيام الإمام المهدي ع تبعث إليه بالبيعة كما بيّنت ذلك الروايات الآتية: عن أبي جعفر ع، قال: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان الكوفة، فإذا ظهر المهدي ع بمكة بعثت إليه بالبيعة) ([394]). وعن الرسول ع: (تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شئ حتى تنصب بإيليا "أي بيت المقدس") ([395]). وعلى ضوء هذه الأخبار تكون الرايات السود هي التي تقاتل جيش السفياني في العراق وتهزمه حتى تصل إلى بيت المقدس وفي حينها يكون الإمام المهدي ع قد خرج من مكة متوجهاً إلى الشام للقضاء على السفياني الأصل فتلتقي الرايات السود هناك مع الإمام المهدي ع ويسلّمون الراية إليه ويقاتلون معه. وعن الباقر ع في خبر طويل: (... فأول أرض تخرب أرض الشام ثم يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب وراية الابقع وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالابقع فيقتتلون فيقتله السفياني ومن تبعه ثم يقتل الأصهب، ثم لا يكون له همة إلا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسياء فيقتتلون بها فيقتل بها من الجبارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفاً فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان وتطوي المنازل طيا حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم، ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة فيبلغ أمير جيش السفياني إن المهدي قد خرج إلى مكة فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب على سنة موسى بن عمران ع ...) ([396]). ونستنتج من الرواية السابقة أن السفياني لا يأتي إلى العراق، وإنما يبعث جيشاً بقيادة أحد قادته والذي عبرت عنه الروايات بـ (أمير جيش السفياني) أو (صاحب السفياني) وذلك عند ملاحظة بعض فقرات الرواية السابقة. قوله ع: (ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين)، أي إن الذي يمر بقرقيسياء هو جيش السفياني وليس السفياني نفسه. وقوله ع: (ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل)، والكلام صريح في أن السفياني يبعث جيشاً إلى الكوفة (العراق) وليس هو يذهب إلى الكوفة. وقوله ع: (وخرج رجل من موالى أهل الكوفة فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة)، وهذا يدل على أن جيش السفياني بقيادة أمير وليس بقيادة السفياني نفسه. وقوله ع: (ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة فبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران ع)، أي أن سفياني الشام (الأصل) عندما يسمع بوجود المهدي ع بالمدينة يبعث إليه جيشاً أيضاً بقيادة أحد قادته ويبقى هو في الشام فيخسف بالجيش في البيداء ويرجع النذير إلى السفياني بهلاك جيشه. وقوله ع: (فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان وتطوي المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم)، وهذه الرايات هي نفسها التي يقودها المهدي الأول (اليماني) والتي وصفت في بعض الأخبار بـ (وتقبل رايات من شرقي الأرض ... يسوقها رجل من آل محمد ص)، (فيها خليفة الله المهدي)، (وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قتل صاحب الشام فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي ع)، (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدها وأتخذها طرقاً) إلى غيرها من الروايات. وعن أبي عبد الله ع، قال: (إذا خرج السفياني يبعث جيشا إلينا وجيشا إليكم فإذا كان كذلك فأتونا على [كل] صعب وذلول) ([397]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (كأني بالسفياني أو لصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه: من جاء برأس [رجل من] شيعة علي فله ألف درهم فيثب الجار على جاره ...) ([398]). وهنا يشير الإمام الصادق ع وينبه على إمكان مجيء صاحب السفياني إلى الكوفة وليس السفياني نفسه. وعن أبي عبد الله ع في خبر طويل نذكر منه ما يخص اللذين نجيا من الخسف بجيش السفياني : (... ويلك يا نذير ! أمض إلى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد ص وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء وقال لي: يا بشير إلحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين وتب على يده فإنه يقبل توبتك، فيمر القائم ع يده على وجهه فيرده سوياً كما كان ويبايعه ويكون معه ...) ([399]). وهذا يدل على أن السفياني ما زال بدمشق (الشام) عندما يخسف بجيشه في البيداء (أمض إلى الملعون السفياني بدمشق) ثم بعد الخسف يتوجه الإمام المهدي ع من مكة إلى الشام للقضاء على السفياني بينما سفياني العراق يومئذٍ قد هزمه اليماني إلى بيت المقدس (إيليا). كما سنسمع ذلك في النقطة الثانية. النقطة الثانية: الأمر الذي يؤكد لنا أن الذي يهزم جيش السفياني من العراق هم الرايات السود وليس الإمام المهدي ع نفسه هو إن الإمام المهدي ع، وكما تنص الروايات عندما يقوم بمكة يطهّر مكة والمدينة ويتوجه إلى الشام للقضاء على السفياني في مقر داره، وبهذا يكون أمر السفياني قد قضي عليه من الأصل في الشام. وعندما يتوجه الإمام المهدي ع بعدها إلى العراق لا يكون هناك سفياني ولا جيش للسفياني؛ لأن الرايات السود قد هزمته إلى بيت المقدس وقضي عليه هناك، ويبقى على الإمام المهدي ع تصفية الرايات الداخلية المضطربة في الكوفة والقضاء نهائياً على بذور الفساد والانحراف في العراق، وهاك اسمع الروايات التي تؤكد على توجه القائم ع بعد الخسف نحو الشام للقضاء على سفياني الشام: ففي حديث عن النبي ص، قال: (فتخرج (إليه) الأبدال من الشام وأشياعهم ويخرج إليه النجباء من مصر وعصائب أهل المشرق حتى يأتوا مكة فيبايعونه بين زمزم والمقام، ثم يخرج متوجهاً إلى الشام وجبرائيل على مقدمته وميكائيل على ساقته ...) ([400]). وعن محمد بن علي ع، قال: (إذا سمع العائذ (المهدي) الخسف خرج مع اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيليا...) ([401]). وعن أبي عبد الله ع في حديثه مع المفضل بن عمر: (... قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي، قال: يثور سرايا على السفياني إلى دمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة...) ([402]). وغير ذلك الكثير من الروايات، والأمر المهم بغض النظر عن كل التفاصيل هو أن الإمام المهدي ع عندما يتوجه إلى العراق لا يواجه أحداً من جيش السفياني ويكون جيش السفياني قد انهزم أمام الرايات السود إلى بيت المقدس، وهنا نواجه مشكلة بسيطة وهي أن هناك روايات تصف إلتقاء المهدي ع مع السفياني في معركة اصطخر وفي الكوفة أي في المشرق (إيران والعراق) فكيف يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين القول بأن الإمام المهدي ع يأتي إلى العراق بعد هزيمـة السفياني إلى بيت المقـدس !!! أقول: بعد أن ثبت أن الإمام ع يقضي على السفياني وجيشه في بلاد الشام قبل توجهه للعراق، وبعد أن ثبت أيضاً أن الرايات السود هي التي تهزم السفياني من العراق إلى بيت المقدس يكون لزاماً علينا أن نجد مصداقاً آخر للمهدي في تلك الروايات غير الإمام المهدي محمد بن الحسن ع. وبعد أن ثبت فيما سبق من البحث أن وصي الإمام المهدي ع يخرج قبل قيام الإمام المهدي ع ممهداً له ع فلا تنطبق تلك الروايات على غيره وخصوصاً بعد أن سمعنا الروايات المتعددة التي تصف وصي الإمام المهدي ع بـ (المهدي)؛ لأنه أول المهديين من ذرية الإمام المهدي ع، ولأنه يهدي إلى الإمام المهدي ع، ولأنه يهدي إلى أمر قد خفي بأمر أبيه الإمام المهدي ع. عن أمير المؤمنين ع، قال: (إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح فيلتقي هو والسفياني بباب اصطخر فتكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني، فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه) ([403]). والمهدي في هذه الرواية قطعاً غير الإمام المهدي ع؛ لأنه في هذا الوقت لم يبدأ قيامه العلني بعد بل إن الرايات السود عندما تصل إلى الكوفة وتهزم جيش السفياني بعد ذلك يصلها خبر قيام الإمام المهدي ع بمكة فتبعث إليه بالبيعة كما سبق ذكر الروايات الدالة على ذلك فلا نعيد. فأهل خراسان إنما يطلبون المهدي لكونه ظاهراً وإلا كيف يمكن الوفود على شخص غائب لا يعلم مكانه في شرق الأرض أم في غربها !!! ويتبيّن هذا الأمر أكثر عند سماع الروايات التي تذكر خروج المهدي قبل السفياني أو مع السفياني، فلا يمكن أن يكون المقصود منه الإمام المهدي ع؛ لأنه يقوم بعد السفياني بعدة أشهر كما هو ثابت بالروايات المتواترة. فعن الرسول ص قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها فان فيها خليفة الله المهدي) ([404]). وعن السجاد ع: (... فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) ([405]). ونقل نعيم بن حماد عن أبي هريرة أنه قال: (يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان فيغلب السفياني على ما يليه والمهدي على ما يليه، ثم تكون الغلبة للمهدي ع فيقتل السفياني وأصحابه ولا يبقى على وجه الأرض عدو لآل محمد ...) ([406]). والمهدي المذكور في هذه الرواية قطعاً غير الإمام المهدي ع؛ لأنه يقوم بعد السفياني بعدة أشهر والذي يقوم ويتسابق مع السفياني نحو الكوفة هو اليماني (المهدي الأول) كما نصت الكثير من الروايات على ذلك، راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وكذلك الغيبة للشيخ النعماني وغيرهما وهذا المعنى مشهور ولا يحتاج إلى دليل. وأذكر رواية واحدة فقط: عن أبي عبد الله ع أنه قال: (اليماني والسفياني كفرسي رهان) ([407]). وهذا الممهد الأول (اليماني) الذي يهزم السفياني هو نفسه رجل المشرق وطالع المشرق كما قدمت مراراً، وكما ذكر في الروايات وأكرر هنا فقط ما ذكرته عن كعب الأحبار: (... وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قتل صاحب الشام فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي ع). وعن ابن رزين، قال: (إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح) ([408]). وهذا المهدي الذي على لوائه شعيب بن صالح هو المهدي الأول وهو رجل المشرق كما تقدم بيانه. والروايات دالة بوضوح على أن المهدي الذي يخرج قبل السفياني ومع الرايات السود هو غير الإمام المهدي الحجة ابن الحسن ع، ولا تنطبق إلا على ابنه المهدي الأول من ذريته واليماني الموعود، وقد أطنبت الكلام في هذا الموضوع فيما سبق من هذا الكتاب فلا أعيد. وهناك روايتان تنص على مقاتلة المهدي ع للسفياني في الكوفة: عن علي بن الحسين ع، قال: (ثم يسير - أي المهدي - حتى يأتي إلى القادسية وقد اجتمع الناس بالكوفة وبايعوا السفياني) ([409]). وعن أبي عبد الله ع: (يقدم القائم حتى يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه والناس معه وذلك يوم الأربعاء فيدعوهم ويناشدهم حقه ويخبرهم أنه مظلوم مقهور ويقول: من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ... إلى أن قال: فيقولون: إرجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك قد خبرناكم واختبرناكم ...) ([410]). وكما قدمت مراراً لا يمكن أن يكون القائم في هذه الرواية هو الإمام المهدي ع؛ لأن الإمام المهدي ع لا يلتقي بالسفياني في العراق قط، بل القائم في هذه الرواية هو وصي الإمام المهدي ع اليماني الموعود والمهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع. وبعد كل ما قدمت يثبت أن السفياني يهزمه الوصي اليماني من العراق إلى بيت المقدس سواء كان ذلك بقيادته مباشرةً أو عن طريق توجيهه لقادته اليمانية كشعيب بن صالح وغيره. وقد اختصرت الكلام في هذا الموضوع وغضضت النظر عن كثير من الحقائق والتفاصيل؛ لأن قضية السفياني لوحدها تحتاج إلى مجلد مستقل، ولعل الله تعالى يوفقنا لبحث هذا الموضوع في بحث آخر، والحمد لله. * * * -متى يكتمل علم الوصي ؟ بعد أن فصلت القول في موضوع وصي الإمام المهدي ع وربما أطلت الكلام في بعض المواضيع وذكرت بعض الروايات تكراراً؛ وذلك لأن الموضوع جديد على الأذهان ولم يكتب فيه من قبل وهو استدلالي نوعاً ما ومتداخل بعضه في بعض، وبعد كل ذلك أشير الآن وباختصار إلى مسألة علم الوصي وهل أنه يعلم كل علم الإمام الذي قبله قبل وفاته، أم أنه لا يعلم كل علم الذي قبله إلا بعد وفاته. فقد جاءت كثير من الروايات تنصّ على أن الوصي لا يكتمل علمه إلا بعد موت الذي قبله وبالتحديد في آخر دقيقة من حياته، والظاهر أن من أسباب ذلك لأن الوصي في حياة الموصي غير مكلّف بالتصدي للإمامة وقيادة الأمة ما دام الموصي حياً وبمجرد أن يحين وفاة الإمام يوصي إلى وصيه وينتقل كل العلم من الإمام إلى وصيه في آخر لحظات حياته، وهذا الموضوع لا يحتاج إلى مزيد من الاستدلال لإثباته، ولذا سأختصر على ذكر بعض الروايات حول هذا الموضوع: عن أبي عبد الله ع، قال: (يعرف الذي بعد الإمام علم ما كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه) ([411]). وعن الإمام الرضا ع، قال: (... وأن رسول الله ص لما كان وقت وفاته دعا علياً ع وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كانت فيها الأسماء التي خصّ الله بها الأنبياء والأوصياء، ثم قال: يا علي أدنُ مني فدنا منه، ثم قال له: أخرج لسانك فأخرجه فختمه بخاتمه، ثم قال: يا علي إجعل لساني في فيك فمصه وأبلع عني كلما تجد فإن الله فهمك كلما فهمني وبصرك ما بصرني وأعطاك من العلم ما أعطاني إلا النبّوة فإنه لا نبي بعدي، ثم كذلك إماماً بعد إمام فلما قضى موسى ع علمت كل لسان وكل كتاب كان وما يكون بغير تعلم، وهذا سر الأنبياء أودعه الله فيهم والأنبياء أودعوه إلى أوصيائهـم، ومن لم يعرف ذلك ويحققـه فليس على شيء، ولا قوة إلا بالله) ([412]). ونجد ذلك واضحاً أيضاً من الرواية الآتية التي تذكر أن الإمام علي ع لا يستطيع قراءة ألواح موسى ع في حياة الرسول ص: عن أبي عبد الله ع، قال: (... فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي ص فلما انتهوا إلى الجبل انفرج وخرجت منه ألواح ملفوفة كما وضعها موسى، فلما وقعت في أيديهم ألقي في قلوبهم أن لا ينظروا إليها وهابوها حتى يأتوا رسول الله ص .. إلى أن قال: ثم دعا أمير المؤمنين ع فقال له: دونك هذه ففيها علم الأولين والآخرين وهي ألواح موسى وقد أمرني ربي أن أدفعها إليك، فقال: يا رسول الله لست أحسن قراءتها، فقال: إن جبرائيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فأنك تصبح وقد علمت قراءتها، قال: فوضعها تحت رأسه فأصبح وقد علمه الله كل شئ فيها .. الحديـث) ([413]). والروايات كثيرة بهذا الصدد، أعرضت عن ذكرها مراعاة للاختصار ولوضوح الأمر، فلا مبرر للإطالة. * * * -الوصي والولاية في آخر الزمان بعد أن عرفنا مما سبق من هذا الكتاب أن وصي الإمام المهدي ع يخرج ممهداً وداعياً لنصرة الإمام المهدي ع قبل القيام الشريف وخروجه يكون في آخر الزمان المليء بالفتن واختلاف الرايات الضالة المتشبهة بالحق فستوضع الأمة على مفترق الطريق كما قال تعالى: ﴿إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾([414])، كما وضعت الأمة كذلك في زمن وصي الرسول ص الأول علي بن أبي طالب ع وسلبت الخلافة من وصي الإمام المهدي ع بالشورى (الانتخابات) كما سلبت كذلك من أمير المؤمنين ع، وهذا يستلزم خروج أكثر الناس من الولاية الإلهية أيضاً كما حصل ذلك في زمن أمير المؤمنين ع، إذ لم يبق مع أمير المؤمنين من المهاجرين والأنصار إلا أقل من أصابع اليد ورجعت الناس كلها جاهلية كما ورد في الروايات الشريفة. ومن الطبيعي سيكون أمر وصي الإمام المهدي ع غريباً على الناس ومنبوذاً لديهم؛ لأن الناس أعداء ما جهلوا، فعن الرسول ص قال: (بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء)([415]). فالناس في آخر الزمان أتباع علماء الدين المنحرفين كما ورد عن الإمام الباقر ع أنه قال: (يكون في آخر الزمان قوم يتبع قوم مراؤن يتقرؤن ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم ...) ([416]). وعن الصادق ع عن أمير المؤمنين ع عن الرسول ص إنه قال: (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه يسمون به وهم أبعد الناس منه مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([417]). فكيف يكون حال من يخرج مصلحاً في هكذا زمان فيه الناس عبيداً لعلماء الضلالة ؟؟ وماذا يلقى من هكذا أناس غير التكذيب والاستهزاء والعداء المقيت كما كان حال الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾([418]). وفي هذا الحال حتماً ستخرج الناس عن الولاية الإلهية وتدخل في ولاية الشيطان لأنها تركت داعي الحق ونصبت واتبعت دعاة الضلالة كما في الرواية عن سليمان الدليمي، قال: قلت للصادق ع: (﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ قال: يغشاهم القائم بالسيف، قلت: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ قال: خاضعة لا تطيق الامتناع. قلت ﴿عَامِلَةٌ﴾ قال: بغير ما نزل الله. قلت: ﴿نَّاصِبَةٌ﴾ قال: نصبت غير ولاة الأمر. قلت: ﴿تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً﴾([419]) قال: الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة جهنم) ([420]). وهذا الحديث ينص على أن الناس في آخر الزمان وقبل قيام القائم ع ستعمل بغير كتاب الله تعالى (الدستور الوضعي)، وستنصب غير ولاة الأمر بـ (الانتخابات)، وولاة الأمر هم أوصياء النبي محمد ع الأئمة والمهديين ص كما جاء في تفسير قوله تعالى : ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾([421]). عن الحسين بن أبي العلاء، قال: (ذكرت لأبي عبد الله ع قولنا في الأوصياء إن طاعتهم مفترضة قال: فقال: نعم هم الذين قال الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ وهم الذين قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾([422])) ([423]). عن الباقر ع قال: (أولوا العقل والعلم، قلنا: أخاص أو عام، قال: خاص لنا) ([424]). وقد وردت الكثير من الروايات تنص على أن الإمام المهدي ع لا يقوم حتى تخرج الناس من الدين أفواجاً حتى لا يبقى إلا كالكحل في العين أو الملح في الزاد !!! وهذا المصير المرعب للأمة والخروج الجماعي عن الدين لا يمكن أن يكون له سبب غير الخروج عن ولاية الأئمة ص، ومن المعلوم إن الإمام المهدي ع غائب في هذا الزمان وإن الأمة كلها تؤمن به وتقر بخروجه ظاهراً وخصوصاً الشيعة فلابد أن يكون الأمتحان بغير الإمام المهدي والخروج عن الدين والولاية لا يكون إلا عند رفض الأمة إمامة وصي من أوصياء الرسول ص. عن أبي جعفر ع قال: (قال الله عز وجل: لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفون عن كل رعية دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة) ([425]). إذن لا يخرج الله تعالى الأمة من الولاية إلا إذا رفضت أحداً من أوصياء الرسول ص ولا يوجد وصي قبل قيام القائم ع إلا المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع وهو اليماني الموعود كما سبق بيانه مراراً، فلابد أن تمتحن الأمة قبل قيام القائم ع بوصيه وبرفضها لذلك الوصي وإتباعها علمائها المضلين خرجت عن الولاية والدين، كما ستسمع ذلك من الروايات الآتية: عن أمير المؤمنين ع في حديث طويل قال: (... فوالذي نفس علي بيده لا تزال هذه الأمة بعد قتل الحسين ابني في ضلال وظلمة وعسف وجور واختلاف في الدين وتغيير وتبديل لما انزل الله في كتابه وإظهار البدع وإبطال السنن وإختلاف وقياس مشتبهات وترك محكمات حتى تنسلخ من الإسلام وتدخل في العمى والتلدد والتسكع ...) ([426]). وعن أبي جعفر ع، قال: (دخل الحسين بن علي على علي بن أبي طالب ع وعنده جلساؤه، فقال: هذا سيدكم سمّاه رسول ص سيداً وليخرجن رجلاً من صلبه شبهي، شبهه في الخلق والخلق يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، قيل له: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين، فقال: هيهات إذا خرجتم عن دينكم كما تخرج المرأة عن وركيها لبعلها) ([427]). وفي خطبة طويلة لأمير المؤمنين ع قال فيها: (... ووا أسفاه من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضاً، المتشتتة غداً عن الأصل، النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ (منه) بغصن أينما مال الغصن مال معه... إلى أن قال ع: واعلموا إنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤنة الطلب ...) ([428]). وعن الرسول محمد ص أنه قال: (إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً الثابتون على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر ...) ([429]). وعن أمير المؤمنين ع في حديث: (... فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لايبقى منكم - أو قال: من شيعتي - إلا كالكحل في العين والملح في الطعام...) ([430]). وعن أمير المؤمنين ع إنه قال: (كأني بكم تجولون جولان الإبل تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر) ([431]). وجاء في تفسير قوله تعالى في بداية سورة براءة : ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([432]). عن جابر عن [جعفر بن محمد] أبى جعفر ع في قول الله: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ قال: (خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه) ([433]). وهذا يدل على وجود آذان دعوة للإمام المهدي ع قبل قيامه الشريف ولابد أن يكون آذان الدعوة بواسطة شخص غير الإمام المهدي ع؛ لأنه تواترت الروايات في أن الإمام المهدي ص عند قيامه لا يعطي المكذبين إلا السيف ولا يأخذ منهم إلا السيف ولا يستتيب أحداً. عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر ع: (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا السيف، لا يستتيب أحداً ولا يأخذه في الله لومة لائم) ([434]). وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (ما تستعجلون بخروج القائم، فو الله ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الشعير الجشب وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف) ([435]). وقوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ قد أعلن الله تعالى فيها البراءة من المشركين المكذبين لرسوله، وقال الرسول محمد ص: (لا يؤديها عني إلا شخص مني)، فكان وصيه الإمام علي ع هو المؤذن بها بين المشركين نيابة عن الرسول محمد ص، وتفسير الإمام الباقر لهذه الآية بأنها في آذان دعوة القائم ع يشير إلى أنها أيضاً براءة من الإمام المهدي ع لكل مكذبي دعوته قبل قيامه من قريش آخر الزمان وغيرهم من الذين أشركوا مع الإمام المهدي ع غيره في الحكم والقيادة، وأيضاً فيه إشارة إلى أن الذي سيعلن هذه الدعوة والبراءة شخص غير الإمام المهدي ع ولابد أن يكون منه ووصيه كما كان المعلن لبراءة الرسول ص من المشركين وصيه أمير المؤمنين ع، وهذا ما حصل فعلاً عندما أعلن السيد أحمد الحسن وصي الإمام المهدي ع براءة الإمام الإمام المهدي ع من كل المكذبين لدعوته بواسطة رسوله اليماني الموعود أحمد الحسن إلا أن يتوبوا قبل أن يأتيهم العذاب، وقد ورد عنهم ص: (سيعود الأمر كما بدأ). وهناك روايات أخرى تؤكد على وجود دعوة للإمام المهدي ع قبل قيامه المقدس منها: في رواية عن الإمام الصادق ع في تفسير بعض الآيات القرآنية، قال: (وقوله ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ يعني بذلك الشيعة وضعفاءها "ضعفاء الشيعة"... إلى قوله: وقوله: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ... لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾([436])، قال: اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه ومن شاء تأخر عنه....) ([437]). وفي هذه الرواية يؤكد الإمام الباقر ع على أن هذا اليوم الذي تتقدم فيه الناس أو تتأخر هو قبل قيام القائم ع، والحكم عام لكل البشر وليس خاص بفرقة دون أخرى بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ...﴾ أي لكل البشر، فلابد أن تكون هذه الدعوة عالمية وهذه الدعوة وصفها الباقر ع بالحق أي الحق الخالص من كل ضلال بقوله ع: (من شاء قبل الحق وتقدم إليه ومن شاء تأخر عنه)، فالتقدم عند الله تعالى لا يتحقق إلا إذا كان تقدماً نحو الحق الخالص من شوائب الباطل (له دعوة الحق)، ولا توجد راية قبل القائم موصوفة بأنها حق خالص سوى راية اليماني بدليل الصفات الواردة في حق اليماني عن أهل البيت ص كما عن الباقر ع في حديث طويل: (... وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([438]). وهنا عدة نقاط يجب التوقف عندها: 1- قوله ع: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني) أي إنه أهدى الرايات التي تسبق قيام القائم ع، وتفضيل راية اليماني على بقية الرايات؛ لأنه هو المعلن لآذان دعوة القائم ع قبل قيامه كما تبين ذلك، (خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه) وعلة التفضيل هذه نص عليها الباقر ع بعد أن ذكر بأن راية اليماني أهدى الرايات، فقال: (هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم) أي لأنه يدعو إلى الإمام المهدي ع، إذن فاليماني هو صاحب دعوة القائم ع قبل قيامه. 2- قوله ع: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى) فالإمام الباقر ع أوجب النهوض والنصرة لليماني (فانهض إليه)، ولا خلاف بين الجميع بأنها ظاهرة في الوجوب وهذا النهوض والنصرة هو الذي أشارت إليه الرواية السابقة (... اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه)، فتأمل هذه العبارة وقارنها مع وصف اليماني (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، فقبول الحق الذي قبل قيام القائم ع هو قبول حق اليماني والنهوض إلى نصرته ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ... لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ قال ع: (اليوم قبل خروج القائم ...). 3- قوله ع: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار) وتحريم الالتواء على اليماني وتوعد الملتوين بدخول النار، يؤكد وجوب نصرة اليماني المستفاد من قوله (فانهض إليه)؛ لأن اليماني صاحب دعوة القائم ع ويطلب النصرة من الجميع للقضاء على المنحرفين والتمهيد للإمام المهدي ع، فالذي لم يجب دعوة اليماني وتخلف عن نصرته يعتبر ملتوياً عليه وعنه؛ لأنه خالف أمره ولم يستجب لطاعته بل خالف أمر الإمام الباقر ع (فانهض إليه)، فعن الرسول محمد ع أنه قال: (من سمع واعيتنا أهل البيت ولم يجبنا أكبه الله على منخريه في النار) ([439]). ودخول النار بسبب عدم نصرة اليماني هو نفسه التأخر عن الحق قبل قيام القائم ع الذي ذكرته الرواية السابقة: (قال: ... اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه ومن شاء تأخر عنه) والتأخر عن الحق هو التسافل في نار جهنم، (فمن فعل ذلك فهو من أهل النار)، (من سمع واعيتنا أهل البيت ولم يجبنا أكبه الله على منخريه في النار). 4- قوله ع: (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) وكما قلت سابقاً إن الحق الذي يدعو إليه اليماني هو حق خالص عن أي شائبة باطلة؛ لأن الله تعالى لا يأمر بإتباع الحق المشوب بالباطل، ولأن انحراف آخر الزمان لا يدمغه ويقضي عليه إلا الحق خالص، كما قال سيدي أحمد الحسن، قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ...﴾([440]). والإمام الباقر ع جعل علّة حرمة الالتواء على اليماني واستحقاق دخول النار بسبب ذلك هو: (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) والحق هو الإمام المهدي ع بدليل إنه عندما علل أفضلية راية اليماني على سائر الرايات، قال: (لأنه يدعو إلى صاحبكم) أي إلى القائم ع وهو الحق الخالص. وقوله ع في علة وصف راية اليماني بالهدى: (هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم) يدل على أن الهدى قبل قيام القائم ع محصور بالدعوة إلى الإمام المهدي ع فقط، (لأنه يدعو إلى صاحبكم) نعم، لا لأنه يدعو إلى مرجعية ولا إلى حزب سياسي ولا إلى الديمقراطية ولا إلى القانون الوضعي ولا .. ولا.. بل دعوة خالصة إلى الإمام المهدي ع لا شريك معه. ومن النصوص التي تدل على وجود دعوة وداع قبل قيام الإمام المهدي ع الدعاء الوارد عن الإمام الصادق ع لمن أراد رؤية القائم ع في الشهادة أو في المنام، والدعاء طويل أذكر منه هذا المقطع الذي يشير إلى وجود داعٍ قبل قيام الإمام المهدي ع: (..... اللهم فإن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضياً، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي ...) ([441]). وعند مقارنة هذا النص مع ما تقدم يتضح جلياً إن هذا الداعي لا يكون غير اليماني الموعود (ملبياً دعوة الداعي)؛ لأن هذا الداعي واجب النصرة ويدعو إلى الإمام المهدي ع (لأنه يدعو إلى صاحبكم)، (لأنه يدعو إلى الحق والى طريق مستقيم)، (ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد)، (واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص)، (وتقبل رايات من شرقي الأرض... يسوقها رجل من آل محمد ص)، (فيها خليفة الله المهدي)، (وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار، قتل صاحب الشام، فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي ع)، (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدها واتخذها طرقاً)، (ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين)، (أتاح الله رجل منّا أهل البيت)، (يخرج رجل من ولد الحسين ع من قبل المشرق)، (ثم يرفع لولد الحسين ع راية فيها الأمر). فبربكم ألا ترون أن هذه النصوص من كلام العترة الطاهرة تدل كلها على مصداق واحد وهو اليماني المأمور بنصرته والمنصوص على أن رايته أهدى الرايات والملتوي عليه من أهل النار وأنه يدعو للإمام المهدي ع والى طريق مستقيم، وألا ترون أن اليد الإلهية قد تدخلت وخططت لجعل هذه الحلقات المتناثرة بين طيات كلام أهل البيت ص تجتمع في آخر الزمان لتدل على صاحب الحق بكل هذا الوضوح والصراحة، أليست هذه معجزة بحد ذاتها !!!! ولا يمكن لأحد أن يقف على التل فلا يلتحق بدعوة اليماني ولا بأعداء اليماني ويزعم أنه على نجاة؛ لأنه لم يحارب اليماني !!! كما توهم بعض الناس ذلك !!! محاولين تحريف الكلم عن مواضعه، وأولئك مثلهم كمثل أبي هريرة عندما قال: الفرض عند علي أتم، ومائدة معاوية أدسم، والوقوف على التل أسلم !!! أو كبعض مشايخ الكوفة عندما كانوا واقفين على التل في يوم عاشوراء يبكون الحسين ع ويدعون له بالنصر ولا ينصرونه خوفاً من جيش يزيد (لعنه الله) قد اتخذوا التل معقلاً وابن رسول الله يصيح: هل من ناصر ينصرني، فعندئذٍ خاطبهم سعد بن عبيدة (وهو من جيش يزيد) قائلاً: (يا أعداء الله، ألا تنزلون فتنصرونه !). نعم، هذه هي شيمة أشباه الرجال في كل زمان ومكان جبناء ويجبنون الناس عن نصرة الحق بأعذار سخيفة !!! ثم تعال وانظر إلى معنى الطريق المستقيم الذي يهدي إليه اليماني كما وصفه الإمام الباقرع: في القرآن الكريم، قال الله تعالى حكاية عن الجن الذين آمنوا بمحمد ص: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾([442]). إذن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم هو داعي الله في كل زمان ومن لم يجب داعي الله فهو في ضلال مبين بنص القرآن الكريم، ومادام اليماني يدعو إلى الحق والى طريق مستقيم فهو داعي الله ﴿وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾([443]). وعن أبي عبد الله ع إنه قال: (... يا فضيل بن يسار، إن الناس أخذوا يميناً وشمالاً وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم...) ([444]). وقال رسول الله ص لعلي بن أبي طالب ع: (..... من تبعك نجا، ومن تخلف عنك هلك، وأنت الطريق الواضح وأنت الصراط المستقيم ...) ([445]). عن أبي عبد الله ع، قال: (الصراط المستقيم أمير المؤمنين علي ع) ([446]). عن أبي عبد الله ع أيضاً في قول الله عز وجل: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ قال: (هو أمير المؤمنين ع ومعرفته) ([447]). وعن أمير المؤمنين ع يقول في خطبته: (أنا حبل الله المتين وأنا الصراط المستقيم) ([448]). وعن رسول الله ص وهو يعلن للملأ: (إن وليتم علياً يسلك بكم الطريق المستقيم) ([449]). وفي زيارة الإمام علي ع: (... لم تزل على بينة من ربك ويقين من أمرك تهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([450]). إذن الطريق المستقيم هو ولاية أمير المؤمنين وذريته المعصومين ص، واليماني الموعود داعي الله للولاية (يدعو إلى طريق مستقيم)، إذن فالمتخلف عنه خارج عن الولاية، ولذلك قال عنه الإمام الصادق ع: (فمن فعل ذلك فهو من أهل النار) وقد تواترت الروايات بأن الإنسان لا يكون من أهل النار إلا أن يكون خارجاً عن ولاية أمير المؤمنين ع أعاذنا الله من ذلك. ونرجع إلى الإمام الباقر ع في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ... لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾، قال: (اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه ومن شاء تأخر عنه..) لنؤكد على أنها في خروج الناس عن الولاية قبل قيام القائم ع لقول الباقر ع: (اليوم قبل خروج القائم) أي إن التقدم نحو الحق أو التأخر عنه هو الدخول في الولاية أو الخروج عنها، وهذا المعنى ما نص عليه الخبر الآتي عن الإمام الرضا ع: في خبر طويل عن الفضيل بن يسار، عن الرضا ع: (... قلت: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾، قال: نعم، ولاية علي ع، قلت: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾، قال: الولاية، قلت: ﴿لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾، قال: من تقدم إلى ولايتنا أخر عن سقر، ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر، ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾، قال: هم والله شيعتنا، قلت: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾، قال: إنا لم نتول وصي محمد والأوصياء من بعده - ولا يصلون عليهم - ، قلت: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾، قال: عن الولاية معرضين، قلت: ﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾([451])، قال: الولاية) ([452]). فتأمل هداك الله في قول الرضا ع: (قلت: ﴿لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾، قال: من تقدم إلى ولايتنا أخر عن سقر، ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر) وقارنه مع قول الباقر ع بأن ذلك قبل القائم من شاء تقدم للحق ومن شاء تأخر عنه، يحصل لك اليقين بأن هناك دعوة حق قبل قيام الإمام المهدي ع من التحق بها دخل أو بقي في الولاية، ومن تأخر عنها خرج عن الولاية. وقارن هداك الله بين قول الرضا ع: (من تقدم إلى ولايتنا أخر عن سقر، ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر) وبين قول الباقر ع في وصف الملتوين على اليماني: (فمن فعل ذلك فهو من أهل النار)، فالنتيجة واحدة وهي استحقاق النار بسبب الخروج عن الولاية - أعاذنا الله - وتذكر إن ذلك يكون قبل قيام الإمام المهدي ع كما نص على ذلك الإمام الباقر ع، وعليه فلابد أن يكون داعي الله وحامل راية المهدي ع هو اليماني الموعود لا غير؛ لأنه أهدى الرايات ويدعو إلى الحق والى صراط مستقيم، أي إلى ولاية أهل البيت ص المتمثلة بالإمام المهدي ع والملتوي عليه من أهل النار. وأما قول الرضا ع: (﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾، قال: هم والله شيعتنا) فسيتبين لك من الرواية الآتية إن أصحاب اليمين هم أتباع اليماني الذين لا يوجد مؤمن على وجه الأرض غيرهم، كما نصت على ذلك الرواية الآتية: عن الإمام الصادق ع في خبر طويل في وصف فيه أنصار الإمام المهدي ع: (... وإن أصحاب القائم ع يلقى بعضهم بعضاً كأنهم بنو أب وأم، وإن افترقوا عشاء التقوا غدوة وذلك تأويل هذه الآية: ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً﴾. قال أبو بصير: قلت: جعلت فداك، ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم ؟ قال: بلى، ولكن هذه [العدة] التي يخرج الله فيها القائم ع هم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدين، يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم) ([453]). وهذه الرواية تصرح بأن أنصار الإمام المهدي ع لا يوجد مؤمن غيرهم في عصر الظهور المقدس، وكما هو معلوم إن الإيمان هو الولاية لآل محمد ص فلابد أن تعترض الناس فتنة في أحد الأوصياء تخرجهم عن الولاية حتى لا يبقى إلا كالكحل في العين وهم أنصار الإمام المهدي ع، ولا يتوقع أن تكون هذه الفتنة بالإمام المهدي ع؛ لأن المسلمين وخصوصاً الشيعة كلهم يعتقدون بالإمام المهدي ع ظاهراً، ولنتعرض إلى حديث افتراق الأمة إلى (73) فرقة ففيه بيان وعبرة لكل من طلب الحق بالحق: قال أبان: قال سليم: سمعت علي بن أبي طالب ع يقول: (إن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في الجنة. وثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين تنتحل محبتنا أهل البيت، واحدة منها في الجنة واثنتا عشرة في النار، وأما الفرقة الناجية المهدية المؤملة المؤمنة المسلمة الموافقة المرشدة فهي المؤتمنة بي المسلمة لأمري المطيعة لي المتبرئة من عدوي المحبة لي والمبغضة لعدوي التي قد عرفت حقي وإمامتي وفرض طاعتي من كتاب الله وسنة نبيه فلم ترتد ولم تشك لما قد نور الله في قلبها من معرفة حقنا، وعرفها من فضلها وألهمها وأخذها بنواصيها فأدخلها في شيعتنا حتى اطمأنت قلوبها واستيقنت يقيناً لا يخالطه شك) ([454]). وكما هو واضح أن هناك من بين الـ (73) فرقة ثلاثة عشر فرقة تنتحل مودة أهل البيت (شيعة) كلها في النار إلا فرقة واحدة وصفها الإمام علي ع بعدة صفات مختصة بها، وهي: 1- (المهدية): وهذا يعني أن هذه الفرقة منتسبة للإمام المهدي حقاً ولم تقبل بغيره بدلاً ولم تخضع لكل التيارات والأفكار المنحرفة والدخيلة على الإسلام كالديمقراطية الغربية التي استهوت قلوب الغالبية من المسلمين سنة وشيعة، وكالقوانين الوضعية التي أعتنقها المسلمون ونبذوا القرآن وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فمن انخرط في هذه التيارات المنحرفة لا يمكن أن يُحسب على الفرقة المهدية أصلاً، وحتى لو حملنا صفة (المهدية) على الهداية وهي الولاية للإمام المهدي ع فأيضاً لا تصدق على من انحرف عن تنصيب الله تعالى وتشريعه، فكيف يوصف هكذا شخص بالهداية وما هو الفرق بينه وبين الضال !!! 2- (المؤملة): وهي أيضاً الفرقة المنتظرة لإمامها الصابرة المتمسكة بالدين وأحكامه رغم قلة العدد والعدة وتظاهر كل أهل الدنيا عليها، والتي وصفت الروايات صبرها وتمسكها بالدين: (كخرط شوك القتاد وكالقبض على جمر الغضا). فهي لم تخضع ولم تداهن الأفكار الغربية الكافرة ولم تصطنع لنفسها الأعذار الواهية لتبرر خضوعها وتأييدها للفكر الغربي المنحرف (الديمقراطية). 3- (المؤمنة المسلمة): فالإسلام هو التسليم، فهذه الفرقة الناجية مؤمنة بالله تعالى ومقتدية بالرسول محمد ص وعترته المعصومة وسائرة على وفق القرآن والسنة الطاهرة ولم تعترض بكيف ولِمَ ومتى وماهو الحل والبديل... ولم تقس قلوبها لطول الغيبة وتظاهر الزمان وكثرة الفتن. 4- (الموافقة المرشدة): أي الموافقة لما أنزله الله تعالى وبلغه الرسول ص وعترته الطاهرة الثابتة على الصراط المستقيم (القرآن والعترة)، وبهذا تكون هي المرشدة للناس والآخذة بأيديهم إلى سبيل النجاة للتشرف بنصرة الإمام المهدي ع، وتجنبهم سبل الضلال والانحراف التي تؤدي بهم إلى نصرة الشيطان من حيث يعلمون أو لا يعلمون. وهناك كلام طويل جداً في هذه الرواية لا يسعني استقصاؤه. وأرجع وأقول: إن الخروج عن الهداية والولاية لا يكون إلا عند خذلان وصي من الأوصياء أو محاربته، ولا يتوقع من الشيعة بالخصوص ترك ورفض إمامة الإمام المهدي ع ظاهراً فالكل تنتظره على اختلاف فرقها، فلابد من وجود شخص قبل قيام الإمام المهدي ع منصب من قبل الله تعالى، أي إنه أحد الأوصياء للإمام المهدي ع، وتخرج الناس عن الولاية والدين بسبب تكذيبهم ورفضهم لهذا الوصي، ولا يصدق ذلك إلا على الوصي اليماني الذي وصفته الروايات بأنه أهدى الرايات ويهدي إلى طريق مستقيم والملتوي عليه من أهل النار، ولا يكون أحد بهذه الصفات إلا أن يكون منصب من الله تعالى؛ لأنه قد سمعنا من أحد الروايات السابقة أن الله يعفو عن الأمة ما دامت غير رافضة للإمام الذي نصبه الله تعالى وأن كانت سيئة الأعمال، إذاً فاليماني إمام منصب من الله تعالى؛ لأن ترك طاعته يستلزم دخول النار كما تقدم بيانه فلابد أن يكون صاحب دعوة إلهية وإمام واجب الطاعة، ولا تجب الطاعة إلا للمعصوم والمعصومون الحجج هم الأوصياء فقط، إذاً لابد أن يكون اليماني أول أوصياء الإمام المهديع. وتشير بعض الروايات إلى أن الإمام المهدي ع سيدعو ويؤكد على هذا الأمر منها: عن أبي عبد الله ع، قال: (إذا قام القائم ع دعى الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً؛ لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق) ([455]). فما هو الأمر الذي ضل عنه الناس في عصر الغيبة ؟ بحيث يستدعي أن يدعو الإمام المهدي ع الناس للإسلام من جديد، لا يمكن أن يكون هذا الأمر غير مرتبط بالولاية الآلهية للأوصياء، ولا يمكن أن تكون هذه الهداية لمعرفة إمامة الإمام المهدي نفسه؛ لأن الرواية تقول: إن الإمام يهدي الناس إلى أمر قد ضل عنه الجمهور ويهديهم إليه، فإذا كانت الناس لم تقر بإمامة الإمام المهدي ع كيف تهتدي بقوله فلا أمر لمن لا يطاع، وإذا كانت قد أقرت بإمامة الإمام المهدي ع فلا ولاية بعد الإمام المهدي ع يدعو الناس إليها غير ولاية المهديين من ذريته كما ذكرتهم الكثير من الروايات الصحيحة. وفي حديث طويل عن أبي جعفر ع، قال فيه: (... إنما سمي المهدي مهدياً؛ لأنه يهدي إلى أمر خفي) ([456]). وعن أبي عبدالله ع، قال: (إذا قام القائم جاء بأمر غير الذي كان) ([457]). فالأمر الكائن قبل قيام الإمام المهدي ع والذي تعرفه الناس ولم تغفل عنه هو إمامة الأئمة الإثني عشر ص، فيا ترى ما هو ذلك الأمر الجديد غير إمامة المهديين الإثني عشر من ذرية الإمام المهدي ع، والذي ضل عنه الناس ولم يهتدوا إليه. وفي خطبة طويلة لأمير المؤمنين ع قال فيها: (... ويظهر للناس كتاباً جديداً وهو على الكافرين صعب شديد، يدعو الناس إلى أمر من أقر به هدي ومن أنكره غوى، فالويل كل الويل لمن أنكره...) ([458]). ومن المعلوم إن الهداية والغواية من لوازم الإمامة فمن أقر بكل الأوصياء هدي ومن جحد أحد الأوصياء غوى وضل، فقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾([459])، أي اهتدى إلى ولاية أهل البيت ص فما هذه الولاية الجديدة التي سيدعو لها الإمام المهدي ع غير ولاية الأوصياء من ولده ص. * * * -عودة إلى وصية الرسول ص ليلة وفاته تم بقوة الله تعالى تفصيل الكلام في حجية الوصية، وإن بها يعرف الحجة من آدم ع إلى قيام الساعة، وإن الرسول محمد ص قد أوصى ليلة وفاته لعلي بن أبي طالب ع وذكر في وصيته الأوصياء إلى يوم القيامة، وإن هذه الوصية هي النص الوحيد الذي بيّن تكليف الناس تجاه الأوصياء إلى يوم القيامة، وإن رواية الوصية ليلة وفاة الرسول ص هي الوحيدة التي ذكرت نص ما أملاه الرسول ص وخطه أمير المؤمنين بيده وبإنكار هذه الرواية لا يعرف لوصية الرسول ع ليلة وفاته أثر، وبيّنت إن الذي يرد رواية الوصية يعتبر خارجاً عن الولاية وكافر بكلام الأئمة ص ومكذباً لله تعالى فوق عرشه، قد ذكرت الروايات التي أشارت إلى ذلك أي الروايات التي تنهى عن رد روايات أهل البيت ص. بقي هنا أن أذكر أنه يوجد أشباه أعداء الأنبياء والرسل ص حاولوا اليوم التشكيك في صحة وصية الرسول ص ليلة وفاته - رواية الوصية - وهي سنّة جارية فلابد أن يوجد في هذا الزمان من يعترض على الوصية وعلى صاحب الوصية، فكما أعترض قابيل (لعنه الله) على وصية آدم وعمر على وصية محمد ص يعترض هؤلاء على وصية الرسول ص؛ لأنها خالفت أهوائهم، ولأنها نصت على صاحب الحق في آخر الزمان وهم يدّعون إن الحق معهم فلا يُسلمون لصاحب الحق حقه؛ لأنه يسلب عنهم دنياهم ومنصبهم الذي غصبوه من الإمام المهدي ع. قال تعالى: ﴿سنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾، فكما حاول اليهود والنصارى تغيير اسم النبي محمد ص في التوراة والإنجيل أو محوه من الأساس فهؤلاء اليوم أيضاً يحاولون تأويل أو محو اسم من نص عليه الرسول ص في وصيته ألا تعساً لهم ولما يفعلون. وهؤلاء بعد أن أعيتهم الحيل في مواجهة وصي الإمام المهدي ع السيد أحمد الحسن إلتجأوا إلى التشكيك في رواية وصية الرسول ص من حيث السند، يهدفون بذلك إلى خداع عامة الناس الذين لا معرفة لهم في علوم دراية الحديث وأحوال الرجال، بل إن نفس هؤلاء المعترضين يجهلون هذا العلم ولا يعرفون نقاط قوته من نقاط ضعفه، وأيضاً لا يميزون بين ما يجب قبوله مما لا يجب من الروايات ولا يحيطون علماً بمدى حجية هذه العلوم وكثرة خلاف العلماء في أغلب مسائلها، ولرد هكذا إشكال أقول: قبل الخوض في هكذا موضوع يجب بحث عدة مسائل مهمة يطول الكلام بتفصيلها ولذلك سأتطرق اليها باختصار: 1- لقد اختلف العلماء المتقدمون والمتأخرون في تقسيم الخبر، فقد جرى المتقدمون على تقسيم الخبر إجمالاً إلى قسمين (ما يعتمد عليه وما لا يعتمد عليه)، ولهم طرق عديدة في اعتماد الخبر، وبقى هذا التقسيم معتمداً إلى القرن السابع الهجري حيث أستحدث تقسيم آخر رباعي يماثل تقسيم أبناء العامة للخبر، فقسموا الخبر إلى: صحيح وموثق وحسن وضعيف. وقد حدث اختلاف شديد بسبب هذا التقسيم وقد رفضه كثير من فطاحلة العلماء كالحر العاملي صاحب وسائل الشيعة، والمحقق الكركي، والأمين الأسترآبادي، ونعمة الله الجزائري وغيرهم كثير، ولحد الآن لم يحرر النزاع في هذا الموضوع ثم إن المتأخرين أنفسهم اختلفوا في حجية الأقسام الأربعة، فمنهم من أختصر على الصحيح ومنهم أضاف الموثق ومنهم من أضاف الحسن ومنهم من أعتمد حتى الضعيف في بعض الموارد والكلام طويل جداً في هذا الموضوع وهو مختلف بين عالم وآخر، ولا تكاد تسلم قاعدة من النقض عليها ولا يكاد تجنى فائدة من هذا التقسيم غير رد روايات أهل البيت ع والطعن فيها وهذا ما نهانا عنه الأئمة ص في روايات معتمدة كما سمعت سابقاً. فلا يمكن لأحد أن يلزمنا بهذا التقسيم لعدم أتفاق الشيعة أنفسهم عليه ولأنه يخالف ما ورد عن أهل البيت ص في كيفية الأخذ بحديثهم ص ومخالف لما سار عليه علماؤنا المتقدمون القريبون من عصر التشريع كالشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ المفيد وأمثالهم، فكل هؤلاء لم يعملوا بهكذا تقسيم للروايات فحجية هذا التقسيم فرع ثبوتها وإقرارها من قبل المعصومون ص ولا أقل من إقرارها من قبل العلماء المتقدمين الذين هم أقرب إلى عصر الأئمة ص، فيجب أولاً إثبات الأصل ثم الفرع كما هو واضح والكلام طويل ولا فائدة من سرده وحسبنا ما وصلنا عن الأئمة ص في ذلك الموضوع، ومن أراد التوسع فعليه بمقدمة الكافي، وخاتمة وسائل الشيعة، وكتاب هداية الأبرار للمحقق الكركي، والفوائد المدنية للأسترآبادي وغيرها من الكتب التي بيّنت الطرق الصحيحة للاعتماد على الروايات وقبولها. 2- ثم إن مسألة السند ليس هي الطريقة الوحيدة لاعتماد الروايات، فربما يكون الخبر صحيح السند ولا يعتمد عليه لشذوذه أو لمعارضته بمتواتر أو لمخالفته القرآن والسنّة الصحيحة. وربما يكون الخبر ضعيف السند ولكنه يعتمد عليه لوجود قرائن داخلية أوخارجية تشهد بصحته. فصحة الحديث تارةً تطلق ويراد منها وثاقة رجال السند وهذا مراد أكثر المتأخرين. وتارةً تطلق ويراد منها صحة الاعتماد على الرواية سواء كان عن طريق وثاقة رجال السند أو تواتر الخبر لفظاً أو معنىً، أو لوجود قرائن تعضد الخبر كنقله في الكتب الموثقة وكموافقته للقرآن والسنّة وكنقل مضمونه بأخبار أخرى صحيحة إلى غيرها من القرائن التي أوصلها الحر العاملي في خاتمة الوسائل إلى عشرين نوعاً راجع ص93 – 96. وهذا الإطلاق الثاني هو ما عليه العلماء المتقدمون ومن تابعهم من المتأخرين. وإليك كلام شيخ الطائفة وزعيمها في كيفية الأخذ بالروايات نقل ملخصه الحر العاملي في خاتمة الوسائل ص64: (إن أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام: منها ما يكون متواتراً ومنها ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر، ومنها مالا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن دلت القرائن على وجوب العمل به، وإن القسم الثالث ينقسم إلى أقسام: منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً، ومنها ما أنعقد إجماعهم على صحته وإن كل خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة). ورواية وصية رسول الله ص متواترة معنىً وإن لم تكن متواترة لفظاً، وهذا كافٍ في الاعتماد عليها كما سمعت الأحاديث التي ذكرتها وغيرها الكثير من الروايات التي نقلت مضمون الوصية ربما تتجاوز (40) حديثاً، وأيضاً قد حُُفت رواية الوصية بقرائن كثيرة توجب القطع بصحة مضمونها - كما سيأتي - وبهذا تكون رواية الوصية صحيحة، على قواعد العلماء المتقدمين (رحمهم الله تعالى) بل حتى على قواعد المتأخرين، ولا حاجة إلى الخوض في قواعد مختلف فيها أشد الاختلاف كما هو عليه التقسيم الرباعي للخبر الذي أحدثه المتأخرون. وإذا سرنا على هذا التقسيم يسقط ثلثا كتاب الكافي عن الاعتبار وهذا مالا يرضاه كل ذي عقل سليم. وقال الشيخ بهاء الدين محمد العاملي في مشرق الشمسين - كما نقله الحر العاملي - بعد ذكر تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة: (وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف إطلاق الصحيح على ما اعتضد بمايقتضي إعتمادهم عليه أو إقترانه بما يوجب الوثوق به والركون إليه وذلك بأمور: ...) ([460]). وكما سمعت وستسمع مفصلاً أن رواية وصية الرسول ص محفوفة بعدة قرائن تفيد القطع بصحة مضمونها. وأيضاً عن الشيخ الطوسي في العدة: ص27، والاستبصار: ص13-16، قال: (... وأعلم أن الأخبار على ضربين: متواتر وغير متواتر، فالمتواتر منها ما أوجب العلم فما هذا سبيله يجب العمل به من غير توقع شيء ينضاف إليه ولا أمر يقوى به على غيره وما يجري هذا المجرى لا يقع فيه التضاد في أخبار النبي ص والأئمة ص، وما ليس بمتواتر على ضربين فضرب منه يوجب العلم أيضاً وهو كل خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم وما يجري هذا المجرى يجب أيضاً العمل به وهو لاحق بالقسم الأول...). والوصية كما عرفت متواترة معنىً لوجود مضمونها في كثير من الروايات التي لا يمكن إنكارها، وإن تنزلنا عن التواتر فهي خبر محفوف بقرائن عديدة فيفيد العلم والاعتماد أيضاً، وقد صرح الميرزا النوري في النجم الثاقب بأن رواية الوصية رواية معتبرة السند. 3- وحتى لو تنزلنا إلى هذا الاصطلاح الجديد لتقسيم الرباعي فهو لا يشمل الوصية؛ لأن موضوع تقسيم الخبر إلى صحيح وموثق وحسن وضعيف هو الخبر الخالي عن القرينة - كما نقل عنهم - أي أن الخبر إذا كان له قرينة تشهد بصحته فلا يخضع لهذا التقسيم؛ لأن القرينة تكفي في اعتبار الخبر والاعتماد عليه فلا داعي إلى هذا التقسيم والبحث عن أحوال الرواة، وهذا مانقله الحر العاملي (رحمه الله) حيث قال: (أنهم - الأصوليون – اتفقوا على إن مورد التقسيم هو خبر الواحد الخالي عن القرينة وقد عرفت إن أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن...) ([461]). وبهذا تخرج رواية الوصية عن مورد التقسيم؛ لأنها محفوفة بعدة قرائن وكما يقولون أنها خارجة تخصصاً (موضوعاً). وبهذا لا يمكن الإشكال عليها بضعف السند حتى إن وجد. 4- ثم إن هؤلاء المعترضون على رواية الوصية قد غفلوا أو تغافلوا عن قواعد الدراية، فقد ذكر علماء الدراية إن الخبر إذا كان موافقاً لما صح عن العترة الطاهرة أو إذا كان الراوي غير متهم في روايته، أي إن روايته غير موافقة لمذهبه إذا كان من غير مذهب الحق، فهكذا خبر يؤخذ به بغض النظر عن وثاقة راويه أي حتى إذا نقل الخبر عن طريق رواة أبناء العامة، وكان ينص على تنصيب أهل البيت ص أو على فضائلهم يعتمد عليه بغض النظر عن وثاقة رواته أي يكون الرواة في هكذا خبر ثقاة وفي غيره ليس بثقاة فكيف إذا كان الخبر منقولاً عن العترة الطاهرة وعن طرق الخاصة وينص على فضائلهم ص وتنصيبهم للخلافة بعد الرسول ص ومؤيداً بعشرات الروايات الأخرى التي تنص على مضمونه ؟!! وتجاهل هذا الأمر يدل على التعصب الأعمى ومواجهة الحق بالباطل أو على جهل أولئك وإنهم لا يفقهون ما يقولون وينطبق عليه المثل القائل: عنزة ولو طارت !!! * * * -قرائن صحة الوصية القرينة الأولى: موافقة رواية الوصية للقرآن الكريم والسنّة الثابتة وهذا كاف في قبولها، فقد روي عن أبي عبد الله ع، قال: (خطب النبي ص بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله) ([462]). وكذلك عن أبي عبد الله ع، قال: (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول ص وإلا فالذي جاءكم به أولى به) ([463]). والشاهد الأول والثاني لرواية الوصية من القرآن الكريم هو قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([464]). وقوله تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ...﴾([465]). فالوصية عند الموت واجبة على كل مسلم بنص القرآن والرسول محمد ص لا يقول ما لا يفعل، فلا بد أن يكون قد أوصى في ليلة وفاته امتثالاً لقوله تعالى ولا توجد أي رواية غير رواية الوصية تذكر نص وصية رسول الله ص ليلة وفاته، فهي المصداق الوحيد للآية السابقة الذكر وبإنكار الوصية يحكم على الرسول ص بأنه خالف قول الله تعالى ولم يوص عند الموت وحاشاه من ذلك. والشاهد الثالث من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾([466]). وهذا العهد هو الوصية عند الموت وذلك ما نص عليه الإمام الصادق ع عندما روى كيفية وصية المسلم عندما تحضره الوفاة وقال عنها ع بأنها هي العهد المذكور في هذه الآية من سورة مريم ص. عن أبي عبد الله ع، قال: قال رسول الله ص: (من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله، قيل: يا رسول الله، وكيف يوصي الميت ؟ قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه، قال: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، اللهم إني أعهد إليك في دار الدنيا إني أشهد أن لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك... إلى أن قال: ثم يوصى بحاجته) وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عز وجل: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾ فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها، وقال أمير المؤمنين ع: (علمنيها رسول الله ص، وقال رسول الله ص: علمنيها جبرائيل ع) ([467]). فكيف يمكن للرسول محمد ص أن يترك الوصية حين الوفاة في حين أنها العهد الذي به تملك الشفاعة بنص القرآن الكريم فيكون بذلك عاصياً لأمر الله تعالى (وحاشاه) أعاذنا الله من هذا القول الشطط. وبهذا يثبت بما لا يقبل الشك أن رواية الوصية التي نص فيها الرسول ص على الأئمة والمهديين ص هي عهد الرسول محمد ص؛ لأنها هي التي أملاها حين حضرته الوفاة ولا يوجد غيرها كما بينت ذلك فيما سبق، ويكون المشكك بهذه الوصية من أتباع إبليس وقابيل وعمر (أعاذنا الله من ذلك). والشاهد الرابع لرواية الوصية من القرآن الكريم هو قوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾([468]). فقوله تعالى ينص على أن نبي الله يعقوب ع قد أوصى لبنيه عندما حضرته الوفاة بل حتى نبي الله إبراهيم ع وهي سنة جارية سار عليها كل الأنبياء ص وتبعهم عليها الرسول محمد ص والأئمة من بعده ص، وقد تقدم ذكر وصاياهم عند الممات ولا توجد رواية غير رواية الوصية تذكر نص ما أملاه الرسول محمد ص ليلة وفاته، كما ذكرت ذلك مراراً فيكون قول الله عز وجل: ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ...﴾ شاهداً لصحة صدور رواية الوصية؛ لأنها تثبت أن الرسول ص قد أوصى عندما حضرته الوفاة. الآيتان ليسا شاهداً على ثبوت الوصية للرسول ص ليلة الوفاة فقط بل هما شاهد أيضاً على صحة مضمون الوصية واثبات الذرية للإمام المهدي ع، وإنها سنة إلهية ستجري معه فيوصي لأبنائه عندما تحضره الوفاة كما فعل نبي الله إبراهيم ع وكما فعل نبي الله يعقوب ع وكما فعل رسول الله ص والأئمة من بعده. وهذا المعنى نصت عليه الرواية الآتية في تفسير قوله تعالى: ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ...﴾. عن الإمام الباقر ع، عن جابر، عن أبى جعفر ع، قال: (سألته عن تفسير هذه الآية من قول الله: ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾، قال: جرت في القائم ع) ([469]). أي إن القائم ع ستكون له ذرية ويحضرون عنده حين تحضره الوفاة ويقول لهم ما قاله نبي الله يعقوب ع لأولاده، وهذا يدعم صحة رواية الوصية؛ لأنها تثبت الذرية للقائم ع وإنه يسلم الوصية والإمامة لابنه أحمد المهدي ع والذي هو أول المهديين وأول المؤمنين. والشاهد الخامس لرواية الوصية من القرآن الكريم هو قوله تعالى: ﴿مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ( فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾([470]). وهذا يعني إن الله تعالى يباغت الكافرين المشركين بالعذاب ولا يمهلهم لكي يوصوا إلى أهليهم قبل وفاتهم، وطبعاً يعتبر ذلك سوء عاقبة كتبها الله تعالى على الكافرين بما كسبت أيديهم، فإضافة إلى أنهم يموتون بالعذاب الإلهي أيضاً لا يُمكنهم الله تعالى من الوصية عند الموت، ومن مات ولم يوص مات ميتة جاهلية فيكونون في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، وإذا كان عدم الايصاء عند الموت يعتبر سوء عاقبة لمن يبتليه الله بذلك من المنحرفين فلا يمكن أن يُبتلى بذلك المؤمنون وخصوصاً الرسول محمد ص الذي هو أفضل الخلق أجمعين فكيف يمكن أن نتوقع أن يموت بلا وصية !!! فيكون بذلك داخلاً في مفهوم قوله تعالى: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً... ﴾، ومخالفاً لقوله تعالى: ﴿كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([471]) !!! وحاشاه من كل ذلك. إذن فالقرآن الكريم يوجب على كل مؤمن أن يوصي إذا حضره الموت وقطعاً إن السبّاق لكل معروف هو الرسول محمد ص فلابد أن يكون قد أوصى حين حضرته الوفاة وهذا ما أثبتته رواية الوصية وهو المطلوب. وقوله تعالى: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي لا يستطيعون توصية حين يحل بهم العذاب أي عندما تحضرهم الوفاة وليس قبل ذلك خلال أيام حياتهم، وهذا المعنى واضح من سياق الآية الكريمة؛ لأنها تنفي الوصية عن أولئك المنحرفين عند نزول العذاب بهم وهذا المعنى ما أيده العلماء المتقدمون وغيرهم في تفاسيرهم: قال علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره: ("وقوله" قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله ولا يوصي بوصية، وذلك قوله: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾) ([472]). وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله) في التبيان: (﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ أي لا يقدر بعضهم على أن يوصي إلى بعض، ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي لا يردون إلى أهلهم فيوصون إليهم) ([473]). وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) في بحاره: (وقيل: وهم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ يعني إن الساعة إذا أخذتهم بغتة لم يقدروا على الايصاء بشيء، ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق، وهذا إخبار عما يلقونه في النفخة الأولى عند قيام الساعة) ([474]). وقال المجلسي أيضاً: (قوله: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ إلى قوله: ﴿يَخِصِّمُونَ﴾، قال: ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله ولا يوصي بوصية، وذلك قوله: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾) ([475]). وشاهد الوصية السادس من القرآن والسنّة الصحيحة هو ما أكد عليه الثقلان من أن الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة، أي أنها في ذرية الأئمة واحداً بعد واحد إلى يوم القيامة، وعالم الرجعة يعتبر من مقدمات يوم القيامة كما أشارت كثير من الآيات والروايات بأنه يرجع إلى الدنيا من محض الكفر ليقتص منه من محض الإيمان، فهو إذاً غالباً عالم حساب يمارسه الأئمة ص كالإمام الحسين والإمام علي ع الرسول ص، كما نطقت الروايات برجوعهم في عالم الرجعة. قال تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([476]). وقال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾([477]). وقال تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾([478]). عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد ص، قال: (سألته عن قول الله عز وجل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ ما هذه الكلمات ؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب الله عليه وهو أنه قال: "أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ" فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم. فقلت له: يا ابن رسول الله، فما يعني عز وجل بقوله: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾، قال: يعني فأتمهن إلى القائم اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين ص. قال المفضل: فقلت: يا ابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾، قال: يعني بذلك الإمامة جعلها الله تعالى في عقب الحسين إلى يوم القيامة) ([479]). فأولاً بيّن الأئمة إلى القائم ع ثم فسر قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ بأنها الإمامة في ذرية الحسين إلى يوم القيامة، فهي تشير إلى المهديين من ذرية القائم ع وإن الإمامة ستستمر بعد الإمام المهدي ع إلى يوم القيامة ومن ذرية الإمام الحسين ع أي من ذرية القائم ع كما نصت عليه كثير من الروايات. وقد فسر أهل البيت ص قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قالوا: (هي الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة) ([480]). فتكررت كلمة (الأعقاب) مرتين وهذا فيه إشارة إلى مرور الإمامة في عقب الحسين ع بمرحلتين وهي الإمامة والهداية أي الأئمة والمهديين ص، وإلا فكلمة (الأعقاب) مرة واحدة تكفي لانطباقها على ذرية الحسين ولا حاجة لتكرارها مرتين، كما سبق بيانه. وعلى أي حال فما دام أنه قد ثبت وجود خلفاء للإمام المهدي ع من خلال الروايات المتواترة فلابد أن يكونوا هؤلاء الخلفاء من ذريته ع لقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾، أي في عقب الحسين إلى يوم القيامة من والد إلى ولد وهكذا وقوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. وقوله تعالى: ﴿وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾([481]). وبما أن الوصية تثبت أن الإمامة بعد الإمام المهدي ع لذريته المهديين ص فهي إذاً موافقة للقرآن الكريم، وهذه قرينة قطعية على صحتها كما صرحت بذلك الروايات الواردة عن أهل البيت كما مر ذكرها. وكذلك ذكر ذلك الحر العاملي في خاتمة الوسائل: 94 حيث قال: (ومنها - أي من القرائن القطعية - كونه موافقاً للقرآن لما عرفت في القضاء من النص المتعدد والمراد الآيات الواضحة الدلالة أو المعلوم تفسيرها عنهم ص ). القرينة الثانية: صرح بعض العلماء المحققين بصحة واعتبار رواية الوصية منهم الشيخ الطوسي (رحمه الله) حيث استدل بها على إمامة الأئمة ووصفها بالصحة ضمناً مع الروايات التي نقلها عن طرق الخاصة، إذ قال: (أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين ع والطريقة واحدة) ([482]). ومنهم الميرزا النوري في النجم الثاقب: ج2 ص71، عند استدلاله على ثبوت الذرية للإمام المهدي ع حيث قال: (روى الشيخ الطوسي بسند معتبر عن الإمام الصادق ع خبراً ذكرت فيه بعض وصايا رسول الله ص لأمير المؤمنين ع في الليلة التي كانت فيها وفاته، ومن فقراتها إنه قال: "فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين.... إلى آخره"). ومنهم السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (رحمه الله) في تاريخ ما بعد الظهور: ص644، عند مناقشته لحكم الأولياء الصالحين (المهديين) وروايات الرجعة، فقال: (... وأما من زاوية كفاية روايات الأولياء للإثبات التاريخي فهو واضح طبقاً لمنهجنا في هذا التاريخ؛ لأنها متكثرة ومتعاضدة وذات مدلول متشابه إلى حد بعيد ... ونحن حين نجد أن أخبار الرجعة غير قابلة للإثبات كما عرفنا ونجد أن أخبار الأولياء قابلة للإثبات كما سمعنا لا محيص لنا عن الأخذ بمدلول أخبار الأولياء بطبيعة الحال...). وقد ذكر الشهيد الصدر (رحمه الله) رواية الوصية: في الصفحة 640 من الكتاب المشار إليه فيكون كلامه السابق شاملاً لها. وهذه قرينة واضحة وصريحة على صحة رواية الوصية إذ أن الشيخ الطوسي غني عن التعريف بعلميته وبراعته ودقته في تتبع الأحاديث وتمييز غثها من سمينها الميرزا النوري (رحمه الله) الذي صرح باعتبارها يعد من المحدثين ومن أكبر علماء الشيعة ومن علماء الدراية والرجال، وأما حال السيد الشهيد الصدر فهو غني عن التعريف والواقع يشهد له بالعلم والعمل. وخصوصاً أن كتابه (موسوعة الإمام المهدي ع) يعد من أفضل ما كتب في قضية الإمام المهدي ع. وما بعد الحق إلا الضلال المبين. القرينة الثالثة: وجود عدة روايات متواترة تنص على ذكر المهديين من ذرية القائم ع وهي قرينة واضحة على صحة مضمون رواية الوصية، وقد بلغت تلك الروايات حد التواتر وقد أوصلها الأستاذ ضياء الزيدي إلى أكثر من ثلاثين رواية في كتابه (المهديون) فليراجع، وقد ذكرت الكثير منها فيما سبق من هذا الكتاب فلا حاجة للإعادة. وهذه الروايات والأدعية كلها قرائن تفيد القطع بصحة مضمون رواية وصية رسول الله ص بالأئمة والمهديين من ذرية الإمام المهدي ع، بل صرح المحققون في علم الرجال والدراية بأن الرواية إذا كانت ضعيفة سنداً وعضدتها رواية أو روايتان صحيحتا السند وبنفس المعنى وجب الأخذ بالرواية الضعيفة لوجود القرينة الدالة على صحتها من الخارج؛ لأن ضعف السند لا يدل على عدم صدور الرواية من المعصوم وهذا متسالم عليه. فربما تكون الرواية ضعيفة سنداً بأحد الرواة ولكن يجب العمل بها؛ لأنها مثلاً وردت في أحد الكتب المعتبرة المحكوم بصحتها بسبب عرضها على الأئمة ص كالأصول الأربعمائة أو لوثاقة مؤلفيها وشهادتهم بأنهم لا يرون إلا عن ثقة كتفسير القمي وكتاب كامل الزيارات لابن قولوية وغيرها من الأمور المصححة لسند الرواية حتى لو كانت ضعيفة أو مرسلة، ومن شاء التأكد فليراجع كتب الرجال والدراية مثل: (معجم رجال الحديث) للمحقق الخوئي، والدراية لزين الدين العاملي وغيرها. هذا مع العلم أن سند الوصية معتبر ولا يوجد فيه مجروح أصلاً، فبانضمام هذه القرائن المتعددة إليه تكون الرواية قطيعة الصدور، بل يكفي لذلك قرينة أو قرينتان فقط كما ذكر ذلك الحر العاملي مؤلف وسائل الشيعة في خاتمة الوسائل ومن شاء فليراجع (الوسائل - الخاتمة: ص95) ولكني سأكثر من ذكر القرائن لإقامة الحجة على كل معاند منكر لأحاديث الرسول ص وعترته الطاهرة. وأما الذين خلقوا من فاضل طينة أهل البيت فهم بمجرد سماعهم لحديثهم تطمئن قلوبهم وتقشعر جلودهم وتدمع أعينهم؛ لأنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. القرينة الرابعة: عدم وجود أي رواية تعارض مضمون وصية الرسول الله ص وهذا دليل على أنها صحيحة الصدور عن رسول الله ص؛ لأنها لو لم تكن صحيحة لوجد لها معارض من روايات أهل البيت ص ولردها علماء الشيعة المتقدمون أو المتأخرون الذين لم يتركوا رواية غريبة أو موضوعة كذباً على أهل البيت ص إلا أخرجوها ونبهوا عليها، قد أفنوا أعمارهم في هذا المجال كالشيخ الصدوق (رحمه الله)، ورئيس الطائفة الشيخ الطوسي (رحوه الله)، والشيخ المفيد (رحمه الله) وغيرهم من العلماء والمحققين الذين نقلوا (الوصية) أو روايات المهديين في كتبهم المعتبرة كغيبة الشيخ الطوسي وكمال الدين للشيخ الصدوق. وقد صرح الحر العاملي بأن عدم وجود معارض للرواية يكون قرينة على صحتها، وإليكم كلامه نصاً: (عدم وجود معارض فإن ذلك قرينة واضحة، وقد ذكر الشيخ إنه يكون مجمعاً عليه؛ لأنه لولا ذلك لنقلوا له معارضاً صرح بذلك في مواضع: منها أول الاستبصار وقد نقله الشهيد في الذكرى عن الصدوق في المقنع وارتضاه) ([483]). وقد توهم البعض أن الرواية التي تقول بأن الإمام الذي يخرج عليه الحسين ابن علي ع في الرجعة لا عقب له توهموا بأنها تعارض روايات ذرية الإمام المهدي ع وقد تم مناقشة هذه الرواية في هذا البحث، فراجع. القرينة الخامسة: قد صرح الكثير من العلماء بأن الحكم بعد الإمام المهدي ع لخلفائه المهديين من ذريته أو وجود الذرية وهذا هو ما نصت عليه وصية رسول الله ص فيعتبر ذلك قرينة على صحة مضمون الوصية، وأنها غير مخالفة لعقيدة الشيعة. ومن هؤلاء العلماء المحققين: 1- السيد المرتضى (رحمه الله) قال تعليقاً على رواية: (... القائم والقوام من بعده ...)، قال: (إنا لانقطع بزوال التكليف عند موت المهدي ع، بل يجوز أن يبقى بعده أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ولا يخرجنا ذلك عن التسمية بالإثني عشري؛ لأنا كلفنا أن نعلم إمامتهم، وقد بيّنا ذلك بياناً شافياً فانفردنا بذلك عن غيرنا) ([484]). والسيد المرتضى (رحمه الله) من أكابر علمائنا المتقدمين ويكيفه فخراً أنه تلميذ الشيخ المفيد (رحمه الله) وكل الشيعة تشهد له بالعلم والفضل. 2- الشيخ الكفعمي في المصباح حسب ما نقله عنه الميرزا النوري والعلامة المجلسي واليك ما نقله الميرزا النوري، قال: (قال الشيخ الكفعمي في مصباحه: [روى يونس بن عبد الرحمن عن الرضا ع انه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر ع بهذا الدعاء: اللهم ادفع عن وليك ... إلى آخره]، وإنه ذكر في آخره: [اللهم صلِ على ولاة عهده والأئمة من بعده...] إلى آخر ما تقدم قريب منه. وقال (الكفعمي) في الحاشية: [أي صل عليه أولاً ثم صل عليهم ثانياً من بعد أن تصلي عليه، ويريد بالأئمة من بعده أولاده؛ لأنهم علماء أشراف والعالم إمام من اقتدى به ويدل عليه قوله: والأئمة من ولده في الدعاء المروي عن المهدي ع انتهى]) ([485]). 3- السيد علي بن طاووس (رحمه الله) في جمال الأسبوع، قال معلقاً على ذكر الصلاة على ذرية الإمام المهدي ع في بعض الأدعية: (وقد تضمن هذا الدعاء قوله ع: [اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده]، ولعل المراد بذلك أن الصلوة على الأئمة يرتبهم في أيامه للصلوة بالعباد في البلاد والأئمة في الأحكام في تلك الأيام، وإن الصلوة عليهم تكون بعد ذكر الصلوة عليه صلوات الله عليه بدليل قوله: [ولاة عهده]؛ لأن ولاة العهود يكونون في الحياة، فكأن المراد: اللهم صل بعد الصلوة عليه على ولاة عهده والأئمة من بعده. وقد تقدم في الرواية عن مولانا الرضا ع: [والأئمة من ولده]، ولعل هذه قد كانت: [صل على ولاة عهده والأئمة من ولده] فقد وجدت ذلك كما ذكرناه في نسخة غير ما رويناه، وقد روى إنهم من أبرار العباد في حياته ووجدت رواية متصلة الإسناد بأن للمهدي صلوات الله عليه أولاد جماعة ولاة في أطراف بلاد البحار على غاية عظيمة من صفات الأبرار...) ([486]). 4- الميرزا النوري صاحب مستدرك الوسائل ذكر في النجم الثاقب اثنا عشر دليلاً، على إثبات ذرية الإمام المهدي ع ومنها رواية الوصية، وقال عنها بأنها معتبرة السند والكلام طويل قد ذكرته في (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم) فمن شاء فليراجع. 5- السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) فقد نقل عنه في كتاب [المجتمع الفرعوني]: (... فالمهدي ع سوف يدمر كل أسباب الفساد والانحراف وعلى رأسها الظلم رعوني)، والذي هو عبارة عن تقرير محاضرات ألقاها الشهيد الصدر، قال: والجور ويؤسس مجتمع القسط والعدل ويرسم له مناهجه في جميع مجالات الحياة الإنسانية، ثم يأتي بعده أثني عشر خليفة يسيرون في الناس وفق تلك المناهج التي وضعت تحت إشراف الحجة المهدي ع، وخلال فترة ولاية الأثني عشر خليفة يكون المجتمع في سير حثيث نحو التكامل والرقي ويكون الإنسان بمستوى من العلم والأخلاق ما لا يحتاج إلى رقيب غير الله تعالى، وعند ذلك يتحقق البلاغ بوراثة الصالحين الأرض. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾) ([487]). 6- السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (رحمه الله) فقد استدل في (تاريخ ما بعد الظهور) على ثبوت حكم ذرية الإمام المهدي ع بعده ورجح روايات حكم ذرية الإمام المهدي ع على روايات الرجعة، ولكننا نقول بعدم التعارض؛ لأنه لا مانع من حكم المهديين بعد الإمام المهدي ع وبعدهم تكون الرجعة. وقد ذكر السيد الصدر (رحمه الله) كلاماً طويلاً في هذا الموضوع ننقل جزءاً منه للاختصار قال: (... ومن هنا سيقوم الإمام المهدي ع بتعيين ولي عهده أو خليفته خلال حياته وربما في العام الأخير، ليكون هو الرئيس الأعلى للدولة العالمية العادلة بعده والحاكم الأول لفترة حكم الأولياء الصالحين. وبالرغم من أن هذا الحاكم الأول قد يكون هو أفضل من الأحد عشر الآتين بعده باعتبار أنه نتيجة تربية الإمام المهدي ع شخصياً والمعاصر لأقواله وأفعاله وأساليبه بخلاف من يأتي بعده من الحاكمين. بالرغم من ذلك فإنه سيفرق فرقاً كبيراً عن المهدي ع نفسه إلى حد يصدق(إنه لا خير في الحياة بعده) ... إلى أن يقول: ... نعم لاشك أن الإمام المهدي ع قبل وفاته قد أكد وشدد بإعلانات عالمية متكررة على ضرورة إطاعة خليفته وعلى ترسيخ (حكم الأولياء الصالحين) في الأذهان ترسيخاً عميقاً، إلا أن البشرية حيث لا تكون بالغة درجة الكمال المطلوب فإنها ستكون مظنة العصيان والتمرد في أكثر من مجال...) ([488]). 7- الشيخ علي النمازي صاحب كتاب مستدرك سفينة البحار، قال معلقاً على أحد الروايات التي تنص على ذرية الإمام المهدي ع: (هذا مبيّن للمراد من رواية أبي حمزة ورواية منتخب البصائر ولا إشكال فيه وغيرها مما دل على أن بعد الإمام القائم ع إثني عشر مهدياً وإنهم المهديون من أوصياء القائم والقوام بأمره كي لا يخلو الزمان من حجة) ([489]). 8- الشيخ علي الكوراني قال في كتابه عصر الظهور: (والاعتقاد بالرجعة وأن لم يكن من ضروريات الإسلام ولا من ضروريات مذهب التشيع بمعنى إن عدم الاعتقاد بها لا يخرج الإنسان من مذهب أهل البيت ص ولا عن الإسلام. ولكن أحاديثها تبلغ من الكثرة الوثاقة ما يوجب الاعتقاد بها. ويذكر بعضها أن الرجعة تبدأ بعد حكم المهدي ع وحكم أحد عشر مهدياً بعده، ففي غيبة الطوسي: ص299، عن الإمام الصادق ع، قال: "إن منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع...") ([490]). القرينة السادسة: نقلها كبار العلماء المتقدمين والمتأخرين في كتبهم المعتمدة وأهمها كتاب (الغيبة) لرئيس الطائفة المحقق المدقق الخبير بالرجال الشيخ الطوسي (رحمه لله) وقد نقلها للاستدلال بها على إن الأئمة اثنا عشر ص فإذا كانت غير ثابتة فكيف يحتج بها ! وكيف يخفى على مثل الشيخ الطوسي حالها وهو صاحب القول الفصل في علم الرجال وقد صنف كتباً كثيرة في هذا المجال منها (الفهرست)، (رجال الطوسي) وهي الآن مصادر الشيعة في علم الرجال. وقد ذكر الحر العاملي في وسائل الشيعة (الخاتمة) إن من القرائن على صحة الرواية هو ذكرها في كتاب معتمد إذ قال: (ومنها كون الحديث موجوداً في كتاب من كتب الأصول المجمع عليها أو في كتاب أحد الثقاة لما أشرنا إليه من النصوص المتواترة ... ولا يخفى أن إثبات الحديث في الكتاب يقتضي زيادة الاعتماد ...)، وهذا حتى لو كان سند الحديث مرسلاً، أو ضعيفاً فربما كان الحديث مرسل أو منقول عن غير الثقة ولكنه معلوم الصدور عن الأئمة ص من قرائن أخرى استند إليها القدماء عندما ألفوا كتبهم. ومن المعلوم أن كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي يعتبر من الطبقة الأولى في وثاقة النقل كما نص على ذلك الحر العاملي في خاتمة الوسائل: ص46 ومؤلفه غني عن التعريف بالوثاقة، فهو رئيس الطائفة وزعيمها وكان أقرب من غيره إلى عهد الأئمة ص وكانت كتب الحديث (الأصول الأربعمائة) متوفرة وجلها لديه وقد نقل وصية رسول الله ص في كتابه هذا وهذا دليل كافٍ في اعتبارها وصحة الاعتماد عليها. والظاهر إنه نقل رواية الوصية من أصل البزوفري الثقة المأمون الجليل؛ لأنه كان من أصحاب الأصول (الأربعمائة) وقد صرح الشيخ الطوسي في كتبه بأنه يبتدأ في سند الرواية بالراوي الذي نقل الحديث من أصله أو من كتابه ثم يذكر طريقه إليه في المشيخة وقد ابتدأ الشيخ الطوسي في سند رواية الوصية بالبزوفري وذكر طريقه إليه في بعض كتبه وهو: أحمد بن عبدون والغضائري وهما من الثقاة، وبذلك تكون رواية الوصية منقولة من أحد الأصول الأربعمائة المعتبرة، وخصوصاً إذا لاحظنا جلالة البزوفري ووثاقته وقد قيل بأنه كان من وكلاء الإمام المهدي ع في الغيبة الصغرى نقل ذلك الشهيد الصدر في موسوعته وللاطلاع على ذلك أكثر، راجع كتاب (دفاعاً عن الوصية) أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي وبعد ذلك تكون رواية الوصية معتبرة بغض النظر عن وثاقة رجال سندها. القرينة السابعة: وهي ما منّ به الله تعالى على أنصار الإمام المهدي ع من شهادته تعالى بصحة الوصية وصدورها من فم رسول الله ص. قال تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ ([491]). وقال تعالى: ﴿كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾([492])، فقد علّمنا السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع عندما تشتبه علينا الأمور وتنقطع بنا السبل أن نرجع إلى الله تعالى دليل المتحيرين ودليل من لا دليل له. فقد رأى أنصار الإمام المهدي ع مئات المنامات الصادقة بالرسول ص وفاطمة الزهراء ص والأئمة المعصومين ص وقد بيّن الرسول ص وعترته الطاهرة في هذه المنامات إن السيد أحمد الحسن من ذرية الإمام المهدي ع وهو وصيه ورسوله إلى الناس كافة، وهذا وحده كافٍ لإثبات الوصية وانطباقها على صاحبها السيد أحمد الحسن والمهديين من ذرية الإمام المهدي ع. فنكتفي بشهادة الله تعالى وبعدها لا حاجة لنا بشهادة النجاشي ولا الكشي ولا الطوسي ولا غيرهم من علماء الرجال (رحمهم الله تعالى). فمن استهزأ بالرؤيا وحجيتها فأقول له: ليس هنا محل نقاش هذا الموضوع ولكن أشير إليه باختصار: 1- أن الله مدح المصدقين بالرؤيا في القرآن الكريم: ﴿... وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ...﴾([493])، وعن مريم ص: ﴿... وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾([494]). وقد ذم الله تعالى المكذبين للرؤيا وهم ملأ فرعون: ﴿قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ...﴾([495]). 2- قد وردت عشرات الروايات التي تؤكد حجية الرؤيا وإن الأئمة ص لا يتمثل بهم الشيطان، منها عن الرسول محمد ص: (من رآني في منامه فقد رآني؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبّوة) ([496]). وهاك تدبر في هذه الرواية الشريفة التي تخص هذه القرينة وتبين حجية الرؤيا حتى في السند وأن كلام المعصوم في المنام ككلامه في اليقظة: عن أحمد بن يحيى الاودي، قال: حدثنا مخول ابن إبراهيم، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن الحسين بن علي ص، قال: (ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقباً. قال أحمد بن يحيى الاودي: فرأيت الحسين بن علي ص في المنام، فقلت: حدثني مخول بن إبراهيم، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عنك أنك قلت: ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقباً، قال: نعم، قلت: سقط الإسناد بيني وبينك) ([497]). 3- وأن سيرة المتشرعة في عصر الأئمة ص وعلمائنا المخلصين هي اعتبار الرؤيا وخصوصاً بالمعصوم والامتثال لها والكلام طويل لا يسعني استقصاؤه وهو غريب عن أصل الكتاب فمن أراد الزيادة فليراجع كتاب (فصل الخطاب) للأستاذ أحمد الحطاب أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي ع ففيه الكفاية لمن طلب الحق. وأقول للذي ينكر حجية الرؤيا كما قال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾([498])، فأتونا بمثل ما جئناكم به من القرآن والروايات والسيرة فإن لم تأتوا ولن تأتوا فاعلموا أنكم في ضلال. هداكم الله لكل خير فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء. والحمد لله الذي هدانا. * * * -الخـاتمـــــــــــة تبيّن مما تقدم من هذا الكتاب عظم دور الوصية وإنها الحجة على العباد في تعيين الأوصياء وأنها الدليل والبرهان القاطع الذي يحتج به الأوصياء من آدم ع إلى يوم القيامة، ولا يمكن لأحد أن يدعي الإمامة إذا لم يكن منصوصاً عليه بوصية نبي من أنبياء الله تعالى، بل لا يمكن لأحد انتحال شخصية الوصي والنجاح في ذلك فهي إرث الأوصياء لا يدعيها أحد إلا فضحه الله تعالى وأخزاه وبان فساده ﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾([499])، وقد احتج بها الرسول محمد ص على اليهود والنصارى وألزمهم الحجة بها فلم يجدوا سبيلاً إلا بتحريفها أو الكفر بها وهذا هو الخسران المبين. فيا أيها المسلمون ويا معشر الشيعة ويا من تدّعون حب آل محمد لا تعيدوا سنّة الأولين فيكم ولا تكونوا من الذين يكفرون بوصية الرسول محمد ص فقد جاءكم من ذكره الرسول ص باسمه وصفته في وصيته بأنه وصي الإمام المهدي ع، وأيضاً ذكره الأئمة ص في رواياتهم، وشهد له الله تعالى في ملكوته، وأظهر لكم من العلم ما عجز عن رده علماؤكم، ورفع القرآن شعاراً ودثاراً، وانتهج النهج الصحيح المستقيم ولم يداهن ولم يخضع لكل من خالف القرآن الكريم، إن كفرتم به رغم كل هذه الحجج والبراهين الإلهية التي لم يؤيد بها إلا الأنبياء والأولياء فقد أنكرتم الدين من أصله ولم تصح عندكم حجج الأنبياء والرسل والأئمة ص التي احتجوا بها على المكذبين والجاحدين، وإذا كنتم كذلك فأسألكم بالله بأي شيء ستصدقون الإمام المهدي ع إذا قام !!! وكيف تعرفونه في وسط هذه الفتن الهائجة ! فقد ورد إن القائم إذا قام ورفع رايته سيلعنها من في المشرق والمغرب. فعن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ع يقول: (إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب، أتدري لم ذلك ؟ قلت: لا، قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه) ([500]). وعن أبي جعفر ع، قال: (إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من الناس ما لقي رسول الله ص وأكثر) ([501]). فلتكن هذه الأخبار واعضاً لكم عن التسرع في معاداة الحق وأهله، فقد ورد عنهم ص إن أكثر الحق فيما تنكرون، وقال تعالى: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾([502])، ولكم في أحوال الأمم السابقة خير عبرة وعضة فلا تقدموا على شيء تحلبون عاقبته دماً عبيطاً ويكون خصمكم غداً الإمام المهدي ع، فراجعوا أنفسكم واسألوا ربكم فهو أقرب إليكم من حبل الوريد، ولا يصدنكم عن الحق التقليد الأعمى والهوى وحب الدنيا والجاه والرئاسة فما خفقت النعل خلف غير المعصوم إلا هلك أهلك، فها هي الفرصة مازالت مفتوحة لكم وان الفرص تمر مر السحاب إذا زالت لا تعود، وهاهو رسول إمامكم المهدي ع يهتف بكم ويستصرخكم فلا تخذلوه فتخذلوا أنفسكم وتصبحوا لعنة على أفواه الأجيال إلى يوم القيامة هداكم الله لنصرة آل محمد وجنبكم معاداتهم انه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين الأوصياء المرضيين. تم بتوفيق الله تعالى تحرير هذا الكتاب ليلة 23/ رمضان الخير/ 1427 هـ .ق المصادف 16/ 10/ 2006. الشيخ ناظم العقيليFooters
[1] - الكافي: ج7 ص2 – 3، تهذيب الأحكام : ج9 ص174 – 175.
[2] - من لا يحضره الفقيه: ج4 ص352 – 353 ح5762.
[3] - الغيبة – الطوسي: ص107 – 108.
[4] - بحار الأنوار: ج72 ص38، صحيح البخاري: ج1 ص215 كتاب الجمعة.
[5] - يوسف: 111.
[6] - البقرة: 180.
[7] - المائدة: 106.
[8] - مريم: 87.
[9] - بحار الأنوار: ج100 ص200.
[10] - الكافي: ج7 ص3 ح1.
[11] - البقرة: 132 – 133.
[12] - انظر: وسائل الشيعة (آل البيت): ج19 ص259 ح8، مناقب آل أبي طالب: ج2 ص246.
[13] - بحار الأنوار: ج100 ص95.
[14] - إثبات الهداة: ج1 ص143.
[15] - إثبات الهداة: ج1 ص99.
[16] - نفس المصدر.
[17] - بحار الأنوار: ج100 ص200.
[18] - البقرة: 229.
[19] - بحار الأنوار: ج100 ص200.
[20] - البقرة: 30.
[21] - الحجر: 28 – 31.
[22] - إثبات الهداة: ج1 ص115 – 116.
[23] - قصص الأنبياء: 55.
[24] - المحاسن: ج1 ص235.
[25] - الإسراء: 9.
[26] - معاني الأخبار: ص132.
[27] - كمال الدين وتمام النعمة: ص247.
[28] - معاني الأخبار: ص136.
[29] - الاقتصاد: 193.
[30] - رسائل المرتضى: ج2 ص367.
[31] - الكافي: ج1 ص278 ح2.
[32] - الكافي: ج1 ص278 ح3.
[33] - الكافي: ج1 ص277 ح7.
[34] - إثبات الهداة: ج1 ص83.
[35] - بحار الأنوار: ج11 ص241.
[36] - إثبات الهداة: ج1 ص98.
[37] - الكافي: ج1 ص293 ح3، إثبات الهداة: ج1 ص151.
[38] - الأمالي – الصدوق: ص486.
[39] - القصص: 44.
[40] - تفسير فرات الكوفي: ص316.
[41] - إثبات الهداة: ج1 ص152.
[42] - الأعراف: 157.
[43] - الفتح: 29.
[44] - الصف: 6.
[45] - الكافي: ج1 ص196 ح1، بصائر الدرجات: ص221.
[46] - إثبات الهداة: ج1 ص171 – 172، بحار الأنوار: ج22 ص356.
[47] - كمال الدين وتمام النعمة: ص190.
[48] - إثبات الهداة: ج1 ص200.
[49] - الكافي: ج8 ص139 ح103.
[50] - كتاب سليم بن قيس: 253.
[51] - بحار الأنوار: ج13 ص294.
[52] - الذرية الطاهرة النبوية: ص38.
[53] - البقرة: 146.
[54] - الفتح: 29.
[55] - البقرة: 89.
[56] - إثبات الهداة: ج1 ص199.
[57] - إثبات الهداة: ج1 ص182.
[58] - البقرة: 76.
[59] - إثبات الهداة: ج1 ص184.
[60] - البقرة: 89.
[61] - إثبات الهداة: ج1 ص185.
[62] - إثبات الهداة: ج1 ص194 – 195.
[63] - البقرة: 180.
[64] - الصف: 2.
[65] - الأنعام: 90.
[66] - مناقب آل أبي طالب: ج2 ص246.
[67] - إثبات الهداة: ج1 ص98 – 99.
[68] - المراجعات: ص320.
[69] - البقرة: 132 – 133.
[70] - البقرة: 180.
[71] - المائدة: 106.
[72] - النساء: 58.
[73] - إثبات الهداة: ج1 ص143.
[74] - الفقيه: ج4 ص188.
[75] - إثبات الهداة: ج1 ص90.
[76] - النهاية – الطوسي: ص605.
[77] - الكافي: ج5 ص284.
[78] - دعائم الإسلام – القاضي المغربي: ج2 ص345.
[79] - دعائم الإسلام – القاضي المغربي: ج2 ص346.
[80] - الأمالي – الصدوق: ص129.
[81] - تهذيب الأحكام: ج1 ص449.
[82] - الفقيه: ج4 ص352.
[83] - الفضائل – ابن شاذان: ص124.
[84] - الكافي: ج7 ص2 ح1.
[85] - دعائم الإسلام: ج2 ص346 ح1295.
[86] - البقرة: 180.
[87] - المائدة: 106.
[88] - المحاسن: ج1 ص235.
[89] - إثبات الهداة: ج1 ص98.
[90] - البقرة: 133.
[91] - إثبات الهداة: ج1 ص613 – 614.
[92] - الكافي: ج7 ص3.
[93] - الغيبة – الطوسي: 107 – 108.
[94] - الكافي: ج7 ص48 ح5، باب صدقات النبي .
[95] - الكافي: ج1 ص298 ح2.
[96] - من لا يحضره الفقيه: ج4 ص189 – 192 ح5433.
[97] - ج9 ص176 – 178 ح714.
[98] - راجع الكافي: ج1 ص298 – 299 ح5، باب النص على الحسن (.
[99] - راجع الكافي: ج1 ص297 – 298 ح1، باب النص على الحسن (.
[100] - راجع الكافي: ج7 ص51 – 52.
[101] - ص444 – 447، تحقيق محمد باقر الأنصاري.
[102] - الكافي: ج1 ص299 ح6.
[103] - الكافي: ج1 ص300 ح1، باب النص على الحسين (.
[104] - البقرة: 109.
[105] - الكافي: ج2 ص300 – 302 ح1، باب النص على الحسين (.
[106] - الكافي: ج2 ص303 – 304 ح1، باب النص على علي بن الحسين (.
[107] - ج4 ص351.
[108] - ج2 ص22.
[109] - ص139.
[110] - من أخلاق الإمام الحسين (: ص251 – 253.
[111] - الإمامة والتبصرة – ابن بابويه القمي: ص60 – 62.
[112] - الكافي: ج2 ص91 ح13.
[113] - الكافي: ج1 ص339 ح2، باب النص على الباقر (.
[114] - بحار الأنوار: ج46 ص166.
[115] - البقرة: 132.
[116] - الكافي: ج1 ص307 ح8.
[117] - تهذيب الأحكام: ج1 ص449.
[118] - الكافي: ج1 ص306 ح2، باب النص على الصادق (.
[119] - الكافي: ج1 ص310 – 311.
[120] - خاتمة المستدرك – الميرزا النوري: ج4 ص111.
[121] - دلائل الإمامة – الطبري الشيعي: ص328.
[122] - مختصر بصائر الدرجات: ص7.
[123] - بحار الأنوار: ج47 ص253 – 254.
[124] - الكافي: ج3 ص270 ح15.
[125] - المحاسن – البرقي: ج1 ص80.
[126] - الرعد: 21.
[127] - الكافي: ج7 ص55 ح10.
[128] - عيون أخبار الرضا (: ج2 ص94 – 96، مدينة المعاجز: ج6 ص364 – 369، بحار الأنوار: ج48 ص222 – 225.
[129] - بحار الأنوار: ج49 ص80 – 81.
[130] - الكافي: ج1 ص316 ح15.
[131] - الكافي: ج1 ص312 – 313 ح8، باب النص على الرضا (.
[132] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص271 – 274، الأمالي – الصدوق: ص759 – 762.
[133] - الحجرات: 12.
[134] - بحار الأنوار: ج50 ص119 – 121، الإرشاد: ج2 ص298 – 300.
[135] - بحار الأنوار: ج50 ص118.
[136] - بحار الأنوار: ج50 ص16.
[137] - بحار الأنوار: ج50 ص123.
[138] - بحار الأنوار: ج46 ص166.
[139] - دلائل الإمامة – الطبري الشيعي: ص328.
[140] - الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة – الحر العاملي: ص287 – 288.
[141] - الكافي: ج1 ص384 ح1.
[142] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص276.
[143] - بحار الأنوار: ج50 ص15.
[144] - عيون المعجزات - حسين بن عبد الوهاب: ص122، بحار الأنوار: ج50 ص210، أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين: ج2 ص39، موسوعة شهادة المعصومين : ج3 ص327، ونسب في الهامش إلى إثبات الوصية: ص234، و ... إثبات الهداة: ج6ص278 ح26.
[145] - موسوعة شهادة المعصومين : ج3 ص326 نقلاً عن إثبات الهداة: ج6 ص263 ح73، مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني: ج7 ص526 – 527 ح2511.
[146] - بحار الأنوار: ج50 ص246.
[147] - غيبة الشيخ الطوسي: ص271– 273، الأنوار البهية - الشيخ عباس القمي: ص327 – 328.
[148] - الأنوار البهية: ص328.
[149] - البقرة: 133.
[150] - تفسير العياشي: ج1 ص61.
[151] - النساء: 58.
[152] - بصائر الدرجات: ص496 – 497.
[153] - بصائر الدرجات: ص496.
[154] - الكافي: ج1 ص276 ح3.
[155] - الكافي: ج1 ص277 ح4.
[156] - بحار الأنوار: ج23 ص277 – 278.
[157] - بحار الأنوار: ج 23 ص278.
[158] - الإمامة والتبصرة - ابن بابويه القمي: ص37.
[159] - الغيبة للنعماني: ص59 – 60 بـ 3 ح2.
[160] - الغيبة - الشيخ الطوسي: ص393.
[161] - النجم: 3 – 4.
[162] - الحشر: 7.
[163] - غاية المرام: ج6 ص99.
[164] - المهذب - القاضي ابن البراج: ج1 ص12.
[165] - اليقين - السيد ابن طاووس الحسني: ص522.
[166] - الحجرات: 2.
[167] - الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني: ص432.
[168] - كمال الدين وتمام النعمة: ص77.
[169] - التفسير الصافي - الفيض الكاشاني: ج4 ص75.
[170] - غيبة النعماني: ص336.
[171] - غيبة النعماني: ص337.
[172] - كتاب سليم بن قيس: ص398، تحقيق محمد باقر الأنصاري.
[173] - كتاب سليم بن قيس: ص211، تحقيق محمد باقر الأنصاري، غيبة النعماني: ص81.
[174] - الغيبة الطوسي: ص107 – 108، مختصر بصائر الدرجات: ص39، بحار الأنوار: ج36 ص260، مكاتيب الرسول: ج2 ص95.
[175] - الأنفال: 17.
[176] - غيبة النعماني: ص60.
[177] - غيبة النعماني: ص61.
[178] - غيبة النعماني: ص62.
[179] - الكافي: ج1 ص311 ح4.
[180] - مكاتيب الرسول: ج2 ص93.
[181] - بحار الأنوار: ج22 ص481 – 482, مكاتيب الرسول: ج2 ص93.
[182] - إثبات الهداة: ج1 ص613 – 614.
[183] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج3 ص83 ح11.
[184] - إثبات الهداة: ج1 ص277 – 278.
[185] - إثبات الهداة: ج1 ص291.
[186] - إثبات الهداة: ج1 ص287.
[187] - الكافي: ج5 ص284 ح2.
[188] - دعائم الإسلام: ج2 ص347.
[189] - انظر: بحار الانوار: ج22 ص517.
[190] - مكاتيب الرسول: ج2 ص99.
[191] - كشف الخفاء: ج2 ص384.
[192] - الموضوعات: ج1 ص377.
[193] - الكافي: ج1 ص328 – 329، ح4.
[194] - المعجم الكبير للطبراني: ج6 ص221، مجمع الزوائد للهيثمي: ج9 ص113.
[195] - صحيح مسلم: ج5 ص70.
[196] - مجمع الزوائد: ج4 ص209.
[197] - المعجم الأوسط: ج5 ص319، مجمع الزوائد: ج4 ص209، الجامع الصغير: ج1 ص504.
[198] - سنن ابن ماجة: ج2 ص901، الكامل: ج5 ص26.
[199] - الحشر: 7.
[200] - البقرة: 87.
[201] - الكافي: ج1 ص401 ح1.
[202] - الكافي: ج1 ص223 ح7.
[203] - بصائر الدرجات: ص557.
[204] - مختصر بصائر الدرجات: ص76.
[205] - الكافي: ج8 ص125 ح95، بصائر الدرجات: ص558.
[206] - بحار الأنوار: ج2 ص187.
[207] - شرح الدراية – العاملي: ص58.
[208] - كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص288.
[209] - مستدرك الوسائل: ج17 ص300.
[210] - بصائر الدرجات: ص544.
[211] - هود: 23.
[212] - بصائر الدرجات: ص545.
[213] - البقرة 30.
[214] - الزخرف: 28.
[215] - إثبات الهداة: ج1 ص133.
[216] - آل عمران: 34.
[217] - إثبات الهداة: ج1 ص259.
[218] - المائدة: 55.
[219] - إثبات الهداة: ج1 ص442.
[220] - الكافي: ج1 ص316 ح
[221] - غيبة النعماني: ص282.
[222] - بحار الأنوار: ج25 ص223.
[223] - اليوم الموعود: ص596.
[224] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص137 – 138.
[225] - بحار الأنوار: ج64 ص213.
[226] - بحار الأنوار: ج35 ص116.
[227] - غيبة الطوسي: 107 – 108.
[228] - غيبة الطوسي: ص186، جمال الأسبوع: ص301 .
[229] - مفاتيح الجنان: ص618.
[230] - مختصر بصائر الدرجات: ص49 .
[231] - كمال الدين وتمام الدين: ص358، بحار الأنوار: ج53 ص145، مختصر بصائر الدرجات: ص211 – 212.
[232] - مصباح المتهجد: ص406.
[233] - مصباح المتهجد: ص409، بحار الأنوار: ج92 ص330.
[234] - بحار الأنوار: ج94 ص349.
[235] - تهذيب الأحكام: ج3 ص253، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص112.
[236] - وسائل الشيعة (الإسلامية): ج3 ص524.
[237] - شرح الأخبار: ج3 ص400.
[238] - المصباح للكفعمي: ص543، مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: ص826 .
[239] - غيبة الطوسي: ص309 .
[240] - بحار الأنوار: ج6 ص613، مستدرك سفينة البحار: ج7 ص174.
[241] - بحار الأنوار: ج49 ص349، وأغلب كتب الأدعية .
[242] - فقه الرضا: ص403.
[243] - غيبة النعماني: ص242 – 243.
[244] - غيبة الطوسي: 307.
[245] - غيبة النعماني: ص336.
[246] - إلزام الناصب: ج2 ص199.
[247] - غيبة الطوسي: ص150.
[248] - بحار الأنوار: ج48 ص270.
[249] - النبأ: 18.
[250] - مختصر بصائر الدرجات: ص48.
[251] - مختصر بصائر الدرجات: ص49.
[252] - الإسراء: 6.
[253] - بحار الأنوار: ج35 ص94.
[254] - انظر الحديث في: ص100 هامش 4.
[255] - انظر الحديث في: ص102 هامش 1.
[256] - تقدم ذكر هذه الأحاديث الشريفة، فراجع.
[257] - تاريخ ما بعد الظهور: ص642.
[258] - الفتح: 29.
[259] - الأعراف: 157.
[260] - الصف: 6.
[261] - الخصال – الشيخ الصدوق: ص200.
[262] - الكافي: ج1 ص428 ح2، إثبات الهداة: ج1 ص88.
[263] - الإسراء: 26.
[264] - الكافي: ج1 ص325 – 328 ح3.
[265] - الكافي: ج1 ص307 ح2.
[266] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص57 – 59.
[267] - النساء: 58.
[268] - غيبة النعماني: 59 – 60.
[269] - بحار الأنوار: ج52 ص224.
[270] - مريم: 87.
[271] - إلزام الناصب: ج2 ص96 – 97.
[272] - الأنفال: 17.
[273] - بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار: ص149.
[274] - بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار: ص149.
[275] - الكافي: ج1 ص284 ح3.
[276] - من لا يحضره الفقيه: ج4 ص374 ح5762.
[277] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص130.
[278] - عيون أخبار الرضا (: ج1 ص248.
[279] - الخصال – الشيخ الصدوق: ص374.
[280] - الخصال – الشيخ الصدوق: ص578.
[281] - كمال الدين وتمام النعمة: ص190.
[282] - إثبات الهداة: ج1 ص194 – 195.
[283] - الأحزاب: 6.
[284] - غيبة الطوسي: ص152.
[285] - نفس المصدر السابق.
[286] - الزخرف: 28.
[287] - معاني الأخبار: ص126 – 127.
[288] - الكافي: ج1 ص242 ح8.
[289] - آل عمران: 26.
[290] - آل عمران: 34.
[291] - تاريخ ما بعد الظهور: ص645 – 646.
[292] - تاريخ ما بعد الظهور: ص 17 – 20.
[293] - الأعراف: 143.
[294] - كفاية الأثر – الخزاز القمي: ص262.
[295] - الاحتجاج – الطبرسي: ج2 ص221.
[296] - الأمالي – الشيخ الصدوق: ص601، التوحيد: ص118.
[297] - مصباح الفقاهة - المحقق الخوئي: ج2 ص511 هامش2.
[298] - ذخائر العقبى: ص58.
[299] - الأربعون حديثا - منتجب الدين بن بابويه: ص20.
[300] - الإرشاد – الشيخ المفيد: ص138.
[301] - غيبة الطوسي: ص250.
[302] - الأصول الستة عشر- عدة محدثين: ص79.
[303] - إلزام الناصب: ج2 ص96 – 97.
[304] - الزمر: 42.
[305] - السجدة: 11.
[306] - محمد: 27.
[307] - بشارة الإسلام: ص227 – 229.
[308] - غيبة الطوسي: ص162.
[309] - غيبة النعماني: ص187.
[310] - غيبة الطوسي: ص294.
[311] - المهدي المنتظر الموعود: باب24، ص67.
[312] - بشارة الإسلام: ص30 – 31.
[313] - المهدي المنتظر الموعود: الباب24 ص77.
[314] - الملاحم والفتن: الباب92 .
[315] - المهدي الموعود المنتظر: باب 2 ص461، الملاحم والفتن: الباب 104.
[316] - الملاحم والفتن: الباب 96.
[317] - الملاحم والفتن: الباب92.
[318] - غيبة الطوسي: ص115 – 116.
[319] - ص80 – 85.
[320] - الكافي: ج1 ص368 ح2.
[321] - الكافي: ج1 ص368 ح3.
[322] - الكافي: ج1 ص368 ح4.
[323] - بحار الأنوار: ج25 ص 269.
[324] - الإرشاد: ص250.
[325] - غيبة النعماني: ص316.
[326] - بشارة الإسلام: ص148.
[327] - الممهدون للكوراني: ص110.
[328] - الكافي: ج8 ص66 ح22.
[329] - الإسراء: 4 – 5.
[330] - الكافي: ج8 ص206 ح250.
[331] - غيبة النعماني: ص265.
[332] - جمال الأسبوع - ابن طاووس: ص309، مصباح المتهجد للطوسي: ص409.
[333] - الأنبياء: 22.
[334] - طه: 134.
[335] - الكافي: ج8 ص265 ح383.
[336] - غيبة النعماني: ص310.
[337] - إلزام الناصب: ج2 ص96 – 97.
[338] - غيبة النعماني: ص162 – 165.
[339] - غيبة الطوسي: ص302.
[340] - معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص416.
[341] - الأعراف: 71.
[342] - شرح الأخبار: ج3 ص97.
[343] - غيبة النعماني: ص283.
[344] - الكافي: ج8 ص103.
[345] - شرح أصول الكافي: ج11 ص428.
[346] - شرح أصول الكافي: ج21 ص131.
[347] - بحار الأنوار: ج22 ص137.
[348] - مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج10 ص602.
[349] - معجم البلدان: ج2 ص63.
[350] - راجع مقدمة بحار الأنوار: ج11.
[351] - منتخب الأنوار المضيئة: ص343 .
[352] - إلزام الناصب: ج2 ص98 – 99.
[353] - غيبة النعماني: ص316.
[354] - الكافي: ج8 ص66 ح22.
[355] - المهدي الموعود المنتظر: باب30 ص328.
[356] - الملاحم والفتن: باب75.
[357] - الأنبياء: 22.
[358] - المؤمنون: 91.
[359] - النساء: 82.
[360] - بحار الأنوار: ج10 ص89.
[361] - دلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص445.
[362] - غيبة النعماني: ص302.
[363] - إلزام الناصب: ج2 ص96 – 97.
[364] - شرح الأخبار: ج3 ص97.
[365] - الملاحم والفتن: باب75.
[366] - مريم: 87.
[367] - الإرشاد: ص250.
[368] - المهدي الموعود المنتظر: باب30، ص328.
[369] - تقدم ذكر هذه الأحاديث أكثر من مرة، فراجع.
[370] - المهدي الموعود المنتظر: باب24 ص58.
[371] - الملاحم والفتن: الباب 92.
[372] - الواقعة: 10 – 11.
[373] - بشارة الإسلام: ص148.
[374] - غيبة النعماني: ص265.
[375] - إلزام الناصب: ج2 ص98 – 99.
[376] - بحار الأنوار: ج25 ص269.
[377] - الأحزاب: 33.
[378] - منتخب الأنوار المضيئة: ص343.
[379] - كمال الدين وتمام النعمة: ص653.
[380] - غيبة النعماني: ص243.
[381] - بشارة الإسلام: ص232 نقلاً عن الإرشاد للمفيد.
[382] - المهدي المنتظر: باب24 ص58.
[383] - غيبة الطوسي: ص194.
[384] - المهدي الموعود المنتظر: باب30 ص331.
[385] - غيبة للطوسي: ص305.
[386] - غيبة النعماني: ص316.
[387] - غيبة النعماني: ص256.
[388] - مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج5 ص74.
[389] - غيبة الطوسي: ص 302 – 303.
[390] - غيبة النعماني: ص303.
[391] - المهدي المنتظر الموعود: باب27 ص139 – 140، الملاحم والفتن: باب 92 .
[392] - الملاحم والفتن: باب 77 .
[393] - الملاحم والفتن: باب 102.
[394] - غيبة الطوسي: ص298، الملاحم والفتن: باب 104.
[395] - المهدي الموعود المنتظر: باب 24 ص72.
[396] - الغيبة للنعماني: ص280.
[397] - غيبة النعماني: ص306.
[398] - غيبة الطوسي: ص450.
[399] - بحار الأنوار: ج53 ص10.
[400] - المهدي الموعود المنتظر: باب 27 ص140.
[401] - المهدي الموعود المنتظر: باب 27 ص160.
[402] - بحار الأنوار: ج35 ص16.
[403] - المهدي المنتظر الموعود: باب 28 ص192.
[404] - المهدي المنتظر: باب24 ص58.
[405] - غيبة الطوسي: ص194.
[406] - المهدي الموعود المنتظر: باب30 ص331.
[407] - غيبة الطوسي: ص305.
[408] - المهدي الموعود المنتظر: باب30 ص 318.
[409] - بشارة الإسلام: ص250.
[410] - بحار الأنوار: ج52 ص387.
[411] - الكافي: ج1 ص304.
[412] - إثبات الهداة: ج1 ص613 – 614.
[413] - إثبات الهداة: ج1 ص315 – 316.
[414] - الإنسان: 3.
[415] - عوالي اللئالي: ج1 ص101.
[416] - تهذيب الأحكام: ج6 ص180.
[417] - الكافي: ج8 ص307 – 308.
[418] - يس: 30.
[419] - الغاشية: 1 – 4.
[420] - الكافي: ج8 ص50.
[421] - النساء: 59.
[422] - المائدة: 55.
[423] - شرح أصول الكافي للمولي محمد صالح المازندراني: ج5 ص153.
[424] - وسائل الشيعة: ج18 ص98.
[425] - غيبة النعماني: ص131.
[426] - غيبة النعماني: ص144 – 146.
[427] - الملاحم والفتن: باب76، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص40.
[428] - الكافي: ج8 ص63 – 66.
[429] - إلزام الناصب: ج1 ص156 – 157.
[430] - إلزام الناصب: ج1 ص244.
[431] - الإمامة والتبصرة: ج1 ص22 ابن بابويه القمي.
[432] - التوبة: 3.
[433] - تفسير العياشي: ج2 ص76.
[434] - الغيبة للنعماني: ص233.
[435] - الغيبة للطوسي: ص460.
[436] - المدثر: 31 – 37.
[437] - بحار الأنوار: ج42 ص326.
[438] - الغيبة للنعماني: ص256.
[439] - انظر: الامالي للصدوق: ص219، بحار الأنوار: ج44 ص315.
[440] - الأنبياء: 18.
[441] - مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج5 ص74.
[442] - الأحقاف: 30 – 32.
[443] - الأحقاف: 32.
[444] - الكافي: ج2 ص246.
[445] - الامالي للصدوق: ص382.
[446] - معاني الاخبار: ص32.
[447] - معاني الاخبار: ص32.
[448] - غيبة النعماني : ص165.
[449] - الجمل – ضامر بن شدقم المدني: ص13.
[450] - بحار الانوار: ج97 ص362.
[451] - المدثر: 31 – 54.
[452] - الكافي: ج1 ص434.
[453] - دلائل الامامة للطبري (الشيعي): ص562.
[454] - كتاب سليم بن قيس – تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص169.
[455] - بشارة الإسلام: ص232 نقلاً عن الإرشاد للمفيد.
[456] - غيبة النعماني: ص243.
[457] - غيبة الطوسي: ص307.
[458] - إلزام الناصب: ج2 ص174-190.
[459] - طـه: 82.
[460] - خاتمة الوسائل: ص65.
[461] - خاتمة الوسائل: ص102.
[462] - الكافي: ج1 ص90.
[463] - الكافي: ج1 ص89.
[464] - البقرة: 180.
[465] - المائدة: 106.
[466] - مريم: 87.
[467] - الكافي: ج7 ص2 – 3، الفقيه: ج4ص 188، التهذيب: ج9 ص174.
[468] - البقرة: 132 – 133.
[469] - تفسير العياشي: ج1 ص61.
[470] - يـس: 49 – 50.
[471] - البقرة: 180.
[472] - تفسير القمي: ج2 ص215.
[473] - التبيان: ج8 ص464.
[474] - بحار الانوار: ج6 ص320.
[475] - بحار الانوار: ج6 ص323.
[476] - آل عمران: 34.
[477] - البقرة: 124.
[478] - الزخرف: 28.
[479] - كمال الدين وتمام النعمة: ص358.
[480] - انظر: بحار الأنوار: ج25 ص258.
[481] - الأنفال: 75.
[482] - غيبة الطوسي: ص111.
[483] - وسائل الشيعة – الخاتمة: ص95.
[484] - بحار الأنوار: ج53 ص148.
[485] - النجم الثاقب: ج2 ص72، بحار الأنوار: ج99 ص125.
[486] - جمال الاسبوع: ص310.
[487] - المجتمع الفرعوني: ص175 الباب الرابع الفصل الثالث.
[488] - تاريخ ما بعد الظهور: ص646.
[489] - مستدرك سفينة البحار: ج10 ص517.
[490] - عصر الظهور: ص332.
[491] - الأنعام: 19.
[492] - الرعد: 43.
[493] - الصافات: 104 – 105.
[494] - التحريم: 12.
[495] - يوسف: 44.
[496] - من لايحضره الفقيه: ص3585، بحار الأنوار:ج49 ص284، دار السلام: ج4 ص272.
[497] - الامالي للشيخ المفيد: ص340 – 341.
[498] - البقرة: 111.
[499] - الشعراء: 211.
[500] - غيبة النعماني: ص308.
[501] - غيبة النعماني: ص308.
[502] - المؤمنون: 70.