Subjects
-نصيحة البحث
تمهيد
-لماذا الخليفة ؟
-هل وضع الله سبحانه قانوناً لمعرفة خليفته في أرضه ؟
-وهل جاء السيد أحمد الحسن ع بغير هذا ؟
الوصية المقدسة
-العلم والحكمة
-وقفة مع المقصود بـ (صاحب الأمر) و (القائم):
راية البيعة لله
-أولاً: الرؤيا وصاحب الأمر:
-ثانياً: الاستخارة وصاحب الأمر:
-لماذا اعترض من اعترض .. ومن هم ؟
-الفصل الأول
-آدم ع خليفة لله في أرضه وإبليس لعنه الله يعترض
استخلاف آدم ع
-سجود الملائكة لآدم ع
-الأسماء التي تعلمها آدم ع من ربه:
-معنى سجود الملائكة :
-إبليس (لعنه الله) يأبى السجود لخليفة الله
-حقيقة إبليس (لعنه الله):
-(الأنا) سبب فشل إبليس (لعنه الله):
-ماذا بعد فشل إبليس (لعنه الله) ؟
-إمهال إبليس (لعنه الله) إلى اليوم المعلوم
-صيحة إبليس (لعنه الله):
-الفشل في الامتحان بخليفة الله يعني الطرد من رحمة الله
-الفصل الثاني
-نماذج من المعترضين على خلفاء الله بعد إبليس لعنه الله
-هابيل وهبة الله أوصياء لآدم ع وقابيل يعترض:
-نوح ع خليفة لله ودوقيل وقومه يعترضون:
-إبراهيم ع خليفة لله ونمرود وقومه يعترضون:
-موسى ع خليفة لله وفرعون وقومه يعترضون:
-عيسى ع خليفة لله وهيرودس وعلماء السوء يعترضون :
-رسول الله محمد ص خليفة لله ورؤساء الديانات والحكام يعترضون:
-أمير المؤمنين ع خليفة لله وعمر وقومه يعترضون:
-آل محمد (الأئمة) ص خلفاء لله وبني (أمية والعباس) يعترضون:
-الفصل الثالث
-المعترضون .. وحدة المقال والمنهج والأهداف في الإنكار
-استعراض قرآني لبعض مقولات المنكرين وفعلهم
-نوح ع:
-نبي بعد نوح ع:
-هود ع:
-صالح ع:
-إبراهيم ع:
قوم لوط، قوم شعيب عليهما السلام
قوم موسى ع
قوم عيسى ع
-لوط ع:
-شعيب ع:
-موسى ع:
-عيسى ع:
-طالوت ع:
-إلياس ع:
-سيد المرسلين محمد ص:
-رسل الله وقول المعترضين:
-وحدة منهج المعترضين في الإنكار
-الاعتراض على خلفاء الله .. وحدة المنهج
-التكذيب والرفض بلا دليل
-السخرية والاستهزاء والتسفيه
-إلقاء التهم بلا وازع من ضمير أو استشعار حسيب:
-استخفاف أئمة الضلال بأقوامهم
-دور الملأ مع سادة المعترضين
-التهديد بالسجن والقتل والرجم والطرد والإخراج:
-استعجال العذاب
-طلب آية (المعجزة):
-المحاججة والمجادلة بالباطل
-أولاً: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .. وما يلحقه
-ثانياً: ما اتبعك إلا أراذلنا
-ثالثاً: إنما أنت بشر مثلنا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
-رابعاً: اتهام حجة الرسل بالضعف بل بعدم الإتيان ببينة رغم البيان
-خامساً: وضوح الجدال بباطل قابلوا به حجة الرسل
-سادساً: اقتراح المعترضين للرسل والآيات والأدلة
-وحدة أهداف المعترضين
الفصل الرابع
-الكثرة وخلفاء الله
-كيف تحدث القرآن الكريم عن الكثرة ؟
-القرآن الكريم و (أكثر) الناس:
-القرآن الكريم و (كثير) من الناس:
-القرآن الكريم و (قليل) من الناس:
-لماذا كثرة المعترضين على خلفاء الله ؟
-ما هي المشكلة المؤدية إلى اعتراض الكثرة على خلفاء الله ؟
-الخـاتـمـة
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد ( 81 ) المعترضون على خلفاء الله بقلــم الشيخ علاء السالم الطبعة الثانية 1432هـ - 2011 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org قال تعالى: ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ (يس: 30). يقول السيد احمد الحسن ع: (لقد ابتلي أمير المؤمنين علي ع بمعاوية بن هند، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، وقد ابتليت اليوم كما ابتلي أبي علي بن أبي طالب ع، ولكن بسبعين معاوية، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون. والله ما أبقى رسول الله ص، وآبائي الأئمة ص شيء من أمري إلا بيّنوه، فوصفوني بدقة، وسمّوني، وبيّنوا مسكني، فلم يبق لبس في أمري، ولا شبهة في حالي، بعد هذا البيان. وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وأني: أول المهديين واليماني الموعود). بيان اليماني / المتشابهات: ج4، السيد أحمد الحسن ع. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً -نصيحة البحث: قال السيد أحمد الحسن ع في نصيحته لكتابة هذا البحث: (كتاب منكري خلفاء الله في أرضه منذ آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. ليس ضرورياً أن يكون هذا هو العنوان، ولكن هذا هو مختصر لما يتضمنه الكتاب أو البحث، أي الذي يكتب هو يختار العنوان المناسب ، ويمكن أن يتعرض الكتاب إلى: - اليوم الأول آدم خليفة الله في أرضه. - معترضين يتوبون ، منكر لا يتوب .. أي الملائكة وإبليس على التوالي. - والمرور بأنبياء الله ورسله إلى يومنا هذا. - المقارنة بين كل المنكرين .. مقولاتهم التي قصها تعالى علينا في القرآن ، وما يجمعهم من وحدة المنهج في الإنكار والمحاربة والمحاججة بالباطل، ووحدة الأهداف ووحدة المضمون. - أيضاً الكثرة ومناقشتها .. لماذا المنكرون دائماً هم الكثرة ؟ هل المشكلة في خلفاء الله، أم في الناس وما هي مشكلة الناس ؟ إذا عرفت سبب الامتحان الأول تستطيع الإجابة على هذا السؤال: إظهار (أنا) المخلوق بشكل جلي يعاقب عليه، أي انه طالما استبطن مواجهة ربه بـ (أنا)، فالآن تجلى له في خليفة ليقول أنا خير منه، ولم يكن ليجرأ على النطق بها أمام الله القهار، ولكنه كان ينطق بها في كل آن بنظره المنصبّ على نفسه، أولئك الذين لا يكادون يرون أيديهم، أعمتهم الأنا، فهم كل همهم أنفسهم وما يلائمها وتجنب ما ينافيها ظاهراً. الآن، تجلى لهم الذي خلقهم في خليفته ليظهر على الملأ ما انطوت عليه أنفسهم الخبيثة من إنكار له سبحانه ولفضله. ولو قربت لك الصورة أكثر في مثل مادي: فحالهم كمن ركز نظره على نفسه وهو يواجه ربه دون أن ينطق أو يقول: أنا خير ممن خلقني، أو أن يقول: نفسي أهم عندي ممن خلقني، ولكن حاله ونظره المنصبّ على نفسه ينطق بهذا. الآن امتحنه الذي خلقه بمثله - ظاهراً - إنسان فمباشرة نطق بما انطوت عليه نفسه فقالها جهاراً دون حياء: أنا خير منه) انتهى كلامه صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين المنتجبين. وأجدني - وأعوذ بالله من الأنا - عاجزاً عن قول شيء بعد هذا سوى الدعاء بما دعا به روحي فداه: (إلهي إن عظيم ذنبي كف يدي عن انبساطها إليك وكثرة ودوام تقصيري سوّدا وجهي عندك فاغفر ذنبي وبيض وجهي فإنه لا سبيل لذلك إلا فضلك ومنك وعطائك الابتداء، وأنت تعلم أني لا أريد بذلك إلا أن أكون أهلاً أن أقف بين يديك وأحمُدك وحدك لا شريك لك على كل نعمة أنعمت وتنعم بها عليَّ وعلى والديَّ وعلى كل أحد من خلقك. إلهي وعزتك وجلالك وعظمتك، لو أني منذ بدعت فطرتي من أول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة وكل طرفة عين سرمد الأبد بحمد الخلائق وشكرهم أجمعين، لكنت مقصراً في بلوغ أداء شكر أخفى نعمة من نعمك عليَّ، ولو أني كربت معادن حديد الدنيا بأنيابي، وحرثت أرضها بأشفار عيني، وبكيت من خشيتك مثل بحور السماوات والأرضين دماً وصديداً، لكان ذلك قليلاً في كثير ما يجب من حقك عليَّ، ولو أنك إلهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق أجمعين، وعظمت للنار خلقي وجسمي، وملئت جهنم وأطباقها مني حتى لا يكون في النار معذب غيري، ولا يكون لجهنم حطب سواي، لكان ذلك بعدلك عليَّ قليلاً في كثير ما استوجبته من عقوبتك. إلهي فمع عظيم ما استحق من عقوبتك بعدلك، تفضلت عليَّ وجعلتني انطق بحمدك وأذكر أسمائك وأسماء سادتي من الأوصياء ص أنبياءك ورسلك ص الذين أتشرف أن أكون حفنة تراب تحت أقدامهم المباركة إلهي فاغفر لي وأقل عثرتي واجعلهم يغفرون لي ويقيلون عثرتي). فماذا بقي وما بوسعي قوله، ولولا أن نصرتكم هي أمل وشوق وأمنية شائق يتمنى لكان الخرس أفضل نصيب عباد الله بين يديه سبحانه وأيديكم، ولكن مظلوميتكم سادتي آل محمد تنطق الأخرس ورب العباد لما يرى جرأة من جرت نعمتكم عليه عليكم، فكانت هذه المحاولة الخجلة لنصرتكم، راجياً منكم قبولها بعظيم فضلكم وبحر كرمكم وقبول صاحبها خادماً لتراب تطأه أقدامكم، ووالله لئن حُرمتُ من صحبتكم لعظم جرمي وإسرافي في حقكم فهو استحقاقي وقدري، ولكن تبقى عينيّ فقيرٍ تربو جودكم، وتنتظر سد فقره ورفع حاجته، ويبقى قلب من اغرق نفسه في بحر ذنوبه يهفو لمد يد رحيمة تنتشله من غرقه، وقلوبكم تسع رحمة الله كلها فما بالها لم تسع عبداً ضعيفاً ليس له طاقة على احتمال بعدكم، أو لا اقل يدعي الانتساب إليكم. إليكم سادتي آل محمد، إليك سيدي يماني آل محمد اهدي ما جمعته في هذا البحث وأقول معترفاً بتقصيري في نصرتكم: خادمكم ببابكم فاقبلوه، واعتذر على جرأتي وقلة حيائي. * * * -لماذا الخليفة ؟ هل وضع الله سبحانه قانوناً لمعرفة خليفته في أرضه ؟ وهل جاء داعي الحق اليوم (احمد الحسن ع) بغيره ؟ من لديه الجرأة على الاعتراض على اختيار الله، ومن هم المعترضون ؟ أسئلة أربعة بحاجة إلى إجابة؛ وهي من الأهمية بمكان بحجم أهمية المصير في نظر الإنسان المعتقد بالرجوع إلى ربه الذي يشهد كل ما في الوجود بالرجوع إليه: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾([1])، ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾([2])؛ ذلك أن الرجوع المطلوب من المخلوق والمرضي عند خالقه سبحانه هو العود بولي الله وخليفته في أرضه في سفر الإنسان نحو الآخرة، وكأنه قد خلق وانزل إلى هذه الأرض ليبحث عن ضالة خلق لأجلها، وقد شاء الله سبحانه أن يكون مفاتح الحصول عليها لا تتم إلا بمعرفة خليفة الله في أرضه وحجته على خلقه وإلا التيه والضياع وخسران الدنيا والآخرة، وكيف لا يوصف بذلك من لم يظفر بضالته التي خلق لأجلها ويحقق هدف وجوده ومجيئه، فبأي شيء يعود وقد ضيع غايته وبات أعمى يترنح بين ظلمات الهوى والدنيا والشيطان، ويا لها من خسارة كبرى إن كانت غايته هي الله سبحانه ومعرفته، وبماذا يوصف الراجع من دونها إلا مضيعاً لربه الكريم الذي خلقه فسوّاه فعدله، وماذا وجد من فقدك حتى ولو رأى الخلق كلهم أن معه الدنيا كلها ؟! رحماك يا رب. نعم، خلق الإنسان لغاية وهدف وليس للعبث مجال في ساحته المقدسة تعالى الله سبحانه عن ذلك علواً كبيراً، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([3])، أي ليعرفون: (ولم يقل إلا ليأكلون أو إلا ليعملون، فإذا كان لابد من العمل والأكل والشرب، فليكن للعبادة نصيب أعظم وأوفر واكبر، فأجملوا في الطلب يرحمكم الله، ولا تكن الدنيا منتهى همكم، ومبلغ علمكم. واعبدوا الله حق عبادته، لتكن الآخرة لكم، فان إليها المآل وفيها محط الرحال، والمقر بعد الآجال، فلا تغرنكم الحياة ولا يغرنكم بالله الغرور، فإنه سبحانه وتعالى يخاطبكم فيقول: يا بن آدم أما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري إليك منـزل وشرّك إليّ صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح. يا بن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم مَن الموصوف لسارعت إلى مقته ([4]))([5]). إنها إذن معرفة الله الغاية التي خلقنا من اجلها، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسـي: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لكي اعرف) ([6])، وإذا كانت معرفة الله سبحانه هي غاية الخلق والإنسان منه، فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع المخلوق أن يتعرف على خالقه سبحانه بنفسه ؟ لاسيما والمعرفة - حالها حال أي شيء يحدث في عالم الخلق كله - من الله سبحانه، فعن محمد بن حكيم قال: قلت لأبي عبد الله ع: المعرفة من صنع من هي ؟ قال: (من صنع الله، ليس للعباد فيها صنع) ([7]). فليسأل كل منا ربه الكريم الذي خلقه: الهي كيف لي أن أعرفك ؟ وأعني بسؤال الله سبحانه واستماع إجابته ما يشمل إجابة حججه وخلفائه في أرضه فإنهم جميعاً لا ينطقون عن الهوى بل هو وحي ربهم، ولذا صار قبول قولهم ص وطاعتهم طاعة الله ورد قولهم - والعياذ بالله - رد على الله سبحانه. وقد شاء سبحانه ومشيئته كائنة أن تتم معرفته عن طريق حجته وخليفته في أرضه باعتباره مثله الأعلى في خلقه، وبمثابة المرآة التي تعكس صفات الكمال والجلال للخالق إلى المخلوق، فيكون المستخلَف مثالاً لمن استخلفه ووجهاً يقابل به خلقه ومعرفته معرفته. عن موسى بن عبد الله النخعي، إنه قال للإمام الهادي ع: علمني يا ابن رسول الله قولاً بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم، فقال: (إذا صرت إلى الباب فقف .. وقل: ... السلام على محالّ معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سرّ الله .. السلام على الدعاة إلى الله والأدلاء على مرضاة الله ... من أراد الله بدأ بكم ومن وحّده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم) ([8]). فمن أراد معرفة الله إذن بدأ بمعرفة حججه وخلفائه ليعرّفوه بخالقه ويدلّوه على مرضاته، ومن هنا يتضح لنا بعض معاني ما جاء في كلام الطاهرين ص التي تذكر أن لا بقاء للأرض وأهلها بلا حجة. عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا ع، قال: (قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: فإنّا نروي عن أبي عبد الله ع أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد، فقال: لا، لا تبقى إذاً لساخت) ([9]). ليس فقط أن الله سبحانه يسخط على أهل الأرض لخلوها من خليفته وحجته، بل لا وجود لها ولهم أصلاً بلا حجته؛ إذ لا يفعل الله سبحانه السفه وحاشاه، بل هو الحكيم الذي لا يوجد خلقه بلا غاية، والغاية - وهي المعرفة كما توضح - لا تكون إلا بحجة وخليفة لله في أرضه، ومن ثم يكون فرض عدم وجوده سبباً لانعدام الأرض وأهلها (وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه). الآن وقد بان - بإيجاز - جواب التساؤل عن ضرورة وجود خليفة الله في أرضه نشرع في بيان قانون الله سبحانه لمعرفة حجته، فهو الآخر في غاية الأهمية بعد أن توضح أهمية الخليفة الإلهي ودوره. * * * -هل وضع الله سبحانه قانوناً لمعرفة خليفته في أرضه ؟ ولا أحسب أن عاقلاً يتأمّل آلاء الله يحيد عن الإيجاب بدلاً بعد أن كان الرجوع المرضي له سبحانه لا يتم إلا بمعرفة خليفة الله في أرضه وإتباعه، وخطور شيء آخر في البال يعني نسبة غير الحكمة لله تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وإذا كانت حكمته سبحانه تفرض وجود قانون الهي يعرّف خلقه بحجته، فإنه تبارك وتعالى مَن يضع القانون لعباده رحمة بهم؛ فإن من يُراد وضع القانون لمعرفتهم هم خلفاؤه في أرضه وحججه على خلقه في كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فسنّة الله لا تتغير ولا تتبدل دائماً وأبداً، وغاية الخلق لما كانت تتحصل بمعرفتهم فإحكام القانون الإلهي سيأتي منه سبحانه بدرجة تنسجم وتلك الغاية الكبرى، كيف إذا كانت هي (معرفة الله) وهي البداية والمنتهى. (فالنتيجة أن مقتضى الحكمة الإلهية هو وضع قانون لمعرفة خليفة الله في أرضه في كل زمان، ولابد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه، فلا يمكن أن يكون هذا القانون طارئاً في إحدى رسالات السماء المتأخرة عن اليوم الأول؛ لوجود مكلفين منذ اليوم الأول، ولا أقل أن القدر المتيقن للجميع هو وجود إبليس كمكلف منذ اليوم الأول، والمكلف يحتاج هذا القانون لمعرفة صاحب الحق الإلهي، و إلا فإنه سيعتذر عن إتباع صاحب الحق الإلهي بأنه لم يكن يستطيع التمييز، ولا يوجد لديه قانون الهي لمعرفة هذا الخليفة المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى. والقدر المتيقن للجميع حول تاريخ اليوم الأول الذي جعل فيه الله خليفة له في أرضه هو: إن الله نص على آدم وانه خليفته في أرضه بمحضر الملائكة ص وإبليس. بعد أن خلق الله آدم ع علَّمه الأسماء كلها. ثم أمر الله من كان يعبده في ذلك الوقت الملائكة وإبليس بالسجود لآدم. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾([10])، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾([11]). ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾([12]). ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾ ([13]). هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه وهذه الأمور الثلاثة قانوناً سَنَّه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة. ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ ([14]). ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([15])) ([16]). حقاً وصدقاً ستمضي سنّة الله في حججه على خلقه في قانونه الذي خصهم به وبقيت أيدي سائر الخلق منه صَفِرَةً خالية، وأجسادهم من ثوب الخلافة الإلهية عارية، فانّ قياسها لا يليق إلا بأهلها الذين انتجبهم الله سبحانه من خلقه، فخصهم بنصّه وعلمه وأمره، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ([17]). وبهذا القانون المحكم جاء حجج الله طرّاً أنبياء كانوا أو أوصياء أقوامهم داعين إلى الله، فكان النص الإلهي المبرز عبر وصية إلهية يذكر فيها الحجة السابق من يليه باسمه وصفته، وكان العلم الذي اختصهم الله به، ثم أمر الله سبحانه لخلقه بطاعتهم، بهذا جاء نوح قومه وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي والهما الطاهرين من مضى منهم إلى ربه ومن سيحكم الله بهم الأرض ومن عليها إلى قيام يوم الدين، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، وفي هذا نصوص شريفة كثيرة هذا نموذج منها: عن أبي عبد الله ع، قال: (قال النبي ص: أنا سيد النبيين، ووصيي سيد الوصيين وأوصياؤه سادة الأوصياء. إن آدم ع سأل الله تعالى أن يجعل له وصياً صالحاً، فأوحى الله ( إليه: إني أكرمت الأنبياء بالنبوة، ثم اخترت خلقي وجعلت خيارهم الأوصياء. فقال آدم ع: يا رب اجعل وصيي خير الأوصياء، أوحى الله إليه: يا آدم، أوص إلى شيث فأوصى آدم إلى شيث، وهو هبة الله بن آدم. وأوصى شيث إلى ابنه شبان .. وأوصى شبان إلى مخلث، وأوصى مخلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى عثميثا، وأوصى عثميثا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي ع، وأوصى إدريس إلى ناحور، ودفعها ناحور إلى نوح النبي ع، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر، وأوصى عثامر إلى برعثباشا، وأوصى برعثباشا إلى يافث، وأوصى يافث إلى بره، وأوصى بره إلى حفسه، وأوصى حفسه إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل ع، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثريا، وأوصى بثريا إلى شعيب، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران ع، وأوصى موسى إلى يوشع بن النون، وأوصى يوشع إلى داود النبي، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف إلى زكريا، ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم ع، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة، ثم قال ص: ودفعها إلي بردة، وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد، حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك. ولتكفرن بك الأمة، ولتختلفن عليك اختلافاً كثيراً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي والشاذ عنك في النار، والنار مثوى الكافرين) ([18]). وعنه ع، قال: (أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله ص لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) ([19]). وعنه ع أيضاً: (أوصى موسى إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى أن الله ( له الخيرة يختار ما يشاء ممن يشاء، وبشر موسى ويوشع بالمسيح ع، فلما أن بعث الله ( المسيح ع قال المسيح لهم: إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل ع يجئ بتصديقي وتصديقكم عذري وعذركم وجرت من بعدي في الحواريين في المستحفظين وإنما سماهم الله ( المستحفظين؛ لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر ... فلما بعث الله محمداً أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل، ودعا إلى الله ( وجاهد في سبيله، ثم أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك، فقال: رب إن العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبياً ولا يعرفون نبوة الأنبياء ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي، فقال الله جل ذكره: ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ ([20])، ﴿وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾([21])، فذكر من فضل وصيه ذكراً فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول الله ذلك وما يقولون، فقال الله جل ذكره: يا محمد ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾([22]) ، فإنهم لا يكذبونك ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾([23])، لكنهم يجحدون بغير حجة لهم .. ثم قال جل ذكره: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ وكان علي ع، فكان حقه الوصية التي جعلت له، والاسم الأكبر، وميراث العلم، وآثار علم النبوة) ([24]). وأي حجة تبقى للمنافقين والمنكرين الجاحدين الضائقة صدروهم حسداً بما خص الله به حججه الطاهرين وفضلهم الذي آتاهم الله تعالى إياه: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾([25])، وهم يريدون رد حق الأوصياء وما خصهم ربهم به من وصية وعلم إلهيين. قال أمير المؤمنين ع: (لا يقاس بآل محمد صمن هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة) ([26]). والوراثة هي: (ميراث العلم وآثار علم النبوة) التي أشار لها وارث علي ع ولده الصادق ع في الحديث السابق، فآل محمد هم العلماء الذين ورثوا الأنبياء - كما في الحديث - في علومهم وآثارهم ولا يشاركهم أحد في ذلك بعد أن حكم أبيهم أمير المؤمنين بأنهم صلوات ربي عليهم لا يقاس بهم أحد، فليتقي الله كل ما يحاول سرقة ألقاب حجج الله، واليه سبحانه المشتكى من قوم تنكروا لحججه وخلفائه بل سادتهم. جدير ذكره هنا أن قانون الله في حججه وميزانه في خلفائه لا يخطئ صاحبه، فلا يزن ابن أنثى به نفسه وهو مدعٍ باطل إلا وكان الافتضاح والهلاك نصيبه لا محالة مهما حاول وتصنّع وسعى، وهل سعيه إلا فند وأيامه إلا عدد، وما ادعى هذا الموقع الإلهي الخطير - الذي اختص به الحق سبحانه نفسه وجعل أمر تنصيب خليفته بيده - أحد إلا وقصم الله ظهره وتبّر عمره بل افتضح من وقته بادعائه ما ليس له، كيف وبارئ النسم من العدم يقول جل وعلا عن حبيبه وسيد أنبيائه ورسله: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ( لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ( ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ ([27]). وعلى هذا الأساس كان أئمة الهدى ص يجيبون على من يسألهم عن ميزان معرفة الإمام بذكر الوصية المقدسة والعلم. قيل لأبي عبد الله ع: بأي شيء يعرف الإمام ؟ قال: (بالوصية الظاهرة وبالفضل، إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه ذلك) ([28]). وعبر ع بـ (الظاهرة) باعتبار أن الحجة الموصي لا يخرج كل ما في الوصية المقدسة إلى الناس بل يُظهر منها ما يثبت به للأمة حق الموصى به وتقام عليهم الحجة البالغة، ويبقى تفاصيل ما في الوصية المقدسة بيد الأوصياء ص واحداً بعد واحد إلى قيام الساعة. عن سليم بن قيس الهلالي، عن ابن عباس في حديث: أنه دخل على علي بن أبي طالب ع بذي قار فأخرج له صحيفة وقال: (يا ابن عباس، هذه صحيفة أملاها عليَّ رسول الله ص وخطي بيدي، قال: فأخرج إلي الصحيفة، فقلت: يا أمير المؤمنـين، أقرأها ؟ وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول الله ص إلى قتل الحسين ع ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه، وكان فيما قرأه كيف يصنع به وكيف تستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسين وكيف تغدر به الأمة، ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة، وكان فيما قرأ منها أمر أبي بكر وعمر وعثمان، وكم يملك كل إنسان منهم، وكيف بويع علي ووقعة الجمل ومسيرة عائشة وطلحة والزبير … إلى أن قال: فلما أدرج الصحيفة، قلت: يا أمير المؤمنين، لو كنت قرأت عليَّ بقية الصحيفة، قال: لا، ولكني محدثك ما يمنعني منها، ما يلقي أهل بيتك وولدك من أمر فضيع من قتلهم لنا وعداوتهم وسوء ملكهم وشؤم قدرتهم فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك … إلى أن قال ابن عباس: لأن يكون نسخني ذلك الكتاب أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس)([29]). والوصية المقدسة كتاب مختوم نازل من السماء ليس للحجة الموصي دخل في تحديد الأوصياء المذكورين فيه. فعن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أنه قال: (الوصية نزلت من السماء على رسول الله ص كتاباً مختوماً، ولم ينزل على رسول الله ص كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئيل ع: يا محمد، هذه وصيتك في أمتك إلى أهل بيتك، فقال رسول الله ص: أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ فقال: نجيب الله منهم وذريته ليورثك علم النبوة قبل إبراهيم، وكان عليها خواتيم ففتح علي ع الخاتم الأول ومضى لما أمر فيه، ثم فتح الحسن ع الخاتم الثاني ومضى لما أمر به، ثم فتح الحسين ع الخاتم الثالث فوجد فيه أن قاتل وأقتل وتقتل واخرج بقوم للشهادة، لا شهادة لهم إلا معك ففعل، ثم دفعها إلى علي بن الحسين ع ومضى. ففتح علي بن الحسين الخاتم الرابع فوجد فيه أن أطرق واصمت لما حجب العلم، ثم دفعها إلى محمد بن علي (عليهما السلام) ففتح الخاتم الخامس فوجد فيه أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك العلم واصطنع الأمة، وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله، ففعل ثم دفعها إلى الذي يليه. فقال معاذ بن كثير: فقلت له: وأنت هو ؟ فقال: ما بك في هذا إلا أن تذهب يا معاذ فترويه عني نعم أنا هو، حتى عدد علي اثني عشر اسماً ثم سكت، فقلت: ثم من ؟ فقال: حسبك)([30]). ويمكن الإشارة هنا إلى: إن لكل وصي من أوصياء محمد المذكورين في الوصية خاتم يخصه، ومن ثم ينبغي التسليم للأوصياء كلٌ في وقته، فهو يعمل بما يريده الله سبحانه منه حتى وان لم يستوعب أصحابه فعله، ومن هنا كان النجاة في التسليم لا غير وإلا الرد على الله والعياذ بالله. إن الإمام الصادق ع سكت عن ما بعد الإمام الثاني عشر من أوصياء رسول الله محمد ص وقال للسائل: (حسبك) أي كفاك الآن، ومن ثم يحق لنا التساؤل من أين جاء حصر آل محمد الأوصياء ص بـ (12 فقط)، في حين أن المطالع لوصية رسول الله - كما سيتضح بعد قليل - يجد أنها تشير بوضوح إلى حقيقة أخرى، وتقديس الرقم المذكور وإن كان حق في وقته ولكن بعد رفع (حسبك) ومجيء وقت بيان الوصية المقدسة التي تحدد الأوصياء من بعد رسول الله والى يوم القيامة يكون التشبث به - أي بالرقم المذكور - وجحود داعي الحق منهم حتى وإن ثبت بقانون الله في حججه المتقدم كتشبث إبليس بالسجود لله فقط وعدم قبوله بالسجود لآدم رغم أن الذي يدعي السجود إليه - وهو الله تبارك وتعالى - هو من أمره بذلك. لا يفوتني أيضاً أن أشير إلى أن الإمام الباقر ع لما فض خاتمه كان بعض ما وجد فيه (واصطنع الأمة)، وقد ورّث ابنه الإمام الصادق ع ذلك العلم الذي يصطنع به أمة جده المصطفى ص ، ولكن السؤال من هم أمة رسول الله الذين وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾([31]) ؟ والجواب: هم أصحاب القائم ع فـ (هم الأمة المحمدية الحقيقية، وهم: الثلاث مائة والثلاث عشر، والوسط هو: (الصراط المستقيم وهو المهدي الأول)؛ لأنه وسط بين الأئمة والمهديين، فالأمة الوسط هم أتباع المهدي الأول، وأنصار الإمام المهدي ع، وهم أيضاً (خير أمة أخرجت للناس) ، بل و (خير أئمة)؛ لأنهم قادة) ([32]). وإذا اتضح أن الأمة الوسط التي يصطنعها الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) هي أصحاب القائم ع وأنصاره، قد نعرف بذلك بعض سرّ التركيز على قضية الإمام المهدي ووصيه (عليهما السلام) وأنصارهم ومجمل ما يرتبط بدولة العدل الإلهي من قبل هذين الإمامين الهمامين (عليهما السلام). * * * الآن، وقد اتضح - باختصار - قانون الله تعالى في حججه وخلفائه في أرضه، هل يخشى بعد هذا امرؤ آمن بربه وبما سنّه من قانون أحكمه سبحانه غاية الإحكام وأتقنه غاية الإتقان وجعله بنحوٍ لا يخطئ أهله ولا يليق إلا بهم، هل يخشى ادعاءات الدجالين وتقولات المتقوّلين ؟ وهل يعذر من سار وراء إمام ضلالة وسيد قوم يقود أتباعه إلى جهنم وهو يظن بسيره خلفه انه يحسن صنعاً ؟ وبالمقابل أيضاً: هل يعذر من يتخلف عن نصرة داعي الحق بحجة كثرة الدعاوى الباطلة وانه قد التبس عليه الأمر ؟ المفروض أن لا يخشى الأول الوقوع في شراك إبليس وجنده، ولا يعذر الثاني بطاعته لسيده وكبيره كما حكاه لنا القران الكريم ([33])، ولا الثالث بتخاذله عن نصرة حجة الله وداعيه؛ ذلك أن مدعي الباطل خالي الوفاض من أيٍّ من مقومات الخلافة الإلهية وقانونه سبحانه في حججه على خلقه، يتضح ذلك بسؤاله: - أين الوصية الإلهية التي ذُكرتَ فيها من قبل الحجج السابقين عليك ؟ - أين علمك وإجابتك عن عظائم الأمور ؟ - أين أمرَ الله تعالى بطاعتك وإلامَ تدعو وقد رفعت رايتك ؟ هكذا وببساطة لمن تيقن بآيات الله وبيّناته في حججه على خلقه، فقانون الله في خلفائه صلوات الله عليهم رغم إحكامه وتحصينه من الاختراق من قبل الخلق كافة بأنسهم وجنهم غير الحجج الإلهيين فقط، إلا انه يدركه كافة الخلق بكل مستوياتهم، وبهذا تقام الحجة عليهم ﴿قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾([34])، فلا يعذر الذي سار وراء من يتوهمه كبيراً وتبين انه يقوده إلى جهنم، ولا الذي تخاذل عن نصرة داعي الحق لأي سبب كان يعتقد - حرصاً على دينه كما يسمع ذلك من قبل الكثير أو كثرة الفتن الموجبة للإيهام أو غير ذلك - وهو إلى ترك الدين أحق بالوصف منه إلى الحرص عليه؛ ذلك أن الدين هو شرعة الله سبحانه وقد أتمه واحكمه ونصب حججه وسلّحهم بقانونه، فأقام على خلقه به الحجة وبين لهم المحجة ولو سأل الخائفون أو المتخاذلون عن الالتحاق بركب حجج الله عند إعلان دعوتهم أنفسهم: هل ترك الله حججه بلا قانون يعرفون به ؟ الجواب: لا، بل وضع سبحانه كما تبين. وهل قانونه سبحانه يخُترق فيدعيه ويتصف به من ليس بحجة ؟ لا أيضاً. فالوصية الإلهية: هل ادعاها يوماً غير وصي، أو هل جاء وصي بلا وصية ؟ كذلك: لا. والعلم الإلهي: هل سلح الله تعالى به مدع كاذب ؟ لا. وهل أمر الله تعالى يوماً بطاعة غير حجته على خلقه؟ لا، تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً. إذن، ما عذر من تخلف عن نصرة داعي الحق إذا جاء في أي زمن وهو متصف بقانونه سبحانه في حججه وخلفائه، لا والله لا عذر لهم ولا عاذر. نعم، لا يبقى سوى الشك والعياذ بالله بقانون الله، ولسان حالهم يقول: من يقول إن الذي أتى بالوصية هو نفسه الشخص المذكور فيها ؟ وربما سؤال آخر: ما يجيب به - بل كل علمه الذي بينه - من يقول انه علم الهي وحكمة إلهية ؟ أما جواب التساؤل الأول، فللإنسان أن يطالع رسالات السماء ودعاتها من الأنبياء والأوصياء ويرى متى جاء أحد منهم من دون أن يوصي به الحجج السابقين بوصية تخصه وتبين وصفه واسمه للأمة اللاحقة، ومتى اخترق هذا الميزان يوماً - أي متى رفع مدّع كاذب وصية إلهية وقال هو ذا اسمي فيها - ليسمح الإنسان لنفسه ويعذر بشكه في انطباق الوصية المرفوعة من قبل داعي الحق والتي يشير فيها الحجة السابق إليه باسمه وصفته ؟! وهذا ما أجاب به الإمام الرضا ع علماء اليهود والنصارى لما بين لهم وصف جده رسول الله ص واسمه في كتبهم، فاقروا بالاسم والصفة ولكنهم شككوا في أن الموصوف هو جده ص، وهذا مقطع من محاججته ع مع جاثليق النصارى ورأس الجالوت وهي طويلة نأخذ طرفاً منها: (.. قال الجاثليق: صفه - أي رسول الله ص- قال: لا أصفه إلا بما وصفه الله هو صاحب الناقة والعصا والكساء ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾([35])، يهدي إلى الطريق الأفضل والمنهاج الأعدل والصراط الأقوم، سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله وكلمته هل تجد هذه الصفة في الأنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجاثليق ملياً وعلم إنه إن جحد الإنجيل فقد كفر، فقال: نعم، هذه الصفة في الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ص وقد صح في الإنجيل فأقررت بما فيه صفة محمد ص. فقال: فخد عليّ في السفر الثاني فأني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين ص، فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضاع عالم بالتوراة والإنجيل، فقالا: والله لقد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود الإنجيل والتوراة والزبور، وقد بشّر به موسى وعيسى (عليهما السلام) جميعاً، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون إنه محمدكم. فقال الرضا ع: احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد ؟ وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟ فأحجموا عن جوابه ..) ([36]). واحتجاجه ع يثبت حقيقة لا مفرّ لطالب النجاة من الإيمان بها وهي: إن ما يخص الحجج الإلهيين أنبياء كانوا أو أوصياء من ميزان به يعرفون لا يشاركهم به أحد من الخلق، وإن الوصية بهم لا تخترق أبداً فيدعيها غير صاحبها، ولذا قال ع: (فهل بعث الله من قبل أو بعد من آدم ..)، فجعل ع عدم ادعاء غير صاحب الاسم والوصف المذكور لهذا الوصف المقدس دليل كونه المقصود به بمجرد رفعه له وقوله انه صاحبه، ولا ينبغي مطالبته بالدليل بعد بيان حقه والوصية به، فهي دليل صدقه وبها يعرف كونه خليفة الله في أرضه، ومطالبة الآتي بها بالدليل بعد رفعه لها يعني جعل الوصية مستدلَّة في حين أن الله تبارك وتعالى أراد منها أن تكون دليلاً على صدق المدعي وبها يوزن حقه، إلا أن أصحاب المقاييس المقلوبة اليوم لما صاروا يرون الحق باطلاً وبالعكس جعلوا الوزن موزوناً والموزون وزناً، ولا أدري كيف يجرأ الإنسان فيجعل ما أراده الله وزناً موزوناً، وهل هذا إلا تحدٍ له سبحانه والعياذ بالله ؟! وأما جواب التساؤل الثاني - من يقول إنّ الحجة إذا استدل بعلمه وبينه للناس هو فعلاً حكمة وعلم الهي - فجوابه: إنّ كلام حجج الله نور وكلام غيرهم ظلمة، وما فيها من نور إن كان فهو من حجج الله، ويعتمد في سعته وضيقه على ما يستقيه المتكلم من نورهم صلوات الله عليهم وإخلاصه لهم، قال الإمام الهادي ع في الزيارة الجامعة في وصف كلام آل محمد ص: (كلامكم نور). أما إذا وصل الإنسان إلى حد لا يستطيع فيه التمييز بين نورهم وبين ظلمة غيرهم فهو بالحقيقة لا يستطيع التمييز بين ما هو من الله وبين ما هو من إبليس (لعنه الله)، وهذا هو التيه والضياع بعينه، ويا لها من مصيبة كبرى أن يصل الإنسان إلى تضييع ربه وخالقه وعدم معرفة نوره الآتي من حججه وخلفائه، والحال انه يدعي انه على نور الله وعلى صراط حججه، ولو كان فعلاً كذلك لعرف ما هو من الله، فمن تخفى عليه حكمة الحجج الإلهيين وعلمهم ميت القلب، وعودة الحياة إليه لا يكون إلا باللجوء إلى الله سبحانه، ومن لم يجعل الله له نوراً بسوء صنيعه وقبيح جرمه فما له من نور. ثم إنّ بإمكانه - إن كان له إمام يقتدي به حقاً - أن يراجع كلام حجج الله الماضين ويرى نوره ثم يرى حكمة وعلم داعي الحق اليوم، وينظر هل تعدو حكمته وعلمه حكمة وعلم حجج الله الطاهرين، أما من لا يرى نور الشمس؛ لأنه ربط عينه وأغمضها عمداً، ففي الحقيقة لا يلام إلا هو؛ لأنه أعمى عينه، ويبقى للنور أهله الذين يرونه بعين القلب والبصيرة بتوفيق الله لهم، وما ربك بظلام للعبيد. * * * -وهل جاء السيد أحمد الحسن ع بغير هذا ؟ السيد أحمد الحسن ع وصي ورسول الإمام المهدي ع إلى الناس كافة واليماني الموعود الذي وصفته روايات أهل البيت ص باسمه وصفته وعلمه وحكمته ومسكنه وكل ما يتعلق بأمره، وقد دعا الناس وأوضح لهم حقه وأبان لهم آياته ودلائله، أتاهم بقانون الله في حججه وخلفائه في أرضه، وعشرات الأدلة الأخرى. وسأعرض لذلك بإيجاز ومن أراد التفصيل فليراجع ما خطته يمين اليماني ع في تبيان حقه فيما احكمه من متشابهات وفيما عرض له من سير الأنبياء في اضاءات وباقي كتبه الشريفة، ويمين أنصاره أمثال كتاب: (الوصية والوصي أحمد الحسن) للشيخ ناظم العقيلي، و (اليماني حجة الله) للشيخ حيدر الزيادي، و (موجز عن دعوة السيد أحمد الحسن ع) للأستاذ عبد الرزاق الأنصاري وغيرها. أما الوصية المقدسة، فهي ما ورد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ص، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداًً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد فذلك إثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) ([37]). وبعد ورود هذه الوصية المباركة في المصادر الأساسية، وموافقتها كتاب الله الذي ينطق بوجوبها عند الوفاة، فلا عذر لمن يعتذر عن إتباع الوصي (أحمد) المذكور فيها باسمه وصفته سوى الشك في الانطباق بمعنى: مَن يقول انه نفسه أحمد الذي ذكره رسول الله ص في وصيته؟ والجواب: هو ما أجاب به الإمام الرضا ع جاثليق النصارى ورأس الجالوت كما تقدم لما شككا في أن صاحب الوصف المذكور في كتبهم هو لمحمد ص الذي يتحدث عنه الرضا ع، وهذا هو قولهم: (وقد بشّر به موسى وعيسى (عليهما السلام) جميعاً، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون إنه محمدكم) وهو كلام الكثيرين اليوم لما يروا الوصية المقدسة أو يسمعوا بها، ولكن التشكيك ليس في الموصي ص هذه المرة إنما في وصي من أوصيائه. وما أجاب به الرضا ع هو جوابهم، فنقول لمن يشك بأحمد ع وإنه المذكور في الوصية: (احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا وصياً اسمه أحمد وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير أحمد الحسن)، فان قبلتموه فاشكروا الله على ذلك، وإن رددتموه - كما يفعل الكثير اليوم - فليتبوأ الراد مقعده من النار؛ لأن الرد على حجج الله يعني الرد على الله سبحانه، وليس هذا فحسب بل يمسي الراد أخس من جاثليق النصارى ورأس الجالوت، فإنهما لا أقل أحجما عن جواب الإمام الرضا ع، أما ما يطلقه البعض من التعبير بضربها عرض الحائط أو أنها رواية متهالكة ويقصد بذلك الوصية المقدسة، ففيه من الجرأة على الله وحججه بل على سيد خلق الله طرّاً محمد المصطفى ص ما يعجز الفكر عن وصفه وتحمل وزره. هذا وهم يقرؤون أن الوصية من مختصات الأوصياء كما توضح هذا فيما سبق، وأضيف هنا أيضاً ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله ع، قال: سمعته يقول: (اللهم يا من أعطانا علم ما مضى وما بقى، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصنا بالوصية) ([38]). فكيف يسمح المرء - إن كان عاقلاً فعلاً - لنفسه في أن يتصور إتيان غير وصي بوصية وهي من مختصاتهم صلوات الله عليهم، والمختص بهم كما هو واضح لا يشاركهم به أحد غيرهم وإلا صار مشتركاً لا مختصاً، وهل عاقل من يقول غير هذا ؟! ولكنه المراء والجدال بالباطل وهم يعلمون. ومما يؤكد صدور الوصية المقدسة من الرسول الأكرم ص ليلة وفاته بعد القرائن القرآنية([39]): عن الإمام موسى بن جعفر ع، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: أليس كان أمير المؤمنين كاتب الوصية ورسول الله ص المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون ص ؟ قال: فأطرق طويلاً ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله ص الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً نزل بها جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرائيل: يا محمد مُر بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منّا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها - يعني علياً ع - وفاطمة فيما بين الستر والباب) ([40]). عن سليم بن قيس الهلالي،قال الإمام علي ع لطلحة: (ألست قد شهدت رسول الله ص حين دعا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إن نبي الله يهجر، فغضب رسول الله ص ثم تركها ؟ قال: بلى، قد شهدت ذلك. قال: فإنكم لما خرجتم اخبرني بذلك رسول الله ص بالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة فأخبره جبرئيل: إن الله ( قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة، ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاث رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين - كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد، فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله ص .. ) ([41]). وأما الاثنا عشر مهدياً والأوصياء من ذرية الإمام المهدي ع فلم تنفرد بذكرهم الوصية المقدسة، بل أشارت لهم روايات كثيرة وردت عن أئمة الهدى ص، هذه بعضها: عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله ع في حديث طويل أنه قال: (يا أبا حمزة، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([42]). عن أبي بصير، قال: (قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك ع أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً، فقال: إنما قال: اثنا عشر مهدياً ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([43]). عن أبي عبد الله ع: (إن منا بعد القائم ع اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع)([44]). عن حبة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين ع إلى الحيرة، فقال: (لتصلن هذه بهذه - وأومأ بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأن مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه إثنا عشر إماماً عدلاً، قلت: يا أمير المؤمنين، ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ ؟! قال: تبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب، وأومأ بيده نحو البصريين والغريين)([45]). وعن أبي الحسن الضراب في الصلاة التي رواها عن الإمام المهدي ع، وفيها: (اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ... وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير) ([46]). وعن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، أنه كان يأمر بالدعاء للحجة صاحب الزمان ع، فكان من دعائه له صلوات الله عليهما: (اللهم صل على محمد وآل محمد، وادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ..... اللهم فصل عليه وعلى آبائه وأعطه في نفسه ووَلَدِه وأهله وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها ... اللهم وصل على ولاة عهوده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وانصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم أمر دينك، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً وصل على آبائه الطاهرين الأئمة الراشدين) ([47]). عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، قالا في ذكر الكوفة: (فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين) ([48]). وعدد القوام بعد الإمام المهدي ع هو اثنا عشر، إلا أن أولهم موجود في زمن الظهور المقدس وهو وصي الإمام المهدي ع وأول مؤمن به وأول مقرب إليه ورسوله إلى الناس والممهد لدولة العدل الإلهي، وهناك الكثير من الروايات التي أشارت إلى الحقيقة التي بينتها الوصية المقدسة. * * * -العلم والحكمة وأما العلم والحكمة - فقرة القانون الإلهي الثانية في حججه سبحانه - فهو الآخر قد توفر عليه داعي الحق أحمد الحسن ع، وليست هي مجرد دعوى فحسب، بل بإمكان الباحث الطالب عن الحق أن يرجع إلى ما خطه يراعه الشريف، وهذا بعضه: 1- التوحيد. 2- المتشابهات .. في أربعة أجزاء. 3- رحلة موسى إلى مجمع البحرين. 4- اضاءات من دعوات المرسلين .. في ثلاثة أجزاء. 5- العجل .. في جزءين. 6- النبوة الخاتمة. 7- الجهاد باب الجنة. 8- شيء من تفسير الفاتحة. 9- التيه أو الطريق إلى الله. 10- حاكمية الله لا حاكمية الناس. 11- الجواب المنير .. في ثلاثة أجزاء. وغيرها من الرسائل والبيانات والخطب والأجوبة مما أوضح فيه علمه وحكمته التي يجد وضوحها القارئ كالشمس في رابعة النهار. على أن ما كتبه أنصاره من عشرات المؤلفات التي تثبت الحق بأدلته التي أرادها الله سبحانه فالحق فيها مستقىً من علمه ع، وبإمكان الباحث الرجوع إليها ليقف على حقيقة الأمر. عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين في إحداهما يرجع فيها إلى أهله، والأخرى يقال: في أي واد سلك، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال: إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله) ([49]). فإجابة مدعي الحق على العظائم طريق لمعرفة حقه والإيمان به وصدقه في دعواه، والمدعي هنا ليس هو الإمام المهدي ع كما هو واضح؛ فإن إمامته ثابتة وحالها في الغيبة والظهور سواء، بينما تكون الإجابة من مدع الحق في الرواية - ولأجل تمييزه عن مدعي الباطل وهم كثر - دليل صدقه، هذا ولكن الأمة ومنذ سنين مديدة تثقف وبكثافة على رفض كل دعوة لها اتصال بالإمام المهدي ع، رفضها لأجل أنها دعوة ومن دون نظر إلى الدليل لا إثباتاً ولا نفياً، وها هي اليوم تجني فساد تلك التربية البعيدة عن منهج أهل البيت ص في القبول والرفض وتصطدم برفض داعي الحق الموعود بحجة أن هناك قبله من ادعى، وكأنّ دين الله وخلفائه وحججه بلا موازين، وأنّ الأمور اختلطت إلى حدٍ لم يعد للتمييز بين حجة الله وبين الدجالين مجال ؟!! ومثل هذا التصور فيه من الجرأة على الله وحججه ودينه ما فيه، وقد بان فيما سبق بقانون معرفة الحجة - وبما سيأتي من البيان - أن للحجج الإلهيين قانون محكم لا يتخلف أبداً، وأنّ قضية الحق وداعيه اليوم السيد أحمد الحسن ع واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لكل ذي بصيرة. وكما كان العلم أحد موازين معرفة حجج الله فيما مضى، فعن أبي سعيد الخدريّ، أنّه قال: (إنّ سلمان قال: قلت لرسول الله ص: لكلّ نبي وصي، فمَن وصيّك ؟ فسكت عَنّي، فلمّا كان بعد رآني فقال: يا سلمان؛ فأسرعت إليه وقلت: لبّيك، فقال: تعلم مَن وصيّ موسى ؟ قلت: نعم، يوشع بن نون، فقال: لِمَ ؟ قلت: لأنّه أعلمهم يومئذٍ، قال: فإنّ وصيّي وموضع سرّي وخير مَن أُخلّف بعدي ينجز موعدي ويقضي دَيني، عليّ بن أبي طالب) ([50]). فكذلك اليوم قد توفر عليه داعي الله، وبضمّه إلى الوصية المقدسة ورفعه لراية البيعة لله ورفض حاكمية الناس بكل صورها يكتمل القانون الإلهي في الحجج الإلهيين في السيد أحمد الحسن ع، والحمد لله الذي يخلق ويصطفي لرسالاته من يشاء من خلقه. * * * -وقفة مع المقصود بـ (صاحب الأمر) و (القائم): عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: قلت لأبي عبد الله ع: بم يُعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: (بالسكينة والوقار والعلم والوصية) ([51]). وكون أئمة الهدى من آل محمد ص كلهم يعرفون بذلك أمر لا ريب فيه، فمطلق الإمام منهم يعرف بما ذكر. عن الحارث بن المغيرة، قال: قلت لأبي عبد الله ع: بأي شيء يعرف الإمام؟ قال: (بالسكينة والوقار، قلت: وبأي شيء؟ قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله ص، قلت: يكون إلا وصياً ابن وصي؟ قال: لا يكون إلا وصياً وابن وصي) ([52]). ولكنا لسنا بصدد الكلام عن مطلق الإمام منهم روحي فداهم، بل عن خليفة الله اليماني احمد الحسن ع بالخصوص، والذي وصفه الإمام الباقر ع، فقال: (.. وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)([53]). يقول السيد أحمد الحسن ع في الاستدلال بها على حقه ما هذا نصه: (وفيها: أولاً: (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار): وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجة على الناس بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين. ثانياً: (أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق والطريق المستقيم أو الصراط المستقيم تعني أن هذا الشخص لا يخطأ فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق، أي إنه: (معصوم منصوص العصمة)، وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني، أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) فانه يجعل هذا الكلام منهم ص بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني وحاشاهم ص من ذلك. النتيجة مما تقدم في أولاً وثانياً: إن اليماني حجة من حجج الله في أرضه ومعصوم منصوص العصمة، وقد ثبت بالروايات المتواترة والنصوص القطعية الدلالة إن الحجج بعد الرسول محمد ص هم: الأئمة الإثني عشر ص وبعدهم المهديين الإثني عشر، ولا حجة لله في الأرض معصوم غيرهم، وبهم تمام النعمة وكمال الدين وختم رسالات السماء. وقد مضى منهم ص أحد عشر إمام، وبقي الإمام المهدي ع والإثنى عشر مهدياً، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي ع فلابد أن يكون اليماني أول المهديين؛ لأن الأحد عشر مهدياً بعده هم من ولده: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([54])، ويأتون متأخرين عن زمن ظهور الإمام المهدي ع، بل هم في دولة العدل الإلهي، والثابت أن أول المهديين هو الموجود في زمن ظهور الإمام المهدي ع، وهو أول المؤمنين بالإمام المهدي ع في بداية ظهوره وتحركه لتهيئة القاعدة للقيام كما ورد في وصية رسول الله ص، ومن هنا ينحصر شخص اليماني بالمهدي الأول من الإثني عشر مهدياً...) ([55]). وإذا كان اليماني حجة وخليفة لله في أرضه بالبيان أعلاه فانه يعرف بما عرف به آل محمد، وقد أوضح الإمام الصادق ع بالحديثين المتقدمين وغيرهما مما ورد عن أئمة الهدى ص بم يعرف الإمام منهم صلوات الله عليهم، وعليه فما ورد في حقهم من بعض الألقاب والصفات يأتي في أحمد ع، كيف وهو وصي من آل محمد كما أشارت له الوصية المقدسة والوصي يعرف بما عرف به مَن سبقه من الأوصياء، فـ (القائم) أو (صاحب الأمر) يطلق عليهم وفي هذا أحاديث كثيرة هذا شاهد منها: عن محمد بن سنان، عن الحسن بن الحسن في حديث له، قال: (قلت لأبي الحسن موسىع: أسألك؟ فقال: سل إمامك، فقلت: من تعني، فاني لا أعرف إماماً غيرك؟ قال: هو علي ابني قد نحلته كنيتي، قلت: سيدي أنقذني من النار، فإن أبا عبد الله قال: إنك القائم بهذا الأمر! قال: أو لم أكن قائماً؟ قال: يا حسن، ما من إمام يكون قائماً في أمة إلا وهو قائمهم، فإذا مضى عنهم فالذي يليه هو القائم والحجة حتى يغيب عنهم، فكلنا قائم فاصرف جميع ما كنت تعاملني به إلى ابني علي، والله والله ما أنا فعلت ذاك به، بل الله فعل به ذاك حباً) ([56]). وعن أبي عبد الله ع في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى﴾([57])، قال: (نحن والله أولي النهى، ونحن قوام الله على خلقه وخزانه على دينه ...) ([58]). وكذلك كلهم ص أصحاب الأمر والأحق به، وفي ذلك قال أمير المؤمنين ع: (يا معاشر المهاجرين والأنصار، الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، وتدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس، يا معاشر الجمع، إن الله قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون إنّا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم...) ([59]). وما هم ص أحق به وأصحابه فابنهم اليوم صاحبه أيضاً وأحق به كما أن الإمام المهديع كذلك صاحبه، فوصف (صاحب الأمر) كما يطلق على الإمام المهدي ع يطلق أيضاً على وصيه (أحمد ع)، والسؤال: كيف يمكن التمييز بين الرواية التي تخص الإمام وبين التي تخص الوصي، فهل من قاعدة تفيد في التمييز؟ والجواب: ما أجاب به السيد أحمد الحسن ع حول سؤال وجّه إليه حول هذا الموضوع، ومفاده: (لو أن هناك قاعدة لما قال الإمام الباقر ع: (لا والله لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) .. صاحبها يعرفها، ثم إن كلامهم ينطبق بعض الأحيان على الاثنين معاً ([60])). والرواية التي ذكرها ع هذا تمام نصها: عن مالك الجهني، قال: قلت لأبي جعفر ع: إنّا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس، فقال: (لا والله لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) ([61]). وإذا كان صاحبها هو الذي يعرفها، وقد أوضح الإمام الباقر ع هذه الحقيقة في حديثه، فما بال القوم ينكرون ذلك ويقولون باختصاص كل الروايات التي ورد فيها (صاحب الأمر) أو (القائم) بالإمام المهدي ع، والحال أنهم يعرفون أن هذا لا يستقيم في أحاديث كثيرة، هذه نماذج منها: عن أبي عبد الله ع: (قال صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا كافر) ([62]). في حين أننا نجد أن الإمام المهدي ع قد سموه آباؤه الطاهرون باسمه وكذلك شيعتهم، ولما كان ذلك أمر واضح صار العلماء بصدد توجيه ذلك والتوفيق بين كفر من سمى صاحب الأمر وبين تسمية الإمام المهدي ع من قبل آبائه وشيعتهم، فحمل البعض رواية تحريم ذكر الاسم على انه مختص بزمان الظلمة من بني العباس وغير ذلك مما ذكروه من توجيهات. ولكن بعد أن يتضح - كما يأتي بعد عرض الروايات - من المقصود بصاحب الأمر في الرواية لا نكون بحاجة إلى ما ذكر من توجيهات لا دليل عليها. عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله أمره في ليلة واحدة) ([63]). وأيضاً صاحب الأمر هنا ليس هو الإمام المهدي ع؛ لأن أمه السيدة نرجس ص وهي بنت قيصر الروم وحفيدة الوصي شمعون، وبشرتها ليست سوداء كما هو معلوم. عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع أنه قال: (صاحب هذا الأمر هو الطريد الفريد الموتور بأبيه، المكنى بعمه، المفرد من أهله، اسمه اسم نبي) ([64]). والإمام المهدي ع ليس مكنى بعمه، بل المكنى بعمه هو من يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر. فعن عيسى الخشاب، قال: قلت للحسين بن علي ع: أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: (لا، ولكن صاحب هذا الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر) ([65]). ومن يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ليس هو الإمام المهدي ع بل هو رجل من أهل بيته يخرج قبله بالمشرق، عن أمير المؤمنين ع إنه قال: (... يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت) ([66]). وليس قبل ظهور الإمام المهدي ع إلى الناس احد من أهل بيته يمهد له ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر سوى ابنه وأول مؤمن به ووصيه وخليفته. فعن ثوبان، قال: قال رسول الله ص: (يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا تصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لا يقاتله قوم، ثم ذكر شيئاً (شاباًً) فقال: إذا رأيتموه فبايعوه، فإنه خليفة المهدي) ([67]). عن أبى بصير، قال: سمعت أبا جعفر الباقر ع يقول: (في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب، قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة، قلت: وما سنة محمد ص؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله ص إلا أنه يبين آثار محمد ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى رضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله ؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة) ([68]). ولسنا بحاجة إلى مزيد توضيح لنثبت أنّ المقصود بصاحب هذا الأمر هنا ليس هو الإمام المهدي ع باعتبار أنه لا يسجن كما هو معلوم، وقد توضح مَنْ يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر فلا نعيد. عن شعيب، عن أبي حمزة، قال: (دخلت على أبي عبد الله ع فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا، قلت: فولدك؟ قال: لا، قلت: فولد ولدك؟ قال: لا، قلت: فولد ولد ولدك؟ قال: لا، قلت: فمن هو؟ قال: الذي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً، لعلى فترة من الأئمة يأتي كما أن رسول الله ص بعث على فترة من الرسل) ([69]). وغير خافٍ أن الإمام المهدي علم يأتِ ويبعث على فترة من الأئمة ص، وإنما بعث بالإمامة بعد شهادة أبيه الإمام العسكري ع مباشرة، وظهوره ع بعد إذن الله تعالى ليس بعثاً بالإمامة من جديد؛ إذ هو إمام في غيبته ومن شك في ذلك فقد كفر بل هو ظهور بعد الغياب، فمن هو صاحب الأمر الذي يبعث على فترةٍ كجده رسول الله ص؟ عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر ع: (جعلت فداك إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً أو تجيبني فيما أسألك عنه، فقال: يا حمران، سل تجب، ولا تبعّض دنانيرك، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: لا، قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي؟ فقال: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى) ([70]). وقوله ع: (رحم الله موسى)، أي موسى بن عمران ع فإنه طويل وأسمر وعريض ما بين المنكبين، ولذا ورد هذا الوصف في روايات أخرى، منها: ما عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله ص، أنه قال: (المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدري، اللون لون عربي الجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً) ([71]). وإذا كان الإمام المهدي ع شبيه جده رسول الله ص، فرسول الله ص معلوم وصفه بقول أمير المؤمنين ع: (كان حبيبي رسول الله ص صلت الجبين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى الأنف، دقيق المسربة، كث اللحية، براق الثنايا، كأن عنقه إبريق فضة، كان له شعيرات من لبته إلى سرته ملفوفة كأنها قضيب كافور لم يكن في بدنه شعيرات غيرها، لم يكن بالطويل الذاهب ولا بالقصير النـزر ...) ([72]). وهذا نموذج من الروايات التي وصفت الإمام المهدي ع: (... ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة مدور الهامة صلت الجبين أزج الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر ...) ([73]). وعن إبراهيم بن مهزيار - وذكر قصة طويلة في بحثه عن صاحب الأمر ع - بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري ع، حتى لقي صاحب الأمر ع ووصفه فيما وصفه بـ : (أنه ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدين، أقنى الأنف، أشم أروع كأنه غصن بان، وكأن صفحة غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال، كأنه فتاتة مسك على بياض الفضة، فإذا برأسه وفرة سحماء سبطة، تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه، ولا أعرف حسناً وسكينة وحياءً) ([74]). إذن، هناك وصفان، احدهما: للإمام المهدي ع، والآخر: لشخص آخر وقد عبر عنه بصاحب هذا الأمر والقائم به أيضاً، والوصفان مختلفان كما هو واضح، فمن هو صاحب الوصف الآخر الذي ذكره الإمام الباقر ع وهو يصف صاحب هذا الأمر والقائم به غير من ورد ذكره في وصية رسول الله ص وروايات الأئمة الطاهرين ص، إنه وصف للمهدي الأول - أحمد ع - القائم المخفي الاسم حتى يأذن الله. عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده ص، قال: (قال أمير المؤمنين ع - وهو على المنبر - : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان، شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي ص، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها مابين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالي قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه) ([75]). والوصف وإن كان هو للإمام المهدي ع، وهو القائم ذو الاسم المعلن (محمد) من قبل آبائه الطاهرين، إلا أن هناك اسم يخفى وهو (أحمد) وهو اسم وصيه وابنه - كما في الوصية المقدسة - ويكون ظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن ع للأمة به في أول أمره، ولذا صار هو الداعي إليه والآخذ البيعة من الناس له. فعن حذيفة قال: سمعت رسول الله ص - وذكر المهدي - فقال: (إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) ([76]). ولو نظرنا إلى أسماء (المهدي) الآخذ البيعة من الناس وعرضناها على الوصية المقدسة لوجدناها أسماء خصها رسول الله صبأول المهديين وأول المؤمنين بالإمام المهدي ع وهو أحمد ابنه ووصيه، ولما كان ظهور أمرهم ص بالرجل منهم أو بولده ورد عن الإمام الصادق ع قوله: (إذا قلنا في رجل قولاً، فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك، فإن الله تعالى يفعل ما يشاء) ([77]). عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عمر الكاتب، عن علي بن محمد الصيمري، عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر ع أسأله عن الفرج، فكتب إليّ: (إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج) ([78]). وأيضاً صاحب الأمر هنا هو وصي الإمام المهدي ع وابنه لا نفس الإمام، فانه ع غاب منذ مئات السنين عن دور الظالمين وقد اخبر أئمة الهدى بطول غيبته لا أن الفرج بعد غيبته، في حين أن وصيه وابنه ع قد ورد في حقه غيبة عن دور الظالمين ولا تطول إن شاء الله كما اخبر الإمام أمير المؤمنين ع في حديثه للاصبغ بن نباتة. عن ابن أبي يعفور، قال: قال لي أبو عبد الله ع: (أمسك بيدك هلاك الفلاني وخروج السفياني، وقتل النفس، وجيش الخسف، والصوت، قلت: وما الصوت، هو المنادي؟ قال: نعم، وبه يعرف صاحب هذا الأمر) ([79]). وسيأتي في بحث صيحة الحق وصيحة إبليس (لعنه الله) في (الفصل الأول) من هو المنادى باسمه في النداء الإلهي، فإنه طريق لمعرفة صاحب الأمر والاهتداء إلى صاحب أهدى الرايات، وسيتضح هناك أنه الوصي أحمد ع. عن المفضل بن عمر، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: ما علامة القائم؟ قال: إذا استدار الفلك، فقيل: مات أو هلك، في أي واد سلك، قلت: جعلت فداك ثم يكون ماذا؟ قال: لا يظهر إلا بالسيف) ([80]). أما استدارة الفلك فقد فسّره الإمام الصادق ع في كلامه باختلاف الشيعة بينهم ([81])، ويترتب على هذه العلامة القول عن القائم بـ (مات أو هلك؟ في أي واد سلك؟)، وهذا الترتب يعرف بقول الإمام: (فقيل)، إذ الفاء تدل على الترتب بلا تراخي كما هو معلوم، بمعنى أنّ القول المذكور يقال بعد حدوث الاختلاف بين الشيعة، ثم بعد هذا لا يبقى إلا الظهور بالسيف. وواضح أن الأمة وإن كانت قد قالت ما يشبه هذا عن الإمام المهدي ع بعد غيبته الصغرى ولكن لم يكن بعده ظهور بالسيف، وأما بعد طول غيبته الكبرى وامتدادها فلا يكون ظهوره مباشرة بالسيف دون أن يسبقه مجيء اليماني قبله، ودعوته إليه كما أكدته روايات الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، فبقي أن الذي يكون ظهوره بالسيف بعد أن تختلف الشيعة ويقال عنه: مات أو هلك في أي واد سلك هو القائم أحمد ع، وقد قيل عنه ذلك فعلاً، ولم يبقَ إلا ظهوره بالسيف، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم إن القول بموت الإمام المهدي ع باللسان لا يتوقع صدوره من فقهاء السوء برغم أن أفعالهم دالة على ذلك؛ إذ فيه نقض لمشروعهم الشيطاني في بناء مؤسسة الفساد والإخطبوط الظالم الذي يعد الجانب المالي فيه رأس الحربة الطاعنة في خاصرة الحق، فضرورة الحديث عن آل محمد ص والدعوة الشكلية للإمام المهدي ع تحديداً باقية ببقاء المشروع التجاري بدين الله، لذا لا تستغرب أن يُقرأ حديث عن آل محمد أو يُستخدم الحسين ع ويتاجر بدمه الطاهر ضمن الدعوة للانتخابات أو حاكمية الناس وتحشيد الآراء؛ لتتسلق من خلاله اللصوص ساسة كانوا أو فقهاء - إذ الطرفان في نهاية الأمر طالبا سلطة ورئاسة لا أكثر - للحكم بآراء الناس إن كانوا ساسة، أو بما يسمى بأهل الخبرة الشبيه بمجلس الستة لمؤسسه عمر بن الخطاب إن كانوا فقهاء ([82])، هذا والحسين ع لم يقتل هو والطاهرين من أهل بيته وصحبه وتسبى عياله إلا لترسيخ حاكمية الله ورفض حاكمية الناس المؤسَّس لها من الجبت والطاغوت لعنهما الله يوم السقيفة السيئ الصيت. نعم، هم قالوا نص ما ورد في الرواية - مات أو هلك؟ في أي واد سلك - عن وصي الإمام المهدي ع ورسوله إلى الناس واليماني الموعود السيد أحمد الحسن ع، وها نحن نسمعها منهم ومن أتباعهم كل يوم، ويؤكد اختصاص الرواية به - أو لا أقل شمولها له ولأبيه (عليهما السلام) - هو ما قاله الإمام الصادق ع في آخر الرواية الشريفة لمّا قال له المفضل: جعلت فداك ثم (أي بعد اختلاف الشيعة وقولهم بموت القائم أو سلوكه في أي وادي) يكون ماذا؟ فقال: (لا يظهر إلا بالسيف)، وقد اتضح فيما سبق من عرض للروايات الشريفة من يحمل السيف، فتأمل. وأيضاً مما يؤكد إطلاق (القائم) على وصي الإمام المهدي ع في وصية رسول الله صوهو ولده أحمد ع هو: 10- عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر ع: خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد ص محتوم..) ([83]). وواضح أنّ خروج القائم ع في الرواية ذُكر ضمن العلامات الحتمية للإمام المهدي ع، وهو نفسه صاحب المواصفات والخصائص التي تقدم ذكرها، وغيرها من الروايات الشريفة. كان هذا عرض موجز لبعض ما ورد في تبيان حقيقة (صاحب الأمر) المخفي الاسم (أحمد)، وهناك الكثير من الروايات أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة. * * * وباتضاح ذلك يعرف من المقصود بصاحب الأمر الذي (يبعث) في آخر الزمان والذي حدد أهل البيت ص كل ما يسهم بالتعرف عليه ونصرته وما يرتبط بأمره من بيان اسمه وصفاته الجسمانية ومسكنه وأمثال ذلك، وكان على رأسها اشتماله على القانون الإلهي في حججه، وإليك بعض ما ورد في ذلك: عن أبي عبد الله ع - في حديث طويل - قال: (يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله ص ووصيته) ([84]). فـ (لا تكون في غيره) يعني ما قلناه من اختصاص الحجج الإلهيين بخصائص لا يشاركهم فيها غيرهم من الناس، وهي بحسب الرواية الشريفة: إنه أولى بالذي قبله من الحجج ووصيه، أولى به بكل ما أتى به من ربه، وراية البيعة لله - أي حاكمية الله سبحانه - من ضمن ما أتى به آل محمد ص بل كل حجج الله وخلفائه. عنده سلاح رسول الله ص، وهو العلم والقرآن. وعنده وصية رسول الله ص. اعرفوا ذلك ثم اعرضوا هذه الخصال على أحمد ع اليوم تجدوه أولى بالإمام المهدي ع؛ لأنه ابنه ووصيه الوارث له بنص الوصية المقدسة، وهو الذي توافر على سلاح رسول الله ص من علم بالقرآن وبعظائم الأمور وبكل ما تحلى به حجج الله وما اختصهم به من علم الهي، وكتبه ع شاهدة بذلك، ومعه أيضاً وصية جده المصطفى ص، فماذا تريدون بعد هذا؟!! وعن أبي الجارود، قال: قلت لأبي جعفر ع: إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت فبأي شيء يعرف من يجيء بعده؟ قال: (بالهدى والإطراق، وإقرار آل محمد ص له بالفضل، ولا يسأل عن شيء إلا بيَّن) ([85]). وكيف لا يعرف (أحمد ع) بالهدى وهو - كما توضح - صاحب أهدى الرايات وقد وصفت رايته بالهدى في قول الإمام الباقر ع، وقد أقر آل محمد ص له بالفضل وهو واضح لمن يطالع وصية رسول الله ص والعشرات من روايات الطاهرين ص، وأيّ فضل اختص به داعي الله اليوم وسيد خلق الله وحججه ص قد خصّه بالذكر باسمه وصفته في وصيته المقدسة، كما أنّ العلم فاض من جوانبه لأنصاره وغيرهم وقد بيَّن من عظائم الأمور ومتشابهاتها بل ما كل ما يُسأل عنه تماماً كما وصف. * * * وأما راية الحاكمية لله أو البيعة لله - فقرة القانون الإلهي الثالثة في حججه وخلفائه سبحانه - فهو الآخر متوفر عليه السيد أحمد الحسن ع، فبعد أن كان دين الله سبحانه هو حاكمية الله التي ضحى لأجلها جميع الأنبياء والمرسلين والأوصياء وكان الإمام الحسين ع شاهداً ماثلاً وحياً إلى يوم القيامة، وهو أمر ثابت في مذهب أهل البيت ص ولا أظن أنّ أحداً يدعي الانتساب لهم ويجادل في هذا، تنازل عنها - أي حاكمية الله - فقهاء السوء وانضموا إلى من سبقهم - وهم فريق البشرية الأكبر دائماً - بالقول بالانتخابات وحاكمية الناس وهي بالاتجاه المعاكس لما يريد الله سبحانه. في عام (1920) اعتبر علماء الشيعة المشاركة بالانتخابات ضلال وانحراف، فما عدا مما بدا، هل أصبحت هدى الآن !! كلا والله، ولكنها رحمة الله بالناس أن جعل أمر الحق محصور وبيّن بداعي الله تيسيراً منه سبحانه على خلقه لاجتياز الامتحان بخليفته (أحمد الحسن ع) عند بعثه ودعوته الناس إلى الحق والصراط المستقيم ورفعه - وحده ووحده فقط - حاكمية الله منهجاً يدعو الناس إليه. وعجب ضلال الناس بعد هذا اللطف الإلهي الكبير، وهل يجدون الهدى في مكان آخر غير السيد أحمد الحسن ع ليشتبه عليهم الأمر؟! وهل يجدون الآخرين غير مصرحين بالباطل وهم يصرخون: (حاكمية الناس)؟! الكل ولا يوجد منهم شاذ، حتى هؤلاء السفهاء الذين يدّعون أنهم يدعون للإمام المهدي ع فهم بين مشارك ومؤيد للانتخابات وحاكمية الناس. وأعجب منه أن يقابل الإنسان هذه الآية العظيمة الدلالة على حجته سبحانه بالاستهزاء والاستخفاف، وكم هو لؤم الإنسان مع ربه الكريم والرحيم به. نعم، على الناس أنّ تعرف أن الحق في هذا الزمان محصور بشخص واحد، وصاحبه وحده فقط يرفع حاكمية الله شعاراً ونهجاً إلهياً يدعو إليه، فلا يحتاج الإنسان إلى شيء لمعرفة الحق وداعيه سوى أن يعرف أنّ دين الله هو حاكمية الله، فينظر إلى أصحاب الرايات المرفوعة ويرى راية الحق الوحيدة بينها وعلامتها الدعوة إلى حاكمية الله ليعرف صاحبها الموعود، كيف وهي علامته، ولهذا قالوا ص وهم يتحدثون عن رايتهم الحقة في آخر الزمان: (أبين من الشمس)؛ لأن صاحبها محصور بشخص ولا يوجد غيره. وها انتم ترون الكل اليوم دعاة لحاكمية الناس، والحمد لله لم يقل احد بحاكمية الله غيره، فهل تجدون هذا امتحان صعب أيها الناس؟! حتى أنّ المسألة بالنسبة لطالب الحق في بحثه في دعوة الحق اليوم لا تحتاج إلى بحث وتحقيق ولا روايات ولا شيء آخر، فقط أن يعرف أنّ دين الله هو حاكمية الله، ثم البحث عن صاحبها وتشخيصه من بين الرايات المرفوعة. وإذا كان سبحانه يريد أن يعبد في أرضه ويحقق دينه وشريعته، فالحكمة تقول إن يرسل هادياً ليحفظ الدين ويعيد للأمة صوابها بعد انحراف الكل عن صراط الله، بل لا معنى للقول بعدم وجود الهادي، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾([86]). ثم ما هي علة وجود الرسل والحجج بين الناس واتصالهم بهم؟ إذا كانت الهداية إلى الحق فهل الناس الآن - خصوصاً كبارهم من أدعياء العلم - مستغنون عن الهادي، وبمن؟ ثم الذي أتى - أي السيد أحمد الحسن ع- ألم يبين أنهم في ضلال وانحراف، فلينظروا ما أتى به، بل هم قبله مختلفون في المنهج الحق، فمنهم الأخباريون والأصوليون والشيخية وغيرهم ربما، بل الأصوليون مختلفون فيما بينهم أيضاً، فأين الحق؟ إذن، هناك حاجة للهادي، فما هو المانع من إرساله، مع أن الحكمة تقول بإرساله خصوصاً مع وجود المستقبل، أم تنوون تحديد رحمة الله وانتم اليوم تقفون عثرة - وأي عثرة - أمام الناس للإيمان بالحق، وإنا لله وإنا إليه راجعون. * * * إنّ الحقيقة التي لابد أن تقال إنّ البحث فيما يرتبط بدعوة الحق اليوم وما أشار به الطاهرون إلى قائدها أحمد ع لَيثقل كاهل الباحث وهو يسبر أغوار بحر علومهم ورواياتهم، ومن ثم ليس بوسعي سوى الاعتذار إلى الله من التقصير وأنا بصدد التمهيد للكلام عن المعترضين، وسأكتفي بعد الذي تقدم بالإشارة باختصار ([87]) إلى دليلين يرشدان إلى القائم المخفي الاسم بنص كلام آبائه الطاهرين؛ هما: الرؤيا والاستخارة، فقد استهزأ بهما القوم رغم أنهما آيتين إلهيتين تعرِّفان بصاحب هذا الأمر والقائم به. -أولاً: الرؤيا وصاحب الأمر: لا شك أن الرؤيا ذات قدر شريف عند حجج الله وخلفائه في أرضه، كيف وقد وصفها الحق سبحانه بأنها (أحسن القصص)، قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ ([88])، فسمّى ( رؤيا يوسف ع بأحسن القصص وجعل تأويلها علامة على نبوته، ومدح خليله إبراهيم ع لتصديقه بها، قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ ([89]). وذمّ من كذّب بها وسماها أضغاث أحلام، قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ ([90])، ولم يرد التعبير عنها بـ (أضغاث أحلام) - كما هو الرائج اليوم - الا من قبل المنكرين والمتكبرين على الحق اذا جاءهم، قال ملأ فرعون وزبانيته عنها: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ﴾ ([91]). ولما كانت رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام كلم به الرب عبده كما في الحديث الشريف ([92])، اهتم بها الرسول الأكرم ص غاية الاهتمام. عن الإمام الرضا ع، قال: (إن رسول الله ص كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشرات، يعني به الرؤيا) ([93]). ومن لطف الله سبحانه بعبده المؤمن أن يبشره بحاله في الآخرة وهو بعدُ ما زال في الدنيا، والبشارة هي الرؤيا الحسنة، فعن جابر، عن أبي جعفر ع، قال: (قال رجل لرسول الله ص: في قول الله (: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾ ([94])، قال: هي الرؤيا الحسنة، يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه)([95]). ولو نظرنا إلى تكملة الآية الشريفة التي بيّنها رسول الله ص لوجدناها تقول: ﴿لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، ويا لها من حقيقة كبيرة أن يعبر الحق سبحانه عن الرؤيا بأنها كلماته التي لا تبديل لها، فاستخفاف القوم بها اليوم يعني استخفافهم بكلمات الله، والحمد لله على نعمة الهداية. ولسنا هنا نتكلم عن مطلق الرؤيا، بل خصوص الرؤى التي يكون فيها أحد المعصومين ص بما لها من ارتباط بصاحب الأمر كما ورد في الروايات الشريفة، فمن الواضح أن الرؤيا المشتملة على أحد المعصومين صادقة باعتبار عدم تمثل الشيطان (لعنه الله) بهم صلوات الله عليهم. فقد ورد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع أنه قال له رجل من أهل خراسان: يا بن رسول الله، رأيت رسول الله ص في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيب في ثراكم نجمي؟ فقال له الرضا ع: (أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة من نبيكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقي وطاعتي، فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس. ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه ع أن رسول اللهص قال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ([96]). ولأن لها ارتباطاً وثيقاً بصاحب هذا الأمر والقائم به لم يعط الإمام الرضا ع كل تفاصيل الرؤيا لمن سأله. فعن البزنطي، قال: سألت الرضا ع عن مسألة الرؤيا فأمسك، ثم قال: (إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم، وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر) ([97])، في إشارة منه ع إلى ارتباط الرؤيا بصاحب هذا الأمر، وأنها سترشد إليه كما هو الحاصل اليوم برغم استهزاء المستخفين بآيات الله. وعلى هذا الأساس ورد عن أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله ع وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى؟ فقال: (اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح) ([98]). وواضح أن اجتماعهم ص على رجل له علاقة بالرايات السود - كما هو مورد السؤال- الممهدة للإمام المهدي ع لا يكون بأجسادهم الشريفة في هذا العالم، فلم يبقَ إلا اجتماعهم في الرؤى الصادقة التي يرشدون فيها المؤمنين بكلمات الله إلى إتباع ابنهم صاحب أهدى الرايات وقائد الجيش الإلهي الذي يرفع الرايات السود المشرقية، التي قال عنها رسول الله ص: (... ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لا يقاتله قوم، ثم ذكر شاباًً، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه؛ فإنه خليفة المهدي) ([99])، وقد اتضح خليفة المهدي ع في الوصية المقدسة. مع ملاحظة أن قوله ع: (فانهدوا إلينا بالسلاح) يعني الأمر بالنهوض إليه، وهي عبارة قريبة مما ورد عن الإمام الباقر ع: (فانهض إليه) وهو يتحدث عن اليماني والأمر بالنهوض إليه، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في الفصل الأول عند الحديث عن صيحة الحق وصيحة إبليس (لعنه الله). وهذه العلامة الإلهية - أعني الرؤيا الصادقة بالمعصومين ص - في دلالتها على صاحب الأمر والقائم به قد تجلت بأوضح صورها آيةً تدل على داعي الحق اليوم السيد أحمد الحسنع، وأمام الجميع مئات الرؤى الصادقة بالمعصومين صلوات الله عليهم وهي ترشد المؤمن إلى داعي الحق (أحمد)، وبإمكان الكل مراجعة ذلك في الكتب التي كتبها الأنصار والشهادات التي يتلونها يومياً على مسامع طلاب الحقيقة في استفساراتهم عن الدعوة اليمانية المباركة. بقي أن ما يثيره علماء الضلالة حول هذه الآية، بل غيرها من أدلة الحق من وصية وعلم وعشرات الروايات الشريفة ما هو إلا سفسطات وشكوك بآيات الله وموازينه في حججه ودلائله فيهم، ومنها الهجمة الشرسة التي شنعوا بها على الحق وأهله ووصفهم للرؤى الصادقة وكلمات الله كما في النصوص الشريفة بأنها أضغاث أحلام، والحال أنهم يقرؤون في مصادر الشيعة الأساسية أكثر من واقعة ساهمت فيها الرؤيا الصادقة بإتباع الحق، وأمامهم الأمثلة الآتية كشاهد لا أكثر: - مجيء السيدة نرجس ص واقترانها بالإمام الحسن العسكري ع. - اهتداء وهب النصراني لنصرة الحسين ع واستشهاده بين يديه في يوم عاشوراء. - إسلام خالد بن سعيد بن العاص الأموي وإيمانه برسول الله ص. وليس لهم بعد هذا إلا قول: وما يدريكم أن من ترونهم هم المعصومين أنفسهم، وهل رأيتم في حياتكم رسول الله ص أو أحد أوصيائه الطاهرين لتقولوا بأن من ترونهم هم المعصومين ص؟ وليس عجيباً صدور هذا ممن لا يفقه من كلام الله حرفاً بل يعبد الله على حرف، وإلا فهل يريدون بذلك حصر باب الرؤى بالمعصوم بمن شاهده بعينه في حياته، ومتى رأت عينا وهب النصراني عيسى ع في الحياة الدنيا ليعرف أن الذي رآه في رؤياه هو من نظرته عيناه، أو تلومونه لأنه استمع أمر عيسى ع ونصر الحسين ع ؟!! أو تلومون السيدة الطاهرة نرجسص لأنها رأت رسول الله ص وفاطمة ص وهما يأمرانها بالذهاب إلى الإمام الحسن العسكري ع، وهي التي لم تراهما في الحياة الدنيا ؟!! أو تنقضون عشرات الأحاديث التي وردت عن أئمة الهدى ص فيمن أراد رؤية رسول الله ص أو احد الطاهرين في المنام وهي في عصور متأخرة عن المعصوم الذي يطلب رؤيته ؟!! وهذه نماذج منها: عن سهل بن صغير، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (من أراد أن يرى سيدنا رسول الله في منامه فليصل العشاء الآخرة، وليغتسل غسلاً نظيفاً، وليصل أربع ركعات بأربع مرة آية الكرسي وليصل على محمد وآله عليه وعليهم السلام ألف مرة، وليبت على ثوب نظيف لم يجامع عليه حلالاً ولا حراماً، وليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وليسبح مائة مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وليقل مائة مرة: ما شاء الله، فإنه يرى النبي ص في منامه) ([100]). وذكر السيد علي بن طاووس فيمن أراد رؤيا أمير المؤمنين ع في المنام، قال: إذا أردت ذلك، فقل عند مضجعك: (اللهم إني أسألك يا من لطفه خفي، وأياديه باسطة لا تنقضي، أسألك بلطفك الخفي الذي ما لطفت به لعبد إلا كفي، أن تريني مولاي علي بن أبي طالب ع في منامي) ([101]). إذن، ماذا بقي في أيدي المنكرين والمستهزئين بالرؤيا الصادقة إلا رد كلمات الله بلا دليل الكاشف عن خبث السريرة وعظم الجرأة على آيات الله ودلائله في أنبيائه وحججه، والتي عدها أهل البيت ص من أجزاء النبوة كما ورد في الأحاديث الشريفة. عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ع قال: سمعته يقول: (رأي المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءاً من أجزاء النبوة) ([102]). وذكر آخر الزمان حكمته واضحة، وقد بان - وان كان مختصراً - ارتباط الرؤيا الصادقة بصاحب هذا الأمر وأنها آية إلهية ترشد إليه، والحمد لله على نعمه. -ثانياً: الاستخارة وصاحب الأمر: آية إلهية أخرى مما لها علاقة بالتعرف على صاحب هذا الأمر استخف بها القوم وتحديداً كبارهم، وهي الاستخارة، فقد ورد عن أئمة الهدى ص في الحث عليها روايات كثيرة، منها: عن أمير المؤمنين ع، قال: (بعثني رسول الله ص على اليمن فقال وهو يوصيني: يا علي ما حار من استخار، ولا ندم من استشار ...) ([103]). قيل للإمام الصادق ع: من أكرم الخلق على الله؟ فقال ع: (أكثرهم ذكراً لله وأعملهم بطاعة الله. قلت: فمن أبغض الخلق إلى الله؟ قال ع: من يتهم الله. قلت: أحد يتهم الله؟ قال ع: نعم، من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فيسخط، فذلك يتهم الله..)([104]). وقال أبو عبد الله ع: (من دخل في أمر بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر) ([105]). وعن المفضل، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (ما استخار الله ( عبد مؤمن إلا خار له، وإن وقع ما يكره) ([106]). وعنه ع، قال: (أنزل الله، إن من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ولا يستخيرني)([107]). ورغم هذا كله والكثير غيره من روايات الطاهرين استخف القوم بالاستخارة في إمكان إرشادها ومساهمتها في معرفة داعي الحق اليوم، في حين أنهم يطالعون قول أمير المؤمنين ع وتحديده أحد طرق معرفة ابنه القائم ع بالاستخارة. فعن سليمان بن هلال، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي ص، قال: (جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع فقال له: يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا؟ فقال: إذا درج الدارجون، وقل المؤمنون، وذهب المجلبون، فهناك، فقال: يا أمير المؤمنين، عليك السلام ممن الرجل؟ فقال: من بني هاشم من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومجفو أهلها إذا أتت، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت، لا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يحور إذا المؤمنون اكتنفت، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت، مشمر مغلولب طفر ضرغامة حصد مخدش ذكر سيف من سيوف الله رأس قثم، نشق رأسه في باذخ السؤدد، وغارز مجده في أكرم المحتد فلا يصرفنك عن تبعته صارف عارض ينوص إلى الفتنة كل مناص إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دعاير. ثم رجع إلى صفة المهدي ع فقال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً، اللهم فاجعل بيعته خروجاً من الغمة، واجمع به شمل الأمة، فإن خار لك فاعزم ولا تنثن عنه إن وفقت له ولا تجيزن عنه إن هديت إليه، هاه - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته) ([108]). ومعلوم أن أمير المؤمنين ع يتكلم عن المهدي الذي يبايع: (فاجعل بيعته خروجاً من الغمة)، ففي حقيقة الأمر هو نفسه من تحدث عنه رسول الله ص لما ذكر المهدي ووصف بيعته وحدد أسماءه. عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله ص - وذكر المهدي - فقال: (إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها)([109])، والأسماء الثلاثة هي أسماء المهدي الأول وصي الإمام المهدي ع وأول مؤمن به وابنه، كما جاء في الوصية المقدسة. وباتضاح ذلك نقول: ها هو أمير المؤمنين ع يجعل خيرة الله طريقاً لمعرفته (فإن خار لك فاعزم، ولا تنثن عنه إن وفقت له، ولا تجيزن عنه إن هديت إليه)، فما بال القوم إذن يستخفون بمقاييس الطاهرين ص وقد ورد كل ما به الحق عنهم في كلماتهم ؟!! إن مجيء داعي الحق السيد أحمد الحسن ع بقانون الله في حججه وخلفائه في أرضه، ثم بعشرات الروايات الشريفة التي وصفته باسمه ومسكنه وعلمه وأدلته وكل ما يتعلق بأمره، ثم دلالة الرؤيا الصادقة والاستخارة عليه لهو مجيء داعي الحق كما وصف تماماً من قبل الطاهرين، فليذهب الجاحدون آل محمد حقهم بغيظهم وليزدادوا حنقاً وحسداً بما خص الله به آل محمدص من فضل واصطفاء، وعما قريب إن شاء الله سيكشف الصبح عن حقيقة الظالمين ومصيرهم. يبقى أن إنكار علماء الضلالة لم يكن مجرد جحود في القلب المتكبر على حجج الله فحسب، بل بتقولات وتفلسفات تطرح بكل ما أتوا من قوة مادية لتجييش الجيوش لقتال آل محمد ومحاربتهم وصرف الناس عن نصرتهم. وبخصوص الاستخارة فقد شككوا الناس بانّ مجرد طرح دلالتها على معرفة أحقية السيد أحمد الحسن ع يعني بطلانه - وحاشاه - بادعاء أنها لا يستدل بها في أمور العقيدة ؟ هذا، وهم يروون - ولا اعرف هل يقرؤون ما يرووه عن الطاهرين ص أو لا - بان اهتداء صفوان بن يحيى للإمام علي بن موسى الرضا ع - لما وقف من يدعي التشيع آنذاك على إمامة الإمام الكاظم ع بفتوى من فقهاء الضلالة علي بن أبي حمزة وجماعته طمعاً في الرئاسة والمال الذي كان تحت أيديهم كما يحصل اليوم تماماً - كان بالاستخارة، فوفقه الله للإيمان بالرضا ع وكان من بين النفر المؤمنين الذين لم يتجاوزوا عدد أصابع اليد، فهل يشكك علماء السوء اليوم بسبب إيمان صفوان بالإمام الرضا ع ويلوموه؛ لأنه لم يقف على الإمام الكاظم ع ويترك الإمام الرضا ع، كما يشكون اليوم بسبب إيمان بعض الأنصار بسيدهم (أحمد) بالاستخارة التي فعلها صفوان واهتدى ؟!! وأما رواية إيمان صفوان فهذا نصها: (روى علي بن معاذ، قال: قلت لصفوان بن يحيى: بأي شيء قطعت على علي؟ قال: صليت ودعوت الله واستخرت عليه وقطعت عليه) ([110]). * * * كان هذا بيان بعض ما جاء به السيد أحمد الحسن ع داعياً إلى الله والى الحق والصراط المستقيم بشيراً ونذيراً بين يدي عذاب شديد، وقد وجدنا وبوضوح أنّ كل ما جاء به بل كل كلمة تخرج منه عليها من الشواهد المعصومة من كلام الطاهرين ص ما يدحض لجاج القوم ومجادلتهم بالباطل ويبين جرأتهم على حجج الله وعنادهم وتكبرهم على خلفاء الله في أرضه، وفي هذا أيضاً ورد عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع قال: سمعته يقول: (إن حديث آل محمد صعب مستصعب ثقيل مقنع، أجرد ذكوان، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان أو مدينة حصينة، فإذا قام قائمنا نطق وصدّقه القرآن) ([111]). نعم صدّقه القرآن؛ الناطق منه والصامت على حدٍ سواء، وهي حقيقة أصبحت واضحة بحمد الله، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً. * * * -لماذا اعترض من اعترض .. ومن هم ؟ ليس بوسع أحد إذا ما طالع كلام محمد واله ص ونظر أدلة ابنهم ويمانيهم السيد أحمد الحسن ع إلا الإذعان والإيمان والقول بأنّ أمره أضوأ من الشمس كما نص عليه الإمام الصادق ع في حديثه للمفضل بن عمر ([112])، وكان الحق كله في الإسراع إلى نصرته بعد وضوح حجته وسطوع حقه فتكون الأمة - خصوصاً من يدعي التشيع لأهل البيت ص منها- بذلك قد امتثلت أمر سادتها وسلمت قيادها بيد أئمتها بلا إهراق محجمة دم، ولكانت عوناً لآل محمد على أعدائهم في تطهير الأرض من الظلم والجور الذي امتلأت به البشرية كلها حتى الحلقوم الذي ما بات يستنشق رحيق حق بين ظلام باطل قد استشرى في ولد ادم حتى النخاع. ولكن المتابع لقضية الدعوة اليمانية المباركة يجد العكس تماماً، فمنذ انطلاقة قائدها ع وندائه بالحق وتلبية القلة المستضعفة من جنده لندائه - تلك الثلة التي اختارها الله لنصرة قائم آل محمد بعد أن ميزت صوت راعيها رغم كثرة نهيق الحمير المتسلّقين والمدعين ما ليس لهم - ومباشرتهم بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة الواضحة ولسنوات عديدة، منذ ذلك الحين والحرب قائمة وبشراسة منقطعة النظير على الدعوة بكل تفاصيلها من قبل علماء الضلالة الخونة بوصف رسول الله ص لهم وأتباعهم الذين ينعقون وراء كل ناعق، خصوصاً إذا كان الناعق المتبوع ممن يحل لهم ما حرم الله ويبيح لهم دنيا يجمعوها ولو بقتل آل محمد وأنصارهم ومبايعة اليهود والنصارى واكل الربا والزنا. فانهالت الفتاوى التي لم يكن لها عين ولا اثر عند احتلال بلاد أمير المؤمنين ع وانتهاك حرمات الله وتدنيس كتابه وسفك دماء الأبرياء وعيث أعداء الله في العباد والبلاد الفساد، انهالت هذه المرة - دفاعاً عن الدين!!! - بإباحة دم قائم آل محمد ووجوب قتله وجنده ومحاربتهم وهدم مساجدهم وحسينياتهم واعتقالهم، وفعلاً تم اعتقال الأنصار ولمرات عديدة من قبل نظراء بني العباس في هذا الزمان ممن يدعون ولاء آل محمد كذباً وزوراً، في حين يجوب النواصب وأتباع اليهود والسراق وأصحاب الميليشيات والخونة وأشباه الرجال بلاد علي والحسين طولاً وعرضاً. وقد مورس بحقهم شتى صنوف التعذيب وبأقسى صورة يتفطن إليها ظالم في فنون الجور والظلم، كان ذلك بعد حملات استمرت مدة ليست بالقصيرة في التشنيع والتسقيط بوسائل يترفع عنها حتى الأراذل، وقد كان ذلك بقيادة ما يسمون أنفسهم بـ (الفقهاء) والمقريبين منهم ممن يتأثرون أيما تأثر بفقدان هذه الزعامة التي تدر عليهم دنياهم ولو بسلب حق يتيم أو آهة أرملة. وإذا كانوا لا يطيقون رؤية عالم عامل عنده شيء من الحق ولم يتحملوا مجاورته يوماً وهو على قيد الحياة، حتى وصل بهم الحال إلى التعاون مع الظلمة لقتله وتصفيته بعد تسقيطه واتهامه بكل ما مكن إبليس من قذف مفسدةٍ في خواطرهم الجرداء من ذكر الله ومخافته، فكيف وهم يرون (أحمد) وقد جاءهم بالحق كله والذي لا يبقي لباطلهم ولزعاماتهم المضللة بخدائع التقديس ودموع عمر ابن سعد وقرآن ابن العاص ولهفة ابن المرادي للصلاة وتحت جعبته السيف المسموم لطبر هامة علي ع، وكان أحمد ع الوصي المذخور لكشف ذلك كله. وبعد أن انكشف زيف كبار الباطل وقادته لمجموعة من الناس وبدأت الدعوة بالتوسع والانتشار أوحى إبليس (لعنه الله) لجنده المدخرين لقتال القائم، فاجتمعوا لتحريك فلولهم على الحق وأهله غير مبالين - أو محتاطين في الدين!! - بطلب النجدة والاستعانة باليهود والأمريكان لقتل خيرة الله من خلقه ممن اختاروا نصرة آل محمد بل خلقوا لهذا، فكانت محصلة اجتماع رموز الباطل صدور فرمان قضاة قريش في آخر الزمان - المتربعين على سدة الحكم والمتهيئين لجمع جيش السفياني وتحريضه لقتال آل محمد - بالإيعاز لحكومة الزوراء باعتقال أنصار الحق ومطاردتهم وقتلهم، لا لشيء فعلوه ولا لذنب اقترفوه سوى دعوتهم الناس لنصرة قائم آل محمد وتهيئة الناس لاستقبال الإمام المهدي ع المغيب ما يزيد على الألف والمائة والسبعين عاماً. فاعتقل العشرات وباشرت السلطة الجائرة بهدم حسينيات الدعوة اليمانية في أكثر من مدينة عراقية، وكان مقرراً القضاء على الدعوة وأنصارها تماماً في (محرم / 1429)، ولكن - ولأن الذل والهوان ليس من شيمة دعاة الحق وأنصاره - أذِنَ قائم آل محمد ع ([113]) بالدفاع عن النفس لصد هجمة امة اختارت قتال أئمتها وأنصارهم، فكانت الثلة التي أسندت ظهرها إلى الله وتوكلت عليه رغم قلتهم مقابل حزب الشيطان المؤتمر بأمر أخلص جنده الخونة المسندين أظهرهم إلى عالم مادي بأكمله والذي ما آمنوا بسواه إطلاقاً، وبعد أن منّاهم إبليس بأنهم قادرون على القضاء على الحق وأهله فاتهم - وهم المستحمرون لإبليس دوماً - أن لا قوة إلا بالله، فأخزى الله إبليس وجنده وكان مخطط القضاء على الدعوة اليمانية سبباً في انتشارها إلى الدنيا، ومدعاة لوصول الحق إلى أهله في بلدان بعضها نائية لم يخطر في البال كيفية الوصول إليها، ولكن كان ذلك من خلال دماء طاهرة أسيلت لأنصار الله وأجساد عذبت بفنون التعذيب، وما زال الكثير منهم قابعين في زنزانات نظراء بني العباس الظلمة بشرع فقهائهم الخونة، وقد حكموا هذا العام (1430هـ) على (28) منهم بالإعدام من بين (35) من مجموع من حكم بالإعدام في العراق كله. وأما يماني آل محمد ع فقد أمسى كما وصفه آباؤه الطاهرون ص شريداً طريداً (صاحب هذا الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه المكنى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر) ([114])، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إنها لمفارقة صعبة التصديق وما كانت لتأتي في بال موحد لولا ورود ما يشير إلى هذه الحقيقة المرة في كلمات الطاهرين في وصفهم لمجيء ابنهم القائم ع وما يلاقيه من قومه عند بعثه فيهم: عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله ص من جهال الجاهلية، قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله ص أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به ..) ([115]). وعن يقعوب السراج، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (ثلاث عشرة مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه: أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أمية، وأهل البصرة، وأهل دست ميسان، والأكراد، والأعراب، وضبة، وغني، وباهلة، وأزد، وأهل الري) ([116]). وعن بشير النبال، قال: (لما قدمت المدينة قلت لأبي جعفر ع: إنهم يقولون إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهريق محجمة دم، فقال: كلا، والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله ص حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته) ([117]). وغير خافٍ أنّ سادة المتأوّلين على القائم كتاب الله من الناس والمجيشين عليه جيوش الباطل هم العلماء غير العاملين ومن يساندهم من الساسة والملأ المقرب، فهو حالهم الذي لا يتبدّل كلما بعث الله نبياً أو وصياً خليفة له في أرضه، فهم النمرود وعلماء الدين غير العاملين في زمن إبراهيمع، وفرعون وعلماء الدين في زمن موسى ع، وبيلاطس وهيرودس وقيصر الروم وعلماء اليهود غير العاملين في زمن عيسى ع، وكسرى وقيصر والحكام وعلماء الأحناف وعلماء النصارى وعلماء اليهود في زمن محمد ص، وهؤلاء وحكام المسلمين وعلماء المسلمين في زمن الأئمة ص، وهؤلاء كلهم وعلماء الشيعة غير العاملين في هذا الزمان. ومن ثم لا تستغرب إذا قرأت ما ورد عن أبي جعفر ع: (إذا قام القائم ع سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البترية عليهم السلاح فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وعلا) ([118]). إنّ سنة الله في الذين كفروا واحدة لا تتبدل، فقديماً قالها المنكر الذي اتهم رسول الله ص بعدم الذرية وأجابه الله سبحانه بقوله لنبيه ص: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾، وأعادها اليوم من استنّ بسنن المتكبرين على حجج الله فاتهمّ الإمام المهدي ع بعدم الذرية رغم ورود الروايات الكثيرة بوجود الذرية وأنّ منهم من هو مفرد فيها بوصفه والدعاء له لعظم خطره عند آل محمدص، ومن أراد الوقوف على الحق في ذلك فليراجع ما خطه الإخوة أنصار الإمام المهدي ع وفقهم الله في هذا المجال ككتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم) للشيخ ناظم العقيلي حفظه الله. ويبقى - كالعادة - أنّ علماء الضلالة هم من يقولون للقائم ارجع من حيث جئت ويجيشون بحسب الرواية المتقدمة بضعة عشر ألف نفساً لقتاله على أبواب الكوفة فقط، وإلا فما ظنكم بالقائل هل يكون بقالاً أو نجاراً أو فلاحاً أو .. أو .. ، ولو قالها فمن يستمعه بربكم؟!! هذا باختصار حال المعترضين على خلفاء الله وحججه اليوم، وأما تفصيل الكلام في حالهم عموماً فهو ما تتكفله فصول البحث الآتية، وستكون كالتالي: الفصل الأول: في خلافة آدم واعتراض إبليس (لعنه الله) في يوم الخلافة الأول. الفصل الثاني: نماذج من المعترضين بعد إبليس لعنه الله. الفصل الثالث: وحدة منهج المعترضين في القول والفعل والمحاججة بالباطل. الفصل الرابع: الكثرة وخلفاء الله. وأخيراً: خاتمة ... فعلى الله سبحانه نتوكل وبه نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين. * * * -الفصـل الأول في اليوم الأول: -آدم ع خليفة لله في أرضه وإبليس لعنه الله يعترض استخلاف آدم ع سجود الملائكة لآدم ع إبليس (لعنه الله) يأبى السجود لخليفة الله إمهال إبليس (لعنه الله) إلى اليوم المعلوم الفشل في الامتحان بخليفة الله يعني الطرد من رحمة الله -استخلاف آدم ع ابتدأ الله سبحانه بخلقه في أرضه بخليفته وهو دليل كرمه ورحمته بهم، ولأنه الحكيم المنزه عن خلاف الحكمة اوجد خليفته المعرِّف به قبل خلقه، فكان آدم ع أول خليفة لله تعالى في هذه الأرض في دورتها الجديدة بعد أن قطنها من غير جنس البشر مخلوقات غيرهم، كان من فعلهم ما بينه لنا الإمام الباقر ع، عن آبائه، عن أمير المؤمنين ع، قال: (إن الله لما أراد أن يخلق خلقاً بيده وذلك بعدما مضى عن الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة، فرفع سبحانه حجاب السموات وأمر الملائكة أن انظروا إلى أهل الأرض من الجن والنسناس، فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا لله تعالى وتأسفوا على الأرض ولم يملكوا غضبهم، وقالوا: ربنا أنت العزيز القادر العظيم الشأن، وهذا خلقك الذليل الحقير المتقلب في نعمتك المتمتع بعافيتك المرتهن في قبضتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب ويفسدون في الأرض ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك، وأنت تسمع وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه لك، فقال جل جلاله: إني جاعل في الأرض خليفة تكون حجة لي في أرضي على خلقي. قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها كما أفسد هؤلاء ويسفك الدماء كما فعل هؤلاء ويتحاسدون يتباغضون، فاجعل ذلك الخليفة منا فإنا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال تبارك وتعالى: إني أعلم ما لا تعلمون إني أريد أن أخلق خلقاً بيدي واجعل من ذريته الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين وأئمة مهديين، واجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي يهدونهم إلى طاعتي وينهونهم عن معصيتي وأجعلهم حجة لي عليهم عذراً ونذراً ... ) ([119]). فكان ما أراد سبحانه، وكان آدم ع خليفته بعد أن نص عليه بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾([120]) في محضر ملائكته وإبليس (لعنه الله) الذي لم يكن منهم ولكنه التحق بهم لعبادته حتى ظن الملائكة إنه واحد منهم. وبعد أن نص سبحانه على خليفته وعيّنه، لم يترك القضية مسألة تعبدية فقط فهو وإن كان ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾([121])، إلا إنه بلطفه أوضح لهم سبب النص على الخليفة المنصب إلهياً لما قال الملائكة اعتراضاً بعد التنصيب: ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾، والسبب هو العلم الذي اختصه به. قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، فلما اعترفوا بعجزهم عن ذلك ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ ولم ينبئوه بأسماء من طلب إيضاحها منهم، ومن أين لهم ذلك وقد اختص الله به خليفته. قال سبحانه: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ فأنبأهم، عندها أمر رب العزة من كان في ذلك المحضر من خلقه بالسجود لخليفته، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([122]). فانقسم الحضور عند التنصيب والأمر الإلهي بالسجود لخليفة الله إلى: أ- معترض يتوب، وهم الملائكة فهم وإن اعترضوا بادئ الأمر على جعل آدم خليفة له سبحانه ولكنهم وبعد استيضاح سبب الاستخلاف رجعوا وتابوا فسجدوا لخليفة الله في أرضه. ب- منكر لا يتوب، وهو إبليس (لعنه الله). هذه قصة الاستخلاف في يومها الأول باختصار، وإليك التفصيل: ( 1 ) -سجود الملائكة لآدم ع لم يكن اعتراض الملائكة بادئ الأمر على استخلاف ادم على الأرض في بعض أسبابه إلا استحضاراً لما صنعه الجان عليها من فساد وسفك للدماء ومعصية الله سبحانه والذي استوجب غضبهم لله كما في الرواية المتقدمة، ولم تشفع لهم غيرتهم السابقة في الوقوع في محذور الاستعجال وعدم التروي بتلقي الأمر الإلهي في استخلافه خليفة له في أرضه، ولكنها الرحمة الإلهية الكبرى التي تداركتهم في نهاية الأمر فأذعنوا وأطاعوا وسجدوا لخليفته، فكانت التوبة باب الله الكبير لأصحاب الخطايا. عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) في قوله: (﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾، ردوا على الله فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ وإنما قالوا ذلك بخلق مضى يعنى الجان بن الجن، ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ فمنوا على الله بعبادتهم إياه، فأعرض عنهم، ثم علم آدم الأسماء كلها ثم قال للملائكة: ﴿أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء﴾ قالوا: لا علم لنا، قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فأنبأهم، ثم قال لهم: اسجدوا لآدم، فسجدوا، وقالوا في سجودهم في أنفسهم: ما كنا نظن أن يخلق الله خلقاً أكرم عليه منا نحن خزان الله وجيرانه وأقرب الخلق إليه، فلما رفعوا رؤوسهم قال: الله يعلم ما تبدون من ردكم علي وما كنتم تكتمون، ظناً أن لا يخلق الله خلقاً أكرم عليه منا، فلما عرفت الملائكة أنها وقعت في خطيئة لاذوا بالعرش وإنها كانت عصابة من الملائكة، وهم الذين كانوا حول العرش، لم يكن جميع الملائكة الذين قالوا ما ظننا أن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وهم الذين أمروا بالسجود: فلاذوا بالعرش وقالوا بأيديهم وأشار بإصبعه يديرها فهم يلوذون حول العرش إلى يوم القيمة. فلما أصاب آدم الخطيئة جعل الله هذا البيت لمن أصاب من ولده خطيئة أتاه فلاذ به من ولد آدم كما لاذوا أولئك بالعرش، فلما هبط آدم إلى الأرض طاف بالبيت، فلما كان عند المستجار دنا من البيت فرفع يديه إلى السماء فقال: يا رب اغفر لي، فنودي: إني قد غفرت لك، قال: يا رب ولولدي، قال: فنودي يا آدم من جاءني من ولدك فباء بذنبه بهذا المكان غفرت له) ([123]). إذن، لم يكن ماضي الخليقة على الأرض وحده السبب في اعتراض الملائكة، بل كان أيضاً (الأنا) بمستوى من مستوياتها والذي أوجب ظنهم بأنّ الله سبحانه ما هو بخالق لخلق أكرم عليه منهم، كيف وهم خزان الله وجيرانه واقرب خلقه إليه؟! وقد دعاهم ذلك إلى المنّ بعبادتهم، وفاتهم بغفلة ([124]) لم تدم طويلاً أنه سبحانه القادر على كل شيء، وأن خليفته أكرم عليه منهم وقد فضله خالقه ( بالعلم بأسماء اعترفوا هم بأنفسهم بعدم علمهم بها عند عرضها عليهم، فسجدوا له واعترفوا بخطيئتهم ولاذوا بعرش الله سبحانه وهم كذلك إلى يوم القيامة. ثم إنّ من كان من الملائكة في محضر تنصيب الخليفة لم يكن كلهم بل كانت عصابة منهم وهم مَن كان حول العرش أي عينة منهم، وفي هذا درس يؤخذ في مسألة الاختبار الإلهي لخلقه فهو وإن كان سبحانه عالم بمآلهم ولكن مشيئته اقتضت أن يقيم الحجة على عباده، وإقامتها عليهم لا تعني أنهم يستجوبون كلهم فرداً فرداً في سوح الاختبار بخلفائه، بل يقام الاختبار على عيّنة منهم لعلمه سبحانه بانّ إقامتها على هذه العيّنة يعني إقامتها على الكل، وبه يقطع السؤال: لماذا يكون العذاب النازل على بقعة ما من الأرض نتيجة تكذيب خليفة من خلفاء الله شاملاً للجميع أو الأغلب في حين أنّ البعض قد لا يكون سامعاً بدعوة داعي الله أصلاً، ولكن جواب هذا البعض لو كان ما يعدو جواب من أجاب بالرفض والتكبر على خليفة الله وهو سبحانه العالم بما يبدون وما كانوا يكتمون، وهو ما سيحصل إن استمر البشر اليوم على منهجهم في تكذيب الإمام المهدي ع ووصيه المرسل إليهم من قبله. ولنا أن نتساءل: ما هي الأسماء التي تعلمها آدم ع من ربه وكانت دليل أفضليته على الملائكة؟ ثم كيف كان سجود الملائكة له؟ -الأسماء التي تعلمها آدم ع من ربه: عن الإمام الحسن العسكري ع في تفسير هذه الآية:﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾، قال: (أسماء أنبياء الله، وأسماء محمد ص وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهما، وأسماء رجال من شيعتهم وعتاة أعدائهم، ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ عرض محمداً وعلياً والأئمة، ﴿عَلَى الْمَلائِكَةِ﴾ أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلة، ﴿فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أن جميعكم تسبحون وتقدسون، وأن ترككم ها هنا أصلح من إيراد من بعدكم، أي فكما لم تعرفوا غيب من في خلالكم فالحري أن لا تعرفوا الغيب إذا لم يكن، كما لا تعرفون أسماء أشخاص ترونها. قالت الملائكة: ﴿قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ﴾ بكل شيء، ﴿الْحَكِيمُ﴾ المصيب في كل فعل. قال الله (: يا آدم، أنبئ هؤلاء الملائكة بأسمائهم وأسماء الأنبياء والأئمة، فلما أنبأهم فعرفوها أخذ عليهم العهد والميثاق بالإيمان بهم، والتفضيل لهم) ([125]). وعن أيمن بن محرز، عن الصادق جعفر بن محمد ع: (إن الله تبارك وتعالى علم آدم ع أسماء حجج الله كلها، ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم أحق بالخلافة في الأرض- لتسبيحكم وتقديسكم - من آدم ع، ﴿قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾. قال الله تبارك وتعالى: ﴿يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ﴾ وقفوا على عظم منزلتهم عند الله عز ذكره، فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء في أرضه، وحججه على بريته، ثم غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم، وقال لهم: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾) ([126]). بأسماء: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وباقي آل محمد من الأئمة والمهديين وسائر حجج الله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، ابتدأ الله سبحانه تنصيب خليفته الأول وتعليمه، وقد تم عرض هذه الأسماء على الملائكة ولكنهم لم يعرفوها وعرفها آدم ع بتعليم الله إياه، فكان دليل أفضليته عليهم. والحقيقة أن آدم ع بتعلّمه هذه الأسماء التي ابتدأت بـ (محمد ص) وهو سيد ولد ادم بما في ذلك حججه سبحانه يكون قد علم العلم كله والأشياء كلها، فإنه ص وعترته الطاهرة أصل كل خير في الوجود، وبمعرفتهم يعرف الخير كله وتعرف الأشياء كلها. عن جابر بن يزيد، قال: قال لي أبو جعفر ع: (يا جابر، إن الله أول ما خلق خلق محمدص وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله، قلت: وما الأشباح؟ قال: ظل النور، أبدان نورانية بلا أرواح وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس، فبه كان يعبد الله وعترته، ولذلك خلقهم حلماء علماء، بررة أصفياء، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل، ويصلون الصلوات ويحجون ويصومون) ([127]). وعلى هذا يعرف بعض ما جاء في كلماتهم ص في تفسير الأسماء التي تعلمها آدم بالجبال والأودية وغير ذلك. فعن أبي العباس، عن أبي عبد الله ع، قال: سألته عن قول الله: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ ماذا علمه؟ قال: (الأرضين والجبال والشعاب والأودية، ثم نظر إلى بساط تحته، فقال: وهذا البساط مما علّمه) ([128]). * * * -معنى سجود الملائكة : بعد أن عرف الملائكة من آدم ع هذه الأسماء الطاهرة ورأوا أرواحهم المطهرة لما عرضت عليهم، أمرهم الله سبحانه بالسجود لآدم إكراماً وتعظيماً لما حلّ في صلبه من أنوار محمد ص وآله الطاهرين ص، فالسجود كان لله تعالى عبودية ولآدم إكراماً وطاعة؛ إكراماً لمن فاق فضلهم فضل خلق الله طراً من ملائكته المقربين وأنبيائه والمرسلين، بل من بهم تم الاهتداء إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده، كما انه كان طاعة لخليفة الله في أرضه، وهو الفقرة الثالثة في قانون تعريفه بحججه كما تقدم. عن الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين ص، قال: (قال رسول الله ص: ما خلق الله ( خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي ع: فقلت: يا رسـول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال ص: يا علي، إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللائمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا. يا علي، لولا نحن ما خلق آدم ولا حوا ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه؟ لأن أول ما خلق الله ( خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده. ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا اله إلا الله وأنّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن يعبد معه أو دونه فقالوا: لا اله إلا الله. فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله لنا من العز والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله. فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده. ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله ( عبودية ولآدم إكراماً وطاعة، لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون ...) ([129]). وفي توضيح معنى السجود لخليفة الله تعقيباً على رؤيا يوسف ع في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾([130]) ، قال السيد أحمد الحسن ع: (الأحد عشر كوكباً: إخوة يوسف ع، والشمس والقمر: يعقوب وأم يوسف راحيل رآهم يوسف في الرؤيا ساجدين له، فما هو هذا السجود، وكيف وقع، وهل يصح السجود لغير الله، وإذا كان لا يصح فما معنى سجودنا للكعبة وهي حجارة، وما معنى سجود الملائكة لآدم وهو إنسان مخلوق، وما معنى سجود إخوة يوسف ويعقوب وهو نبي وأم يوسف ليوسف ع؟! المرتكز في الأذهان عن السجود هو وضع الجبهة على الأرض، أو الانحناء ووضعها على شيء منخفض عنها، والمراد منه هو بيان الخضوع والتذلل والطاعة للمسجود له، وربما كان السجود بالإيماء له بالرأس أو حتى برموش العين، كما هو حال العاجز عنه بالصلاة. والحقيقة أن الإنسان الخاضع الذليل لله والمطيع لأمر الله ساجد في كل أحواله نائماً وقائماً وقاعداً وماشياً والإنسان الذي لا يخضع لله ولا يتذلل لله ولا يطيع أمر الله ليس بساجد وان وضع جبهته على الأرض، فالسجود الحقيقي إذن هو الطاعة وامتثال الأمر الإلهي، وربما تم دون وضع الجبهة على الأرض، وربما لا يتم بوضع الجبهة على الأرض. فإبليس لم يرفض السجود لله، (بل له سجدة ستة آلاف عام) ([131])، ولكنه رفض أن تكون قبلته في السجود لله آدم ع، فهو في حقيقة أمره متكبر على الله وليس بخاضع ولا متذلل ولا مطيع لأمر الله وهو من الساجدين لله الذين حق عليهم العذاب؛ لأنه لم يتخذ القبلة التي أمره الله أن يتخذها، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ ([132])، فهؤلاء الذين حق عليهم العذاب يوصفون بأنهم يسجدون لله، ولكنه ليس سجوداً حقيقياً؛ لأنهم لم يطيعوا الله في السجود له سبحانه من حيث يريد والى القبلة التي أمرهم بها ... فمن يعصِ الله فهو ليس عابداً ولا ساجداً لله بقدر تلك المعصية، فإذا كانت المعصية متعلقة بالقبلة التي يتوجه إليها حال سجوده وطاعته، أي انه اتخذ قبلة غير القبلة التي أمره الله بها، فإنه في كل عمله عاصياً وليس عابداً ولا ساجداً لله، ولا تزيده سرعة السير إلا بعداً، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾([133]). فهكذا إنسان تولى الشر والشيطان والظلمة ليس على جادة الطريق التي توصل إلى الهدف، بل مستدبراً القبلة التي توصله إلى الله فتكون سرعة سيره (سجوده وعبادته وطاعته المدّعاة) سبباً في إيصاله إلى هاوية الجحيم؛ لأن كل أعماله - سجوده، عبادته، طاعته - يستقبل بها قبلة لم يأمره الله بها، بل نهاه الله عن استقبالها فيكون سجوده عبادته طاعته، كلها مبنية على المعصية والذنب فتكون معاصي وذنوب، فلا صام ولا صلى، بل أذنب وعصى ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ( وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ( ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾([134])، أي إن الأَولى هو التصديق بولي الله وحجته وخليفته سبحانه (الرسول سواء كان نبياً أو وصياً)، والصلاة معه وهي الولاية لولي الله؛ لأنها ولاية الله، والسجود لولي الله أي طاعته؛ لأنه سجود لله وطاعة لله، ودون الخضوع لولي الله لا تنفع الأعمال الظاهرية ... فإذا علمنا أن الله لم ينظر إلى الأجسام منذ خلقها فلا يكون سجود الأجسام إلا مرشد ودليل يدل على الحقيقة ويشير إليها، وهذه الحقيقة هي الطاعة وامتثال الأمر الصادر من الله سبحانه وتعالى، فإذا كان لسجود الأجسام قبلة وهي الكعبة، فلا بد أن يكون لسجود الأرواح قبلة، وقبلة الأرواح هو ولي الله (حجة الله على خلقه)، فبطاعته يطاع الله وبمعصيته يعصى الله، ولذلك كان الأمر للملائكة (الأرواح) هو السجود لآدم (الإنسان الكامل) .. ) ([135]). فسجد الملائكة في نهاية المطاف وبعد الاعتراض الذي تابوا عنه واعترفوا بخطيئتهم في محضر بارئهم، فاجتازوا الامتحان الإلهي بخليفته سبحانه وحجته على خلقه. * * * ( 2 ) -إبليس (لعنه الله) يأبى السجود لخليفة الله قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([136])، سجد الملائكة وأبى إبليس (لعنه الله) على التوالي فكان الخطان اللذان بزغا منذ فجر الامتحان الإلهي بخليفة الله في أرضه: خط الساجدين لخلفاء الله المطيعين لأمره في حججه، ابتدأه الملائكة وسار من بعدهم عليه الثلة القليلة التي آمنت بالله وأطاعت أمره وسجدت لخلفائه وحججه على خلقه. خط المستكبرين الآبين السجود لخلفاء الله والذي قاده إبليس المستكبر على ربه بتكبره على خليفته وأمره بالسجود، وكان من بعده جنده من شياطين الإنس والجن وهم السواد الأعظم من خلق الله وهي حقيقة واضحة لمن تأمل آي الذكر الحكيم، وستتضح في فصول البحث اللاحقة إن شاء الله تعالى. -حقيقة إبليس (لعنه الله): ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾ ([137]). لم يكن إبليس أخزاه الله من جنس الملائكة بل كان من الجن. عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله ع، قال: سألته عن إبليس أكان من الملائكة؟ وهل كان يلي من أمر السماء شيئاً؟ قال: (لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي من السماء شيئاً، كان من الجن وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة تراه أنه منها، وكان الله يعلم أنه ليس منها، فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان) ([138]). ولكنه اُلحق بالملائكة بالولاء، ولم تعلم الملائكة بذلك وكانوا يظنون انه منهم لشدة عبادته لله سبحانه. فعن أبي عبد الله ع: (.. فإن إبليس كان مع الملائكة في السماء يعبد الله، وكانت الملائكة تظن أنه منهم ولم يكن منهم، فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد، فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم). فقيل له ع: كيف وقع الأمر على إبليس، و إنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟! فقال: (كان إبليس منهم بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة، وذلك أن الله خلق خلقاً قبل آدم، وكان إبليس حاكماً في الأرض، فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم، وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء فكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك وتعالى آدم) ([139]). خلق الله سبحانه ادم ع وكان سابقاً في علمه سبحانه بأنه خليفته المرتقب في أرضه على خلقه، رغم أن هذه الحقيقة الكبرى بعدُ ما زالت مستورة عنهم، ولما كان كل إناء ينضح بالذي فيه فقد كان يمرّ به إبليس وهو ما زال طينة لم تنفخ فيها الحياة، فيمتلأ حنقاً وحسداً من هذا المخلوق الذي أوجس إبليس منه خيفة وأحسّ بعظم منزلته عند خالقه وإلا لمَ خلق و (أنا مخلوق)؟! بلسان الحال هذا كان يحدث نفسه بما ينطوي عليه صدره. في تفسير القمي، قال أبو جعفر ع: (وجدنا هذا في كتاب علي ع: فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصوراً، فكان يمر به إبليس اللعين، فيقول: لأمرٍ ما خلقت !). قال العالم ع: (فقال إبليس: لئن أمرني الله بالسجود لهذا لأعصينه)، قالها اللعين وآدم ع ما زال صورة بلا حياة، فأسفر عن حقيقته وما كان يضمره بداخله بقوله هذا الكاشف عن أن إيمانه بربه والسجود له الذي كان يؤديه ظاهراً أمام جيرانه الملائكة ما هو إلا إرضاء لنفسه لأنها تحب ذلك، لا لأنّ الله سبحانه قد أمره بالسجود له، ومعلوم أن التصنّع والادعاء مهما طال يكفي التمحيص والاختبار لفضحه وزواله في يومٍ ما، وهذه هي إحدى حكمه سبحانه في اختبار خلقه وتمحيصهم وخصوصاً مدعي الإيمان منهم، ليتوضح صاحب الإيمان المستقر في القلب منهم عمن استودع الإيمان فيه ويخرج منه عند الامتحان الإلهي، والذي شاء الله سبحانه أن يكون دائماً بخليفته وحجته على خلقه. قال ع: (ثم نفخ فيه، فلما بلغت الروح فيه إلى دماغه عطس، فقال: الحمد لله، فقال الله له: يرحمك الله. قال الصادق ع: فسبقت له من الله الرحمة، ثم قال الله تبارك وتعالى للملائكة: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا له، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد، فقال الله (: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ([140]). لم يكن إبليس (لعنه الله) ليفاجئ بالأمر الإلهي بالسجود لآدم ع والامتحان بذلك، فرحمة الله سبحانه اكبر من أن يُباغَت مخلوق بأمرٍ جديد عليه بالمرة وبلا تمهيد أصلاً ويكون إنكاره سبباً للطرد من رحمته التي وسعت كل شيء ومن ثم الخلود في نار سجّرها خالقها لغضبه، فقد أحس (لعنه الله) مذ رأى صورة ادم وقبل أربعين عاماً من نفخ الروح فيه بأنه خلق لأمر ما ثم عاد وقال: (لئن أمرني الله بالسجود له لأعصينه) والعياذ بالله، والامتحان كما هو معروف يأتي بعد فترة يتهيأ فيها الممتحَن، كما انه وسيلة لكشف ما هو مستور، إذن هناك شيء يظهر في ساحة الامتحان ولم يكن أبداً لطرح أمر غريب تماماً، فما الذي انطوى عليه إبليس أخزاه الله ليسفر عنه الامتحان وتكون نتيجته فيه الإنكار لأمر الله سبحانه والفشل والكفر؟ -(الأنا) سبب فشل إبليس (لعنه الله): كان الامتحان الإلهي لإبليس بالسجود لخليفته سبباً في كشف ما أضمره قلبه من الحسد والحقد الدفين لهذا المخلوق الكريم، وبمعنى آخر كانت (الأنا) عنده بنحوٍ لا يطيق معها أن يرى من هو أكرم منه عند الله، هذا باختصار ما أعده إبليس (لعنه الله) قبل امتحانه، فكان جوابه الإنكار والإباء لما طلب منه ربه السجود لخليفته هذه المرة ويكون قبلته إليه، وواضح أن الإنكار لا يأتي بلحظة واحدة من المخلوق، بل تسبقه نيات وأفعال يتحتم أن تأتي النتيجة منسجمة معها غاية الانسجام. إنها (الأنا) التي تجسدت في نفس إبليس بصورة حسد يتمنى فيه زوال ما اختص الله به آدم من فضل بحيث صار موضع تجلي الله بكماله وجلاله ووجه الله الذي يواجه به خلقه، فبمجرد أن سمع أمر الله بالسجود لآدم اخرج فوراً الحسد الذي في قلبه وأبى، أخرجه بحمية وغضب يعبر عن عظم الأنا التي استعرت في صدره وسعى طويلاً لخدمتها وهو الآن قد امتحن بأمر في غير صالحها. عن أبي عبد الله ع، قال: (إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم وكان في علم الله انه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب، فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين) ([141]). فالحسد والغضب وغيرهما من صفات النفس الذميمة ما هي إلا جنود تخدم الأنا وتصرخ للدفاع عنها إذا ما مسّ حريمها، تصرخ بفعل ينسجم مع كل صفة ذميمة من تلك الصفات فكان الحسد الذي لا يريد للغير أن يتحلى بخير قط بل يرجو زواله لتبقى (أنا) صاحبه بارزة، وكان الغضب الذي ينتصر للأنا ولا يقبل حتى بالنصيحة رغم الباطل الذي يتحلى به صاحبها، والكذب الذي يبرز (أنا) صاحبه رغم جهله العميق بالأمر الذي يتحدث به، وهكذا في باقي الرذائل كالجبن والبخل وغيرها. فالمهم كل المهم إبقاء الأنا بارزة بلا خدش أو مساس من أي شيء حتى وان كان كلمة حق قد يستدعي إغفالها نار جهنم، وليس مهماً بعدها أن يكذِّب بأناه المقيتة هذه آيات الله وملكوته الشاهدة بصدق حججه وخلفائه في أرضه، وليس مهماً أن يكذِّب داعي الله ولو جاء بقانونه سبحانه في حججه من وصية وعلم وراية، بل غير مهم أيضاً أن يكذِّب عشرات ومئات روايات آل محمد ص وهم في كل وصف ذكروه فيها للوصي منهم ما لا تطيق الجبال رده، كما هو الحال في حجة الله اليماني السيد أحمد الحسن ع وصي ورسول الإمام المهدي ع. فالمهم أن لا يقال له صحح مسيرتك واتبع من أدان الله خلقه بولايتهم، كيف وهذه الكلمة تعني فيما تعنيه أنه على خطأ الآن وهذا ما لا ترضاه الأنا أبداً، رغم اعترافه بوصف اليماني في كلام أهل البيت ص وتحديداً الإمام الباقر ع الذي قال عنه بأنه: (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([142])، الذي يعني أن حال الأمة قبل مجيئه على ضلال فيأتي هو ع ليصحح المسير، ولو كانت الأمة قبله على الحق لما كان ما ذكر ميزة له، فهل يعقل أن يقال لمن هو سائر على الحق والطريق المستقيم: سيأتيك من يأخذ بيدك إلى الحق والصراط المستقيم ويدعوك إليه؟! والإقرار بهذا الحال اضعف الإيمان لا أقل، وربما يكون مدعاة للبحث في دعوة داعي الحق اليوم ولكنها (الأنا) التي تغلق باب طلب الحق والاستماع لكلمته، فان مجرد الاستماع لأدلة المدعي يعني الصمت أمام متحدث، وهذا ما لا تقبل به الأنا المقيتة حتى وان كان الناطق هم آل محمد؟! (الأنا) .. من هذه النقطة المقيتة وهذا الداء القاتل - أعاذنا الله منه - ابتدأ أول المعترضين على خلفاء الله في أرضه إبليس (لعنه الله) رده للأمر الإلهي بالسجود لآدم ع، فكان التكبر سلاح الأنا الذي رفعه بوجه خليفة الله عندما قاس نفسه إليه فرأى انه قد خلق من نار ومَن اُمر بالسجود له خلق من طين، فكيف يسجد لمن يرى نفسه أفضل منه حتى وإن كان الآمر هو الله الواحد القهار؟! قال الصادق ع: (أول من قاس إبليس واستكبر، والاستكبار هو أول معصية عصي الله بها قال: فقال إبليس: يا رب أعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فقال الله تبارك وتعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك، أنا أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد، فقال الله: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ([143]). وفي تحديد سبب فشل إبليس في الامتحان بخليفة الله في اليوم الأول، وكذلك فشل من سار على نهجه في رفض السجود لخلفاء الله كلما بعث منهم أحد، يقول السيد أحمد الحسن ع: (إظهار (أنا) المخلوق بشكل جلي يعاقب عليه، أي انه طالما استبطن مواجهة ربه بـ (أنا) فالآن تجلى له في خليفة ليقول: أنا خير منه، ولم يكن ليجرأ على النطق بها أمام الله القهار، ولكنه كان ينطق بها في كل آن بنظره المنصبّ على نفسه، أولئك الذين لا يكادون يرون أيديهم، أعمتهم الأنا، فهم كل همهم أنفسهم وما يلائمها وتجنب ما ينافيها ظاهراً. الآن تجلى لهم الذي خلقهم في خليفته ليظهر على الملأ ما انطوت عليه أنفسهم الخبيثة من إنكار له سبحانه ولفضله، ولو قربت الصورة أكثر في مثل مادي: فحالهم كمن ركز نظره على نفسه وهو يواجه ربه دون أن ينطق أو يقول: أنا خير ممن خلقني، أو أن يقول: نفسي أهم عندي ممن خلقني، ولكن حاله ونظره المنصبّ على نفسه ينطق بهذا، الآن امتحنه الذي خلقه بمثله - ظاهراً - إنسان فمباشرة نطق بما انطوت عليه نفسه فقالها جهاراً دون حياء: أنا خير منه) ([144]). هكذا وبكل جرأة تقال (الأنا) من المخلوق في قبال (هو) التي تشير إلى الخالق سبحانه، حتى لما يصل طغيانها إلى مستوى فاضح جلي وعند الامتحان بالخليفة يشهرها المخلوق في محضر خالقه قولاً وفعلاً بعد أن كان حاله ينطق بها قبل الامتحان بالخليفة في كل آن، فجاء الامتحان ليكشف ما كان منطوياً عليه قلبه، فقال أمام ربه: أنا خير منه، أي أنا خير من خليفتك، لا اله إلا الله .. اللهم عفوك يا رب بحق محمد وآله الطاهرين. ومنه يفهم سرّ التركيز على محاربة (الأنا) في كلام الطاهرين ص وادعيتهم، وهو واضح لمن طالعها ووقف على حِكَمها التي لا غنى للمخلوق عنها، فقد اتضح أنها الداء الذي ابتلي به إبليس (لعنه الله) عدو ابن ادم القديم، وبها لا غير كان انحراف من سار على نهجه من أقوام الأنبياء والأوصياء والمرسلين والى يوم القيامة، وبكلمة واحدة: (الأنا) نقطة التقاء كل المعترضين على خلفاء الله في أرضه من آدم ع وإلى آخر خليفة لله في هذه الأرض، فلا يعديكم عدو الله بدائه ولا يجلبكم بندائه وهو الذي ما تمكن بأناه من اجتياز الامتحان بأولهم. ولما كان التحلي بمكارم الأخلاق حربة الحق التي تطعن (الأنا) في الصميم في جنبتها المتعلقة بالجسد قال سيد خلفاء الله وحبيبه محمد ص: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)([145])، وورد أيضاً: (تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة)([146])، باعتبار أن التفكر حربة الحق الأخرى التي تطعن (الأنا) في جنبتها المتعلقة بالروح، وهو ما أوضحه السيد أحمد الحسن ع في إجابته عن سؤال في كيفية محاربة الأنا في كتاب (المتشابهات) ([147]). -ماذا بعد فشل إبليس (لعنه الله) ؟ لم يكن إنكار إبليس أخزاه الله وفشله في امتحانه بالسجود لخليفة الله أمراً عابراً حدث في وقته وانتهى، بل المسألة اكبر من ذلك بكثير؛ ذلك أن المنكر الأول لم ينتهِ بعد وقصته تتكرر كل مرة يبعث الله فيها نبياً أو وصياً، فهو (لعنه الله) وإن طرد من رحمة الله بسبب تكبره وعدم سجوده لخليفته إلا أن المنّان العدل سبحانه لم يكن ليضيع عملاً كان قد أتى به صاحبه يوماً ما في هذه الدنيا، وقد توعد اللعين بإغواء الخلق اجمعهم إلا عباد الله المخلصين، ولنا جميعاً أن ننظر هذا الحديث لنعتبر به بتوفيق الله وفضله: عن الإمام الصادق ع، لما قال الله تعالى لإبليس: ﴿فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ﴾، قال: (فقال إبليس: يا رب، وكيف وأنت العدل الذي لا يجور ولا يظلم، فثواب عملي بطل؟! قال: لا، ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثواباً لعملك فأعطيك. فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين، فقال الله: قد أعطيتك. قال: سلطني على ولد آدم، فقال: سلطتك. قال: أجرني فيهم كمجرى الدم في العروق، فقال: قد أجريتك. قال: لا يولد لهم ولد إلا ولد لي اثنان، وأراهم ولا يروني، وأتصور لهم في كل صورة شئت، فقال: قد أعطيتك. قال: يا رب زدني، قال: قد جعلت لك ولذريتك صدورهم أوطاناً، قال: رب، حسبي. فقال إبليس عند ذلك: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾([148])، ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ﴾([149])) ([150])، الشكر لله رب العالمين على حسن قضائه. إذن، كم علينا أن نحذر إبليس ومكائده وقد أذن الله تعالى له في أن يتخذ من الصدور موطناً له، ويجري في ولد ادم الخليفة - الذي أبى واستكبر على السجود له - مجرى الدم في العروق، ماذا يظن المرء بعد هذا هل يترك عدو الله الإنسان لحاله في إيمانه وإعلان سجوده لخليفة الله عند الامتحان به، خصوصاً والنفس فيها ما يعين إبليس ويخدم مشروعه في إبعاد الخلق عن السجود لخلفاء الله، وكيف يسرّه فعل ما فشل به وصار سبباً لطرده من رحمة الله، ولما كان يعلم بمصيره ومآله أصبح كل همه اخذ اكبر قدر من الناس معه إلى جهنم، ومعلوم - كما هو في كلام الطاهرين - أن جهنم لا يدخلها موحد والموحدين هم من أدانوا الله بالسجود لحججه وخلفائه في أرضه، فصار حربهم وتجيش الجيوش للقضاء عليهم وعلى دعواتهم الإلهية وإضلال الناس عنهم هدف إبليس الذي توعد به الخلق منذ اليوم الأول. ثم إن إصراره وعدم ادخاره جهداً لتحقيق ما توعّد به من إغواء الناس أمر مذهل، وقد أنظره رب العزة جل جلاله إلى اليوم المعلوم لا يوم البعث الذي طلبه أجراً على ما أتى به من قبل، ورغم انه لا يستحق شيئاً لو عومل بعدل الله تعالى؛ لأن ما أتى به سابقاً كله بفضل الله وقوته ولكنه سبحانه قد منحه ما أراد في هذه الدنيا. وفي سؤال وجه إلى يماني آل محمد ع مفاده: من مبدأ العدالة إذا كان أجير مذنب يُعطى أجرة على عمله ويعاقب على ذنبه، فإبليس لعنه الله عَبَدَ الله وقتاً طويلاً، وعن أمير المؤمنين في نهج البلاغة إن إبليس صلى ركعتين في ستة آلاف سنة وأذنب، فهل ذهبت عبادته أدراج الرياح، ولم يأخذ أي جزاء عنها؟ وفي جوابه يقول السيد أحمد الحسن ع: (لقد أعطي أجره، ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾([151])، فهذا الإنظار له وإعطاؤه الحول والقوة كل هذه المدة الطويلة اوليس أجراً كافياً؟! هذا إذا كان الأجير أعطى شيء هو له، أما إذا كان العامل يعمل بحول الله وقوته فهو ليس أجير، ولا يستحق بحسب العدالة أي جزاء، فهل يستحق من يعطيك مالك أجراً ؟!) ([152]). وأما بخصوص قتاله (لعنه الله) وبشراسة لإضلال الناس ومنعهم من السير إلى الله بخليفته، يقول ع نصيحة لأنصاره: (بينوا للناس طريق الإسلام الصحيح، لا تتركوا وسيلة يمكن أن تعملوا بها فإن في ذلك فرجكم، إن إبليس لعنه الله لما كان يعرف أن نهايته في اليوم المعلوم ولما كان يعرف أن لليوم المعلوم بناء لابد أن يكتمل ليأتي هذا اليوم المعلوم، فإنه يعمل ومنذ يومه الأول الذي خرج فيه عن طاعة الله على أن لا يكتمل هذا البناء، ألم تسمع قوله: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ﴾. فهذا عدوكم لم يدخر جهداً لإضلال الناس فكيف ندخر جهداً لهدايتهم، وهل تسمع ما يقول (لعنه الله) أنه سوف يأتي من كل جهة لإضلال الناس، فإن لم ينفع من بين أيديهم لن يتراجع ولن يقبل بخسارة المعركة بل سيحاول مرة أخرى من خلفهم، وإن لم تنفع لإضلالهم أيضاً لن يتراجع ولن يقبل بخسارة المعركة بل يأتيهم عن أيمانهم، وهكذا عدوكم مع أنه الباطل والمدافع عن الباطل ولكنه يقاتل بشراسة ليضل الناس ويمنعهم من السير إلى الله؛ لأنه يعلم أن هذا سيمنع اكتمال البناء ويؤخر اليوم المعلوم الذي تكون فيه نهايته) ([153]). فصار السعي لهداية الناس إلى خليفة الله وجعلهم يسجدون كما سجدت الملائكة لآدم ع هي أوجع ضربة توجه لإبليس (لعنه الله)؛ لأنها تنقض غرضه وتبطل هدفه الذي توعد به، وفي هذا يقول ع: (اعملوا بكل ما يمكن فهي معركة مع إبليس هو يريد أن يأخذ اكبر عدد إلى جهنم .. الدنيا سيراها الناس بعد الموت ساعة لم يكادوا أن يعرفوا منها شيء، هو يريد أن يحقق وعده بغواية الخلق، فإن لم يكن بإمكانه تأجيل اليوم الموعود فهو يريد أن يحقق وعده بأن يغوي كل من سوى المختارين. انتصاركم بهداية الناس، هدايتهم وليس فقط إقامة الحجة عليهم، اعملوا كل ما يمكنكم لهدايتهم .. أوصيكم أن تجاهدوا إبليس بكل ما يمكنكم، أخزوه واخزوا جنده من الإنس والجن). وعن السؤال: ما هي أوجع ضربة توجه لإبليس (لعنه الله)؟ أجاب ع: (ألم تقرأ في الحديث والأثر إذا سجد ابن آدم اسودّ وجه إبليس .. إن متابعة حجة الله بقدر دقتها يسوّد وجه إبليس .. السجود الذي رفضه إبليس هو الذي يسوّد وجهه، لقد رفض السجود لخليفة الله وتوعد بإغواء الناس وأن يحملهم على رفض السجود لخليفة الله، فما هو الذي يسود وجهه أكثر من نقض غايته وهدفه. إذن فهو ما قلته أولاً، اعملوا على هداية الناس، اجعلوهم يسجدون كالملائكة واخزوا إبليس الذي يريد منهم متابعته في رفض السجود لخليفة الله) ([154]). ولابد أن يعلم أن ما أعطي إبليس أخزاه الله إنما هو في هذه الحياة الدنيا دار الابتلاء والامتحان وليس له في الآخرة نصيب، كذا من آثر طاعته على طاعة الله واعترض على خلفاء الله واستكبر على طاعتهم والسجود لهم ليس له في دار القرار شيء يذكر، فهي دار ادخرها سبحانه الآخرة لأوليائه وعباده المخلصين الذين كتب لهم النجاح في اجتياز الامتحان بخلفائه، ولم يقعوا فريسة لإبليس الذي يزين الانحراف لهم بمكره ومكائده، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾([155]). وفي بيان الآية الكريمة عبر نصيحة خرجت منه روحي فداه، قال السيد أحمد الحسن ع: (لم يقل الله: نصيب من الدار الآخرة، ولم يقل: نجعل له نصيب من الدار الآخرة، بل قال: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ أي الدار الآخرة بما فيها يجعلها لهؤلاء، أي أنهم ملوك الآخرة، فهؤلاء هم آل محمد ص وخاصة شيعتهم، فاعملوا أن تكونوا منهم وإلا فلا أريد أن أرى صوركم وأنتم تتبعون أهواءكم. وفي نهاية الآية قال تعالى: والعاقبة للمتقين، والمتقون هم آل محمد ص، وقد قال الصادقع لمن قرأ: ﴿واجعلنا للمتقين إماماً﴾([156]): (لقد طلبوا عظيماً، إنما هي: ﴿واجعل لنا المتقين إماماً﴾. فما هي الأمور التي يعملها الإنسان ليكون من هؤلاء؟ ﴿لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا﴾، أي أن لا يمر بخاطرك أنك خير من أحد؟ ولا تفضّل نفسك على أحد. لا يريدون علواً ولا فساداً، لا يريدون الفساد وليس لا يعملون الفساد، في آيات أخرى قال تعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ..﴾([157])، أما هنا في هذه الآية ليس لا يفسدون بل لا يريدون الفساد، أي لا يمر بخاطرهم الفساد، ولا يخطر ببالهم الفساد). هنيئاً لمن تدبر فاتعظ وسمع أو قرأ فوعى وخير القلوب أوعاها، والحمد لله رب العالمين. ( 3 ) -إمهال إبليس (لعنه الله) إلى اليوم المعلوم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ( فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ( إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ( قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ( قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ( إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ( قَالَ هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيمٌ ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾([158]). بعد عصيانه واستكباره على الأمر الإلهي بالسجود لخليفة الله اُنظِر إبليس ولم يمنح الإمهال إلى الوقت الذي طلبه (يوم البعث) وإنما إلى يوم الوقت المعلوم، وكان سبب إنظاره ما سبق من عبادته. عن الحسن بن عطية، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إن إبليس عبد الله في السماء الرابعة في ركعتين ستة آلاف سنة، وكان من إنظار الله إياه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة) ([159]). وبالرغم من أنّ تلك العبادة كانت لأجل الدنيا والتمكين من الإمهال ولم تكن خالصة لله سبحانه كما يقول أمير المؤمنين ع: (.. فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، لم يرد بها غير زخرف الدنيا، والتمكين من النظرة ...) ([160])، إلا أنه سبحانه ما كان ليضيع عمل عامل، فإن كان للدنيا فلا يضيعه في الدنيا، وإن كان للآخرة فهو محفوظ له هناك، فتبارك الله العدل الوهاب. فهبط إبليس (لعنه الله) وهو يحمل عار الإباء والتكبر على الله تعالى بتكبره على السجود لخليفته، فكان من مسكنه وقراءته وطعامه وشرابه وبيته ومجلسه في هذه الأرض ما يبينه لنا الحديث الآتي: جاء في الأثر، أن إبليس تكلم وقال: (يا رب إنك أغويتني وأبلستني، وكان ذلك في سابق علمك فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال: ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ .. قال: إنك أنظرتني ، فأين مسكني إذا هبطت إلى الأرض؟ قال: «المزابل» . قال: فما قراءتي؟ قال: «الشعر». قال: فما مؤذني؟ قال: «المزمار». قال: فما طعامي؟ قال: «ما لم يذكر عليه اسمي». قال: فما شرابي؟ قال: «الخمور جميعها». قال: فما بيتي؟ قال: «الحمام». قال: فما مجلسي؟ قال: «الأسواق، ومحافل النساء النائحات». قال: فما شعاري؟ قال: «الغناء». قال: فما دثاري؟ قال: «سخطي». قال: فما مصائدي؟ قال: «النساء». قال إبليس: لا خرجت محبة النساء من قلبي، ولا من قلوب بني آدم، فنودي: يا ملعون، إني لا أنزع التوبة من بني آدم حتى ينزعوا بالموت، فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين. فقال آدم: يا رب، هذا عدوي وعدوك أعطيته النظرة، وقد أقسم بعزتك أنه يغوي أولادي، فبم أحترز عن مصائده ومكائده؟ فنودي: يا آدم، قد مننت عليك بثلاث خصال: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، أما التي لي فهي أن تعبدني ولا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فهو ما عملت من صغيرة وكبيرة من الحسنات فلك الحسنة بعشر أمثالها والعشر بمائة والمائة بألف وأضعفها لك كالجبال الرواسي، وإن عملت سيئة فواحدة بواحدة، وإن أنت استغفرتني غفرتها لك وأنا الغفور الرحيم. وأما التي بيني وبينك فلك الدعاء والمسألة ومني الإجابة، فابسط يديك فادعني فإني قريب مجيب ...) ([161]). هبط (لعنه الله) وكل همه حرف الناس عن السجود لخلفاء الله في أرضه وحملهم على الاعتراض عليهم بكل ما أوتي من قوة، خصوصاً وأنّ سجوده السابق قبل الامتحان لم يكن إلا لنيل هذا التمكين والإمهال لمحاربة خلفاء الله بجيوش البشر العملاقة التي توعد بإغوائها جميعاً ما خلا عباد الله المخلصين الذين رفضوا الانقياد له واختاروا بفضل الله السير والسجود لدعاة الحق والصراط المستقيم، فكان علياً ع مضرب مثل الرحمن تقدست آلاؤه في الآيات المتقدمة عند قول إبليس: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، فأجابه الحق سبحانه: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطُ عليٍّ مُسْتَقِيمٌ﴾، وليس (صراطٌ علَيَّ) وهو ما ذكره آل محمد ص عدل القرآن، وما بعد قولهم إلا الضلال والحسد لآل محمد خلفاء الله في أرضه بل سادتهم، فلا يعديكم إبليس بدائه، وهذه نماذج مما قالوه: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه ص، قال: (قام عمر بن الخطاب إلى النبي ص، فقال: إنك لا تزال تقول لعلي بن أبي طالب: أنت مني بمنزلة هارون من موسى وقد ذكر الله هارون في القرآن ولم يذكر علياً؟ فقال النبي ص: يا غليظ، يا أعرابي، إنك ما تسمع الله يقول: هذا صراطُ عليٍّ مستقيم) ([162]). فهل تخطِّئون رسول الله ص - والعياذ بالله - وقد استشهد بالآية لعلي ع، أم تصرّون على الاستنان بمن أقسم به إبليس بقوله: (ربِّ بما أغويتني) ([163])، ومعلوم أن (ما) تستعمل لغير العاقل، وقد ورد في كلام أهل البيت ص من يمثل الجهل كله. نعم، أبى إبليس السجود لآدم ع ولكن لما جاء سيد خلفاء الله بعد محمد ص اشتدت المواجهة بين خط الساجدين الذي يقوده خليفة الهي دائماً وخط المعترضين الذي يقوده إمام ضلال دائماً، فكان إمام الهدى هو سيد خلفاء الله بعد حبيبه محمد ص وهو علي أمير المؤمنين ع الذي ذكره الله تعالى في الآية التي تليها مباشرة: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيمٌ﴾، فسلام على من ذكره الله تعالى مثلاً لخط الساجدين، بل إمامهم بعد الساجد الأول حبيب الله ورسوله ص، وسلام على مثَلَك اليوم الذي سيتضح بعد قليل. وعن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله ع، قال: (هذا صراطُ عليٍّ مستقيم) ([164])، وواضح أن الإمام الصادق ع يريد أن يصحح ما تقرأه الناس دفعاً لحق علي ع في كتاب الله حسداً وبغضاً، وهو ما أوضحه ع في أحاديث أخرى. فعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله ع، قال: سألته عن قول الله (: ﴿قالَ هذا صِراط عَليّ مُسْتَقِيمٌ﴾، قال: (هو والله علي ع، هو والله الميزان والصراط المستقيم) ([165]). وعن عبد الله بن أبي جعفر، عن أخيه جعفر الصادق ع، عن قوله: ﴿هذا صِراط عَليّ مُسْتَقِيمٌ﴾، قال: (هو أمير المؤمنين ع) ([166]). وبعد هذا، مَن الذي نوّن كلمة (صراط) في الآية وقد كان حقها الضم؟ ومَن الذي جعلها منكّرة بالتنوين وكان حقها أن تكون معرّفة بإضافة علي ع لها؟ ومتى كان صراط الله تعالى نكرة لا يعرف لتكون كل هذه الجرأة بتنكيره، أ كلّ هذا لزحزحتها عن أمير المؤمنين وسيد المتقين ع ؟!! ثم مَن الذي حرّك كلمة (علي) فيها وجعلها تُقرأ (علَيَّ) دفعاً لها عن أمير المؤمنين ع، وهي بوضوح تذكر اسمه كما رأينا بعض ما قاله الطاهرون محمد وآله ص، من فعل ذلك؟!! حقاً أن إبليس (لعنه الله) جاد في وعده بإغواء أكثر الناس عن خلفاء الله في أرضه ودعوتهم لرفضهم والاعتراض عليهم، وما ذكر نموذج - من بين الأمثلة التي يصعب حصرها - لأفعاله التي يريد بها إغواء الناس عن سادة الخلق (آل محمد ص) وتحريف ما جاء في حقهم من ربهم تكرّماً وفضلاً، وقد قام بتنفيذ هذا المخطط هذه المرة جند إبليس الذين ما آمنوا يوماً، وتعاهدوا على زحزحتها عمن اصطفاهم الله حججاً على خلقه علياً وأولاده الأئمة والمهديين ص، وأكمل اللغويون المشوار بعدهم فلوّنوا الحركات بخطٍ واضح؛ ظنّاً منهم أنهم قادرون على إطفاء نور الله، والله يأبى إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون بخلفاء الله الآبين السجود لهم تأسياً بإبليس، ولذا اُمرنا أن نقرأ كتاب الله كما يقرأ الناس إلى حين مجيء القائم ع. عن سالم بن أبي سلمة، قال: قرأ رجل على أبي عبد الله ع وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبد الله ع: (مه مه! كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام أقرأ كتاب الله على حدّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي). وقال: (أخرجه علي ع إلى الناس حيث فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمد ص وقد جمعته بين اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه، قال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان عليّ أن أخبركم به حين جمعته لتقرأوه) ([167]). وكيف يقبلوه وفيه ما لا يخدم مخططهم الذي تعاهدوا عليه في إقصاء خلفاء الله الحقيقيين، أما وقد جاء اليوم قائم آل محمد ويمانيهم (السيد أحمد الحسن ع) فستظهر الحقيقة ويُقرأ القرآن على تنزيله الذي أراده الله تعالى، وستسجد البشرية طوعاً وكرهاً لخلفاء الله وسادتهم، ويُخزى إبليس (لعنه الله) وينكص على عقبيه لما يرى كل جهده الجهيد كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف في يوم الله المعلوم، الذي يقوم فيه قائم آل محمد وقائد جيش الغضب الإلهي بجنده وهو المعدّ لقطع دابر الظلمة الفجرة. فاليوم المعلوم الذي اُنظر إليه إبليس (لعنه الله) هو يوم قيام القائم ع، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر ع، في قوله (: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾، [قال]: (يعني بهذه الآية إبليس اللعين خلقه وحيداً من غير أب ولا أم، وقوله: ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً﴾ يعني هذه الدولة إلى يوم الوقت المعلوم، يوم يقوم القائم ع، ﴿وَبَنِينَ شُهُوداً ( وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ( ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ( كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً﴾([168])، يقول: معانداً للأئمة، يدعو إلى غير سبيلها، ويصد الناس عنها وهي آيات الله) ([169]). وعن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول إبليس: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ( إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ قال له وهب: جعلت فداك، أي يوم هو؟ قال: (يا وهب، أ تحسب أنه يوم يبعث الله فيه الناس؟ إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة، وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه، فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم) ([170]). اليوم المعلوم إذن هو قيام القائم ع، فهي المدة التي قضاها الحق سبحانه لانقضاء مهلة إبليس (لعنه الله)، ولذا صار كل همه وسعيه حرف الناس عن نصرة القائم ع بعد استنهاض كل طاقاته واستنفار جنده من الإنس والجن جميعاً؛ لحمل الناس على حرب المعدّ لقطع دابر الظلمة المتكبرين على الله تعالى ورفض حاكميته المتمثلة بطاعة خلفاء الله في أرضه. وليس غريباً بعد هذا أن نقرأ في كلماتهم ص ما سيفعله إبليس وجنده وخصوصاً العلماء غير العاملين - فهي عادتهم كلما يبعث داعي الله وقد فعلوا كثيراً وسيفعلون – من فعلات لإضلال الناس وتحشيدهم لقتال آل محمد، وفي صيحته وندائه الذي يأتي بعد صيحة الحق مثالاً. -صيحة إبليس (لعنه الله): عن زرارة، عن أبي عبد الله ع، قال: (ينادي مناد باسم القائم ع)، قلت: خاص أو عام ؟ قال: (عام، يسمع كل قوم بلسانهم) قلت: فمن يخالف القائم ع وقد نودي باسمه ؟ قال: (لا يدعهم إبليس حتى ينادي فيشكك الناس) ([171]). وعن عبد الله بن سنان، قال: كنت عند أبي عبد الله ع، فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيرونا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر وكان متكئاً، فغضب وجلس، ثم قال: (لا ترووه عني وارووه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي ع يقول: والله إن ذلك في كتاب الله ( لبين، حيث يقول: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾([172])، فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إن الحق في علي بن أبي طالب وشيعته. قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته، فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه. قال: فيثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرءون منا ويتناولونا، فيقولون: إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت) ثم تلا أبو عبد الله ع: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ ([173])) ([174]). واضح أنّ الرواية الشريفة لا تتحدث عن المنحرفين عن ولاية آل محمد ص منذ أول زمان الإسلام فهم متبرئون من خلفاء الله وأوصياء نبيه ص منذ ذلك الحين وملبّين لإبليس نداءه، فلا تضيف إلى باطلهم شيئاً صعْدتُه ونداؤه لتشكيك الناس بالقائم ع بالصيحة الثانية التي تأتي مباشرة بعد صيحة الحق الأولى، فالرواية توصف المرتابين بأنهم يتبرؤون من أهل البيت ص - والعياذ بالله - بعد سماع صوت إبليس، وهو يعني أنهم لا اقل يدعون ولايتهم للطاهرين إلى فترة نداء إبليس بمظلومية عثمان، إذ يقول الإمام ع: (فعند ذلك) أي عند صعود إبليس في الهواء وندائه: (يتبرؤون منا ويتناولونا ...)، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا أولاً. وثانياً: إذا كان القوم - أو لا اقل من ضمن القوم الذين يسمعون - شيعة يدعون ولاية أهل البيت ص، فما بالهم يشككون بالصيحة الأولى التي ذكرت علياً ع وشيعته؟! ثم كيف يسمحون لأنفسهم أن يشكوا في ذلك بسبب صيحة إبليس التي تنادي بمظلومية عثمان وقتله؟! وهل يخطر ببال موالٍ لأمير المؤمنين ع الارتياب لمثل ذلك؟ أمّا أن في القوم السامعين لنداء إبليس شيعة فهذا مما لا شك فيه، بدليل ما ذكرته الرواية الشريفة وتم إيضاحه في الفقرة الأولى، إذن أين المشكلة؟ المشكلة أن الأمة - وخصوصاً التي تدعي ولاية آل محمد - قد ابتعدت عنهم وتركت استقاءها من عذب فراتهم، وآثرت الاستقاء من آجن ممن اختاروهم أئمة بأهوائهم وتركوا من اختارهم الله أئمة لهم، فتاهوا وضاعوا، والآن فلنستمع لآل محمد وهم يتحدثون عن جواب ذلك عساه يكون عبرة لمعتبر قبل فوات الأوان، وسيكون مختصراً لئلا يخرج البحث عن قصده. ورد في رواياتهم روحي فداهم ما يذكر صيحة الحق بعدة مضامين، هذه بعضها ([175]): عن أبي جعفر ع: (ينادي منادي باسم القائم واسم أبيه). عن أبي جعفر ع: (ألا إن المهدي من آل محمد فلان بن فلان). عن أبي عبد الله ع: (إن فلان هو الأمير). عن أبي عبد الله ع: (ألا أن فلان صاحب الأمر فعلامَ القتال). عن أبي عبد الله ع: (فيم القتل والقتال … صاحبكم فلان). عن أبي عبد الله ع: (ألا إن الحق في علي بن أبي طالب). عن أبي عبد الله ع: (وينادي منادي أن علياً وشيعته هم الفائزون). لابد أن يعلم قبل كل شيء أن الإمامين الهمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) يتحدثان عن شخص واحد ستكون إحدى آياته ودلائله الصيحة الأولى الدالة عليه، وأنهما (عليهما السلام) بصدد اصطناع الأمة المعدودة وتعريفها بقائدها كما مرّ في التمهيد عند استعراض فضّ كل واحد من الأوصياء الختم الذي يخصه في الوصية المقدسة والعمل بما فيه، ولا يصح أن يخطر في بال احد ليتوهم أنّ ما ذكر من المضامين التي تخص صيحة الحق ونداءه في كلام الإمامين أنهما يتكلمان عن عدة أشخاص، فان راية الحق ترفع من قبل واحد لا أكثر والحق لا يتعدد، فمن هو المنادى باسمه والذي وصِف بأنه: (القائم، والمهدي، والأمير، وصاحب الأمر، وصاحبكم، وإنه علي بن أبي طالب ع) ؟ كما أن المنادى باسمه ليس هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بشخصه، وإلا فلماذا يرتاب من يدعي انه من شيعته بليلة واحدة تفصل بين النداء الأول ونداء إبليس في الغد مباشرة، والذي يكون سبباً ليس فقط لعدم نصرة داعي الحق بل للبراءة من أهل البيت ص وتناولهم والعياذ بالله؟ وهل يزيد ذكر اسم علي ع بنداء الهي وسماعه ممن يواليه إلا إيماناً وتصديقاً، فما بال القوم إذن سرعان ما يتبرؤون بل يقولون أنه من سحر أهل هذا البيت، ومن يجرؤ على قول ذلك ممن يدعي انه موالٍ له ولأولاده الطاهرين ؟! إنه إذن مَثَل علي ع في زمنه وقطعة منه وروحه، والإمام المهدي محمد بن الحسن ع وإن كان كذلك روحي فداه لكنه الآخر غير مقصود بالمنادى؛ ذلك أنّ ما قلناه في أبيه أمير المؤمنين ع يأتي فيه، فمَن من الشيعة سيستمع إلى صيحة إبليس (لعنه الله) إن كانت الصيحة باسم الإمام ع، ومن منهم لا يزيده ذكر اسم الإمام ع إيماناً، في حين أن الرواية تقرر حقيقة خطرة للغاية وهي التبرّي منهم ص - والعياذ بالله - بعد سماع نداء إبليس أخزاه الله، بمعنى أن الصيحة ستكون حداً فاصلاً في إعلان جماعة - وهم كثر كما سيتضح -كانوا يدّعون مولاة آل محمد براءتهم منهم باستماعهم للنداء الثاني ورفضهم الأول، أو بالأحرى لرفضهم واعتراضهم على من يكون النداء الإلهي به. فمن هو إذن ؟ هو مَثَل علي ع في وصية رسول الله ص ليلة وفاته والذي خصه جده المصطفى بمقطع من وصيته المباركة وركّز على ذكر أسمائه وصفاته كتركيزه على أول الأئمة الاثني عشر، إنه أول المهديين الاثني عشر وأول المؤمنين بأبيه كما كان جده أمير المؤمنين ع أول المؤمنين برسول الله ص، وأن يكون أولُ مؤمن بالحجة في وقته هو الوصي ولا يسبقه بالإيمان به أحد حقيقةً لا ينبغي التشكيك فيها من قبل مؤمن بالله ورسله، فهي سنة الله في حججه ولن تجدوا لسنته سبحانه تبديلاً ولا تحويلاً. (أحمد، وعبد الله، والمهدي) أسماؤه التي خصه بها جده رسول الله صفي وصيته. (ابن الإمام المهدي، وأول مقرب إليه، وأول مؤمن به) صفاته التي تميز بها في الوصية المقدسة .. وإذا ما قارنّا ذلك بمضامين صيحة الحق، فهو - أي وصي الإمام أحمد (عليهما السلام) - إذن: القائم .. وكل آل محمد قوّام بالحق، لكنه القائم الذي سيبتلى به الناس في زمن الظهور المقدس، والذي ورد في حقه انه علامة حتمية لظهور الإمام ع. فعن الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله ع: إن أبا جعفر ع كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم، فقال أبو عبد الله ع: (واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم ..) ([176]). وليس بخافٍ أن العلامة شيء ومن تدل عليه العلامة شيء آخر، وقد جُعل القائم هنا علامة حتمية لظهور الإمام المهدي ع لا انه الإمام نفسه، فكيف يكون الشيء علامة حتمية لنفسه؟ والمهدي .. الذي سينادى باسمه ويقال: (ألا إن المهدي من آل محمد) .. وإلا فهل يشك أحد من الشيعة وهم يستمعون النداء الإلهي في أن الإمام المهدي ع من آل محمد حتى يكون النداء الثاني - وهو لإبليس - ذا تأثير اكبر ويحصل التبرّي من آل محمد ؟! روى حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين ع: صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته، فقال: (يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة ويكون مأواه تكريت وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) ([177]). ومعلوم أن الرواية لا تتحدث عن الإمام المهدي ع؛ لأنه أساساً ليس بظاهر قبل السفياني ليختفي بعد ظهوره، بل السفياني نفسه علامة حتمية على ظهور الإمام ع. فالمهدي هنا يقصد به أول المؤمنين بالإمام المهدي ع ووصيه، وهو أحمد الذي ذكره رسول الله ص في وصيته وأعطاه اسم المهدي أيضاً. وهو الأمير .. أمير جيش الغضب الذي ولّي البيعة من قبل أبيه (الملك) روحي فداه، فهو قائد جيشه ووصيه ورسوله إلى الناس ويمينه ويمانيه، وقد عرفنا سابقاً أن أسماء من يبايع بين الركن والمقام بنص حديث رسول الله ص- وبعد عرضها على الوصية المقدسة - هي أسماؤه سلام الله عليه. وأيضاً: - روى السيد ابن طاووس، قال: (أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني) ([178]). - وقال: (فيجتمعون وينظرون لمن يبايعونه فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قال إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني) ([179]). وهو نفسه الخليفة اليماني الذي ذكره الإمام الباقر ع ووصفه بأنه صاحب أهدى الرايات الذي يدعوكم إلى الإمام المهدي ع، وبيّن وجوب النهوض إليه واستحقاق النار عند الالتواء عليه، فهو إذن خليفة الهي ومعصوم بنص نفس الحديث الشريف، وبه سيكون النداء. وصاحب الأمر .. الذي ذكره الإمام الباقر ع وهو يعدد سننه من الأنبياء. عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (في صاحب الأمر سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد ص، فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما من يوسف فالسجن والتقية، وأما من محمد ص فالقيام بسيرته وتبيين آثاره، ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر ولا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله. قلت: وكيف يعلم أن الله ( قد رضي ؟ قال: يلقي الله ( في قلبه الرحمة)([180]). فواضح أنها لا تتحدث عن الإمام المهدي ع، فهو وان كان صاحب الأمر أيضاً إلا انه لا يسجن كما هو معلوم، ثم إن من ورد في وصفه في الرواية بأنه يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر هو من يقوم بالسيف قبل الإمام ع لقتال السفياني وجيشه، وهذه وظيفة اليماني كما قررته روايات الطاهرين. وعن ضريس الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف، ابن أمة سوداء يصلح الله أمره في ليلة واحدة) ([181])، ومعلوم أن الإمام المهدي ع أمه نرجس ص وهي بنت قيصر الروم وحفيدة وصي عيسى ع وليست سوداء. وهو مَثَل علي بن أبي طالب ع اليوم بعد أن كان أبيه الإمام المهدي ع مَثَل جده المصطفى ص. فعن أبي مروان، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله( : ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾([182])، قال: فقال لي: (لا والله، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله وعلي بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب)، يعني موضعاً بالكوفة ([183]) . إن هذا المسجد الذي سيبنى له علاقة بالقائم ع كما لا يخفى، فعن مفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد من ضوء الشمس، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر، لا يولد فيهم أنثى، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ويتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء وبالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها) ([184]). لأن الصلاة خلفه تعدل الصلاة خلف رسول الله ص، فعن أبي جعفر ع في خبر طويل: (يدخل المهدي الكوفة، وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها، فتصفو له فيدخل حتى يأتي المنبر ويخطب، ولا يدري الناس ما يقول من البكاء .. فإذا كانت الجمعة الثانية، قال الناس: يا ابن رسول الله، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله ص والمسجد لا يسعنا، فيقول: أنا مرتاد لكم، فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس عليه أصيص، ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين ع لهم نهراً يجري إلى الغريين حتى ينبذ في النجف..) ([185]). وهو رجل من علي ع، بل إنّ أمير المؤمنين ع يعتبر فعلَه فعلُه. عن عباية الأسدي، قال: سمعت أمير المؤمنينع وهو مشنكى - كذا في المصدر - وأنا قائم عليه: (لأبنين بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين، كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت؟ فقال: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني)([186]). وإذا كان فعله هو فعل أمير المؤمنين ع فالصيحة باسمه يعني الصيحة باسم علي ع، ويعرف بعد هذا معنى ما ورد في الصيحة بـ (أن الحق مع علي) أو (علي وشيعته هم الفائزون)، ويتضح سبب تأثر الناس بالنداء الثاني وتبرئهم من أهل البيت ص والعياذ بالله؛ ذلك أنّ الصيحة ستكون باسم من هو مَثَل أمير المؤمنين ع اليوم وبراءتهم منه يعني براءتهم من أمير المؤمنين ع وأهل البيت كلهم؛ لأن المنكر لآخرهم كالمنكر لأولهم، هكذا شاء الله. وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن آبائه ص، قال: (زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين ع فركب هو وابناه الحسن والحسين ص فمر بثقيف، فقالوا قد جاء علي يرد الماء، فقال علي ع: أما والله لاُقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم، تمييزاً لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة) ([187]). وليس هو الإمام المهدي؛ لأنه ع يظهر في آخر الزمان لا إنه يبعث، فبعثته بعد شهادة أبيه الإمام العسكري ع والأرض لا تخلو من حجة كما هو واضح، كما أن غيبته متأخرة عن بعثته، في حين أن من يتحدث عنه أمير المؤمنين ع من ولده ستكون بعثته في آخر الزمان وغيبته بعد بعثته وطلبه بدماء آبائه الطاهرين ص. وكذلك: عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع أنه قال وهو يتحدث عن راية القائم ع: (... وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم ع فإذا قام نشرها فلم يبق في المشرق والمغرب أحد إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، [ووراءها شهراً] وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً. ثم قال: يا أبا محمد، إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً، لغضب الله على هذا الخلق عليه قميص رسول الله ص الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرع رسول الله ص السابغة، وسيف رسول الله ص ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً. فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف ولا يخرج القائم ع حتى يقرأ كتابان كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي ع) ([188]). ومرة أخرى يقف المرء مذهولاً أمام الحقيقة التي تذكرها الرواية وهي التبرؤ من علي ع في مدينتين يدعي أهلها التشيع كما هو معلوم، ولكن إذا ما ضممناها إلى ما تقدم وما سيأتي من روايات شريفة يتبين المراد، وأنّ من يُقرأ الكتاب باسمه في الكوفة والبصرة هو مَثَل علي ع ومَن يكون فعله فعل جده ع، كما تقدم توضيحه. وهذا الولد الطاهر من آل البيت ص (القائم أحمد ع) هو نفسه الذي عناه أمير المؤمنين أيضاً في حديثه للأصبغ بن نباتة لما رآه متفكراً في أمر هذا الولد منهم الذي يبعث في آخر الزمان، قال: أتيت أمير المؤمنين ع فوجدته ينكث في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، مالي أراك مفكراً تنكت في الأرض أرغبة منك فيها ؟ قال: (لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. قلت: يا مولاي، فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: وإن هذا الأمر لكائن ؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة، قال: قلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟ قال: يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات) ([189]). فهو إذن ابن الإمام المهدي ع ومن أهل بيته الذي يأتي قبله، فعن أمير المؤمنين ع، قال: (إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً يخسف به بالبيداء وبلغ ذلك أهل الشام، قالوا لخليفتهم قد خرج المهدي فبايعه وأدخل في طاعته وإلا قتلناك فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس وتقبل إليه الخزائن وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال حتى يبني المساجد بالقسطنطينية وما دونها، ويخرج قبله رجل من أهل بيته بأهل الشرق ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس ...) ([190]). وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل، قال: قلت له: جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه، قال: يا أبا محمد، ليس يرى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت، يشير بالتقى، ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا. والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه ([191])، ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين القائد العادل، الحافظ لما استودع، يملأها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) ([192]). وإذا كان الإمام المهدي ع هو الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين، فمن هو الرجل الذي قال عنه الإمام الصادق ع: (منا أهل البيت) وأنه يعرف اسمه، علماً أن الإمام المهدي ع يعرفه الكل، وليس الإمام الصادق ع بعد ذلك بحاجة إلى أن يقسم على أنه ع يعرفه باسمه واسم أبيه. ثم إن العمل بالهدى - وهي إحدى صفاته - أليس له علاقة بصاحب أهدى الرايات الذي ذكره الإمام الباقر ع عند حديثه عن اليماني (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى)، خصوصاً ونحن نعرف أنّ الهدى هو هدى الله وهو هدى محمد وآل محمد ص، وهداهم واحد ومن يدعو إليه واحد، ولذا عبر عنه ع بأنه (منا أهل البيت). كما أنّ الإمام الصادق ع يعبر عن مجيء الإمام المهدي ع بعد هذا الرجل بـ (ثم يأتينا.. ) فمَن من أهل البيت موجود قبل مجيء الإمام المهدي ع وظهوره غير المعبر عنه في الرواية بـ (أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت)، ولكننا إذا عرفنا أن هذا الرجل ليس منهم فحسب بل هو مَثَل علي ع - كما ظهر آنفاً - يتضح قوله: (ثم يأتينا ..) الذي يشير إلى وجوده ع بوجود مَثَله روحي فداهم أجمعين. إلا أن هذا الرجل الطاهر ليس متاحاً للناس أجمعين – وإن كانت دعوته لهم كلهم كما هو واضح في رواية اليماني - وإنما هو متاح لأمة محمد ص فقط وقد توضح أيضاً معناها في التمهيد، وليس هو تحديد في رحمة الله والعياذ بالله لكنه ما اختاره الناس لأنفسهم من صدهم وتكبرهم على دعاة الحق متى ما صدح به رجل الهي ممن اجتباهم الله وخصهم لرسالاته ودينه. هو إذن (أحمد) كما أسماه جده رسول الله ص في وصيته المقدسة ليلة وفاته، وهو الولد الذي يكون من ظهر الحادي عشر من ولد أمير المؤمنين ع، والذي قال عنه الإمام الصادق ع أنه منهم أهل البيت ومن أهل بيت الإمام المهدي ع، بل عبّر عن أفعاله بأنها فعله ع كما سبق، كما انه صاحب المضامين التي ورد عنهم ص في كيفية صيحة الحق، وعشرات الروايات الأخرى التي وصفته باسمه ومسكنه وعلمه وصفته البدنية وكل ما يتعلق بأمره التي بحاجة إلى معجم كبير لتصنيفها ولا يسعها هذا البحث وان كان يصعب لمثلي حصرها، فأصبح أمره أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولكنها لذي عينين. وأخيراً: لكل طالب حق هذه الرواية لمن تكون باسمه صيحة الحق ليضمها إلى كل ما تقدم: المفضل: يا مولاي، فكيف يدري ظهور المهدي ع وان إليه التسليم ؟ قال ع: (يا مفضل، يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادي باسمه وكنيته ونسبه، ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، على أنه قد قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله ص وكنيته لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسماً ولا كنية ولا نسباً. والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه ونسبه وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم، ثم يظهره كما وعد به جده ص في قوله (: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾([193])) ([194]). * * * أما صيحة إبليس (لعنه الله) فبعض ما تساءلنا عنه في صيحة الحق يأتي فيها أيضاً، فإذا كان الذين يتبرؤون من أهل البيت يحسبون على الشيعة كما تقدم، فكيف يمكن تصوّر أن شيعياً يستمع لإبليس وهو ينادي بمظلومية عثمان قبال حق علي ع ؟! وكما توضح في صيحة الحق في أنها تكون بمَثَل علي ع، فكذلك الحال في صيحة إبليس أخزاه الله فإنها تكون بمَثَل عثمان في هذا الزمان، ولما كان يتجلبب زوراً بزي أهل الدين والعلم والنسك والزهادة وإمامة الأمة يشتبه الأمر على الناس فيضيع من لم يكن لديه نور من الله، ويتبرأ من آل محمد والعياذ بالله لأجله بل يتناولهم ويتهمهم بالسحر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فمجيء داعي الحق وإعلانه دعوته الإلهية لا يزيدها مواجهة الطواغيت الظلمة الواضحين جهاراً إلا التفاف الناس المظلومة حولها، ومع أن المظلومين هم الأكثر دوماً ولكننا نجد أن كل دعاة الحق لما جاءوا نصروهم القلة المستضعفة، فأين يكمن السبب ومن هم طواغيت الداخل المتسترين والمنافقين ؟ إنهم أدعياء العلم الذين تسنّموا دفة قيادة الناس بلا تنصيب الهي بل حيلة وخداعاً ليوهموا الناس عبر منظومة اُريد لها أن تستقر في الوعي؛ لكثرة التثقيف بها والتركيز عليها، نعم تطعّم بشيء من الحق ولكن ليس لأنهم يعتقدون بالحق وأئمته، بل لخداع الناس بالشعار وتمرير مشروعهم عليهم، فتكتمل خطة إبليس في أخفى حلقاتها المدخرة لمحاربة خلفاء الله في أرضه وتحديداً القوّام منهم وتأخير مشاريعهم الإلهية، فكان علماء السوء غير العاملين الخنجر الذي يطعن الأمة المنتظرة دائماً، ولنا في موسى ع مثالاً، فقد كان المصلح المنتظر الذي يترقبه بنو إسرائيل ويتباشرون بولادته والاستعداد لاستقباله في الوقت الذي كان فرعون وجنوده يستضعفونهم ويذلونهم، ولكن ما إن جاء موسى ع وباشر دعوته وعبر بقومه البحر نرى السامري - وهو العالم عند بني إسرائيل - يصنع عجلاً بوحي إبليس ليعبد من دون الله في غيبة موسى واستخلافه هارون ع، ولما منعهم هارون اعترضوا عليه وكادوا أن يقتلوه، فكان العالم غير العامل سلاح إبليس لحرب خلفاء الله. وكذا الحال عند بعثة عيسى ع، فقد بعث وعلماء بني إسرائيل حبهم للمال والدنيا لا يكاد يوصف فاقتدى بهم أتباعهم تماماً كما هو حال الأمة اليوم، فنسخت شريعة موسى ع على يديه وكان سبب النسخ في بعضه - إن لم يكن أهم الأسباب - ما عمله العلماء من تحريف وتحليل ما حرمه الله وتحريم ما أحلّه إرضاءً للأهواء وتملّقاً للطواغيت، تماماً أيضاً ما وصف به مجيء قائم آل محمد ع الذي ينسف ما شرّعه علماء السوء بالأهواء والتخرّصات ويستأنف الدعوة إلى الله والإسلام من جديد ([195]) بعد أن انكبّ القوم من كبيرهم إلى صغيرهم على الدنيا. وكان الفشل باستقبال عيسى ع بل محاربته ومحاولة قتله والوشي به لظلمة الرومان يقوده علماء الضلالة أيضاً، والحال نفسه لما بعث حبيب الله ورسوله محمد ص، وحديث مجابهة علماء اليهود والنصارى والأحناف وغيرهم له واضحة لكل من اعتقد به، ثم شريح وأمثاله مع سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي ع لما أفتى بخروجه عن الدين ووجوب قتاله، فهل يأتي القائم ع بغير سنة الله في حججه، وهل ستتغير سنته سبحانه في أعدائهم وهم علماء السوء في كل مرة ؟! لا والله، فلا تحويل ولا تبديل في سننه سبحانه، فكان مَثَل عثمان من سينادي به إبليس وهو عالم غير عامل شأنه شأن السامري وبلعم بن باعوراء وشريح وعثمان والشمر وغيرهم الكثير. ومن اختار اليوم الاصطفاف مع من نصب العداء لقائم آل محمد ع لو قدّر له أن يكون أيام موسى وهارون (عليهما السلام) لاختار الوقوف مع السامري ضدهما، ومع علماء بني إسرائيل ضد عيسى ع، ومع علماء اليهود والنصارى والأحناف ضد رسول الله ص، ومع شريح ضد الحسين ع. عن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين ع: (يا مالك ابن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير ؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) ([196]). فمن الذي يكذب على الله ورسوله ويفرّق الناس بكذبه عليهم غير علماء السوء الذين بتطهير الأرض منهم يجمع الله الناس على أمر واحد ؟ إنهم إذن من تتم صيحة إبليس بكبيرهم عثمان العصر الذي يسعى لمحاربة خليفة الله القائم ع بكل جهده وخطه بما أوحى له إبليس من ضلال لإبعاد الناس عن آل محمد وتأخير اليوم المعلوم الذي أنظره الله تعالى إليه، فهل من عاقل لينقذ نفسه من شراك إبليس وجنده، وسيأتي مزيد من التوضيح لذلك في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى. * * * (4) درس اليوم الأول -الفشل في الامتحان بخليفة الله يعني الطرد من رحمة الله إذا ما أردنا أن نستخلص الدرس من اليوم الأول الذي جعل الله تعالى فيه آدم ع خليفة له في أرضه، لا يمكننا إغفال هذه الحقيقة الكبرى: إن الامتحان الإلهي في يومه الأول كان بخليفته في أرضه، والطرد من رحمة الله - نستجير بالله - تكون نصيب مَن فشل في السجود له وطاعته كما حصل لإبليس (لعنه الله). على هذا الأساس يمكننا أن نتعرض لأمر له مساس تام بهذه الحقيقة المستقاة من درس اليوم الأول ألا وهي الروايات المتكاثرة الواردة عن أئمة الهدى ص في الغربلة والتمحيص والامتحان الوارد على الأمة المنتظرة للإمام المهدي ع وفشل أغلبها في انتظاره سوى العدة التي خرجت بفضل الله ورحمته من وعد إبليس بإغواء الخلق كلهم، وهذه نماذج منها: عن صفوان بن يحيى، قال: قال أبو الحسن الرضا ع: (والله ما يكون ما تمدون أعينكم إليه حتى تمحصوا وتميزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر) ([197]). وعن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله ع أنه سمعه يقول: (ويل لطغاة العرب، من شر قد اقترب، قلت: جعلت فداك، كم مع القائم من العرب ؟ قال: شئ يسير. فقلت: والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير. فقال: لابد للناس من أن يمحصوا، ويميزوا، ويغربلوا ويخرج في الغربال خلق كثير) ([198]). وعن سليمان بن صالح رفعه إلى أبي جعفر الباقر ع، قال: قال لي: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه القلوب قلوب الرجال، فانبذوا إليهم نبذا فمن أقر به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا) ([199]). وعن ابن نباتة، عن أمير المؤمنين ع أنه قال: (كونوا كالنحل في الطير ليس شئ من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم - أو قال: من شيعتي - كالكحل في العين والملح في الطعام وسأضرب لكم مثلاً: وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه ونقاه وطيبه ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصاب طائفة منه السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضره السوس شيئاً، وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً) ([200]). والأحاديث في ذلك كثيرة جداً، وقد وردت في باب التمحيص والامتحان قبل ظهور الإمام المهدي ع للناس، ولكن السؤال بم تمتحن الناس وتميَّز وتغربل وتمحّص؟ وبم تفتتن فتظهر الدفائن وتسقط البطائن والولائج وتتكشف الأقنعة؟ وواضح أن السقوط في هذا الامتحان والاختبار لا ينفع معه ادعاء توحيد أو ولاية، بدليل أن الفاشل فيه ساقط من نظر الله ومطرود من رحمته ما لم يتدارك نفسه برحمة منه سبحانه فيعود إلى صوابه ولم يطاله سيف حجة الله. أرجو أن يكون درس اليوم الأول وافٍ بالإجابة عن هذا التساؤل، فلا محيص عن القول بأنه امتحان بخليفةٍ من خلفاء الله في أرضه وحجة من حججه على خلقه، فيكون اجتيازه بفضل الله سبباً في الإبقاء في ثلة خط الساجدين لخلفاء الله المرضيين عنده سبحانه، والفشل فيه سبباً في الخروج من الربقة والطرد من رحمة الله واستحقاق نار جهنم والعياذ بالله، وإنكار حجة وخليفة من خلفاء الله في أرضه في وقته وعند الامتحان به يعني إنكار كل من كان قبله من حجج الله طرّاً. فعن حمران بن أعين، قال: سألت أبا عبد الله ع عن الأئمة، فقال: (من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات) ([201]). ولما كان حال الفاشل في الامتحان المذكور مطرود من رحمة الله ويحشر في زمرة إبليس لعنه الله فالممتحن فيه إذن واحداً منهم ص، وإذا كان كل ذلك قبل ظهور الإمام المهدي ع للناس، فمَن غير خليفة الله (اليماني) ورد عن أهل البيت ص في حقه بانّ الملتوي عليه من أهل النار حتى وإن صلى وصام وادعى ولاية لآل محمد من قبل، ومَن غيره يدعو إلى صاحبكم والى الحق والصراط المستقيم، وهي خصائص من كان خليفة لله لا غير. إنه إذن الامتحان بمن تتم الصيحة باسمه، قائم آل محمد ويمانيهم ع، فمن قبِلَه قَبِل آباءه الطاهرين وحجج الله الماضين، ومن ردّه ردّ كل حجج الله واستحق النار حتى وإن ادعى ولاية كذباً وزوراً، كل ذلك بقول الإمام الباقر ع لما أطلق استحقاق الملتوي عليه النار بلا تفصيل، فانظروا هذا ثم انظروا هل جاءكم داعي الله اليوم أحمد الحسن ع بغيره. وكما كان الامتحان الإلهي بآدم ع وباقي خلفاء الله سبباً في تمييز خط الساجدين عن خط المعترضين المتكبرين، كان أحمد الحسن ع اليوم سبباً في هذا التمييز أيضاً، فأفصح القوم عن سرائرهم ورفع كل من نعق وراءه ناعق صيصيته قبال آل محمد، واظهر حقده وحسده وتكبره على من خصه الله بكرمه واجتباه بفضله واصطفاه لرسالته، وهو داء إبليس (لعنه الله) دوماً كلما بعث نبي أو وصي. وأيضاً: كما لم تنفع الأربعة آلاف عام زمن سجدة واحدة سجدها إبليس (أخزاه الله) بعد فشله في اجتياز الامتحان بالخليفة، كذلك لا تنفع من يدعي انه على ولاية آل محمد - فضلاً عن غيرهم - ويفشل في الامتحان بخليفة الله اليوم الذي جاء بكل ما جاء به خلفاء الله من قبله كما تقدم. عن أمير المؤمنين ع - في حديث طويل - قال فيه: (ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبره عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم ع، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل، فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، لم يرد بها غير زخرف الدنيا، والتمكين من النظرة. فلذلك لا تنفع الصلاة والصيام إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطريق الحق، وقد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته وإرسال رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولم يخل أرضه من عالم تحتاج الخليقة إليه، ومتعلم على سبيل نجاة ، أولئك هم الأقلون عدداً) ([202]). فالامتحان والتمحيص الذي يحصل اليوم يكشف عن حقيقة ما يدعيه الناس من إيمان بآيات الله وغيبه وملكوته وإتباعٍ لعلي وأولاده ص، ومن اعتقاد بكلام حججه وخلفائه بل سادتهم، وستسقط كل بطانة ووليجة وادعاء وتبان الأمور على حقائقها، فيظهر المؤمن إيمانه ويبرز الكافر كفره المستور بغلاف النفاق فان الزمن كفيل بكشفه وإن طال، وخير مظهرٍ له الامتحانُ بحجة من حجج الله، فيبقى الأندر فالأندر هم من يكتب لهم اجتياز هذه الفتنة وأما الغالبية العظمى فحالها هو ما أوضحته روايات الطاهرين ص وحسبنا الله ونعم والوكيل. بقي أن نشير إلى أن الامتحان الأول كان على ظهر الكوفة، قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): (أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة، لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم على ظهر الكوفة) ([203]). وفي ذلك آية للمتوسمين، فإنّ الكوفة التي شاء الله سبحانه أن يكون الامتحان الأول بخليفته عليها، شاء الله أن يعاد الامتحان فيها اليوم بخليفته أيضاً، والنجاة لمن وفق للسجود له كما سجد الملائكة، والطرد لمن أبى وتكبر كما تكبر إبليس، ولا إنظار لأحد بعده كإنظاره وإمهاله؛ لأنّ الفرق بين الامتحانين هو أن الأول كان لبداية دولة إبليس في حين أن الامتحان اليوم هو لبداية دولة العدل الإلهي والقضاء على إبليس الذي ستكون نهايته في الكوفة أيضاً على يد القائم في اليوم المعلوم، وهو قريب إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. * * * -الفصل الثاني -نماذج من المعترضين على خلفاء الله بعد إبليس لعنه الله هابيل وهبة الله خليفتان لله وقابيل يعترض. نوح ع خليفة لله ودوقيل وقومه يعترضون. إبراهيم ع خليفة لله ونمرود وقومه يعترضون. موسى ع خليفة لله وفرعون وقومه يعترضون. عيسى ع خليفة لله وهيرودس وعلماء السوء يعترضون. محمد ص خليفة لله ورؤساء الديانات والحكام يعترضون. أمير المؤمنين ع خليفة لله وعمر وقومه يعترضون. آل محمد (الأئمة) ص خلفاء لله وبني أمية والعباس يعترضون. بعد أن وقفنا على حال المعترض والمنكر والمتكبر الأول على خليفة الله في أرضه، نحاول باختصار الإشارة إلى بعض المعترضين المستنّين بسنّته عند الامتحان الإلهي بخليفة الله كلٌّ في زمنه، أقول باختصار باعتبار كثرتهم فانّ أكثر الناس للحق كارهون وأكثرهم بنعمة ربهم كافرون، ويفسح المجال بعد ذلك إن شاء الله تعالى لعرض قرآني لبيان مقولات المعترضين ومنهجهم في الإنكار والمجادلة بالباطل ووحدة أهدافهم. -هابيل وهبة الله أوصياء لآدم ع وقابيل يعترض: لم يكن قابيل معترضاً على كون أبيه آدم ع خليفة لله في أرضه ولم يمتحن بذلك أصلاً، بل كان امتحانه بأخيه هابيل وصياً وخليفة لله في أرضه بعد آدم ع، وكذلك بأخيه هبة الله من بعد مقتل هابيل ففشل في الأول بقتله، فكانت أول جريمة تقع على هذه الأرض، وقد شاء الله أن يبتدئ خطُ المعترضين خطَ الساجدين بالقتل، ويبتدئ خط الساجدين بالاحتساب إلى الله سبحانه بارئهم والمنتصر لهم، وكانت البداية بتقريب القربان منهما: عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر ع، قال: (لما قرب ابنا آدم القربان فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال: تقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل، دخله من ذلك حسد شديد وبغى على هابيل، فلم يزل يرصده ويتبع خلوته حتى ظفر به متنحياً عن آدم ع فوثب عليه فقتله) ([204]). إنّ نظرة على قصة قتل قابيل لهابيل تنبئك بأنّ القاتل المتكبر على خلفاء الله قد ابتلي بنفس داء إبليس (لعنه الله) من الحقد والحسد الذي أصابه نتيجة اختصاص الله سبحانه هابيل بالعلم وبتقبّل القربان الذي قرّبه دون تقبّل قربان المجرم المتكبر. عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر ع، قال: (لما أكل آدم من الشجرة اهبط إلى الأرض، فولد له هابيل وأخته توأم، ثم ولد قابيل وأخته توأم، ثم إن آدم أمر هابيل وقابيل أن يقربا قرباناً، وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابيل صاحب زرع، فقرب هابيل كبشاً من أفضل غنمه، وقرب قابيل من زرعه ما لم يكن ينق، كما أدخل بيته، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، وهو قول الله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ..﴾([205]) الآية، وكان القربان تأكله النار، فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتاً، وهو أول من بنى بيوت النار، فقال: لأعبدن هذه النار حتى يتقبل قرباني. ثم إن إبليس عدو الله أتاه - وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق - فقال له: يا قابيل، قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك، وإنك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك، ويقولون: نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه، فاقتله لكي لا يكون له عقب يفتخرون على عقبك فقتله. فلما رجع قابيل إلى آدم قال له: يا قابيل، أين هابيل ؟ فقال: اطلبه حيث قربنا القربان، فانطلق آدم فوجد هابيل قتيلاً، فقال آدم: لعنْتِ من أرض كما قبلت دم هابيل فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة. ثم إن آدم سأل ربه ولداً، فولد له غلام فسماه هبة الله؛ لأن الله وهبه له وأخته توأم، فلما انقضت نبوة آدم واستكمل أيامه أوحى الله إليه: أن يا آدم، قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند هبة الله ابنك، فإني لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة، ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي، ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح. وبشر آدم بنوح، وقال: إن الله باعث نبياً اسمه نوح، فإنه يدعو إلى الله، ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان، وكان بين آدم وبين نوح عشرة آباء كلهم أنبياء، وأوصى آدم إلى هبة الله أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به، فإنه ينجو من الغرق ... ثم إن هبة الله لما دفن آدم ع أتاه قابيل، فقال: يا هبة الله، إن قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا، وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل منه قربانه، وإنما قتلته لكي لا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي، فيقولون: نحن أبناء الذي تقبل منه قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه، وإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئاً قتلتك كما قتلت أخاك هابيل) ([206]). فلم يقف ما تحلّى به خليفة الله من القانون الإلهي في حججه حائلاً أمام تغطرس الأنا في نفس المعترض الجامح إلى نيل المراد ولو بسفك دم من اختصهم الله واصطفاهم لرسالته، فرغم أن آدم ع قد نص بأمر الله سبحانه على هبة الله ولم يكن له دخل في الموضوع أصلاً (أوحى الله إليه: أن يا آدم، قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل .. عند هبة الله ابنك)، ورغم العلم الذي اختصه الله به (.. فاجعل العلم الذي عندك .. عند هبة الله ابنك) وما استلمه من أبيه الموصي (وأوصى آدم إلى هبة الله ..) من مواريث النبوة والاسم الأكبر وغير ذلك، رغم ذلك كله يتوعد المجرم قابيل وبكل وقاحة مرة أخرى الخليفة الإلهي "هبة الله" بالقتل أيضاً ما أن يظهر علمه الذي اختصه الله به كما اختص به هابيل من قبل. وقد جرت هذه السنة في خلفاء الله وحججه فيما بعد، فما أن يأذن الله لهم برفع علمهم سلاحاً في مواجهة المتكبرين المنحرفين وفضحهم إلا وهددوهم بالقتل بل وقتلوهم، وفي هذا شواهد كثيرة يكفينا منها ما فعله المأمون العباسي بالإمام الرضا ع لما برز للناس كلهم بتياراتهم المختلفة بعلمه الإلهي، تماماً كما يفعله اليوم قائمهم ع لما اظهر علمه للناس فافتضح الباطل كله برموزه المختلفة، فأباح علماء الضلالة المنحرفين دمه الطاهر. إنها (الأنا) مرة أخرى تعود من جديد في نفس المتكبر قابيل لمحاربة خليفة الله: (يا هبة الله، إني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا ... فيفتخرون على عقبي). وقد كان في وصية آدم ع لابنه البشارة بنوح ع، وهي الأخرى سنة إلهية في حججه وخلفائه أن يوصي الحجة السابق باللاحق لتسهل المهمة أمام الممتحنين به عند بعثه، وهو لطف منه سبحانه ورحمة بخلقه ولكنها سنة إبليس وقابيل تعاد مع نوح أيضاً، فمن المعترض هذه المرة؟! * * * -نوح ع خليفة لله ودوقيل وقومه يعترضون: بعث الله تعالى خليفته نوحاً أول أنبياء أولي العزم في قومه، (وكان ملك قومه رجلاً جباراً قوياً عاتياً، يقال له: دوقيل بن عويل بن لامك بن جنح بن قابيل، وهو أول من شرب الخمر ... وكان يعبد هو وقومه الأصنام الخمس: وداً، وسواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً، وهي أصنام قوم إدريس ع، ثم اتخذوا في كثرة الأصنام حتى صار لهم ألف وتسع مائة صنم على كراسي الذهب، وأسرّة من الفضة مفروشة بأنواع الفرش الفاخرة، متوجين الأصنام بتيجان مرصعة بالجواهر واللآلئ واليواقيت، ولهذه الأصنام خدم يخدمونها تعظيماً لها) ([207]). وقد امتازت دعوته ع لقومه بـ (الدعوة إلى الحق بلين ورحمة ورقة، ثم المبالغة في الرحمة لمن يؤمن بالحق، والصبر على من لم يؤمن في البداية لعلّه بعد ذلك يؤمن بالحق والعمل ليلاً ونهاراً وسراً وعلانية، لإيصال الحق دون ملل وكلل وفي كل هذه الأحوال لابد من اليقين بالنصر الإلهي، والالتجاء إلى الله والتحصن به والتوكل عليه، توكلاً حقيقياً بمعنى أن يكون العبـد مصداق للآية الكريمة: لا قوة إلا بالله) ([208]). قال تعالى حكاية عن قول نوح علقومه وهو يدعوهم: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾([209]). وقال: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([210]). ولكن تلك الرحمة التي كانت يحتويها نوح النجار المبعوث رسولاً من الله لقومه لم تنفع معهم وتُذهب تكبرهم رغم أنه ظل ألف عام إلا خمسين يدعوهم إلى الله سبحانه ليلاً ونهاراً سرّاً وعلانية. قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ( فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً ( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾([211]). عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: (عاش نوح ع ألفي سنة وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث، وألف سنة إلا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم، ومائتا عام في عمل السفينة، وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء..)([212]). إن الجحود الذي قوبل به نوح النبي ع من قومه لم يكن لقصور في الأدلة التي جاء بها، كيف وقد جاءهم محتجاً عليهم بوصية ذكره فيها نبي الله آدم ع (إن الله باعث نبياً اسمه نوح، فإنه يدعو إلى الله ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان) كما عرفناه سابقاً، وبالعلم الظاهر من احتجاجه مع قومه والذي يحكيه لنا القران الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ( وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ( ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً ( لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾([213]). وهو ما أشار إليه الإمام الرضا ع في حديثه الذي جاء فيه: (.. وقد كان آدم أوصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوح في زمانه الذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمداً، وإنما عرفوا نوحاً بالعلم الذي عندهم وهو قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً﴾([214]) إلى آخر الآية ...) ([215]). فكذبوه ولم يزدهم دعاءه لهم إلا ضلالاً وابتعاداً عن الحق، فلما عصوه ﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً ( وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً﴾، بل ازدادوا تمسكاً بأصنامهم التي يعبدونها من دون الله ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾، فاستحقوا النار بما كسبوا من جرم وخطيئة ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً﴾([216]). والملفت هنا فيما ذكره لنا القرآن الكريم من احتجاج نوح ع مع قومه أننا لا نجد للمعجزة المادية - التي يطلبها الناس اليوم من داعي الله (أحمد الحسن ع) وبها فقط يريدون تصديقه - اسم يذكر، في حين أنّ النار كانت مصير المكذب بنوح رغم عدم إتيانه بالمعجزة المادية، وهو إن دل على شيء إنما يدل على أنّ المعجزة المادية تأتي داعماً ومؤيداً لدعوة خلفاء الله في أرضه لا أنها الأساس الذي يدور مع وجودها وعدمه الإيمان والإنكار، ويبقى القانون الإلهي في حججه هو ما اختص الله به خلفائه في أرضه وهو الأصل الذي به يأتون أقوامهم ويعرفون. ومع كل الجهد الذي بذله نوح ع في دعوته الناس إلى الله سبحانه لم يتجاوز عدد المؤمنين به ثمانية أشخاص. عن أبي عبد الله ع، قال: (آمن بنوح ع من قومه ثمانية نفر، وكان اسمه عبد الجبار، وإنما سمي نوحاً؛ لأنه كان ينوح على نفسه) ([217]). وإذا كان نوح ع يرجع في نسبه دماً وحقاً إلى هبة الله ويرجع كبير أعدائه في تكبره ونسبه إلى قابيل فقد تميز الخطان؛ خط الساجدين لله وخلفائه رغم قلته، وخط المتكبرين وهم الأكثر دائماً، ولم تتجاوز الخطين سنّةُ الله في خلقه ممن ادعوا الإيمان أو الذين أصروا على الكفر من البداية في إخراج كل من كانت طينته خبيثة عن خط الساجدين والتحاقه بأصله ممن تكبر من أول الأمر. عن أبي عبد الله ع، قال: (لما استنزل نوح ع العقوبة على قومه بعث الله ( الروح الأمين ع بسبعة نوايات، فقال: يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك: إن هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه، واغرس هذا النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين، فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزها الثمر عليها بعد زمن طويل استنجز من الله سبحانه العدة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ويؤكد الحجة على قومه، وأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاث مائة رجل وقالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقاً لما وقع في وعد ربه خلف، ثم إن الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلاً، فأوحى الله ( عند ذلك إليه وقال: الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه وصفا من الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة، فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض وأمكن لهم دينهم، وأبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم، فكيف يكون الاستخلاف والتمكين وتبدل الخوف بالأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وشبوح الضلالة، فلو أنهم تنسموا مني الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداؤهم لنشقوا روائح صفاته، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، وتأبد خبال ضلالة قلوبهم، وكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة والتفرد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، كلا، فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا) ([218]). ويمكننا أن نشير هنا إلى: إنّ الله سبحانه وتعالى برغم انه لا يُسأل عما يفعل وفعله الحق إلا أنه برحمته لا يعذب خلقه إلا بعد تأكيد الدعوة لهم وإلزامهم الحجة (ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة). حلم خلفاء الله وصبرهم في دعوتهم الناس إلى الله تعالى رغم طول المدة وقساوة الأعداء (فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك). تمحيص مدّعوا الإيمان بخلفاء الله الذين يبدون بحسب الظاهر ضمن خط الساجدين وتمييزهم عمن يكون إيمانهم مستقراً، ليلحقوا بمن أعلن الكفر من أول الأمر، وبعد هذا التمحيص تسفر الحقيقة بكشف المضمر في الصدور (الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه وصفا من الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة). وسبب هذا التمحيص أنّ الله سبحانه وعد الذين آمنوا بنوح ع بالاستخلاف والتمكين، ومع وجود أصحاب الطين الخبيثة والسرائر السيئة ضمن الصف المؤمن لا يصدق التمكين للمؤمنين، ولعادوا وبثوا نفاقهم بعد هلاك من أعلن الكفر بداية وحاربوا من جديد من كانوا في صفهم في جبهة الحق، وكيف يكون التمكين مع إثارة الفتن والحروب ؟! وبعد هذا التمحيص وارتداد أصحاب الطين الخبيثة جاء الأمر الإلهي بصناعة الفلك. ولما كانت سنة الله واحدة لا تتبدل أبداً وأنّ ما جرى في زمن نوح ع يجري اليوم وليست هذه الأمة ببدع ممن سبقها. قال الإمام الصادق ع بعد قوله: (فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا) في الحديث السابق: (وكذلك القائم ع تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم ع. قال المفضل: فقلت: يا بن رسول الله، إن النواصب تزعم أن هذه الآية ([219]) نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، قال: لا يهد الله قلوب الناصبة متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكناً بانتشار الأمن في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشك من صدورها في عهد أحد من هؤلاء وفي عهد علي ع مع ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم) ([220]). وبعد كل الألم والعناء الذي تلقاه نوح ع من قومه وهو يدعوهم إلى الله سبحانه جاء الأمر الإلهي بصناعة السفينة، وكان يمرّ به المكذبون المعترضون ويستهزئون بما يصنع، فكان الطوفان عقوبة المكذبين ونجا هو والذين امنوا معه ممن صعد معه السفينة، وتحقق وعد الله سبحانه لهم بالفرج وبإهلاك الكافرين، (وأما الباقون من قوم نوح ع فاغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح ع، وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين، ومن غاب من أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه) ([221]). رويداً رويداً يقترب نبي الله نوح ع من الرجوع إلى ربه بعد رحلة شاقة قضاها في الدعوة إلى الله وكعادة من سبقه من حجج الله ومن تلاه فانّ نبي الله نوح يستعد لبيان وصيته عند الوفاة والتي يحدد فيها الوصي من بعده، ويهيأ الأمة اللاحقة لاستقبال القائم من ولده (خليفة الله هود ع). فعن الإمام الصادق ع، قال: (لما حضرت نوحاً ع الوفاة دعا الشيعة فقال لهم: اعلموا أنه ستكون بعدي غيبة تظهر فيها الطواغيت، وأن الله ( يفرج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود، له سمت وسكينة ووقار، يشبهني في خلقي وخلقي، وسيهلك الله أعداءكم عند ظهوره بالريح، فلم يزالوا يترقبون هوداً ع وينتظرون ظهوره حتى طال عليهم الأمد فقست قلوب كثير منهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هوداً عنه اليأس منهم وتناهي البلاء بهم، وأهلك الأعداء بالريح العقيم التي وصفها الله تعالى ذكره فقال: ﴿مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾([222])، ثم وقعت الغيبة به بعد ذلك إلى أن ظهر صالح ع) ([223]). ولما كانت الوصية إلهية فلننظر ماذا طلب الله سبحانه من خليفته نوح عند استكمال أيامه، وهو ما يوضحه لنا الإمام الرضا ع في الحديث الآتي: (ثم إن نوحاً لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى الله ( إليه: يا نوح قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند سام، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين بينك وبين آدم، ولن أدع الأرض إلا وعليها عالم يعرف به ديني، وتعرف به طاعتي، ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر، وليس بعد سام إلا هود ، فكان بين نوح وهود من الأنبياء مستخفين ومستعلنين. وقال نوح: إن الله تبارك وتعالى باعث نبياً يقال له هود، وإنه يدعو قومه إلى الله تبارك وتعالى فيكذبونه، وإن الله ( مهلكهم، فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه، فإن الله عز ذكره ينجيه من عذاب الريح، وأمر نوح ابنه ساماً أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة، ويكون يوم عيد لهم فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الذي يخرج فيه، فلما بعث الله تبارك وتعالى هوداً نظروا فيما عندهم من العلم والإيمان وميراث العلم والاسم الأكبر وآثار علم النبوة فوجدوا هوداً نبياً قد بشرهم به أبوهم نوح، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، فنجوا من عذاب الريح .. وقال الله (: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾([224]). وقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا﴾ لنجعلها في أهل بيته، ﴿وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ﴾([225]) لنجعلها في أهل بيته، فآمن العقب من ذرية الأنبياء من كان قبل إبراهيم لإبراهيم، وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة أنبياء) ([226]). * * * -إبراهيم ع خليفة لله ونمرود وقومه يعترضون: بشّر هود ومن تلاه من أنبياء الله ص بإبراهيم ع، فبعثه الله نبياً من أولي العزم أيضاً وخليفة له في أرضه وحجة على خلقه كما وصفه من تقدمه من الحجج، وكان لولادته في زمن طاغية زمانه ورئيس المعترضين على خلافته الإلهية (نمرود) قصة يوضحها الإمام أبو عبد الله الصادق ع. قال ع: (كان أبو إبراهيم منجماً لنمرود بن كنعان، وكان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال: لقد رأيت في ليلتي هذه عجباً، فقال له نمرود: وما هو ؟ فقال: رأيت مولوداً يولد في أرضنا هذه يكون هلاكنا على يديه، ولا يلبث إلا قليلاً حتى يحمل به، فعجب من ذلك نمرود وقال: هل حمل به النساء ؟ فقال: لا، وكان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار، ولم يكن أوتي أن الله سينجيه. قال: فحجب النساء عن الرجال فلم يترك امرأة إلا جعلت بالمدينة حتى لا يخلص إليهن الرجال ...) ([227]). وعن ابن مسكان، قال: قال أبو عبد الله ع في حديث: (.. وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ع ولم يبن حملها، فلما حانت ولادتها قالت: يا آزر، إني قد اعتللت وأريد أن اعتزل عنك، وكان في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها، فخرجت واعتزلت في غار ووضعت إبراهيم ع فهيأته وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة، فأجرى الله لإبراهيم ع لبناً من إبهامه، وكانت أمه تأتيه. ووكل نمرود بكل امرأة حامل، فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت أم إبراهيم بإبراهيم ع من الذبح، وكان يشب إبراهيم في الغار يوماً كما يشب غيره في الشهر، حتى أتى له في الغار ثلاث عشرة سنة) ([228]). وإذا كان ع قد (تيقظ بالاعتبار على معرفة الله وأحاطت دلائله بعلم الإيمان به وهو ابن خمسة عشر سنة) كما يقول أمير المؤمنين ع، فإنّ لكثرة سجوده وصلواته على محمد وآله الدور في خلّته، فأصبح إبراهيم الشاب المتنمر في الله خليل الرحمن. عن ابن أبي عمير، عمن ذكره قال: قلت لأبي عبد الله ع: لم اتخذ الله ( إبراهيم خليلاً؟ قال: (لكثرة سجوده على الأرض) ([229]). وعن عبد العظيم الحسني، قال: سمعت علي بن محمد العسكري ع يقول: (إنما اتخذ الله ( إبراهيم خليلاً لكثرة صلواته على محمد وأهل بيته صلوات الله عليه وآله) ([230]). والأمران في الحقيقة يرجعان إلى شيء واحد، فإنّ المصلي على سادة خلفاء الله في أرضه - أعني محمداً وآله الطاهرين - لابد أن تكون روحه ساجدة وطائعة لأمر الله فيهم، وإلا تكون الصلاة عليهم مجرد لقلقة لسان وحاشى خليل الرحمن من ذلك. كما أنّ لإيمانه ع بالرؤيا التي هي كلمات ربه - كما في الأثر - دور في بلوغه مراتب الكمال التي شاءها الله سبحانه له. قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ﴾([231])، ولم يهدأ لإبليس عدو ابن آدم القديم بال وهو يرى فضل الله على عبده إبراهيم لصبره وتسليمه وتصديقه بكلمات ربه عند امتحانه برؤيا ذبح فلذة كبده إسماعيل الوصي، فأراد اختراق هذه الأسرة الطاهرة التوحيدية عن طريق قلب الأم الحنون لما (لحق إبليس بأم الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط الوادي بحذاء البيت فقال لها: ما شيخ رأيته ؟ قالت: ذاك بعلي، قال: فوصيف رأيته معه ؟ قالت: ذاك ابني، قال: فإني رأيته وقد أضجعه وأخذ المدية ليذبحه، فقالت: كذبت إن إبراهيم أرحم الناس كيف يذبح ابنه ؟! قال: فورب السماء والأرض ورب هذا البيت لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية، فقالت: ولم ؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قالت: فحق له أن يطيع ربه، فوقع في نفسها أنه قد أمر في ابنها بأمر، فلما قضت نسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى وهي واضعة يدها على رأسها تقول: يا رب لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل) ([232]). فرجع إبليس (لعنه الله) مخذولاً بعد أن فدا الله سبحانه إسماعيل الذبيح بكبش، واجتاز خليل الرحمن الامتحان الإلهي بنجاح بفضل ربه الكريم. إنّ إعلان نبي الله ع دعوته الإلهية لم تكن تعدو إرادة الله سبحانه ومشيئته، فجاء قومه بالوصية التي ذكره فيها من سبقه من حجج الله، حيث جاء عن أبي عبد الله ع في حديث أنه قال: (... وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر ... وأوصى حفسه إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل ع ...). وبالعلم الذي احتج به على قومه، قال تعالى حكاية عنه: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾([233]). وبراية البيعة لله، ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ( أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾([234]). وهو قانون الله في حججه كما تقدم، فأذّن في الناس كما أمره سبحانه وبلغ صوته قلوب الموحدين إلى قيام الساعة. عن أبي جعفر ع، قال: (إنّ الله جل جلاله لما أمر إبراهيم ينادي في الناس بالحج، قام على المقام فارتفع به حتى صار بإزاء أبي قبيس، فنادى في الناس بالحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم الساعة) ([235]). فالله سبحانه وتعالى لم يأمر إبراهيم ع حتى أن يعرّف نفسه لمن يدعوهم بأكثر من انه داعي الحق ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾([236])، فقط ادعوهم أما معرفتك وأنك محق فالمفروض أنهم قادرون عليه ولا يحتاجون أي دليل يدلهم إليه؛ لأنك رسول ربهم الذي خلقهم، فهل يضيع الإنسان ربه الذي خلقه فلا يستطيع الاتصال به وسؤاله ؟! نعم، باشر داعي الحق دعوته وجهر بها أمام قومه كلهم وخالفهم ونهاهم عمّا هم عليه من عبادة الأصنام، ووقف العبد الموحد الذي لا يخشى إلا الله بكل صلابة أمام نمرود المتكبر وريث إبليس وقابيل ودوقيل في الإنكار والتكبر على حجج الله وخلفائه. فعن أبي عبد الله ع، قال: (خالف إبراهيم ع قومه وعادى آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمه، فقال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾([237]) الآية، وكان في عيد لهم دخل على آلهتهم، قالوا: ما اجترأ عليها إلا الفتى الذي يعيبها ويبرأ منها، فلم يجدوا له مثلة أعظم من النار، فأخبروا نمرود فجمع له الحطب وأوقد عليه ثم وضعه في المنجنيق ليرمي به في النار، وإن إبليس دل على عمل المنجنيق لإبراهيم ع) ([238]). وعلى مدى مائة وخمسٍ وسبعين سنة التي عمّرها إبراهيم الخليل ع عاش الدعوة إلى الله بكل عنائها ووحشة طريق الحق الذي تمثل فيها، حتى أنه ع لا يكاد يطيق رؤية عبد خارج عن عبودية الله. عن أبي عبد الله ع، قال: (لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض التفت فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات، حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله ( إليه: يا إبراهيم دعوتك مجابة فلا تدعو على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: عبداً يعبدني لا يشرك بي شيئاً فأثيبه، وعبداً يعبد غيري فلن يفوتني، وعبداً يعبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني) ([239]). وبخصوص ما ميز دعوة هذا الخليفة الإلهي عند بعثته يقول السيد أحمد الحسن ع: (1- المواجهة بشدة وقسوة لا لين فيها، فإبراهيم يواجه قومه فيقول: ﴿… مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ( قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ( قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ … وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾([240])، هنا المواجهة تنتقل بسرعة عجيبة من الجدل والمحاججة اللسانية إلى الإنكار باليد واستخدام السلاح الفتاك في حينها - الفأس -، ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾([241])، وجاءوا بإبراهيم المؤمن الوحيد بين جموع علماء ضلالة ومقلدين عميان وعبيد طاغوت، ولم يستسلم إبراهيم ولم يتخذ جانب اللين، بل واجههم بقسوة وشدة سألوه: ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ﴾([242])، فأجابهم بسخرية وتهكم: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾([243]). اسألوهم يا عميان، يا من لوثتم فطرتكم التي فطركم الله عليها، اسألوهم يا من صبغتم أنفسكم بصبغة غير صبغة الله، اسألوهم يا من حجبتم أنفسكم بعلوم مليئة بالجدل والسفسطة الشيطانية، وادعيتم أنها تمثل الدين، اسألوهم يا منكوسين ؟! فلم يجدوا جواباً له إلا: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ﴾([244]). فأجاب هذا النبي العظيم هذه الجماعة الملعونة المنكوسة بغلظة: ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ ( أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾([245]). ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ( أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾([246]). وفي النهاية لم يجدوا جواباً لإبراهيم ع إلا النار التي استعرت في أجوافهم، ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾([247])، وهنا تمتد يد الرحمة الإلهية لتغشى هذا المؤمن الذي غضب لله ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ( وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ( وَنَجَّيْنَاهُ … ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾([248]). 2- لا مطاولة في دعوة إبراهيم ع، بل هي مواجهة سريعة تتوالى فيها الأحداث بسرعة مذهلة. 3- تحديد الهدف والضربة التي تقصم ظهر الباطل، والاصطدام مع الباطل بقسوة وسرعة دون حساب للقياسات المادية وما لأهل الباطل من سلطة دنيوية ودينية تمكنهم من استخفاف الناس. عندما يكون العبد على يقين أن لا قوة إلا بالله يواجه الملايين وحيداً دونما اكتراث لعددهم وعدتهم؛ لأن عدده وعدته الواحد القهار سبحانه وتعالى) ([249]). ولم تنتهِ معاناته عند قومه المحيطين به بل رأى ما عاناه نبي الله لوط ع في وقته من قبل المعترضين عليه الذين كان من بعض حالهم ما جاء عن أبي جعفر ع، قال: (كان قوم لوط من أفضل قوم خلقهم الله، فطلبهم إبليس الطلب الشديد، وكان من فضلهم وخيرتهم أنهم إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم، وتبقى النساء خلفهم فلم يزل إبليس يعتادهم، فكانوا إذا رجعوا خرب إبليس ما يعملون، فقال بعضهم لبعض: تعالوا نرصد هذا الذي يخرب متاعنا. فرصدوه فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان، فقالوا له: أنت الذي تخرب متاعنا مرة بعد أخرى، فاجتمع رأيهم على أن يقتلوه، فبيتوه عند رجل.. حتى علمه أن يفعل بنفسه، فأولاً علمه إبليس، والثانية علمه هو، ثم انسل ففر منهم، وأصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه وهم لا يعرفونه، فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال بعضهم ببعض. ثم جعلوا يرصدون مارة الطريق فيفعلون بهم، حتى تنكب مدينتهم الناس، ثم تركوا نساءهم وأقبلوا على الغلمان، فلما رأى أنه قد أحكم أمره في الرجال جاء إلى النساء، فصير نفسه امرأة، فقال: إن رجالكن يفعل بعضهم ببعض، قلن: نعم قد رأينا ذلك، وكل ذلك يعظهم لوط ويوصيهم، وإبليس يغويهم حتى استغنى النساء بالنساء. فلما كملت عليهم الحجة، بعث الله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ص في زي غلمان عليهم أقبية فمروا بلوط وهو يحرث، فقال: أين تريدون، ما رأيت أجمل منكم قط ! فقالوا: إنا رسل سيدنا إلى رب هذه المدينة.. قال: فلي إليكم حاجة ؟ قالوا: وما هي ؟ قال: تصبرون ها هنا إلى اختلاط الظلام .. فجلسوا. قال: فبعث ابنته وقال: جيئي لهم بخبز، وجيئي لهم بماء في القربة، وجيئي لهم عباء يتغطون بها من البرد. فلما أن ذهبت الابنة أقبل المطر بالوادي، فقال لوط: الساعة يذهب بالصبيان الوادي، فقال: قوموا حتى نمضي. وجعل لوط يمشي في أصل الحائط، وجعل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل يمشون وسط الطريق. فقال: يا بني، امشوا هاهنا. فقالوا: أمرنا سيدنا أن نمر في وسطها. وكان لوط يستغنم الظلام، ومر إبليس فأخذ من حجر امرأة صبياً فطرحه في البئر، فتصايح أهل المدينة كلهم على باب لوط، فلما أن نظروا إلى الغلمان في منزل لوط، قالوا: يا لوط، قد دخلت في عملنا. فقال: هؤلاء ضيفي، فلا تفضحوني في ضيفي. قالوا: هم ثلاثة، خذ واحداً وأعطنا اثنين. قال: فأدخلهم الحجرة، وقال: لو أن لي أهل بيت يمنعونني منكم. قال: وتدافعوا على الباب، وكسروا باب لوط، وطرحوا لوطاً، فقال له جبرئيل: ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾، فأخذ كفاً من بطحاء، فضرب بها وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، فعمي أهل المدينة كلهم، وقال لهم لوط: يا رسل ربي، فما أمركم ربي فيهم ؟ قالوا: أمرنا أن نأخذهم بالسحر. قال: فلي إليكم حاجة، قالوا: وما حاجتك ؟ قال: تأخذونهم الساعة، فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم، فقالوا يا لوط: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾([250]) لمن يريد أن يأخذ، فخذ أنت بناتك وامض ودع امرأتك. فقال أبو جعفر ع: رحم الله لوطاً، لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنه منصور حيث يقول: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾([251])، أي ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة !) ([252]). ويحسن الإشارة هنا إلى: لكل من يعترض اليوم على حجية يماني آل محمد السيد أحمد الحسن ع على الناس بلا دليل فقط دعوى عدم اجتماع حجتين لله في زمان واحد، الجواب بحجية لوط ع على قومه مع وجود حجة الله وخليفته إبراهيم ع، فانّ كلاهما كان حجة على قومه. نعم، كلٌ منهما كان في مكان، إضافة إلى أنّ لوطاً ع كان محجوجاً بإبراهيم ع، ولذا نزل ملائكة الله الموكلين بعذاب قوم لوط إليه ثم اتجهت إلى لوط ع، وإن طلبت دليلاً على حجية لوط ع على قومه في زمن إبراهيم ع فيكفي تعذيب الله لهم بسبب تكذيبهم له دليلاً. إنّ إبليس (لعنه الله) يطلب الممتحنين بخلفاء الله في أرضه طلباً شديداً ولا يقرّ له قرار إلا بإغوائهم. إنّ الحق سبحانه بفضله ولطفه على خلقه لا يعذبهم إلا بعد اكتمال الحجة عليهم، وهو ما يفعله حججه سبحانه ومن ينصرهم من القلة المستضعفة دوماً، فطلب الناس منهم الإتيان بوعد الله الآن ما هو إلا استعجال عذاب الجبار وغضبه والعياذ بالله. إنه سبحانه إذا أراد إهلاك قوم بسوء فعلهم أتاهم عذابه من الجهة التي هم مفتتنون بها ومغضوب عليهم لأجلها، فكان مجيء ملائكة العذاب لقوم لوط ع بصورة غلمان زيادة في الاستدراج، وبدل الاتعاظ والتوبة طلبوا من نبي الله ما طلبوه ومع ملائكة العذاب هذه المرة، بل اعتدوا عليه وانتهكوا حرمة داره إمعاناً في الرذيلة، فهل تتعظ امة اليوم مما يحصل لها من زيادة في الاستدراج ؟! لا يكون مجرد اقتران امرأةٍ ما بحجة الله سبحانه عاصماً لها من الضلال ومبرراً لرفعها فوق مقياس التكريم الإلهي المعلوم، ومن ثم يكون الاستدلال على صحة فعلها مطلقاً - حتى وان حاربت وصياً وجيشت الجيوش عليه وتسببت في قتل آلاف المؤمنين - لمجرد أنها زوجة لنبي من الأنبياء رداً على الله تعالى في ما يذكره في كتابه. وعلى كل حال، يحصل ذلك وقلب إبراهيم ع الطاهر واثق بنصر الله لعباده، وبهمته التوحيدية راح يحطم الأصنام التي تعبد من دون الله بكل صورها ودعاة عبادتها، فلم يجد الطاغية المعترض وحاشية السوء وأتباعهم بدّاً إلا قتل داعي الله وتحريقه ظناً منهم أنهم قادرون على إسكات صوت موحد عرف الله فعشقه فلم يخش أحداً سواه سبحانه، فأوحى لهم إبليس طريقة القضاء عليه (وإن إبليس دل على عمل المنجنيق لإبراهيم ع)، فسارعوا مخفّين إلى غضب الله بعد أن تثاقلوا إلى الأرض وداعي الحق يصدح ولا من مجيب. عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع: (إن إبراهيم ع لما وضع في كفة المنجنيق غضب جبرئيل ع فأوحى الله ( إليه: ما يغضبك يا جبرئيل ؟ قال: يا رب خليلك ليس من يعبدك على وجه الأرض غيره سلطت عليه عدوك وعدوه، فأوحى الله إليه (: اسكت، إنما يعجل العبد الذي يخاف الفوت مثلك، فأما أنا فإنه عبدي آخذه إذا شئت، قال: فطابت نفس جبرئيل ع فالتفت إلى إبراهيم ع فقال: هل لك من حاجة ؟ فقال: أما إليك فلا، فأهبط الله ( عندها خاتماً فيه ستة أحرف: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فوضت أمري إلى الله، أسندت ظهري إلى الله، حسبي الله"، فأوحى الله جل جلاله إليه أن تختم بهذا الخاتم فإني أجعل النار عليك برداً وسلاماً) ([253]). فاستحق بعدل الله سبحانه أن يكون النمرود من بين اشد الناس عذاباً يوم القيامة. عن أبي عبد الله ع، قال: (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر: أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه، واثنان في بني إسرائيل هوّدا قومهم ونصّراهم، وفرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، واثنان من هذه الأمة أحدهما شرهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار) ([254]). ونجا خليل الرحمن بلطف ربه الذي يحتسب عنده أولياءه ظلم المتكبرين فيحتسبهم ويستنصروه فينصرهم ويستهدوه فيهديهم ويقفون ببابه راجين رحمته فيستعملهم بفضله، وفشل مخطط قتل إبراهيم وخاب المتكبرون رغم كثرتهم، وخط الساجدين قلة بل كان إبراهيم وحده امة قانتاً لله راجياً رحمته، فأعزه الله ونصره وجعله إماماً للناس بعد نبوته وكان من ذريته الأئمة والأنبياء عبر إسماعيل الوصي ع وإسحاق النبي ع، وهكذا طاهر بعد طاهر وخليفة الهي بعد خليفة وهم يعرفون بالوصية والعلم وراية البيعة لله أو الدعوة إلى حاكمية الله أصلاً، وتؤيدهم ما لا نستطيع إحصائه من المؤيدات فرعاً، حتى جاء نبي الله موسى بن عمران ع، فيتكرر الحال نفسه من قبل المعترضين وكأنّ الأمر جديد بالمرة فلا اعتبار ولا اتعاظ رغم كثرة العبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. * * * -موسى ع خليفة لله وفرعون وقومه يعترضون: تتوالى حلقات الاعتراض على خلفاء الله في أرضه ومع نبي آخر من أنبياء أولي العزم أيضاً وهو الكليم موسى ع، وفصول هذه المواجهة يمكننا مطالعتها عبر مختصر يقال، وخير الكلام ما قل ودل. إنّ أهم ما يلاحظ هنا أنّ بني إسرائيل كانوا يترقبون ولادة هذا النبي العظيم والمصلح الكبير ويتباشرون بولادته والاستعداد لاستقباله باعتباره المخلّص لهم من حكم الطواغيت والفراعنة الذين استذلوهم وظلموهم كما وعدهم بذلك أنبياء الله السابقون، بل لم يكن مجيء نبي الله يعقوب ويوسف عليهما السلام إلى ارض مصر إلا تمهيداً لمجيء قائم آل إبراهيم موسى ع. ولأن الله سبحانه لا يخلف وعده (جاءت سنين الولادة الموعودة فقتل فرعون مواليد بني إسرائيل في تلك السنين التي كانوا يترقبون ولادة موسى ع فيها ظناً منه أنه قادر على تغيير سنة الله، فشاء الله أن يخزيه ويبين له ضعفه أمام القدرة الإلهية والتدبير الرباني فانشأ سبحانه موسى في قصر فرعون بالذات، ولم يكن المربي لموسى إلا فرعون الطاغية الذي كان يسعى الليل والنهار للقضاء على هذا المولود، قال تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ( وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾([255]). بينما كان فرعون وجنوده يستضعفون بني إسرائيل ويذلونهم ويقتلون أبناءهم وخيارهم، كان موسى يكبر في قصر فرعون ويرى ما يحدث خارج القصر من ظلم واضطهاد للشعب المستضعف، ويرى ما يحدث في القصر من رسم خطط إرهابية وإعلامية الهدف منها استخفاف الشعب وحمله على طاعة فرعون أو على الأقل التسليم بالأمر الواقع، وترك المقاومة: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾([256]). وكان موسى ع يرى سياسة فرعون وحزبه التي كانت تتمثل بمنع الدين الإلهي من الانتشار، ومنع الشعائر الدينية لبني إسرائيل، ونشر الفساد وبالتالي دفع الأجيال التي تنشأ في هذا الجو الفاسد إلى الفساد وترك التدين والالتزام بالشريعة الإلهية المقدسة) ([257]). وها نحن نلاحظ أنّ المواجهة بين خط الساجدين وخط المتكبرين قد بدأت حتى قبل ولادة موسى ع بإعلان الطاغية فرعون حكم قتل المولود الموعود وبقره لبطون نساء بني إسرائيل بحثاً عن الخليفة الإلهي الذي اُخبر بأنّ نهايته تكون على يديه، ولكنها المشيئة الإلهية القاضية بحفظ حججه سبحانه وبصورة تخضع رقاب الجبابرة وترغم المعتبرين على استشعار عظمة الخالق في أجلى آيات الحفظ، فكان الحاكم الطاغي الساعي حثيثاً لقتل خليفة الله الموعود مربياً له في بيته وحارساً عليه إلى يوم يأذن الله ببدء المواجهة من طرف الحق بعد أن أعلنها المتكبرون منذ زمن. نعم، (دخل موسى ع معترك الحياة، ليجد ظلم الطاغية فرعون للشعب المستضعف من بني إسرائيل والمصريين، وموسى ع الطاهر النقي والنبي المخلّص المنتظر الذي يعرفه بنو إسرائيل، كيف يبقى في قصر فرعون ظهيراً له ولو بالسكوت على ظلمه ومكثراً لسواده، فشاء الله أن تقع تلك الحادثة، وهي قتل أحد زبانية فرعون وجنوده الظلمة، وكان لهذه الحادثة ([258]) وقع كبير في نفس موسى ع حيث التجأ إلى الحق، يستغفره ويتوب إليه مما اعتبره ذنب، وهو عيشه في قصر فرعون الطاغية والأب المربي لموسى ع، ولما غفر له ربه سبحانه وتعالى عاهد الله على ما آتاه من نعمة المغفرة على أن لا يكون ظهيراً لمجرم وظالم، ولو بمداهنته أو السكوت على ظلمه) ([259]). وفيما ميز داعي الله موسى ع أيضاً في دعوته الإلهية إضافة إلى ما مر، يقول السيد أحمد الحسن ع: ( بعد عودة موسى من مدين اتخذت الدعوة إلى الحق شكلاً آخراً هذه المرة باللين لعل فرعون أو أحد أعوانه أو جنوده يتذكر أو يخشى الله سبحانه ، ويدين بدين يعقوبع ويوسف ع الذي كان عزيزاً ووزيراً لملكهم السابق ، والى هذه الفترة لم يأتِ موسى بالشريعة الناسخة لشريعة يعقوب ع وإسحاق وإبراهيم ص وهي الحنفية ، مع أنها كانت محرفة ولا يعمل بها إلا بحسب أهواء وتخرصات علماء دين إسرائيل الشيطانية . كانت هناك عقوبات إلهية وآيات ربانية رافقت دعوة موسى ع في مصر، لعل فرعون وجنوده أو المتكبرين من بني إسرائيل مثل قارون يؤمن، ومن هذه العقوبات هي إن ماءهم صار دماً، وامتلأت أرضهم بالضفادع، وكانوا يتوسلون بموسى ع ليدعو الله فيرفع عنهم العذاب، ومع ذلك لم يؤمن لموسى إلا ذرية من قومه، ويا للأسف ويا للحسرة على العباد. في نهاية الدعوة كانت هناك هجرة موسى ع والذين آمنوا معه، وخروجهم من مصر خائفين من فرعون وملأه وحزبه وجنوده أن يتسلطوا عليهم ويؤذوهم ويقتلوهم، فلما تراءت الفئتان ظهر هذا الخوف المستشري في جماعة بني إسرائيل المؤمنة إيماناً ضعيفاً متزلزلاً، فقالوا: إنا لمدركون من فرعون وجنوده. ولكن موسى ع زجرهم ونبههم أنهم مهاجرون إلى الله الواحد القهار، قال: كلا إن معي ربي سيهدين، فنجا جماعة إسرائيل إكراماً لموسى ع، وألف عين لأجل عين تكرمُ، وأغرق فرعون وجنوده فبعداً لهم) ([260]). ويحسن بنا الوقوف عند مفاصل مهمة في دعوة داعي الله لنستقي الدروس والعبر خصوصاً إذا ما وعينا أنّ سنن الله واحدة لا تتبدل: أولاً: إعلان الحرب من قبل المتكبر فرعون وقومه على حجة الله وخليفته موسى ع بمجرد معرفتهم أن نهاية حكمهم على يديه، ولنا أن نعرف كم هو قلق الطغاة من الحق ودعاته حتى قبل مباشرة دعوتهم وضحالة الباطل رغم أنه يتراءى أنه في أوج قوته وعنفوانه. وبالرغم من أن موسى ع لا يملك إلا يقينه أن لا قوة إلا بالله وكلمة الحق التي صدح بها في وجه الطاغي وقومه، كان القتل والتعذيب والظلم والقسوة والاتهام بشتى التهم من السحر والجنون وغيرها مما هو معروف من أسلحة بيد المتكبرين رغم وضوح حجة داعي الحق، وأخيراً كان الطاغي هو من سخّره الله حامياً لحفظ حجته إمعاناً في إظهار ضعف الطغاة وخضوعهم لإرادة الله سبحانه. ثانياً: إن الدعوة الإلهية لا تتخذ شكلاً واحداً في المواجهة مع المنكرين دائماً، فبعد قتل موسى ع أحد زبانية فرعون عاد بعد هجرته التي دامت عشر سنين بالكلمة واللين إلى فرعون وقومه داعياً إلى الله لعلهم يتذكرون، كما أن التدرج معهم أمر لا يخفى عند ملاحظة عدم نسخه للحنفية دين من سبقه من حجج الله إبراهيم ويعقوب ويوسف ص. ثالثاً: جاء موسى ع قومه الذين بعث فيهم بآيات الله ودلائله فيه، فقد كانت الوصية والبشارة به أولى دلائله على صدقه في دعوته وهي واضحة لهم وعلى أساسها كانوا ينتظرونه ويتباشرون بولادته. فعن أبي عبد الله ع في حديث قال: (... وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثريا، وأوصى بثريا إلى شعيب، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران ع، وأوصى موسى إلى يوشع بن النون ..) ([261]). وجاء قومه أيضاً بالعلم الإلهي دليلاً ثانياً على صدقه. قال تعالى:﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾([262]) ورفع - ثالثاً - راية البيعة لله في دعوته، فبعد أن كان فرعون دائم القول لقومه: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾([263])، قال له موسى ع: ﴿يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾([264])، إنها إذن راية البيعة لله وحاكميته التي يرفعها خليفته في أرضه وكل ما آمن به، ولهذا قال السحرة لما رأوا آيات الله: آمنا برب العالمين ﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ ( رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾([265])، فالحاكمية لله لا للناس يا فرعون في زمنك وفي كل حين. وخلاصة القول: إنّ موسى ع جاء قومه بقانون الله سبحانه في حججه وخلفائه، ولشدة رحمته سبحانه بخلقه كانت الآيات الإلهية الأخرى - ككثرة الضفادع وتحول مائهم دماً - مرافقة لحركة خليفته في دعوته وهي آيات عقاب وعذاب للقوم جراء إصرارهم على تكذيب داعي الله وتكبرهم عليه، وكانت المحصلة بعد هذا كله أن لم يؤمن بموسى إلا قليل من قومه وهي سنة الله في خط الساجدين لله وخلفائه في أرضه. رابعاً: إن فشل المنتظرين لحجج الله المخلّصين واضح عند بني إسرائيل، خصوصاً إذا ما علمنا أنّ التيه الذي كان عقوبة إلهية لهم كان بعد عبورهم البحر وإغراق الطاغي فرعون وجنده. أخص بالفشل شدة المعاناة التي قاساها وصي موسى ع - أي هارون ع - من قومه الذين يدعون الإيمان بحجة الله موسى ع، (فتمرد بنو إسرائيل على الأوامر الإلهية وعصوا موسى وهارون (عليهما السلام)، وبعد أن رفض بنو إسرائيل الدخول إلى الأرض المقدسة، وجهاد الجبابرة لنشر كلمة (لا إله إلا الله)، والعبادة الخالصة لله، كتب الله عليهم التيه أربعين سنة في صحراء سيناء، وكم أوذي موسى وهارون (عليهما السلام) خلال هذه المدة، فاعترض الكثير منهم على موسى ع، واستخفوا به واعترضوا على هارون وكونه نبي وخليفة لموسى ع، فأمرهم الله أن يكتب كل رئيس سبط من أسباط بني إسرائيل اسمه على عصا يابسة، وكتب هارون اسمه، ووضع موسى ع العصي في ضجة الاجتماع، وشاء الله أن تخضر العصا التي كتب عليها اسم هارون ع لتكون معجزة تؤيد نبوته وحقه في خلافة موسى ع. لكنهم لم يتوقفوا عن إيذاء هارون ع والاستخفاف به، حتى إنهم لما صنعوا العجل وعبدوه واعترض عليهم هارون ع كادوا أن يقتلوه مع الفئة القليلة التي ناصرت الحق معهع، ولم يكتف اليهود بهذا، بل حرّفوا التوراة بعد وفاة موسى وهارون (عليهما السلام)، وكتبوا بأيديهم الأثيمة فيها أن الذي صنع العجل وأضل بني إسرائيل هو هارون ع، راجع التوراة سفر العدد. فانظر إلى مظلومية هذا النبي العظيم هارون ع، وقارنها بمظلومية الوصي علي بن أبي طالب ع سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً) ([266]). خامساً: كان لعلماء الضلالة دور بارز في هذا الفشل والضلال عن الهدى الذي ينتظره المنتظرون، وإلا فهل احد يشك في أن السامري وشبيهه بلعم بن باعوراء كانا من العلماء ؟! نعم، هما من العلماء غير العاملين، وهي صفة من يئن أهل النار من نتنهم وقبحهم باعتبارهم رأس حربة الاعتراض على خلفاء الله كلما بعث منهم داعياً إلى الحق والهدى. قال تعالى وهو يبين دور السامري في الضلال ويذكر قول بني إسرائيل لموسى ع بعد رجوعه: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ( أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً ( وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ( قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾([267]). وإذا كان السامري هو من صنع لهم العجل من الحلي ليعبدوه من دون الله فانّ الخوار منه سبحانه فتنة لهم لما علم إرادتهم الضلال وعبادة غيره. فعن أبي جعفر ع، قال: (إن فيما ناجى الله به موسىع أن قال: يا رب هذا السامري صنع العجل الخوار من صنعه ؟! فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: أن تلك فتنتي فلا تفصحن عنها) ([268]). وبرغم أنّ السامري كان يبصر ما لا يبصره القوم بنص الكتاب الكريم، ولكنها (الأنا) التي سعرت في صدره الخبيث نار الحسد لنبي الله هارون ع الذي كان يرى نفسه خير منه، ويسنده في هواه هذا فسقة بني إسرائيل الذين وجدوا في فعلة عالمهم الفاسق وصنيعه متنفساً لبث سمومهم بين الثلة المؤمنة. ثم خلفه شبيهه في العلم بلا عمل ونسخة طبق الأصل في الفسق وإتباع الهوى اعني بلعم بن باعوراء الذي ذكره الكتاب الكريم فقال عنه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾([269]). فقد كان عنده الاسم الأعظم لنسكه وعلمه، ولكن الداء الذي أوقع المنكرين ممن تقدمه أوقعه، إنها (الأنا) التي لا تستصعب لمطلق العنان لها حتى الدعاء على حجة الله - والعياذ بالله - لا له، حيث جاء في رواية عن الإمام الرضا ع: (إنه أعطى بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم فكان يدعو به فيستجاب له، فمال إلى فرعون - حاكم زمنه وهو غير فرعون مصر باعتبار أن الحادثة بعد غرقه - فلما مر فرعون في طلب موسى ع وأصحابه، قال فرعون لبلعم: ادعو الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى ع فامتنعت علية حمارته، فاقبل يضربها فانطقها الله ( فقالت: ويلك على ما تضربني أتريد أن أجيء معك لتدعُ على موسى نبي الله، وقوم مؤمنين ؟ فلم يزل يضربها حتى قتلها، وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه…) ([270]). سادساً: في دعوة موسى ع أمر ينبغي الالتفات إليه، وبه ترد بعض تساؤلات القوم المعترضين اليوم على خليفة الله بخصوص مجيء وصي الإمام المهدي ع قبله، فإن أدعياء العلم وكبار القوم يدعون أنّ مجيء الوصي قبل الحجة الموصي أمر غير معقول ؟ وليت شعري عن أي عقل يتحدثون، وأيّ دين يريدون إصابته به، وهل بعد ثبوت عقيدة بالدليل الذي أراده الله دليلاً لحججه وخلفائه مجال للتعقل وعدمه إن كان المرء مؤمناً حقاً ؟! إلا إذا كانوا يقصدون تعقل بلعم والسامري وأمثالهم. على أي حال، فانّ الملاحظ لدعوة موسى ع بعد رجوعه من مدين يجد أنّ هارون الوصي ع قد بعث في مصر قبل موسى ع ممهداً له وبطلب من موسى نفسه، وقد أجابه سبحانه وبنص قرآني بيّن. قال تعالى: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ( وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾([271])، أي كما أخبرتني اخبر أخي هارون. وفعلاً بدأت الدعوة في مصر بهارون ع بعد ذهابه لأهل مصر قبل موسى ع، وهيأ الناس لاستقبال موسى ع وبقي هو المباشر للناس بطلبٍ من موسى ع حتى بعد دخوله مصر، ولهذا قال السحرة لما آمنوا ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾([272]) فقدّموا هارون؛ لأنه عكان المواجه لهم والناطق بالدعوة إليهم بأمر موسى ع. ثم إذا أراد القوم اليوم أن يصروا على أنّ الوصي لا يصح أن ينطق في زمن الموصي أصلاً ولا شأن له إلا بعد موت الموصي، فهل نفهم من ذلك أنهم يتنازلون عن وصاية هارون ع، بمعنى انه ليس وصياً بنظرهم؛ لأنه ع مات في زمن موسى ع ؟ إن كان هذا هو قولهم فهو رد على مسلمات العقيدة ونصوص القران البينة التي تؤكد إرسال هارون الوصي ع إلى مصر قبل الحجة الموصي لتهيئة القاعدة لاستقباله، فكان هو المباشر لهم والناطق إليهم بأمر الموصي، بل بقى ناطقاً لما طلب منه موسى ذلك. نعم، يبقى الوصي الناطق في زمان الموصي محجوجاً به وهذا أمر بينهما لا دخل لنا فيه، لا انه ليس له أي دور في حجيته على الخلق في حياة الموصي، فتأملوا ولا تتكلموا بما لا تفقهون. ثم عجب قولهم هذا وهم يرون نطق سيد الأوصياء علي ع على قومه وحجيته عليهم في أحداث كثيرة، منها استخلافه على المدينة لما ذهب رسول الله ص إلى تبوك، فهل كان أهل المدينة يوم ذاك محجوجين بقول علي ع أو لا؟ نعم، هو حجة عليهم ويبقى هو ع محجوجاً برسول الله ص، ولكن محجوجيته برسول الله ص لا يسلبه حجية قوله ونطقه، كيف وهو ص من أمره بالنطق وطلب ذلك منه، ويبقى عدم اجتماع حجتين ناطقتين في زمان واحد مخصوص بما إذا كانا في مكان واحد ولم يطلب الموصي النطق من الوصي. وإذا كان قدوم الوصي قبل الحجة مثلاً قرآنياً وسنة إلهية في حجج الله السابقين فما معنى اعتراض من يدعي العلم اليوم بـ (عدم معقولية) مجي الوصي أحمد ع قبل أبيه الإمام المهدي ع ممهداً له ونطقه للناس وحجيته عليهم ؟! وليس اعتراضهم هذا إلا دليل ابتعادهم عن كتاب الله وحججه وسنن الله فيهم، وماذا يرتجي من حاله كذلك إلا الضلال والهلاك. سابعاً: صحيح أنّ البحث معقود لبيان حال المعترضين على خلفاء الله في أرضه ولكنه لا يعني أن لا نستقي العبر والدروس الإلهية من حركة حجج الله فيما يحكيه لنا كتاب الله وعدله الطاهر، عليه سنعرض باختصار درساً قرآنياً بين نبي الله موسى ع وبين العبد الصالح ([273]) الذي شاء الله له أن يبقى مخفياً حتى مجيء داعي الحق اليوم السيد أحمد الحسن ع، والذي تفضل ببيان ما يتعلق بهذا المثل القرآني العظيم رجاء أن يكون معيناً للسائرين في خط الساجدين، وعبرة لمن سولت له نفسه إلى الآن البقاء تحت لواء المعترضين على خلفاء الله رغم وضوح الحجة وسطوع نور الحق. لابد أن نلتفت دائماً ونحن نسير في رحاب هذا المثل العظيم إلى أنّ اللقاء بين حجتين معصومين من حجج الله على خلقه، إلا أن احدهما أعلى درجة عند الله فكان معلماً والآخر اقل فكان متعلماً، فهو لقاء إذن بين متعلم ومعلم، على أنّ المتعلم متعلم فيما إذا قيس إلى معلمه وأما بلحاظ الناس فهو معلم لهم كيف لا وهو موسى ع نبي الله ومن أولي العزم من الرسل، هذا أمر. والأمر الآخر: إنّ العصمة درجات وليس درجة واحدة وما يهم الناس منها هو هذا القدر: أن المعصوم لا يدخلهم في باطل ولا يخرجهم من حق، ولكن لو اجتمع معصومان بدرجتين متفاوتتين في العصمة فانّ الفرق بينهما سيكون جلياً كما لو انك ترى الأدنى غير معصوم وهو يواجه الأعلى. الآن، لو نظرنا إلى كلمات العبد الصالح مع موسى ع: ﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ..... قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ..... قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً ..... قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ..... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾([274])، لوجدنا أنه لا يكاد يكلمه إلا وبكّته العبد الصالح بقلة الصبر مع أن الصبر من الإيمان - كما نعلم - بمنزلة الرأس من الجسد كما وصفه الرسول الكريم ص، ويقول عنه الله سبحانه: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾([275]). ولكنا نرى أن العبد الصالح كان يصف موسى ع وهو نبي ورسول من أولي العزم بأنه لا يمكنه أن يصبر معه، فلو أننا كنا بين الاثنين فلا مجال للتخيير فضلاً عن الشك في أننا سنتبع العبد الصالح دون موسى ع باعتبار أنه المرشد والمعلم لموسى، وكان الأخير محتاجاً له وقد بيّن سبب إتباعه واحتياجه للعبد الصالح: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾([276])، إنه إذن العلم والمعرفة فهو ع محتاج له في ذلك، وهذا يبين لنا بجلاء تمايز المعصومين. نعم، ربما يبقى هناك إشكال كتبه بعض من يجهلون الحقيقة وخاضوا فيما لا يعلمون، حيث قالوا إن العبد الصالح ليس أعلم من موسى ع ولكنه خُصّ بعلم الباطن، وخص موسى ع بعلم الشريعة، ويبقى موسى هو الحجة على العبد الصالح ع لا العكس، هذا ربما هو رأيهم جميعاً. في حين أن الأمر محسوم قرآنياً كما هو واضح لصالح العبد الصالح، فهذا تصريح قرآني واضح بتسليط العبد الصالح على موسى ع وكونه حجة عليه: ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾([277]). فلو لاحظنا: ﴿لَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ..﴾، و ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً﴾([278])، واعتذار موسى ع وصيغته، وأيضاً ما قاله العبد الصالح في مخاطبته لموسى ع: ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾([279])، لبان الأمر بوضوح، وإن موسى ع هو من كان متعلماً ومحجوجاً بالعبد الصالح، بل واخفق في مراحل التعليم عنده، ويجب أن لا ننسى أن هؤلاء حجج الله سبحانه وموسى من أولي العزم من الرسل ص وهم خمسة فقط، ولكن العبد الصالح يكلمه كما يكلم المعلم من يريد تعليمه ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾. وأما سبب لقاء موسى بالعبد الصالح إجمالاً فهو: إنّ موسى ع تصور أنه عرف الحقيقة وحارب (الأنا) بأكمل صورها، خصوصاً أنه من كان لا يرى نفسه خير من كلب أجرب كما في الحديث، وقد ورد أنّ الله سبحانه لما كلّمه وانزل عليه الألواح أحس في لحظة بأنّ الله سبحانه لم يخلق من هو اعلم منه، فأرسل الله إليه جبرائيل ع يبلغه بالرحلة للقاء العبد الصالح. وأيضاً: طلب موسى ع من الله سبحانه أن يكون هو قائم آل محمد. عن سالم الأشل، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر ع يقول: (نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يعطى قائم آل محمد من التمكين والفضل، فقال موسى: رب اجعلني قائم آل محمد، فقيل له: إن ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك فقال مثله، فقيل له مثل ذلك، ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله، فقيل له مثله) ([280]). ولو نظرنا إلى بداية حركة موسى ع للّقاء نجد انه يبحث عن (مجمع البحرين) ويصف حاله أنه لا مانع عنده أن يمضي الدهور في البحث عنه، ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾([281])، امضي حقباً ؟!! هذا هو شوق موسى ع الذي يبديه لفتاه ووصيه يوشع بن نون في بلوغ مجمع البحرين وشدة اهتمامه بالوصول إليه، بل يعتبر أن قضاء الدهور في البحث عن مجمع البحرين أمر طبيعي، فكم هو عزيز ذلك اللقاء على قلب موسى ع. ولكن رغم كل ذلك الشوق نرى أنّ موسى ع قد ضيعه بادئ الأمر ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً﴾([282])، فهل يعقل أن يضيع إنسان عادي - فضلاً عن أن يكون نبياً من أولي العزم ويعتبر قضاء الدهور وإمضاء الحقب يسيراً دون بلوغ ذلك المجمع ولقائه - مكاناً يجتمع فيه نهران، هل يعقل ذلك ؟! ولكن النتيجة أنّ موسى ع قد ضيعه بعد بلوغه والوصول إليه ؟! في الحقيقة لم يكن (مجمع البحرين) مكاناً لالتقاء نهرين بل كان رجلاً ولذا ضيعه موسىع بادئ الأمر ومرّ بقربه ولم يعرفه، وقد جاء في تفسير القمي: (... لما أخبر رسول الله ص قريشاً بخبر أصحاب الكهف، قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى ع أن يتبعه وما قصته، فأنزل الله (: ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾. قال: وكان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى تكليماً وأنزل عليه الألواح وفيها كما قال الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾([283])، رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر، فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه، قال في نفسه: ما خلق الله خلقاً أعلم مني، فأوحى الله إلى جبرائيل أن أدرك موسى فقد هلك وأعلمه أن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلاً أعلم منك فصر إليه وتعلم من علمه، فنزل جبرائيل على موسى ع وأخبره فذل موسى في نفسه وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب، وقال لوصيه يوشع بن نون: إن الله قد أمرني أن أتبع رجلاً عند ملتقى البحرين وأتعلم منه ...) ([284]). وإذا أردنا معرفة ذلك الرجل فما علينا إلا الذهاب إلى سورة الرحمن لننظر البحرين ومجمعهما هناك وسنجد روايات كثيرة رواها السنة والشيعة بأنّ البحرين هما علي وفاطمة (عليهما السلام)، ومجمعهما الحسن والحسين (عليهما السلام) والحجج من بعدهم ص. عن أبي سعيد الخدري في قوله (: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾([285])، قال: (علي وفاطمة، قال: لا يبغي هذا على هذه، ولا هذه على هذا. ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾([286])، قال: الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين) ([287]). وعن أبي ذر (رضي الله عنه) في قوله (: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾، قال: (علي وفاطمة (عليهما السلام)، ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾، قال: الحسن والحسين (عليهما السلام)، فمن رأى مثل هؤلاء الأربعة: علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ؟ لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا كافر، فكونوا مؤمنين بحب أهل البيت ولا تكونوا كفاراً ببغض أهل البيت فتلقوا في النار) ([288]). فمجمع البحرين إذن رجل وليس مكان ولهذا ضيعه. والأئمة والمهديين (آل محمد ص) وإن كان يصدق على كلِّ واحد منهم بأنه مجمع البحرين، ولكن موسى ع لو تذكرنا طلبه لما نظر إلى السفر لوجدناه يطلب مجمعاً خاصاً وهو (القائم ع)؛ ذلك أنه يأتي بالحصيلة التي جاء الخلق لأجلها وهي الـ (27) حرفاً من التوحيد والمعرفة. عن أبان، عن أبي عبد الله ع، قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً) ([289]). وموسى ع في لقائه بالعبد الصالح كان قد تعهد بالصبر، ومع هذا وجد نفسه يخرج من إخفاق ليقع في آخر: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً﴾([290])، هذه كانت المرة الأولى، أما الثانية فكان موسى ع فيها منكسراً: ﴿قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً﴾، وفي الثالثة نلاحظ أن موسى ع قد اختار الصمت أو أن الصمت هو الذي اختار موسى ع، فظل يستمع فقط ولم يتكلم بعدها، فتعلم موسى ع وتحقق الهدف من مجيئه، فإنّ العبد الصالح قال لموسى بهذه الأفعال البسيطة كل شيء، قال له إن محاربة الأنا مراتب لا تنتهي، ونعمة الله لا تحصى، والمقامات التي يمكن للإنسان تحصيلها لا تحصى. فتدرج العبد الصالح مع موسى ع في مراتب التوحيد فالأولى كانت (أنا) والثانية (نحن) والثالثة (هو)، ومع أنها كانت بأمر الله ولكنها على التوالي تشير إلى الكفر بمرتبة ما: (أنا وليس هو)، والشرك بمرتبة ما: (أنا وهو)، والتوحيد (هو فقط). ﴿... أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ ... ... وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ( فَأَرَدْنَا ..... وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ ..... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي .....﴾([291]). وأهم ما يستقى من دروس وعبر من هذا اللقاء الرباني: إنّ الإنسان ربما يضيع هدفه، فهذا موسى ع ومع شديد اهتمامه وشوقه ضيع هدفه الذي يعتبر أنّ إنفاق الدهر في البحث عنه قليل، فهلا تلتفت هذه الأمة أنها ربما ضيعت هدفها الذي تطلبه في نصرة إمامها وهي تحاربه اليوم بمحاربتها لوصيه فتثوب إلى رشدها، وهل هي خير من موسى ع ؟!! إنّ آل محمد ص قوم لا يقاس بهم أحد من البشر طراً بما فيهم أنبياء الله ورسله ص، بل أولوا العزم منهم فضلاً عن غيرهم، فانّ للعصمة درجات وهي تعتمد على المعرفة، وكان لمحمد واله صلوات الله عليهم أجمعين قدم السبق في ذلك، فصار من دونهم متعلماً منهم. التسليم لحجج الله هو درب النجاة، وللصبر فيه موقع هام. إنّ محاربة الأنا لا تنتهي وتقف عند حد، وبمقدار محاربة الإنسان لها يرتقي في سلم التوحيد وينال مرتبة أعلى بمقدار حربه وانتصاره على الأنا. التدرج في التعليم وطرح المعرفة، وهو درس للدعاة إلى الله. وغير ذلك مما يستقيه المتأمل، والحمد لله رب العالمين * * * -عيسى ع خليفة لله وهيرودس وعلماء السوء يعترضون : يكتسب بعث عيسى ع لبني إسرائيل أهمية؛ ذلك أنّ ما جرى عليه عند إرساله من اليهود وعلمائهم - علماء السوء غير العاملين - لا يكاد يختلف عما يلاقيه الإمام المهدي ع من علماء السوء أيضاً، ولذا حرياً بالمؤمن الوقوف على سيرة هذا النبي العظيم في بعثته لقومه وما عاناه من سادة الاعتراض في وقته، لعله يكون عبرة لطالب حق اليوم في عدم تكرار فعل المعترضين والانضواء تحت رايتهم وترك راية الحق والهدى، هذا أولاً. وثانياً: إنّ المجتمع الذي بُعث فيه ع كان يدّعي الإيمان ولم يكن الانحراف بواضح لأمةٍ كانت قد ابتعدت عن تعاليم الأنبياء والأوصياء عبر تربيةٍ أجهد فيها علماء الضلالة أنفسهم في التأسيس لواقع تحكموا فيه وأضحى (الدين في نظر الناس = العلماء)، الذين يمتازون بقلة الورع والانحراف والإتراف ولا يكادون يفقهون سوى الجدل والكلام بالباطل، وهو واضح من قصة ولادته المباركة ومجيء أمه به تحمله إلى القوم، فأسرعوا باتهامها: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً﴾([292]) الدال على قلة الورع والخوف من الله سبحانه، وكان نطقهع في المهد براءةً لأمه المقدسة مريم ص من اتهام علماء السوء أول صفعة يوجهها الحق للباطل. وعن بعثة عيسى ع وحال سادة المعترضين (علماء السوء) فيها يقول السيد أحمد الحسنع: (وفي ظل تلك الأجواء الملبدة بالغيوم بعث عيسى ع ليقول للناس من كان يريد أن يتبعني فليستعد للموت والصلب، إنها دعوة إلى الثورة، روي عنه ع أنه قال: "لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يقدرون أن يقتلوا النفس، بل خافوا الذي يقدر أن يهلك الجسد والنفس معاً في جهنم" ([293]). وكان ع يعلم أنه لا يستطيع تغيير كثير من الفساد في ذلك الوقت، ولكن ليس اقل من إيقاع صدمة في ذلك المجتمع، بل وفي تأريخ الإنسانية على هذه الأرض، وانتظار النتائج الكبيرة في المستقبل سواء القريب بعد رفعه إلى السماء، أو البعيد بعد عودته في القيامة الصغرى، أي زمن ظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع. بعث عيسى ع إلى بني إسرائيل وغيرهم، ولكن شريعته لم تكن ناسخة إلا لشريعة موسىع ... ولعل أهم أسباب نسخ وتجديد شريعة موسى ع أن علماء اليهود غيروا الشريعة وحرموا ما احل الله واحلوا ما حرم الله، تبعاً لأهوائهم الشخصية وتخرّصاتهم العقلية، وربما ارضاءاً لبعض الطواغيت الذين تسلطوا عليهم في بعض الأحيان كما جاء في بعض الروايات، فعاد السامري وعاد العجل ولكن هذه المرة باسم جديد وهيئة جديدة، عاد السامري بعلماء بني إسرائيل، وعاد العجل بتحريف الأحكام الشرعية. ومع أن كثير من الأنبياء ص بعثوا للحفاظ على شريعة موسى ع وحفظها من التحريف لكن التيار المنحرف - أو قل التيار السامري - أخذ يسيطر على دفة القيادة، وأقصي الأنبياءص وطردوا إلى البراري والقفار، وقتل كثير منهم قبل بعث عيسى ع كزكريا ع الذي قتله اليهود أنفسهم، ويحيى ع الذي قتلوه بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخضوعهم للطاغوت والركون له، فقبض الحاكم الطاغية (هيرودس) على يحيى ع وسجنه مدة ليست بقصيرة قبل أن يقتله، ولم يحرك العلماء اليهود ساكناً، بل استقبل كثير منهم هذا الحدث بفرح كبير. ومع أنهم يرون في الحاكم الجائر طاغوت ورجس يتنجسون بمجرد الدخول في قصره كانوا لا يتورعون عن التعاون معه لقتل أحد الأنبياء ص، أو العلماء العاملين المجاهدين؛ لأن الأنبياءص متى استتبت لهم الأمور لن يرضوا دون استئصال الطواغيت، وإقامة الحكومة الإلهية على الأرض وبالتالي ذهاب سلطة الطاغوت وحكومته وذهاب سلطة ومكانة العلماء غير العاملين الذين حرفوا الشريعة وصوروا أنفسهم ورثة الأنبياء والأوصياء ص طلباً لمكانتهم في قلوب الناس. ولهذا فمن الطبيعي أن يكون أول من يعادي عيسى ع الطواغيت وعلماء الدين في بني إسرائيل الذين كانوا يدّعون أنهم ينتظرون بعثه لهم لينصروه، ولكن عندما بعث وجدوه يقول: (خادمي يداي، ودابتي رجلاي، وفراشي الأرض، ووسادي الحجر، ودفئي في الشتاء مشارق الأرض، وسراجي بالليل القمر، وإدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وفاكهتي وريحانتي ما انبتت الأرض للوحوش والأنعام، أبيت وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على وجه الأرض أحد أغنى مني) ([294]). وجدوه يدعوهم للزهد في هذه الدنيا وتحمل الدعوة إلى الله، وهذا يؤدي بهم إلى الاصطدام بالطواغيت وأعوانهم الذين يعارضون الدعوة إلى الله. وجدوه يدعو أتباعه للاستعداد للموت وتحمل القتل في سبيل الله، وتحمل المصاعب في طريق الدعوة إلى الله. وجدوه يجلس مع الخاطئين وجُبات الضرائب ليصلحهم. إذن فعيسى ع لم يأتِ ليعزز مكانة العلماء غير العاملين وسلطتهم ويعظم قدرهم ويمدهم في طغيانهم، بل جاء ليفضحهم بعلمه وزهده في هذه الدنيا، فأخذ علماء بني إسرائيل يتكلمون عليه ويتهمونه بشتى الاتهامات الباطلة، وجاءه تلاميذه وقالوا له: (أتعرف أن علماء اليهود استاءوا عندما سمعوا كلامك هذا)، فأجابهم ع: (اتركوهم هم عميان قادة عميان، وإذا كان الأعمى يقود الأعمى سقطا معاً في حفرة) ([295]). وهكذا كانت جبهة الباطل المواجهة لعيسى ع واسعة تضم علماء بني إسرائيل والشعب اليهودي الذي استخفّوه بادعاءاتهم الباطلة، والحاكم الكافر بيلاطس وجنوده، ولعل بعضهم يستغرب - وله الحق في ذلك - إذا علم أن عداء العلماء غير العاملين من بني إسرائيل لعيسىع كان اشد من عداء بيلاطس الحاكم الجائر وجنوده ولهذا أخذ عيسى ع يبين خطأ هؤلاء العلماء غير العاملين على رؤوس الأشهاد. قال ع مخاطباً الناس وتلاميذه: (معلمو الشريعة والفرييسيون على كرسي موسى جالسون، فافعلوا كل ما يقولونه لكم واعملوا به، ولكن لا تعملوا مثل أعمالهم؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون، يحزمون أحمالا ثقيلة شاقة الحمل ويلقونها على أكتاف الناس، ولكنهم لا يحركون إصبعا تعينهم على حملها، وهم لا يعملون عملا إلا ليشاهدهم الناس، يجعلون عصائبهم عريضة على جباههم وسواعدهم ويطولون أطراف ثيابهم ويحبون مقاعد الشرف في الولائم ومكان الصدارة في المجامع والتحيات في الأسواق وان يدعوهم الناس يا معلم … الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراءون تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس، فلا انتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون، الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراءون تأكلون بيوت الأرامل وأنتم تظهرون إنكم تطيلوا الصلاة سينالكم اشد العقاب، الويل لكم أيها القادة العميان ...) ([296]). وحقيقٌ بنا أن نتدبر هذه الكلمات، فربما هي وجهت في يوم من الأيام إلى بني إسرائيل وعلمائهم، ولعلها اليوم موجهة لنا. ومع الأيام كثر أتباع عيسى ع، وهم كأتباع أي نبي من الفقراء والمستضعفين أو حسب ما يسميهم أعداء الأنبياء ﴿أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي﴾([297])، وأخذ علماء بني إسرائيل يتآمرون على قتل عيسى ع بحجة انه يدعي الملك وكثر أتباعه، وهذا يؤدي إلى أن الرومان سيهاجمون الشعب اليهودي ويقضون عليه !! وبالتالي قرّر رئيس علماء اليهود أنّ قتل عيسى ع وهلاكه أفضل من هلاك الشعب كله، فبحجة المحافظة على الشعب يجب أن يقتل عيسى ع !! وهذا هو الميزان العدل وهذا هو الحق بنظر هؤلاء المنكوسين الظلمة قتلة الأنبياء، الذين يرون المنكر معروفاً، فلكي لا يعكر صفو حياتهم الرومان، ولا تتعرض مصالحهم وحياتهم للخطر، يجب أن يقتل عيسى ع ويخنق الحق ويُطفأ النور، وليستبد الطاغوت والظلم والظلام، فالمهم أن يبقى علماء بني إسرائيل غير العاملين أحياء ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾([298]). وحاولوا بكل طريقة أن يغروا به القيصر حاكم الرومان وعامله بيلاطس وأتباعه اللعناء ليقتلوه، ولأنهم جبناء لم يكونوا أهلاً لاستيعاب شجاعة هذا النبي العظيم ... وعلى كل حال، في النهاية اعتقل علماء بني إسرائيل عيسى ع، وجاء في الإنجيل أنهم بصقوا في وجهه الشريف، وضربوه وأهانوه، واتهموه انه يجدف ويكذب على الله سبحانه، ثم سلموه إلى بيلاطس، واتهموه انه يدعي الملك ويهدد الإمبراطورية الرومانية، وطلبوا من بيلاطس قتله وصلبه وألَحّوا عليه بذلك ... وعندما أراد بيلاطس الحاكم الجائر إطلاق صراحه في عيد الفصح، رفض علماء اليهود والشعب الذي استخفّوه وطلبوا أن يطلق أحد القتلة بدلا عنه وألحّوا على قتل عيسى وصلبه، والغريب أنهم عندما جاءوا بعيسى ع لقصر بيلاطس ليسلّموه لم يدخلوا القصر؛ لأنهم كانوا يعتقدون بكفر بيلاطس وبالتالي فمن يدخل قصره منهم يتنجس، ومع ذلك فقد وضعوا أيديهم بيد بيلاطس للقضاء على عيسى ع. انظر كيف اجتمع أهل الباطل مع اختلافهم وتناحرهم للقضاء على الحق، وتدبر ولا تكن من الغافلين، فإنّ أهل الباطل مهما اختلفت طرقهم وتعارضت عقائدهم وآرائهم فانّ طاعة الشيطان تجمعهم، وحب الدنيا يوحدهم. وعلى كل حال يمكرون و يمكر الله والله خير الماكرين، فلم يمكنهم الله من قتل عيسى ع، ولكن رفعه إلى السماء وشبهه لهم، وظنوا أنهم قتلوه. قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾([299]). وادخر الله سبحانه عيسى ع حياً إلى آخر الزمان، وسينزل من السماء إلى الأرض - إن شاء الله - هادياً إلى الصراط المستقيم، ووزيراً لخاتم أوصياء النبي ص المهدي ع عند قيامه بالحق وتطهيره الأرض من الشرك والإلحاد والظلم والفساد ونشر التوحيد والعدل والرحمة بين العباد) ([300]). هذا حال العلماء غير العاملين الذي لا يتبدل عند بعثة كل نبي أو وصي، وقد رأينا فيما مر حالهم مع موسى ع ومن سبقه من حجج الله، ولم يكن عيسى ع ليأتي قومه بغير ما جاء به خلفاء الله أقوامهم، فقد جاءهم أيضاً بقانونه سبحانه في حججه: الوصية؛ التي ذكره فيها من تقدمه من الحجج مبشرين به، ولذا كان من اعترض عليه يدعي انتظاره. والعلم والحكمة. قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾([301])، ورفع حاكمية الله نهجاً يدعو إليه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ فلا طاعة إلا لله ولمن نصبه الله. ولكنهم ورغم تلك البينات التي أتاهم بها كفروا به واتهموه بالسحر وحاربوه، فكان من حاله ما رأيناه في النص أعلاه وهو مؤلم حقاً، ولم يكن روح الله عيسى ع ليفارق أمته التي ما آمن منها إلا القليل دون أن يبشرها بسيد خلفاء الله محمد ص. قال تعالى حكاية لقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ...﴾([302])، مصدقٌ لمن قبله من الحجج ومبشراً بمن يأتي بعده، وهي سنة الله في خلفائه التي لا تتبدل أبداً. وقبل أن نشرع في بيان ما يرتبط بحال المعترضين على رسول الله ص أود الإشارة إلى نقطة ترتبط أيضاً بما اعترض به أدعياء العلم اليوم حول عدم معقولية مجيء وصي الإمام المهدي ع قبل أبيه الموصي وهو وإن تمت الإجابة عليه بمثل إبراهيم ولوط (عليهما السلام)، وموسى وهارون (عليهما السلام)، ورسول الله وعلي (عليهما وآلهما السلام)، ولكن نريد إضافة شاهد رابع؛ ليتبين للقوم بعدهم عن كتاب الله وسنن أنبيائه وحججه، فإنّ في عيسى بعد رفعه ووصيه شمعون شاهداً آخر على رد ما يزعمون وبعدم تعقله يتحججون، أما كيف ؟ إنّ القوم في اعتقادهم بالإمام المهدي ع لا يعدون أن: يرون حال غيبته كحال عيسى والخضر (عليهما السلام)، أي أنه مرفوع، فكما أنّ عيسى والخضر (عليهما السلام) مرفوعان، فكذلك الإمام المهدي ع، وهم في كثير من الأحيان يجيبون عن حياة الإمام ع لمن يستشكل على طولها بالتمثيل بحياة عيسى والخضر (عليهما السلام)، وهذا معناه أنهم يعتقدون فيه ما يعتقدونه فيهما حتى وإن لم يصرحوا بذلك. أو يرون أنّ غيبته ع تعني أنه مغيَّب في هذه الأرض، ولكن مكانه وشخصه غير معروفين. فإن كانوا يعتقدون بالإمام المهدي ع أنه مغيب في هذه الأرض، فجوابهم أن مجيء وصيه أحمد الحسن ع رسولاً من قبله إلى الناس ونطقه وحجيته عليهم كحجية لوط ع في زمن إبراهيم ع، وكحجية هارون ع في زمن موسى ع، وكحجية علي ع في زمن رسول الله ص. وإن كانوا يعتقدون به أنه مرفوع ([303]) وحاله كحال عيسى ع، فليجيبونا: من كان الناطق في زمن حياة عيسى ع وبعد رفعه، ومن الحجة على الناس والمباشر لهم ؟ فإذا كان الوصي شمعون ع يوم ذاك فهو وصي الإمام المهدي ع اليوم، أو تقبلون ذلك في حجج الله من غير آل محمد وتنكرونه فيهم ؟! أو تقولون بقيت الأرض بلا حجة بعد رفع عيسى ع، إذن نقضتم بديهية من بديهيات دينه سبحانه. فأنتم إذن محججون على كلا الفرضين، ويبقى أنّ إنكاركم واعتراضكم على حجية وصي الإمام المهدي ع على الناس اليوم بوجود الإمام الحجة ع ما هو إلا دليل جهلكم بحجج الله السابقين وابتعادكم عن كتابه الكريم، ومن أين لكم معرفة ذلك وقد شغفكم حب علوم أرسطو وفلاسفة اليونان ورجال أبي حنيفة وإلهيات المتصوفين وأصول فقه السفيانيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. -رسول الله محمد ص خليفة لله ورؤساء الديانات والحكام يعترضون: كان آخر الأنبياء مبعثاً وأولهم إيماناً. عن أبي عبد الله ع: (إنّ بعض قريش قال لرسول الله ص: بأي شيء سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال: إني كنت أول من آمن بربي، وأول من أجاب حين أخذ الله ميثاق النبيين ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾([304])، فكنت أنا أول نبي قال: بلى فسبقتهم بالإقرار بالله) ([305]). ذاك هو سيد الأنبياء والمرسلين محمد ص، الذي يصفه حفيده الإمام الصادق ع فيقول: (فلم يمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم، أن انتجب لهم أحب أنبيائه إليه وأكرمهم عليه محمد بن عبد الله ص في حومة العز مولده، وفي دومة الكرم محتده، غير مشوب حسبه ولا ممزوج نسبه، ولا مجهول عند أهل العلم صفته، بشرت به الأنبياء في كتبها، ونطقت به العلماء بنعتها، وتأملته الحكماء بوصفها، مهذب لا يدانى، هاشمي لا يوازى، أبطحي لا يسامى، شيمته الحياء وطبيعته السخاء، مجبول على أوقار النبوة وأخلاقها إلى أن انتهت به أسباب مقادير الله إلى أوقاتها، وجرى بأمر الله القضاء فيه إلى نهايتها، أداه محتوم قضاء الله إلى غايتها، تبشر به كل أمة من بعدها ويدفعه كل أب إلى أب من ظهر إلى ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح ولم ينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلى أبيه عبد الله، في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلأ حمل وأودع حجر، اصطفاه الله وارتضاه واجتباه وآتاه من العلم مفاتيحه ومن الحكم ينابيعه، ابتعثه رحمة للعباد وربيعاً للبلاد، وأنزل الله إليه الكتاب فيه البيان والتبيان قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون، قد بينه للناس ونهجه بعلم قد فصله ودين قد أوضحه، وفرائض قد أوجبها وحدود حدها للناس وبيّنها، وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها، فيها دلالة إلى النجاة ومعالم تدعو إلى هداه، فبلغ رسول الله ص ما أرسل به، وصدع بما أمر، وأدى ما حمل من أثقال النبوة، وصبر لربه وجاهد في سبيله ونصح لأمته ودعاهم إلى النجاة، وحثهم على الذكر، ودلهم على سبيل الهدى، بمناهج ودواع أسس للعباد أساسها، ومنار رفع لهم أعلامها، كيلا يضلوا من بعده وكان بهم رؤوفاً رحيماً)([306]). بعث النبي الأعظم محمد ص إثر تحريف أصاب الديانات السماوية الثلاثة (الحنفية، اليهودية، النصرانية)، وعادات جاهلية مقيتة، ونهج من الباطل الضارب في مجتمعات بشرية حد النخاع، ولا موضع للخير وأهله إلا ما ندر في بيوت أذِن الله أن يذكر فيها اسمه ولا مجال للكفر والرجس فيها، وكان مقدّراً له أن يواجه المنحرفين من كل هذه الديانات لتصحيح مسيرة الخلق إلى الله بعد أن عكفت الأقوام على عبادة أهوائها، فبعض حجارة لا تضر ولا تنفع، وآخر ظواهر كونية، وثالث عالم سوء حرّف وغيّر في دين الله ما منّاه إبليس وجنده، والكل يجمعهم الهوى و(الأنا) إلهاً يعبد من دون الله جل وعلا. ولست مجانباً الحقيقة إذا ما قلت إنّ آخر الآلهة - أي عبادة العالم المنحرف المتحصلة من إطاعته في تحليل حرام الله وتحريم حلاله، كما بينها الإمام الصادق ع ([307]) - أشدها مواجهة وعناء في دعوات المرسلين، ذلك أنّ كائناً مسكيناً كالحجر والبقر لا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه لا يخشى منه ورقبته مرهونة بمن يعبده والذي لا يجده ناصراً لو استنصره ولا ناطقاًَ لو استنطقه، كيف وهو ليس بإمكانه ذب كلب يبول في فمه أو دفع ذرق طائر على رأسه، إلا ثالث الآلهة فهو الناطق باسم الدين، بل باسم الله كما يصور نفسه لأتباعه، فالدين قوله ولو كان كاذباً، والخلق القويم خلقه ولو خالف الأخلاق، والنهج ما ينتهجه ولو خالفت سيرته كل أنبياء الله ورسله. وحقاً غير رسول الله محمد ص حبيب الله وسيد خلقه غير قادر على أداء هذه المهمة الكبرى، يتضح ذلك عند مطالعة ولو شيء يسير من سيرته في دعوته وعظم المعاناة التي عانها. بعث رسول الله ص في مركز الجزيرة العربية مكة، المدينة التي يحج إليها الناس، ولم يبق على الحق الذي جاء به من تقدمه من حجج الله إلا نفر يسير منهم آباؤه الطاهرون وعمه أبو طالب، وأما البقية من سادة القوم وعلمائهم وأتباعهم فكانوا غائصين في ظلم الجهل والتيه وعبادة الأصنام التي يقربون لها القرابين والعادات الجاهلية البغيضة. وتميزت دعوته ص بأنها كانت تمثل (كل ما في دعوات الأنبياء السابقين، فالدعوة بلين ورحمة، ثم الهجوم بشدة وقسوة، تكسير الأصنام، قتل أعداء الله، توعدهم بالأذى الدنيوي والأخروي. كان الرسول ص في غاية اللين والرحمة والرقة مع المؤمنين، وفي غاية الشدة والغلظة والقسوة مع الكافرين، وهذا الميزان الحق الإلهي لا يمكن أن تحتمل تناقضاته الظاهرية إلا نفس عظيمة كنفس محمد ص، نفس تحمل الجنة في يد والنار في اليد الأخرى، لتعرضها على الناس فتبشر المؤمنين وتنذر وتزجر وتهدد الكافرين ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾([308]). وأهم ما امتازت به دعوة الرسول ص هي أنها خاتمة الرسالات الإلهية، وانّ التبشير والإنذار والوعد والوعيد الذي جاء به المرسلون آن وقت تنفيذه، وأنّ المنفذ هو من ذرية الرسول ص وهو الإمام المهدي ع، وبالتالي فقد اقترب الوعد الحق الذي وعده الله سبحانه وتعالى لجميع الأنبياء والمرسلين، واقترب يوم الوعد المعلوم الذي وُعد به إبليس لعنه الله وانه يوم نهايته) ([309]). ولم يكن مجيئه ص قومه يختلف عن حجج الله السابقين، إذ كان لدى أدعياء العلم من كل الديانات منهم موصوفاً ومبشراً به، كما وصفه حفيده الإمام الصادق ع في النص المنقول عنه: (ولا مجهول عند أهل العلم صفته، بشرت به الأنبياء في كتبها)، فقد بشّر به موسى ع وحدّد اسمه وصفته كما في أمر الله له في مناجاته بأن يأمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسم (محمد) ولا يخذلوه عند بعثته، فقد جاء في الحديث: (أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وأنه راكع ساجد، راغب، راهب، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون، ويكون في زمانه أزل وزلزال وقتل، وقلة من المال، اسمه أحمد، محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين الماضين، يؤمن بالكتب كلها ويصدق جميع المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين، أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه، لهم ساعات مؤقتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته، فبه فصدق ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك. يا موسى، إنه أمي وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته، وبه أفتح الساعة وبأمته أختم مفاتيح الدنيا، فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون، وحبه لي حسنة فأنا معه وأنا من حزبه وهو من حزبي وحزبهم الغالبون فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها، ولأعبدن بكل مكان ولأنزلن عليه قرآناً فرقاناً شفاءً لما في الصدور من نفث الشيطان، فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي) ([310]). وكذلك بشّر به عيسى وذكره باسمه ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...﴾([311]). وأيضاً ذكره باسمه وصفته، عن أبي عبد الله ع، قال في حديث: (... فلما أن بعث الله( المسيح ع قال المسيح لهم: إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل ع يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم، وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين، وإنما سماهم الله تعالى المستحفظين؛ لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل شيء، الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم ...) ([312]). ولم تكن بشارة الأنبياء به هي ما استدل بها رسول الله ص على قومه فقط، بل جاءهم محتجاً عليهم بقانونه سبحانه في حججه وخلفائه الذي لا يخطئ صاحبه أبداً: الوصية. فعن الثمالي، عن أبي جعفر ع، قال في حديث طويل يصف فيه انتقال الوصية والعلم ومواريث الأنبياء من آدم ع إلى من بعده من خلفاء الله حتى رسول الله محمد وآله الطاهرينص، يقول: (... فلما أنزلت التوراة على موسى بن عمران تبشر بمحمد ص ... فلم تزل الأنبياء تبشر بمحمد ص وذلك قوله: ﴿يَجِدُونَهُ﴾ يعني اليهود والنصارى، يعني صفة محمد واسمه ﴿مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، وهو قول الله تعالى يحكي عن عيسى بن مريم: ﴿ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾، فبشر موسى وعيسى بمحمد صلى الله عليهم أجمعين كما بشرت الأنبياء بعضهم بعضاً حتى بلغت - أي الوصية - محمداً ص ...) ([313]). والعلم والحكمة التي وصفها ربه، فقال جل جلاله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾([314])، وكذلك راية البيعة لله أو حاكمية الله، فالقرآن كله الذي بينه رسول الله ص لقومه كانت الدعوة إلى الله وحاكميته فيه واضحة بينة. وبالرغم من أنه ص بعث (بالشريعة الإسلامية المجددة للحنفية والناسخة لبعض أحكامها، فشريعة إبراهيم ع هي الأقرب للنفوس والأوفر حظاً أن ينظمّ تحت لوائها اليهود والنصارى الذين يقدسون إبراهيم ع ويعتبرونه أباً للأنبياء العظام ص)([315])، ولكن أهل العلم (الأدعياء) من كل الديانات أنكروه وكذبوه واعترضوا عليه، كذا هو حال الحكام كهرقل وكسرى والمقوقس وملئهم. وكانت لقومه النصيب الأكبر من الاعتراض والتكذيب والاتهام والاستهزاء والمحاربة والمحاججة بالباطل وهو ليس بخاف على كل مسلم، وهؤلاء هم سادة المعترضين من كبار القوم من قريش وغيرها وعلمائهم الذين كانوا يمتهنون الدين للاسترزاق والعيش، باعتبار أنّ مكة كانت تمثل الحاضنة الدينية وفيها تستقر مرجعية الناس، يتبعهم على هذا النهج أتباعهم وعبيدهم والسواد الأعظم من الناس. وقد اضطروه روحي فداه للهجرة إلى الطائف، ولم يكن استقبال القوم فيها بأحسن حالاً ممن شابههم بالقلوب من إخوانهم في الضلال من أهل مكة، فكان الرمي بالحجارة وإدمائه ص نصيبه، عندها وقف يدعو ربه بكلمات خلدت له تضحيةً لله سبحانه، وعاراً على المعترضين: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا ارحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتهجمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك) ([316]). ولم يؤمن به ص طيلة بقائه في مكة (13) عاماً إلا القليل من الفقراء والمستضعفين، فاستبدل الله سبحانه قومه بأناس غرباء من أهل المدينة آمنوا به ونصروه، فكانت هجرته ومن آمن به إلى المدينة بداية فتح الهي كبير في دعوة سيد المرسلين ص. ولم يكن فشل قومه ص في استقبال دعوته إلا تكبرهم عليه وحسدهم له، الداء الذي ابتلي به إبليس (لعنه الله) ومن احتذى حذوه في الاعتراض على خلفاء الله في أرضه، فلم يطيقوا رؤية يتيم فقير رسولاً لله، واقترحوا أن يكون أحد الرجلين (الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف) هو الرسول، فصد القوم عن الإيمان بالله ورسوله ما كان عندهم من باطل فرحوا به وسهروا الكثير على تجذيره حتى صاروا سادة وكبراء ؟! وأما علماء اليهود فهم كانوا يترقبون بعث النبي الخاتم ص منهم، فلما لم يكن يهودياً كفروا به رغم أنهم بنوا خيبر قرب المدينة بزعم استقباله والإيمان به عند بعثته، وكذا النصارى فقد زين لهم علماؤهم ما هم عليه وصدوهم عن الإيمان بسيد المرسلين، هذا وهم يجدونه مكتوباً وموصوفاً عندهم في كتبهم رغم التحريف الذي ادخله علماء الضلالة الخونة فيها. إنها الأنا إذن وحب التسلط والرئاسة والسمعة والإتراف في الدنيا والتحكم بأهلها والرغبة بتعبيد الناس تلبية لشهوة عالمٍ مخرف أو حاكمٍ متجبر في الأرض، أمراض الطغاة التي دعتهم إلى الإعراض عن خلفاء الله والصد عن الهدى والبينات، بل والاعتراض عليهم والكفر بهم وقتلهم. كانت هذه وقفة مختصرة مع المعترضين على رسول الله ص عند بعثته وإرساله، وأما معاناة آله الطاهرين ص والاعتراض عليهم عند بعثهم خلفاء لله في أرضه، فالكلام فيه طويل وطويل جداً بحجم المعاناة والآلام والقتل والانتهاك الذي تعرضوا له، وبحجم حلقات الانحراف والسقائف التي عقدت لتثبيت حاكمية الناس وكانت نتيجتها قتل علي وفاطمة (عليهما السلام) وأبنائهما الطاهرين، فما منهم إلا مقتول أو مسموم، وبحجم الفساد والضياع الذي أسس له المعترضون الأوَل ومن تلاهم من الأمويين والعباسيين وإلى يومنا هذا، إنها بكلمة واحدة استبدال خلفاء الله بجند إبليس، فكم هي الجريمة بعد هذا. ولكن سنعرض باختصار إلى قصة المعترضين على أمير المؤمنين وولده المعصومين ص إكمالاً لقصة الاعتراض على خلفاء الله، والأمر واضح كالشمس في رابعة النهار. * * * -أمير المؤمنين ع خليفة لله وعمر وقومه يعترضون: قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾([317]). مع سيد الأوصياء وأمير المؤمنين ع في رحلة المعاناة والمظلومية التي قاساها من أشرّ المعترضين وحزبه الظلمة الجاحدين، وشاء الله تعالى أن يبقى خط الساجدين موسوماً باسم عليع وولده الطاهرين ص، ويبقى خط الاعتراض موسوماً باسم المنكر له إلى أن تملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بقيام قائم آل محمد وتطهيره لها من الظلم والجور. والآية الكريمة تحكي لنا ارتداد الأمة بعد رسول الله ص وانقلابها على وصيه ع، تماماً كارتداد أمة موسى ع في عصيانها لوصيه هارون ع وعبادتها العجل والسامري، فقدمت هذه الأمة على مراد الله غير الوصي ممن لا يعرف له منقبة لا في جاهلية ولا إسلام، إنه عصيان ما بعده عصيان، هذا والعهد قريب برسول الله ص. ولم يبقَ على دين الله سوى نفر لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، فالرسول ص بعدُ مسجى ولم يدفن والقوم يجتمعون في سقيفة بني ساعدة لتنصيب خليفة للمسلمين بعده، عبر تصويت وانتخابات الهدف منها تنحية من اختصه الله بخلافته وحجيته على الخلق، وكأنّ رسول الله ص (وحاشاه) قد ترك أمر الأمة سدى ورمى الحبل على الغارب قبل وفاته ومات دون أن يحدد من يخلفه بعده على دين الله ورسالته وخلقه ولم يبين لهم من اختصه الله بكرامته واجتباه لرسالته، والحال أننا لا نجد امة تدين لله بالعبودية ممن سبق هذه الأمة قد تدخلت في تنصيب خلفاء الله أو أنّ الله سبحانه أجاز لها حتى مجرد التفكير في ذلك، وقد طالعنا بعض سير الدعوات الإلهية ولم نرَ أو نسمع بذلك بالمرة، فلا آدم رحل إلى ربه وترك الأمر لمن بعده ينصبوا لهم من يشاؤون ولا نوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وشعيب وموسى وعيسى ص وغيرهم من أنبياء الله قد رحلوا دون أن يحددوا الأوصياء من بعدهم. قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([318]). وقال: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([319]). فكيف تجرأت هذه الأمة لتختار لها إماماً في الدين، ومن خوّلها ذلك وأعطاها هذه الصلاحية ؟!! هل ربها، فأين ؟ أو نبيها، فأين أيضاً ؟ أو من تقدمه من حجج الله، فكذلك أين ورد هذا ؟ ولم يبقَ إلا إبليس وجنده، ومن وجد غير هذا فليدلنا عليه. هذا وهم يعرفون قبل غيرهم ما قاله رسول الله ص في أخيه ووصيه ع ومنذ أول بعثته مروراً بأيام عنائه في دعوته وتبليغ رسالته، والى آخر يوم من عمره الشريف، حتى قال قائلهم وهو يصف علياً ع لما سئل عنه: (ماذا أقول عن رجل أخفى أحباؤه فضائله خوفاً، وأخفى أعداؤه فضائله حسداً وشاع من بين ذا وذا ما ملأ الخافقين)، وحقيقة أقول: إنّ المرء لما يريد ذكر فضائل أمير المؤمنين ع وما خصّه الله تعالى به وبينه حبيبه ص لأمته لا يعرف من أين يبتدئ وأين ينتهي، وقد ألّف الفريقان الموسوعات في ذلك، وسأقتصر على بضعة أحاديث - وهي كثيرة جداً - من فريق المعترضين أول زمان الإسلام خشية الإطالة ومن أراد المزيد فليراجع. عن البراء بن عازب، قال: (كنا عند النبي ص في سفر فنزلنا في غدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله ص تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي، وقال: ألستم تعلمون أنى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى، فأخذ بيد علي وقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعادي من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة) ([320]). فماذا عدا مما بدا وأنتم تعترفون بولاية علي ع على كل مؤمن ومؤمنة ؟! وعن علي ع، قال: (قال رسول الله ص: يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت: يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا)([321]). وليتك حاضراً يا رسول الله لترى كيف هو سمْع أمتك وطاعتهم لك بعد وفاتك لوصيك، فما بقي باطل إلا وخاضوا فيه وما رعوا لبيت الرسالة حرمة، ولو كان فقط انتهاك بيت بضعتك وروحك التي بين جنبيك فاطمة ص وحرقهم لدارها واعتدائهم عليهم بضربها وعصرها بين الحائط والباب وكسر ضلعها وإسقاط جنينها، لو كان ذلك وحده لكفاهم عاراً وشناراً على شدة جرأتهم وقبح صنيعهم. وعن بريدة، عن رسول الله ص، قال: (لكل نبي وصي ووارث، وأنّ علياً وصيي ووارثي)([322]). فماذا بقي يا معترضين لتصرّوا على رفض حاكمية الله والأخذ بحاكمية الناس ؟! وعن البراء وزيد بن أرقم معاً، عنه ص، قال: (يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي) ([323]). وواضح أنّ نسبة هارون إلى موسى (عليهما السلام) هي نسبة الوصي إلى الموصي، ولكن هارون كان نبياً ووصياً ولذا نفى النبي ص عن وصيه النبوة فقط، وأما أنه وصيه فهذا ما يؤكده ص في حديثه، فأيّ دليل تطلبون على وصاية علي ع لرسول الله ص بعد هذا ؟!! وعن معاذ، عنه ص، قال: (يا علي، أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيه أحد من قريش: أنت أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية) ([324]). وإذا كان علي ع هو أول القوم إيماناً وأوفاهم بعهد الله وأقومهم وأبصرهم بأمره وقضيته وأعدلهم وأعظمهم عند الله، فماذا يطلبون بعد هذا من خصائص في الخليفة الإلهي ؟! ولكنهم لما لم يدخل الإيمان في قلوبهم اخترعوا منهم الموازين وعدلوا عن مراد الله وحاكميته إلى حاكمية الناس (منا أمير ومنكم أمير) أو (إن الأمر في قريش والمهاجرين) وهكذا ، ليستقر أخيراً التصويت على أبي بكر ليمهد الأمر من بعده لعمر، ولذا لا تجد للانتخابات ذكر بعد هلاك أبي بكر إنما استلمها عمر بلا استشارة أحد، لتعود الشورى ومجلس الشيوخ من جديد قرب هلاكه والقول ما قاله عبد الرحمن بن عوف فله حق الفيتو وصوته يرجح النصف الذي هو فيهم، وهكذا التخبط في الباطل لا لشيء إلا لإبعاد من اختصه الله ووصفه حبيبه ص بأنه أعلم الناس وأعدلهم وأقومهم وأشجعهم وأورعهم وأتقاهم وأزهدهم وأحلمهم وأعظمهم عند الله وهكذا في كل صفات الكمال التي يريدها الله سبحانه، ولذا كان أقربهم من رسول الله ص فهو أخوه بل نفسه كما في آية المباهلة، ولكنه الحسد الذي يبتلى به المعترضون دائماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعن عمار بن ياسر، عنه ص، قال: (يا علي، طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك) ([325]). وهل صدّق فيه من اقتاده مربوط اليدين من داره لأخذ البيعة منه قهراً، أم لم يكذبه من اعتدى على بيته وأحرق داره وقتل زوجته الطاهرة، وحمل الناس على أكتاف آل محمد، وإلا فمن ولّى معاوية الشام ليقفز هو وولده كالقرود - كما رآهم رسول الله في الرؤيا التي أحزنته- على منبر رسول الله ص ويغتنموا جهود وتضحيات وعناء رسول الله وأخيه في بناء دين الله وتشييد أركانه ؟! من مهّد لهم الطريق لتعود جاهلية أبي سفيان من جديد، ثم تجر الويلات على بيت الرسالة وأهله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فتقاد بنات الرسالة زينب وأخواتها أسارى بيد أرذل خلق الله ويقتل سبط النبي ص وريحانته في أسوأ جريمة فعلها المعترضون مع خلفاء الله في أرضه منذ بعث الله آدم وإلى آخر خليفة الهي على هذه الأرض ؟! من فعل ذلك بآل النبي ص ؟! أوليس يزيد قبحه الله ابن معاوية الذي ولاه عمر الشام ويؤازره آل أبي معيط الذين ولّاهم عثمان بلاد المسلمين ليعيثوا فيها الفساد، وإلا هل خليفة للمسلمين من يصلي بهم الصبح أربع ركعات من السكر ؟! أليس لأجل هؤلاء أبعد علي وولده الطاهرين ؟! وعن علي، قال: (إن رسول الله ص آخى بين الناس وتركني، فقلت: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك وتركتني، فقال: ولم تراني تركتك ؟ إنما تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، قال: فإن حاجك أحد فقل: إني عبد الله وأخو رسول الله، لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب) ([326]). وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: (أمر معاوية سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول في يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فتطاولنا لها فقال: أدعو لي علياً، فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه. ولما نزلت: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي) ([327]). وهنا نجد كاتب الوحي عندهم وأمينه وخال المؤمنين كما يزعمون قد طلب من سعد سب أبي تراب، وإذا كان سعد قد امتنع حسب زعمه فانّ خال المؤمنين قد شرّع سب سيد الأوصياء على المنابر، وبقى سبّه ع سبعين عاماً إلى حين مجيء عمر بن عبد العزيز، أوليس كذلك يا مسلمين ؟! وهل إيمان يبقى بسب سيد الأوصياء ؟! ولكنها الأقوام التي لا تفرق بين ناقة وجمل من الهمج الذين ينعقون وراء سادة المعترضين على خلفاء الله، والحمد لله على نعمة الولاية. وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله ص: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها) ([328]). وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: (كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: ما لكم وما لي ؟ من آذى علياً فقد آذاني) ([329]). في المسجد ينال الأغبياء من علي ع، المكان الذي ولد فيه واستشهد، ولا أدري لِمَ لمْ يفصح سعد عن أسماء الرجلين، ربما لأنه لا يحب أن تشيع الفاحشة في (الذين آمنوا) بنظر سعد ممن آذى رسول الله في وصيه. على كل حال، من آذى علياً ع آذى رسول الله ص، إذن ماذا تقولون بمن صنع به وبزوجته البتول فاطمة ص وبولده الطاهرين كل الذي صنع ؟ هل حقاً تفقهون ما تروون أو أنكم لا تفقهون حرفاً وتعبدونه على حرف !! ويكفينا أن نقف على وصف أمير المؤمنين ع لسادة المعترضين عليه وهو يشقشق بألمه وقساوة الدهر عليه لما ساووه بمن ناووه وهل ساووا نعلي قنبر. فعن ابن عباس، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، فقال: (والله لقد تقمصها أخو تيم (أي أبو بكر) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جزاء أو أصبر على طخية (أي ظلمة وغم) عمياء، يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتى أحجى، فصبرت وفي القلب قذا، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً، حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده، عقدها لأخي عدي (أي عمر) بعده، فيا عجباً بينا هو يستقيلها (إشارة إلى قول أبي بكر أيام تقمصه: أقيلوني) في حياته إذ عقدها الآخر بعد وفاته، فصيرها والله في حوزة خشناء، يخشن مسها، ويغلظ كلمها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب العصبة، إن عنّف بها حرن (أي وقف ولم يمشي) وإن أسلس بها غسق (أي ادخله في الظلمة)، فمني الناس - لعمر الله - بخبط وشماس، وتلون واعتراض، وبلوى وهو مع هن وهني (أي الأدنياء من الناس)، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة (أي مجلس الشورى) زعم أني منهم، فيا لله وللشورى ! متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ؟ فمال رجل بضعبه (أي بهواه)، وأصغى آخر لصهره، وقام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نشيله ومعتلفه (أي بين منكحه ومطعمه)، وقاموا معه بني أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبت الربيع، حتى أجهز عليه عمله، وكسبت به مطيته، فما راعني إلا والناس إلي كعرف الضبع قد انثالوا علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي، حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة، وفسقت أخرى، ومرق آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله تبارك وتعالى يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾([330])، بلى والله لقد سمعوها ووعوها لكن احلولت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقرّوا على كظة (أي امتلاء) ظالم ولا سغب (أي جوع) مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من خبقة (ما يخرج من دبر العنزة) عنـز. وناوله رجل من أهل السواد كتاباً فقطع كلامه وتناول الكتاب، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو اطردت مقالتك إلى حيث بلغت، فقال: هيهات هيهات يا ابن عباس، تلك شقشقة هدرت ثم قدرت. فما أسفت على كلام قط كأسفي على كلام أمير المؤمنين ع إذ لم يبلغ حيث أراد)([331]). وماذا يريد أمير المؤمنين ع يا ابن عباس؟ هل إلا فضح المعترضين على الله في اختياره وحكمه وشكايتهم إلى الله سبحانه على عظيم جرمهم وقبيح فعلهم وسقائفهم وشورتهم التي أرادوا بها تنحية الحق عن أهله وإبعادهم عنه، أوَلم تسمع يا ابن عباس ما قالته الزهراء ص تعقيباً على فعلتهم الشنعاء: (... فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة (أي الضغن والعداوة) النفاق وسمل (أي صار قديماً) جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ (أي ظهر) خامل الأقلين ، وهدر فنيق (أي فحل الإبل) المبطلين، فخطر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة (أي الاغترار) فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً (أي مسرعين إليه)، وأحمشكم (أي استغضبكم وحملكم) فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم (الجرح) رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة (إشارة إلى السقيفة التي عمدوا إليها خوف الفتنة كما صوروه لخديعة للناس) ﴿أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾([332])، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون ... وأنتم تزعمون ألا إرث لنا ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([333])، أفلا تعلمون ؟! بلى، تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته أيها المسلمون. يا بن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟! لقد جئت شيئا فرياً. أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾([334]) ... أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان ؟! أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! فدونكما مخطومة (الخطام ما يوضع في انف البعير للقود) مرحولة (الرحل ما يوضع على ظهر البعير) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون، ولا ينفعكم إذ تندمون، و﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ﴾([335])، وسوف ﴿تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾([336])...) ([337]). هل ما زال خافٍ ما فعله المعترضون مع سيد الأوصياء ؟ ولو ورد إلينا فقط النصان المتقدمان عن علي وفاطمة (عليهما السلام) لكان وافياً في بيان حالهم، وأما لو أريد لهذا أن يبحث مفصلاً لكانت الموسوعات بحقه قليلة، وسأختم ببيان ما يتعلق برزية يوم الخميس وما قاله عمر في محضر رسول الله ص. روى البخاري في باب كتابة العلم من كتاب العلم، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: (لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه، قال: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله .. حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، فقال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه) ([338]). الآن، لو نظرنا إلى قول عمر: (إن النبي غلبه الوجع ..) لنسأل: هل عاد لا يعتقد بعصمة النبي ص في تلك اللحظات التي عبر عنها بأنه غلبه الوجع فيها ؟! وهل يصح مثل ذلك الاعتقاد من مسلم ؟! إذن ينبغي مراجعة إسلام من يعتقد ذلك، أليس كذلك ؟ هذا أولاً. وثانياً: (وعندنا كتاب الله .. حسبنا) أيضاً رداً على طلب الرسول ص، فهل يعتقد بنفسه أنه الأعرف بما يصلح الناس ويضمن هدايتهم من النبي ص الذي لم يعلم ص - وحاشاه - بأنّ كتاب الله كافٍ لعدم ضلال الناس أو لا ؟! ثم - ثالثاً - قول ابن عباس: (إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين كتابه)، والسؤال: هل يصلح من تجرأ ومنع الكتاب العاصم من الضلال أن يكتب من قبل إمام الهداية ص، وأدى قوله إلى التنازع، أن يكون إماماً في الإسلام؟! ورابعاً: هل عرف عمر ما كان ينوي النبي ص كتابته ولهذا فعل فعلته؟ والجواب: بالطبع نعم، خصوصاً وهو وجماعته ليسوا ببعيدي عهد عما سمعوه من رسول الله ص في أحاديثه الكثيرة التي تصف حال خلفاء الله فيما سبق وكيف أنّ الأنبياء إذا ما حضرتهم الوفاة كانوا يوصون بالحجج من بعدهم ويبينوا أمرهم للأمة كي لا تضل، وعرف أنّ النبي ص يريد ذلك ويريد أن يكتب وصيته - وهي كتاب الهداية الذي إذا ما تمسكت به الأمة فلن تضل أبداً - ولهذا قال: (حسبنا كتاب الله)، وليس ذلك منه اعتقاداً، كيف وهو يقرأ قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾([339]) فما باله قال "هجر" إذن كما في رواية ابن جبير الآتية عن نفس الحادثة !!! وخامساً: إننا لا نسلّم قول من يقول بأنّ عمر منع رسول الله ص من كتابة الوصية وكتاب الهداية أصلاً، نعم هو منع البعض من أن يشهد كتابتها وكان نصيبه الطرد من مجلس رسول الله ص ورحمته؛ باعتبار أنّه رحمة الله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾([340]) والطرد من مجلسه فيه ما فيه خصوصاً في تلك اللحظات الحساسة والحاسمة في تقرير المصير. نعم، لم يمنع رسول الله ص من كتابة وصيته وحاشى رسول الله أن يمنعه أحد عن كتابة وصيته التي وصفها بأنها كتاب عاصم من الضلال أبداً وهو الرحيم بأمته، فكيف يسمح مسلم لنفسه حتى أن يفكر - فضلاً عن أن يعتقد - بأنّ النبي ص رضخ للمقولة وامتنع عن الكتابة ؟! والحال أننا لا نجد نبياً من الأنبياء ممن سبقوه ترك ذلك، فكيف بإمامهم وسيدهم والله سبحانه يقول: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([341])، بلى كتبها ص بعد أن طرد من كان بحضرته ممن ساهم بحصول ما حصل، وأشهدَ عليها حوارييه أبا ذر وسلمان والمقداد، كما تبين في التمهيد وذكرنا شواهد ذلك مما جاء عن أئمة أهل البيت ص. وأيضاً من شواهد الوصية ساعة الوفاة: ما جاء عن المعترضين، فإنهم وإن لم يحضروا لحظات الكتابة وكان الحضور فقط من اجتباهم الله لنصرة خلفائه، ولكنهم سمعوا وصيته ص مشافهة فيما يرتبط بوصيه المظلوم ع وأمرين آخرين ذكرهما الراوي ونسي - بزعمه - ما يرتبط بالوصي ع، وإليكم الرواية: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أَنّه قال: (يوم الخميس، وما يوم الخميس ثُمّ بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتدّ برسول اللَّه صوجعه يوم الخميس فقال: ائْتوني بكتابٍ أكتبْ لكم كتاباً لنْ تضلُّوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازعٌ فقالوا: هَجَرَ رسولُ اللَّه ص. قال: دعوني فالذي أنا فيه خيرٌ ممّا تدعوني إليه. وأوصى عند موته بثلاثٍ: أَخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنتُ أُجيزهم، ونسيتُ الثالثة) ([342]). وقد صرح ابن الأثير في (النهاية في غريب الأثر) ونقل عنه ابن منظور في (لسان العرب) أن قائل كلمة (هجر) هو عمر، فقال ابن الأثير في مادة (هجر) : (ومنه حديث مرض النبي ص قالوا: ما شأنه ؟ أهجر ؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض، وهذا أحسن ما يقال فيه. ولا يجعل إخبار فيكون إما من الفحش أو الهذيان، والقائل كان عمر، ولا يظن به ذلك) ([343]). وهي كما ترى محاولة بائسة من ابن الأثير لتبرير الجرأة على سيد المرسلين ص، فإن استفهامه - لو صح القول به - ممّن كان ؟! فهل يستفهم من أبي بكر وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص مثلاً ؟ والحال أنهم معه وقوله قولهم. أو يقصد ابن الأثير أنه يستفهم من علي ع ؟ فهلا روعيت أولاً حرمة المسجّى على فراش الموت ليستفهم من وصيه ع ؟؟؟ ثم لماذا (هجر) يا عمر ؟! وهل طلب أمراً غير مألوف ليوصف خير خلق الله ص (وحاشاه) بالهذيان ؟! أوليس قد طلب كتاباً ليكتب لكم ما لا تضلون بعده ؟! هل تستغربون ذلك من رسول الله ؟! إذن ما الذي تعتقدونه فيه وفي الأنبياء عموماً ؟ أو أصبح الأمر كما يقول أبي سفيان: (تلاقفوها يا بني أمية تلاقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار) ؟!!! ولابد أن نقف هنا لنتساءل: هل أوصى النبي ص بألف أمر أو يزيد أو حتى عشرة بل خمسة ليمكن قبول اعتذار الراوي بنسيان أمر منها ؟! أوليس هو حسب زعمه يقول أوصى بثلاث، فما باله تذكر إخراج المشركين وإجازة الوفد ونسى الثالث منها، فهل كان أمراً هامشياً إلى هذا الحد بحيث لا يأتي على بال الراوي ؟! وهل مسلماً من يخطر على باله ذلك وأنه ص يوصي في آخر لحظات عمره بأمر غير ذي بال بحيث يخفى على الإنسان ليعتذر بالنسيان ؟! ولكنها (شنشنة أعرفها من أخزمِ)، وسيحكم الله بينكم وبين محمد وعلي صلوات الله عليهما وآلهما، فأين تذهبون ؟! ثم من هو الذي نسى ؟ هل هو ابن عباس أو ابن جبير أو سليمان الأحول أو سفيان بن عيينة رواة الحديث عن ابن جبير، من بالضبط ؟ سفيان يقول - كما في حاشية البخاري -: إنّ الذي نسى هو سليمان الأحول، بمعنى أنّ ابن جبير وابن عباس كانا قد ذكرا هذا الأمر الثالث، ولكن سفيان هو الذي نساه !! وليس غريباً ادعاء ذلك، ولا هي بأول محاولة لإخفاء الحق واختلاق الباطل لتلميع المواقف وتبريرها. ثم إنّ الثالثة ليست إلا الأمر الذي أراد النبي ص أن يكتبه حفظاً لهم من الضلال، لكن سياسة المعترضين الحاكمة اضطرت المحدثين إلى ادعاء نسيانه، وقد نبّه إليه مفتي الحنفية في (صور) الشيخ أبو سليمان الحاج داود الدادا، كما يذكره السيد شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد. وقد ورد عن علي ع، عنه ص: (يا علي، إن وليت الأمر بعدي فأخرج أهل نجران من جزيرة العرب) ([344]). وأمر النبي ص لأمير المؤمنين ع هنا بإخراج المشركين من جزيرة العرب هو نفسه الأمر الثاني الذي ذكره سفيان وادعى نسيان الثالث، وقد بين أمير المؤمنين ع ما تناساه سفيان وتغافله من تغافله فيما بعد في أنّ المكلف بإخراج المشركين وإجازة الوفد هو أمير المؤمنين ع (يا علي، إن وليت الأمر بعدي ...)، وإلا هل يأمر النبي ص القوم كلهم بالإخراج والإجازة، هكذا كلهم بلا أمير لهم يطيعوه في تنفيذ ما أمر به ص ؟!! وحتى قوله ص (يا علي إن ..) إشارة إلى علمه ص بأنّ وصيه ع لا يلي الأمر بعده، وعلمه بما سيحدث بعده مع وصيه وابنته الطاهرة وأبنائهما الطاهرين، وهو ما يذكره ابن عباس عن أمير المؤمنين ع، ففي حديث أنه دخل على علي بن أبي طالب ع بذي قار فأخرج له صحيفة وقال: (يا ابن عباس، هذه صحيفة أملاها عليَّ رسول الله صوخطي بيدي، قال: فأخرج إلي الصحيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين، أقرأها ؟ وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول الله ص إلى قتل الحسين ع ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه، وكان فيما قرأه كيف يصنع به وكيف تستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسين وكيف تغدر به الأمة، ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة وكان فيما قرأ منها أمر أبي بكر وعمر وعثمان، وكم يملك كل إنسان منهم، وكيف بويع علي ووقعة الجمل ومسيرة عائشة وطلحة والزبير … إلى أن قال: فلما أدرج الصحيفة، قلت: يا أمير المؤمنين، لو كنت قرأت عليَّ بقية الصحيفة، قال: لا، ولكني محدثك ما يمنعني منها، ما يلقي أهل بيتك وولدك من أمر فضيع من قتلهم لنا وعداوتهم وسوء ملكهم وشؤم قدرتهم فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك … إلى أن قال ابن عباس: لأن يكون نسخني ذلك الكتاب أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس) ([345]). وهكذا، فقد تجرّع سيد الأوصياء من المعترضين وقادتهم أكثر جرع الصبر مرارة، وكان معهود له ذلك من حبيبه رسول الله ص، وعلي ع الذي ما كان ليفعل فعلاً أو يقول قولاً أو يحرك ساكناً إلا بأمر رسول الله ص هو علي ع بعد وفاة حبيبه ص، (فصبرت وفي العين قذا وفي الحلق شجا أرى تراثي نهباً)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. * * * -آل محمد (الأئمة) ص خلفاء لله وبني (أمية والعباس) يعترضون: سادة المظلومين والمغصوبين حقهم من الأوصياء وعترة النبي ص الطاهرة وبراعمه الطيبة والفرع الزكي من دوحة محمد ص الهاشمية، أولئك هم آل محمد الأئمة الأوصياء من ذرية رسول الله ص وولد علي وفاطمة (عليهما السلام)، الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. فضائلهم تُذهِب بلبّ العاقل، وأوصافهم تأخذ بمجامع قلبه، وذكرهم يحنّ إليه المؤمن حنين الواله، وأسماؤهم تفتح شراسيف صدره، ونورهم ينير درب السائر إلى ربه، وكلامهم منهج حق لطالب الهداية، وحكمتهم تعجز أهل البلاغة والدراية، فسلام عليكم أيها الدعاة إلى الله والصراط المستقيم، واُشهد الله أنكم الأئمة الصادقون والسادة المقربون وخلفاؤه المنتجبون الذين بهم تقبل الأعمال والطاعات وتكون باقيات صالحات، وأنى لنا أن نحيط بكم معرفة أو نحصي ما خصكم الله به من منقبة: وأنتم كلمات الله: سأل يحيى بن أكثم أبا الحسن العالم ع عن قوله: ﴿سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾([346]) ما هي؟ فقال: (نحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى)([347]). وبابه ووجهه الذي منه يؤتى: عن الاصبغ بن نباته، قال: كنت جالساً عند أمير المؤمنينع فجاءه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين قول الله (: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾([348])، فقال: (نحن البيوت التي أمر الله أن تؤتى من أبوابها نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منه، فمن بايعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها...)([349]). وعن ابن المغيرة، قال: (كنا عند أبي عبد الله ع فسأله رجل عن قول الله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾([350])، قال: ما يقولون فيه ؟ قلت: يقولون: يهلك كل شيء إلا وجهه، فقال: يهلك كل شئ إلا وجهه الذي يؤتى منه، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه) ([351]). ونوره سبحانه: عن أبي خالد الكابلي، قال: سألت أبا جعفر ع عن قوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا﴾([352])، فقال: (يا أبا خالد، النور والله الأئمة من آل محمد إلى يوم القيامة، هم والله نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السماوات والأرض، والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلّم لنا، ويكون سلماً لنا فإذا كان سلماً لنا سلّمه الله من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر) ([353]). وأبواب معرفته وعبادته وخزان علمه وحججه وأمنائه: عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله ع: (... نحن حجة الله في عباده، وشهداؤه على خلقه، وأمناؤه على وحيه، وخزانه على علمه، ووجهه الذي يؤتى منه، وعينه في بريته، ولسانه الناطق، وبابه الذي يدل عليه. نحن العالمون بأمره، والداعون إلى سبيله، بنا عرف الله، وبنا عبد الله، نحن الأدلاء على الله، ولولانا ما عبد الله) ([354]). ومن يُسأل الخلق عن محبتهم: عن إبراهيم بن العباس الصولي، قال: (كنا يوماً بين يدي علي بن موسى الرضا ع، فقال: ليس في الدنيا نعيم حقيقي، فقال له بعض الفقهاء ممن حضره: فيقول الله (: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾([355]) أما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد، فقال له الرضا ع - وعلا صوته -: كذا فسرتموه أنتم وجعلتموه على ضروب، فقالت طائفة: هو الماء البارد، وقال غيرهم: هو الطعام الطيب، وقال آخرون: هو طيب النوم، ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن أبي عبد الله ع أن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله (: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ فغضب ع وقال: إن الله ( لا يسأل عباده عما تفضل عليهم به ولا يمن بذلك عليهم، والامتنان بالأنعام مستقبح من المخلوقين، فكيف يضاف إلى الخالق ( ما لا يرضى للمخلوقين به ؟ ولكن النعيم حبنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوة؛ لأن العبد إذا وفى بذلك أداه إلى نعيم الجنة التي لا تزول..) ([356]). بل جعل الله مودتهم أجر الرسالة: هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر، عن آبائه ص (أنه لما نزلت هذه الآية على رسول الله ص: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾([357]) قام رسول الله ص فقال: أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدوه ؟ قال: فلم يجبه أحد منهم، فانصرف، فلما كان من الغد قام فيهم فقال مثل ذلك، ثم قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث فلم يتكلم أحد، فقال: يا أيها الناس، إنه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب، قالوا: فألقه إذن، قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل عليّ ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، فقالوا: أمّا هذه فنعم، فقال أبو عبد الله: فو الله ما وفى بها إلا سبعة نفر: سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد بن الأسود الكندي وجابر بن عبد الله الأنصاري ومولى لرسول الله يقال له الثبيت وزيد بن أرقم) ([358]). وأهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم: عن الإمام الرضا ع في حديث عند المأمون من فضل العترة الطاهرة، أن قال: (وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله (: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾([359])، فنحن أهل الذكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون، فقالت العلماء: إنما عنى بذلك اليهود والنصارى، فقال أبو الحسن ع: سبحان الله، وهل يجوز ذلك ؟ إذا يدعوننا إلى دينهم ويقولون: إنه أفضل من دين الإسلام. فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن ؟ فقال ع: نعم، الذكر رسول الله ص ونحن أهله، وذلك بين في كتاب الله ( حيث يقول في سورة الطلاق: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ( رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ﴾([360])، فالذكر رسول الله ص ونحن أهله) ([361]). وهكذا هو فضلهم يستمر صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته، بل لو كان الشجر أقلاماً والبحر مداداً لنفد وما نفدت فضائل كلمات الله وآياته، ولكن رغم آياتهم وبيناتهم قابلهم المعترضون الجاحدون بالرفض والاعتراض أيضاً، فعادت سنة الاعتراض على سادة خلفائه سبحانه بعد جدهم وأبيهم صلوات الله عليهم أجمعين، وهذه المرة من بني أمية وبني العباس وملئهم وعلماء بلاطهم الخونة، والكل قد جمعهم نهج المعترضين الأوائل الذي ابتدئ بالاعتراض على أمير المؤمنين ع، وأكملوا هم المسير الباطل والاعتراض على خلفاء الله من آل محمد ص لما بعثهم الله خلفاء له في أرضه وحججاً على خلقه وأوصياءً لسيد رسله، فكان لكل وصي طاهر من آل محمد ص في زمن خلافته عدوٌ من المجرمين أموي أو عباسي يعترض عليه ويتبعه الملأ الطالح دائماً، حتى حملوا الهمج الرعاع على أكتاف آل محمد ص ورفضهم وجحودهم حقهم والكفر بهم وإزواؤهم عن إدارة الخلق وهم أئمته كما أراد الله سبحانه، فقضوا روحي فداهم بين مقتول ومسموم، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله. ورغم أنهم ص جاءوا أقوامهم بآيات الله وبيناته وقانونه سبحانه في حججه وخلفائه، فلم يأتِ إمام من أئمة أهل البيت ص إلا وكانت الوصية دليله والحكمة والعلم برهانه، وحاكمية الله شعاره، وأمام الجميع كلامهم وحكمتهم ونورهم ووضوح حجتهم وبرهانهم، ورغم كل الفضائل والمنزلة التي تحدث عنها الله سبحانه في كتابه وبينها حبيبه ص في روايات يصعب استقصاؤها فضلاً عن حصرها، وما قالوه هم صلوات الله عليهم من مئات الروايات التي توضح عظم مقامهم وجليل منزلتهم وكبر فضلهم وعدم قبول عبادة وطاعة إلا بولايتهم، رغم كل ذلك كان الاعتراض عليهم هو ما استقبلتهم به أقوامهم من هذه الأمة التي تدعي الانتساب إلى جدهم ص كما كان هو نصيب أبيهم أمير المؤمنين ع من قومه. فكان معاوية بن أبي سفيان سيد المعترضين على خليفة الله ووصي رسوله وريحانته الإمام أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)، يتبعه في ذلك قومه من كبار المنافقين الذين ما آمنوا برسول الله ص ودعوته يوماً من الأمويين والمروانيين ومن يدعي العلم والرواية من الكذابين والوضاعين على رسول الله ص باعترافهم هم، أمثال سمرة بن جندب وغيرهما من الكذابين المعتمدين عند السلطة، وكذلك كل من لو تتبعته ما وجدت له خيراً يذكر لا في جاهلية كانوا هم وآباؤهم من ورثها وأحكم قواعدها ولا في إسلام دخلوه نفاقاً وخوفاً من سيف أمير المؤمنين ع. ولذا ليس غريباً أن نسمع قتلة الإمام الحسين ع ممن حشدهم وريث معاوية في الاعتراض على سادة خلفاء الله يزيد الرذيلة لقتله واستباحة حرمته وهو ابن رسول الله ص وريحانته والإمام على أمته بعد أخيه الإمام الحسن ع بنص عشرات الأحاديث التي هم رووها، ليس غريباً أن نسمعهم يقولون له وهم يتهيئون لقتله وسبي حريمه بنات رسول الله ص زينب ص وأخواتها وأيتام آل محمد وآل أبي طالب روحي فداهم: (نقاتلك بغضاً منا لأبيك وما فعله بأشياخنا يوم بدر واحد وحنين). ولما أصرّوا على جريمتهم النكراء التي يندى لها جبين الأحرار من قتل سيد الشهداء ع والطاهرين من أهل بيته وصحبه الذين لا يتجاوزون الستين فيما لو أخرجنا الهاشميين من بين امة تدعي الانتساب إلى رسول الله ص ولم يكن يفصلها عنه سوى خمسين عاماً لا غير وقد وصلها كل الذي قاله في اله وولده، ولكنهم نسوا الله وضيعوه وتجرؤوا على خلفائه وقاتلوهم وقتلوهم فأضحوا آل محمد ص مجزرين كالأضاحي على رمضاء كربلاء وتبقى الأجساد الطاهرة ثلاثة أيام بلا غسل ولا كفن تصهرها حرارة الشمس ورياح العراق القاسية على قلب رسول الله ص بمشاركة الكوفيين بل ممن يدعي التشيع منهم لعلي ع ؟!! والسؤال: كيف استطاع الأمويون وهم عدو الإسلام اللدود أن يجندوا حتى من يدعي التشيع والولاية لأمير المؤمنين ع كذباً وزوراً لقتال ريحانة رسول الله ص ومن نبت لحمه من لحمه وصار دمه دمه، كيف ؟!! سؤال غاية في الخطورة والأهمية فربما يتكرر الموقف، بل قطعاً كذلك؛ لأنّ سنة الله في حججه واحدة وتعاد، ولذا ورد عن الطاهرين أنّ ذلك يتكرر مع القائمع لما يصطف من يدعي التشيع والولاية لأهل البيت ص مع السفياني لقتال آل محمد ص مرة أخرى، كما جاء عن أمير المؤمنين ع وهو يصف شيعته في آخر الزمان فيقول: (ووا أسفاً من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضاً، وكيف يقتل بعضها بعضاً، المتشتة غداً عن الأصل النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ [منه] بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله - وله الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف، يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم ركاماً كركام السحاب ... إلى أن يقول: فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك، وكأني أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم، وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد كما تذوب الإلية على النار، من مات منهم مات ضالاً ...) ([362]). ومكابر من ينكر توافر كل ما قاله أمير المؤمنين ع في أدعياء التشيع اليوم، فبعد استذلال بعضهم لبعض وبعد أن تقاتلوا فيما بينهم، فشلوا في انتظار الإمام المهدي ع لأنهم تأملوا الفتح من غير جهة الفتح التي أرادها الله سبحانه وحججه المعصومين، جهة صوّرها لهم كبارهم بأنها الحقيقة والحق وهي عند الله وخلفائه سراب، وأمسوا مصطفين مع السفياني لقتال قائم آل محمد ع بعد أن اغتروا بالملك الحاصل لهم اليوم، وكأنهم يظنون أنه باق لهم ودائم، ولكن ليطمئنوا أنّ علياً ع قد وعدهم بأنّ ما في أيديهم سيذوب كما تذوب الإلية على النار وهو قريب إن شاء الله، وقد أوضح ع ضلالهم واصطفافهم مع السفياني والأمويين (سيجمع هؤلاء لبني أمية) لا عليهم، وصهيل خيلهم وطمطمة رجالهم لقتال آل محمد ص وأنصارهم لا زالت في آذان المؤمنين صداها في أحداث العاشر من محرم الحرام (1429) لما صمم علماء الضلالة وجندهم للقضاء على دعوة الحق التي يقودها السيد أحمد الحسن وصي الإمام المهدي ورسوله واليماني الموعود بتنفيذ حكومة نظراء بني العباس اليوم ومن تولوهم من اليهود والنصارى، فللّه درك يا أبا الحسن ع وأنت تصف الواقع كما هو اليوم. وعلى كل حال، إجابة عن السؤال المتقدم حول اشتراك أدعياء التشيع في زمن الإمام الحسين ع في قتله واصطفافهم مع يزيد الرذيلة والأمويين وغيرهم أقول: لم يكن ذلك ليحصل لولا تدخل علماء الضلالة الخونة من أمثال شريح القاضي الذي جنّد أدعياء التشيع لقتلهم إمامهم بفتوى واحدة اعتبر فيها ريحانة رسول الله ص خارجاً على إمام زمانه يزيد !!! وهو تماماً ما يحصل اليوم، ففتاوى علماء الضلالة بقتل السيد أحمد الحسن ع وأنصاره أمام الجميع، وهكذا بفتوى شيطانية يجند العلماء غير العاملين إذنابهم لقتال الإمام المهدي ووصيه (عليهما السلام) وأنصارهم، ويستمر هذا الوضع المخزي لهم عند الله حتى يصل القائم ع أبواب النجف - كما في الكثير من الروايات - فيقتل ما يناهز الستة عشر ألف من البترية الذين أنكروا أن يكون للإمام المهدي ع ولد وذرية فيضع فيهم السيف، وأمامكم كل الذي قاله الطاهرون ص في كتب ومصادر الشيعة لتقفوا على ما أخبرتكم به ملخصاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويستمر مسلسل الاعتراض على خلفاء الله في حلقاته المؤلمة بعد الإمام الحسين ع ليكون عبد الملك بن مروان الوزغ وابنه هشام والحجاج الثقفي أخزاه الله سادة للاعتراض على الإمام علي بن الحسين ع، يتبعهم في ذلك الملأ وعلماء السوء وأكثر الناس كما هي العادة دوماً، ويبقى حجة الله تنصره ثلة قليلة داعياً الله ومناجياً إياه، فكانت صحيفته (زبور آل محمد) مناراً لأهل الحق والصالحين. ويرتجف الظلم وتنقضي أيام الاعتراض على خلفاء الله من قبل الأمويين، ويرفع بني العباس الكذبة الظلمة دم الحسين ثاراً يطالبون بأخذه من بني أمية (يا لثارات الحسين)، وفعلاً تمكنوا من إنهاء حكم الأمويين، وما إن وصلوا سدة الحكم اللئيمة حتى حملوا الناس مرة أخرى على أكتاف آل محمد، ففاقوا إخوانهم الأمويين في الاعتراض والإيذاء لخلفاء الله الطاهرين ص، فكان منهم أن مثّلوا بأجساد العلويين ووضعوا رؤوسهم في أساس قصورٍ أعدت للطرب واللواهي والظلم والجور، وأما السجن والتشريد والقتل الذي مارسوه ضد كل من يمت لعلي وأولاده الطاهرين ص بصلة فما لا تكفيه موسوعات ضخمة لبيانه وشرحه وتفصيله. ثم إنّ الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وإن كانا قد عاشرا فترة نهاية ظلم بني أمية وانتقاله إلى بني العباس، وقد ساهم ذلك في أن يجدوا فرصة في بث علوم رسالة جدهم المصطفى، ولكن العلماء غير العاملين من أتباع منهج المعترضين كان لهم حصتهم أيضاً في الاعتراض والترويج لمدارس الانحراف، فتجسد في مدارس فقهية أربعة يرأسها أئمتها المعروفين ونشوء الكثير من مناهج الاعتقاد الفاسد المعروفة أيضاً والتي ساهم حكام بني العباس في تنميتها، كل ذلك بغضاً لآل محمد وسعياً لإبعادهم عن موقعهم الذي أرادهم الله سبحانه أن يكونوا فيه. نعم، ابتدئ الظلم والاضطهاد والاعتراض على خلفاء الله في زمن العباسيين منذ سفاحهم الأول أبو العباس ثم المنصور الدوانيقي، وهكذا أكمل الهادي والمهتدي وهارون وولديه الأمين والمأمون ومستشاريهم وعلماء بلاطهم والهمج الرعاع من أتباعهم مسيرة التقتيل والاعتراض على أوصياء رسول الله ص، فكان من حالهم ما لا يخفى على كل مؤمن بالله ورسوله ومعتقد بيوم الحساب، فبين من قضى مسموماً وبين من قضى ما يناهز العقدين في طوامير هارون أخزاه الله، وهو الإمام الكاظم ع الذي قضى شهيداً محتسباً بالسم مرمياً جسده الطاهر على جسر الرصافة، هذا وأدعياء التشيع يومذاك يمرون على الجسر الذي هو تحته مغيبٌ في زنزانته، يمرون مشياً باتجاه كربلاء وهم يلطمون على جده الحسين ع كما يدعون، من دون أن يفكر أحد منهم فضلاً عن أن يعمل لإخراجه من تلك الطوامير المظلمة !!! نعم، كل الذي يفقهونه هو أنهم يسلمون أموالهم من خمس وزكاة وغيرها لعلمائهم غير العاملين من أمثال علي بن حمزة البطائني ومن لف لفه، فارتخت لكثرتها النفوس واتخمت البطون وحليت في عين ناظرها وجامعها ومخزنها، فكانت ردة الواقفية الشنيعة على الإمام الرضا ع بعد شهادة أبيه الإمام موسى بن جعفر ع، ولم يبق على عهد الله إلا نفر قليل لم يتجاوزوا الستة أشخاص منهم الشاب الطاهر محمد بن أبي نصر البزنطي الذي كان له دور رائد في فضح علماء المتشيعة المرتدين في وقوفهم على الإمام الكاظم طمعاً في المال ويتبعهم الهمج الرعاع كإتباع الأدعياء لشريح (لعنه الله) في فتواه بقتل الحسين ع، وهو الحال ذاته اليوم أيضاً في وقوف من يدعي التشيع على الإمام المهدي ع وتكذيبهم لوصيه ويمانيه الموعود القادم منه والداعي إليه بنص عشرات روايات الطاهرين لو كانوا مؤمنين بهم حقاً. وكان من بين الستة صفوان بن يحيى الجمال الذي صلى ركعتين واستخار الله على علي بن موسى الرضا ع فهداه الله إليه، فلينظر المستهزئين بالاستخارة اليوم لحالهم لما استخفوا بدليلية الاستخارة على حجج الله، هذا وهم يروون ما ذكره الطوسي (رحمه الله) في غيبته عن صفوان بن يحيى وإيمانه بالإمام الرضا ع، ولكن حقاً هم يقولون ما لا يفعلون ويذكرون ما لا يفقهون، بل طبع على قلوبهم فنسوا الله وأنساهم. وللإمام الجواد ع يحزن قلب المؤمن لما يسمع عن خليفة الهي لم يتجاوز الثلاثين من عمره الشريف شهيداً بالسم من قبل مجرم بني العباس ومأمونهم بإشارة من الفضل بن سهل وبقية الملأ الفسقة كما هي عادتهم. ويستمر هذا العناد والاعتراض على خلفاء الله الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) ليختما رسالتهما الإلهية بالشهادة بالسم أيضاً بعد عناء مرير وتشريد وحصار من قبل ظلمة بني العباس المتوكل ومن تقدمه وخلفه وأتباعهم أخزاهم الله جميعاً. ولما علم فراعنة زمانهم بأنّ نهايتهم تكون على يد خليفة الهي من ظهر الإمام الحسن العسكري ع وليس بخاف عليهم عشرات بل مئات ما جاء عن النبي ص وآله الطاهرين بخصوص الإمام المهدي ع وانه من سيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، صاروا يبحثون عنه كبحث فرعون عن موسى، وفاتهم أن الله سبحانه الذي أخزى فرعون وصيّره مربياً لخليفته موسى ع إلى أن اشتد عوده فقضى عليه قد فوّت عليهم الفرصة مع بقيته ع الذي يتشرف موسى ع بخدمته والصلاة خلفه، فأخفى حمله في بطن السيدة نرجس الطاهرة ص حتى ليلة ولادته، والقضية معروفة ترويها لنا السيدة حكيمة ص بنت الإمام الجواد ع. ومع أنه ع بقية الله وخليفته والمعد لإنهاء الظلم والجور على هذه الأرض وإقامة دولة العدل الإلهي العالمية، ولكن كان نصيبه من المعترضين من قومه الذين يدعون التشيع له ومن قبلهم المعترضين على آبائه الطاهرين، كان نصيبه منهم أن يغيبه الله سبحانه حفظاً له من القتل كما ورد في روايات الطاهرين ص بل تطول غيبته كل هذه السنين المتمادية والأمة - اقصد من يدعي التشيع له - غافلة وصادة ومعرضة عنه حقيقة رغم ادعائها باللسان، والفعل ينبئك عن قبيح ما يضمره القلب. أقول حقيقة؛ لأنه ع من يقول: (لا لأمره تعقلون، ولا من أوليائه تقبلون، حكمة بالغة فما تغني النذر) .. من يخاطب الإمام المهدي ع بعدم التعقل لأمره وعدم القبول منه سوى من يدعي التشيع له ولآبائه، ثم عن أيّ نذر كان ع قد أرسلهم يتكلم لم يأخذ منهم من يدعي التشيع في زمن غيبته ؟! سيأتي يوم الفرج القريب الذي يمكّن الله فيه لآل محمد ص ليبينوا لنا كل ذلك وعمق جريمة هذه الأمة مع إمامها المظلوم روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء. وليس ما تفعله الأمة اليوم مع رسوله ووصيه ويمانيه السيد أحمد الحسن ع ببعيد، كيف ونحن نعيش هذا المخاض المؤلم لأيام قيام دولة العدل الإلهي، وما يعانيه الممهد لها روحي له الفداء من ظلم وعناد واعتراض من قبل قومه، ليصل أخيراً إلى إباحة دمه الطاهر وقتل أنصاره وهدم المساجد والحسينيات التي يدعو فيها أنصاره الناس إلى نصرة الإمام المهدي ع والدعوة إلى حاكمية الله سبحانه، في زمن صار كبار القوم من أدعياء العلم دعاة إلى ديمقراطية اليهود والنصارى، تهدم مساجد الحق في وقتٍ تشيّد فيه قصور الظالمين ودور لهوهم وحانات خمورهم أمام مرأى ومسمع فقهاء الضلالة الخونة ولا أحد ينبس ببنت شفة لو كانوا ينطقون. ولم يكن قومنا اليوم هداهم الله لمعرفة الحق وإتباعه ببدعٍ من أقوام سبقتهم اعترضت على خلفاء الله وحججه على خلقه، بل إنّا في كل ما نعيشه مع المعترضين على خليفة الله السيد أحمد الحسن ع نجد له شاهداً في سنن أقوام تقدمت، بل في كل قول وفعل، ولله صبرك يا أحمد وأنت تتجرع كأس الصبر مرة بعد أخرى من أمة آلت إلا الاستنان بسنة أسلافها المعترضين، ولك في آبائك الطاهرين سنة وأسوة. وهذا ما سنراه بشكل مفصل في البحث القادم بإذن الله، وهو وإن كان طويلاً بعض الشيء فأقدم اعتذاري ابتداءً، ولكن أرجو الله أن تكون فيه فائدة لطلاب الحق ومن يؤمن بالله ورسوله وآله ومعاد يحشر فيه ليجزى بما كسبت يداه هنا، والله سبحانه الموفق للخير وهو الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين. -الفصل الثالث -المعترضون .. وحدة المقال والمنهج والأهداف في الإنكار مقولاتهم التي قصها الله تعالى علينا في القرآن ما يجمعهم من وحدة المنهج في الإنكار والمحاربة والمحاججة بالباطل وحدة الأهداف كثيرة هي المقولات التي أطلقت من قبل المعترضين على خلفاء الله في أرضه عند بعثهم وإرسالهم إلى أقوامهم، وفي التأمل فيها دروس وعبر لا غنى لطالب الحق والنجاة عنها أبداً، لا سيما إذا ما علم أنّ سنة الله تعالى في خلقه واحدة، فما قيل في حق إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي وأولادهما الطاهرين الماضين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه يقال على حجج الله الباقين من آلهما المعصومين المنتجبين من قبل المعترضين أيضاً، بل بنفس الكلمات والمنهج والأسلوب حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل. فلا سنة الله في حججه الباقين - أعني المهدي والمهديين من ولده ص - انخرمت واستثنوا ليتم استقبالهم بالورود من قبل الناس، ولا تفادى شرار القوم اليوم وما يأتي بعدهم سنة أسلافهم ممن اعترض وتكبر وأبى السجود لخلفاء الله، فسنة الله فيهم هي الأخرى واحدة بلا تبديل أو تحويل. كيف، ومن قرأ روايات الطاهرين يجد أنّ في القائم من سنن حجج الله من أنبيائه ورسله السابقين ما يقف المرء أمامه مذهولاً لشدة جرأة هذه الأمة على سادتها بل سادة حجج الله طراً بعد جدهم المصطفى ص. وإذا كنا قد طالعنا ما ورد عن النبي الكريم ص: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)([363]) فلا محيص من أن قولهم ص: (إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله ص من جهال الجاهلية)([364]) يؤرق الغيور على آل الله وسادة خلفائه وذخيرتهم وبقيتهم ع. ولك أن تتصور بعده عظم معاناة قائم آل محمد ع من أمته بعد اجتماع كل صنوف الطغاة المعترضين بل يفوقوهم بالجرأة والطغيان وهو واضح من قولهم: (أشد). وعليه فحري بنا جميعاً الوقوف عند نصوص القران الكريم فيما يعرضه لنا من مقولات المنكرين والمعترضين وما أطلقوه على خلفاء الله في أرضه عند إرسالهم، بل التأمل فيها ملياً ليرى طالب الحق هل اخطأ القوم اليوم في تقولاتهم على خليفة الله (أحمد الحسن ع) قول أسلافهم في حق من سبقوه من حجج الله سبحانه، أو لا أقل يعتبر عن تكرار مقولات المعترضين على حجج الله اليوم بعد أن كان يلعن أصحابها وهو يتلو كتاب الله، فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، ونعم الحكم الله والموعد القيامة، وكل ما هو آتٍ قريب. فنذكر إذن عرض قرآني موجز يتعلق ببعض حجج الله، يتبعه وقفة عند القواسم المشتركة بين كل المعترضين في المنهج والأهداف. ( 1 ) -استعراض قرآني لبعض مقولات المنكرين وفعلهم -نوح ع: ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾([365]). ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾([366]). ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ( .... قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([367]). ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾([368]). ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ... قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾([369]). ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾([370]). وخلاصة قول المعترضين وفعلهم مع نوح ع بعد دعوته لهم سنين متمادية: إنك في ضلال مبين. كاذب وساحر ومجنون. ما سمعنا بما تقول من آبائنا الأولين. ما أنت إلا بشر وما اتبعك إلا الأراذل. آتنا بما تعدنا إن كنت صادقاً فقد أكثرت الجدال. كف عن دعوتك وإلا رجمناك. الاستهزاء والسخرية. * * * -نبي بعد نوح ع: وشبيه من ذلك ما قيل لنبي بعده جاء قومه فكان جوابهم: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ( وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ( إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾([371]). * * * -هود ع: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( ... قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([372]). ﴿قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ( إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾([373]). ﴿قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ ( إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ( وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾([374]). ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([375]). فكان محصلة ما قاله المعترضون لهود ع بعد دعوته لهم: إنك في سفاهة. كاذب فلا عذاب ولا صحة لما تقول وتدعو إليه. كيف نترك ما كان يعبده آباؤنا، أيعقل أن نجيب دعوتك ونترك آلهتنا التي اعترتك بسوء وأنت تريد صرفنا عنها ؟! آتنا بما تعدنا إن كنت صادقاً. لسنا بمؤمنين لك سواء وعظت أم كففت. * * * -صالح ع: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾([376]). ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾([377]). ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ( مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([378]). ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ( ... قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾([379]). ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ( فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ( أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ( سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ( إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ( وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ ( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾([380]). وليس ببعيد عما قاله المعترضون من أسلافهم لخلفاء الله عند بعثتهم، فقد قيل لصالح ع: إنا كافرون بك وشاكون بدعوتك. ساحر، كذاب. كيف نترك ما كان يعبده آباؤنا وما هم عليه. إنما أنت بشر مثلنا وليس فيك ما يميزك عنا. آتنا بما تعدنا إن كنت صادقاً. وأخيراً عقروا ناقته إمعاناً في الاعتراض والجحود والكفر. * * * -إبراهيم ع: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ( قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ( ... قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾([381]). ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾([382]). ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ...﴾([383]). ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً﴾([384]). ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾([385]). ﴿قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ... قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾([386]). وهنا أيضاً يجيب المعترضون خليل الرحمن لما دعاهم إلى عبادة الله سبحانه: اقتلوه، حرقوه، ارجموه، اطردوه .. إن لم يكف عن دعوته. الاستهزاء والسخرية ﴿أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾. المحاججة بالباطل قبال أدلة الحق: ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾. لا نترك ما وجدنا عليه آباءنا. ولم يختلف عنهم قوم لوط ع فكان قولهم له قول من سبقهم من المعترضين على حجج الله تعالى: (آتنا بما تعدنا من عذاب الله)، بل اتهموه بما يفعلون هم من القبيح وراودوه عن ضيفه وهم رسل العذاب كما تقدمت الرواية في ذلك، وأخيراً هددوه بالإخراج والطرد إن لم ينته عن دعوته، فكان عذاب الله هو وحده المسكت لتلك الأنفس المنكرة المعترضة على الله سبحانه في خلفائه. وها هو بعض قولهم له ع: * * * -لوط ع: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾([387]). ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾([388]). ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾([389]). ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([390]). ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ ( ... وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾([391]). * * * -شعيب ع: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ( ... وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾([392]). ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ( ... قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾([393]). ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ( وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([394]). ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾([395]). مرة أخرى ومع خليفة الهي آخر وهو شعيب ع يجيب المعترضون لما يدعوهم: ساحر، كاذب .. والعجيب يتهموه بذلك مع قولهم: ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ﴾، وكيف يكذب المرء شيئاً هو يعترف أنه لم يفقهه ؟! وهلا خاف ربه فربما فيما أنكر الكفر بالله؟! كيف نترك ما كان يعبد آباؤنا. ما أنت إلا بشر مثلنا بل ما نراك إلا ضعيفاً، فلا مال عندك ولا جاه ولا أتباع. آتنا بما تعدنا إن كنت صادقاً. التهديد بالإخراج والطرد والرجم. ويلاحظ أيضاً: دور الجهاز الإعلامي للمعترضين الصاد الناس عن الإيمان بخلفاء الله ﴿وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾، ولكن الرجفة التي استحقوها عذاباً بإصرارهم على الكفر لم تفرق بين متبوع وتابع كان بوقاً له، فسحقاً لأصحاب السعير. * * * -موسى ع: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ( فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ( ... قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾([396]). ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾([397]). ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ ... إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ... فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾([398]). ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾([399]). ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ ( وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ( فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾([400]). ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً﴾([401]). ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾([402]). ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾([403]). ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾([404]). ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾([405]). ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾([406]). ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾([407]). ﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾([408]). ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾([409]). ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾([410]). مع المعترضين على خلفاء الله أيضاً وجوابهم لكليم الله موسى ع، ولا حول ولا قوة إلا بالله: ما تريد أنت وأخوك (هارون) إلا كبرياء في الأرض. أنؤمن لك ولأخيك وما أنتما إلا بشر مثلنا، بل قومكما لنا عابدون. هل تريد أن تصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا وتذهب بطريقتنا المثلى، لا يكون ذلك أبداً. ما سمعنا بما تقول في آبائنا الأولين، ثم إذا آمنا بك فما بال القرون الأولى. الضحك والاستهزاء. مجنون وساحر بل عليم في السحر، وكذلك أخوه الذي يدعي أنه وصيه. التهديد بالسجن والقتل والقهر. آتنا بآية فيأتيهم، فيكشف عنهم العذاب فيعودون ناكثين. لا يعرف اللغة وليس بفصيح ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾. يقولها إمام الضلال، فتهبط الرؤوس للزعيم مصدقة قوله، ولو مُثّل لنا المشهد لسمعناهم يقولون له: نعم نعم، فأنت الفصيح وكل ما يصدر منك حِكَم حتى لو كنت طول دهرك صامتاً فكيف إذا نطقت !! استخفاف إمام الضلال (فرعون) بقومه. * * * -عيسى ع: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾([411]). ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ... فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾([412]). ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([413]). وأما المعترضون على عيسى ع فكان بعض جوابهم: اتهامه في نسبه عبر التعريض بأمه المقدسة. مقابلة حكمته بالاختلاف والظلم. اتهامه بالسحر المبين رغم مجيئه لهم بالبينات. * * * -طالوت ع: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ..﴾([414]). * * * -إلياس ع: - ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ( أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ( اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ( فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾([415]). * * * -سيد المرسلين محمد ص: وبالرغم من أنّه ص قد خوطب بالكتاب الكريم كلّه وان الذي جرى على من سبقه من خلفاء الله جرى عليه بل أشد، كيف وهو القائل: (ما أؤذي نبي مثل ما أوذيت)، ولكن هذا بعض ما قابلوه به وهو سيد ولد آدم طراً: ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ... وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾([416]). ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ... وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾([417]). ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾([418]). ﴿وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ( لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( ..... وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ ( وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾([419]). ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ( سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾([420]). ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ( أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً ( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً﴾([421]). ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ( إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾([422]). ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ...﴾([423]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([424]). ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾([425]). ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾([426]). ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾([427]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾([428]). ﴿وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾([429]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([430]). ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾([431]). ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ( وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([432]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي ...﴾([433]). ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾([434]). ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾([435]). ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾([436]). ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾([437]). ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾([438]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً ( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ( ... وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ( أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾([439]). ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾([440]). ﴿عَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ( أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾([441]). ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ( قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ﴾([442]). هذا بعض ما قاله وفعله المعترضون على رسول الله ص مما قصه لنا كتاب الله، وهذا ملخصه: الاستهزاء والسخرية. لم نسمع شيئاً جديداً فلو شئنا لقلنا مثل قولك. ما تقوله ما هو إلا أساطير الأولين واختلاق فما سمعنا بذلك في ملة آبائنا الأولين. شاعر، متقول، ساحر، كذاب، مفتري، أفاك. كيف اُنزل عليه الذكر من بيننا، فلولا انزل القران على رجل من القريتين، فهما معروفان عند الناس ولهما سمعة بارزة، وأنت فقير يتيم. لا يكفي ما جئتنا به من الكتاب والآيات والبينات فلو جئتنا بآيات غيرها من ربك، فاتنا بغير القران أو بدله، ولا نؤمن لك حتى تأتينا بما نقترح عليك وهو كالآتي: تفجر لنا ينبوعاً، تكون لك جنة من نخيل وعنب وأنهار، تسقط السماء علينا كسفاً، تأتي لنا بالله وملائكته، يكون لك بيت من زخرف، ترقى في السماء وتأتينا بكتاب نقرؤه، تمطر السماء حجارة، ينزل معك ملك ينذرنا، وغير ذلك ... وإلا فأنت لست برسول من الله. رسول من الله ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق ؟ غير معقول، فلو كان ملك لكان أمراً ممكناً. ما يقوله يملى عليه بكرة وأصيلاً وهناك من يعينه على ما يقول. الإصرار على الكفر والتكذيب كأن لم يسمعوا شيئاً. الصد عن استماع القران واللغو عند قراءته لصرف الناس عن استماع الهدى، ومثل هؤلاء من قطاع طرق الهداية على الناس موجودون في كل زمان وعند بعثة كل خليفة الهي. لست بمرسل وشهادة الله لك ليست بكافية. آتنا بما تعدنا إن كنت صادقاً. التهديد بالطرد والإخراج. * * * -رسل الله وقول المعترضين: بقي أن نشير إلى بعض ما أجاب به المعترضون خلفاء الله وحججه بشكل عام مما جاء في القرآن الكريم، وهو نفسه ما لخصناه في أجوبة المعترضين فيما سبق من التكذيب والاستهزاء والمحاججة بالباطل والعناد والتهديد والطرد واقتراح الآيات وأمثال ذلك مما مر، فسنة الله واحدة لا تتبدل. وهذه نماذج منها: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾([443]). ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ( وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾([444]). ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ... قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([445]). ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ( فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾([446]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾([447]). ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾([448]). ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ( وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾([449]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾([450]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾([451]). ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ( قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ( مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾([452]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾([453]). ﴿قدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾([454]). ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾([455]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً﴾([456]). ﴿فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾([457]). ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾([458]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾([459]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ( أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾([460]). ﴿وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾([461]). ﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ( وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ( أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾([462]). ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ( أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ( قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾([463]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾([464]). ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾([465]). ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ( وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾([466]). ﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾([467]). ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ( وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾([468]). ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ( وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ( وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ ( وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ ( وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾([469]). ﴿وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ ( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾([470]). * * * كان هذا عرض قرآني موجز لبعض آي الذكر الحكيم فيما يتعلق بالمعترضين المنكرين لخلفاء الله في أرضه، وليس بوسع احد وهو يطالع آيات الكتاب الكريم إلا الإذعان بحقيقة وحدة المنهج الذي ينتهجه المعترضون قولاً وفعلاً حتى على مستوى الكلمة واللفظ الذي يقال لحجة الله عند بعثه، فضلاً عن التخطيط والأسلوب والأفعال التي تتخذ في مواجهة حجج الله بعد إعلان دعوتهم. ولأجل الوقوف بشكل أكبر على وحدة المنهج الإنكاري الذي استن به المعترضون بإمامهم إبليس (لعنه الله) المعترض الأول على خليفة الله، لابد من وقفة للدراسة والتأمل عسانا ننتبه من الغفلة ونفيق من السبات وقائم آل محمد بين أظهرنا اليوم. والعجيب أنه ورغم كل الذي كرره كتاب الله من أقوال المعترضين وبينه من أساليبهم في الإنكار ومواجهة خلفاء الله ما زالت نفس الأصوات وبنفس الكلمات تقال اليوم لخليفة الله أيضاً، ولا بصيص أمل يلوح في الأفق في إفاقة ولد ادم واستجابتهم لداعي الله، ويبدو أن الإفاقة لا تكون إلا في جهنم أعاذنا الله منها إن استمر الحال على ما هو عليه، والحمد لله على كل حال وهو حسبنا ونعم الوكيل. * * * ( 2 ) -وحدة منهج المعترضين في الإنكار وقبل استعراض المنهج كلمة .. لم يكن خلفاء الله سبحانه ليعدوا إرادة ربهم الذي أرسلهم ومشيئته في دعواتهم الإلهية، كيف وهم صلوات الله عليهم مظهر إرادته وباب معرفته والأدلّاء عليه. فأتوا أقوامهم كما أراد الله سبحانه أن يأتوهم وبالدليل الذي أذِن لهم في إبرازه محتجين، وله سبحانه ملبين وداعين. قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾([471]). وقال: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾([472]). ولأنه رب رحيم بخلقه والأعلم بهم وبما يصلحهم وينقذهم في سوح الامتحان الذي لا مفر لمخلوق منه في هذا العالم، فقد خص خلفاءه المرسلين إلى خلقه بأمور يعرفون بها ويتفردون بالتحلي بها لما يباشروا دعوة خلقه إليه سبحانه، وهل يحتاج امرؤ يقرّ بعبوديته لله أن يجهد نفسه - أو يفكر حتى - باختراع القانون والميزان الذي به يريد التعرف على حجة الله ؟! كلا أبداً، فما عليه سوى سؤاله سبحانه عن قانونه في حججه ليمسكه بقلبه قبل يده ويبقى منتظراً مجيء من يتصف به ليلتحق بركب الساجدين القلة دوماً وينجو ببدنه الضعيف الذي لا يطيق ناراً في هذه الدنيا سجرها عبد مثله، فكيف بنار الآخرة التي سجرها خالقها لغضبه وسخطه على المعترضين على إرادته. وقد تمت الإشارة إلى قانونه سبحانه في التعرف على حججه بنص الكتاب الكريم وعدله الطاهر في التمهيد أولاً ثم في طيات التعرض إلى حجج الله في أكثر من مورد فيما تقدم من بحوث، فماذا بقي إذن، وهل بعد كلام الثقلين منهج معرفي لدى مؤمن بيوم الحساب ؟! ولكن الناس أعمتهم (الأنا) عن كل ما يتصل بربهم، فبعد أخلاقه اصطنعوا أخلاقاً يتعاملون بها، وبعد حججه انتخبوا سادة لهم، وبعد دينه ابتدعوا المناهج والشرع، وبعد كتابه كتبوا دساتير لحياتهم، وهكذا في كل الأمور، وكان مما طلب عنه الخلق بدلاً قانونه سبحانه في معرفة خلفائه في أرضه، فبعد (النص والوصية، والعلم والحكمة، وراية البيعة لله) كما توضح مفصلاً اختاروا لهم منهجهم الخاص الذي يريدون من خلاله الإيمان بحججه حسب زعمهم، فكان كل الذي قاله القران الكريم عن حال المعترضين، وهو حي يجري فينا مجرى الشمس والقمر ولا يموت بموت قوم نزل فيهم. فإذا كان رسول الله ص قد جاء قومه بما أراده الله فكفروا به وطلبوا منه أن يفجر لهم من الأرض ينبوعاً أو تسقط عليهم السماء حجارة فلتنظر هذه الأمة إلى ما تطلبه من داعي الله وخليفته (أحمد الحسن) لما جاءهم محتجاً عليهم بما احتج به الأنبياء والأوصياء على أقوامهم لو كانوا يعقلون، وكانت الإجابة الكفر به وبما أتى به وطلب ما طلبه المعترضون من رسول الله ومن باقي حجج الله، فالبعض يريد منه أن يحول لحيته البيضاء سوداء أو أن يقطع عليه تيار البث المباشر في لقاء تلفزيوني لم يعرف المتحدث فيه - وهو مدع علم - سوى السب والشتم والسخرية وإلقاء التهم والرد بلا دليل، واترك تفاصيل ذلك لعرض المنهج ليرى من لديه ضمير شبه القوم بأسلافهم، كيف وسنة الله في المعترضين واحدة لا تتبدل وان اختلفت المسميات والادعاءات. على كل حال، فقد بعث الله حججه إلى الخلق مبشرين ومنذرين، ورغم كل الذي جرى معهم من أقوامهم - فانّ بني إسرائيل وحدهم قتلوا سبعين نبياً في ساعة واحدة قبل طلوع الصبح، وبعدما طلعت الشمس ذهبوا إلى الأسواق وكأنهم لم يفعلوا شيئاً - ورغم كل ما لاقوه من تسقيط وتهم وجفاء وقتل وما لا يحيط به إلا الله ( من ألم ومعاناة، كانت رسل الله تترا على الخلق رأفة من ربهم بهم. قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾([473]). ولم يكن جواب حجج الله على الأذى إلا ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾([474]). فجاء حجج الله أقوامهم داعين إلى ربهم وحده لا شريك له، كما حكاه القران الكريم عن: نوح ع: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾([475]). هود ع: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾([476]). صالح ع: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾([477]). إبراهيم ع: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([478]). لوط ع: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([479]). شعيب ع: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ﴾([480]). موسى ع: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾([481]). عيسى ع: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([482]). إلياس ع: ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ( أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ( اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾([483]). سيد المرسلين ص: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾([484]). ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾([485]). وهكذا باقي حجج الله أجمعين، فقد جاءوا أقوامهم داعين إلى الله سبحانه بالآيات والبينات التي أرسلهم بها، ولكن أبى الناس إلا كفراً وجحوداً وتكذيباً إلا القليل منهم، ولهذا قال الحق تعالى لحبيبه تسلية لقلبه الشريف: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾([486]). ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾([487]). إنه إذن الاعتراض على خلفاء الله وحججه من قبل المنكرين، وبمنهج واحد كما يتضح في البحث الآتي، فإنّ سنة الله سبحانه فيهم واحدة كما نص هو سبحانه على ذلك. وأخيراً: إنّ إدراك هذه الحقيقة - ولو وحدها - كافٍ في تمييز الحق عن الباطل، فانّ كل فقرة من فقرات منهج الاعتراض كافية في معرفة الحق وإن كان الحق في غنى عن كل ذلك، إذ كل آية من آياته حجة دامغة لطلاب الحقيقة، ولكن هو لمن أحب منهج (الأمور تعرف بأضدادها)، فإنّ معرفة منهج الباطل ووحدة المعترضين في أقوالهم قد يكون وسيلة لمعرفة الحق وأهله إذا ما سمع مَنْ يسير خلفهم أنهم يطلقون ما أطلقه المعترضون على حجج الله وأنصارهم من قبل، فتكون إفاقة له من سبات عميق قبل فوات الأوان، والله المستعان على ما يصف المعترضون. * * * -الاعتراض على خلفاء الله .. وحدة المنهج: كما هي سنة الله واحدة لا تتبدل أو تتحول مع حججه سبحانه في الألم والمعاناة التي لا تترك لهم ساعة من الراحة في الدنيا زيادة في الطهر في عالم لم ينظر الله إليه منذ أن خلقه، هي سنته واحدة أيضاً مع المنكرين فهي الأخرى لا تبديل فيها ولا تحويل. قال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([488]). وقال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([489]). وعليه، ليس غريباً بعد هذا أن نرى وحدة منهجهم في صدّهم وإنكارهم لدعوات المرسلين، تلك الوحدة التي يمكننا بعد استشراف ما مرّ من آيات الذكر الحكيم أن نؤشر عليها في موارد عدة: -التكذيب والرفض بلا دليل: ولا اعتقد أننا بحاجة إلى برهنة وحدة المعترضين في هذه النقطة بعد ورود ما يؤكدها في آيات الذكر الحكيم ومع رسل الله طراً ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ...﴾([490]). وقال تعالى:﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ( وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾([491])، وغيره الكثير. والمكذّب في كل مرة هم سادة المعترضين وملئهم المحيط بهم، وأما الأتباع فهم مستحمرون دوماً ولا يعقلون شيئاً، بل هم دوماً من أهل هذه الآية: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾([492])، وهو ما ينبغي الالتفات إليه في كل ما يأتي من نقاط وحدة منهج المعترضين. وهذه بعض الآيات الكريمات مما يشير إلى تكذيب المعترضين ورفضهم لحجج الله بلا دليل: فقد كذّب قوم نوح نبيهم ع المرسل إليهم من ربهم بلا دليل: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا ...﴾([493]). وكذب قوم هود نبيهم ع فقالوا: ﴿... وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾([494]). وكذب قوم صالح ع: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾([495]). وقوم لوط ع: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾([496]). وقوم شعيب ع قالوا: ﴿وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾([497]). وقوم موسى ع: ﴿... وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾([498]). وأما قوم إلياس ع: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾([499]). وقوم محمد ص: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾([500]). ولو كانت الآية الأخيرة فقط لكفاها شاهداً على اتحاد المعترضين في تكذيب خلفاء الله في أرضه عند بعثهم، فقد أطلق الحق سبحانه على أقوام الأنبياء بأنهم كذبوا رسله سبحانه ممن سبق حبيبه ولم يستثن قوماً أبداً. وإذا ما نظرنا إلى تكذيبهم نجده تكذيباً لأجل التكذيب فقط وبلا حجة مقابلة للبينات والزبر والكتاب المنير التي يأتي بها حججه سبحانه. ومن أين لهم الحجة والدليل وحجة الله عليهم دامغة ولا منفذ لهم لو استندوا للدليل واحتكموا إليه، وأما إطلاق التكذيب فهو سهل على أنفس خبيثة قد عجنت بماء آسن واقتدت بإبليس وحزبه في اعتراضهم على السجود لخليفة الله. نعم، أحياناً يجعلون من الشك حجة لهم يعتذرون بها في تكذيبهم للرسل في حين أن الشك شك وليس بدليل والاستناد إليه في رفض الحجة كاستناد طالب الماء المشرف على الهلاك إلى سراب لو كانوا يعقلون، نجد ذلك في آية تحكي حال قوم صالح: ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾([501])، وأخرى تحكي حال قوم رسول الله ص: ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ...﴾([502]). وليس لمنهج التشكيك اختصاص بالمعترضين من قوم صالح ورسول الله ص فقط، بل هو سنة المعترضين دوماً، قال تعالى يحكي حالهم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾([503]). وفي الحقيقة أنّ لجوء المعترضين إلى الشك يعني اعترافهم بحجة الرسل، فانّ التشكيك - كما هو معلوم - حيلة من لا يملك وسعاً لرد الحجة الملقاة عليه، ولهذا أجاب الإمام الرضا ع علماء اليهود والنصارى لما بيّن لهم وصف جده رسول الله ص واسمه في كتبهم فاقرّوا بالاسم والصفة ولكنهم شككوا في أن الموصوف هو جده. قال ع: (احتججتم بالشك ؟! فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟! فأحجموا عن جوابه ..) ([504]). فإن كان في بال أحد إرادة اعتبار الشك عذراً عن التخلّف عن ركب خلفاء الله في أرضه فلينتظر مصير قوم صالح ع، ومصير من أجابهم الإمام الرضا ع لا محالة، وكل نفس بصيرة بما كسبت وتكسب. ولنا بعد هذا أن نتساءل من القوم اليوم: على أي أساس كذبتم السيد أحمد الحسن ع في دعوته لما جاءكم محتجاً عليكم بما جاء به الحجج أقوامهم كما بيناه في أكثر من موضع ؟! نعم، هو التكذيب والرفض بلا دليل وهي سنّة من تقدمكم من المعترضين. جدير ذكره أنّ علمه وحكمته وما احكمه من متشابه في عظائم الأمور بين أيديكم، وبياناته التي صدرت قبل سنين وهي موثقة قد وصلت من يدعون العلم من كباركم فما بالهم لا يردون عليها ويقابلوا حجية ما فيها بدليل يمتلكوه عبر قبول مناظرة دعاهم إليها مراراً، أو كتابة كتاب يناقشوا فيه أدلة الحق، ويترفعوا عن أسلوب إبليس وحزبه ومن التحق بنهجه وخطه في الاعتراض على خلفاء الله وتكذيبهم بلا دليل، ولكن هيهات أن تخطئ سنة الله أصحابها، فالمعترضون واحد في النهج والقول والفعل وان تعددت المسميات، فكان التكذيب نهجكم كما نهجه من سبقكم. كما أنّ مقابلة حجة رسل الله وبيّناتهم بالسخرية والاستهزاء كما يفعله سادة المعترضين والملأ والأتباع اليوم ضد الدعوة اليمانية المباركة وقائدها وأنصاره وأدلة الحق، من شيم المعترضين أيضاً، وهو ما سيتضح في النقطة الثانية. -السخرية والاستهزاء والتسفيه: مع نقطة أخرى في منهج المعترضين على خلفاء الله يلتقي عندها كل من سوّلت له نفسه الوقوف أمام مشروع الهداية الإلهي والاعتراض على تنصيب الله حججاً وقادة لخلقه إلى الصراط المستقيم، ذاك هو الاستهزاء بالرسل عند إرسالهم والسخرية منهم وتسفيه أمرهم. قال تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾([505]). وقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ( وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ( وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ﴾([506]). وقال: ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾([507]). وقال مخاطباً سيد رسله: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾([508]). وهذه نماذج مما ذكره القران الكريم عن بعض حجج الله: فقد استهزأ قوم نوح به: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾([509]). وكان لهود ع نصيب من تسفيه قومه له: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ..﴾([510]). وبصورة الاتهام باللعب قالها قوم إبراهيم له: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾([511]). ولما جاء موسى ع قومه بالآيات استقبلوه بالضحك رمزاً للاستهزاء والسخرية: ﴿فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾([512]). وكان لرسول الله ص النصيب الأكبر من استهزاء وسخرية المعترضين من قومه لعنهم الله: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً﴾([513]). ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾([514]). فما رأوه إلا واستهزؤوا به وهو سيد المرسلين وحبيب الله، وكأنهم لم يسمعوا بالويل والعذاب المهين الذي أعده الله للمستهزئين ممن تقدمهم من أسلافهم المعترضين ومن يأتي من أولادهم، فالولد على سر أبيه ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ... وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾([515]). ولكنها سنة الله في حججه جميعاً، يقول سبحانه: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾([516])، وأي استهزاء بآيات الله وسخرية اكبر من أنها تتلى من قبل رسله والقوم يستمعون وهم يلعبون ؟!! جل حلمك على خلقك يا رب. والانكى من ذلك إذا ما عرفنا أنّ من بين المستهزئين من يدعي العلم، فيستهزأ ورسل الله يتلون البينات: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾([517])، فتباركت يا رب لما وصفتهم - أي العلماء غير العاملين - بالحمار الذي يحمل أسفاراً أو بالكلب الذي يلهث إن حملت عليه أو تركته، وإلا عالم بماذا ذاك الذي يستهزئ وآيات الله وبيناته تتلى عليه !! حقاً وصدقاً هم شرار خلق الله والمعدين لحرب القائمع وجمع الجيوش لقتاله، كما أوضحته عشرات روايات الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. وليس أمراً عجيباً ما يفعله العلماء مع قائم آل محمد ع بعد أن كانت هي سنتهم كلما بعث الله نبياً أو وصياً، وهل مؤمن من ينتظر تبديل سنة الله أو تحويلها بعد أن حكم هو سبحانه بعدم التبديل والتحويل أبداً ؟! -إلقاء التهم بلا وازع من ضمير أو استشعار حسيب: إلقاء التهم الجاهزة الدالة على قلة الورع وانعدام الخلق وفقدان الضمير لدى ملقيها بل فقدان كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة، صفة تجمع المعترضين على خلفاء الله في أرضه في منهجهم الذي ينتهجونه للصد عن دعوات الأنبياء والأوصياء. وهي الأخرى نقطة بارزة ووضوحها بمكان يكفي مؤونة الاستدلال وذكر الشواهد لولا الرغبة في زيادة التنبيه، ورجاء الإفاقة قبل فوات الأوان، فان الذكرى تنفع المؤمنين. ساحر، مجنون، كذاب، أفّاك، مفتري، مختلق، متقوّل، شاعر، بل تصل إلى التشكيك في النسب حتى كما حصل لعيسى ع، باعتبار أنه لم يأتِ قومه بشهادة ميلاد أو جنسية أو شجرة عائلة مختومة تثبت النسب واكتفى بمجيئه لهم بآيات الله وبقانونه في حججه من وصية وعلم ورفع راية حاكمية الله منهجاً، لذا فاتهام أمه المقدسة أيسر ما يكون لدى قوم تكبروا على آيات الله ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾([518]). ولو كانت هذه الأمة - التي تعلق إيمانها بوصي الإمام المهدي ع ورسوله على الإتيان بشجرة نسبه إلى الإمام المهدي ع وإلا الإصرار على الكفر والعناد - في زمن عيسى ع ماذا ستفعل ومن يكلمهم ويرد الافتراء صبي في المهد ؟! في حين أن صاحبكم اليوم الذي يدعوكم إلى الله ونصرة حجته الإمام المهدي ع شاب كما وصفه رسول الله ص، هذا وأنتم تسمعون وتقرؤون أنّ في قائم آل محمد ع سنناً من أنبياء الله ومن عيسى ع تحديداً ويقال فيه ما قيل فيه. وإذا كانت آيات الله وبيناته - إن كنتم تعقلونها - بنظركم كافية لإثبات طهارة عيسى - وهو الطاهر حقاً - وإثبات حقه، فما بال من جاءكم اليوم بقانون ربكم في حججه وفيه وصية نبيكم ص وعلم وحكمة حججه ورفع راية حاكميته سبحانه وعشرات الروايات التي تذكره باسمه وصفته ومسكنه وكل ما يتعلق بأمره والآيات والأدلة الأخرى التي توضح كرم الله ورحمته بهذه الأمة لو وعت، ما بال كل ذلك لا يكفي في نظركم لإثبات حقه وأنه من آل محمد الأوصياء، أم تبقى نسخة مختومة بختم احد علمائكم بالأنساب أو الرجال ارفع قدراً عندكم من وصية رسول الله ص ليلة وفاته وانتم تعلمون أنّ النص والوصية دليل الأوصياء ؟! وإلا فبينوا لنا ما يميزكم عن غيركم ممن أنكر آل محمد من أول الأمر ؟! نعم، تهم معدة سلفاً من قبل المعترضين تلقى سريعاً بمجرد سماع داعي الله يدعوهم إلى ربهم بآياته، وهذا نموذج مما أطلقه المعترضون من تهم على خلفاء الله سعياً لضرب شخصياتهم المقدسة: فقالوا لنوح ع: ﴿... مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾([519]). ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ ([520]). ولنبي بعده: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾([521]). ولصالح ع: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾([522])، ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾([523]). ولشعيب ع: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾([524]). ولموسى ع: ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً﴾([525]). واتهمه الملأ بالسحر فـ: ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾([526])، وكذا فرعون: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾([527]). وعيسى ع لما جاءهم بالبينات: ﴿... قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([528]). وكالعادة كان لرسول الله ص النصيب الأكبر من تهم المعترضين: ﴿وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾([529]). ﴿وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([530]). ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ..﴾([531]). ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ... أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ﴾([532]). بقي تهمة إعانة الغير لخليفة الله بعد أن ينشر دعوته، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً﴾([533])، يقصدون رسول الله ص. وربما - والله أعلم - من مصاديقها اليوم الاتهام بالعمالة، فـ (العميل) في نظر المعترضين هو خليفة الله والحال أنهم يعلمون جيداً انه يبعث وحيداً فريداً وتنصره القلة من المستضعفين من قومه دوماً، وأما المال والجاه والأتباع والعلاقات فهي بيد الطغاة والمستكبرين وهم المعترضون دوماً أيضاً، وإلا هل يخفى تحالف أبو سفيان وكبار قريش المعترضين مع اليهود - فضلاً عن غيرهم - للقضاء على دعوة رسول الله ص، ولكنه مثل قيل فصدق فيهم: (رمتني بدائها وانسلت)، ولله كان صبرك يا رسول الله وأنت القائل عن معترضي قومك لما تشكو حالك لربك وناصرك: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك) ([534]). وساعد الله قلبك يا قائم آل محمد وأنت تقاسي في دعوتك اليوم أشد مما قاساه جدك رسول الله ص من قومه بنص كلام الطاهرين ص، وها هو اتهام القوم له بالجنون والسحر والعمالة والافتراء وغيره مما تطول القائمة بذكره من التهم والكذب والظلم والزور، وهو كله أمام مرأى ومسمع الجميع وفي وسائل النشر المتعددة من إعلام مرئي ومسموع ومقروء، ولكن لك في جدك رسول الله ص وآبائك الطاهرين ص سنّة جرت عليهم من أقوامهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. -استخفاف أئمة الضلال بأقوامهم: إنّ مما يتوحد عليه المعترضون على خلفاء الله في أرضه في منهجهم أيضاً هو استخفاف إمام الضلال بقومه وحملهم - ولو بكلمة واحدة منه - على رفض دعوات المرسلين وحربهم وقتالهم، وإنها لفاجعة مرّة أن يسلّم الإنسان مصيره لجرّت قلم يد أثيمة لإمام الباطل أو كلمة باطل نطق بها، وتكون النتيجة أن تقاتل الأقوام المنتظرة من تنتظرهم من حجج الله بوعي منها أو بدونه، فهي أمة مستخفة استنهضت فلبّت فأسرعت فقاتلت ، ولا تدري من تقاتل !! الآن، فلننظر معاً لقول سيدة نساء العالمين ص وهي تصف أمة استخفها إبليس (لعنه الله) ومن أغواه، واستنهضها لزحزحة الحق عن ابن أبي طالب ع، فلبوه خفافاً مسرعين، تقول روحي فداها: (فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر...) ([535]). نعم، نطق كاظم الغاوين فأنصت الجميع لما يقول، ونبغ خامل الأقلين فكتب فكانت صحيفته وثيقة لمخطط إبليس في الاعتراض على سادة خلفاء الله في أرضه وقتلهم، وبالمقابل ننظر فنجد أن رسول الله ص يريد أن يسمعهم آيات ربه وعلمه وحكمته لإنقاذ أنفسهم فيضعون أصابعهم في آذانهم بل يكثرون اللغو عسى أن يضيع صوته ولا يُسمع ما يقول في زحمة الضجيج والتهريج، ويطلب كتفاً ودواة ليكتب لهم كتاباً في ليلة وفاته يعصمهم من الضلال أبداً فيقول قائلهم كلمته المعروفة التي ستبقى عاراً عليه ودليلاً على جرأته، ثم يتبعه على نهجه مليارات البشر وما لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه ؟! وأعجب منه من يصرّ من أئمة الضلال اليوم أيضاً بأنه ص فعلاً لم يكتب وصيته - والعياذ بالله - وأنّ عمر منعه من ذلك، هذا وهم يتلون كتاب الله فيقرؤون - إن كان يقرؤون - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([536])، وأحاديث أهل البيت ص الواردة في تأكيد هذه الحقيقة - وقد تقدم بعضها في التمهيد فراجع - وأنه ص قد أوصى وكتب وصيته وسلمها لوصيه أمير المؤمنين ع وأشهد عليها كما نص القرآن بذلك أيضاً. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾([537]). ثم تروى رواية الوصية المقدسة وشواهدها في أمهات مصادرنا ولا رواية غيرها توصف بأنها وصية رسول الله ص ليلة وفاته، وفيها يحدد الحجج والخلفاء من بعده ويذكر أسماء الاثني عشر إماماً الواردين فيها ثم اسم ووصف أول المهديين (أحمد) من المهديين الاثني عشر الواردين فيها أيضاً، فيصرّ أئمة الضلال كذلك على رفضها ورفض (أحمد) الذي جاءهم اليوم محتجاً بها، هذا وهم يقرؤون - ومرة أخرى أقولها: إن كانوا يقرؤون - في روايات الطاهرين أنّ الوصية دليل حجج الله فلا تنفرد عنهم ولا يأتون من دونها ولا يأتي بها غيرهم أبداً، كما تقدم توضيحه. ولست أقصد بذكر الوصية إلا مثالاً وإلا فكل ما جاء به داعي الله (السيد أحمد الحسنع) اليوم من أدلة قد شطب عليها أئمة الضلال بجرت قلم واحدة. وكمثال في عصرنا الراهن: الفتوى التي قضت بإنكار اللقاء بالإمام المهدي ع ومشاهدته لا في هذا العالم ولا في عالم الرؤيا، ولا أعرف في أي عالم يؤمن المفتي بوجود الإمام ع في زمن الغيبة الكبرى بعد أن أنكر مشاهدته في هذا العالم وفي عالم الملكوت ؟! هذا، وأمامه عشرات الروايات في ذلك، فهل يردها كلها ؟! وعشرات بل مئات ما ينقل في قصص اللقاء بالإمام ع من علماء وغيرهم كما حصل للمفيد وابن طاووس وبحر العلوم والكثير الذي لست الآن بصدد بيانه، فهل يكذبهم كلهم ؟! وها هي كلمته ع الكاشفة عن عظم جريمة هذه الأمة في زمن الغيبة ومقدار جفائها وعدم تعقلها لأمره وقبولها بفعله: (لا لأمره تعقلون ولا من أوليائه تقبلون) أو تردونها أيضاً ؟!! وفيها من الشيء الكثير الذي سيكشفه أولياء الله لما يحين وقته. ثم نقل الذين روّجوا لهذه الفتوى ([538]) أنّ والد السيد السيستاني كان قد رأى الإمام ع، وكان الأجدر بهم لما كانوا ينكرون ذلك أن يكذبوه أيضاً، ولهم أن يلتفتوا إلى التناقض الذي أوقعوا أنفسهم به، ولكنه الكيل بمكيالين أحد صفات المنكرين والمعترضين على الله في خلفائه وحججه، وهو الآخر يجتمعون عليه ويتوحدون في منهجهم، كما انه سمة من يعبد الله على حرف بل لا يكاد يفقه حرفاً. وليس غريباً هذا الإنكار والاعتراض من السادة والملأ الذين لا تروق لهم بعثة الهداة الإلهيين، ولكن ما بال أقوام استخفهم هؤلاء فألفوهم لدعوتهم مستجيبين وفي ترديد الإنكار الصادر منهم مقلدين، وقيادهم لهم مسلّمين، ولقتال آل محمد ملبّين مسرعين ؟! حقاً إنها سنة الله في حججه من جهة وفي المعترضين عليهم من جهة أخرى، فان استخفاف أئمة الضلال بأقوامهم واستنهاضهم لقتل خلفاء الله والثلة المناصرة لهم ليست مما انفردت بها هذه الأمة على سادة الخلق محمد وآله الطاهرين، بل هي سنة مستمرة كلما بعث الله خليفته داعياً إليه، فهذا فرعون (لعنه الله) يحدثنا عنه رب العزة فيقول: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾([539]). ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ...﴾([540]). ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾([541]). ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾([542]). نطق إمام الكفر (فرعون) فقال: ما لكم من اله غيري ولا مرجع سواي، وكيف يجرؤ موسى على أن يجعل لكم اله غيري أو أن يفكر بذلك ؟ فلا تسمعوا لما يقوله، ومن هو ؟ ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾، وبارك الملأ والبلاط - وبتعبير اليوم الحواشي - هذه الفتوى ولبوا مسرعين لما استخفهم بها وكذلك الأتباع المقلدين ﴿فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾، هذا شق من فتواه، وأما الشق الآخر المرتبط بالمتمردين والخارجين على قانون فرعون الذي باركه الملأ وأهل الخبرة وهم موسى ومن ناصره فمصيرهم: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾، ولم ترَ الحاشية الوفية أنّ ذلك يلبي طموحها في القضاء على دعوة موسى ع واستئصالها، فتستنهضه أكثر في القضاء على الثلة المؤمنة رغم قلتها وإبادتهم بالمرة: ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾، لا يجوز ذلك أيها المفدى، فيجيب طلبهم ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾، ثم أيها الأوفياء ماذا تقترحون بعد سجن الرجال المؤمنين وقطع أيديهم وأرجلهم وقتلهم ثم قتل الأبناء واستحياء النساء ؟! وهكذا بفتوى واحدة استخف إمام الضلالة قومه فلبوا طائعين، وخليفة الله موسى ع يأتيهم بعشرات الآيات والبينات فلم يجد إلا الكفر جواباً. ولكل عصر موسى وفرعون، وعلي ومعاوية، والحسين ويزيد، داعي إلى الله مع قلة تنصره وطاغية يستخف قومه - وهم لا يحصى عددهم كثرةً - لقتال خليفة الله وأنصاره، ولكن أن نرى ما جرى على أنبياء الله ورسله مجتمعين من المعترضين يعاد اليوم على قائم آل محمد ع منفرداً، إنه لأمر يؤلم القلب ويفقد الصبور صبره، وإلى الله المشتكى من أمة تفعل كل الذي تفعل مع سادة الخلق، وليس أمامنا إلا الدعاء لقائم آل محمد ع بالنصر والتمكين. -دور الملأ مع سادة المعترضين: لو أعدنا قراءة ما تقدم من آيات الذكر الحكيم التي تمثل أقوال وأفعال المعترضين على خلفاء الله نجد أنّ لـ (الملأ) دوراً بارزاً فيها، وقبل استعراض شواهد هذه النقطة من القرآن الكريم والتي يجتمع عليها المعترضون في منهجهم نريد أن نعرف من هم (الملأ) وماذا يقصد بهم؟ الملأ: هم من يحيط بالحاكم وصاحب القرار ومن بيده سلطة ما، وعليهم يعتمد ولهم يستشير، فهم أشبه ما يكون بالمستشار بعرف السياسيين اليوم، أو الحاشية بعرف المراجع، أو البلاط بعرف الممالك. وما يهمنا في التعرض لهم الوقوف على هذه الفئة من جهة حربها لخلفاء الله في أرضه لما يرسلون، ولهذا حرياً بنا أن نعرف أنّ من صفاتهم التي خصّها القرآن بالذكر: الإتراف: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...﴾، وحال المترفين كان دائماً هو الكفر بالرسل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾([543]). الكفر: والآية السابقة شاهد لذلك، وأيضاً: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾([544]). التكبر: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ ([545]). الفسق: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾([546])، وقد اتضح في الآية الأولى أنّ المترفين من المعترضين هم الملأ، والعذاب يأتي نتيجة فسقهم هم، فساء صباح المنذرين الذين يترأسونهم بل دمروا تدميراً. الإفتاء: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ ... يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾([547]). ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾([548]). الاحتجاج بالباطل لصد الناس عن الإيمان: وهو ما سنراه بعد قليل عند استعراض بعض أقوالهم مع حجج الله. وليس ما ذكر من صفات للملأ في كتاب الله هي صفات لبعضهم دون بعض، فانّ في مراجعة ما فعله الملأ على طول مسيرة بعث خلفاء الله وإرسالهم نجد أنّ الكفر والتكبر والإتراف والفسق والشهادة والإفتاء لصالح سادة الاعتراض هي سيرتهم التي لا تتبدل، ثم إنّ قولهم وموقفهم الذي يتكرر منهم عند بعثة كل خليفة الهي - مما سنقف على بعضه الآن - واحد أيضاً، وعليه فمجيء آية قرآنية تصف الملأ من قوم حجة من حجج الله لا يعني أنّ الملأ عند بعث الحجة الآخر منزهين وغير متصفين بما ذكر في أسلافهم، فإنهم قوم تشابهت قلوبهم ولا شاذ فيهم - والله اعلم - ولله في خلقه شؤون. نعم، قد يختلف ما يتحلون به من صفات واحدة منكرة من حيث الشدة والضعف حسب النكراء والشيطنة التي في الرؤوس والخبث الذي في الصدور، ولهذا كان ما يلاقيه القائم ع من قومه أشد مما لاقاه جده ص وكل حجج الله السابقين عليهم صلوات ربي أجمعين. وهذا بعض ما قاله الملأ عند بعث رسل الله وهو يؤكد ما ألمحنا إليه من وحدة المنهج والصفات: فقد كان لهم موقف عند بعث نوح ع ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾([549]). ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ... قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([550]). ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾([551]). وكان من الملأ الموسومين بالكفر والإتراف والتكذيب والاحتجاج بالباطل أيضاً ما كان في موقفهم مع نبي بعث بعد نوح ع ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ( وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ( إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾([552]). ولهود ع: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( ... قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([553]). وصالح ع: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾([554]). وشعيب ع: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ( ... وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾([555]). وكان من حالهم مع موسى ع عند بعثته ما ذكرته بعض الآيات الكريمة، فأولاً: استعان بهم فرعون في مواجهته لدعوة موسى ع وأعانوه فعلاً لما قدم لهم النصيحة عبر أمر لا نجد عليه معترض واحد منهم ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ... وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾([556])، وبدأوا يصدون عن الحق ويلقون الحجج الباطلة لإبعاد الناس عن الإيمان ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾([557])، بل استنهضوا همة مولاهم في القضاء على الحق ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾([558]). وواضح من أقوالهم التي نقل بعضها أنهم من أهل الجدل وأدعياء للعلم وأصحاب مكر وخداع، ولذا صار تقريبهم من الطاغية - أياً كان - هدف له لديمومة مشروعه ونفوذه والسعي لاتساع سلطته وإمبراطوريته، فتقديم المشورة مستمر قبل وأثناء وبعد أن يصدع خليفة الله بدعوته، سعي حثيث واقتراحات ربما لا تخطر على بال إبليس (لعنه الله) في حربه لحجج الله، كل ذلك وفاءً منهم لما أغدقه عليهم ربهم الذي يعبدونه من دون الله، كيف وقد ميزهم عن امة عادة - وهي تعيش مخاض إرسال خليفة الهي حسب الفرض، والأرض لا تخلو من حجة كما هو معلوم - ما تئن من الفقر وفقدان أبسط سبل العيش الكريم والضياع بكل تفاصيله، فكان الترف نصيبهم من بين أمة انتشر فيها الفقر بشكل مطبق ولا أحد فيها يفكر بيتيم بل يسلب حقه، ولا بأرملة تعيل أيتاماً بل تساوم على عرضها. وكما كان الترف واللعب بأموال الفقراء والمحرومين عطيتهم من ربهم المعبود من دون الله كان التحرر وعدم المسؤولية هبته إليهم أيضاً، وحقاً هم أحرار وإلا لاستحوا من الله ومن محمد وآله الطاهرين لو كانوا يعتبرونهم أئمة لهم، فلا حسيب للملأ ولا رقيب عليهم، تحرُّر إذا قيست له حرية الغرب لكانت رقاً بالنسبة إليهم، وإلا فلو وزيراً في دولة أوربية يفعل بعض ما يفعله الملأ من قومنا لقيد إلى الحبس منذ زمان بعيد، ومرة واحدة فعلتها وزيرة اسبانية لما ذهبت زيارة إلى دولة فأهديت لها هدية فقبلتها، ولما عادت ادخرتها لشخصها فعلموا بها فانتشر الخبر واستحت فاستقالت من منصبها، وكان قومها في حجتهم عليها يقولون إنها أعطيت ذلك بصفتها وزيرة لدولة وهي قد اعتدت على ممتلكات الدولة. هذا، لو قسناه بما يفعله اصغر وكيل أو مقرب من ملأ أدعياء العلم وهم ينهبون كل ما لحجج الله (آل محمد) ويحكمون باسمهم ويتوجهون بوجاهتهم ويفتحون دكاكينهم وبضاعتهم فيها آل محمد تباع وتشترى، فباسمهم ومالهم ودينهم يسخر الملأ الناس للابتعاد عن حاكمية الله أسِّ الدين ونهجه وقِوامه الذي بذل خلفاء الله دمهم قرباناً لتثبيته، يسخرونهم لتثبيت حاكمية الناس خنجر إبليس (لعنه الله) المسموم الذي يطعن به خاصرة الدين الإلهي وأهله في كل مرة، وقد رأينا من الملأ اليوم في أكثر من بلد سعيهم الحثيث في جمع الناس للاشتراك في الانتخابات (حاكمية الناس) ووصلوا إلى أقصى النقاط فيها لتهيئة الناس وحثهم على الاشتراك، تلك المناطق التي ما فكروا أن يصلوها يوماً لإعانة فقير فيها أو المسح على رأس يتيم أو إيصال رواية أو آية تنفع الناس في سيرهم إلى ربهم ؟! من يكابر وينكر هذا ؟! أحقاً ما أرويه لكم أم باطل ؟! اعرفوا هذا وانظروا حال الملأ وسادتهم فيما سبق وانظروا أفعالهم عند بعث حجج الله، عند بعث نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي وبنيه الطاهرين، بل عند بعث كل حجج الله صلوات الله عليهم أجمعين، ثم اعطفوا النظر على حال الملأ اليوم - سواء كانوا مستشارين لساسة، أو حواشي ووكلاء لعلماء دين كما يزعمون، أو لكل من بيده قرار من أهل الباطل - لتجمعوا القواسم المشتركة بين الخلف والسلف، ولا يسعكم بعد المقارنة إلا قول: هؤلاء اليوم كأولئك بالأمس، بل لا يصح غير هذا؛ لانّ سنة الله في المعترضين على خلفاء الله عموماً واحدة، فكيف إذا كان الحديث عن كبار المعترضين ؟! ولهذا كان فضح (الملأ) على رؤوس الأشهاد مما فعله خلفاء الله في أرضه عند إرسالهم؛ باعتباره طريقاً لتعرية الباطل وأهله وتسهيلاً لمهمة انتشار العدل والطهر بدل الجور والظلم الذي ساهموا في نشره، ولنا فيما فعله نبي الله عيسى ع شاهد شاخص مع الملأ من قومه المعترضين. وإذا ما عرفنا حال الملأ عند بعثة كل خلفاء الله فيما مضى لا نستغرب ما يفعله الملأ اليوم مع وصي الإمام المهدي ع ورسوله إلى الناس، فإنّ ما بينه لنا الله سبحانه في كتابه من صفات نجدها تماماً في الملأ اليوم وحالهم المفضوح شاهد عليهم، وأما أساليبهم في الاعتراض فهي الأخرى منطبقة تمام الانطباق إذا ما قورنت بما سبقها من ملأ فرعون ونمرود وغيرهما في حربهم لخلفاء الله في أرضه، وكان منها - وهو ليس الأخير بالتأكيد - اجتماع سادة المعترضين في نهاية ذي الحجة (1428 هـ) لإصدار الفتاوى ووضع الخطط لاستئصال الدعوة اليمانية المباركة في محرم عام (1429 هـ)، وألزموا ساستهم التنفيذ، فكان القتل والسجن والطرد لأنصار الله بعد أن مورس بحقهم فيما سبق الوقت المذكور من ظلم الكثير الذي يصعب شرحه في هذه العجالة من تشريد وتقتيل وسجن وهدم للمساجد والحسينيات العائدة لأنصار الإمام المهدي ع وبفتاوى أيضاً من سادة الاعتراض، ولا أنسى التعذيب بأبشع صوره الذي ما زال مستمراً في سجون الملأ وسادتهم وساستهم. وما زال تخيير المعتقل من الأنصار بين أن يتبرأ من إيمانه وإمامه وبين أن يُحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، وهو يذكرنا بمشاهد مما فعله الملأ من قوم فرعون في اقتراحاتهم المقدمة لسيدهم للقضاء على خليفة الله موسى ع ومن آمن به. ولكن الله سبحانه ليس بغافل (وحاشاه سبحانه) عما يفعل الظالمون، ويوم المظلوم على الظالم أشد وأقسى من يوم الظالم على المظلوم، ولم يكن العذاب - كما يرويه الطاهرون ص - لينزل بسادة المعترضين على القائم ع فقط، بل يشمل الملأ الذين وفّوا لهم ونقضوا ميثاق الله وحججه، كذا هو مصير كل من اصطف معهم لحرب حجج الله من آل محمد ص، ولهذا ورد عنهم ص أن القائم ع يقتل سبعين من كبرائهم وثلاثة آلاف من صغارهم، والحمد لله رب العالمين. -التهديد بالسجن والقتل والرجم والطرد والإخراج: ومما يوحد المعترضين في منهجهم الذي يجابهون به خلفاء الله في أرضه هو التهديد بالتصفية الجسدية بأصنافه المتعددة والسجن والتعذيب والطرد والإخراج، وواضح انه منهج الطغاة والمتكبرين لما تعييهم الحجج والبينات الواضحة التي يأتي بها خلفاء الله، وتجد لها موضعاً لدى الشعوب المقهورة على أمرها في عبوديتها للطغاة المتجبرين، فما هم إلا عبيد عندهم يصنعون بهم ما يشاءون ويسخرونهم حيث يريدون. إنّ علم وحكمة الرسل والخلق الذي يحملونه والنهج الذي يبثونه في الناس والطهر الذي يشع من صدور تيقنت بالله وتواضعت فزادها الله من علمه فامتلأت، فشع نورها على كل اُذن سمعت أو عين رأت، أو قلب يبصر الحقيقة، ولما كان كل الخلق قد فطروا على طلب ذلك فحتماً سيتأثر الجميع لو قدر لذلك النور بالاستمرار بالبث، ولاهتدى الجميع لا محالة، ولا تبقى إلا نفوس خبثت وبعين النجاسة عجنت واختارت غضب الله وسخطه. لكن، ماذا سيبقى من مشروع أصحاب تلك النفوس المغضوب عليها، وهل يقبل طاغية لنفسه أن تحكم فرداً أو فردين ممن يتبعه من الملأ وانتهى الأمر ؟! وأين سيكون مصير مشروع الربوبية (أنا ربكم الأعلى) واستعباد الخلق من دون الله (ما أريكم إلا ما أرى) - مشروع الطغاة والمتكبرين المعترضين على خلفاء الله - لو تُرك الرسل والحجج طليقوا اليد في دعوتهم ؟! على هذا كان التهديد من قبل المعترضين لإسكات هذا الصوت الإلهي والسعي لإطفاء نوره عبر القتل والسجن والسم والصلب أو الإبعاد والإخراج على أقل تقدير، وهذا نموذج من تهديد المعترضين ومنهجهم الواحد في الاعتراض على أنوار الله في أرضه: قالوا للمرسلين من حجج الله وبلسان ونهج واحد: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([559]). ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾([560]). ولمن أحب أن يرى تفصيل هذه الحقيقة التي أشارت لها الآيتين، هذا موجز مما قاله المعترضون: ﴿.. قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾([561]). وهددوا صالح ع وأهله، وأرادوا قتله بغدرٍ هم له أهل: ﴿... قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾([562]). وكان من تهديدهم لإبراهيم ع ما كان: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ..﴾([563]). ﴿.. لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً﴾([564]). ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾([565]). والتهديد بالإخراج هو نصيب لوط ع، والسبب أنه ومن آمن معه أناس يتطهرون: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾([566]). ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾([567]). ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾([568]). ولشعيب ع: ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾([569]). وقال فرعون (لعنه الله) لنبي الله موسى ع: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾([570])، ولمن آمن به: ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾([571]). وللملأ كان دور أيضاً: ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾([572]). وقد سمعنا في الفصل السابق حال عيسى ع وما لاقاه من المعترضين بما يرتبط بمنهجهم في القتل وتوابعه، والذين صمموا أخيراً على قتله وتسليمه إلى ملك الروم هدية للصلب، ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾، وهل فكرت امة عيسى ومن جاء بعدها من الأمم مَنْ هو الشبيه الذي تحمّل الصلب من الطغاة الفجرة بوشاية وتحريك من العلماء الخونة ليُرد له إحسانه الذي قدّمه ؟! وهو وإن كان لله وحده، فمن تحمّل ما تحمل أكيد يكون من أهل بيتٍ لا يريدون في الأرض علواً، ولا يطلبون من أقوامهم على أفعالهم جزاءً ولا شكوراً، ولذا كان صامتاً وهو يقاد إلى الصلب الذي ما تحمله عيسى ع ولم يعرِّف باسمه ولا بشخصه، ولكن إنسانيةً طُوقت بدين هذا الرجل العظيم أوليس جديراً بها - إن كانت تحتفظ بإنسانيتها - أن تقابل الإحسان بالإحسان، وتسعى للبحث عنه ومعرفته، وكلنا يعرف أنّ أمثال هؤلاء الطاهرين ما جرى عليهم كل الذي جرى إلا سعياً منهم لهداية الخلق إلى ربهم وإنقاذهم من النار ؟!! ولكن إذا كان سيد المرسلين بل الخلق طرّاً صلم يحفظ له ذلك، ولم تراعى له حرمة في بضعته وروحه التي بين جنبيه (فاطمة ص) التي انتُهكتْ حرمة بيتها وأحرقت دارها وكُسر ضلعها واُسقط جنينها واقتيد بعلها، هذا والعهد قريب بأبيها المصطفى ص الذي يقول هو عن نفسه: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت) عناءً لهداية الخلق، ولم يحفظ لعلي ع وهو علي الذي أعدُّ من يصفه مثلي ذاماً له - والعياذ بالله - بعد قول رسول الله ص فيه: (يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت وما عرفك إلا الله وأنا)([573])، ورغم ذلك اضطره قومه إلى أن يقول بمرارة: (أنزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية)، وما كان الدهر لينزل كريماً على الله لولا إعراض أمته عنه بل اعتراضها عليه وسعيها لقتله، وأخيراً كان القائل: (فزت ورب الكعبة) لفراقه امة ما عرفت قدره ولا رعت حرمته. أمّا، وقد جرّ الحديث إلى مظلومية آل محمد ص فأجدني عاجزاً عن وصف ألمهم ومعاناتهم من أقوامهم وسادة المعترضين وملئهم في أزمانهم، وهي ليست بخافية على الجميع، ولو كان ما جرى للإمام الحسين ع وأهل بيته وصحبه فقط لكان عاراً على البشرية جمعاء فضلاً عن أمة تدعي الانتساب إلى جدهم ص فبين مقتول ومسموم حتى خلت بيوت الرسالة من أهلها، ورحم الله القائل: مررتُ على أبيـاتِ آلِ محمـدٍ *** فلم أرها أمثالها يـوم حلّـتِ ألمْ ترَ أنّ الأرضَ أضحتْ مريضةٌ *** لفقدِ حسـينٍ والبلادَ اقشعرتِ وإنّ قتيـلَ الطفِ من آلِ هاشمٍ *** أذلَّ رقابَ المسلمـينَ فذلّـتِ وكانوا رجـاءً ثم عادوا رزيـةً *** لقد عظُمتْ تلك الرزايا وجلَّتِ فللّه صبركم يا آل محمد، ويا لله من ألمكم وعنائكم ممن لم يرعَ لله فيكم حرمة ولا قدراً، وهذا قول الإمام المهدي ع عن قومه الذي فيه ما فيه من الألم والحسرة: (لا لأمره تعقلون ولا من أوليائه تقبلون حكمة بالغة فما تغني النذر). فإذا كان لكل هؤلاء الطاهرين لم يحفظ رد الإحسان ورعاية الحرمة والقدر، فكيف يحفظ لبرعمٍ طاهر منهم قدّر الله له أن يأتي هذا العالم لمهمة تحمّل الصلب بدل عيسى ع ويرجع من حيث أتى محتسباً، ولكننا نعرف جيداً أنّ ذرة عمل صالح لم تكن لتضيع عند رب كريم - لا من حيث استحقاق العبد لذلك كما علمنا آل محمد، بل لأنّ الرب سبحانه كريم بلا حد وغاية - فكيف بموقفٍ كهذا بألمه وعنائه وتضحيته وإخلاصه لله ؟! وها قد قدّر الله لهذا البرعم الطيب البعث من جديد، وبدل من أن يسعى الإنسان لحفظ أمانة الله المبتلي بحفظها وأداء حقها - اعني آل محمد -، وبدل من أن يتأمل فيما سمعه وقرأه مما جرى على خلفاء الله في أرضه بل سادة خلفائه ليعرف الله منه صدق النية والإخلاص في الطلب فينجيه من مرافقة قومٍ هم اليوم متهيئين لقتل آل محمد والاصطفاف مع السفياني، بدل ذلك كله نرى أنّ سنّة المعترضين تعاد من جديد أيضاً على قائم آل محمد، فكان إباحة دمه من قبل علماء الضلالة جزاءه، والتسقيط وتلفيق التهم لقتل الشخص والشخصية وهدم مساجده وحسينياته هبة القوم إليه، وقتل أنصاره وسجنهم وتشريدهم وتعذيبهم ما ادخروه له، وقد روينا بعض ما يتعلق بذلك فيما مضى. على أنّ ما يفعله القوم مع الحق وأهله وأنصارهم أمر مستمر وعداؤهم لا يقف عند حد، وفي كل مدة يأتينا الظالمون بجديد، وهو لا يخفى على كل احد حتى وإن أصرّ على عدم السماع أو أغمض عينيه عمداً، والله سائل كل من يسمع أو يرى ظلماً ولا يسعى لدفعه عن مظلوم، أي مظلوم، فكيف إذا كان سيد المظلومين اليوم من آل محمد، فقديماً فعلها أسلافكم، والخلف لم يخطئ سنة سلفه في التكبر والاعتراض، والله ناصر حججه وأوليائه، ومشيئته كائنة رغم أنوف المعترضين، والحمد لله رب العالمين. -استعجال العذاب: مع نقطة أخرى من نقاط وحدة المنهج الذي يعتمده المعترضون على خلفاء الله في أرضه عند إرسالهم وبها يضاف شاهد آخر على عدم تبدل سنن الله أو تحولها على طول مسيرة الاعتراض على حجج الله ورفضهم من قبل الأكثر من أقوامهم. فقد قالوا - والقائل في كل مرة سادة المعترضين وملئهم المحيط بهم، وأما الأتباع فهم مستحمرون دوماً ولا يعقلون شيئاً، بل هم دوماً أهل هذه الآية: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾([574]) كما أشرنا له سابقاً - لنوح ع: ﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([575]). واستعجل قوم هود ع العذاب فقالوا له: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([576]). ﴿.. فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([577]). وكذلك قوم صالح ع، فقالوا: ﴿... فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([578])، فأجابهم رأفة بهم: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([579]). واستعجل قوم لوط ع العذاب أيضاً: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([580]). وقوم شعيب ع: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([581]). وللمعترضين من قوم رسول الله محمد ص قول في تعجّل العذاب كسابقهم ممن اعترض على رسل الله: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾([582]). ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([583]). وفي حقيقة الأمر يبدو أنّ الأقوام المعترضة التي تعجلت العذاب من ربها بطلبه من رسله لا تعتقد بالحساب أصلاً حتى وإن تراءى لبعضهم أنه من أهل الإيمان بالله أو الإيمان بمن تقدم من حجج الله، فمن الواضح ليس كل المعترضين على خلفاء الله - حسب ظاهر حالهم، وقبل الامتحان بخليفة الهي جديد - هم من المنكرين والمعترضين، وهم على مستوى الادعاء يدعون الإيمان بالله وبرسله وبالمعاد، أقول: حسب الظاهر وقبل الامتحان، فالذين كفروا بهود ع - مثلاً - لم يكن كلهم قد كفر بنوح ع الذي أوصى به، بل على مستوى الادعاء يدعون الإيمان به وهم بصدد انتظار القائم من ولده (أي هود ع) كما أخبر، وكان ادعاء إيمانهم به لأنهم لم يكونوا قد امتحنوا به أصلاً، والادعاء سهل كما هو معروف. ولكن عند بعث هود ع ولأنهم أصبحوا على محك الامتحان بخليفة الله أنكروه واعترضوا عليه وتعجلوا العذاب منه، فكشف ذلك عن عدم إيمانهم بمن سبقه من حجج الله نوح ع ومن تقدمه، بل كشف عن كفرهم بالله وبرسله جميعاً وبمعاده وحسابه، ولذا في طلبهم للعذاب من رسل الله واستعجالهم في ذلك شاهد على الإنكار والكفر، وإلا هل عبد لله مَنْ لا يخاف ربه وعظيم حسابه وعقابه، فكيف يستعجله إذن ؟! ويبقى ما كانوا يدّعونه من إيمان مجرد ادعاء فارغ وكاذب، وقد كشف الامتحان عن بواطن ما تنطوي عليه النفوس وأظهر خفاياها. وكذلك الحال في أقوام تلت، فتعجلت العذاب من رسل الله بل أعادت طلبها وكررت، وكانت تفسّر إمهال الله لها رأفة ورحمة منه سبحانه رجاءً للتدارك والاتعاظ بتكذيب رسل الله وإلا لأتوهم بما طلبوه منهم، ولما كانت رحمة الرسل من رحمة المرسِل سبحانه كان جوابهم: ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وكم قال سيد رسل الله ص: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)([584]) في حين أنهم مصرّين على قول: ﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؟! يا سبحان الله. وكم هو جريء هذا الخلق المسكين الذي يطلب من ربه الذي يرسل له رحمته - فحججه رحمته بخلقه - ولكنه يصرّ على طلب صاعقةً من السماء، أو حجارة تنزل على رأسه منها، أو ريحاً صرصراً عاتية، أو طوفاناً وغرقاً، أو قلباً لعالي قريتهم سافلها أو ... أو ... من آيات العذاب القاهرة التي لا تبقي ولا تذر ؟! أولستم كنتم تستعجلون عذاب جبار السموات والأرض، فهذا ما كنتم تطلبون، وبه تستهزئون، وعند طلبه تضحكون، وبتأخيره عنكم عتواً وتكذيباً لخلفائه المبعوثين رحمة بكم تزدادون، إذن فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. قال تعالى: ﴿فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾([585]). وليس غريباً أن يصدر طلب استعجال العذاب ممن هو كافر أصلاً ويصرح بكفره أمام الجميع، ولكن العجيب أن يصدر مثل هذا الطلب ممن يدعي الإيمان بالله وبرسله وحججه، ورغم كل الذي حكاه كتاب الله وأهله الطاهرون من سنن الأنبياء والمرسلين مما تقدمت الإشارة إلى بعضه من كتاب الله ممن طلب استعجال العذاب من خلفاء الله من المعترضين، تصرّ هذه الأمة اليوم لما ابتليت بوصي من آل محمد - وهو اليماني الموعود الذي قال أهل البيت ص عن الملتوي عليه بأنه من أهل النار - والذي جاءنا كما ذكره الله ورسله وآباؤه الطاهرون، على طلب آية العذاب منه بل استعجال ذلك الطلب منه، وهم يعلمون جيداً انه طلب لم يصدر من مؤمن بالله قط منذ بعث الله آدم والى يومنا هذا ؟! وقد رأينا انه من سنن المعترضين على خلفاء الله في أرضه دائماً وأبداً. وهل تظن هذه الأمة - ومن يدعي التشيع منها لأهل البيت ص خصوصاً - بأنها أكرم عند الله من قوم هود ع الذين كفروا به واكتفوا بادعاء إيمانهم بنوح ع، فكذبوه واستهزؤوا به واستعجلوا العذاب منه ؟! إذن فلينتظروا مصير قوم هود. أو هل يعتقدون أنهم بوقوفهم على الـ (12 إماماً) من أوصياء محمد ص المذكورين في وصية رسول الله ص ليلة وفاته، وإنكارهم لـ (12 مهدياً) من أوصياء محمد ص أيضاً والوارد ذكرهم في نفس الوصية المقدسة، هل يعتقدون أنهم ينجون من عذاب الله ؟! ما هو حال من أنكر وصياً واحداً من آل محمد فما بالك بالذي ينكر اثني عشر وصياً مرة واحدة، وبإنكاره يكون قد أنكر كل حجج الله من أنبيائه ورسله وأوصيائهم جميعاً ؟! وهل حقاً ما زلتم تعتقدون بأنّ اليماني - كما يصرح بعض أدعياء العلم منكم - هو صاحب راية عسكرية وحاله حال بقية أصحاب الرايات من القادة العسكريين، هذا وانتم تقرؤون في نفس الرواية بأنه يدعو إلى (صاحبكم) وأنّ الملتوي عليه من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق والى طريق مستقيم، فهل تأملتم ذلك فعلاً ؟! أشك في ذلك؛ لأني أعرف أنّ المتأمل يقف عند قول إمامه الذي لا ينطق عن الهوى، وإذا كان كذلك فحتماً ستستوقفه (النار) التي تكون مصير الملتوي عليه، و (الجنة) التي تكون مصير من يقبل دعوته فإنها بالتأكيد - بفضل الله - خاتمة الطريق المستقيم الذي يدعو إليه اليماني مطلقاً في كل أقواله وأفعاله، فاليماني إذن قسيم بين الجنة والنار تماماً كجده أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين المعصومين، كما هو حال خلفاء الله في أرضه أيضاً عند بعثهم لما يكون مصير المعترض عليهم النار والمؤمن بهم الجنة، ورسول الإمام المهدي ع ليس بدعاً من حجج الله ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ ..﴾([586])، أو تنتظرون حجة على الخلق وقسيماً بين الجنة والنار ممهداً للإمام وداعياً إليه من غير آل محمد، والله تعالى يقول: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([587]). فهلّا تنظرون حالكم المزري وإلى أين يصار بكم وأنتم تدعون ولاية لآل محمد ؟! فها قد جاءكم بما قاله محمد واله الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين، ولكن أبيتم إلا قول ما قاله المعترضون على خلفاء الله في أرضه وطلب ما طلبوا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. -طلب آية (المعجزة): وليس بعيداً عن سنة المعترضين في استعجال العذاب والتي توحدهم في اعتراضهم على خلفاء الله في أرضه كما توضح ذلك، فانّ طلب المعجزة من غير ما أتى به الرسل أمر آخر عليه يتوحدون وبه يستنون في اعتراضهم على الحجج الإلهية أيضاً. وهو وإن كان يرتبط بمحاججتهم بالباطل الآتي بحثها في النقطة التالية، ولكن افرد هنا بالبحث لأهميته وكثرة ما يسمع من المعترضين اليوم من طلب المعجزة أولاً وقبل كل شيء دليلاً للتصديق، وإلا الإصرار على موقف الاعتراض والإنكار ولو جاء الداعي بكل حجج الله وخلفائه. وواضح أنّ طلباً كهذا يراد له أن يكون منهجاً في التعرف على حجج الله لابد لمدّعيه من إقامة الدليل القاطع عليه من الكتاب الكريم وعدله فإنهما الثقلان اللذان أوصى بهما رسول الله ص الخلق وضمن لهم عدم الضلال أبداً، ذلك باعتبار حساسية هذه النقطة وأهميتها، كيف وهي مصير الإنسان كله وعليها يتوقف إيمانه أو كفره وجنته أو ناره. وفي حقيقة الأمر ليس فقط لا دليل لديهم على طلبهم هذا - وإلا لبيّنوه ولما اكتفوا بطلبٍ أضحوا فيه قوماً شابهوا من سبقهم من المعترضين - بل الدليل القاطع على خلافه، بل إنّ طلب (آية) من غير آيات خلفاء الله وبيناتهم التي أرسلوا بها إلى أقوامهم ورفض ما جاءوا به هي سنّة لأقوام اعترضت على ربها في خلفائه وأصرّت على إنكارهم، فكان من مصيرهم ما حدثنا الله سبحانه عنه في كتابه الكريم. إذن، فلنسمع أولاً لكتاب الله وهو يتحدث عن رسل الله لما يبعثون بالبينات التي يريدها الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ ...﴾([588]). وهذه الآيات والبينات التي يأتي بها الرسل أقوامهم هي آيات المرسِل سبحانه، ولذا ينسب ربهم الآيات إليه: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾([589]). ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([590]) . وفي آيات الله التي يأتي بها رسله ذكرى لعبد صابر وشكور ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾([591]). وكل الرسل كذلك، فهم يأتون أقوامهم بآيات الله وبيانته قبل الطلب، وهي وحي لرسله ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾([592]). وإحدى آيات الله وبيناته المرسل بها رسله شهادته سبحانه لهم بالحق: ﴿... وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾([593]). كما أن التزكية وتعليم الكتاب والحكمة آية أخرى من آياته التي يرسل بها رسله سبحانه: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾([594]). ولابد أن تبقى مساحة للإيمان بالغيب ([595]) حتى بعد إرسال الله الرسل بآياته البينة، تلك هي سنته سبحانه في طلب الإيمان بالغيب من خلقه ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ... وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([596]). فهو لا يريد من العبد إيماناً قهرياً - والذي يحصل بالمعجزة القاهرة على الإيمان - ولا يقبل مثل هكذا إيمان كالذي حصل لفرعون من إيمان. قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، فقد أعلن إيمانه وإسلامه، ولكنه سبحانه لم يقبله ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾([597]). فما الذي كان قد عصاه فرعون، وما هو إيمانه الذي لم يقبله الله تعالى ؟ أما معصية فرعون فهو تكذيبه بآيات الله التي جاء بها موسى ع محتجاً على فرعون وملئه وقومه، ولكنه أبى إلا الصد والجحود والكفر، بل استقبالها بالضحك والاستهزاء ﴿فَلَمَّا جَاءهُم - أي موسى ع - بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ حتى وصل به الحال إلى أن يتبع موسى ع ومن آمن به ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً﴾، ولما رآهم قد تجاوزوا البحر ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ﴾ وقد فلقه الله لهم بضربة موسى له بعصاه أراد أن يتبعهم بجيشه فنزل البحر، فلما أدركه الغرق أعلن إيمانه برب موسى ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، أي إنه إيمان بعد رؤيته للمعجزة القاهرة التي تلجئه إلى الإيمان بالله ولا تبقي للإيمان بالغيب مساحة أبداً، والآيات التي كانت تبقي للغيب مساحة أتى بها موسىع من قبل ولكنهم كفروا بها واستخفوا، فماذا بقي غير الهلاك من خلال آية ومعجزة قاهرة. فهل يكون ذلك درساً - وأي درسٍ - لقوم يعقلون اليوم ويخافون ربهم ويكفّوا عن طلبهم من داعي الله أحمد الحسن ع أن يأتيهم بآية قاهرة تلجئهم إلى الإيمان قهراً وإلجاءً كالذي انتظره فرعون من موسى ع، فأين الإيمان بالله، وأين امتحانه لكم، ليظهر من خلقه لخلقه - وإلا فحقائق الأشياء كلها بيده سبحانه - مقدار إيمانهم بآياته وغيبه أو كفرهم بها واستهزائهم، كالذي يحصل من الأمة اليوم في استقبالها لآيات الله التي أرسل بها حجته ؟! والله سبحانه يريد من خلقه أن يتعظوا بما فعل فرعون، وأن لا يكرروا طلبه وينتهجوا نهجه، وإلا فيكون مصيرهم مصيره، فلا تغفلوا عن ذلك يرحمكم الله. قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾([598]). ثم لو نظرنا إلى بعض ما يطلب المعجزة اليوم نجده من كبراء القوم وممّن يدعي علماً بدين الله، يطلب ذلك وهو يقرأ قوله تعالى لحبيبه وسيد رسله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾([599]). وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾([600]). وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾([601]). وفي الحقيقة هم مستهزئون حتى وهم يطلبوا ما طلبه فرعون، وإلا بماذا يفسر الكوراني - وهو يدّعي التخصص في قضية الإمام المهدي ع - طلبه من السيد أحمد الحسن ع أن يحوّل لحيته البيضاء إلى سوداء ؟! واليعقوبي - أحد أدعياء العلم في النجف - يضمر شيئين في نفسه ويطلب من داعي الحق أن يجيبه عليهما ؟! وهكذا، في حين أنّ ما جاءهم به السيد أحمد الحسنع هو آيات بينات كما جاء بها الحجج الإلهية أقوامهم، وصية وعلم وحكمة وراية البيعة لله وخلق وعشرات بل مئات من الروايات التي وصفته في غاية الدقة، وحلّه لمتشابه القران والدين وإجابته عن عظائم الأمور التي جعلها آل محمد ص إحدى علامات التعرف على داعي الحق من ولدهم، فهل يعتبر الكوراني سواد لحيته واليعقوبي لحزورته من عظائم الأمور التي يتوقف عليها الإيمان والكفر، وبها يعرف حجة الله ؟! لا والله، ما قدروا الله حق قدره ولا رعوا حرمة لآياته وبيناته، وإلا فأين فائدة علم الرسل وحكمتهم، وأين ذهبت كتب الله وتزكيته التي يأتي بها الرسل، وأين هو موضع قانونه في حججه لما حكاه في كتابه وهو يجعل آدم ع خليفة له، وأراده سبحانه أن يكون درساً لكل طلاب الحقيقة في كيفية التعرف على خلفائه في أرضه، أين ذهب كل هذا حتى تقترحوا مناهج السحرة والشياطين سبيلاً للتعرف على حجج الله ؟! والله لو كان فرعون (لعنه الله) حياً لتعجب من طلبكم، ولأذهله جرأتكم في مسير التعرف على حجج الله ؟! أبهذا تعرف حجة الله يا مدعي التخصص ؟!! ولكنها سنة الله في المعترضين الواحدة في القول والفعل والمنهج بل في كل تفاصيلها، يأتي حجج الله بآيات الهداية دليلاً وحجة، فيرفضها المعترضون ويطلبون آيات غيرها منّتهم بها أنفسهم وشياطينهم. ثم إنّ ما يأتي به الرسل والحجج من آيات وبينات هي في الحقيقة كلها آيات معجزة للغير عن الإتيان بمثلها، فمَنْ غير الحجج يستطيع أن يأتي بوصية من الحجج السابقين عليه تذكره باسمه وصفته ؟ ومن منهم يستطيع أن يأتي بحكمة الرسل وعلمهم بالكتاب والتزكية ؟ ومن غيرهم يستطيع أن يأتي بشهادة من الله على صدقه فيقف الملكوت كله مؤيداً وناصراً ؟ وهكذا في كل آياتهم التي يأتون بها، وهي كلها معاجز كما نلاحظ. ولكن المعترضين في الحقيقة - وليس بدعاً منهم المعترضون اليوم - في طلبهم للآية (من غير ما أتى به الرسل) ليس هو شوقاً منهم للتعرف على آيات الله، كيف وطلبهم هذا لم يطلبه مؤمن بالله أبداً، بقدر ما هو استعجال للعذاب بطلب الآية القاهرة والملجئة التي تكون مع العذاب قريناً كما عرفنا. وإلا فهل قليل ما أتى به الرسل من آيات الله وبينات الهدى، فماذا يطلبون إذن بعد آيات الهداية من آيات ؟ لم يبقَ إلا آية العذاب، وهي قصدهم لما يطلقوا لفظ المعجزة ويقولوا: فليأتنا بمعجزة، فليأتنا بمعجزة. وهذا تلخيص ما مر بعبارة موجزة: المعجز هو ما يعجز البشر العادي أن يأتي بمثله. المعجزة آية، وآيات الله التي بعث بها الحجج كلها معاجز، ولكنهم في الحقيقة يطلبوا آية عذاب. هم يطلبون آية قاهرة ملجئة لا قيمة للامتحان بعدها، ولا مساحة للإيمان بالغيب بعدها، ومثل هذا غير مقبول عند الله. هم يطلبون ما لا ينفع الإيمان بعده، وفي الحقيقة هم يطلبون آية لهلاكهم. هم يطلبون آية تنقلهم مباشرة للنتيجة، والحال أنه - وبرحمته سبحانه - لابد من آيات للهداية قبل ذلك ويكون ما يطلبونه نتيجة حتمية للتكذيب بها، فهم في الحقيقة يستعجلون آيات العذاب قبل آيات الهداية، فكأنهم يقولون لربهم: آتنا بنتيجة كفرنا الآن، ولا تطيل معنا، وأبدل رحمتك علينا غضباً في الحال. هم في الحقيقة يريدون رفع ما لأجله كلفهم ربهم من بين المخلوقات وهو التعقل الذي يعبد به الرحمن ويكتسب الجنان، فإنّ الله سبحانه ميز الإنسان بتعقله لآيات الله، والآيات القاهرة والتي لا ينفع الإيمان بعدها تسلب هذه الخصيصة من الإنسان الذي اختصّ بالتكليف لأجلها. وأخيراً: هم ينتظرون (بعض آيات ربك) في قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾([602]). عن أبي عبد الله ع أنه قال: (الآيات: الأئمة، والآية المنتظرة: القائم ع، فيومئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدم من آبائه ص)([603])، والقوم اليوم ينتظرون مجيء ما لا ينفع الإيمان عند حصوله. وعن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، في قوله: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها﴾، قال: (طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، والدخان، والرجل يكون مصراً ولم يعمل عمل الإيمان، ثم تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه) ([604]). وإذا كانت هذه الأمة تنتظر الدخان وهو عذاب كما هو واضح، فهل عذّب الله أقوام سبقتكم من دون أن يبعث فيهم رسولاً ينذرهم ؟ قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾([605])، وقبل الدخان الذي تنتظره هذه الأمة من هو الرسول الذي يكون الدخان وغيره عذاباً وجزاءً لأمة كذّبته وكفرت به ؟! ورغم كل الآيات والبينات التي جاء بها - وقد تقدم بيان بعضها - أبى القوم إلا تكذيبه، فكان حاله حال من سبقه من حجج الله من استقبال القوم لهم بالاعتراض والتكذيب، لا لشيء إلا لأنهم يأتون أقوامهم بما لا تشتهي أنفسهم ﴿وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ﴾([606]). ولكن الحق لا يتبع أهواء الذين كفروا ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾([607]). والحمد لله رب العالمين. -المحاججة والمجادلة بالباطل: ومما يجمع المعترضين على خلفاء الله - صلوات ربي عليهم أجمعين - في الاعتراض هو محاججتهم بالباطل، فكان من طريقتهم مقابلة حجة الرسل الدامغة بباطل لا أساس يستند إليه ولا مرتكز يعتمد عليه بل فقط سعي حثيث لرد البينات الواضحة لحجج الله كيفما كان ولو بجدال عقيم وتهريج لا نظير له، ذلك هو أحد مفردات منهج المعترضين الذي يلتقون ويتوحدون عليه، وهو واضح لمن تأمل بعض أقوالهم وأفعالهم فيما مر من آيات كريمة. وهذه المفردة في المنهج كان من حقها التقدم ولكن في تأخيرها غرض التفصيل أكثر؛ لأنها تمس واقع المعترضين اليوم بالصميم، ويمكن ملاحظتها عند المعترضين على خلفاء الله عموماً من خلال أجوبتهم الصادرة عند بيان الرسل حجتهم على أقوامهم، فيأتي الاعتراض والرد على كل خليفة بصورة: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، أجئتنا لتصرفنا عما كانوا يعبدون، ما بال القرون الأولى. ما اتبعك إلا أراذلنا ومن لا فضل لهم والضعفاء من قومنا. إنما أنت بشر مثلنا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. ضعيف الحجة بل لم تأتِ ببينة وكل ما أتيت به ما هو إلا أساطير الأولين، ثم: لست بفصيح ولا نفقه كثيراً مما تقول، ولم نسمع بشيء جديد منك، بل بإمكاننا أن نقول مثل قولك. إذا كان ربك يحي ويميت فانا اُحي واُميت مثله، نحن أكثر أموالاً وأولاداً، ما نحن بعذبين، وأمثال ذلك من رفض الحجة بالباطل. إنا بما أرسلتم به كافرون، وعليه فنحن من يقرر من يأتي حجة وخليفة لله: (لو كان الخليفة ملكاً لا بشراً، لو كان فلاناً هو الخليفة فينزل عليه ما نزل عليك، لولا أنزل على رجل من القريتين عظيم، لو كنت أنا الخليفة لا أنت ومن أنت حتى تكون). أو نحن من يقرر ويقترح ما تأتون به من أدلة لا ربكم الذي أرسلكم: (لو اقترن في دعوته بملك ينذرنا معه، لو تفجر لنا من الأرض ينبوعاً، لو تكون لك جنة من نخيل وعنب وأنهار أو يكون لك كنز، لو تسقط السماء علينا كسفاً، لو تأتي لنا بالله وملائكته، لو يكون لك بيت من زخرف، لو ترقى في السماء وتأتينا بكتاب نقرؤه، لو تمطر السماء حجارة، لو أنزل عليه آيات أو آية، لو ... لو ...، وأمثال ذلك مما قاله المعترضون في هذا الاتجاه أيضاً، كان هذا الإجمال واليك التفصيل: -أولاً: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .. وما يلحقه فقد قال قوم نوح اعتراضاً عليه: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ... ما سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾([608]). واعترض قوم هود فـ ﴿قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ...﴾([609]). ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا ..﴾([610]). وقوم صالح: ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ .. أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ..﴾([611]). واعترض قوم إبراهيم عليه ع لما دعاهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ ..﴾([612])، ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾([613]). وعلى شعيب ع اعترضوا بنفس الاعتراض: ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ..﴾([614]). واحتج قوم موسى في رفضهم البينات التي جاء بها موسى ع بما كان عليه آباؤهم أيضاً: ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا .. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾([615]). ﴿قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ...﴾([616]). ويسأل فرعون عن مصير القرون الأولى وكأنه حريص على هدايتهم ومآلهم وهو إمام الكفر والضلال ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾([617]). وكان لحبيب الله محمد ص نصيبه من هذا الاعتراض من قومه، فقالوا لما دعاهم إلى الله سبحانه: ﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ...﴾([618]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ..﴾([619]). ﴿... أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾([620]). ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾([621]). إنها المحاججة والمجادلة بالباطل إذن تلك التي انتهجها المعترضون عند ذكر ما كان عليه آباؤهم في عبادتهم الآلهة والأصنام التي كانوا ينحتونها بأيديهم، أوَ لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، ومسكين هو ذلك الإله المعبود الذي تأتيه الكلاب بعد مفارقتهم إياه فتبول عليه، وفي ذلك كان لشعراء جاهليتهم صولات من ليالي السهر الماجنة في قصور المعترضين. على أنه ليس الصنم وحده من يُنحت فيعبد من دون الله، فإنّ تقديس القوم - أيُّ قومٍ - لعلمائهم غير العاملين وإطاعتهم وإتباعهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله يُعدّ في عرف الطاهرين ص نحتٌ لهم بصورة الأصنام التي تعبد من دون الله أيضاً. ولهذا ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع قال: قلت له: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ﴾([622]) ؟ فقال: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون) ([623]). وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع في قول الله (: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ﴾ فقال: (والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فاتبعوهم) ([624]). على هذا، ولأنّ سنّة الله في المعترضين على خلفائه في أرضه واحدة، لم تعدو إجابة القوم اليوم لخليفة الله (السيد أحمد الحسن ع) إجابة أسلافهم، فيعترض البعض بأنه لم يكن قد سمع بهذا في ملة آبائه الأولين، وآخر بأنه يريد صرفنا عما كان يفعله آباؤنا، وثالث يفكر بحال الأمة قبل مجيء اليماني وبعثته، وهكذا. وشاء الله أن يذكرنا الثالث بقول فرعون: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾، والثاني بقول من قال: ﴿مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾، والقوم لا إشكال في وصفهم - بما هم عليه اليوم - بأنهم عابدون لعلمائهم بعد إتباعهم لهم وهم يحرمون ما احل الله ويحللون حرامه، ولو كان تشريعهم لديمقراطية أمريكا فقط - والانتخابات كما هو معلوم على النقيض تماماً من حاكمية الله وهي أساس الدين وشعار المرسلين - لكفى في إثبات هذه الحقيقة بعيداً عن كل ما أحدثوه في جوانب الدين المختلفة، وغضاً للنظر عن كل الجوانب الأخلاقية وما يرتبط بالسيرة والتمييز والظلم وأكل مال اليتيم. فتقليدهم وإتباعهم ما هو إلا عبارة عن عبادتهم بعد كل الذي فعلوا في دين الله، فالاعتراض على داعي الله بباطل تناجوه بينهم مفاده: (ما هذا إلا رجل يريد صرفكم عن تقليد علمائكم وقد فعله آباؤكم) ؟! ما هو إلا تعبير آخر لقول من سبقهم من المعترضين: ﴿مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾، فهلا نظرتم حالكم، والى أين أوصلكم ساداتكم ؟! كما أن صاحب القول الأول يعيد لنا مشاهد احتجاج المعترضين على خلفاء الله، فكم قيل لهم بعد دعوة أقوامهم إلى الحق والهدى ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾، والآيات قريبة عهد فراجعوها يرحمكم الله لينظر كل منا حاله واصطفافه، أمع الحق بلطف الله التحق وتحت رايته اهتدى، أم مع الباطل ما زال يئن من قبحه ونتنه ونجاسته، ولا تجعلوا ما كان عليه آباءكم عذراً تعتذرون به عن نصرة الحق بعد وضوح آياته وسطوع بيناته، فقد هلكت أقوام قبلكم بهذا العذر. قال تعالى: ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾([625]). فإياكم والاستنتان بسنتهم، قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ( قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾([626]). وليس بعيداً عن ذلك ما قاله القوم أيضاً لأحمد الحسن ع في محاججتهم بباطل ما فارقوه يوماً لما أعابوا عليه أنّ أنصاره مستضعفون وهم أراذل في نظر القوم وبسطاء ليس فيهم من هو في نظرهم وجيهاً أو ذو مال وسلطان وأمثال ذلك، وها هي سنة من سبقهم من المعترضين تشترك معهم في المنهج أيضاً، كما سنسمعه الآن. -ثانياً: ما اتبعك إلا أراذلنا وهو ما قاله المعترضون لنوح ع لما دعاهم إلى الله سبحانه: ﴿.. وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾([627]). وأيضاً: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾([628]). ولأنّ المعترضين متكبرون دائماً فينظرون إلى أتباع خلفاء الله الذين لا يريدون علواً في الأرض بأنهم أراذل ولا قيمة اجتماعية لهم، أو هم بتعبير القوم - عن أنصار الإمام المهدي ع ممن اتبع السيد أحمد الحسن - أناس سذج وبسطاء ولا علم لهم ولم يدرسوا في مقاهي الباطل التي تدرس فنون الجدال وأمثاله، والحال أنّ فيهم من شتى صنوف المجتمع وبمستوياته المتعددة التي نجبر بعض الأحيان على بيانها، أقول نجبر لأنّ مقياس التفاضل بين بني البشر هو مقدار تقوى العبد لا غير (إن أكرمكم عند الله اتقاكم). وأما ما يطلبه المعترضون اليوم من صفة ينتظرونها في الأنصار فهي صفات يجدونها في المعترضين على خلفاء الله السابقين لا غير، فالشهرة والجاه والمال والأتباع والمكر وفنون الجدل والكلام والتمنطق والفلسفة وما شابه لم يتحلَ بها إلا فرعون ونمرود وقارون وأبو جهل ومعاوية وشريح والمأمون وأشباههم في كل زمن وأتباعهم الذين لم يميزوا بين نور الأولياء وظلمة المعترضين، وإلا لتفطنوا إلى أنّ مقولاتهم اليوم - وهذا النوع من الاحتجاج بالباطل لدفع الحق عموماً - قد قاله سادة المعترضين والملأ وأتباعهم لخلفاء الله وأنصارهم لما بعثوا، وليس ما قيل عمن آمن برسول الله من قومه من قبل طغاة قريش ومن وافقهم في الاعتراض على رسول الله ص ببعيد عمن يدعي الاقتداء برسول الله ص والإيمان به؟! ولو كان الأمر كما يدعون فما بالهم يكررون ما قاله أبو جهل وأبو سفيان وأبو لهب وأشباههم عن عمار وبلال وأبي ذر طعناً في حجة رسول الله ص لما دعاهم إلى الهدى ؟! نعم، هم يكررونه حرفياً ولكن هذه المرة على من آمن بقائم آل محمد ع الذي جاء قومه بما جاء به جده المصطفى ص كما سمعنا في قانون معرفة حججه سبحانه، ولأنّ فيه سنّة من جده ص ولأنّ ما يلاقيه اشد مما لاقاه جده من قومه عند إرساله كما عرفنا من كلام الطاهرين، كان كل الذي كان اليوم في حرب شرار خلق الله للقائم ع، ولم يخطئوا أبداً ما ذكره الطاهرون من وصف للمعترضين على بقيتهم وقائمهم ومَن وصف بأنّ الالتواء عليه يوجب النار ولو عبد الملتوي ما عبد، فإنّ الله يريد أن يطاع من حيث هو أراد سبحانه لا من حيث ما يتراءى لعبده، فقد يزين الشيطان والهوى لعبد شيئاً فيريد عبادة الله من خلاله والله يبغضه أيما بغض ويوجب النار عليه، ولنا في رفض سجود إبليس (لعنه الله) لخليفته وطلبه السجود لله مباشرة عظة وعبرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إنّ هذا النوع من المحاججة بالباطل الذي يتوحّد عليه المعترضون نجد له شاهداً أيضاً لدى المعترضين من قوم الرسل لما يدعون أقوامهم فيكون جوابهم: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾([629]). (أي الفريقين خير مقاماً) ؟ مستضعف مجهول القدر، فقير، لا جاه ولا أتباع ولا مال ولا ... ولا ... ولا ...، بل يعدّه القوم من الأراذل ؟ أو معروف عند الناس يتبعه الملايين وعنده الآلة المادية من ملأ ووسائل إعلامية ومال وسلطان وقصور ووكلاء وشركات وغير ذلك ؟! وأيهم (أحسن ندياً) ؟ مجالسة من إذا حضر مجلس لا يُسأل وإذا غاب لا يفتقد ولا يحسب له حساب وان كلمته فلا مجال إلا للنصيحة الثقيلة والملل من الدنيا وأهلها وظلمها إن أحسن الحديث وإلا الصمت فقط وكانت العظة منه بخلقه وفعله، أو مجالسة من يحضر مجلسه أهل الكلام والمنطق وإجادة سمر الحديث وفاكهته ومن يدعي العلم والتجار والأغنياء، مجلس تقدم فيه أنواع المشروبات والأطعمة - والهدايا بشرط الحضور - وتلقى فيه شتى صنوف الحديث - إلا ذكر الله - ولا تكاد تستقر في الأرض لحظة لكثرة القيام لاستقبال الداخلين فإنهم من أهل القدر في نظر صاحب المقام ومن يستحقون القيام ترحيباً بل الانحناء كل بحسب عائلته ولباسه وتعداد المرافقين له وكبر عمامته وما شابه ذلك من مقياس إبليس في التفاضل ؟! فمن بربكم عند القوم اليوم خير مقاماً وأحسن ندياً ؟ هل يشك أحد في أنه الثاني في نظر أهل الدنيا وطلابها وهم الأكثر دائماً، نعم الغني المتكبر المتبوع هو خير مقاماً حتى وان كان الفقير المستضعف مؤمن بآيات الله ومصدق بكلماته وغيبه، وحتى وإن كان المتبوع كافراً ومستهزئاً بها. وهو أحسن ندياً وإن خلا مجلسه من ذكر الله وأهله، ومجرد كون الفقير مؤمن بآيات الله ويلبي نداء حججه إذا ما سمع مسرعاً لا يرفع عنه تهمة كونه من (الأراذل) التي يعيّر بها أنصار خلفاء الله دفعاً عن الإيمان بحجة الله، ويبقى لا يزوج إذا خطب ولا يُسأل إذا حضر ولا يفتقد إذا غاب ووو ... ولا يصدق إذا آمن أيضاً. ولهذا ليس صدفة أن نسمع في تفسير هذه الآية وما يليها ما يتعلق بالقائم ع والمعترضين عليه: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، في قول الله (: ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾، قال: (كان رسول الله ص دعا قريشاً إلى ولايتنا فنفروا وأنكروا، ﴿قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من قريش ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ الذين أقروا لأمير المؤمنين ع ولنا أهل البيت: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ تعييراً منهم، فقال الله رداً عليهم: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ من الأمم السالفة ﴿هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً﴾). قلت: قوله: ﴿قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا﴾؟ قال: (كلهم كانوا في الضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين ع ولا بولايتنا، فكانوا ضالين مضلين، فيمد لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتى يموتوا، فيصيرهم شراً مكاناً وأضعف جنداً). قلت: قوله: ﴿حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً﴾؟ قال: (أما قوله: ﴿حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ﴾ فهو خروج القائم ع، والساعة، فسيعلمون ذلك اليوم، وما نزل بهم من الله على يدي وليه، فذلك قوله: ﴿مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً - يعني عند القائم ع - وَأَضْعَفُ جُنْداً﴾). قلت: قوله: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً﴾؟ قال: (يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى بإتباعهم القائم ع حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه) ([630]). وإذا كان رسول الله ص قد دعا قومه إلى ولاية علي وولده ص، فإنّ القائم ع يدعو قومه أيضاً إلى ولاية آبائه الطاهرين ص، فإنّ المهديين ص - وتحديداً أولهم ع لأنّ كلامنا فيه - قد وصفهم أهل البيت ص بأنهم: (يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا)([631])، وتعيير قريش رسول الله ص بقومه لم تشذ عنه اليوم أمة اعترضت على القائم ع كما اعترضت قريش على رسول الله ص وقوم نوح على نوح ع وباقي أقوام الأنبياء والأوصياء على حجج الله ، وبنفس الاعتراض أيضاً. (إن اتبعوكم إلا أراذلنا، ليسوا بخير مقاماً، ولا أحسن ندياً، بسطاء، سذج، ليسوا من أهل التخصص في علوم الحوزة، ليسوا بمعروفين، مَنْ هم ولم نسمع بهم ...) وما يرادفه من مصطلحات المعترضين في التصغير والتسفيه كل بحسب لغته وعصره، أليست كلها ذات مضمون واحد ؟؟ ومكابر من يحاول إنكار هذه الحقيقة، وإلا الجدال بالباطل الذي لا يسكت صاحبه حتى وهو يقاد إلى جهنم بعد حكم الله العدل فيه. بل لا مجال إلا للحكم بأنّ مطلقي هذه الأقوال اليوم هم معترضون على خلفاء الله قطعاً بعد معرفة أنّ إطلاقها هو منهج للمعترضين فيمن سبقهم من أسلافهم، وأنّ من تطلق عليهم هم أنصار الأنبياء والأوصياء، وكيف لنا أن نتردد في ذلك وسنّة الله في المعترضين على خلفائه واحدة لا تتبدل بنص قوله سبحانه، وحاشى خلفاء الله وأنصارهم من إطلاق مثل ذلك على غيرهم، وهم - أعني حجج الله - فيهم من لا يرى نفسه أفضل عند الله من كلب أجرب، بل فيهم من لم يخطر بباله ذلك، وأكيد أنّ من لا يخطر في باله ذلك لا يكون في منهج تربيته لأنصاره ما يجعلهم يسمون غيرهم بما ذكر من أوصاف وهم يدعوهم إلى الحق، ولا يبقى إلا أنّ يكون من أطلقها سابقاً أطلقها معترضاً بوجه أنصار الأنبياء تعييراً لهم، وأنّ من يطلقها اليوم يطلقها معترضاً على خليفة الله وأنصاره تعييراً لهم أيضاً. وهنا يمتاز الخطان لا محالة، خط القائم ع وهو خط الساجدين لله سبحانه وهو الأضعف جنداً في نظر المعترضين، وخط المعترضين وهم الأضعف جنداً في نظر الله سبحانه وخلفائه، وعما قريب سيعلم الظالمون آل محمد ص حقهم من هو خير مقاماً عند الله ومن أحسن ندياً، ومن شرٌّ مكاناً وأضعف جنداً. وإلى كل من يتهم أنصار بقية آل محمد ع ويصفهم بما وصف به المعترضون أنصار الأنبياء هذا الحديث لعلنا جميعاً نتأمل ما فيه ونرى حالنا منه: عن أبي عبد الله ع أنه دخل عليه بعض أصحابه فقال له: (جعلت فداك إني والله أحبك وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم ؟ فقال له: اذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال أبو عبد الله ع: أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا غالياً، ولا يخاصم لنا والياً، ولا يجالس لنا عائباً، ولا يحدث لنا ثالباً، ولا يحب لنا مبغضاً، ولا يبغض لنا محباً. فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون ؟ فقال: فيهم التمييز وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيوف تقتلهم، واختلاف تبددهم، إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعاً. قلت: جعلت فداك، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة ؟ فقال: اطلبهم في أطراف الأرض أولئك الخشن عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون، وفي قبورهم يتزاورون، ولا يختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان)([632]). فمن منكم فيه ما ذكره الإمام ع من صفات لشيعتهم لتحكموا علينا عبر فتاوى أصدرتموها بأهوائكم بأنا عن الشيعة خارجون، وتتهمونا بأنا أراذل القوم وسذاجهم، ولسنا بمنزعجين من ذلك أبداً وقد رأيناه سمة أنصار خلفاء الله، ولكنها حسرة نبديها على أتباع يسيرون خلفكم وأنتم توردونهم الهاوية. وإن كانت أيديكم مما ذكره الإمام من صفات لشيعتهم خالية - وهو الحق - فإنّا منكم بريئون لعدم اتصافكم بما حدّه أهل البيت ص وصفاً لشيعتهم، فرفقاً بأنفسكم وأنتم تقرؤون عن الإمام الصادق ع قوله: (إن ممن ينتحل هذا الأمر لمن هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا) ([633]). وإليكم وصف حالكم أيها المتكبرون على عباد الله، المبغضون من أطاع الله سبحانه في حججه بنص من لا ينطق عن الهوى ص. عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: سمعت النبي ص يقول وأقبل على أسامة بن زيد فقال: (يا أسامة، عليك بطريق الحق، وإياك أن تختلج دونه بزهرة رغبات الدنيا، وغضارة نعيمها، وبائد سرورها، وزائل عيشها، إلى أن قال ص: ألا ولا تقوم الساعة حتى يبغض الناس من أطاع الله، ويحبون من عصى الله، فقال عمر: يا رسول الله، والناس يومئذ على الإسلام ! قال: وأين الإسلام يومئذ يا عمر ! المسلم يومئذ كالغريب الشريد، ذاك الزمان يذهب فيه الإسلام ولا يبقى إلا اسمه، ويندرس فيه القرآن ولا يبقى إلا رسمه، فقال عمر: يا رسول الله، وفيما يكذبون من أطاع الله ويطردونهم ويعذبونهم ؟ فقال: يا عمر، تركوا القوم الطريق، وركنوا إلى الدنيا، ورفضوا الآخرة، وأكلوا الطيبات، ولبسوا الثياب المزينات، وخدمهم أبناء فارس والروم، فهم يغتدون في طيب الطعام، ولذيذ الشراب، وذكي الريح، ومشيد البنيان، ومزخرف البيوت، ومنجدة المجالس، ويتبرج الرجل منهم كما تبرج المرأة لزوجها، وتتبرج النساء بالحلي والحلل المزينة، زيهم يومئذٍ زي الملوك الجبابرة، يتباهون بالجاه واللباس، وأولياء الله عليهم العباء شاحبة ألوانهم من السهر، ومنحنية أصلابهم من القيام، قد لصقت [بطونهم] بظهورهم من طول الصيام. إلى أن قال: فإذا تكلم منهم متكلم بحق أو تفوه بصدق، قيل له: اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلالة، يتأولون كتاب الله على غير تأويله ويقولون: ﴿مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾([634])، الخبر. وهل يشك أحد أن ما ذكره رسول الله ص هو وصفكم اليوم تماماً، كما أنه حالكم الذي لا يخفى على عبدٍ أطاع ربه وخالقه في حججه وخلفائه، والحمد لله الذي هدانا للحق الذي خلقنا له بفضله ومنّه، أما انتم فضيعتم ربكم الذي خلقكم فتكبرتم على حججه ووسمتم شيعتهم بما قاله الجاحدون المعترضون على خلفاء الله في كل زمان، وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح، والحمد لله رب العالمين. -ثالثاً: إنما أنت بشر مثلنا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فقرة ثالثة من فقرات محاججة المعترضين بالباطل هي إجابة خلفاء الله بأنكم بشر مثلنا، وهو قول يستحق هو الآخر أن يضاف إلى ما يوحد المعترضين على خلفاء الله في منهجهم لاشتراكهم في قوله لهم. قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ..﴾([635]). وواضح أنّ ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ هو قول كل الناس الذين ما أن يأتيهم ذكر من ربهم إلا وكان حالهم ما وصفته الآية الكريمة. ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً﴾([636]). فانه الآخر يشير إلى أنّ المعترضين على خلفاء الله جميعاً يعدون بشرية حجج الله مانعاً عن الإيمان بهم. وقال قوم من المعترضين لرسلهم لما أرسلوا إليهم: ﴿.. مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾([637]). ومن هذا المنطلق نجد أن المعترضين من قوم نوح لم يفوتهم ذلك: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً..﴾([638]). وقالوها لنبي بعث بعده: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ... ما هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾([639]). وقال المعترضون لصالح ع: ﴿مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ..﴾([640])، ﴿فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾([641]). ولشعيب ع: ﴿وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ..﴾([642]). ولم يسلم موسى ع من احتجاج قومه عليه بذلك أيضاً: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ ... إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ... فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾([643]). ولسيد المرسلين محمد ص قال المعترضون: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾([644])، ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ..﴾([645]). وقريباً من ذلك سنّتهم في الاعتراض على رسل الله بحجة أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾([646]). وهذا الاعتراض صادر من أناس: (كفروا + كذبوا بالمعاد + أترفوا في هذه الدنيا) = (الملأ)، وهو حالهم وصفتهم دوماً كما مر، في حين أنّ الله سبحانه يؤكد أنّ أكل رسله للطعام ومشيهم في الأسواق أمر يتوفر عليه كل رسل الله، وهو لا مانع عن الإيمان بهم أو يكون وسيلة للطعن عليهم، وهو قوله تعالى لرسوله محمد ص: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾([647]). ويؤكد الله سبحانه مرة أخرى للمعترضين على الرسل بأكل الطعام أنّ ذلك لا يضر برسالتهم، فيقول تعالى: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ..﴾([648])، ورغم بطلان حجتهم ودفعها من قبل الله سبحانه إلا أنهم يصرون عليها، فأعادوا الاعتراض أيضاً لما بعث رسول الله ص، فعزى الله رسوله بقوله: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ..﴾([649])، وهو معنى مجادلتهم بالباطل. وتعاد هذه السنة اليوم مع الإمام المهدي ع ووصيه، وربما عبارات المعترضين تختلف ولكن المضمون لمن تدبر الحق ولاحظ الباطل يكشف هذه الحقيقة، وتدبر الحق لا يكون إلا بمطالعة روايات آل محمد ص الواردة في هذا المجال. فعن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق ع يقول: (إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف، فقلت: فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة ؟ فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك ؟ إن إخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف، فعرفوه حينئذ فما ينكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله ( يريد في وقت [من الأوقات] أن يستر حجته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك [والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر]، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته: إنك لأنت يوسف قال: أنا يوسف)([650])، وروايات أخرى غيرها. والإمام ع في هذه الرواية يريد أن يثبت لحجة الله (صاحب الأمر ع) ما أثبته الله سبحانه لحججه السابقين ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ من أنه يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولكنهم لا يعرفونه، وبذلك فإنّ فيه سنة من يوسف ع، ولكن مَنْ من هذه الأمة - سادة أو ملأ أو أتباع - يريد أن يعترض ببشرية صاحب هذا الأمر ويجعله عذراً عن الإيمان به ؟ في الحقيقة أننا لو طالعنا الفتوى المتقدمة والتي يريد أن يثبت فيها صاحبها تكذيب كل من ادعى رؤية الإمام المهدي ع في هذا العالم أو في عالم الملكوت، فإنها تؤكد حقيقة خطيرة، هي: إنه يريد حجة لله لا تُشاهد ولا تُرى لا في الملك ولا في الملكوت، أي إنه يطلب حجة لله ليس بشراً، إذ ما من بشر إلا وكان له حظاً من المشاهدة، فإن لم تكن في هذا العالم المادي - لحكمةٍ يريدها الله كما في عيسى بعد رفعه - فلا اقل يكون له حظ من الرؤية والمشاهدة في عالم الملكوت عبر رؤى صادقة يراها المؤمنون، أليس كذلك ؟ ويبقى هذا المفتي في طلبه الذي عبّر عنه بفتاواه يؤكد سنة المعترضين على خلفاء الله وتكرار طلبهم، وهي واحدة دائماً ولا تتبدل، ولذا أجاب الإمام الصادق ع في الرواية عن مثل هذه الحجج الباطلة، وجوابه جواب الله تبارك وتعالى. جدير بالذكر أنّه كان قد أفتى بها رداً واعتراضاً على داعي الحق أحمد الحسن ع وصي الإمام المهدي ع ورسوله إلى الناس، وشاء الله أن يكون في فتوى هذا المعترض ما قاله المعترضون على حجج الله فيما سبق، ولم يتعدى الرجل سنّة أسلافه. -رابعاً: اتهام حجة الرسل بالضعف بل بعدم الإتيان ببينة رغم البيان (ضعيف الحجة بل لم تأتِ ببينة وكل ما أتيت به ما هو إلا أساطير الأولين، ثم: لست بفصيح، ولا نفقه كثيراً مما تقول، ولم نسمع بشيء جديد منك، بل بإمكاننا أن نقول مثل قولك). هذه مضامين بعض ما قاله المعترضون على خلفاء الله عند بيان حجتهم وبيناتهم لأقوامهم، وهي سنة جمعت المعترضين فتوحدوا عليها رغم تمادي السنين وتعاقبها. ولستُ بمكرر ما قاله الرسل لأقوامهم عند بعثهم وبيانتهم التي أوضحوها لهم مما جاء في آي الذكر الحكيم، فقد مر ما يرتبط بذلك في عرض الآيات الكريمة في بداية هذا الفصل ولمن أحب أن يراجع فليراجع، وما يهمني هو قول المعترضين بما يرتبط بنقطة البحث في مجابهة حجة الرسل البينة بأقوال تؤكد حقيقةً أنهم لا يفقهون سوى الجدال والمحاججة بالباطل ليس إلا، وهي من أقبح ما يتصف به بنو آدم. ويكفينا أن نشير هنا عن حجج رسل الله ووضوحها بياناً ما قاله الله تعالى عنها لما بعث رسله بها: ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾([651]). ﴿وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ...﴾([652]). ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾([653]). إذن، يقول الله عما جاء به الرسل بأنه (بينات)، فلننظر إلى حال المعترضين مع بينات الله: إنهم أصرّوا على طلب الدليل والبينة من الرسل حتى بعد مجيئهم بما قال الله عنه (بينات)، ﴿قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾، طيب وماذا كان ع يقول لكم وهو يدعوكم !!! وفعلاً أصروا على كفرهم ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ بل وبسبب البينات التي يقولها لهم قالوا له ﴿إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾([654]). وكانوا يعتبرون تكرار بيانها (البينات) من قبل الرسل رحمة بالناس إكثاراً للجدال ﴿..قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([655])، ألا إنهم هم المجادلون لو كانوا يفقهون. وأيضاً: ﴿قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾([656])، فبعد كل ما جاء به الرسل من الآيات والبينات من الرحمن سبحانه هم ما زالوا يقولون: ما أنزل الرحمن من شيء !! ويضيف قسم آخر من المعترضين: إن ما جاء به خليفة الله ليس فيه شيء جديد ولو شئنا لقلنا مثله ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾([657]). مرّ علينا فيما سبق كفر المعترضين ببينات وآيات الرسل وتكذيبهم لها واستهزائهم بها وغير ذلك مما عرضناه، وأقصى وسيلة يفقهونها في عرفهم للتعامل مع بينات الله - بعد الاستهزاء والتكذيب والكفر - هو الشك فيها. قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾([658]). وكان من حال المعترضين الفرح بما عندهم من العلم عند مجيء الرسل بالبينات. قال تعالى في تقرير هذه الحقيقة: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾([659])، وعظيم هو قول الله سبحانه عن العلم الذي عند المعترضين (بما عندهم)، وأما العلم الذي يكون علماً عنده سبحانه فهو ما يبعث به حججه داعين ومبينين. قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾([660]). (يعلمكم): فما يأتي به خليفة الله من الله هو العلم، وهو آية صدقه، والعلم هو أحد فقرات قانونه سبحانه في حججه كما اتضح أكثر من مرة في بحوث تقدمت، وأما ما عند المعترضين مما اصطلحوا عليه من علم فهو علم عندهم، وفي حقيقته هو جدال وسفسطة، ولذا صار سبباً في استهزائهم بآيات الله وبيناته ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾، وإلا فهل ما يؤدي لذلك علم بربكم ؟!! والعلم الإلهي هو نفسه الحكمة التي يبعث بها الرسل ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾([661])، ولكن أبى المعترضون إلا مجابهة حكمة الرسل وعلمهم الإلهي بالتكذيب والاستهزاء والكفر رغبة بما عندهم وفرحاً به. وحال المعترضين هذا يذكرنا بما جاء عن أهل البيت ص في تأوّل المعترضين القرآن على قائم آل محمد ع كما يحصل اليوم تماماً. عن الفضيل، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله ص من جهال الجاهلية، فقلت: وكيف ذلك ؟ قال: إن رسول الله ص أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، ويحتج عليه به ..) ([662]). نعم، يحتجون عليه بما فرحوا به مما عندهم من علم في نظرهم، وإلا فأيّ علمٍ هذا الذي يتأول به القرآن على أهل القرآن والعلم ومعدنه ؟! ولكن كما دعا علم من سبقهم من المعترضين إلى الاستهزاء بالرسل وتكذيب بيناتهم وآياتهم فقد دعا ذلك المعترضين اليوم أيضاً، سنة الله ولن تجد لسنته تبديلاً. وكان من آيات الرسل وبيناتهم هي الرؤيا وتأويلها، فهي إحدى آيات يوسف ع وبيناته التي أرسله الله بها. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ﴾([663])، ولكن المعترضين أصروا مرة أخرى - وكعادتهم مع بينات الرسل - على الكفر بها وتكذيبها والاستهزاء بها، فوصفوها بأنها أضغاث أحلام: ﴿قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ﴾([664])،وهو الآخر ما تفعله الأمة اليوم مع الرؤيا لما كانت احد أدلة وآيات قائم آل محمد ع. وكان مما اتهم به المعترضون حجة الرسل وبينات الله المرسلين بها هو أنها أساطير والعياذ بالله، أو (كلام عجائز) بتعبير أدعياء العلم اليوم من سادة الاعتراض وملئهم. قال تعالى: ﴿.. وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾([665]). ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾([666]). ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾([667]). وغيرها من الآيات التي ذكرت هذا النوع من مجادلة المعترضين بالباطل ووصفهم لبينات الله وآياته بالأساطير، فهل يكف سادة الاعتراض اليوم عن جرأتهم بوصف بينات الله بما نسمعه منهم من أقوال شابهوا فيها أسلافهم. ومما انتهجه المعترضون أيضاً من باطل مع بينات الله وحججه هو اتهام حجة الرسل بالضعف في اللغة والبيان، هذا والرسول - أي رسول الهي - لم يأتِ بغير لغة قومه المعروفة عندهم والتي بها يوصل علمه وحكمته الإلهية للناس لأجل هدايتهم. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾([668]). وهو منهج استعمله المعترضون كما يقصه علينا الكتاب الكريم في قوله عن فرعون الذي يشكل على خليفة الله موسى ع بهذا الإشكال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾([669])، وقريب منه ما قاله قوم شعيب له ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ...﴾([670]). وهو ما كرر الاعتراض به أدعياء العلم اليوم على حجة الله وخليفته، والحال أنهم يعرفون أنهم يعتذرون بما لا ضابطة فيه، فإنّ اللغة العربية قواعد استقرائية تحتمل الخطأ في بعض الأحيان، ولا يمكن اعتبارها قانون يحاكم القرآن وكلام الأنبياء والأوصياء، وإلا فإنهم يقرّون للنصارى نقضهم على القرآن بواسطة قواعد اللغة العربية الوضعية. ولو كان أحد مطلع على اللغة العربية سيجد أن هناك أكثر من مدرسة نحوية، ولكل مدرسة قواعدها التي تختلف عن الأخرى، فأيها الحقيقة وأيها الوهم والباطل ؟ حتى إن بعض علماء الشيعة رجح تحريف القرآن بسبب مخالفته لبعض القواعد النحوية والبلاغية الموضوعة، وبالإمكان الاطلاع على كفاية الأصول للاخوند الخراساني وتعليق المشكيني عليها، وسيأتي مزيد بيان في اعتراضهم هذا في الخاتمة إن شاء الله تعالى، فانتظر. وليس غريباً بعد تمسكهم بعلومٍ هم وضعوها وانصرافهم عن حكمة الله وعلومه التي يأتي بها رسله، واستهزائهم بها ووصفها بما وصف به المعترضون بينات الله فيما سبق، فهم لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، وقيمة الإنسان لا تعدو في نظرهم إلا عبارة عن لسانه ولباسه وخفق النعال خلفه ومقدار ما في جيبه ليس إلا، وأما التقوى وطهارة القلب والورع عن محارم الله وكل كمال عند الله فهي أمور أكل الدهر عليها وشرب وفق مقاييسهم ونظرتهم للخلق وغايته. وبمقاييسهم فإنّ الإمام الصادق ع (وحاشاه) يكون قد قرأ القران خطأً. فعن محمد بن مسلم، قال: (قرأ أبو عبد الله ع: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾، قلت: نوح ! ثم قلت: جعلت فداك، لو نظرت في هذا أعني العربية، فقال: دعني من سهككم) ([671]). وما كان ع ليهتم بأمر هو يقول عنه: (أصحاب العربية يحرّفون الكلم عن مواضعه)([672])، ويقول عنه أمير المؤمنين ع: (إنما يراد إعراب الكلام وتقويمه ليقوم الأعمال ويهذبها، ما ينفع فلاناً إعرابه وتقويمه إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن، وماذا يضر بلالاً لحنه إذا كانت أفعاله مقومة أحسن تقويم، ومهذبة أحسن تهذيب) ([673]). فالعربية علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه، وحجج الله منزهون عما هو كذلك. فعن أبي إبراهيم ع، قال: ( دخل رسول الله ص المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال رسول الله ص: ما هذا ؟ فقالوا علّامة يا رسول الله، فقال ص: وما العلّامة ؟ قالوا: عالم بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، والشعر، والعربية، فقال ص: ذلك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه) ([674]). فهل ينوي المعترضون على حجج الله أن يقوموا خلفاء الله بما لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله، ويتركوا موازين الله في حججه وخلفائه التي بينها لخلقه ؟! ما لكم انتكستم إلى حدٍّ يصعب أن نجد ما يصلح أن يكون قاسماً مشتركاً نرجع إليه وننطلق منه في الحديث معكم ؟! وأخيراً: إلى المعترضين بالنحو هذه الحادثة التي هي غنية عن التعليق: (عن حريز بن عبد الله، قال: كنت عند أبي عبد الله ع فدخل عليه حمران بن أعين وجويرية بن أسماء، قال: فتكلم أبو عبد الله ع بكلام فوقع عند جويرية أنه لحن، قال: فقال له: أنت سيد بني هاشم والمؤمل للأمور الجسام تلحن في كلامك ؟! قال: فقال: دعنا من تيهك هذا، فلما خرجا، قال: أما حمران فمؤمن لا يرجع أبداً، وأما جويرية فزنديق لا يفلح أبداً، فقتله هارون بعد ذلك) ([675]). نعم، أيها المستنّين بسنة الزنديق جويرية، إنّ لدى خلفاء الله العلم الإلهي والحكمة الإلهية التي يبينونها للناس وبألسنة أقوامهم كما أكد رب العزة ذلك، وهم ص متوفرون عليها جميعاً رغم كل التهم التي أطلقها المعترضون قديماً وحديثاً، ولا ينكرها إلا مكابر كافر بالله ورسله، ولكن للحكمة قلب يعيها وصدر يحتويها، ومقابلتها بالاستهزاء أو بالضعف بل بعدم الدليل أصلاً كما رأينا في سنة المعترضين دوماً لا يقلل نورها عند الله سبحانه وأهلها، وما ربك بظلام للعبيد. -خامساً: وضوح الجدال بباطل قابلوا به حجة الرسل (إذا كان ربك يحي ويميت فانا اُحي واُميت مثله، نحن أكثر أموالاً وأولاداً، أليس لي ملك مصر، لولا ألقي عليه أسورة، لم يؤتى سعة من المال) وما شابه ذلك. ومما يفعله المعترضون في مقابلة بينات الرسل وحجتهم الواضحة هو الجدال والمراء ومحاولة الإتيان بأمر بعيد عن حجة الرسل ولا علاقة له بها أصلاً، ويبقى المهم هو الرد والاعتراض بأي صورة كانت. من ذلك - مثلاً - ما صنعه النمرود (لعنه الله) مع خليفة الله إبراهيم ع لما حاجّه في ربه ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([676])، فإبراهيم ع يريد إقامة الحجة على الطاغية المتجبر فيذكر له أنّ الله سبحانه هو المحيي والمميت، ولكن المعترض يجيبه بأنه يحيي ويميت، أما كيف ؟ فيبدو أنه يقصد بإحيائه وإماتته جرائمه التي يرتكبها بحق المستضعفين والمظلومين، فانّ من يقتله فقد قتله ومن يعفو عنه فقد أحياه، وواضح انه مجرد جدال وبعيد كل البعد عن حجة إبراهيم ع التي يتحدث فيها عن المحيي والمميت بنفسه، وإلا فمن أعطى الحياة لنمرود نفسه ومن يعفو عنهم. ولأنّ المعترض عادة ما يتكلم من موضع تسلّط وتكبر - فنمرود مثلاً كان ملكاً وهكذا هو حال المعترضين - نجد أنّ إبراهيم ع لم يوضح بطلان قول نمرود (لعنه الله) في إجابة حجته، بل عرّج على حجة أخرى ألجمه بها وألقمه حجراً، وبهت الذي كفر. ومن ذلك أيضاً: ما يقوله المعترضون لخلفاء الله لما يدعونهم إلى الله بأنهم - أي المعترضين - أكثر أموالاً وأولاداً !! طيب ثم ماذا ؟ وما ربط هذا بذاك، أي ما ربط كونكم أكثر أموال وأولاد بأنّ من جاءكم هو خليفة الله وحجته على خلقه ؟ وأيّ دين هذا الذي يُقيّم قيّمه وإمامه بكثرة أمواله وأولاده، وهل جاء حجج الله إلا للقضاء على هذه الأعراف والأخلاق القبيحة المتفشية في مجتمعات وشعوب نخر فيها الظلم والفساد، فيبعث الله خلفائه مصلحين لتلك الطبائع البهيمية التي لا يعدو فيها الإنسان سوى حيوان مفترس بل أضل سبيلاً، فلا بقاء في نظرهم إلا لصاحب الناب القاطع، ولما لم تتمكن البنت المسكينة الإيفاء بمثل هذا الدور فقد كانت تدفن في التراب وهي حية. وواضح أنّ مثل هذا النوع من منهج المعترضين وجدالهم لم يكن ليأتي إلا من قبل المترفين الذين ينظروا لمن دونهم نظرة استخفاف واحتقار واستصغار، وهذا هو طبع سادة الاعتراض والملأ من أتباعهم. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ( وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾([677]). وبقلة المال أيضاً اعترض المعترضون على طالوت ع لما بعثه الله سبحانه فـ ﴿قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ..﴾، فليست مشكلتهم في طهارته وأخلاقه وصدقه وعلمه وشجاعته وبقية صفات الكمال الأخرى، مشكلة طالوت في نظرهم أنه لم يكن كثير المال، أحد فقرات قانون المعترضين في الخلفاء الذين يريدون تصديقهم. ورغم أنه جاء بقانون الله في حججه ﴿قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾([678])، فالنص: (إن الله اصطفاه)، والعلم: (وزاده بسطة في العلم)، وحاكمية الله: (والله يؤتي ملكه من يشاء)، ولكن هذا لا يكفي بنظر المعترضين للإيمان به وتصديقه فان القوم لهم قانونهم الخاص بهم، وطالوت الذي يدعي انه خليفة لله قد جاء بقانون الله ولم يأتِ بقانونهم. وليس بعيداً عن ذلك ما قاله فرعون للملأ من قومه وهو يدعوهم لانتهاج نهجه في رفض دعوة موسى ع ومحاربتها والاستهزاء بها، والعجيب أن ما يذكره لا ربط له نهائياً بحجة الرسل وما يأتون به من بينات، فيقول: ﴿.. يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ... فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾([679]). ولو نظرنا إلى المعترضين في جدالهم الذي يقابلون به بينات خلفاء الله في أرضه لوجدناه لا يعدو زخرف الدنيا وزبرجها: (كثرة المال والأولاد والأنهار التي تجري في البساتين والقصور وأسورة من ذهب والملك) وأمثال ذلك، وفي الحقيقة هم لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا ومنتهى مبلغ معرفتهم وما يطمحون إليه في هدفية خلقتهم هو الدنيا، ولذا نجد أن من سنتهم الترف والتزاحم على الألقاب والجاه والسلطان، بل يصل الحال إلى تسخير حتى المقدسات للحصول على اكبر قدر من الدنيا. وعليه، فإنّ ما يحصل مع داعي الله السيد أحمد الحسن ع من قبل سادة المعترضين والملأ من حثالات القوم وفسدتهم ومرتزقتهم ليس بغريب بعد أن ذكر لنا الله سبحانه حال المعترضين فيما مضى وفعلهم وقولهم في كتابه الكريم، ونظرنا فرأينا أن حال من اعترض اليوم كمن اعترض بالأمس، وإنه يحذو حذوه وينتعل نعله، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون. -سادساً: اقتراح المعترضين للرسل والآيات والأدلة وهذه بعض أقوالهم واقتراحاتهم، وهي على قسمين: إنا بما أرسلتم به كافرون، وعليه فنحن نقرر من يأتي حجة وخليفة لله: (لو كان الخليفة ملكاً لا بشراً، لو كان فلاناً هو الخليفة فينزل عليه ما نزل عليك، لولا انزل على رجل من القريتين عظيم، لو كنت أنا الخليفة لا أنت ومن أنت حتى تكون). أو نحن من يقرر ويقترح ما تأتون به من أدلة لا ربكم الذي أرسلكم: (لو اقترن في دعوته بملك ينذرنا معه، لو تفجر لنا من الأرض ينبوعاً، لو تكون لك جنة من نخيل وعنب وأنهار أو يكون لك كنز، لو تسقط السماء علينا كسفاً، لو تأتي لنا بالله وملائكته، لو يكون لك بيت من زخرف، لو ترقى في السماء وتأتينا بكتاب نقرؤه، لو تمطر السماء حجارة، لو أنزل عليه آيات أو آية، لو ... لو ...). ففي الحقيقة ها هنا قسمان في اقتراح المعترضين: قسم يتعلق بالخليفة والرسول الإلهي، وقسم يتعلق بما اُرسل وبعث به، وبمطالعة الشواهد القرآنية في ذلك تتضح حقيقة اتحاد المعترضين على خلفاء الله في هذه النقطة بقسميها، وإليك التفصيل بإذن الله تعالى. اقتراح المعترضين للخليفة: هذه بعض الأمثلة والشواهد مما يرتبط باقتراح رسل الله وخلفائه في أرضه من قبل المعترضين: إبليس (لعنه الله) يقترح على الله سبحانه أن يكون هو الخليفة: قال تعالى عند بيان حال إبليس عليه اللعنة في رفضه السجود لآدم ع: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾([680]). ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾([681]). (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ) فكأنه يقول لربه: لو كنت (أنا) الخليفة لا من وقع عليه اختيارك واجتبيته واصطفيته من خلقك، وفي هذا القول - أعاذنا الله منه بلطفه - من الجرأة والتعدي عن حدود العبودية لله وما لا تستطيع الجبال حمل وزره الشيء الكثير، ولو كان فقط نسبة الجهل وعدم الحكمة للخالق - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - لكفاه جرأة ووزراً وكفراً. وكم قالها المخلوق لخالقه عند بعث خلفائه وحججه وعى ذلك أو لم يعيه، فان الاعتراضات - كل الاعتراضات - لو تتبع الإنسان منشأها لوجد انه (الأنا) لا غير، فهي رأس كل اعتراض وكفر واستهزاء وغيره مما قابل به المعترضون حجج الله عند إرسالهم، وسيأتي تفصيله في بحث أهداف المعترضين بشكل أوسع إن شاء الله تعالى. لو كان الخليفة ملكاً لا بشراً: وهو ما نجده في قول المعترضين من قوم نوح ع حيث قالوا: ﴿.. وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾([682])، والحال أنّ الله تعالى يجيب هذا النوع من الاعتراض بأنه حتى لو أنزل ملكاً لكان بصورة رجل تأكيداً لسنة الامتحان الإلهي لكافة الخلق بخلفاء الله وحججه ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾([683]). لو كان فلان هو الخليفة: وهو ما قاله كفار قريش لرسول الله ص لما بعث إليهم: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾([684])، وهم يعنون بهما: الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف باعتبارهما أصحاب وجاهة ونفوذ بنظر المعترضين، وهي سنة في المعترضين أيضاً، ولذا فليس غريباً أن نسمع اليوم من هذه الأمة أنها تقترح حجة الله فتقول: لو كان اليماني فلان لا أحمد الحسن ع، ففلان معروف وأتباعه كثر ولديه ما لديه وهكذا، و (فلان) هذا كلٌّ يقترحه حسب ميله وهواه، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض. اقتراح ما يأتي به خلفاء الله من آيات وأدلة: وفي هذا القسم من اقتراحات المعترضين أيضاً توجد شواهد متعددة: فمنها: ما يرتبط باقتراح نزول ملك مع الخليفة للإنذار ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾([685]). ﴿.. لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾([686]). ﴿.. أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾([687]). ﴿لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾([688]). ﴿وَقَالُوا .. لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾([689]). ومنها: ما يرتبط باقتراح نزول آية أو آيات ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾([690]). ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾([691]). ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾([692]). ومنها: ما يرتبط بتبديل ما يأتي به ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي...﴾([693]). ومنها: اقتراحات أخرى بالمجان، يجمعها قوله تعالى حكاية لها: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ( أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً ( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾([694]). ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ( فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾([695]). ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا..﴾([696]). وإذا ما أردنا أن نضيف لها قائمة الطلبات اليوم فستطول القائمة وتعرض، مثل: لماذا خرج من البصرة ولم يكن من مكان آخر، لماذا أتى بكذا ولم يأتي بكذا، لماذا لم يخرج على الفضائيات ووسائل الإعلام ويتكلم، لماذا لا يأتي لنا، لماذا لم نسمع به، لماذا لم نراه وفقط انتم من رأيتموه، لماذا ... ولماذا ... إلى حيث يشاء الله بالتمكين لخليفته وحجته، فإن (لم، وكيف، وباقي أدوات الاستفهام) لا تنتهي والقوم يستنون بمن سبقهم من أقوام اعترضت على خلفاء الله واشترطت واقترحت فخابت وخسرت، وكأنّ الأمر موكول لها في إدارة الخلق وتعليم خليفة الله إذا أتى كيف يأتي وبم يأتي. ولا ريب أنّ الطلبات والاقتراحات - وهي كثيرة وقد تقدم بعضها - تشكل بمجموعها سنّة من سنن المعترضين أيضاً في تعاملهم مع دعوات المرسلين وخلفاء الله في أرضه، فكما كان اقتراح الرسول والخليفة أمراً يوحد المعترضين فكذلك هو توحدهم على اقتراح الأدلة وكيفية مجيء الخلفاء الإلهيين. والحمد لله رب العالمين على نعمة الهداية وتجنب عاقبة الاعتراض والاستنان بسنة أهله. * * * ( 3 ) -وحدة أهداف المعترضين بعد ملاحظة وحدة المعترضين في القول والفعل والمنهج، بقي أن نشير إلى وحدتهم في الهدف الذي يتوخونه من اعتراضهم على حجج الله وخلفائه في أرضه. وهنا ينبغي علينا استحضار أهم صفات المعترضين فيما عرض من نصوص قرآنية كريمة، فإنّ معرفة الشخص وصفاته لها دور كبير في تحديد هدفه وغايته، ونظرة سريعة إلى ما تقدم عرضه من آي الذكر الحكيم يمكننا أن نجمل بعض خصائص المعترضين وصفاتهم مما له دور في معرفة الهدف الذي يطلبونه وهم يعترضون على خلفاء الله كلما جاء منهم داعي إلى الحق: أولاً: إنّ المعترضين - كما مر - على طوائف ثلاث: الأولى: الأسياد، أعني بهم سادة المعترضين، وهم لا يخلون بين حاكم ظالم، وعالم غير عامل، وبعبارة ثانية زعيم سياسي وزعيم ديني، وقد يجمع المعترض أحياناً بين الاثنين كما في نمرود وفرعون. وهذه الطائفة في الحقيقة تشمل جميع حكام الظلم والجور، وجميع علماء السوء من كبار القوم الذين يبعث خلفاء الله في وقتهم، فكان منهم السامري وبلعم بن باعوراء وعلماء بني إسرائيل عند بعث عيسى ع وعلماء اليهود والنصارى والأحناف عند بعث رسول الله ص، وكان منهم شريح وأبو حنيفة وأضرابهم من علماء السوء إلى يومنا هذا، وكان منهم أيضاً أصنام قريش وحكام بني أمية وبني العباس وكل حكام الجور والفساد والى يومنا هذا أيضاً. الثانية: الملأ، وهم المحيطين بالحكام الظلمة والعلماء الخونة، من حواشي السوء ومستشاري الفساد والتأييد للباطل كما اتضح فيما سبق، وعليهم يعتمد الطاغي حاكماً كان أو عالماً فاسقاً في استمرار مشروعه الشيطاني للصد عن مشروع الله في خلفائه وحججه على خلقه. واتضح أيضاً أنّ من صفات هؤلاء هو: الكفر، الفسق، التكبر، الإتراف، التصفيق للباطل بل لسادته، صد الناس عن الإيمان عبر إلقاء الشبه والجدل والإفتاء لصالح الطواغيت. الثالثة: الأتباع، وهم الهمج الرعاع الذين ينعقون بما لا يفقهون، وهم السواد الأعظم من جمهور المعترضين. وهؤلاء وإن لم يكن لهم أيّ تأثير يذكر على مستوى التخطيط وصنع القرار للقضاء على دعوات المرسلين إلا أنّ تأثيرهم لا يكاد يخفى على مستوى تطبيق خطط سادة الاعتراض وملئهم، فأولئك ينظرون وهؤلاء ينفذون، والله المستعان على ما يصفون. وهم في الحقيقة منصاعون أيما انصياع لسادتهم: قوموا يقومون، اجلسوا يجلسون، صفقوا يصفقون، ابكوا يبكون، انتخبوا ينتخبون، داهنوا يداهنون، اقبلوا يقبلون، لا تقبلوا فلا يقبلون، استهزئوا يستهزئون، قاتلوا فيقاتلون. نعم، قال لهم سادتهم والملأ المحيط بهم: قوموا على نصرة الحق وأهله فقاموا عليه لا معه، واجلسوا عن نصرته فجلسوا، وصفقوا للباطل وأهله حتى وان تحالفوا مع أراذل خلق الله فصفقوا، وانتخبوا ولو كانت الانتخابات على النقيض من حاكمية الله، انتخبوا حتى لو كانت منهج إبليس لحرف الحق عن أهله وخلفائه فانتخبوا، وداهنوا أعداء الأنبياء والأوصياء فداهنوا، واقبلوا بنا حكاماً وعلماء لدينكم ودنياكم فقبلوا، ولا تقبلوا الحق ولو جاءكم به آل محمد ببيناتهم فلم يقبلوا، واستهزئوا بدعاة الحق ولو كان الداعي هو قائم آل محمد المنتظر فاستهزئوا، وهكذا ...، وأخيراً انهضوا لقتال آل محمد فنهضوا. فهم دوماً أهل هذه الآية: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾([697])، يقولون ذلك وهم يقادون إلى جهنم، ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾([698])، فهم مستحمرون لتحقيق دنيا غيرهم لا دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة، ولذا فهم الأخسرون أعمالاً ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾، وسبب خسارتهم أنهم أطاعوا سادتهم وملئهم (كبرائهم) في كفرهم بآيات الله ورسله واستهزائهم بالرسل والآيات لما أرسلهم الله بها، فكانت جهنم جزاءً لهم ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ( ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً﴾([699]). ثانياً: إنّ الصفات التي يتصف بها الملأ من كفر وفسق وتكبر وإتراف وغيرها أكيد يتصف بها سادتهم وكذلك العكس، ولذا كثيراً ما يشركهم القرآن الكريم بقولهم وفعلهم بلا تفصيل بين سادة وملأ فيقول: قالوا، ويذكر قولهم أو فعلهم ومنهجهم في الاعتراض وهو واحد كما تقدم. ثم إذا رأينا مجمل حركتهم في الاعتراض وجدناها تدور حول حفظ (الأنا): (أنا ربكم الأعلى)، (أنا أحي وأميت)، (أنا خير منه)، (أنا أكثر أموال وأولاد)، (أنا خير من هذا الذي هو مهين)، (أليس لي ملك مصر والأنهار تجري من تحتي)، (لئن اتخذت إلهاً غيري)، (سوّلت لي نفسي) وغير ذلك كثير. وهذه (الأنا) قد تتجسد في حكمٍ بيد المعترضين يريدون المحافظة عليه، أو سلطانٍ يريدون استحكامه يوماً بعد يوم، أو منصبٍ يريدون الاحتفاظ به ما قدر لهم العيش في هذه الدنيا، أو دنيا يريدون دوام زخرفها وزبرجها والإتراف فيها إلى الموت، وتسيُّدٍ لا يريدون زواله حتى مع علمهم بباطله، فالقوم أهل دنيا لا غير وهي كل مبلغهم، ولذا كان من صفات المعترضين الشك في المعاد والحساب، بل الكفر به أصلاً ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ( إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾([700]). ولما كان خلفاء الله في أرضه يمثلون الآخرة بكل حركاتهم وسكناتهم، بادلتهم وآياتهم وأخلاقهم ونهجهم وتربيتهم وتزكيتهم وعلمهم وقولهم وفعلهم وكل ما يرتبط بهم، فيجد المعترضون فيه نهجاً يقوّض كيانهم ويهدم - لو سمح له بالانتشار - عروشهم، ولا يبقي لباطلهم وتسلطهم ودنياهم التي بنوها بالظلم والفساد والاستحمار والقتل شيئاً، فكان التصميم على إنهاء دعوات المرسلين واستئصالها. فالهدف الذي يتوحّد عليه المعترضون وبكلمة واحدة: هو القضاء على الحق بالقضاء على أهله، وكل ما تقدم في منهجهم المتحد في القول والفعل في استقبال دعوات الخلفاء الإلهيين من استهزاء وتكذيب ومجادلة واتهام وغير ذلك كان لأجل تحقيق تلك الغاية والهدف، ليسمح لمشروعهم الشيطاني بالاستمرار، ولذا كان كل همهم التكذيب وإبعاد الناس وصدهم عن الإيمان بالرسل. وكان الدافع الذي يشحذ عزيمتهم في القضاء على الحق هو (الأنا) المستعرة في الصدور والتي تشكلت في صدر إبليس تكبراً وحسداً لخليفة الله آدم، وقد لاحظنا أنّ سنة تكبر المعترضين على خلفاء الله وحسدهم قد لازمت من أتى بعده من خلفاء الله صلوات الله عليهم أجمعين. عن الكناني، قال: قال أبو عبد الله ع: (يا أبا الصباح، نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾([701])) ([702]). يبقى، أننا طالعنا ما نهجه المعترضون فيما سبق، ونسمع ونقرأ ما يقوله المعترضون اليوم ونرى أفعالهم، وكم هو الشبه كبير وما أشبه اليوم بأمس الأنبياء والأوصياء وما عانوه من أقوامهم، بل ما يلفظ اليوم من قول أو يفعل من فعل ضد الدعوة اليمانية الحقة إلا وكان عليه شاهد من سنن أقوام اعترضت على خلفاء الله فيما مضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبهذا يتضح أنّ سنة المعترضين واحدة لا تتبدل أو تتغير رغم تعاقب السنين والدهور، فهي واحدة في القول وهي واحدة في الفعل والنهج وهي واحدة في الهدف. قال تعالى: ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾([703]). وقال تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾([704]). وقال تعالى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾([705]). والحمد لله رب العالمين. * * * -الفصل الرابع -الكثرة وخلفاء الله القرآن الكريم والكثرة. لماذا كثرة المعترضين على خلفاء الله ؟ ما هي مشكلة الكثرة المعترضة بالضبط ؟ لماذا كانت الكثرة هي وصفاً للمعترضين دائماً، فلا يبعث الله سبحانه خليفة له في أرضه إلا وكانت الكثرة هي من تعترض عليه، هل المشكلة في الخلفاء والرسل الإلهيين اعني في أدلتهم وبيناتهم، أم أن المشكلة تكمن في أمر آخر ؟ وما هو ذلك الأمر ؟ هذا التساؤل الكبير والخطير هو ما نحاول تسليط الضوء عليه واستشراف الإجابة عنه من رب العالمين تبارك وتعالى بما أوضحه لنا في كتابه الكريم، فهو شفاء لما في الصدور. ولكي تكون الإجابة واضحة جلية لطالبها سيكون الحديث عبر نقاط ثلاث: الأولى: كيف تحدث القران الكريم عن الكثرة ؟ الثانية: لماذا كثرة المعترضين على خلفاء الله عند بعثتهم ؟ الثالثة: أين تكمن مشكلة الكثرة المعترضة ؟ وفي الحقيقة أنّ توضيح النقطة الأولى يزودنا مفتاح إجابة النقطة الثانية؛ باعتبار أنّ معرفة أحوال الكثرة من الناس في كتاب الله وصفاتهم وطبائعهم يتكفل وضع اليد على سرّ كثرة المعترضين على خلفاء الله سبحانه، أو بالأصح المعترضين على الله سبحانه في اختياره لحججه واصطفائه لهم. -كيف تحدث القرآن الكريم عن الكثرة ؟ إنّ معرفة حال الكثرة في الكتاب يمكن استجلائه عبر معرفة الآيات الكريمة التي تحدثت عن هذا الموضوع، وهي كثيرة جداً، ولكنا نكتفي باستعراض موجز قراني من آيات الذكر الحكيم يشير إلى تلك الحقيقة، وكان الاكتفاء بملاحظة مفردات قرنية ثلاث: (أكثرهم، كثير، قليل) والأمر في الأولتين لمعرفة حال الكثرة واضح، وأما إضافة المفردة الثالثة فلأجل أنّ من يقابل القلة هم الكثرة، وبمعرفة القلة ووصفها من قبل الله يعرف حال الكثرة كما لا يخفى، والأمور تعرف بأضدادها كما يقال. على أنه عرض موجز لم يكن الهدف منه الاستقصاء بقدر ما كان الغرض فتح نافذةٍ للإجابة على سؤال البحث الأساس: لماذا كثرة المعترضين ؟ وتبرئة ساحة حجج الله وخلفائه وبالتالي انحصار المشكلة لا محالة بالإنسان نفسه المتلقي لحججهم وبيناتهم عند إرسالهم وبعثهم من قبل الله سبحانه. -القرآن الكريم و (أكثر) الناس: إليك حال الناس (أكثرهم) بوصف ربهم الرحيم سبحانه لهم: أكثرهم لا يؤمنون، قال تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾([706]). وقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾([707]). وقال: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾([708]). أكثرهم مشركون، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ﴾([709]). أكثرهم كافرون، قال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾([710]). أكثرهم للحق كارهون، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾([711]). أكثرهم فاسقون، قال تعالى: ﴿... وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([712]). وقال: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾([713]). أكثرهم كاذبون، قال تعالى: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾([714]). أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون، قال تعالى عن عدم سمعهم وتعقلهم: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾([715]). وقال تعالى عن عدم تعقلهم: ﴿مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾([716]). وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾([717]). وقال: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾([718]). وقال تعالى عن عدم سمعهم: ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾([719]). أكثرهم يجهلون ولا يعلمون ومعرضون، قال تعالى عن جهلهم: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾([720]). وقال تعالى عن عدم علمهم وإعراضهم: ﴿أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([721])، وقال: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([722]). وقال: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ﴾([723]). وقال: ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([724]). أكثرهم يتبعون الظن، قال تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾([725]). أكثرهم لا يشكرون، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾([726]). وقال: ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ﴾([727]). وقال: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾([728]). والخلاصـة: إن أكثر الناس بنصّ القرآن الكريم: (لا يؤمنون، ومشركين، بل كافرين، وكارهين للحق؛ لأنهم فاسقون، وكاذبون، ولا يسمعون ولا يعقلون، ويجهلون ولا يعلمون، بل معرضون ويتبعون الظن، ولا يشكرون). وما يذهل حقاً حلمه الله سبحانه بخلقه رغم كل ما يصدر منهم ورحمته بهم رغم كل الذي يفعلون. -القرآن الكريم و (كثير) من الناس: على الرغم من أنّ الله سبحانه عفوه كثير، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾([729])، وأمر خلقه أن يذكروه سبحانه كثيراً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾([730])، وقال: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([731])، وجعل كلامه سبحانه كله حكمة وجعلها في حججه وخلفائه لما يبعثون، وفي الحكمة خير كثير، قال تعالى: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾([732])، رغم ذلك كله كان حال الكثير من الناس ما سنسمع عنهم من قبل بارئهم سبحانه وهو يتحدث عنهم في كتابه الكريم: كثير منهم يفشل في الامتحان، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ...﴾([733]). وقال: ﴿وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾([734]). كثير منهم يضل، قال تعالى: ﴿.. وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾([735]). وقال: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾([736]). وقال: ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً﴾([737]). وقال: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾([738]). وسبب الضلال كما في الآيات الكريمة: الهوى، الأصنام ([739])، سادة المعترضين الظالمين، إبليس لعنه الله. كثير يكفرون ويتولون الذين كفروا، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾([740]). وقال: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ...﴾([741]). وقال: ﴿تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾([742]). كثير منهم، ورهبانهم بالخصوص، يصدون عن سبيل الله، قال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً﴾([743]). وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ..﴾([744]). كثير منهم يسارع في الإثم والعدوان، قال تعالى: ﴿وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾([745]). كثير أذاهم لخلفاء الله سبحانه وللمؤمنين بهم، قال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾([746]). كثير منهم مسرفون، قال تعالى: ﴿... وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾([747])، أي مفرّطون بولاية خلفاء الله ورسله عند بعثتهم ومستحلون لحرمتهم ومستبيحين لدمائهم الطاهرة، فقد روي عن أبي جعفر ع: (المسرفون: هم الذين يستحلون المحارم، ويسفكون الدماء)([748])، وأيّ دماء اطهر من دماء خلفاء الله صلوات الله عليهم أجمعين، وأيّ محارم أشد حرمةً من الاعتراض عليهم وتكذيبهم والاستهزاء بهم وغيره الكثير مما فعله المعترضون معهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون. كثير منهم فاسقون، قال تعالى: ﴿... وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾([749]). وقال: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾([750]). وقال: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾([751]). وقال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾([752]). كثير منهم يغفلون، قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾([753]). كثير منهم ساء ما يعملون، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ﴾([754]). كثير منهم ذرئوا لجنهم وحق عليهم العذاب، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ﴾ والسبب أنهم ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾([755]). كثير بكاؤهم جزاء لفعلهم، قال تعالى: ﴿فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾([756]). كثير من نجواهم لا خير فيه، قال تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾([757]). والخلاصـة: إن كثيراً من الناس: (يفشلون في الامتحان، ويضلون، ويكفرون ويتولون الذين كفروا، وهم ورهبانهم يصدون عن سبيل الله، ويسارعون في الإثم والعدوان، ويؤذون خلفاء الله والمؤمنين بهم، ومسرفون في تضييع خلفاء الله في أرضه، وفاسقون، وغافلون، وساء ما كانوا يعملون، وحق عليهم العذاب، وكثير بكاؤهم جزاءً لفعلهم، ولا خير في نجواهم). -القرآن الكريم و (قليل) من الناس: قد بيّن الله سبحانه لخلقه أنهم ما أوتوا من العلم إلا قليل، قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾([758])، والذي كان يستدعي منهم أن لا يبادروا إلى الاعتراض ورفض حجة خلفاء الله عند بعثهم مباشرة لأجل الحفاظ على دنياهم، وكان عليهم التورع خصوصاً إذا ما علموا أنّ متاع الدنيا قليل، قال تعالى: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾([759]). وقال: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ﴾([760]). ولكن رغم ذلك كان حال الناس: قليل من لا يتبع الشيطان، قال تعالى: ﴿... وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾([761]). ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً﴾([762]). قليل من لا يتولّون وهم معرضون، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ﴾([763]). وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾([764]). قليل من يستجيبون، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ...﴾([765]). وقال: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾([766])، وقال: ﴿... وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً﴾([767]). قليل ما يفقهون، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً﴾([768]). قليل ما يذكرون، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾([769]). قليل ما يتذكرون، قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾([770]). وقال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾([771]). وقال: ﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾([772]). وقال: ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾([773]). قليل من يؤمنون، قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾([774]). وقال: ﴿... وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾([775]). وقال: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾([776]). وقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾([777]). وقال: ﴿.. وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ..﴾([778]). وقال: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ﴾([779]). قليل هم أنصار خلفاء الله، قال تعالى حكاية عن قول المعترضين: ﴿إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾([780]). قليل ما يشكرون، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾([781]). وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾([782]). وقال: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾([783]). وقال: ﴿... اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾([784]). وقال: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾([785]). قليل هم المقربون، قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ﴾([786]). قليل هم الناجون، قال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾([787]). والخلاصـة: إنّ قليلاً من الناس: (لا يتبعون الشيطان، ولا يتولّون وهم معرضون، ويستجيبون، ويفقهون، ويذكرون، ويتذكّرون، ويؤمنون، فينصرون خلفاء الله، ويشكرون، فيكونون من المقربين أو الناجين). ويعني بالمقابل أن كثيراً منهم: يتبعون الشيطان ويتولون وهم معرضون، ولا يستجيبون ولا يفقهون أو يذكرون أو يتذكرون، ولا يؤمنون أو ينصرون خلفاء الله، ولا يشكرون، وبالتالي لا يكونون من المقربين، أو لا أقل من الناجين. ولا أعرف هل لا زال جواب السؤال الثاني حول كثرة المعترضين على خلفاء الله في أرضه لم يتضح بعد كل الذي بينه الله سبحانه عن حال أكثر الناس في كتابه الكريم ؟! ولكن مع هذا سنقف لنجمع صفات أكثر الناس في نقطة واحدة في خلاصة تكون هي جواباً لكل من يخطر في باله هذا السؤال. * * * -لماذا كثرة المعترضين على خلفاء الله ؟ في البدء لابد من الإشارة إلى أنّ أصل هذا التساؤل أو الإشكال - كما يحاول البعض تصويره كنقطة ضعف في دعوة خليفة الله السيد أحمد الحسن ع - فيه ردٌّ والعياذ بالله على الله سبحانه، وفيه بعدٌ عن كتاب الله سبحانه، وإلا قد بان حال أكثر الناس من عدم الإيمان والتكذيب والصد عن سبيل الله وغيرها من صفات مرت، فكيف بعد هذا توقع نصرة الكثرة لخلفاء الله عند بعثتهم ؟! وفي الحقيقة أنّ اعتراض أكثر الناس على خلفاء الله لم يكن لقصور أو ضعف - والعياذ بالله - في حجتهم أو لعدم وضوح فيها، وحاشى الله سبحانه أن تكون دلائل رسله وآياتهم كذلك، وهو من وصفها بالبينات والآيات كما تقدم، قال تعالى: ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾([788])، ولا لعدم وضوح البيان؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾([789])، فالله سبحانه يرسل الرسول بلسان قومه حتى يبين لهم ويعلمهم ويزكيهم، وهل ينقض الله (وحاشاه) غايته وهدفه فيرسل رسولاً ضعيف البيان مثلاً !!! أبداً والله، إنما الرفض وكثرة الاعتراض على خلفاء الله في أرضه عند إرسالهم في حقيقة الأمر لم يكن إلا لأنّ الكثرة المتكاثرة من الناس قد عرفنا حالهم. ولنا بالمقابل أن نسال سؤالاً جوابه فيه: هل نتوقع من (الناس) الذين يتصف أكثرهم بما تقدم ذكره من صفات بينها ربهم سبحانه أن يكونوا مؤمنين ومصدقين بخلفاء الله عند بعثهم حتى نستغرب لما نعرف أن المعترضين هم أكثر الناس ؟!! لا والله، بل الكفر والعجب لما يقال غير ذلك. أما الكفر، فلأنه رد على الله سبحانه أن نقول - بل مجرد أن نتوقع - بكثرة المؤمنين بخلفاء الله من أناس قد بيّن الله حالهم المخزي بأروع بيان، أليس كذلك ؟ وأما العجب، فلأنه هل يعقل لعبدٍ أن يخطر في باله - فضلاً عن أن ينتظر - كثرةً من الناس تؤمن بخلفاء الله في أرضه وعند الله سبحانه أكثرهم لا يؤمنون بل هم كافرون ؟! أو كثرة من الناس تصدقهم وعند الله سبحانه أكثرهم يصدون ويكذبون بل هم فاسقون ؟! أو كثرة تواليهم وتطيعهم، وعند الله سبحانه أكثرهم للذين كفروا يتولون ولأصنامهم وأهوائهم يعبدون؟! أو كثرة تنصرهم وتسارع إليهم، وعند الله سبحانه أكثرهم لا ينصرون وللاثم والعدوان يسارعون؟! أو كثرة تستجيب لهم وتفقه قولهم وتتذكر بحكمتهم وتعقل آياتهم وتسمع قولهم، وعند الله سبحانه أكثرهم لا يستجيبون ولا يفقهون ولا يذكرون ولا يتذكرون ولا يسمعون ولا يعقلون؟! أو كثرة تشكره سبحانه على نعمه التي لا تحصى وتشكرهم لعظيم فضلهم، وعند الله سبحانه أكثرهم لا يشكرون ؟! أو كثرة تنجح عند الامتحان بهم ومن ثم النجاة وعند الله سبحانه أكثرهم يفشلون ولا ينجحون ولا ينجون وحق عليهم العذاب فهم في جهنم خالدون ؟! أو ... أو ... أو ... مما يستلزم إعادة كل حالهم الذي بينه الله سبحانه في كتابه. ولي أن أصف الإجابة بصيغة ثانية كنت قد وعدتُ بها عبر جمع الخلاصة لما تقدم ذكره من حال أكثر الناس في معادلة واضحة وضوح الشمس، فأقول: إن الكثرة من الناس بنص القرآن الكريم: (لا يؤمنون + مشركون + كافرون + للحق كارهون + فاسقون + كاذبون + لا يسمعون + لا يعقلون + يجهلون ولا يعلمون + لا يستجيبون + لا يفقهون + لا يذكرون + لا يتذكرون + فاسقون + غافلون + يتولون وهم معرضون + للظن يتبعون + لا يشكرون + عند الامتحان بخليفة الله يفشلون + يضلون + للذين كفروا يتولون + للشيطان يتبعون + هم ورهبانهم عن سبيل الله يصدون + في الإثم والعدوان يسارعون + في تضييع خلفاء الله في أرضه مسرفون + ولهم والمؤمنين بهم يؤذون ولا ينصرون + ساء ما كانوا يعملون + لا خير في نجواهم + حق عليهم العذاب + كثير بكاؤهم جزاءً بما كانوا يعملون + من المقربين لا يكونون + لا ينجون) = (كثرة المعترضين على خلفاء الله). عندها: ليس غريباً أن نرى روايات الطاهرين ص تصف أنصار القائم ع بأنهم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، والحمد لله رب العالمين. أما أين تكمن مشكلتهم وهم يعترضون على خلفاء الله في أرضه، فهو ما سنعرضه الآن. -ما هي المشكلة المؤدية إلى اعتراض الكثرة على خلفاء الله ؟ يقول السيد أحمد الحسن ع في بيان ذلك: (إذا عرفت سبب الامتحان الأول تستطيع الإجابة على هذا السؤال: إظهار (أنا) المخلوق بشكل جلي يعاقب عليه، أي انه طالما استبطن مواجهة ربه بـ (أنا)، فالآن تجلى له في خليفة ليقول أنا خير منه، ولم يكن ليجرأ على النطق بها أمام الله القهار، ولكنه كان ينطق بها في كل آن بنظره المنصبّ على نفسه، أولئك الذين لا يكادون يرون أيديهم، أعمتهم الأنا، فهم كل همهم أنفسهم وما يلائمها وتجنب ما ينافيها ظاهراً. الآن، تجلى لهم الذي خلقهم في خليفته ليظهر على الملأ ما انطوت عليه أنفسهم الخبيثة من إنكار له سبحانه ولفضله. ولو قربت لك الصورة أكثر في مثل مادي: فحالهم كمن ركز نظره على نفسه وهو يواجه ربه دون أن ينطق أو يقول: أنا خير ممن خلقني، أو أن يقول: نفسي أهم عندي ممن خلقني، ولكن حاله ونظره المنصبّ على نفسه ينطق بهذا. الآن امتحنه الذي خلقه بمثله - ظاهراً - إنسان فمباشرة نطق بما انطوت عليه نفسه فقالها جهاراً دون حياء: أنا خير منه) ([790]). إنها (الأنا) إذن، داء إبليس (لعنه الله) والذي صدّه ومنعه عن السجود لخليفة الله في أرضه آدم ع لما أمره الله وامتحنه بالسجود له، وهو الداء الذي أبتلى به كل من سولت له نفسه الاعتراض على خلفاء الله في أرضه الذين جاءوا بعد آدم ع وإلى يومنا هذا وما سيأتي. (الأنا) التي تتشكل بصورة حسد وتكبر في نفس المعترض، حسداً لما خص الله به خلفائه، وتكبراً على إرادة الله سبحانه في خلفائه. (الأنا) التي تدعو صاحبها إلى الانتصار لها دوماً، فتدعوه إلى الاستهزاء والسخرية والرفض والاعتراض والاحتجاج بالباطل واقتراح الرسل وبما يأتي به المرسلون وغير ذلك مما تقدم في فصل سنن المعترضين، بل تدعوه إلى طلب العذاب والخلود في جهنم على أن تذعن لخليفة الله وتنصاع لأمره. وهي نفسها (الأنا) اليوم التي تقود نفوس أصحابها من أهل الاعتراض على خليفة الله وداعيه أحمد الحسن ع، ولذا كم خاطبهم روحي فداه: (لا يعديكم إبليس بدائه ولا يستجلبكم بندائه)، ولكن لقد أسمعت لو ناديت حياً، فقد ماتت القلوب ولم يعودوا يبصرون أو يسمعون أو يعقلون أو يفقهون أو يذكرون أو يتذكرون، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجدوا لسنة الله تبديلاً .. ولن تجدوا لسنة الله تحويلاً، والله غالب على أمره ولو كره المعترضون. * * * -الخـاتـمـة لا أستطيع أن اعبّر بكلمة (مسك) في الختام، والحديث كله من تمهييده إلى خاتمته مروراً بفصوله كان في المعترضين على خلفاء الله في أرضه، فأيّ مسكٍ يكون وأكثر الناس يقودها إبليس وجنده إلى جهنم وبئس المهاد، بل أيّ مسكٍ يبقى وبقية الله ووصيه المظلوم اليوم مشردين مطرودين من ديارهم، وأنصارهم تقتل وتسجن وتعذب، والأمة قد أظلها العذاب واقترب طوفانها الذي لا يبقي ولا يذر. نعم، حقهم علينا ونحن نستنَّ بسنن الأنبياء والأوصياء إن قبلنا الله بمنه وفضله في شيعتهم، ورغم علمنا بأنّا طلبنا الشرف كله، ولكن علمنا برحمته وعظيم فضله يدعونا ونحن نقف بباب الكريم أن نطلب ما لا نستحقه راجين، حقهم (قومنا) علينا أن نسعى جاهدين في النصيحة لهم والدعاء بالإفاقة من السبات العميق الذي غطوا فيه قبل فوات الأوان. فـ ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([791]). أجيبوا داعي الله (أحمد الحسن ع) وقد جاءكم كما جاء خلفاء الله سبحانه وحججه ممن تقدمه أقوامهم، وقد بان لكم بعض آياتهم وبيناتهم التي جاءوا بها وكان قانونه سبحانه في حججه (الوصية والنص، العلم والحكمة، الراية والحاكمية) قاسماً مشتركاً بين كل حجج الله كما استعرضناه في أولي العزم من الخلفاء الإلهيين وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين، والسيد أحمد الحسن ع قد جاءكم بذلك أيضاً كما توضح في تمهيد البحث. جاءكم وقد بيّن آباءه الطاهرين ص لكم اسمه ومسكنه وصفته وكل ما يتعلق بأمره، وبإمكان كل من لم يطلع إلى الآن أن يراجع كل ما كتبه هو روحي فداه، وبينه وأحكمه من متشابه القرآن الكريم والعقيدة الحقة، وفي ذلك أيضاً باب للتعرف عليه وأنه داعي الله الموعود بعد أن جعل أئمة الهدى ص إجابته عن العظائم سبيلاً للإيمان به وتصديقه. وكذلك بالإمكان الاطلاع على ما خطه أنصاره حفظهم الله في عشرات البحوث والكتب في بيان أدلة الحق وروايات الطاهرين ص في ذلك، وقد تقدم شيئاً يسيراً منها هنا أيضاً، ولكنه نقطة في بحر ما كتب في تبيين الحق وآياته وأدلته، ولولا أني في خاتمة لبينت بعض ما يرتبط بذلك لئلا يعترض معترض فيقول إنها مجرد دعوى لا غير، ولكن في الإحالة إلى ما ذكرت كفاية. يا قومنا أجيبوا داعي الله، وان أبيتم إلا الاعتراض والرفض فلا أقل انظروا إلى ما يقال بحقهع وبحق أنصاره ثم قارنوه (كل الذي يقال اليوم) بما بيّن في هذا البحث من أقوال المعترضين، ثم اعطفوا النظر على فعل كبار القوم اليوم وملئهم والذابين عنهم وقارنوه أيضاً بأفعال سادة المعترضين فيما سبق وملئهم وأتباعهم، ثم نظرة ثالثة إلى هدف المعترضين اليوم وقارنوه أيضاً بأهداف من سبق من المعترضين، فو الله - ولست بحاجة إلى قسم به سبحانه بعد وضوح الصورة وانطباقها تماماً - لا تجدون إلا تشابه بل تطابق قول المعترضين وفعلهم وهدفهم اليوم مع أسلافهم السابقين، ثم سلوا أنفسكم هذا السؤال: من تتبعون ؟ والى أين يسار بكم ؟ فإنّ في الإفاقة قبل الوقوع في الهاوية نجاة فيما إذا اخلص العبد لربه وتاب وأناب. وإذا كان لديكم إلى الآن شك في آيات داعي الله وبيناته أفهل تشكون في أن سادة المعترضين اليوم في أقوالهم وأفعالهم وهدفهم هو نفسه تماماً ما كان عليه المعترضون على أنبياء الله وأوصيائه فيما سبق ؟!! أفلا تفيقون ومتى ؟! يرحمكم الله. فإذا كانوا سادة الاعتراض قد اختاروا بسوء فعلهم وقبح سريرتهم أن يدخروا لقتال القائم ووصيه (عليهما السلام)، فما بالكم انتم تتبعونهم في تهيئكم واستعدادكم لقتال آل محمد وأنصارهم. هل تشكون في ذلك ؟ إذن اسمعوا هذه الخلاصة في خاتمةٍ لا أريد الإطالة فيها: رفض سادة الاعتراض اليوم دعوة الحلق وأفتوا بتكذيب داعي الله وبهدم مساجد الدعوة وحسينياتها ومحاربتها، والى اليوم لم يأتِ أحد منهم ومن سانده من الملأ بدليل على تكذيبها، وإن ذكر المسخّرون أنفسهم لخدمتهم شيئاً فستسمع التزوير والاستهزاء والاتهام والاستخفاف بمن يتبعهم ليس إلا، ويبقى التكذيب بلا دليل هو نهجهم، ولو نظرتم المعترضين فيما سبق لوجدتم حالهم كذلك في التكذيب بلا دليل كما تقدم ذكره. استهزؤوا وكانت السخرية نهجاً وصفة لا تفارقهم في تعاملهم مع الحق وهو يطرح عليهم، وهو نفسه ما فعله المعترضون فيما سبق أيضاً. اتهموه ع بالسحر والجنون والكذب والافتراء (وحاشاه من ذلك كله)، وأنه قد تعلم السحر في الهند، (الهند !!!) حتى يصعب التحقق على أتباعهم مما لو ذكروا لهم اسم منطقة قريبة يمكن سؤال أهلها، خصوصاً وأنّ الأتباع الأوفياء يأخذون منهم كل شيء بلا سؤال استفهامي حتى فضلاً عن طلب الدليل، ولو نظرتم إلى منهج المعترضين السابقين ستجدون مثل ذلك تماماً قد قيل على خلفاء الله، بل على سيدهم أعني رسول الله ص، أو تشكون في ذلك ؟! إذن، راجعوا كتاب الله لتتحققوا وإلا بماذا تقتنعون ؟! وأيضاً كما كان للملأ دور بارز مع سادة المعترضين فيما سبق كان لهم نفس الدور اليوم، ودائماً يكون لملأ الحكام الظلمة دور بارز في الترويج للباطل والماحججة به لرد آيات الحق وبيناته، وكان حالهم اليوم في الفسق والإتراف والإفتاء والجدال بالباطل كحال أسلافهم من الملأ الذين بيّن الله سبحانه حالهم في كتابه الكريم ولخصنا صفاتهم فيما مضى. وأما التهديد والقمع الذي جابه به قومنا دعوة الحق والقتل والتشريد والسجن والتعذيب فهو الآخر يذكرنا بمنهج المعترضين فيما سبق وأساليب الاضطهاد والظلم التي مارسوها مع خلفاء الله وأنصارهم. وطلبهم اليوم وإصرارهم على الإتيان بآية ومعجزة مادية من داعي الله استعجالاً للعذاب من حيث يعلمون أو لا يعلمون بعد رفضهم كل آيات الهداية وبينات الحق التي أتى بها رسل الله فيما سبق وقد جاء بها خليفة الله اليوم، مما لا يخفى على كل من استمع إليهم وهم يذكرون دعوة الحق، وهو الآخر متحد مع ما أصرّ عليه المعترضون على خلفاء الله في أقوام خلت. وأما بقية أقوالهم الأخرى عن أدلة السيد أحمد الحسن ع فاستمعوا لها وقارنوها بقول من سبق من أهل الاعتراض، فقالوا للسيد أحمد الحسن ع: ما سمعنا بهذا فيما سبق من أقوال علمائنا ومن سبقنا، وهل يفرق هذا عن قول: (ما سمعنا بهذا في ملة آبائنا الأولين) فيما سبق. وقالوا: إنّ ما جئت به من روايات تدل عليك ما هو إلا متهالك بل كلام عجائز، وقديماً قالها أسلافهم لحجج الله وكان جوابهم لما يرسل واحداً منهم: (ما أتيت به كله أساطير الأولين). وقالوا: كيف يعقل أن يكون وصي الإمام المهدي ع من البصرة ؟ وقد قالها علماء بني إسرائيل لعيسى ع لما بعث من الناصرة وهم يدعون أنهم ينتظرونه: نبي ومن الناصرة !!! وقالوا: أتباعك البسطاء والسذج والفقراء وقالها أسلافهم لخلفاء الله: (إن اتبعك إلا أراذلنا). فماذا بقي لم يقولوه ولم يفعلوه حتى تطمئنوا أنّ المعترضين على السيد أحمد الحسن ع اليوم هم معترضون على خليفة من خلفاء الله في أرضه، ولذا وصف الإمام الباقر ع أنّ الملتوي عليه من أهل النار، ماذا بقي اخبرونا لنأتي لكم بآية أو رواية تشهد على أنّ ما يقولوه أو يفعلوه قالته وفعلته أقوام سبقتهم في الاعتراض على حجج الله ؟!! ربما بقي اقتراحهم الأدلة التي يأتي بها الخليفة الإلهي أو اقتراح الخليفة نفسه كما عرضنا ذلك كله مفصلاً في فصل سنن المعترضين، ولكن اطمئنوا أنّ القوم اليوم أيضاً اقترحوا ذلك بقسميه، وسأكتفي لكل قسم بمثل واحد خوف الإطالة. أما بخصوص اقتراح ما يأتي به السيد أحمد الحسن ع حتى يصدقوا به، فليس ببعيد قول الكوراني واقتراحه بأن يسوّد له لحيته البيضاء، أو اقتراح اليعقوبي أن يخبره عما يضمره في نفسه، أو اقتراح بعض الملأ في النجف بأن يطير فوق قبة الإمام أمير المؤمنين ع، إلى آخره من السخافات التي تطير لبّ الحليم، وإلا لو كان دلائل الإيمان بخلفاء الله بحسب الطلب فما فائدة الوصية بهم، وما قيمة علمهم وحكمتهم وكل هذه الروايات في معرفة الداعي منهم ؟! ما فائدة ذلك كله بل ما فائدة القرآن الكريم بنظركم ؟! وأما بخصوص اقتراح نفس الخليفة فحدث عنه ولا حرج وكلٌ يجرُّ النار إلى قرصه، والمهم كل المهم أن يبعدوها عن آل محمد الطاهرين، ثم لتستقر بعد ذلك على أيٍّ كان يهودياً أو نصرانياً أو سفيانياً أو ...، فأحدهم لا يؤمن باليماني إلا أن يكون من بيت السيد الخوئي مثلاً أو الحكيم أو الشيرازي، بل سمعنا كثيراً من يقترح نفسه جهاراً بلا حياء أو خجل، وثاني يقترح أن يكون السيد حسن نصر الله، وثالث يريده الحوثي من اليمن، ورابع يقترح ... وهكذا، ويبقى المهم - كما قلت - أن لا يكون اليماني من آل محمد ص ثم ليكن من أي ملة ولو ألحدت وطغت وكفرت. ينقل أحد اليمنيين: إنّ الكوراني قد طلب منه أيام حركة الحوثي في اليمن أن يتابع له مسألة تحريمه لبيع السلاح؛ لأنها كانت في نظره علامة لتشخيص اليماني، يقول: فقلت له: يا شيخ، إنه رجل زيدي، والزيدية يعتقدون بإمامة زيد بن علي الشهيد وليسوا بإمامية أصلاً، فهم لا يعتقدون بإمامة الإمام الباقر ع ومن بعده من أئمة الهدى ص فضلاً عن الإمام المهدي ع الذي يدعو إليه اليماني (لأنه يدعو إلى صاحبكم). فقال المتخصص في قضية الإمام ع في نظر القوم: لا .. لا، انظر ما طلبت منك. ويماني الكوراني هذا يذكرني بقائد الرايات السود الذي يتحرك من قبل المشرق باتجاه الكوفة تمهيداً للإمام المهدي ع، لما حاول تصويره بأنه السيد الخميني (رحمه الله) وأنّ جيشه هم أصحاب الرايات السود، ولكنه هرول إلى حذفها سريعاً من كتابه (الممهدون للمهدي) بعد انتهاء الحرب وموت السيد الخميني (رحمه الله)، حقاً: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت. وعلى ذلك قس تصويره جهة الفتح واستقبال الأمة لإمامها، كما يسعى في كتبه، والحال أنّ القارئ لا يجد سوى صورة قبول منه - وليس قبولاً حقيقياً كما سيتضح - لبعض بالهوى، ورد لبعضها الآخر بالهوى أيضاً. وكنت قاصداً لما ذكرت الهوى حتى في حال قبوله بالرواية؛ لأنه يرفض مصداق ما يدعي قبوله، فمثلاً: هو يذكر في كتابه (المعجم الموضوعي: ص301) أن المهديين الاثني عشر يحكمون بعد أبيهم الإمام المهدي ع، ويأتي بالوصية المقدسة وغيرها دليلاً، ولكنه في نفس الوقت يعترض على (أحمد ع) اليوم، بل يقود وجماعته حملة الاعتراض والتكذيب والرد بلا دليل، هذا وهو يرى قبل غيره - باعتباره نقل الرواية وبنى عليها أمراً عقائدياً وهو حكومة المهديين بعد الإمام المهدي ع - أنّ أحمد في الوصية المقدسة وبنص رسول الله ص هو أول المؤمنين بأبيه وأول المقربين إلى أبيه ع، فبعد هذا في أي خانة يمكننا أن نضع صورة قبول الكوراني المزعوم بالرواية ؟! أكيد أنه قبول بهوى وباللسان فقط والذي يرجع في النهاية إلى الرد والتكذيب فعلاً وبالمحصلة استحقاق المقت من الله، فلم تقولون ما لا تفعلون إذن، وهل رأيتم غير وصي رفع الوصية دليلاً على صدقه ثم تبين انه غير وصي ؟! كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وأما الشيخ محمد السند فهو يحدد مداراً وقيداً لنصرة اليماني في رواية الإمام الباقرع: (.. ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، ومن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق والصراط المستقيم) وهو (توفر الموازين الشرعية في حركته)، إذ يقول محللاً لها بزعمه: (إنّ الرواية تعلل حرمة الإلتواء على اليماني، بأنه يدعو إلى الحق والصراط المستقيم، والى المهدي عجل الله فرجه، فالمدار في مناصرته على توفر الميزان والحدود الشرعية) ([792]). هذا، وهو يذكر في الوقت نفسه أنّ تعليل حرمة الالتواء على اليماني هو قوله ع: (لأنه يدعو إلى الحق والصراط المستقيم)، فبربكم، وبعد أن أطلق الإمام الباقر ع قوله بأنّ اليماني يدعو إلى الحق والصراط المستقيم ولم يفصل في أنّ ذلك في قول دون قول أو فعل دون فعل أو زمن دون زمن، بمعنى انه في كل ذلك يكون داعياً إلى الحق والصراط المستقيم، وهو في الحقيقة نصٌ على عصمته كما تقدم بيانه في التمهيد، فهل يصح بعد هذا يا سند أن تتوقع منه الانحراف عن الشريعة في فعل أو قول أو فكر حتى تقيّد نصرته في حركته بما ذكرت ؟ أو أنكم تعتبرونه مجتهداً في علومكم، والحال أنّ حكم الإمام ع بالنار على الملتوي عليه يدل بوضوح على أنّه حجة إلهية، وإلا فغير الحجة لا يتصف الملتوي عليه بأنه من أهل النار وإن صلى وصام وتولى حجج الله السابقين، واستفادة ذلك تتم أيضاً من إطلاق كلمة الإمام ع في أنّ مجرد الالتواء على اليماني يوجب النار بلا تفصيل وتقييد. فأتباع مثل هؤلاء قطعاً يكونون ممن قال عنهم أمير المؤمنين ع بأنهم: (المؤمّلة الفتح من غير جهته)، وأيّ جهة للفتح يريدها الله يتأملون ويدركون وهم قدموا قول هؤلاء على آل محمد ص وأطاعوهم من دونهم، فأضحت سفسطتهم وأهواؤهم وتخرصاتهم مقدمة على حكمة الطاهرين وحججهم وبيناتهم. هل بقي أمر آخر حتى تطمئن الناس من أتباع سادة المعترضين اليوم وتصدق أنها تسير وراء أئمة ضلال وعلماء خونة كما وصفهم رسول الله ص الذي لا ينطق عن الهوى لابن مسعود لما يصف آخر الزمان وأهله فيقول: (يا ابن مسعود، علماؤهم وفقاؤهم خونه فجرة، ألا أنهم أشرار خلق الله، وكذلك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق الله، يدخلهم نار جهنم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾([793]). ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾([794]). ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ﴾([795]). ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾([796]). ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾([797]). ﴿هُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾([798]). يدّعون أنهم على ديني وسنتي ومنهاجي وشرائعي، إنهم مني براء وأنا منهم بريء. يا ابن مسعود، لا تجالسوهم في الملأ، ولا تبايعوهم في الأسواق، ولا تهدوهم إلى الطريق، ولا تسقوهم الماء. قال الله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾([799]). يا ابن مسعود، ما بلوا أمتي، بينهم العداوة والبغضاء والجدال، أولئك أذلاء هذه الأمة في دنياهم، والذي بعثني بالحق ليخسفن الله بهم ويمسخهم قرده وخنازير. قال: فبكى رسول الله ص، وبكينا لبكائه، وقلنا: يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال: رحمة للأشقياء. يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾([800])، يعني العلماء والفقهاء) ([801]). فلترى الناس حالها ولتنظر وراء من تسير وإلى أين ؟ ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾([802]). فيا قومنا، ارجعوا إلى الله سبحانه ولا تتمادوا في غيكم وجهلكم وجرأتكم على حجج الله قبل انقضاء المدة وتمام العدة، وإلا ستخسرون الدنيا والآخرة، فللّه أمر هو بالغه بأحمد الحسنع، وكل ما هو آتٍ قريب، فانتظروا إنا منتظرون، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد الأئمة والمهديين أي منقلب ينقلبون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً. 26/ رجب الخير/ 1430Footers
[1] - البقرة: 156.
[2] العلق: 8.
[3] - الذاريات: 56.
[4] - عيون أخبار الرضا (: ج2 ص28.
[5] - مقدمة المتشابهات - السيد أحمد الحسن (: ج2.
[6] - بحار الأنوار: ج84 ص344.
[7] - الكافي: ج1 ص163، باب البيان والتعريف ولزوم الحجة: ح2.
[8] - مقاطع من الزيارة الجامعة، انظر: عيون أخبار الرضا (: ج2 ص272.
[9] - الكافي: ج1 ص179، باب لا تخلو الأرض من حجة: ح11.
[10] - البقرة :30 .
[11] - البقرة :31 .
[12] - الحجر : 29 .
[13] - الكهف: 50.
[14] - الأحزاب: 62.
[15] - الفتح: 23.
[16] - إضاءات من دعوات المرسلين - السيد احمد الحسن (: ج3.
[17] - القصص: 68.
[18] - أمالي الصدوق : ص242.
[19] - الكافي : ج1 ، ص 278 ، باب أن الإمامة عهد من الله ( .. ، ح2.
[20] - النحل: 127.
[21] - الزخرف: 89.
[22] - الحجر: 97.
[23] - الأنعام: 33.
[24] - غاية المرام وحجة الخصام: ج4 ص268.
[25] - النساء: 54.
[26] - نهج البلاغة، وعنه بحار الأنوار: ج23 ص117.
[27] - الحاقة: 44 – 46.
[28] - الكافي: ج1 ص284، باب الأمور التي توجب حجة الإمام (: ح3.
[29] - كتاب سليم بن قيس: ص245، تحقيق محمد باقر الأنصاري.
[30] - غيبة النعماني: ص52.
[31] - آل عمران: 110، عن أبي عبد الله (، قال: (قال الله تعالى: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ فإن ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين، أفترى أن من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية ؟ كلا، لم يعن الله مثل هذا من خلقه، يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم (: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ وهم الأمة الوسطى، وهم خير أمة أخرجت للناس) تفسير العياشي: ج1 ص63.
[32] - المتشابهات - السيد احمد الحسن (: ج4.
[33] - قال تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ الأحزاب: 67.
[34] - الأنعام: 149.
[35] - الأعراف: 157.
[36] - إثبات الهداة: ج1 ص194 – 195.
[37] - غيبة الطوسي: ح111، تحقيق عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[38] - مختصر بصائر الدرجات: ص149.
[39] - قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ البقرة: 180.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ المائدة: 106.
وقال تعالى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ يـس:49 – 50، حيث وصف الله تعالى أولئك الذين كذبوا الرسل وحاربوهم بأنهم لا يستطيعون توصية أي لا يمهلهم الله تعالى وقتاً لكي يوصوا إلى أهليهم، ولا يخفى أن ذلك ذماً لهؤلاء وسوء عاقبة.
[40] - الكافي: ج1 ص281، باب أن الأئمة / لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله ( .. : ح4.
[41] - كتاب سليم بن قيس: ص126، غيبة النعماني: ص81.
[42] - غيبة الطوسي: ح504، تحقيق عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية. والمقصود بالقائم في الحديث هو المهدي الأول ( وصي الإمام المهدي (، كما سيتضح إن شاء الله تعالى عند استعراض الروايات الشريفة.
[43] - كمال الدين وتمام النعمة: ص358.
[44] - بحار الأنوار: ج53 ص148.
[45] - تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج 3 ص253.
[46] - غيبة الطوسي : ح238، تحقيق عباد الله الطهراني ، مؤسسة المعارف الإسلامية .
[47] - جمال الأسبوع : ص310 .
[48] - بحار الأنوار : ج53 ص148 .
[49] - غيبة النعماني: ص173.
[50] - كشف الغمة: ج1 ص150.
[51] - الخصال: ص200.
[52] - غيبة النعماني: ص242.
[53] - غيبة النعماني: ص256.
[54] - آل عمران: 34.
[55] - المتشابهات - السيد احمد الحسن( : ج4.
[56] - غيبة الطوسي: ح20، تحقيق عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[57] - طه: 54.
[58] - بصائر الدرجات: ص33.
[59] - بحار الأنوار: ج28 ص186.
[60] - وفي هذا روايات، منها: عن هاني التمار، قال: قال لي أبو عبد الله (: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه) بحار الأنوار: ج51 ص145. وللإمام ووصيه غيبة كما هو معلوم في الروايات، أما غيبة الإمام ( فمعلومة، وأما غيبة وصيه فهي واضحة أيضاً برواية الاصبغ بن نباتة في المولود الذي تفكر فيه وهو من ظهر الحادي عشر من ولد أمير المؤمنين، فـ (صاحب الأمر) هنا أطلق على الاثنين.
[61] - غيبة النعماني: ص321.
[62] - الكافي: ج1 ص333، باب في النهي عن الاسم: ح4.
[63] - غيبة النعماني: ص163.
[64] - غيبة النعماني: ص179.
[65] - بحار الأنوار: ج51 ص134.
[66] - مائتان وخمسون علامة: ص120، كنز العمال: ج7 ص261، وتصحيح الرواية كما جاء عن اليماني (: (فلا يموت حتى يبلغ) بدل: (فلا يبلغه حتى يموت).
[67] - بشارة الإسلام: ص30 – 31.
[68] - غيبة النعماني: ص164.
[69] - غيبة النعماني: ص186.
[70] - غيبة النعماني: ص215.
[71] - بحار الأنوار: ج51 ص91.
[72] - بحار الأنوار: ج10 ص4.
[73] - غيبة الطوسي: ح228، تحقيق عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[74] - بحار الأنوار: ج52 ص34.
[75] - كمال الدين وتمام النعمة: ص653.
[76] - غيبة الطوسي: ص454 ح463.
[77] - الكافي: ج1 ص535، باب في أنه إذا قيل في الرجل شئ فلم يكن فيه ...: ح2.
[78] - كمال الدين وتمام النعمة: ص380.
[79] - غيبة النعماني: ص257 – 258.
[80] - غيبة النعماني: ص156.
[81] - عن عبد الكريم، قال: ذكر عند أبي عبد الله (القائم، فقال: (أنى يكون ذلك ولم يستدر الفلك، حتى يقال مات أو هلك، في أي واد سلك، فقلت: وما استدارة الفلك؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم) بحار الأنوار: ج52 ص228.
[82] - وان كنت ابدي تحفظي على هذا، أعني تأثير رأي مجلس أهل الخبرة في انتخاب الفقيه المرشح، إذ يبقى مقدار الرصيد المالي ومكر الحاشية - أولاد كانوا أو أتباع أوفياء - من له الدور الأبرز في فوز المرشح بمنصب الزعامة الدينية على امة تدعي أنها تدين لله بحاكميته؟!!
[83] - الإرشاد - الشيخ المفيد: ج1 ص347.
[84] - الكافي: ج1 ص379، باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام: ح2.
[85] - غيبة النعماني: ص242.
[86] - الرعد: 7.
[87] - ومن أراد تفصيل الكلام في الرؤيا فعليه بمراجعة بحث الأستاذ الأخ احمد حطاب في كتابه (فصل الخطاب).
[88] - يوسف: 3 – 4.
[89] - الصافات: 104 – 105.
[90] - الأنبياء: 5.
[91] - يوسف: 44.
[92] - دار السلام: ج4 ص236.
[93] - الكافي: ج8 ص90، حديث الأحلام والحجة على أهل ذلك الزمان: ح59.
[94] - يونس: 64.
[95] - الكافي: ج8 ص90، حديث الأحلام والحجة على أهل ذلك الزمان: ح60.
[96] - أمالي الصدوق: ص120 – 121، عيون أخبار الرضا (: ج1 ص287 – 288.
[97] - بحار الأنوار: ج52 ص110.
[98] - غيبة النعماني: ص197.
[99] - بشارة الإسلام: ص30.
[100] - بحار الأنوار: ج73 ص214.
[101] - بحار الأنوار: ج73 ص215.
[102] - الكافي: ج8 ص90، حديث الأحلام والحجة على أهل ذلك الزمان: ح58.
[103] - أمالي الطوسي: ج1 ص135.
[104] - بحار الأنوار: ج75 ص247.
[105] - بحار الأنوار: ج88 ص223.
[106] - بحار الأنوار: ج88 ص224.
[107] - بحار الأنوار: ج88 ص225.
[108] - غيبة النعماني: ص212.
[109] - غيبة الطوسي: ح462، تحقيق عباد الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[110] - غيبة الطوسي: ص61 ح61، تحقيق عباد الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[111] - بحار الأنوار: ج2 ص191.
[112] - المفضل بن عمر، قال: (كنت عند أبي عبد الله ( في مجلسه ومعي غيري، فقال لنا: إياكم والتنويه - يعني باسم القائم ( - وكنت أراه يريد غيري، فقال لي: يا أبا عبد الله إياكم والتنويه، والله ليغيبن سبتاً من الدهر وليخملن حتى يقال: مات، أو هلك بأي واد سلك، ولتفيضن عليه أعين المؤمنين وليكفأن كتكفئ السفينة في أمواج البحر حتى لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيده بروح منه، ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي. قال المفضل: فبكيت، فقال لي: ما يبكيك؟ قلت: جعلت فداك كيف لا أبكى وأنت تقول: ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي، قال: فنظر إلى كوة في البيت التي تطلع فيها الشمس في مجلسه فقال: أهذه الشمس مضيئة؟ قلت: نعم، فقال: والله لأمرنا أضوء منها) غيبة النعماني: ص152.
[113] - بيان قائم آل محمد السيد أحمد الحسن ( في (عاشر محرم الحرام / 1429):
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
)أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج: 39 – 40.
أيها المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا طاغياً ولا ظالماً ولا طالبا لظلم أحد، والحمد لله الذي لم يجعلني جباراً شقياً،جئت لأشهد للحق ولأصلح ما افسد الظالمون من دين الله سبحانه وتعالى، رفعت القلم والكلمة الحكيمة وفصل الخطاب فما وجد علماء الضلالة الخونة رداً في حوزتهم إلا الكلمة الخبيثة والسب والشتم والافتراء والتزوير والبهتان العظيم، فقابلتهم بالإحسان لما عفت نفسي عمن كشفوا عوراتهم دون خجل أو حياء ولو من التاريخ الذي سيسطرهم كلمات خبيثة مليئة بالجهل وقول الزور والبهتان والافتراء.
وما وجدوا للرد على الكلمة الحكيمة إلا الحراب، فوجهوا أذنابهم من الطواغيت مرة بعد أخرى لهدم دور عبادتنا، واعتقال المؤمنين فوجدنا الله خير حصن نتحصن به وأوسع كهف نلجه، ووجدنا الصبر معيناً وملاذاً نلوذ به. ولكن هيهات لو ترك القطا لنام، فأبى الظالمون إلا الإمعان في أذيتنا، وعادوا إلى ما اعتادوا من ظلم وجور وهدم وحرق وتقتيل وسجن وتعذيب المؤمنين وفي الأشهر الحرم بالذات، وركزوا هذه المرة بين اثنتين السلة أو الذلة وهيهات منا الذلة هيهات منا الذلة هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون. فما قيامنا اليوم إلا دفاع عن النفس والعقيدة والدين الإلهي الحق الذي يريد الظالمون طمسه. فنار قد أوقدوها وفتنة قد أججوها لن نطفئها هذه المرة حتى يأتينا الله بنصره العزيز الموعود المؤزر وسيحترقون بنارهم ويهلكون بفتنتهم إنشاء الله، وسيحلبونها دماً عبيطاً وسيخسر هنالك المبطلون وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
وأوجه نصيحة إلى كل من جنده علماء الضلالة الخونة عملاء الاحتلال والطاغوت أن يختار الحرية كما اختارها الحر الرياحي، وأن ينتقل إلى جيش الغضب الإلهي إلى جيش الحق إلى جيش الحسين، فإن الفرص تمر مر السحاب وهذه هي فرصة لكل من يريد أن ينصر محمد وال محمد / والأنبياء والمرسلين /، وفرصة لكل من يريد أن ينصر الله سبحانه وتعالى.
فهل من ناصر ينصر الإمام المهدي؟ هل من ناصر ينصرنا؟ هل من عاقل يختار الجنة وينجي نفسه من عذاب الجحيم؟ والحمد لله وحده.
توكلنا على الذي فطر السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فهو نعم المولى ونعم النصير.(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).
أحمد الحسن
وصي ورسول الإمام المهدي (
محرم الحرام / 1429 هـ .ق
[114] - غيبة النعماني: ص179.
[115] - غيبة النعماني: ص297.
[116] - غيبة النعماني: ص298.
[117] - غيبة النعماني: ص284.
[118] - بحار الأنوار: ج52 ص338.
[119] - تفسير القمي: ج1 ص36.
[120] - البقرة: 30.
[121] - الأنبياء: 23.
[122] - البقرة: 30 – 34.
[123] - تفسير العياشي: ج1 ص30 ح7.
[124] - قال الإمام الصادق (: (الحسد حسدان: حسد فتنة وحسد غفلة، فأما حسد الغفلة فكما قالت الملائكة حين قال الله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ أي اجعل ذلك الخليفة منا ولم يقولوا حسداً لآدم من جهة الفتنة والرد والجحود. والحسد الثاني الذي يصير به العبد إلى الكفر والشرك فهو حسد إبليس في رده على الله وإبائه عن السجود لآدم () بحار الأنوار: ج75 ص255.
[125] - تفسير الإمام العسكري (: ص216 ح100.
[126] - كمال الدين وتمام النعمة: ص14.
[127] - الكافي: ج1، باب مولد النبي /: ح10.
[128] - تفسير العياشي: ج1 ص32 ح11.
[129] - علل الشرائع: ج1 ص9.
[130] - يوسف: 4.
[131] - من خطبة لأمير المؤمنين (: (… فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذا أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة. فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصية؟ كلا، ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً إن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد. وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين) نهج البلاغة: ج2 خطب الإمام علي ( ص 138.
[132] - الحج: 18.
[133] - النساء: 115.
[134] - القيامة: 13 – 15.
[135] - إضاءات من دعوات المرسلين - السيد احمد الحسن :( ج3.
[136] - البقرة: 34.
[137] - الكهف: 50.
[138] - بحار الأنوار: ج11 ص119.
[139] - تفسير القمي: ج1 ص35.
[140] - تفسير القمي: ج1 ص41 – 42.
[141] - الكافي: ج2 ص308، باب العصبية: ح6.
[142] - غيبة النعماني: ص256.
[143] - تفسر القمي: ج1 ص42.
[144] - نصيحة خطية منه ( في توجيهه لكتابة هذا البحث.
[145] - بحار الأنوار: ج16 ص210.
[146] - بحار الأنوار: ج66 ص293.
[147] - كتاب المتشابهات - السيد احمد الحسن (: ج3.
[148] - ص: 82 – 83.
[149] - الأعراف: 17.
[150] - تفسير القمي: ج1 ص42.
[151] - الحجر: 36.
[152] - كتاب المتشابهات - السيد أحمد الحسن (: ج4.
[153] - نصيحة خطية منه ( لأنصاره.
[154] - نصيحة خطية منه ( لأنصاره.
[155] - القصص: 83.
[156] - الفرقان: 74.
[157] - الأعراف: 56.
[158] - الحجر: 28 – 43.
[159] - تفسير العياشي: ج2 ص241 ح 13.
[160] - الاحتجاج: ج1 ص368.
[161] - البرهان في تفسير القرآن: ج3 ص356.
[162] - مائة منقبة: ص160، البرهان: ج3 ص367.
[163] - قال السيد أحمد الحسن ( في بيان هذه الحقيقة تعقيباً على قوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾: (المخلوق الأول هو: حقيقة الإنسان إذا ارتقى إلى أعلى عليين، والمخلوق الثاني هو: حقيقة الإنسان إذا أزرى بنفسه إلى أسفل سافلين، والأول هو العقل أو محمد /. أما الثاني فهو الجهل أو الثاني، وكلاهما إنسان، ولذا قال تعالى: ﴿خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾، أي خلقنا الإنسان فجعلنا أعلى مراتب الارتقاء للإنسان، وأسفل مراتب التدني أيضاً للإنسان.
قال أبو عبد الله (: (إن الله ( خلق العقل، وهو أول خلق من الروحانيين، عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقا عظيماً وكرمتك على جميع خلقي. قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً. فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فلم يقبل. فقال له استكبرت، فلعنه) بحار الأنوار: ج1 ص97.
فالذي علـَّم الملائكة المقربين هو: (العقل الأول)، وهو محمد / وهو إنسان، والذي أردى إبليس (لعنه الله) وأغواه أيضاً إنسان وهو الثاني أو الجهل، فهذا قول إبليس (لعنه الله): ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الحجر:39، أي بالذي أغويتني به. المتشابهات: ج4.
[164] - الكافي: ج1ص424، باب نكت ونتف من التنزيل في الولاية: ح63.
[165] - مختصر بصائر الدرجات: ص68.
[166] - تفسير العياشي: ج1 ص242 ح15.
[167] - بصائر الدرجات: ص193.
[168] - المدثر: 11 – 16.
[169] - تأويل الآيات الظاهرة: ج2 ص734.
[170] - تفسير العياشي: ج2 ص242 ح14.
[171] - كمال الدين وتمام النعمة: ص650.
[172] - الشعراء: 4.
[173] - القمر: 2.
[174] - غيبة النعماني: ص260.
[175] - كما نقلها الأخ أحمد حطاب وفقه الله في كتابه (فصل الخطاب) عن غيبة النعماني: ص253 – 266.
[176] - غيبة الطوسي: ح425، تحقيق عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[177] - غيبة الطوسي: ح437، تحقيق عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[178] - الملاحم والفتن: ص27.
[179] - المصدر نفسه: ص80.
[180] - غيبة النعماني: ص164.
[181] - غيبة النعماني: ص163.
[182] - القصص: 85.
[183] - بحار الأنوار: ج53 ص113 – 114.
[184] - بحار الأنوار: ج52 ص 330.
[185] - بحار الأنوار: ج52 ص331.
[186] - بحار الأنوار: ج53 ص59 – 60.
[187] - غيبة النعماني: ص141 .
[188] - بحار الأنوار: ج52 ص360 – 361.
[189] - غيبة الطوسي: ح127، تحقيق عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية.
[190] - الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس: ص66.
[191] - وهو نفسه الذي أشار إليه أمير المؤمنين ( في رواية جيش الغضب حيث قال: (... أولئك قوم يأتون في آخر الزمان قزع كقزع الخريف، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتى يبلغ تسعة، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم، ثم نهض وهو يقول: باقراً باقراً باقراً، ثم قال: ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقراً) كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص325.
[192] - بحار الأنوار: ج52 ص269.
[193] - التوبة: 33 .
[194] - مختصر بصائر الدرجات: ص179 – 180.
[195] - عن أبي عبد الله (، قال: (إذا قام القائم ( دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر وضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهديا؛ لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي القائم لقيامه بالحق) بحار الأنوار: ج51 ص30.
[196] - غيبة النعماني: ص206 .
[197] - غيبة النعماني: ص208.
[198] - غيبة النعماني: ص204.
[199] - غيبة النعماني: ص202.
[200] - غيبة النعماني: ص209 – 210.
[201] - غيبة النعماني: ص129.
[202] - الاحتجاج: ج1 ص368.
[203] - تفسير العياشي: ج1 ص34 ح18.
[204] - تفسير العياشي: ج1 ص306 ح77.
[205] - المائدة: 27.
[206] - تفسير العياشي: ج1 ص309 ح78.
[207] - البرهان: ج4 ص181.
[208] - اضاءات من دعوات المرسلين: ج3 ص7 السيد أحمد الحسن (.
[209] - هود: 28.
[210] - الأعراف: 63.
[211] - نوح: 5 – 9.
[212] - بحار الأنوار: ج11 ص285.
[213] - نوح: 15 – 20.
[214] - هود: 25.
[215] - كمال الدين وتمام النعمة: ص215 ح1.
[216] - نوح: 15 – 25.
[217] - بحار الأنوار: ج11 ص326.
[218] - بحار الأنوار: ج11 ص329.
[219] - يعني قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ النور: 55.
[220] - كمال الدين وتمام النعمة: ص355 – 356، وعنه في بحار الأنوار: ج51 ص222.
[221] - عيون أخبار الرضا (: ج2 ص74 ح2.
[222] - الذاريات: 42.
[223] - بحار الأنوار: ج11 ص363.
[224] - البقرة: 132.
[225] - الأنعام: 84 .
[226] - كمال الدين وتمام النعمة: ص215 – 216.
[227] - بحار الأنوار: ج12 ص41.
[228] - بحار الانوار: ج12 ص29 – 30.
[229] - علل الشرائع: ج1 ص51 ح1.
[230] - علل الشرائع: ج1 ص51 ح3.
[231] - الصافات: 104 – 106.
[232] - بحار الأنوار: ج12 ص127.
[233] - مريم: 43.
[234] - الشعراء: 75 – 82.
[235] - علل الشرائع: ج2 ص179 ح2.
[236] - الحج: 27.
[237] - البقرة: 258.
[238] - بحار الأنوار: ج12 ص38.
[239] - علل الشرائع: ج2 ص450 ح28.
[240] -الأنبياء: 52 – 57.
[241] الأنبياء: 58.
[242] الأنبياء: 62.
[243] - الأنبياء: 63.
[244] - الأنبياء: 65.
[245] - الأنبياء: 66 – 67.
[246] - الشعراء: 75 – 77.
[247] - الأنبياء: 68.
[248] - الأنبياء: 69 – 73.
[249] - اضاءات من دعوات المرسلين: ج1 ص12 السيد أحمد الحسن (.
[250] - هود: 81.
[251] - هود: 80.
[252] - الكافي: ج ه ص546 ح5.
[253] - بحار الأنوار: ج11 ص63.
[254] - بحار الأنوار: ج30 ص410.
[255] - القصص: 8 – 9.
[256] - غافر: 29.
[257] - العجل : ج1 السيد أحمد الحسن (.
[258] - يقول السيد أحمد الحسن ( وهو يبرز أهم ما ميز دعوة موسى(: (بدأ موسى ( بقتل أحد زبانية فرعون، وهذا الموقف في غاية الشدة، فالقتل والقتال عادة يكون آخر وسيلة للدعوة ولنشر كلمة لا إله إلا الله، فما الذي جعله هنا أول خطوة ؟! والحقيقة هناك عدة أسباب منها:
أ- إن موسى كان في مواجهة طاغية متسلط على رقاب الناس، يقتل ويسلب وينهب ويستضعف أهل الأرض دونما رادع، فكان عمل موسى المبارك بقتل هذا الجندي الشيطاني طعنة نجلاء لفرعون وحزبه وجنوده ورادعاً عظيماً لهم.
ب- كان لهذا العمل أثراً عظيماً في تشجيع بني إسرائيل وتثويرهم على فرعون وجنوده وتهيئتهم للثورة المستقبلية التي قام بها موسى ( بعد عودته.
ج- كان لهذه العملية أهمية في إظهار شخصية موسى ( كثائر على ظلم فرعون وجنوده، وتعريف بني إسرائيل أهمية هذا القائد العظيم الذي سيقوم بتخليصهم من فرعون وجنوده فيما بعد.
د- كان لهذه العملية أهمية في دفع تهمة موالاة فرعون (لعنه الله) عن موسى ( والتي تلبس بها (؛ لأنه كان ربيباً لفرعون ويعيش في قصره) إضاءات من دعوات المرسلين: ج1 السيد أحمد الحسن (.
[259] - العجل: ج1 السيد أحمد الحسن (.
[260] - اضاءات من دعوات المرسلين: ج1 ص18.
[261] - أمالي الصدوق: ص242.
[262] - القصص: 14.
[263] - النازعات: 24.
[264] - الأعراف: 104.
[265] - الأعراف: 120 – 122.
[266] - العجل: ج1 السيد أحمد الحسن (.
[267] - طه: 87 – 91.
[268] - بحار الأنوار: ج5 ص217.
[269] - الأعراف: 176.
[270] - تفسير القمي: ج1ص 268.
[271] - الشعراء: 10 – 13.
[272] - طه: 70.
[273] - ما جاء في هذه الفقرة مما دار بين الحجتين: (موسى والعبد الصالح عليهما السلام) مستقى من كلام السيد أحمد الحسن ( في تبيانه لبعض ما دار في اللقاء الإلهي.
[274] - الكهف: 67، 72، 75، 78، 82.
[275] - فصلت: 35.
[276] - الكهف: 66.
[277] - الكهف: 69.
[278] - الكهف: 76.
[279] - الكهف: 70.
[280] - غيبة النعماني: ص246 – 247.
[281] - الكهف: 60.
[282] - الكهف: 61.
[283] - الأعراف: 145.
[284] - تفسير القمي: ج2 ص38.
[285] - الرحمن: 19.
[286] - الرحمن: 22.
[287] - بحار الأنوار: ج24 ص97.
[288] - بحار الأنوار: ج24 ص98.
[289] - بحار الأنوار: ج52 ص336.
[290] - الكهف: 73.
[291] - الكهف: 79 – 82.
[292] - مريم: 28.
[293] - إنجيل متي - إصحاح 28.
[294] - إرشاد القلوب للديلمي، قصص الأنبياء للجزائري.
[295] - إنجيل متي - الإصحاح 15: 14 – 15.
[296] - إصحاح متي: 23.
[297] - هود: 27.
[298] - البقرة: 96.
[299] - النساء: 157 – 159.
[300] - كتاب العجل: ج1 السيد أحمد الحسن (.
[301] - الزخرف: 63.
[302] - الصف: 6.
[303] - والرفع لا يعني الموت كما هو معلوم بل هو حياة في عالم آخر غير هذا العالم المادي، وأيضاً لا يمنع أن يأتي المرفوع بإذن ربه إلى هذه الأرض لانجاز مهام يكلفه الله سبحانه بها كما كان من حال عيسى ( مع بعض حوارييه بعد رفعه، وكما نعتقد بنزوله ومساعدته للإمام المهدي (.
[304] - الأعراف: 172.
[305] - الكافي: ج1 ص648 باب مولد النبي / ح6.
[306] - الكافي: ج1 ص 652 باب مولد النبي / ح17.
[307] - عن أبي عبد الله ( قال: قلت له: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ﴾ ؟ فقال: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون) الكافي: ج1 ص70 ح1.
[308] - الإسراء:105.
[309] - اضاءات من دعوات المرسلين: ج1 ص24 السيد أحمد الحسن (.
[310] - الكافي: ج8 ص63 حديث موسى ( ح8.
[311] - الصف: 6.
[312] - الكافي: ج1 ص434 باب النص على أمير المؤمنين ( ح3.
[313] - بحار الأنوار: ج11 ص48.
[314] - الجمعة: 2.
[315] - كتاب العجل: ج1 السيد أحمد الحسن (.
[316] - بحار الأنوار: ج19 ص22.
[317] - آل عمران: 144.
[318] - القصص: 68.
[319] - آل عمران: 26.
[320] - مسند احمد: ج4 ص281.
[321] - كنز العمال: رقم الحديث 36371.
[322] - المعجم الكبير: ج6 ص221.
[323] - المعجم الكبير: ج5 ص203 ح5095.
[324] - حلية الأولياء: ج1 ص65.
[325] - المعجم الكبير: ج3 ص145 ح4657.
[326] - المطالب العالية لابن حجر: رقم الحديث 4026.
[327] - خصائص الصحابة: حديث رقم 11.
[328] - كنز العمال: رقم الحديث 36463.
[329] - مسند أبي يعلى: ج1 ص109 ح770.
[330] - القصص: 83.
[331] - بحار الأنوار: ج29 ص497.
[332] - التوبة: 49.
[333] - المائدة: 50.
[334] - النمل: 16.
[335] - الأنعام: 67.
[336] - هود: 39.
[337] - بحار الأنوار: ج29 ص225.
[338] - صحيح البخاري: ج1 ص30 باب كتابة العلم.
[339] - النجم: 3 – 4.
[340] - الأنبياء: 107.
[341] - البقرة: 180.
[342] - صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير ح2888، صحيح مسلم: كتاب الوصية ح1637، مسند أحمد بن حنبل: ج1 ص222.
[343] - النهاية في غريب الحديث: ج5 ص212، لسان العرب: ج5 ص254.
[344] - مسند احمد: ج1 ص87 ح661.
[345] - كتاب سليم بن قيس: ص245 تحقيق محمد باقر الأنصاري.
[346] - لقمان: 27.
[347] - بحار الأنوار: ج24 ص174.
[348] - البقرة: 189.
[349] - بحار الأنوار: ج24 ص248.
[350] - القصص: 88.
[351] - بحار الأنوار: ج4 ص5.
[352] - التغابن: 8.
[353] - بحار الأنوار: ج23 ص308.
[354] - بحار الأنوار: ج26 ص260.
[355] - التكاثر: 8.
[356] - بحار الأنوار: ج7 ص 272.
[357] - الشورى: 23.
[358] - بحار الأنوار: ج22 ص322.
[359] - النحل: 43.
[360] - الطلاق: 10 – 11.
[361] - بحار الأنوار: ج23 ص173.
[362] - الكافي: ج8 ص91 خطبة لأمير المؤمنين ( ح22.
[363] - بحار الأنوار: ج39 ص56.
[364] - بحار الأنوار: ج52 ص362.
[365] - الأعراف: 60.
[366] - القمر: 9.
[367] - هود: 27، 32.
[368] - المؤمنون: 24 – 25.
[369] - الشعراء: 111، 116.
[370] - هود: 37 – 38.
[371] - المؤمنون: 33 – 38.
[372] - الأعراف: 66، 70.
[373] - هود: 53 – 54.
[374] - الشعراء: 136 – 138.
[375] - الاحقاف: 21 – 22.
[376] - الأعراف: 75 – 76.
[377] - هود: 62.
[378] - الشعراء: 153 – 154.
[379] - النمل: 46، 47، 49.
[380] - القمر: 23 – 31.
[381] - الشعراء: 69 – 74.
[382] - العنكبوت: 24.
[383] - البقرة: 258.
[384] - مريم: 46.
[385] - الأنبياء: 55.
[386] - الأنبياء: 59، 60، 68.
[387] - الأعراف: 82.
[388] - الشعراء: 167.
[389] - النمل: 56.
[390] - العنكبوت: 29.
[391] - القمر: 33، 36، 37 .
[392] - الأعراف: 88، 90.
[393] - هود: 87، 91.
[394] - الشعراء: 185 – 187.
[395] - العنكبوت: 36 – 37.
[396] - يونس: 75 – 78.
[397] - القصص: 36.
[398] - المؤمنون: 45 – 47.
[399] - العنكبوت: 39.
[400] - الزخرف: 46 – 54.
[401] - الإسراء: 101.
[402] - طه: 57.
[403] - الشعراء: 27.
[404] - طه: 51.
[405] - الشعراء: 29.
[406] - القصص: 38 – 39.
[407] - الشعراء: 49.
[408] - طه: 63 – 64.
[409] - الأعراف: 109 – 110.
[410] - الأعراف: 127.
[411] - مريم: 27 – 29.
[412] - الزخرف: 63، 65.
[413] - الصف: 6.
[414] - البقرة: 247.
[415] - الصافات: 123 – 127.
[416] - الأنعام: 8، 10.
[417] - الأنعام: 25، 26، 29.
[418] - فصلت: 5.
[419] - الحجر: 6 – 11.
[420] - الإسراء: 76 – 77.
[421] - الإسراء: 90 – 94.
[422] - الفرقان: 41 – 42.
[423] - سبأ: 29 – 30.
[424] - سبأ: 43.
[425] - فاطر:4.
[426] - فاطر: 25.
[427] - الجاثية: 6 – 9.
[428] - فصلت: 26.
[429] - الزخرف: 30 – 31.
[430] - الاحقاف: 7 – 8.
[431] - السجدة: 3.
[432] - الأنفال: 31 – 32.
[433] - يونس: 15.
[434] - الرعد: 7.
[435] - الرعد: 27.
[436] - الرعد: 43.
[437] - الأنبياء: 36.
[438] - الأنعام: 10.
[439] - الفرقان: 4 – 8.
[440] - العنكبوت: 50 – 51.
[441] - ص: 4 – 8.
[442] - الطور: 30 – 34.
[443] - المؤمنون: 44.
[444] - سبأ: 34 – 35.
[445] - يس: 13 – 18.
[446] - غافر: 82 – 85.
[447] - إبراهيم: 13.
[448] - إبراهيم: 44.
[449] - الحجر: 80 – 81.
[450] - النحل: 35.
[451] - مريم: 73.
[452] - الأنبياء: 1 – 6.
[453] - الحج: 72.
[454] - المؤمنون: 66 – 71.
[455] - المؤمنون: 82 – 83.
[456] - الفرقان: 21.
[457] - القصص: 48.
[458] - لقمان: 21.
[459] - سبأ: 3.
[460] - سبأ: 7 – 8.
[461] - يس: 46 – 47.
[462] - الصافات: 13 – 17.
[463] - الزخرف: 20 – 25.
[464] - الجاثية: 25.
[465] - الجاثية: 32 – 33.
[466] - ق: 12 – 14.
[467] - القمر: 2 – 3.
[468] - المطففين: 11 – 14.
[469] - المطففين: 29 – 33.
[470] - سبأ: 44 – 45.
[471] - الرعد: 38.
[472] - إبراهيم: 11.
[473] - المؤمنون: 44.
[474] - إبراهيم: 12.
[475] - الأعراف: 59.
[476] - الأعراف: 65.
[477] - هود: 61.
[478] - العنكبوت: 16 – 17.
[479] - الشعراء: 161 – 163.
[480] - هود: 84.
[481] - إبراهيم: 5.
[482] - الصف: 6.
[483] - الصافات: 123 – 126.
[484] - سبأ: 28.
[485] - الرعد: 30.
[486] - الروم: 47.
[487] - الروم: 47.
[488] - الأحزاب: 62 .
[489] - الفتح: 23 .
[490] - المؤمنون: 44.
[491] - ق: 12 – 14.
[492] - الأحزاب: 67.
[493] - القمر: 9.
[494] - الأعراف: 66.
[495] - القمر: 23.
[496] - القمر: 33.
[497] - الشعراء: 186.
[498] - القصص: 38.
[499] - الصافات: 127.
[500] - فاطر: 25.
[501] - هود: 62.
[502] - ص: 8.
[503] - إبراهيم: 9.
[504] - إثبات الهداة: ج1 ص 195.
[505] - الحجر: 6 – 11.
[506] - المطففين: 29 – 31.
[507] - الصافات: 14.
[508] - الأنعام: 10.
[509] - هود: 38.
[510] - الأعراف: 66، 70.
[511] - الأنبياء: 55.
[512] - الزخرف: 47.
[513] - الفرقان: 41.
[514] - الأنبياء: 36.
[515] - الجاثية: 6 – 8.
[516] - الأنبياء: 2.
[517] - غافر: 83.
[518] - مريم : 27 – 29.
[519] - القمر: 9.
[520] - المؤمنون: 25.
[521] - المؤمنون: 38.
[522] - الشعراء: 153.
[523] - القمر: 25.
[524] - الشعراء: 185.
[525] - الإسراء: 101.
[526] - الأعراف: 109.
[527] - الشعراء: 27.
[528] - الصف: 6.
[529] - الحجر: 6.
[530] - سبأ: 43.
[531] - الاحقاف: 8.
[532] - الطور: 30، 34.
[533] - الفرقان: 4.
[534] - بحار الأنوار: ج19 ص22.
[535] - بحار الأنوار: ج19 ص22.
[536] - البقرة: 180.
[537] - المائدة: 106.
[538] - لست اقصد بها سوى المثال فقط، وإلا ففتاواهم فيما يتعلق بإنكار الدعوة اليمانية المباركة وحربها كثيرة وبحاجة إلى بحث مستقل، وما تم التمثيل به هذا نصه:
/
[539] - الزخرف: 54.
[540] - القصص: 38 – 39.
[541] - الشعراء: 49.
[542] - الأعراف: 127.
[543] - سبأ: 34.
[544] - المؤمنون: 24 – 25.
[545] - الأعراف: 75 – 76.
[546] - الإسراء: 16.
[547] - يوسف: 43.
[548] - النمل: 32.
[549] - الأعراف: 60.
[550] - هود: 27، 32.
[551] - المؤمنون: 24 – 25.
[552] - المؤمنون: 33 – 38.
[553] - الأعراف: 66، 70.
[554] - الأعراف: 75 – 76.
[555] - الأعراف: 88، 90.
[556] - القصص: 38 – 39.
[557] - الأعراف: 109 – 110.
[558] - الأعراف: 127.
[559] - يس: 18.
[560] - إبراهيم: 13.
[561] - الشعراء: 116.
[562] - النمل: 49.
[563] - العنكبوت: 24.
[564] - مريم: 46.
[565] - الأنبياء: 68.
[566] - الأعراف: 82.
[567] - الشعراء: 167.
[568] - النمل: 56.
[569] - هود: 91.
[570] - الشعراء: 29.
[571] - الشعراء: 49.
[572] - الأعراف: 127.
[573] - مختصر بصائر الدرجات: ص 131.
[574] - الأحزاب: 67.
[575] - هود: 32.
[576] - الأعراف: 70.
[577] - الاحقاف: 22.
[578] - الشعراء: 154.
[579] - النمل: 46.
[580] - العنكبوت: 29.
[581] - الشعراء: 187.
[582] - سبأ: 29.
[583] - الأنفال: 32.
[584] - بحار الأنوار: ج95 ص167.
[585] - العنكبوت: 40.
[586] - الاحقاف: 9.
[587] - آل عمران: 34.
[588] - الروم: 47.
[589] - هود: 96.
[590] - الزخرف: 46.
[591] - إبراهيم: 5.
[592] - الرعد: 30.
[593] - النساء: 79.
[594] - البقرة: 151.
[595] - قال تعالى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ البقرة: 1 – 5، وواضح أنّ الله سبحانه مدح الذين يؤمنون بالغيب ووصفهم بأنهم المتقون وبالنهاية هم المفلحون.
[596] - الحديد: 25.
[597] - يونس: 90 – 91.
[598] - يونس: 92.
[599] - غافر: 78.
[600] - الرعد: 38.
[601] - إبراهيم: 11.
[602] - الأنعام: 158.
[603] - كمال الدين وتمام النعمة: ص336 ح8 .
[604] - تفسير العيّاشي: ج1 ص384 ح128.
[605] - الإسراء: 15.
[606] - المائدة: 70.
[607] - المؤمنون: 66 – 71.
[608] - المؤمنون: 24.
[609] - الأعراف: 70.
[610] - الاحقاف: 21 – 22.
[611] - هود: 62.
[612] - مريم: 46.
[613] - الشعراء: 74.
[614] - هود: 87.
[615] - القصص: 36.
[616] - يونس: 75 – 78.
[617] - طه: 51.
[618] - الفرقان: 42.
[619] - سبأ: 43.
[620] - الأنبياء: 36.
[621] - ص: 5 – 7.
[622] - التوبة: 31.
[623] - الكافي: ج1 ص70 باب التقليد ح1.
[624] - الكافي: ج1 ص70 باب التقليد ح3.
[625] - لقمان: 21.
[626] - الزخرف: 22 – 25.
[627] - هود: 27.
[628] - الشعراء: 111.
[629] - مريم: 73.
[630] - الكافي: ج1 ص357 باب فيه نكت من التنزيل في الولاية ح90.
[631] - عن أبي بصير، قال: قلت للصادق (: يا ابن رسول الله، سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم ( اثنا عشر إماما، فقال: (قد قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) بحار الأنوار: ج53 ص115.
[632] - بحار الأنوار: ج65 ص164.
[633] - بحار الأنوار: ج65 ص166.
[634] - مستدرك الوسائل - الميرزا النوري: ج12 ص57 – 58.
[635] - الأنبياء: 1 – 3.
[636] - الإسراء: 94.
[637] - يس: 15.
[638] - المؤمنون: 24.
[639] - المؤمنون: 33.
[640] - الشعراء: 154.
[641] - القمر: 24.
[642] - الشعراء: 186.
[643] - المؤمنون: 45 – 47.
[644] - الأنبياء: 3.
[645] - ص: 8.
[646] - المؤمنون: 33 – 38.
[647] - الفرقان: 20.
[648] - المائدة: 75.
[649] - الفرقان: 20.
[650] - بحار الأنوار: ج52 ص154.
[651] - آل عمران: 184.
[652] - المائدة: 32.
[653] - الأعراف: 101.
[654] - هود: 53 – 54.
[655] - هود: 32.
[656] - يس: 15.
[657] - الأنفال: 31.
[658] - إبراهيم: 9.
[659] - غافر: 83.
[660] - البقرة: 151.
[661] - الزخرف: 63.
[662] - بحار الأنوار: ج52 ص362.
[663] - غافر: 34.
[664] - يوسف: 44.
[665] - الأنعام: 25.
[666] - الأنفال: 31.
[667] - القلم: 15، المطففين: 13.
[668] - إبراهيم: 4.
[669] - الزخرف: 52.
[670] - هود: 91.
[671] - مستدرك الوسائل - الميرزا النوري: ج4 ص278 ح7.
[672] - المصدر السابق: ح8.
[673] - المصدر السابق: ح3.
[674] - السرائر - ابن إدريس الحلي: ج3 ص626.
[675] - اختيار معرفة الرجال - الشيخ الطوسي: ج2 ص700 .
[676] - البقرة: 258.
[677] - سبأ: 34 – 35.
[678] - البقرة: 247.
[679] - الزخرف: 51، 53.
[680] - الأعراف: 12.
[681] - ص: 76.
[682] - المؤمنون: 24.
[683] - الأنعام: 9.
[684] - الزخرف: 31.
[685] - الأنعام: 8.
[686] - الفرقان: 7.
[687] - هود: 12.
[688] - الحجر: 7.
[689] - الفرقان: 7.
[690] - الرعد: 7.
[691] - الرعد: 27.
[692] - العنكبوت: 50 – 51.
[693] - يونس: 15.
[694] - الإسراء: 90 – 93.
[695] - الزخرف: 50 – 54.
[696] - الفرقان: 8.
[697] - الأحزاب: 67.
[698] - الأحزاب: 66.
[699] - الكهف: 103 – 106.
[700] - المؤمنون: 35 – 38.
[701] - النساء: 54.
[702] - بصائر الدرجات: ص55.
[703] - الإسراء: 77.
[704] - فاطر: 43.
[705] - غافر: 85.
[706] - البقرة: 100.
[707] - الشعراء: 8، 67، 103، 121، 139، 151، 174، 190.
[708] - يس: 7.
[709] - الروم: 42.
[710] - النحل: 83.
[711] - المؤمنون: 70.
[712] - آل عمران: 110.
[713] - الأعراف: 102
[714] - الشعراء: 223.
[715] - الفرقان: 44.
[716] - المائدة: 103.
[717] - الحجرات: 4.
[718] - العنكبوت: 63.
[719] - فصلت: 4.
[720] - الأنعام: 111.
[721] - يونس: 55.
[722] - النحل: 101.
[723] - الأنبياء: 24.
[724] - الأنعام: 37.
[725] - يونس: 36.
[726] - الأعراف: 17.
[727] - يونس: 60.
[728] - النمل: 73.
[729] - الشورى: 30.
[730] - الأحزاب: 41.
[731] - الجمعة: 10.
[732] - البقرة: 269.
[733] - البقرة: 249.
[734] - المائدة: 71.
[735] - الأنعام: 119.
[736] - إبراهيم: 36.
[737] - نوح: 24.
[738] - يس: 62.
[739] - وهو بمفهومه عند أهل البيت / يشمل كل من يطاع من دون الله، ومنه طاعة علماء السوء في تحريم حلال الله وتحليل حرامه، فان إطاعة الأتباع لهم - والحال هذه - يعني اتخاذهم أرباباً وأصناماً يعبدون من دون الله.
[740] - الروم: 8.
[741] - المائدة: 64.
[742] - المائدة: 80.
[743] - النساء: 160.
[744] - التوبة: 34.
[745] - المائدة: 62.
[746] - آل عمران: 186.
[747] - المائدة: 32.
[748] - البرهان: ج2 ص170.
[749] - المائدة: 49.
[750] - المائدة: 81.
[751] - الحديد: 16.
[752] - الحديد: 26.
[753] - يونس: 92.
[754] - المائدة: 66.
[755] - الأعراف: 179.
[756] - التوبة: 82.
[757] - النساء: 114.
[758] - الإسراء: 85.
[759] - آل عمران: 197.
[760] - المرسلات: 46.
[761] - النساء: 83.
[762] - الإسراء: 62.
[763] - البقرة: 83.
[764] - البقرة: 246.
[765] - النساء: 66.
[766] - الأنفال: 26.
[767] - الأحزاب: 20.
[768] - الفتح: 15.
[769] - النساء: 142.
[770] - النمل: 62.
[771] - غافر: 58.
[772] - الحاقة: 42.
[773] - الأعراف: 3.
[774] - البقرة: 88.
[775] - النساء: 46.
[776] - النساء: 155.
[777] - هود: 40.
[778] - ص: 24.
[779] - الحاقة: 41.
[780] - الشعراء: 54.
[781] - الأعراف: 10.
[782] - المؤمنون: 78.
[783] - السجدة: 9.
[784] - سبأ: 13.
[785] - الملك: 23.
[786] - الواقعة: 14.
[787] - هود: 116.
[788] - آل عمران: 184.
[789] - إبراهيم: 4.
[790] - نصيحة منه ( لكتابة بحث المعترضين على خلفاء الله في أرضه.
[791] - الاحقاف: 31.
[792] - فقه علائم الظهور: ص27.
[793] - البقرة: 18.
[794] - الإسراء: 97.
[795] - النساء: 56.
[796] - الملك: 7 – 8.
[797] - الحج: 22.
[798] - الأنبياء: 100.
[799] - هود: 15.
[800] - سبأ: 51.
[801] - بحار الأنوار: ج74 ص99.
[802] - الجاثية: 32.