Subjects

-الإهداء

المقدمة

-النقطة الأولى:

1-1 رؤيا الأنبياء - رؤيا العوام

2-1 الرؤيا الصادقة:

3-1 نصائح آل محمد بقص الرؤيا:

-النقطة الثانية:

المعرفة المسبقة للمعصوم

-النقطة الثالثة:

انطباق الرؤى وعدمه

-النقطة الرابعة:

دين الله أعز من الرؤى

-النقطة الخامسة:

الرؤيا حجة على صاحبها

-خير الكلام كلام آل محمد ص


Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (119) الرؤيـا في مفهوم آل البيت (عليهم السلام) الأستـاذ ضياء الزيدي الطبعة الأولى 1432 هـ - 2011 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى المغيب في بطون السجون.. وشيعته تملئ أطراف الأرض.. سيدي ومولاي موسى الكاظم.. أهدي هذه البضاعة المزجاة.. فتصدق عليَّ بالقبول والرضا.. يا أبا الرضا.. عبدك وابن عبدك وابن أمتك ضياء قال رسول الله ص: (من لم يؤمن بالرؤيا الصالحة لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر) ([1]). صدق رسول الله ص اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه. قبل كل شيء يجب أن يعرف الإنسان أن الله سبحانه وتعالى غيب، وطريق الغيب هو الغيب، ولا ينفتح طريق الغيب بغير الغيب. هذا باختصار شديد كل شيء عن هذه المسألة، بل هذا هو الأمر من البداية إلى النهاية، والله العالم والحاكم للأمور. لذا نرى الأئمة ص ركزوا على هذا الجانب الغيبي وأكدوا عليه في أحاديثهم ص، ولذا قال السيد أحمد الحسن: (فالإيمان الكامل هو الإيمان بالغيب مائة بالمائة وهو إيمان الأنبياء والمرسلين). وقد جمع الأنصار بعض الرؤى الكثيرة في الإصدارات المنشورة، وبيّنوا عظيم منزلة الرؤيا عند آل محمد ص. ولكن قِبال أمر الله وحجة أوليائه ص ومؤيدي الغيب، لابد من وجود طريق الباطل والضلال، طريق إبليس (لعنه الله) وجند إبليس (لعنه الله)، وهم من قطّاع الطريق ومن منكري طريق الغيب. وإلا لما كانت الدنيا دار اختبار وابتلاء، فعلى الإنسان أن يتبين الطريق الذي يسير عليه، هل هو موافق لآل محمد ص أم لا. وليعلم أن الطريق المخالف لآل محمد هو طريق إبليس (لعنه الله) مهما كان اللباس الذي غُلف به هذا الطريق أو ذاك. فإذا وجدنا آل محمد ص يؤكدون على حجة من حجج الله سبحانه وتعالى نجد الجاحدين لآل محمد رافضين لهذه الحجة، بل ومصريين على إنكارها، ومن هذه الحجج نستعرض اليوم حجية الرؤيا، فآل محمد أكدوا على حجيتها كما سيأتي إن شاء الله، لهذا كان الجاحدون لهذه الحجة لا ينقطعون عن إيجاد المخارج لنفي حجة أولياء الله ص وإضلال الناس عنها. ولو أجبر الله تعالى الناس على فعل الخير ولم يختبرهم لبطل الثواب والعقاب، وهذا واضح لمن تتبع التاريخ وحديث أهل البيت ص، وأبسط مثال على هذه المسألة مسألة الخوار الذي ابتلى الله به بني إسرائيل لما أطاعوا السامري. فقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر ع: (... ثم أوحى الله إلى موسى ع: إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار. فقال موسى ع: يا رب العجل من السامري، فالخوار ممن ؟ فقال: مني يا موسى، إني لما رأيتهم قد ولّوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة) ([2]). وكما قال سيد المرسلين: (إياكم وجدال المفتون فإن كل مفتون مُلقى حجته، إلى انقضاء مدته، فإذا انقضت مدته أحرقته فتنته بالنار) ([3]). وورد عن الإمام الصادق ع هذا المضمون أيضاً بقوله: (إياكم وجدال المفتون فإن كل مفتون مُلقى حجته، إلى انقضاء مدته، فإذا انقضت مدته أشغلته خطيئته فأحرقته) ([4]). نعم، فالله سبحانه لا يغلق طريق الضلالة بصورة نهائية على مريدي الباطل، وإلا فلا تكون الحياة الدنيا دار امتحان، ولا تكون دار اختبار، فلو أغلق الله كل أبواب الضلالة على مريدي الباطل لأصبح الإنسان مجبوراً على أن يسير بدرب الهداية. لذا فلابد من وجود حجج ظاهرية مموهة يحتج بها أهل الباطل ليضلوا الناس ويكون الاختبار بهذه الحجج، فمن عرف حجة أهل الباطل استبصر الطريق ولم يقع في الفتن؛ لأنه عرف بطلان وزيف دعوة الباطل، المتشبهة بالحق. وخذ مثالاً على إعطاء التبرير مقالة إبليس (لعنه الله)، فإبليس (لعنه الله) لم يقل إنه عصى الله، بل قال كما حكى عنه الله تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾([5]). * * * وبعد هذه المقدمة ننتقل إلى عرض جانب من حجج الجاحدين لوحي الله العظيم (الرؤيا) لنجدهم قد انحصر كلامهم تقريباً في خمسة مواضع، هي: إن الكلام في الرؤيا على شقين: فالشق الأول (رؤيا الأنبياء)، والشق الثاني (رؤيا عامة الناس). والكلام في الشق الأول حجة دون الشق الثاني، فهو المرفوض وغير منطبق على أرض الواقع ولا يؤخذ به. إن رؤيا المعصوم ع تنحصر حجيتها فيمن عرف شكل المعصوم في الحياة الدنيا، أي يعرف تفاصيله الجسمية لكي يتعرف عليه في الرؤيا وما دون ذلك ليس بحجة. إن الرؤيا لا تنطبق على أرض الواقع في كثير من الأحيان، لذا فهي ليست حجة لعدم مصداقيتها في كثير من الأحيان. إن دين الله أعز من أن يؤخذ من المنام، كما ورد عن آل بيت المصطفى ص، لذا فالرؤيا ليست حجة بنص أهل البيت ص. إن الرؤيا حجة على صاحبها، ولا يمكن الاحتجاج بها على الناس بصورة عامة؛ لأنها حجة فردية وخاصة به دون غيره فهو من رآها دون غيره. * * * -النقطة الأولى: 1-1 رؤيا الأنبياء - رؤيا العوام إنّ المنكرين لحجية الرؤيا قسَّموا الرؤيا إلى شقين: رؤيا الأنبياء، ورؤيا عامة الناس. وهم لا ينكرون الرؤيا بالمعصوم في الأعم الأغلب، ثم إن رؤيا الأنبياء والأوصياء ص حجة عندهم في الأغلب. وهذا هو الشق الأول. وأما الشق الثاني (رؤيا عامة الناس) فلا حجية فيها عندهم. وحجتهم على هذا المعتقد هو أن أنبياء الله ورسله ص لا يشتبه أمر الرؤيا عليهم، أو معنى ودلالة الرؤيا، فهي واضحة لديهم، جليِّة المعنى، لا يتردد بها النبي أو الرسول ع، ثم إن الأنبياء ص لا يتمكن الشيطان (لعنه الله) من الولوج لرؤياهم أو الوسوسة لهم، على العكس من بقية رؤى عامة الناس؛ لأن رؤيا عامة الناس فيها ضبابية، غير واضحة المعالم، مرددة بين أن تكون وحياً من الله أو تكون من وسوسة الشيطان. هكذا قال النافون لحجية الرؤيا، فهم لا يرون أي حجة لمن احتج برؤيا عامة الناس دون الأنبياء والأوصياء. وها نحن نناقش المسألة من عدة جوانب لتشمل هذا الإشكال وبقية الإشكالات التي تدور حول الرؤيا لتنجلي الصورة لكل طالب حق كي تقام الحجة بصورة واضحة ولا يبقى عذر لمعتذر: إن الأنبياء مكلفون، وكل مكلف يجري عليه الاختبار، ومن جملة الاختبارات مسألة الرؤيا، فكما يجري الاختبار على أنبياء الله ورسله في الأمور العامة يجري عليهم الاختبار بتكليف الله تعالى لهم في الرؤيا، ولا يتصور شخص أن هذا الاختبار واضح أو طبيعي الانكشاف لأنبياء الله ورسله، بل على العكس تماماً فهي مسألة غاية في الصعوبة، وهو تكليف صعب جداً لا يتصوره الإنسان العادي فضلاً عن احتماله، وأوضح مثال لهذا الأمر قضية نبي الله إبراهيم الخليل ع، فقد أمره الله تعالى بذبح ابنه في الرؤيا، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾([6]). والعجيب الغريب إن المفكرين الذين تناولوا هذا الموضوع ينظرون إلى هذه المحنة التي مرَّ بها نبي الله إبراهيم الخليل ع بذبح ابنه على أنها ناتجة فقط عن عاطفة الأبوة الجياشة التي اجتاحت نبي الله وخليله. إن عذاب إبراهيم الخليل ع وتعاظم هذا الاختبار عليه، حتى سمّى الله تعالى هذا الاختبار في كتابه العظيم بـ (البلاء المبين)، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾([7]). إن من أسباب هذا العذاب - والله ورسوله أعلم - هو عدم وضوح تأويل الرؤيا وتأكد إبراهيم الخليل منها، فإبراهيم ع لا يتردد في تنفيذ الإرادة الإلهية. أي إن تردد إبراهيم الخليل ع في تنفيذ الرؤيا نتيجة لعدم قطعه بالتكليف الإلهي تجاهه، لا نتيجة لعاطفة الأبوة فحسب كما يراها البعض، فإبراهيم ع لا يرى إلا الله سبحانه وهذا ما ورد في حديث أهل البيت ص. ولهذا سمي يوم التروية بـ (يوم التروية)، أي لأن إبراهيم ع تروى في هذا اليوم ليتأكد هل إن هذه الرؤيا التي أُمر بها بذبح ابنه من الله تعالى أم فيها شيء من قذف الشيطان الرجيم([8]). فإبراهيم ترّوى في التنفيذ ليتأكد من الأمر الإلهي، وإنه لا يوجد أي مدخلية للشيطان الرجيم (لعنه الله) في هذه الرؤيا. ولهذا رأى إبراهيم ع هذه الرؤيا مرة أخرى، وأمره الله تعالى بذبح ولده، ثم بعدها دخل إبراهيم ع بالمعرفة حيث عرف التكليف الإلهي فسمي هذا اليوم بـ (يوم عرفة)؛ لأنه عرف وقطع بالتكليف من خلال الرؤيا الثانية. وهذا العلامة الحلي (عليه الرحمة) ينقل لنا هذه الكلمات فلنطالعها سوية: (لأن إبراهيم ع ليلة التروية: إنه رأى في المنام أنه يوم يذبح ابنه. فأصبح يومه تروى (أي تمهل ليرى)، هل هذا من الله ؟ أو حلم ؟ فسمى: يوم (التروية). فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح: (يوم عرفة) ...) ([9]). وبهذا يتبين بطلان القول السابق لمنكري حجية رؤيا غير المعصوم لعصمة رؤيا المعصوم، بحجة عدم تدخل الشيطان برؤيتهم ص، فهذا إبراهيم الخليل تروى ليتأكد من عدم تدخل الشيطان أو جنده في رؤياه ع، وأحاديث غيرها ستأتي، ولكن أولياء الله دليلهم الله سبحانه، فيطلب العون من الله، والله سميع مجيب، وقد جعل لهم فرقاناً يفرِّقون به بين الحق والباطل. وهاك انظر - عزيزي القارئ - لمسيرة إبراهيم ع بعد (عرفة) حيث يحاول الشيطان (لعنه الله) الوسوسة للخليل ع حول تنفيذ الأمر الإلهي بعد أن أيقن تكليفه، فيأتيه بهيئة شيخ كبير ويحدثه ليشكك إبراهيم ع برؤياه كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق ع ولكن إبراهيم يمضي بتكليفه. عن أبي جعفر الباقر ع: (...... ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه، قال: فأقبل شيخ فقال: ما تريد من هذا الغلام ؟ قال: أريد أن أذبحه، فقال: سبحان الله غلام لم يعص الله طرفة عين تذبحه ؟ فقال: نعم إن الله قد أمرني بذبحه، فقال: بل ربك نهاك عن ذبحه وإنما أمرك بهذا الشيطان في منامك، قال: ويلك، الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي ما ترى لا والله لا أكلمك، ثم عزم على الذبح فقال الشيخ: يا إبراهيم، إنك إمام يُقتدى بك فإن ذبحت ولدك ذبح الناس أولادهم فمهلاً، فأبى أن يكلمه. قال أبو بصير: سمعت أبا جعفر ع يقول: فأضجعه عند الجمرة الوسطى ثم أخذ المدية فوضعها على حلقه ثم رفع رأسه إلى السماء ثم انتحى عليه فقلبها جبرئيل ع عن حلقه، فنظر إبراهيم فإذا هي مقلوبة فقلبها إبراهيم على خدها وقلبها جبرئيل على قفاها، ففعل ذلك مراراً ثم نودي من ميسرة مسجد الخيف: يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا........) ([10]). فالشيطان (لعنه الله) يوسوس للكل لخليل الله وغيره من بني آدم ع، ولكن يبقى أن أولياء الله لا يرون إلا الله وهو عاصمهم ومسددهم، لهذا يمضون بأمره سبحانه. وأما من شك في الله فهو لا يقبل كلام الله سبحانه وبالتالي لا يقبل وحي الله سبحانه (الرؤيا). إن آل بيت النبوة ص حددوا لنا قابلية الشيطان التي لا تُمَّكنه من التلبس بصورة أولياء الله سبحانه، فلا يستطيع أن يتمثل بصورة نبي من الأنبياء فضلاً عن صورة خاتم الأنبياء ص وأوصيائه ص، بل لا يتمكن من التمثل بشيعة أمير المؤمنين ع بصورة عامة، وفي هذا ورد حديث أهل البيت ص بصور مختلفة وبمواطن عدة ومن هذه الأحاديث: ما ورد عن رسول الله ص، قال: (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ([11]). وصدق الحديث هنا كما هو واضح لا يخص الأنبياء والأوصياء، بل هو لعامة الناس، والرسول ص يقول إن رؤى هذا المؤمن لا تكاد تكذب. هذا في الرؤيا بشكل عام لا في المعصوم بصورة خاصة كما هو واضح من الحديث الشريف. ما قاله رسول الله ص في شأن الرؤيا وصاحبها حيث قال ص: (خياركم أولو النهى. قيل: يا رسول الله، ومن أولوا النهى ؟ فقال: أولو النهى، أولو الأحلام الصادقة) ([12]). ما ورد عن الرضا ع، عن آبائه أن رسول الله ص قال: (من زارني في منامه فقد زارني؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم، وأن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة) ([13]). عنهم ص أن رسول الله ص قال: (من رآني في منامه فقد رآني؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة واحدة من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ([14]). وفي هذا الشأن يَرِدُ حديث الرجل الإعرابي الذي أتى رسول الله ص وكان له حَشَم وجمال. فقال: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله (: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾([15]). فقال المصطفى ص: (أما قوله تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾ فهي: الرؤيا الحسنة يراها المؤمن فيبشر بها في دنياه، وأما قول الله (: ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ فإنها بشارة المؤمن عند الموت يبشر بها عند موته إن الله قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك) ([16]). إلى هنا اتضح أن الأنبياء ص ممتحنون بالرؤيا أيضاً، وإن الشيطان لا يستطيع التمثل بصورة أنبياء الله ورسله وأوليائه، بل وشيعتهم أيضاً، وليس هذا فحسب، بل إن السلف الصالح كان يحزن ويغتم إذا لم يرَ رؤيا؛ لأن الرؤيا عندهم هي مقياس القرب من الله سبحانه كما سمعنا منهم ص، وكان الأئمة ص يهونون الأمر على الذين قلت رؤاهم، وفي هذا ورد حديثهم ص في مواطن عدة، ومنها: روى الصفار (عليه الرحمة) بسنده عن محمد الرافعي، قال: (كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبد الله، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان يلقاه السلطان وربما استقبل السلطان بالكلام الصعب يعظه ويأمر المعروف، وكان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه، فلم يزل هذه حاله حتى كان يوماً دخل أبو الحسن موسى ع المسجد فرآه فأدنى إليه، ثم قال له: يا أبا علي، ما أنا أحب إلى ما أنت فيه وأسرني بك إلا أنه ليست لك معرفة فاذهب فاطلب المعرفة. قال: جعلت فداك وما المعرفة ؟ فقال له: اذهب وتفقه واطلب الحديث. قال: عمن ؟ قال: عن أنس بن مالك وعن فقهاء أهل المدينة ثم اعرض الحديث علي. قال: فذهب وتكلم معهم ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كله ثم قال له: اذهب واطلب المعرفة. وكان الرجل معيناً بدينه فلم يزل مترصداً أبا الحسن ع حتى خرج إلى ضيعة له فتبعه ولحقه في الطريق، فقال له: جعلت فداك ... ... فأقر به أي بولاية أمير المؤمنين - ثم لزم السكوت فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك وكان من قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة ويرى له، ثم انقطعت عنه الرؤيا فرأى ليلة أبا عبد الله ع فيما يرى النائم فشكا إليه انقطاع الرؤيا. فقال: لا تغتم، فإن المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفع عنه الرؤيا) ([17]). الرؤيا التي هي المقياس لدرجة الكمال والتي يستطيع الإنسان أن يرى كماله فيها قد ترفع ولا يراها الإنسان، ولكن إذا بلغ الإنسان رسوخ القدم في الإيمان والعلم كما في الحديث الشريف، أما إذا لم يتم رسوخ القدم فحجب الرؤيا عن الإنسان عقوبة (وأي عقوبة مهولة هي، اللهم بك نعتصم)، ولذا تجد المؤمنين يتأذون إذا قلت رؤاهم، وفي هذا ورد الحديث الشريف عن الإمام علي بن موسى الرضا ص حيث قال: (وأدنى ما يصفى به ولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزيناً لما رأى فيكون ذلك كفارة له) ([18]). كما ورد عن الصادق ع أنه قال: (إذا كان العبد على معصية الله ( وأراد الله به خيراً أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر عن تلك المعصية، وإن الرؤيا الصادقة جزءاً من سبعين جزء من النبوة) ([19]). وسيأتي تفصيل أكثر في مستقبل البحث إن شاء الله تعالى. ولم ينهِ أهل البيت ص بيانهم في حجية الرؤيا عند هذا الحد، بل أكدوا على حقيقة؛ وهي أن الرؤيا بشيعة علي ع حجة أيضاً، بل وتكون فيها المعجزات والكرامات، والحق أن العديد قد رأى رؤىً من هذا القبيل، ولكنّ الناس عن آيات ربهم ساهون، ولا نحتاج إلى مزيد من التوضيح، ولكن نأتي بمثل أقر به الجميع وأوردوه في الكتب وهو: قال عمر بن أذينة: (دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بنحو شهر فقال لي: رأيت البارحة رؤيا، أني خليق أن أموت سريعاً. إني رأيتك الغداة ففرحت بك إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي فقال لي: يا أبان، إنك ميت في أيامك هذه. فاتق الله في وديعتي ولا تضيعها، وفِ لي بما ضمنت من كتمانها. ولا تضعها إلا عند رجل من شيعة علي بن أبي طالب ص له دين وحسب) ([20]). ومنها الدعاء المعروف عند الشيعة الإمامية باسم (دعاء اليماني) وهو من الأدعية الجليلة وكان سبب هذا الدعاء كما قصه صاحب الدعاء إذ قال لأمير المؤمنين بعد أن أقبل عليه: (... ولي عدو مشح وقد أرهقني وغلبني بكثرة نفيره، وقوة نصيره، وتكاثف جمعه، وقد أعيتني فيه الحيل. وإني كنت راقداً ذات ليلة حتى أتاني آت، فهتف بي أن قم يا رجل إلى خير خلق الله بعد نبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وعلى آلهما، فاسأله أن يعلمك الدعاء الذي علمه حبيب الله وخيرته وصفوته من خلقه، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلوات الله عليه وعلى آله، ففيه اسم الله ( ... فانتبهت يا أمير المؤمنين ولم أعرج على شيء حتى شخصت ...) ([21]). فبهذا الحديث ينكشف أن الهداية أتت لهذا الإنسان عن طريق إنسان لا يعرفه (أتاني آت) وعرفه بخير الخلق بعد محمد المصطفى ص وهداه إلى الجنة، وعرَّفه اسم الدعاء. وانتبه عزيزي القارئ للإجابة التي قابل بها هذا الرجل الرؤيا (فانتبهت يا أمير المؤمنين ولم أعرج على شيء حتى شخصت). وغير ذلك كثير لمن أراد تتبع الموضوع بهذا الاتجاه، ولكن فيما ذُكر الكفاية لطالب الحقيقة. وبهذا اتضح بطلان حجة من قال إن رؤيا غير الأنبياء والمعصومين ص لا تمثل حجة، لورود وسوسة إبليس على رؤيا المعصوم هذا أولاً، ولعدم تشبه إبليس (لعنه الله) - فضلاً عن جنده (لعنه الله) - بصورة شيعة علي والأئمة ص والمهديين ص من آل بيت النبوة، وبهذا أيضاً يندفع إشكال عدم حجية رؤيا غير الأنبياء والمعصومين، فمن البديهي أن شيعة علي ليس كلهم أنبياء، بل الحديث مطلق يشمل جميع شيعة علي ع وينص على عدم تمثل إبليس (لعنه الله) بهم. ولا ينهي أهل البيت ص إيضاح هذه المسألة عند هذا الأمر، بل استمروا ص ببيان حقيقة حجية الرؤيا، وذلك من خلال طرق كثيرة جداً ومن هذه الطرق تحديد وقت الرؤيا الصادقة. 2-1 الرؤيا الصادقة: وكلامهم ص في تحديد وقت الرؤيا الصادقة مطلق لجميع من رأى رؤيا، أي يشمل جميع من رأى رؤيا في هذا الوقت دون استثناء ولا يخص المعصومين فقط، ومن هذه الأحاديث: الحديث المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ع، فقد جاء في حديث طويل حول مقتل الإمام الحسين ع إلى أن قال الإمام ع: ( ثم سار حتى نزل العذيب، فقال فيها قائلة الظهر، ثم انتبه من نومه باكياً، فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبه ؟ فقال: يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها ...) ([22]). وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله ص، قال: (أصدق الرؤيا بالأسحار) ([23]). عن الإمام الصادق ع: (أسرعها تأويلاً رؤيا القيلولة) ([24]). عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق ع: (جعلت فداك، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد ؟ قال: صدقت، أما الكاذبة مختلفة فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة، وإنما هي شيء يخيل إلى الرجل وهي كاذبة مخالفة، لا خير فيها. وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة وذلك قبل السحر فهي صادقة، لا تخلف إن شاء الله إلا أن يكون جنباً أو ينام على غير طهور، ولم يذكر الله ( حقيقة ذكره فإنها تختلف وتبطئ على صاحبها) ([25]). ولا تعجل في الكلام حول هذا الحديث فبقية الكلام في موضع آخر إن شاء الله تعالى. وغير ذلك من أحاديث أهل البيت ص في هذا الشأن وهي كثيرة. 3-1 نصائح آل محمد بقص الرؤيا: ومن هذه الطرق التي أثبت فيها آل محمد ص حجية الرؤيا بغير المعصوم أيضاً وصيتهم ص لشيعتهم بأن لا يقصوا رؤاهم على حاسد أو باغ أو جاهل: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (قال رسول الله ص: الرؤيا لا تقص إلا على مؤمن خلا من الحسد والبغي) ([26]). وعنه ص، قال: (لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح) ([27]). فان لم تكن الرؤيا حجة ولا يعتد بها فلماذا أوصوا ص بهذه التعليمات. وكل من قال إن الرؤيا لا تمثل حجة فقد اتهم آل محمد ص بالعبث - وحاشاهم -؛ لأن هذه الأحاديث لا فائدة من ورائها لعدم حجية الرؤيا في نظره. ومن هذه الطرق الكثيرة مسيرة رسول الله ص وأهل بيته ص مع أصحابهم، فقد ساروا بإثبات الرؤيا بكل الصور، ومنها السؤال الدائم عن الرؤيا وصاحبها. وفي هذا الكثير الكثير من الروايات عنهم ص، ومنها: عن سمرة بن جندب، قال: كان رسول الله ص، مما يكثر أن يقول لأصحابه: (هل رأى أحد منكم رؤيا ؟) ([28]). ما ورد عن أم أيمن واهتمام رسول الله ص برؤياها وقد قطع ص برؤياها، بل بشرها وهنأها فبعد أن قصتها على رسول الله ص حيث قالت له: رأيت في ليلتي هذه، كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي. فقال لها رسول الله ص: (نامت عينك يا أم أيمن، تلد فاطمة الحسين، فتربينه وتلينه، فيكون بعض أعضائي في بيتك) ([29]). ثم إن منهج آل البيت ص يرسم لنا الخط الواضح من خلال الأدعية الكثيرة الواردة عنهم ص بأن الرؤيا حجة من الله يهديها سبحانه لأوليائه بعد أن يسألوه إياها، بل إن جبرائيل ع يعطي رسول الله ص دعاء القدح في المعراج ورسول الله ص يعلمه لأمته وفيه: (أسألك يا الله يا الله يا الله يا عزيز يا عزيز يا عزيز، أن تريني في منامي ما رجوت منك، وأن تكرمني بمغفرة خطيئتي إنك على ما تشاء قدير يا أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ([30]). والحديث يتكلم عن مطلق الرؤيا لمن أراد الحق، والكثير من الأدعية تحوي هذه الكلمات وكلمات قريبة منها. والحق أن الله سبحانه يعطي الرؤيا لمن أقر بالحق ولمن أنكر وجحد الحق. قال تعالى: ﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾([31]). وفي هذا ورد الكثير من الرؤى الصادقة لهؤلاء الجاحدين، علماً أنها لا تحوي شخصية معصوم بل هي تحمل مجموعة من الأحداث على الأغلب، ومن جملة هذه الرؤى رؤيا (فرعون) طاغية زمانه فقد انطبقت على أرض الواقع المادي، وروية سجين فرعون الذي قص رؤياه على نبي الله يوسف ع وفسّرها يوسف ع وانطبقت في عالم المُلك بالتمام، ورؤيا فرعون (لعنه الله) بسلب ملكه على يد رجال بني إسرائيل فقتل ما قتل ليمنع انطباق الرؤيا في عالم الملك ولكن هيهات هيهات، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾([32]). هذا لمن جحد الحق، أما بالنسبة لمن لم يعرف الحق وانطبقت رؤياه في عالم الملك فأكثر بكثير من ذلك. منها رؤيا (سعيد ابن العاص الأموي)، ورؤى الكثير من المستبصرين لولاية علي بن أبي طالب ع، ولكن يراها من أراد النور أما الذين يستأنسون بالظلام فلا يرون أي حجة في هذا الكلام ولا في هذه الآيات. ومن هذه الطرق أيضاً تعليم آل محمد لشيعتهم الأمور التي يتخلصوا بها من (مكروه) الرؤيا التي يراها المؤمن، والتعاليم بهذا الشأن كثيرة منها: أن ينام المؤمن على جانبه الأيمن ثم الأيسر، وأن يتعوذ بالله من شر الأحلام، وأن يتفل على جانبه الأيسر إذا رأى رؤيا مخيفة، ومن الأحاديث: ورد في الرسالة الذهبية للإمام الرضا ع: (فإذا أردت النوم، فليكن اضطجاعك أولاً على الشق الأيمن، ثم انقلب على الأيسر، وكذلك فقم من مضجعك على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك) ([33]). لو لم تكن الرؤيا حجة ومهمة لما كان أهل البيت ص يقدمون هذه النصائح لشيعتهم؛ لأنها تكون عبثاً وحاشا أهل البيت من العبث. ورد عن رسول الله ص أنه قال: (الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث بها إلا من يحب، وإذا رأى رؤيا مكروهة، فليتفل عن يساره (ثلاثاً) وليتعوذ من شر الشيطان وشرها ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره) ([34]). وكذلك الحديث الوارد عن رسول الله ص إذ يخاطبه جبرائيل ع وهو طويل نأخذ منه موضع الحاجة: (...... ثم قال جبرئيل: قل يا رسول الله إذا رأيت في منامك شيئاً تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: "أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياءه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي"، وتقرأ الحمد لله والمعوذتين وقل هو الله أحد وتتفل عن يسارك ثلاث تفلات فإنه لا يضره ما رأى، فانزل الله على رسوله: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾([35])) ([36]). ومن جملة توصياتهم ص أن لا تحدث بها من يفسرها تفسيراً خاطئا أو سيئاً، وفي هذا بالإضافة إلى حديث رسول الله ص السابق (لا تحدث بها حاسداً) و(لا تحدث بها إلا عالما)، ورد عن الحسن بن الجهم، قال: (سمعت أبا الحسن ع يقول: الرؤيا على ما تعبر، فقلت له: إن بعض أصحابنا روى أن رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام، فقال أبو الحسن ع: إن امرأة رأت على عهد رسول ص أن جذع بيتها انكسر فأتت رسول الله ص فقصت عليه الرؤيا فقال لها النبي ص: يقدم زوجك ويأتي وهو صالح - وقد كان زوجها غائباً - فقدم كما قال النبي ص، ثم غاب عنها زوجها غيبة أخرى، فرأت في المنام كأن جذع بيتها قد انكسر، فأتت النبي ص فقصت عليه الرؤيا فقال لها: يقدم زوجك ويأتي صالحاً، فقدم على ما قال، ثم غاب زوجها ثالثة فرأت في منامها أن جذع بيتها قد انكسر، فلقيت رجلاً أعسر فقصت عليه الرؤيا، فقال لها الرجل السوء: يموت زوجك، فبلغ النبي ص فقال: ألا كان عبر لها خيراً ؟!) ([37]). ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل ينجلي الأمر بحجية الرؤيا لعدم ورود دليل شرعي (من كتاب الله وحديث أهل البيت)، وعدم وجود دليل ينفي حجية الرؤيا يعني انفراد الروايات التي تثبت حجيتها، فلا يكون الإنسان مخيراً في هذا الأمر بل لا يقبل منه إلا الطاعة، ولو تفكر الإنسان لتوصل إلى هذا الأمر ببساطة وبه يثبت قدمه في درب الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) ويفك نفسه من كل أسر وقيد إلا ما شرعه الله تعالى من طاعة أوليائه وأوامرهم ص. إلى هنا اتضحت لنا النقطة الأولى وكثير من الملابسات فيها بصورة كاملة جلية إن شاء الله تعالى. * * * -النقطة الثانية: المعرفة المسبقة للمعصوم من حجج القائلين بعدم حجية الرؤيا بشكل مطلق أنهم قالوا إن الحجة تنحصر برؤيا المعصوم ع، إذا كان الإنسان يعرف المعصوم وشاهده في هذه الحياة المادية فتعرف صفاته الجسدية بحيث لا يحتمل أن يكون الذي رآه في منامه غير المعصوم. فقالوا إن حديث رسول الله ص: (من رآني فقد رآني؛ لأن الشيطان لا يتمثل بي). فالحديث صحيح ولا غبار عليه، فالشيطان لا يتمثل ولا يستطيع أن يتمثل بصورة رسول الله ص أو أوصيائه ولكن يبقى السؤال عندهم هو: من يقول أن هذا الذي رأيته هو شكل رسول الله ص ؟ فالحديث يقول: (من رآني) فأنت إذا لم تكن تعرف شكل رسول الله ص لا تدري هل الذي جاءك هو رسول الله ص أو هو من وحي الشيطان والعياذ بالله تعالى، لذا فلا حجة في الرؤيا لإمكانية دخول وسوسة الشيطان الرجيم. والحق أن هذا الإشكال من أضعف الإشكالات التي قيلت في هذا المجال، والجواب عليه من عدة نواحي، ولكن قبل الإجابة يبقى المنصف يسأل نفسه لماذا لجأ القوم إلى هذه الإشكالات بعد أن طوقتهم الأحاديث التي تنص على صدق الرؤيا بالمعصوم ع وعدم تخلفها عن الواقع؟! لماذا التجئوا إلى مثل هذا الإشكال السطحي ؟! وعلى العموم نترك هذا السؤال وغيره لفطنة القارئ الكريم لننتقل إلى الإجابة عن الإشكال ونعالجه ضمن عدة مستويات: إن الكرامة التي نالها رسول الله ص وآل بيته ص لم تتأت من الشكل والمنظر الخارجي الجسماني، بل هي كرامة لأرواحهم القدسية الشريفة، فلا مدخلية للشكل المادي كيف لا والله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى عالم الأجسام، حتى ورد عن رسول الله ص: (إن الله لم يخلق خلقاً أبغض إليه من الدنيا، وإنه لم ينظر إليها منذ خلقها) ([38]). والحديث الشريف يصرخ في أسماع الكل قائلاً: (يا أبا ذر، إن الله (تبارك وتعالى) لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) ([39]). فالتكريم ليس للجسد البالي الفاني بل للروح، ومن قال واحتج بهذا الإشكال قال بكرامة الجسد على الروح وأضفى التقديس على الجسد؛ لأنه لا ينتهك من قبل الشيطان الرجيم بل الذي ينتهك هو التسمية والروح استغفر الله من ذلك. فدخول عالم الملكوت (أي عالم الرؤيا) يكون بالأرواح لا بالأجساد كما يتوهم البعض، فعالم الملكوت يختلف عن العالم المادي بانعدام المادة فيه وتفصيل القول في كتابي أسرار الإمام المهدي ع (المتشابهات) و (شيء من تفسير سورة الفاتحة). إن هذا الإشكال مخالف لآل محمد ص وتعاليمهم ص؛ لأن النص الصريح من آل البيت ص جاء بكونهم ص يأتون الرائي بالرؤيا بأشكال مختلفة، فهم يُرون في كل صورة كما ورد عن رسول الله ص: (من رآني في المنام فقد رآني، فإني أرى في كل صورة) ([40]). إن هذا الإشكال غير صحيح بالمرة لسبب بسيط وهو صدق رؤيا الكافر وانطباقها في أرض الواقع كرؤيا فرعون مصر، وصدق رؤيا من أراد الحق وإن لم يكن متبعه كرؤيا المستبصرين بولاية الأئمة ص قبل دخولهم بالولاية الإلهية، ورؤيا أتباع الحق كرؤيا أصحاب الأئمة ص وملايين الرؤى التي رآها أتباع المذهب الإمامي. فإن كانت الرؤيا بغير المعصوم صحيحة ومنطبقة على أرض الواقع فالرؤيا بالمعصوم أولى بالانطباق كما لا يخفى. ومن المستبصرين من كان متعصباً لمذهب أهل البيت لرؤيا رآها في الأئمة ص كما ذكر بزرگ الطهراني في موسوعته الذريعة: (قال: وسمعت من علماء الشيعة أقاويلهم وأدركت منهم في لاهور في المولى محمد معصوم، والمولى محمد مؤمن، والمولى إبراهيم المتعصب في التشيع، وذكر في وجه تعصبه إنه رأى الأئمة في المنام فأمروه باعتناق الإسلام وإتباع الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ص ...) ([41]). هذا الإشكال ساقط من العد من جهة أخرى وهي مخالفة آل محمد ص؛ لأن الإمام الصادق يقول من أراد أن يرى رسول الله ص فليفعل كذا وكذا، علماً أنه لم يكن في زمن الإمام الصادق أحد رأى رسول الله أو شاهد شكله ص ومع ذلك الإمام يوجه الناس لملاقاة رسول الله بالرؤيا. عن أبي عبد الله ع أنه قال: (من أراد أن يرى سيدنا رسول الله في منامه فليصل العشاء الآخرة، وليغتسل غسلاً نظيفاً، وليصل أربع ركعات بأربع مرة آية الكرسي، وليصل على محمد وآله عليه وعليهم السلام ألف مرةن وليبت على ثوب نظيف لم يجامع عليه حلالاً ولا حراماً، وليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وليسبح مائة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وليقل مائة مرة: ما شاء الله، فإنه يرى النبي ص في منامه) ([42]). وعن الصادق ع أيضاً أنه قال: (إن من أدمن قراءة سورة المزمل رأى النبي ص وسأله ما يريد وأعطاه الله كل ما يريد من الخير) ([43]). وعنه ع: (من قرأ سورة القدر بعد صلاة الزوال وقبل الظهر إحدى وعشرين مرة لم يمت حتى يرى النبي ص) ([44]). إن هذا الإشكال مخالف لما سار عليه أتباع المذهب الإمامي، ففقهاء الشيعة ذهبوا إلى أن رؤية الأئمة ص حق ولا يتلبس بهم الشيطان وباستطاعة القارئ مراجعة الكتب في ذلك، ومنها جواهر الكلام - الشيخ الجواهري في الأغسال، قوله: (ما ورد في استحباب الغسل لرؤيا أحدهم في المنام، كخبر أبي المعزى عن موسى بن جعفر ع المروي عن كتاب الاختصاص للمفيد، قال: "من كانت له إلى الله حاجة وأراد أن يرانا وأن يعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا فإنه يرانا ويغفر له بنا" الحديث) ([45]). ومنها ما نقله الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة (ط.ق): (ومنها الغسل لمن أراد رؤية أحد من الأئمة في المنام، فعن المفيد في كتاب الاختصاص عن أبي المعزا، عن الكاظم ع: "من كانت له إلى الله حاجة وأراد أن يرانا ويعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا فإنه يرانا ويغفر له بنا") ([46]). إن سوء الإيصال يأتي من جهتين: أما من القراءة الناقصة أي من سوء الفهم، أو من جهة القراءة المغلوطة أي من قصدية المغالطة. ويمكن رفع كلا الجانبين من المتلقي بالعودة إلى الحديث الشريف لنعرف مدى صدق الكلام أو مخالفته للواقع، فالحديث عن رسول الله ص يقول: (من رآني في منامه فقد رآني؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ([47]). وهنا مزج رسول الله ص بين رؤياه وبين رؤيا أوصيائه أي بأجمعهم، فالحديث يشملهم لعمومية اللفظ ويجمع معهم شيعتهم أيضاً، ولا يمكن تصور اجتماعهم ص في زمن واحد فنتعرف على صورهم الجسدية لكي ينطبق الحديث كما يريد صاحب الإشكال أن يوهمنا، كما لا يمكن أن نجزأ الحديث لينطبق اليوم الجزء الأول دون الثاني ثم الثالث وهكذا، بل صريح الحديث أنه شامل لكل الأزمنة والذي لا يريد أن يفهم هذا القول الصريح إنما هو مغالط لنفسه ليس إلا. إلى غير ذلك مما لا حاجة لنا بذكره. والحر بالإشارة يفهم. * * * -النقطة الثالثة: انطباق الرؤى وعدمه يبقى السؤال في خصوص (عدم صدق الرؤيا في بعض المواطن)، فإذا كانت الرؤيا وحي من الله سبحانه وتعالى فلابد من انطباقها على أرض الواقع المادي. والحق أن جواب هذا الإشكال له عدة صور، ولكن قبل هذا يجب أن نعرف أن هناك فرقاً بين (عدم صدق الرؤى) وبين (عدم انطباق الرؤى)، فالذي نتكلم عنه الآن هو عدم انطباق وإلا فالرؤى بالمعصوم لا يمكن أن تكون كاذبة، ونترك الفارق للقارئ اللبيب. ويمكن تفسير عدم انطباق الرؤيا بنواحي عديدة منها: إن الرؤيا (وحي من الله) ينقلها (مَلَك) موكّل بنقل هذه الرؤيا أو تلك لنا، وفي أكثر حالاتها تكون غير محددة الزمن، فمن الممكن أن تنطبق الرؤيا بعد يوم أو يومين، بحيث تكون الرؤيا مستحضرة في الذهن فيزاوج الإنسان بين الرؤيا وبين الواقع المادي ليرى الإخبار الغيبي الذي كشفته الرؤيا. كما يمكن أن تنفصل الرؤيا بفاصل زمني متطاول قد يصل إلى أربعين عاماً ... فلا يتمكن أغلب الناس من المزاوجة بين الرؤيا وانطباقها على أرض الواقع المادي. إن الرؤيا لها رموز ودلالات يعرفها (آل محمد)، فهي وحي إلهي ورموز دلالية في كثير من حالاتها. وعلى هذا فليس بالضرورة أن تنطبق الرؤيا على أرض الواقع المادي؛ لأنها مشفرة كما يقال، فربما رأيت رؤيا تقول لك كذا وكذا والمراد منها اقتران هذه الأشياء بأخرى، والشواهد على هذه كثيرة من حديث أهل البيت ص، ومنها تفسيرهم (العصا) أو (الطفل الصغير) أو (الخاتم) أو غيرها الكثير من الأشياء التي أعطى أهل البيت ص في بعض الأحيان مفاتيح رموزها. ومن ذلك ما ورد عن الإمام الكاظم ع في إعطاء شيء من هذه الرموز أثناء حديثه مع أحد مواليه حيث قال: (... ولقد جاءني بخبره رسول الله ص، ثم أرانيه وأراني من يكون معه وكذلك لا يوصى إلى أحد منا حتى يأتي بخبره رسول الله ص وجدي علي ع ورأيت مع رسول الله ص خاتماً وسيفاً وعصا وكتاباً وعمامة، فقلت: ما هذا يا رسول الله ؟ فقال لي: أما العمامة فسلطان الله (، وأما السيف فعز الله تبارك وتعالى، وأما الكتاب فنور الله تبارك وتعالى، وأما العصا فقوة الله، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور ...) ([48]). وقد لا يعرف الإنسان تأويل رؤياه؛ لأنها سر من الأسرار. وهذا لا يعني عدم انطباقها على أرض الواقع المادي، فالرؤيا تحمل الكثير من الأسرار الإلهية التي لم يحن وقت كشفها علناً، وبالتحديد ارتباط الرؤيا بالظهور المقدس لإمامنا ع. فلو انكشفت الرؤيا وأصبحت واضحة في كل صورها لانكشفت حركة آل محمد ص، ولكان من السهل معرفة تحركاتهم المستقبلية ص، ويكون بهذا إمكان توجيه ضربة لهم ص وارد بصورة كبيرة جداً (حصنهم الله من كل سوء). لذا حرص آل محمد ص على أن لا يعطوا تفسير بعض رموز الرؤيا وتأويلاتها، وكمثال على هذا الكلام الحديث الوارد عن الإمام الرضا ع. فقد ورد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: (سألت أبا الحسن ع علي بن موسى الرضا ع عن الرؤيا فامسك عني ثم قال: لو إنا أعطيناكم ما تريدون كان شراً لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر) ([49]). كما ورد حديث قريب من هذا عن الإمام أبي جعفر الباقر ع حيث قال: (ولاية الله أسرّها إلى جبرئيل ع، وأسرها جبرئيل ع إلى محمد ص، وأسرها محمد ص إلى علي ع، وأسرها علي ع إلى من شاء، ثم أنتم تذيعون ذلك من الذي أمسك حرفاً سمع به)([50]). قد لا تنطبق الرؤيا على أرض الواقع؛ لأنها تأتي كاختبار يصاب به المؤمن. فالله سبحانه وتعالى قد يبتلي شيعة أمير المؤمنين ع بالرؤيا. وما ذلك إلا لأنهم يرون أن الرؤيا حجة من الله تعالى، فهي وحي الله التي يقاس بها الإنسان دنواً واقتراباً من الله تبارك وتعالى. ولهذا ورد في روايات آل محمد ص إن أدنى ما يبتلي الله به أشياع محمد وآل محمد ص هو أن يريهم رؤيا تروعهم، ومن هذه الروايات ما ورد عن زيد النرسي، قال: (قلت لأبي الحسن موسى ع: الرجل من مواليكم يكون عارفاً يشرب الخمر، ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه ؟ فقال: تبرأوا من فعله ولا تبرؤوا منه، أحبوه وابغضوا عمله، قلت: فيسعنا أن نقول: فاسق فاجر ؟ فقال: لا، الفاسق الفاجر: الكافر الجاحد لنا الناصب لأوليائنا، أبى الله أن يكون ولينا فاسقاً فاجراً، وإن عمل ما عمل، ولكنكم تقولون فاسق العمل فاجر العمل، مؤمن النفس خبيث الفعل، طيب الروح والبدن، والله ما يخرج ولينا من الدنيا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون، يحشره الله على ما فيه من الذنوب مبيضاً وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته، لا خوف عليه ولا حزن، وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتى يصفى من الذنوب، إما بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض، وأدنى ما يصفى به ولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزيناً لما رأى فيكون ذلك كفارة له، أو خوفاً يرد عليه من أهل دولة الباطل، أو يشدد عليه عند الموت، فيلقى الله طاهراً من الذنوب، آمناً روعته بمحمد ص وأمير المؤمنين ع، ثم يكون أمامه أحد الأمرين: رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من ذنوب أهل الأرض جميعاً، وشفاعة محمد وأمير المؤمنين صلى الله عليهما، إن أخطأته رحمة ربه أدركته شفاعة نبيه وأمير المؤمنين صلى الله عليهما فعندها تصيبه رحمة ربه الواسعة) ([51]). وفي حديث آخر ينقل لنا الإمام الصادق ع هذا المعنى لنعرف من خلاله أن الله تعالى يبتلي المؤمنين بالرؤيا المنذرة، فقد ورد عن الصادق ع أنه قال: (إذا كان العبد على معصية الله ( وأراد الله به خيراً أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر عن تلك المعصية، وإن الرؤيا الصادقة جزءاً من سبعين جزء من النبوة) ([52]). ولا تنس عزيزي القارئ مسألة (البداء)، فمن الرؤى ما هو مشمول بقانون البداء الإلهي ومعلوم أنه: (ما عبد الله بشيء أفضل من البداء). كما ورد عن آل محمد ص. وفي هذا الكثير من الأحاديث التي تنبأ بموت شخص أو رؤيا تخبره بموته فيندفع ذلك بصدقة أو عمل خير. وفي هذا كفاية لمن اعتقد بحديث آل محمد ص وقد مرَّ علينا حديثهم في الحث على تصديق الرؤيا، وإلا فالذي ينكر كل هذه الأحاديث ويعتمد على عقله لا لشيء إلا لأنها لا تنسجم مع ما كَوَّن من فكرة قطعاً هي خاطئة؛ لأنه خالف المعصوم. فاترك للقارئ الحكم. * * * -النقطة الرابعة: دين الله أعز من الرؤى كما أن قسماً من المنكرين للرؤيا أرادوا أن يقولوا إن الحديث الشريف الوارد عن الإمام الصادق ع: (إن دين الله ( أعز من أن يرى في النوم) ينفي حجية الرؤيا، فما دام الإمام الصادق ع يقول إن دين الله ( أعز من أن يرى في النوم فالرؤيا ليست حجة لمن احتج بها. والعجيب أن ينخدع الناس بهذه الحجة الباطلة بهذه السهولة من دون الرجوع إلى أصل الحديث الشريف، وها هنا نص الحديث الشريف ليتبين القارئ كيف يستعمل الخصم طريقة ليِّ الحديث الشريف: (عن أبي عبد الله ع قال: قال: ما تروي هذه الناصبة ؟ فقلت: جعلت فداك في ماذا ؟ فقال: في آذانهم وركوعهم وسجودهم، فقلت: إنهم يقولون: إن أُبي بن كعب رآه في النوم، فقال: كذبوا فإن دين الله ( أعز من أن يرى في النوم، قال: فقال له سدير الصيرفي: جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكراً، فقال أبو عبد الله ع: إن الله ( لما عرج بنبيه ص إلى سماواته السبع أما أوليهن ...) ([53]). فالحديث كما هو واضح يتكلم عمن أنكر ولي الله وحجته وكان (ناصبياً)، فالذي ينكر ولي الله هل يؤخذ منه شيء، سبحان الله فكيف إذا كان منكراً وأراد أن يضل الناس بالكذب بما يعتقده الناس (أي حجية الرؤيا) فقال إن الحجة في أفعالهم هذه هي الرؤيا. لذا جاء جواب الإمام ع إن دين الله أعز من أن يؤخذ من الرؤيا، فالله تعالى قد نصب أئمة مفترضي الطاعة على العباد وأمر عباده أن يأخذوا منهم ص وكل من خالفهم فهو من أهل النار. فالحق أن الله سبحانه لما شرع حجية الرؤيا جعل لها مفاتيح ومفاتيحها أهل البيت ص فلا تكن حجة واضحة بغير كف صاحبها المعصوم ولا يعني هذا أنها ليست حجة وإنما الذي يوضحها ويبينها للناس هو المعصوم، ومثال ذلك من القرآن الكريم رؤيا فرعون فهي حجة عليه وعليه أن يقصد مفتاح الغيب لفتح رموزها أي أن يقصد وليه المعصوم (يوسف) ليكشف أسرارها. وفي هذا كفاية لمن تدبر في معرفة الحق وأهله. نسأل الله الهداية لجميع من أراد الهداية ([54]). ثم إن في الحديث إشارة أخرى وهي إن الإمام ع فصَّل القول في هذه المسألة وهي مخالفة لما ساقه النواصب من افتراء على الله ورسوله، وليست المسألة خافية على من تتبع التاريخ فكان بالإمكان لمن أراد معرفة الحق والحقيقة أن يتعرف عليها ولو من طرف بعيد ليصل بعد ذلك إلى القرب منها. ومن الرواية الآتية نستنتج أن الرؤيا حجة أو بيان حتى في التشريع ولكن بشرط أن تُقَر من قبل المعصوم، وأما كونها طريق هداية إلى معرفة الحجة المعصوم فهي حجة ودليل مطلقاً. عن سويد القلانسي، عن بشير، عن أبي عبد الله ع، قال: (قلت له: إني رأيت في المنام أني قلت لك: إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: نعم هو كذلك، فقال أبو عبد الله ع: هو كذلك هو كذلك) ([55]). وهنا الإمام ع أقر الرؤيا لصاحبها ولم يقل له إن دين الله أعز أن يرى بالنوم. * * * -النقطة الخامسة: الرؤيا حجة على صاحبها ثم المسألة الرابعة التي احتج بها منكرو حجية الرؤيا هي قولهم إن الرؤيا حجة على صاحبها الذي رآها لا على عموم الناس، ولم يحتج القائلون بهذه المقالة إلا بعد فراغ جعبتهم من كل دليل ينفي حجية الرؤيا، بل ورؤيتهم هذا العدد المتكاثر من روايات أهل البيت ص لذا لجأوا إلى طريق جديد ليقنعوا الناس به، وبهذا لا يكون طعن بالشخص الرائي للرؤيا ظاهراً ويضمنون عدم تصديق الناس بهذه الحجة الإلهية، فكانوا بهذا أداة للشيطان من حيث يعلمون أو لا يعلمون، فهم يصدون الناس عن طريق آل محمد ص. ولكل من يجهل الحقيقة نقول له: نعم؛ إن الرؤيا حجة على الشخص الرائي وهي حجة على غيره ممن سمع رؤيته أو كان أمر الرؤيا يخصه، وهذا ما أكد عليه آل محمد ص في أحاديث كثيرة ومتنوعة: إن آل محمد ص صرحوا بأوضح بيان بأن الرؤيا لا تخص الرائي فقط بل إن الإنسان يرى فيه المؤمن رؤيا وتعد هذه الرؤيا بمنظار أهل البيت ص رسالة من الله تعالى، وهذا ما أكدوا عليه ع بأحاديث عدة منها: ما ورد عن أبي الدرداء، عن النبي ص في قوله تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾([56]) قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، فهي بشراه في الحياة الدنيا، وبشراه في الآخرة الجنة) ([57]). ما ورد عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾، قال: (هي الرؤيا الحسنة يراها المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه) ([58]). ما ورد عن ابن عباس أيضاً، عن النبي ص، قال: (ألا إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ([59]). الحديث الوارد عن عبادة بن الصامت، عنه ص، في قوله تعالى: (﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾، قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له) ([60]). الحديث السابق مع الإمام الكاظم الذي مرَّ علينا فيما سبق وكان فيه: (... فاقر به أي بولاية أمير المؤمنين - ثم لزم السكوت فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك وكان من قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة ويُرى له، ثم انقطعت عنه الرؤيا فرأى ليلة أبا عبد الله ع فيما يرى النائم فشكا إليه انقطاع الرؤيا. فقال: لا تغتم فإن المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفع عنه الرؤيا) ([61]). فأنت ترى عزيزي القارئ أن أحاديث أهل البيت لم تقصر التبليغ الإلهي في الرؤيا على شخص الرائي، بل امتدت إلى رؤيا المؤمنين للمؤمن أي رؤيتهم لكل ما يتعلق بالمؤمنين، واليوم دعوة السيد أحمد الحسن يماني آل محمد ع هي لكل المؤمنين دون استثناء، والرؤيا فيها تشمل الجميع دون استثناء. كما أكد آل محمد ص حجية الرؤيا على الجميع من جهات أخرى؛ منها مقولة (المبشرات)، فهل تعني في كلام آل محمد ص مبشرة لشخص الرائي أم تشمل الجميع وكذلك الحال في المنذرة. والحق أن رسول الله ص وآله الطاهرين بيّنوا أن المبشرات والمنذرات تشمل الجميع بدليل أن رسول الله ص كان يقولها على الجميع وينصت إليها، فلو كان الأمر متعلقاً بشخص الرائي لم يهتم رسول الله ص هذا الاهتمام بالرؤيا حتى يعدلها بالنبوة ويقول: انقطع الوحي وبقيت المبشرات. وهاك استمع لقولهم فيها واحكم بنفسك: عن رسول الله ص، قال: (لا نبوة بعدي إلا المبشرات. قيل: يا رسول الله، وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) ([62]). سمعت رسول الله ص يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة) ([63]). عنهم ص: (انقطع الوحي وبقي المبشرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات) ([64]). عنهم ص: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو يرى له)([65]). إن الإمام الرضا ينقل عن رسول الله ص فيقول: (إن رسول الله ص كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشرات ؟ يعني الرؤيا) ([66]). عن رسول الله ص قال لأصحابه: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي. قال: فشق ذلك على الناس. قال: قال: ولكن المبشرات. قالوا: يا رسول الله، وما المبشرات ؟ قال: رؤيا الرجل، وهي جزء من أجزاء النبوة) ([67]). إلى غير ذلك من الأحاديث وهي كثيرة من أحب فليراجعها في مظانها. الأصل في الإخبار هو من الحجة، والحجة واحد في كل زمان، فالإشارة تكون للحجة على الخلق فلا تقبل التعدد من هذه الناحية. وإلا لتعدد الصراط المستقيم وهذا غير ممكن بل منفي في شريعة الإسلام فمن خالف فليتخذ غير سبيل الإسلام. إن المخبر في الرؤيا إذا كان معصوماً فلا خلاف في حجيته سواء كنت أنا من رأى الرؤيا أو غيري، هدانا الله لما يحبه ويرضاه ([68]). بعد التنزل نقول: إن الرؤيا إذا كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاث يمكن إن تحمل على المخالفة أو الاختصاص بالرائي أو ... أو ... إلى غير ذلك مما يمكن أن يقال، ولكن ما الذي يمكن أن يقال حيال آلاف الرؤى التي رآها الأنصار في قضية وصي ورسول الإمام المهدي السيد أحمد الحسن ع ؟؟ سلام على علي بن أبي طالب حيث تمثل قائلاً: أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مرادي وفي الختام أقول لمن أراد الحق إن علياً وهو (علي) يقول في الرؤيا: (إن الرؤيا تجري مجرى كلام يكلم به ربك عبده). فمن شاء تصديق علي بن أبي طالب ع فبها ونعمة، وإلا فالنار. * * * -خير الكلام كلام آل محمد ص وخير الكلام كلام آل محمد ص، ولذا أرفقت هذه الكلمات من سيدي ومولاي قائم آل محمد ع ويمانيهم أحمد الحسن (عليه سلام الله) أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، إذ ذكرها ع في أجوبته على السائلين في كتاب (المتشابهات) بأجزائه الأربعة، وإتماماً للفائدة ذكرت السؤال والجواب سوية: سؤال/ 134: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾([69]). هل يفهم من هذه الآية بأن الملائكة قِسم من تنزلها يكون في الرؤيا لتبشير للمؤمنين؟ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين. نعم هذا أكيد، فالملائكة يبشرونهم بالرؤيا الصالحة بصلاح طريقهم واستقامة وحسن عاقبتهم؛ لأنهم على ولاية الله سائرون، ولولي الله متابعون. وفي هذه الآية: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾([70])، قال الرسول ص: (الرؤيا الصالحة)([71]). في الحديث عن جابر، عن أبي جعفر ع، قال: قال رجل لرسول الله ص في قول الله (: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: (هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه) ([72]). ولو تدبرت كلام الله قبل هذه الآية وبعدها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾([73]). وفي هذه الآيات: إن هؤلاء الذين قال عنهم تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يرون رؤيا تبشرهم بصلاح اعتقادهم وحسن عاقبتهم وصفهم تعالى بأنهم أولياء الله المتقون في الآيات قبلها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾، أي إنّ الذين يرون المبشرات هم أولياء الله المتقون. إن هذه الرؤى المبشرة - بحسن عاقبتهم - التي يراها المؤمنون وصفها تعالى بأنها كلامه سبحانه وتعالى، وهي حق لا تتبدل، وهي (من الغيب) الذي يُطلع عليه الله أولياءه المتقين ﴿لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. إن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن الذين يعادون الأنبياء لا يصدقون بكلام الله في الرؤيا، وأمر سبحانه الرسول والمؤمنين أن لا يحزنوا لتكذيب هؤلاء الرؤيا، ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؛ لأن هؤلاء لا يكذبون الرسول والمؤمنين فحسب، بل هم يكذبون الله؛ لأنهم يجحدون آياته: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾([74]). فالرؤيا آيات الله، وكلمات الله، وهي الميزان الحق الذي يعرف به الإنسان أنه على جادة الحق، وعلى الصراط المستقيم، والذين يجحدون بالرؤيا هم أعداء الله المكذبون للأنبياء والأوصياء ص، ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾. والقانون الإلهي من الآيات المتقدمة أن أولياء الله الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا، أي إنهم لابد أن يرون أو يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم وعقيدتهم، فالذين لا يرون ولا يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم ليسوا من أولياء الله، بل ولا من الذين آمنوا، ولا من المتقين. والآن إذا انتقلنا إلى آية أخرى تُبيّن فائدة الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([75])، أي إنّ الصيام كُتب عليكم رجاء أن تكونوا متقين، والمتقي يعلم تقواه من الله سبحانه بالميزان الإلهي الحق وهو: (كلمات الله وآيات الله) التي يجحد بها الظالمون، وهي الرؤيا المبشرة كما عرفنا من الآيات المتقدمة. إذن، فالذي لا يَرى ولا يُرى له المبشرات باستقامة طريقه ليس من المتقين، بل ولا من الصائمين بحسب هذه الآية، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ([76])، وهؤلاء الذين ينكرون الرؤيا أرواحهم منكرة لوجود الله، ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾. * * * سؤال/ 145: قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ ([77]). ما المعنى المراد من هذه الآية ؟ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين قال رجل لأبي عبد اللّه ع: بلغني أن العامة يقرؤون هذه الآية هكذا: (تَكلمهم) أي تجرحهم، فقال ع: (كلمهم الله في نار جهنم ما نزلت إلا تُكلمهم من الكلام) ([78]). وعن الرضا ع في قوله تعالى: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾، قال ع: (علي ع) ([79]). فالدابة في هذه الآية إنسان، وتوجد روايات بيَّنت أنه علي بن أبي طالب ع، وهذا في الرجعة، فعلي ع هو دابة الأرض ([80]) في الرجعة يكلم الناس، ويبين المؤمن من الكافر بآيات الله سبحانه. وقبل الرجعة قيام القائم ع، وأيضاً له (دابة تكلم الناس)([81])، وتبين لهم ضعف إيمانهم بآيات الله الحقة في ملكوت السماوات، وهي الرؤيا والكشف في اليقظة، وتبين لهم أن الناس على طول مسيرة الإنسانية على هذه الأرض أكثرهم لا يوقنون بآيات الله الملكوتية ولا يؤمنون بالرؤيا، والكشف في ملكوت السماوات، لأنهم قصروا نظرهم على هذه الأرض، وعلى المادة، وهي مبلغهم من العلم لا يعدونها إلى سواها، ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾([82]). وفي الجانب الآخر الأنبياء والأوصياء والرسل وأصحابهم يؤمنون بآيات الله، ويؤمنون بالرؤيا والكشف في ملكوت السماوات، وإنها طريقٌ لوحي الله سبحانه وتعالى، وما كانوا أنبياء لولا إيمانهم هذا، ولذا مدحهم الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾([83]). وقال: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾([84]). وقال تعالى عن الرؤيا: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾([85]). فمدح إبراهيم ع؛ لأنه صدق بالرؤيا، ومدح مريم كذلك ؛ لأنها صدقت بالرؤيا، ومدح يوسف؛ لأنه صدق بالرؤيا وأوّلها، قال تعالى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾([86]). واليوم تجد كثيراً من الناس ينكرون حقيقة الرؤيا، وإنها وحي من الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن نفوسهم الخبيثة منكرة وغير مؤمنة بالله سبحانه وتعالى، ولكنهم لا يعلمون. فهم كافرون بالله في عالم الذر، وكافرون بالولاية الإلهية، ولم يقرّوا لولي من أولياء الله قط في قلوبهم، وإنما جعلهم الله يقرون بألسنتهم ببعض الحق ليدفع الله بهم عن أوليائه ([87]). والرؤيا طريق يكلم الله به عباده ([88]) جميعهم وأنبياءه ورسله، أولياءه وأعداءه، المؤمن والكافر. فقد أوحى الله لفرعون مصر الكافر رؤيا استفاد منها يوسف ع في بناء اقتصاد الدولة: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾([89]). وقد أوحي الله لمحمد ص رؤيا عرَّفه بها ما يحصل لأهل بيته من بعده، وتسلّط بني أمية (لعنهم الله) على أمته: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً﴾([90]). وقد عرض الله سبحانه وتعالى نفسه شاهداً للكفار بنبوة محمد ص إن طلبوا شهادته. وكيف يشهد الله سبحانه وتعالى للكفار إلا بالرؤيا. قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾([91]). قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾، فالقول الذي يقع هو خروج القائم ع وهو القيامة الصغرى ([92])، ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾([93])، والدابة: هو المهدي الأول ([94]) الذي يقوم قبل القائم ع ويكلم الناس ويبكتهم، ويبيّن لهم كفرهم بآيات الله الملكوتية (الرؤيا والكشف) وركونهم إلى المادة والشهوات، وإعراضهم عن ملكوت السموات. قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾([95]). ورد في الروايات عنهم ص: (أنه الحق) أي: قيام القائم، والآيات التي يرونها في الآفاق، وفي أنفسهم هي كما ورد عنهم ص؛ في الآفاق: (الفتن والقذف من السماء)، وفي أنفسهم: (المسخ) ([96]). وأيضاً الآيات في الآفاق الملكوتية أي في آفاق السماوات، وفي أنفسهم بـ (الرؤيا والكشف)، فيريهم الله آياته الملكوتية حتى يتبيّن لهم أنه الحق، أي خروج القائم، وإنّ الذي يكلمهم هو: (المهدي الأول من المهديين الإثني عشر)، وهذا الآيات هي من العلامات التي ترافق المهدي الأول، وتبيّن للناس أنه الحق من ربهم. فهذه الآيات في الآفاق وفي الأنفس هي نفسها التي تتكلم عنها دابة الأرض، وتبكِّت الناس؛ لأنهم لا يؤمنون بها، وهي الآيات في ملكوت السماوات، وهي الرؤيا والكشف. ولابد هنا أن نعرج قليلاً على الرؤيا لنعرف مدى أهميتها عند الله سبحانه وتعالى في القرآن، وعند الرسول ص، وعند آل بيته ص. ففي القرآن: الله سبحانه وتعالى يسمي الرؤيا (أحسن القصص)([97])، ويقص علينا رؤيا يوسف ([98]) ويبيّن تحققها في أرض الواقع. ويقص علينا رؤيا السجين ([99]) وتحققها في أرض الواقع المعاش، ويقص رؤيا فرعون الكافر([100]) واعتماد يوسف ع وهو نبي عليها وتأسيسه اقتصاد الدولة بناءً على هذه الرؤيا، ومن ثَّم تحققها في الواقع المعاش. ويقص علينا القرآن حال بلقيس ملكة سبأ، فهي تعرف أن سليمان نبي كريم بالرؤيا، فتصدق الرؤيا وتؤمن في النهاية: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾([101])، فمن أين عرفت أنه كتاب كريم إلا من الله وبالرؤيا. وهكذا كل أنبياء الله ورسله وأوليائه سبحانه وتعالى، لا تفارقهم الرؤيا، آية عظيمة من آيات الله، وطريق يكلمهم الله سبحانه به، فالرؤيا طلائع الوحي الإلهي. أما الرسول: فقد اهتم بالرؤيا أشد الاهتمام، حتى إنه كان كل يوم بعد صلاة الفجر يلتفت على أصحابه فيسألهم: (هل من مبشرات، هل من رؤيا)([102]). وفي يوم لا يخبره أحد من أصحابه برؤيا فيقول لهم: (آنفاً كان عندي جبرائيل يقول: كيف نأتيهم ونريهم رؤيا والتفث في أظفارهم؟!). وقال ص: (من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، ولا بأحد من أوصيائي) ([103]). وقال، وقال، وقال في الرؤيا، راجع (دار السلام) ([104]) وهو أربع مجلدات مليئة بالروايات التي تخص الرؤيا. كما أقر رسول الله ص الرؤيا كطريق هداية وإيمان، فأقر إيمان خالد بن سعيد بن العاص الأموي لرؤيا رآها به ص ([105])، وأقرّ رؤيا يهودي رأى نبي الله موسى ع وأخبره أن الحق مع محمد ص ([106]). وأقر رسول الله ص أن الرؤيا حق من الله وكلام تكلم به الرب سبحانه عند عبده ([107]). أما أهل البيت ص فقد ورد عنهم: (من رآنا فقد رآنا فإن الشيطان لا يتمثل بنا) ([108]). وورد عنهم ص: إن الرؤيا في آخر الليل لا تكذب ولا تختلف ([109])، وإنّ الرؤيا في آخر الزمان لا تكذب ([110])، وفي آخر الزمان يبقى رأي المؤمن ورؤياه ([111]). وأقرّ الإمام الحسين ع إيمان وهب النصراني لرؤيا رآها بعيسى ع، وأقر الإمام الرضا ع إيمان بعض الواقفية لرؤيا رآها، فقد آتاه أبو الحسن الرضا ع في الرؤيا، وقال له: والله لترجعن إلى الحق ([112]). وإذا أردنا التفصيل فإن الأمر يطول، ولكن ماذا تفعل لمن ينكر عليك الشمس في رابعة النهار وكيف تحتج على من يقول هذا منتصف الليل عند الزوال. وما لنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾([113]). فهذا إنكارهم للرؤيا وهي من الآيات الأنفسية، إنما لسبب أنهم في مرية من لقاء ربهم. والحمد لله وحده. * * *
Footers

[1] - تعطير الأنام في تعبير المنام - للشيخ النابلسي: ج1 ص3.

[2] - تفسير القمي: ج2 ص62.

[3] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج12 ص198.

[4] - مشكاة الأنوار: ص434.

[5] - الأعراف: 12.

[6] - الصافات: 102.

[7] - الصافات: 106.

[8] - وتبين في الإصدارات السابقة إن الشيطان (لعنه الله) له قابلية قذف شيء يعلق في الرؤيا كما أوضحها السيد ( للأنصار. وسيتضح جانباً منها في حلقة (الرؤيا في المفهوم القرآني) من التفسير المقارن (إن شاء الله تعالى).

[9] - منتهى المطلب (ط . ق) - العلامة الحلي: ج2 ص611، كما نقل هذا الكلام المحقق الخونساري في كتابه (مشارق الشموس (ط . ق): ج2 ص453 .

[10] - الكافي: ج4 ص207 – 208.

[11] - الأمالي- الشيخ الطوسي: ص386، بحار الأنوار: ج58 ص172، مستدرك سفينة البحار: ج4 ص31، ميزان الحكمة: ج4 ص1012.

[12] - بحار الأنوار: ج58 ص190 كما ذكر العديد من الأحاديث الشريفة التي تخص الرؤيا في هذا الباب فراجع، ميزان الحكمة – للريشهري: ج2 ص1013.

[13] - عيون أخبار الرضا ( - للشيخ الصدوق: ج1 ص288، مدينة المعاجز – للبحراني: ج7 ص183.

[14] - من لا يحضره الفقيه – للصدوق: ج2 ص585، الأمالي – للصدوق: ص121، روضة الواعظين: ص234، وسائل الشيعة (الإسلامية): ج10 ص436، بحار الأنوار - للشيخ المجلسي: ج49 ص283.

[15] - يونس: 63 – 64.

[16] - الكافي: ج8 ص90، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص133، وسائل الشيعة (الإسلامية): ج2 ص828، بحار الأنوار: ج58 ص159.

[17] - بصائر الدرجات – للصفار: ص274، الثاقب في المناقب – للطوسي: ص456، بحار الأنوار: ج 58 ص 189.

[18] - الأصول الستة عشر- عدة محدثين: ص57.

[19] - الاختصاص: ص241.

[20] - كتاب سليم بن قيس تحقيق محمد باقر الأنصاري: ص124.

[21] - بحار الأنوار: ج92 ص241، وكذا منهج الدعوات - لابن طاووس: ص138، فيهما تفاوت بسيط والألفاظ لابن طاووس (عليه الرحمة).

[22] - الأمالي: ص217، بحار الأنوار: ج44 ص314، مستدرك الوسائل - للميرزا النوري: ج5 ص114، مستدرك سفينة البحار: ج10 ص192، باختلاف يسير.

[23] - بحار الأنوار: ج58 ص195، وسنن الدارمي: ج2 ص165.

[24] - بحار الأنوار: ج58 ص195.

[25] - الكافي - لثقة الإسلام الشيخ الكليني: ج8 ص90 .

[26] - الكافي: ج8 ص336.

[27] - ميزان الحكمة: ج2 ص1012، ومن كتب العامة سنن الترمذي: ج3 ص367.

[28] - مستدرك الوسائل: ج14 ص334.

[29] - الأمالي - للشيخ الصدوق: ص142.

[30] - بحار الأنوار: ج92 ص375، منهج الدعوات - لابن طاووس: ص119.

[31] - الإسراء: 20.

[32] - الأنفال: 30.

[33] - مستدرك الوسائل: ج5 ص114 .

[34] - مستدرك الوسائل: ج5 ص112 .

[35] - المجادلة: 10.

[36] - الكافي: ج8 ص142.

[37] - بحار الأنوار: ج 58 ص164.

[38] - جامع السعادات: ج2 ص19.

[39] - الأمالي - للشيخ الطوسي: ص536.

[40] - بحار الأنوار: ج85 ص235.

[41] - الذريعة ج 8 ص 49.

[42] - بحار الأنوار: ج73 ص214.

[43] - بحار الأنوار: ج53 ص330.

[44] - بحار الأنوار: ج53 ص331.

[45] - جواهر الكلام: ج5 ص46.

[46] - كتاب الطهارة - للشيخ الأنصاري (ط . ق): ج2 ص333.

[47] - من لا يحضره الفقيه – للصدوق: ج2 ص585.

[48] - أصول الكافي: ج1 ص314 – 315.

[49] - مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي: ص104.

[50] - مختصر بصائر الدرجات: ص104.

[51] - بحار الأنوار: ج65 ص147 – 148.

[52] - الاختصاص: ص241.

[53] - الكافي - الشيخ الكليني: ج3 ص482 – 486.

[54] - يجب الالتفات إلى أن هذا الكلام لا يراد منه أن أهل البيت  جعلوا رؤى الناس أحد طرق التشريع في العقيدة أو الفقه؛ لأن هذا الأمر قد نصَّب الله له أهله، وهم حججه على خلقه في كل زمان، بل المراد هو أن الرؤى الصادقة ترشد إلى تشخيص المصداق الحق، من بين ما يحيطه ممن تشبه به كذباً وزوراً، أو الهداية إلى حجة الله أو التأكيد عليه، عند وجود الشبهة أو الشك، كما هو حاصل في دعوات الأنبياء والمرسلين والأئمة .

لأن التشريع معناه الإنشاء أو الإيجاد أو الإفصاح ... بالحكم قبل وجوده كحكم شرعي، أما تشخيص المصداق الحق والهداية إليه، يعني أن ذلك المصداق موجود ومتحقق أي مشرع أو قل منصب ومبعوث كما في حجج الله، وتكون الرؤيا شاهد لهم وهاد إليهم ومشخص لهم.

[55] - الكافي: ج 5 ص 27.

[56] - يونس: 64.

[57] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج58 ص191 – 194.

[58] - بحار الأنوار: ج58 ص191 – 194.

[59] - بحار الأنوار: ج58 ص191 – 194.

[60] - بحار الأنوار: ج58 ص191 – 194.

[61] - بصائر الدرجات – للصفار: ص274، الثاقب في المناقب – للطوسي: ص456، بحار الأنوار: ج58 ص189.

[62] - بحار الأنوار ج58 ص192 / مسند أحمد ج5 ص454.

[63] - بحار الأنوار: ج58 ص177.

[64] - بحار الأنوار: ج58 ص176، وكذا في جامع الأخبار.

[65] - بحار الأنوار: ج58 ص178.

[66] - ميزان الحكمة - محمد الريشهري: ج2 ص1010.

[67] - مسند احمد: ج3 ص267.

[68] - نعم قد تكون الرؤيا عبارة عن إرشاد إلى أمر خاص بالرائي، ولكن كلامنا عن الرؤى التي تتواتر عن أمر معين عام للجميع، في بيان وتشخيص مصداق الحق الذي اشتبه على الناس.

[69] - فصلت: 30.

[70] - يونس: 64.

[71] - عن عبادة بن الصامت، قال: سألت رسول الله  عن قوله تعالى: (لهم البشرى في الحياة الدنيا)، قال: (هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو يرى له ) بحار الأنوار: ج58 ص180.

[72] - الكافي: ج8 ص90، الأحلام والحجة على أهل ذلك الزمان.

[73] - يونس: 62 – 65.

[74] - الأنعام: 33.

[75] - البقرة: 183.

[76] - أنظر حديث رسول الله  حيث يقول : (رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر) وسائل الشيعة: ج1 ص72.

[77] - النمل: 82.

[78] - بحار الأنوار: ج53 ص53.

[79] - العديد من الروايات تشير إلى أن دابة الأرض هو علي بن أبي طالب ( وفي الرجعة، فراجع للوقوف على هذه الروايات: بحار الأنوار: ج53 ص53، ومدينة المعاجز للبحراني: ج3 ص90، وما بعدها وغير ذلك.

[80] - روايات آل بيت العصمة تشير إلى أن علياً هو دابة الله خاصة، بينما يشترك معه المهدي الأول ( في لقب دابة الأرض. ومن الروايات حديث أبي بصير عن أبي عبد الله (، قال: (انتهى رسول الله  إلى أمير المؤمنين ( وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحركه رسول الله  برجله ثم قال: يا دابة الله ، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة، وهو الدابة التي ذكر الله تعالى في كتابه: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) مختصر بصائر الدرجات: ص43، فانتبه لحديث الرسول  فقد ذكر أولاً دابة الله الخاصة بعلي ( ثم ذكر (دابة الأرض) في الآية القرآنية، وما هذا العطف إلا لتغايرهما .

[81] - وقد فصل الأستاذ أحمد حطاب القول في هذه المسألة في كتاب (طالع المشرق ودابة الأرض)، فراجع.

[82] - النجم: 30.

[83] - الصافات: 104 – 105.

[84] - التحريم: 12.

[85] - يوسف: 3.

[86] - يوسف: 46.

[87] - انظر الحديث الوارد عن الإمام الصادق (: (… ثم قال (: إن الله خلق أقواماً لجهنم والنار، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ولولا ذلك ما عُبـِد الله في أرضه، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله بالستر والكتمان عنه) الكافي: ج1 ص402.

[88] - عن أمير المؤمنين ( قال: (رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم به الرب عنده) بحار الأنوار: ج58 ص210.

[89] - يوسف: 43.

[90] - الإسراء: 60، وروى سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين ( وهو يخاطب معاوية (لعنه الله): (. . ونزل فيكم قول الله عز وجل: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن)، وذلك حين رآى رسول الله اثني عشر إماماً من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان، وقد لعنه رسول الله  وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول الله ) كتاب سليم بن قيس: ص308، تحقيق محمد باقر الأنصاري.

[91] - الرعد: 43.

[92] - عن أمير المؤمنين ( في قوله تعالى: (إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون)، قال: (وما يتدبرونها حق تدبرها، ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان، قلنا بلى يا أمير المؤمنين، قال: قتل نفس حرام في يوم حرام في بلد حرام من قوم من قريش، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمس عشرة يوم) غيبة النعماني: ص259، وهنا ربط أمير المؤمنين ( بين القول الذي يقع والدابة التي تخرج وبين خروج القائم ( بعد مقتل النفس الزكية بخمسة عشر يوماً.

[93] - النمل: 82 .

[94] - لا شك أنّ دابة الأرض التي تكلم الناس في الرجعة هو أمير المؤمنين (، وفي ذلك روايات كثيرة تقدم بعضها في إجابة السؤال (145)، ولكن هناك دابة للأرض أيضاً تخرج في آخر الزمان وتكلم الناس وتبكتهم على تكذيبهم بآيات الله وتسمهم لتميز المؤمن من الكافر، قال أمير المؤمنين (: (خروج دابة الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقاً، ويضعه على وجه كل كافر فينطبع فيه هذا كافر حقاً.. ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها) التفسير الصافي: ج4 ص75، وواضح أن هذا عند ظهور القائم ( وليس في الرجعة، والدابة هنا هو اليماني والمهدي الأول ( .

[95] - فصلت: 53.

[96] - عن الإمام الصادق (، قال: (نريهم في أنفسهم: المسخ، ونريهم في الآفاق: انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق. قيل: حتى يتبين لهم أنه الحق، قال: خروج القائم ( هو الحق من عند الله عز وجل يراه الخلق لابد منه. وفي رواية: خسف ومسخ وقذف، سئل حتى يتبين، قال: دع ذا ذاك قيام القائم () تفسير الصافي: ج4 ص364 – 365، نقلاً عن الكافي.

[97] - قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) يوسف:3.

[98] - قال تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يوسف: 4.

[99] - قال تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف: 36.

[100] - قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) يوسف: 43.

[101] - النمل: 29.

[102] - انظر: الكافي: ج8 ص90، بحار الأنوار: ج68 ص177.

[103] - بحار الأنوار: ج30 ص132، دار السلام: ج1 ص59.

[104] - كتاب في أربعة أجزاء، تأليف الشيخ المحدث - الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل .

[105] - روى ابن سعد: (عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، قال: كان إسلام خالد بن سعيد قديماً وكن أول إخوته أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله به أعلم ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله آخذا بحقويه لئلا يقع ففزع من نومه فقال أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق . .) الطبقات: ج4 ص94.

[106] - عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله ، فقال: يا محمد أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله، فقال رسول الله : أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود: عزير بن الله والله لا يعلم أن له ولداً، فقال جندل: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً. ثم قال: يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران ( فقال لي: يا جندل أسلم على يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده: فقد أسلمت ورزقني الله ذلك ...) بحار الأنوار: ج36 ص 304 – 305.

[107] - تقدم الحديث عن الامام علي بن أبي طالب (، انظر: بحار الأنوار: ج58 ص210.

[108] - روى الشيخ الصدوق عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( أنه (قال له رجل من أهل خراسان: يا ابن رسول الله رأيت رسول الله  في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيب في ثراكم نجمي، فقال له الرضا (: أنا المدفون في أرضكم، أنا بضعة من نبيكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله عز وجل من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجى ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس، ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه ( أنّ رسول الله  قال: من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة واحدة من شيعتهم وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) من لا يحضره الفقيه: ج2 ص584.

[109] - روى الكليني عن أبي عبد الله ( أنه قال: (أما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل ومع حلول الملائكة وذلك قبل السحر فهي صادقة لا تختلف إن شاء الله . .) الكافي: ج8 ص91 ح62.

[110] - انظر: شرح أصول الكافي - للمازندراني: ج11 ص476.

[111] - عن الإمام الصادق (، قال: (رأي ورؤيا المؤمن في آخر الزمان على سبعين جزء من أجزاء النبوة) دار السلام: ج1 ص18.

[112] - عن الحسن بن علي الوشا، قال: (كنا عند رجل بمرو وكان معنا رجل واقفي فقلت له: اتق الله قد كنت مثلك ثم نور الله قلبي فصم الأربعاء والخميس والجمعة، واغتسل وصل ركعتين، وسل الله أن يريك في منامك ما تستدل على هذا الأمر، فرجعت إلى البيت وقد سبقني كتاب أبي الحسن يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرجل، فانطلقت إليه، وأخبرته وقلت: احمد الله واستخر مائة مرة، وقلت له: إني وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار أن أقول لك ما كنا فيه، وإني لأرجو أن ينور الله قلبك، فافعل ما قلت لك من الصوم والدعاء، فأتاني يوم السبت في السحر فقال لي: أشهد أنه الإمام المفترض الطاعة، قلت: وكيف ذلك ؟ قال: أتاني أبو الحسن البارحة في النوم فقال: يا إبراهيم والله لترجعن إلى الحق وزعم أنه لم يطلع عليه إلا الله) بحار الأنوار: ج 49 ص53 – 54.

[113] - فصلت: 53 – 54.