Subjects

Text

إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (16) الرد القاصم على منكري رؤية القائم تأليف الشيخ ناظم العقيلي الطبعة الثانية 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org تنبيه: هذا الكتاب عبارة عن مناظرة بين أنصار الإمام المهدي وبين السيد السيستاني ومكتبه ومركز البحوث العقائدية التابع له، جرت على مدى عام كامل من تاريخ 21/ رمضان/ 1424 هـ . ق إلى 29/ رمضان/ 1425 هـ . ق. وقد تمثلت هذه المناظرة بـ: فتوى السيد السيستاني بعدم إمكان رؤيا الإمام في الغيبة الكبرى. رد الشيخ ناظم العقيلي على فتوى السيد السيستاني. رد مركز البحوث العقائدية على رد الشيخ ناظم العقيلي. رد الشيخ ناظم العقيلي على رد مركز البحوث العقائدية في النجف الأشرف. رد الشيخ ناظم على فتوى السيد السيستاني: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ... انتشرت قبل سنتين تقريباً دعوة السيد أحمد الحسن بأنه مرسل من قبل الإمام المهدي ع إلى الناس كافة؛ ليجمع شملهم والسير بهم نحو نصرة الإمام المهدي ع والابتعاد عن نصرة العناوين والشخصيات التي فرقت الأمة وجعلتها طوائف تلعن بعضها بعضاً ويكذب بعضها البعض الآخر، عن أبي عبد الله ع: (لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين) ([1]). وعرضت قضية السيد أحمد الحسن على كثير من العلماء أحدهم السيد علي السيستاني فأفتى بعدم جواز رؤية الإمام المهدي ع سواء في الواقع أم في المنام، والإنكار على من يدعي رؤية الإمام المهدي ع أو النقل عنه ع. وللأسف الشديد فإن هكذا فتوى لا يتوقع صدورها من السيد علي السيستاني؛ لأنها مخالفة لأحاديث أهل البيت ص، وأيضاً مخالفة لقصص كثير من علمائنا الأبرار (أعلى الله مقامهم)، فإن كثيراً منهم قد تشرف برؤية الإمام المهدي ع في عالم الشهادة وفي المنام، بل كثير من عوام الناس قد تشرف بلقاء الإمام المهدي ع، بل إن قضية رؤية الإمام المهدي من البديهيات ولا يجرؤ أحد على إنكارها فهي كالشمس في كبد السماء. ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾([2]). ولعل أحداً يعترض على كاتب هذه السطور ويقول كيف يمكن لطالب في الحوزة العلمية أن يجرؤ ويرد على مرجع ديني ؟ أقول: أنا العبد الفقير قليل العلم والعمل لا ادّعي أني أعلم من السيد السيستاني، ولكن اطلعت على روايات أهل البيت ص وآراء العلماء الأعلام فوجدت فتوى السيد السيستاني مخالفة لها تماماً، فأنا لا أرد برأيي بل أرد بروايات أهل البيت ص وآراء العلماء الأعلام. قال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾([3]). عن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله ع: (للقائم غيبتان: أحدهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه) ([4]). عن أبي عبد الله ع أنه قال: (لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة) ([5]). عن الإمام الصادق ع: (لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول أنهم رأوه فيكذبونهم) ([6]). وغير ذلك كثير من الروايات التي تشير إلى ذلك، فهذا الإمام الصادق ع يصرح بأن مكان الإمام المهدي ع يعلم به خاصة أولياءه الذين أخلصوا لله تعالى في زمن الغيبة الكبرى. وأنبه على أن الحديث يشير إلى أن عامة الناس لا تعلم بمكان الإمام ومحل إقامته، وأما رؤية شخصه فالحديث لا ينفيها عن أحد سواء خاصته أو عامة الناس، فانتبه لذلك. وأما من رآه من العلماء فهم كثير، منهم: المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الأجل الأوحد الفقيه القارئ نجم الدين جعفر بن الزهيري، وقصته على لسانه هكذا: (إني كنت مفلوجاً وعجز الأطباء عني، وقد أباتتني جدتي تحت القبة (مقام صاحب الزمان في الحلة) وأن الحجة صاحب الزمان قال لي: قم بإذن الله تعالى، أعانني على القيام، فقمت وزال عني الفالج، وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلوني، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبركون فيها، وكساني الناس من ثيابهم، ورحت إلى البيت وليس بي أثر الفالج...) ([7]). نقل المولى السلماسي (رحمه الله) عن السيد فخر الشيعة العلامة السيد محمد مهدي الطباطبائي بحر العلوم (قدس سره)، قال: (كنت حاضراً في محفل أفادته فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى، وكان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمى عند العجم بغليان، فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه، وخاطب نفسه بكلام خفي أسمعه، فقال ما معناه: ما أقول في جوابه ؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره...) ([8]). نقل المولى السلماسي (رحمه الله) عن السيد فخر الشيعة العلامة السيد محمد مهدي الطباطبائي بحر العلوم (قدس سره)، قال: (صلينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين (عليهما السلام)، فلما أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام. ولما فرغنا تعجبنا كلنا، ولم نفهم ما كان وجهه، ولم يتجرأ أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل، وأحضرت المائدة، فأشار إلى بعض السادة من أصحابنا أن سأله منه، فقلت: لا وأنت أقرب منا، فالتفت (رحمه الله) إليّ وقال: فيم تقاولون ؟ قلت وكنت أجسر الناس عليه: إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة، فقال: إن الحجة ع دخل الروضة للسلام على أبيه ع فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنوار إلى أن خرج منها) ([9]). قال الشيخ الصدوق: (فبينا أنا ذات ليلة أفكر فيما خلفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم، فرأيت كأني بمكة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه وأقبله وأقول: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، فأرى مولانا القائم صاحب الزمان ع واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسم فكر، فعلم ع ما في نفسي بتفرسه في وجهي فسلمت عليه، فرد عليّ السلام، ثم قال لي: لم لا تصنف كتاباً في الغيبة حتى تكفى ما قد همك ؟ فقلت له: يا ابن رسول الله، قد صنفت في الغيبة أشياء، فقال ع: ليس على ذلك السبيل، آمرك أن تصنف الآن كتاباً في الغيبة و اذكر فيه غيبات الأنبياء ص، ثم مضى ع، فانتبهت فزعاً إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلما أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر ولي الله وحجته مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) ([10]). ومن أراد المزيد فليراجع كتاب النجم الثاقب للميرزا النوري، فإنه يذكر فيه مائة قصة لقاء مع الإمام المهدي ع في زمن الغيبة الكبرى، وأيضاً يراجع كتاب جنة المأوى، فإن في هاذين الكتابين الكفاية لكل طالب حقيقة. وأما قول السيد علي السيستاني: يجب الإنكار على من ينقل أموراً عن الإمام المهدي ع، فهذا أيضاً مخالف لما حصل مع كثير من العلماء. فإذا صح كلام السيد السيستاني فيستلزم تكذيب هؤلاء العلماء الأجلاّء والقدح في شخصياتهم؛ لأنهم قد نقلوا عن الإمام المهدي ع أموراً كثيرة في زمن الغيبة الكبرى، أمثال السيد بن طاووس والسيد بحر العلوم والشيخ المفيد والشيخ الاردبيلي وغيرهم من العلماء الأعلام أعلى الله مقاماتهم. أرسل الإمام المهدي ع رسالتين إلى الشيخ المفيد (قدس سره) في عصر الغيبة الكبرى، ونص الرسالتان موجود في النجم الثاقب ج2 ص235 و ص238. وذكر السيد الجليل ابن طاووس (قدس سره) في كتاب مهج الدعوات: (وكنت أنا بسر من رأى فسمعت سحراً دعاءه - أي دعاء الإمام المهدي ع -، فحفظت منه ع من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات: "وأبقهم" أو قال: "وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا"، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة) ([11]). ونقل السيد ابن طاووس كثير من الأدعية عن الإمام المهدي أعرضنا عن ذكرها لضيق المقام. قال العلامة الحلي (قدس سره) في كتاب منهاج الصلاح: (نوع آخر من الاستخارة عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف ابن علي المطهر (رحمه الله)، عن السيد رضي الدين الآوي الحسيني (رحمه الله)، عن صاحب الأمر ع وهو: "... ويذكر نوع الاستخارة نقلاً عن الإمام المهدي ع...) ([12]). نقل الشيخ الفضل ابن الحسن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان في كتاب كنوز النجاح: (دعاء علمه صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان أبا الحسن محمد ابن أحمد ابن أبي الليث (رحمه الله) في بلدة بغداد ... أنه علمني أن أقول: "اللهم عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانقطع الرجاء ...الخ). وغير هؤلاء العلماء الكثير ممن نقل عن الإمام المهدي عفي زمن الغيبة الكبرى، أعتذر عن ذكرها مراعاة للاختصار. وأفتى أحد العلماء فتوى مشابهة لفتوى السيد السيستاني، ووصلنا عنه الآن بأنه أنكر صدورها عنه. علماً أنها كانت مختومة بختم مكتبه !! فإذا كان السيد السيستاني قد أشتبه في فتواه، فيرجى سحبها وأعلام الناس بذلك، وأما إذا كان مصراً عليها فليبين لنا المخرج من هذا التعارض بين فتواه وروايات أهل البيت ص وما وقع مع العلماء النجباء (أعلى الله مقاماتهم). قال تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾([13]). والحمد لله وحده. الشيخ ناظم العقيلي أنصار الإمام المهدي 9/ ربيع الأول/ 1425 هـ . ق رد مركز البحوث العقائدية في النجف الأشرف دفاعاً عن فتوى السيد السيستاني: بسم الله الرحمن الرحيم فتوى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله) بخصوص من يدعي مشاهدة الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه): إن الموقف الشرعي تجاه من يزعم اللقاء بإمام العصر أرواحنا فداه مباشرة أو عن طريق الرؤيا في زمن الغيبة الكبرى يتمثل في عدم تصديقه فيما يدّعيه، وعدم الأخذ بما ينسبه إليه ع من أوامر أو غيرها، بل والإنكار عليه فيما يحكيه عنه صلوات الله وسلامه عليه من الأمور المعلومة بطلانها كبعض ما ذكر أعلاه، ونحن نهيب بإخواننا المؤمنين وفقهم الله لمراضيه أن لا ينساقوا وراء مثل هذه الدعاوي ولا يساهموا في نشرها والترويج لها بأي نحو من الأنحاء وننصحهم بالتحرز عن أصحابها وأتباعهم ما لم يتركوا هذا السبيل ونتضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يعجل في فرج إمامنا صاحب العصر ع ويجعلنا من أنصاره وأعوانه. 21/ رمضان/ 1424 هـ مكتب السيد السيستاني النجف الأشرف توضيح: أوصل لنا بعض الإخوة المؤمنين منشوراً لبعضهم يعترض على هذه الفتوى طارحاً اعتراضه على أنه بحث علمي بأن هذه الفتوى تعارض ما ورد في أخبار كثيرة بخصوص رؤية بعض المؤمنين لحجة الله في أرضه قائم آل محمد ص وطلب منا الإجابة والتعليق عليه، ولرفع الشبهة التي يثيرها البعض من المغرضين فكتبنا هذه السطور: صرح أئمة الهدى ع بأن الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) له غيبتان، أولهما قصيرة لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى طويلة لا يطلع على موضعه فيها إلا خاصة مواليه في دينه. وفي حديث: إلا المولى الذي يلي أمره ([14]). وقد بدأت الغيبة الصغرى بوفاة الإمام الحسن العسكري ع في 8 ربيع الأول سنة 260 هـ، وانتهت بوفاة علي بن محمد السمري السفير الرابع من السفراء والنواب الخاصين للإمام المهدي (عجل الله فرجه) في النصف من شهر شعبان سنة 329 هـ، وهي الغيبة التي كان السفراء فيها بين الإمام (عجل الله فرجه) وبين الخلق منصوبين ظاهرين بأشخاصهم وأعيانهم. وقد مهد الإمامان العسكريان لظاهر السفارة والغيبة، فقد نصبا عثمان بن سعيد العمري وكيلاً عنهما، فكان العمري وكيلاً للإمام الهادي ع، ثم وكيلاً للإمام العسكري ع، وصدرت عن هذين الإمامين تصريحات بمدح العمري وابنه وتوثيقهما، وأمر الناس بطاعتهما والأخذ عنهما ([15]). ثم اصبح عثمان بن سعيد العمري السفير الأول للإمام المهدي (عجل الله فرجه) وابنه محمد بن عثمان العمري السفير الثاني. ولم يقم أحد هؤلاء السفراء الأربعة بالسفارة إلا لنص عليه من صاحب الأمر (عجل الله فرجه) ونص من صاحبه الذي تقدم عليه، وكان يظهر على هؤلاء السفراء غوامض العلم والأجوبة عن كل ما كان يُسأل (عجل الله فرجه) من المعضلات والمشكلات. أما الغيبة الكبرى فقد بدأت بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري الذي أخرج إلى الناس قبل وفاته بأيام توقيعاً من صاحب الأمر (عجل الله فرجه) جاء فيه: (فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طوال الأمر، وقساوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر) ([16]). وجاء في أحاديث كثيرة عن المعصومين ص التأكيد على أمر غيبة الإمام (عجل الله فرجه) عن شيعته في مرحلة الغيبة الكبرى، فقد روي عن الإمام الصادق ع أنه قال: (يفقد الناس إمامهم، يشهد المواسم فيراهم ولا يرونه) ([17]). وروي عنه (عجل الله فرجه): (كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى؟) ([18]). وقد أرجع أئمة الهدى أفراد الشيعة في عصر الغيبة الكبرى إلى المراجع الأعلام والفقهاء العظام، فقد روي عن الإمام العسكري ع قوله: (... فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه فللعوام أن يقلدوه) ([19]). وروي عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) قوله: (... أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) ([20]). فحدد أئمة الهدى ص الموقف الشرعي للشيعة في زمن الغيبة في الرجوع إلى فتاوى المجتهدين المنصوبين من قبل صاحب الأمر (عجل الله فرجه) على الناس ومنحت الحجية لفتاواهم. وقد تصدى علماء الشيعة للرد على مدعي البابية والسفارة عن صاحب الأمر (عجل الله فرجه)، وأورد الشيخ الطوسي - على سبيل المثال - باباً في كتابه (الغيبة) في ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية. وأفتى مراجع الشيعة الكرام بكذب من ادعى المشاهدة والنيابة وإيصال الأخبار من صاحب الأمر (عجل الله فرجه) إلى الشيعة على مثال السفراء، سداً منهم لباب البدعة في الدين، ومنعاً من نسخ أحكام الشريعة، ونهياً عن إتباع خطوات الشيطان. ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر﴾([21]). وقد روي عن الإمام الصادق ع قوله: (من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله كان مشركاً) ([22]). وقد ظهر قبل فترة شخص يزعم أنه مرسل من قبل الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى الناس كافة، وزعم أن صاحب الأمر (عجل الله فرجه) نصبه بديلاً عن المراجع، وقد عُرض كلامه على سماحة السيد السيستاني فأفتى بأن الموقف الشرعي تجاه من يزعم اللقاء بإمام العصر أرواحنا فداه مباشرة أو عن طرق الرؤيا في زمن الغيبة الكبرى يتمثل في عدم تصديقه فيما يدّعيه، وعدم الأخذ بما ينسبه إليه (عجل الله فرجه) من أوامر أو غيرها، بل والإنكار عليه فيما يحكيه عنه صلوات الله وسلامه عليه من الأمور المعلوم بطلانها، كبعض ما ذكر في تصريحات هذا الشخص. ومن الواضح إن فتوى سماحة السيد أكدت على جملة أمور فيما يتعلق بتحديد الموقف الشرعي لأفراد الشيعة اتجاه هكذا أفراد: 1- إنها توصي بالتعامل بحذر وتوقف مع دعاوى اللقاء وتؤصل البناء على عدم حجية تلك الدعاوي، ومضامينها بشكل عام، نظراً إلى عدم حجية الأقاويل المبنية على الأسباب غير المتعارفة كالمنامات شرعاً. 2- إنها تشير إلى تكذيب من يدعي اللقاء معلناً ذلك للناس أو لفريق منهم ناقلاً لهم رسالة عنه (عجل الله فرجه)، خاصة مع ادعاء تكرر اللقاء عن قصد وعلم مسبق وفي مكان وزمان معين. وتلزم الإشارة إلى أن كثيراً من علماء الشيعة ألفوا كتاباً في قصص الذين حظوا بمشاهدة الإمام المهدي (عجل الله فرجه). 3- إن الفتوى تؤكد على ضرورة الإنكار على هؤلاء فيما يحكونه عن صاحب الأمر من الأمور المعلومة البطلان؛ لأن أئمة الهدى ص لا يأمرون بباطل ولا ينهون عن حق. 4- إن الفتوى تنصح أفراد الشيعة بالتحرز عن أصحاب أمثال هذه المزاعم واتباعهم، إذ لا يقوم بما ينقلونه حجة ومن ثم يتضح أنه لم تنف الفتوى مطلق الرؤية التي تسالم علماء الشيعة على حصولها مصادفة لجمع من أفراد الشيعة وعلماءها الذين لم يزعم أحد منهم أنه مرسل من قبل الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى الناس كافة، ولم يدّع أنه باب للإمام (عجل الله فرجه)، ولم يوصل منه رسالة صريحة إلى سائر الناس، ولم ينقل عنه شيئاً من الأمور المعلومة البطلان. ولإتمام الفائدة نذكر عدة نقاط تساعد في رد هذا المدعي ومن على شاكلته: 1- أن نسأله ما هو الدليل على مدعيه من الرؤية أو أنه مبعوث من قبل الإمام عأو غير ذلك، إذ لكل دعوى لابد من دليل لتميز الكاذب من الصادق، فمن يضمن لنا صدق هذا المدعي وأن ليس له مآرب أخرى أو أرسل من قبل جهة تحارب شيعة أهل البيت ص، مع ملاحظة إن كل من ذكر عنه في الكتب أنه رأى الإمام كان من الثقاة الأجلاء أو العلماء الأعلام وأنهم صُدّقوا لعلم الناس بوثاقتهم. ثم إن أكثر من نقل عنه الرؤية لم يعلم بالإمام ع إلا بعد ذهابه، وأما من عرفوا أنه الإمام ع فإن أكثرهم قد أوصاه الإمام ع بالتكتم وعدم إخبار غير الثقاة كما في رسالته ع للمفيد (رحمه الله)، وكذلك في قصة السيد بن طاووس والسيد بحر العلوم، بل إن العلماء الذين نقل عنهم الرؤية كانوا يكتمون في ذلك. فهذا المدعي إما كاذب أو خالف حكمة غيبة الإمام ع في عدم الإشاعة والإشهار. ثم إنه لو ادعى أنه من أوليائه الخاصين الذين يلون أمره كما في بعض الروايات فنقول له إن هؤلاء أيضاً غير معروفين لا يدورون بين الناس يعلنون عن أنفسهم، إضافة لسؤاله الدليل والحجة. 2- ثم نسأله هل يدعي الرؤية لمرة واحدة أو يدعي المشاهدة واللقاء المتكرر، فإن قال لمرة واحدة نقول له بعد سؤاله الدليل كما في النقطة الأولى: إن الرؤية مرة واحدة لا تثبت ما تدعي فما هو فرقك عن الآخرين الذين رأوا الإمام ع وقضى لهم حاجاتهم أو شفاهم أو غير ذلك، وإن ادعى اللقاء فنقول له: هذا تكذيب للإمام ع نفسه، فقد بين لنا إن كل من يدعي المشاهدة واللقاء فهو كاذب فكيف يرسل وهو قد كذب قبل ذلك، بل وإنه ع بين لنا الموقف الشرعي في مثل هذا وهو تكذيبك والرد عليك فما هو ذنبنا. 3- ثم نسأله من هو الحجة علينا في هذا الوقت الذي هو وقت غيبة الإمام ع، هل هم المراجع أو من يدعي اللقاء وأنه نائب الإمام ع وغير ذلك ؟ فإن قال إن الحجة هم المراجع فقد كذب نفسه بنفسه إذ ما حاجتنا إليه بعد ذلك، وإن قال إن الحجة هو من يدعي المشاهدة واللقاء دون المراجع، فنقول له: إن هذا تكذيب للإمام ع، فقد أخبرنا بعد انتهاء الغيبة الصغرى أنه لا سفراء خاصين له وإنما له نواب عامون هم المراجع وهم الحجة على العباد في زمن الغيبة الكبرى، فكيف يعود ويكذب نفسه - أعوذ بالله - ويرسل سفيراً خاصاً، ثم كيف يتوقع أن نتبعهم وهو ع قد وضح لنا الموقف الشرعي اتجاههم وأمرنا بتكذيبهم، فهل هذا إلا تناقض !! لا يفعله الشخص العادي فكيف بحجة الله البالغة وبقية الله في الأرض !! 4- وأخيراً نقول لمن لبس غير ثوبه وتنطع للرد على فتوى المراجع ومنها فتوى آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)، نقول له اقرأ الفتوى بصورة جيدة وافهم عباراتها بصورة صحيحة ثم علق عليها، فنحن لا نحتكر العلم على أحد ولكن كل شيء بحسبه. نسأل الله تعالى أن يعجل لولي الفرج والعافية والنصر، وأن يسدد علمائنا العاملين المخلصين، وأن يمحق أعداء الإسلام والمسلمين، إنه نعم المولى ونعم النصير. مركز الأبحاث العقائدية النجف الأشرف العراق - النجف الأشرف- شارع الرسول ص - جنب مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) ص . ب 729 الهاتف 372245 - 0096433332679 www.aqaed.com-lnf@aqaed.com الرد القاصم على منكري رؤية القائم ع الإهداء إلى محيي السنة ومميت البدعة ... إلى جامع الكلمة بعد الاختلاف والفرقة ... إلى قاطع رؤوس النفاق والضلال ... إلى مبير العتاة الجبابرة ... إلى الغريب الشريد الطريد الحزين ... إلى من تحن إليه قلوب المؤمنين ... إلى سيدي ومولاي ومعتمدي ورجاي في آخرتي ودنياي الحجة بن الحسن العسكري ع، أهدي هذه الأسطر المتواضعة دفاعاً عنه وعن قضيته، سائلاً الله تعالى أن يجعلني من خدامه والممتثلين لطاعته عن يقين وثبات إنه سميع مجيب. الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، مجري الفلك، مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديّان الدين، رب العالمين. الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها، وترجف الأرض وعمّارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق. قال تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ( يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ( رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ( أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾([23]). أصدر السيد السيستاني فتوى ضد السيد أحمد الحسن رسول الإمام المهدي ع وأكد فيها على تكذيب كل من ادعى رؤية الإمام المهدي ع سواء كانت الرؤيا في المنام أو في اليقظة. وقد قمت بالرد عليها؛ لأني وجدتها مجردة عن الدليل الشرعي والعقلي ومخالفة لما ثبت واشتهر في الواقع من مشاهدة كثير من العلماء وسائر الناس للإمام المهدي ع، وهذه حقيقة لا يقوى على إنكارها أي أحد إلا على سبيل إنكار المبصر للشمس في رابعة النهار. واعتمدتُ في الرد على هذه الفتوى الأسلوب العلمي الهادف للدفاع عن مولانا ومقتدانا ناموس العصر والزمان الحجة بن الحسن ع من خلال الروايات والوقائع المتكاثرة وآراء العلماء الأجلاء تغمدهم الله برحمته الواسعة. وطلبت من السيد السيستاني أن يحل هذا التعارض الصارخ بين فتواه بعدم إمكان مشاهد الإمام المهدي ع وبين تصريح كثير من علمائنا الأجلاء بتشرفهم برؤية الإمام المهدي ع فضلاً عن مشاهدات سائر الناس المتكاثرة، وقد مرت ستة أشهر تقريباً على هذا الكلام ولم يصدر أي رد على ردي على فتوى السيد السيستاني لا منه ولا من أي جهة تمثله. وكنا ننتظر الرد ونتمناه؛ لقذف الحجة بالحجة، كي يتبين الرأي الصحيح من الرأي السقيم، وتبيان القول الحق في هذه المسألة لأهميتها وارتباطها بأعظم أمر عقائدي وهو أمر الإمامة وقيام صاحب الزمان ع، فإنه لا ينبغي التفريط في هكذا موضوع. ويجب أن لا تأخذنا في الله لومة لائم، وأن ننظر لما قيل ولا ننظر لمن قال، فإن نبي الله سليمان قَبل النصيحة من نملة، وإن تنزلنا عن النملة فنقول: (خذ الحكمة ولو من أفواه المجانيين)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والحمد لله قد وصلنا أخيراً منشور يتولى الدفاع عن فتوى السيد السيستاني في عدم إمكان مشاهدة الإمام المهدي ع، وهو رد على منشور صدر من جهة أنصار الإمام المهدي ع في الرد على هذه الفتوى. وهذا المنشور- الذي يدافع عن فتوى السيد السيستاني - قد صدر من (مركز الأبحاث العقائدية) في النجف الأشرف، والذي يبدو كما سمعنا من الكثير أنه تحت إشراف مكتب السيد السيستاني، وللأسف الشديد أن هذا المنشور زاد الطين بلة، فإنه أراد حل التعارض واثبات صحة الفتوى. والحقيقة إن كاتب هذا المنشور قد أوقع نفسه في متناقصات عديدة لا مخرج له منها، وأصبح كدودة القز زاد نسيجها فصعب خروجها، وكمن أراد أن يُكحل عينه فأعماها !!! وسوف يتبين للقارئ اللبيب ذلك فيما يأتي من الرد على ذلك المنشور بالدليل العلمي الواضح والقول الجلي من دون مراوغة ولا تدليس للحقائق، ومن الله نستمد العون والتوفيق. وإليك أيها القارئ المنصف سرد جواب (مركز الأبحاث العقائدية) مع الرد عليه من جهة أنصار الإمام المهدي ع التابعة لرسول الإمام المهدي ع أحمد الحسن: قولهم: (توضيح: أوصل لنا بعض الإخوة المؤمنين منشوراً لبعضهم يعترض على هذه الفتوى طارحاً اعتراضه على أنه بحث علمي بأن هذه الفتوى تعارض ما ورد في أخبار كثيرة بخصوص رؤية بعض المؤمنين لحجة الله في أرضه قائم آل محمد ص وطلب منا الإجابة والتعليق عليه، ولرفع الشبهة التي يثيرها البعض من المغرضين فكتبنا هذه السطور). وعلى هذا الكلام ملاحظتان: الأولى: ينبغي ذكر نص البيان الذي أصدرناه والتعليق عليه حتى يتسنى للقارئ المقارنة بين الحجتين ومعرفة الحق منهما. فذكر حجتكم وعدم ذكر حجتنا أول بوادر الضعف وعدم الإنصاف العلمي، وهذا أول الفال. والثانية: أقول لا داعي لهذا التهجم ووصفنا بالمغرضين بغير حق، فإني ناقشت فتوى السيد السيستاني بأسلوب علمي مؤدب وهذا حق مشروع لكل شخص مهما كان ما دام ناطقاً بالدليل العلمي، فلا ينبغي أن يُرد عليّ إلا بأسلوب علمي مؤدب. قولهم: (صرح أئمة الهدى ع بأن الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) له غيبتان، أولهما قصيرة لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى طويلة لا يطلع على موضعه فيها إلا خاصة مواليه في دينه. وفي حديث: إلا المولى الذي يلي أمره). ويرد عليه: لا سبيل للاستدلال بهذه الرواية على عدم إمكان رؤية الإمام المهدي ع في عصر الغيبة الكبرى، فإن صاحب الرد قد غفل عن إن الرواية تنفي الاطلاع على مكان الإمام المهدي ع ومسكنه الذي هو مستقر فيه (لا يطلع على موضعه)، ولم تتطرق إلى نفي مشاهدة الإمام ع والالتقاء به في مكان غير موضعه الأصلي، بل الرواية صريحة في إمكان الاطلاع حتى على موضعه لخاصة مواليه في دينه (لا يطلع على موضعه فيها إلا خاصة مواليه في دينه)، فإن المشاهدة قد ثبتت للإمام ع في أماكن متعددة بل في دول متعددة. فيبقى إمكان مشاهدة الإمام المهدي ع غير منفي بهذه الرواية؛ لأنها لم تقل: (لا يطلع على شخصه) بل قالت: (لا يطع على موضعه)، وإلى هذا المعنى أشار بعض العلماء الأجلاء ومنهم السيد الشهيد الصدر (رحمه الله) في موسوعته المهدية. قولهم: (وقد بدأت الغيبة الصغرى بوفاة الإمام الحسن العسكري ع في 8 ربيع الأول سنة 260 هـ، ... من ادعى المشاهدة قبل خروج الصيحة والسفياني فهو كذاب مفتر). أقول: الحمد لله الذي جعل هذا التوقيع فخاً وقع فيه الكثير من العميان الذين حاولوا الاستدلال به على عدم إمكان رؤية الإمام المهدي ع في زمن الغيبة الكبرى على الإطلاق!! فبمجرد أن تسألهم عن رؤية الإمام المهدي ع فلا يجدون رواية يستدلون بها على تكذيب مدعي الرؤية سوى هذه الرواية، التي سوف يتبين فيما يأتي إنها غير قطعية الصدور والدلالة ومؤولة ومعارضة بالوقائع الكثيرة، وسوف يتبين عظم المصيبة الناتجة عن الاستدلال بهذه الرواية على تكذيب مدعي مشاهدة الإمام المهدي ع. وسوف ترى إن شاء الله تعالى ذهاب استدلال هؤلاء بهذه الرواية كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وهذا من فضل الله تعالى وجوده. والآن نشرع بمناقشة توقيع السمري وعرض آراء العلماء الأجلاء وتحديد دائرة انطباق هذا التوقيع، ومن الله السداد في الأولى والمعاد. فنقول: ترد على هذا التوقيع عدة مناقشات لا يحق لمن تدبرها أن يستدل بهذا التوقيع على تكذيب مدعي رؤية الإمام المهدي ع. 1- إن هذا التوقيع خبر آحاد ومرسل عند بعض العلماء، وخبر الآحاد إذا كان صحيح السند وليس مرسلاً عند الأصوليين لا يفيد علماً ولا عملاً ولا يستدل به في العقائد، وفي أحسن الأحوال فهو عندهم يفيد العمل في الفقه باعتباره ظني الصدور، فإيراد هذا التوقيع كدليل على كذب مدعي رؤية الإمام ع يكون لغواً وتطويلاً بلا طائل، فالقضية التي نحن بصددها عقائدية. وقد علّق السيد مصطفى الكاظمي صاحب بشارة الإسلام على هذا التوقيع قائلاً: (إن التوقيع خبر واحد مرسل فلا يعارض القضايا الكثيرة والوقائع العظيمة التي تلقاها العلماء بالقبول ودونوها في كتبهم وتصانيفهم، مع أنه معارض لما رواه الكليني والنعماني والشيخ الطوسي بأسانيدهم المعتبرة، عن أبي عبد الله ع، قال: (لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابد له في غيبته من عزلة، وما بثلاثين من وحشة)، وظاهره كما صرح به شراح الأحاديث أنه ع يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته، وهؤلاء الثلاثون لابد أن يتبادلوا كل قرن؛ لأنه لم يقدر لهم ما قدر لسيدهم من العمر كما لا يخفى) انتهى كلامه (رحمه الله) ([24]). 2- إضافة إلى أنّ هذا التوقيع غير قطعي الصدور باعتباره خبر آحاد بل ومرسل على رأي بعض الفقهاء، مع إننا أعرضنا عن مسألة السند، فإنه غير قطعي الدلالة، والإجماع على أنه لا يجوز العمل بالرواية إلا إذا كانت قطعية الدلالة أي أنّ لها وجهاً واحداً ولا تحتمل غيره. وهذا التوقيع قد اختلف العلماء في تحديد المراد منه، وسوف نذكر بعض أقوالهم: أ- قول السيد مصطفى الكاظمي صاحب كتاب (بشارة الإسلام) وقد ذكرته في النقطة الأولى، فراجع. ب- ونقل لنا السيد مصطفى الكاظمي تعليقاً للشيخ المجلسي على رواية المشاهدة: (ذكر المجلسي في البحار بعد ذكره الخبر المزبور ما لفظه: لعله مجعول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء الأربعة لئلا ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه ع والله أعلم) انتهى كلامه (رحمه الله) ([25]). وهذا الشيخ المجلسي أقصى ما احتمله من هذا التوقيع هو نفي السفارة عن الإمام المهدي ع، وهو احتمال لا يفيد القطع فلا يعتد به كما لا يخفى على اللبيب. ج- قال المحقق النهاوندي في كتابه (العبقري الحسان): (لا معارضة بين توقيع السمري وقصص اللقاءات من يحتاج إلى الجمع؛ لأن التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور، الظهور العلني للإمام، وذكر المشاهدة في التوقيع بمعنى الظهور والحضور كما في الآية: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾([26]). والقرينة على المعنى أمران: الأول: قوله ع: "فلا ظهور إلا بعد الهرج والمرج، والفتنة والفساد". والثاني قوله ع: "إلا من ادعى المشاهدة - أي الظهور، ظهور الإمام ع- قبل خروج السفياني والصيحة من علامات الظهور"، وعلى هذا لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وبين الحكايات...) انتهى كلامه. د- وعلّق السيد الشهيد الصدر (قدس سره) على هذا التوقيع الشريف تعليقاً طويلاً ننقل منه مقدار الحاجة، قال: (إذن، مدعي المشاهدة كاذب مزور في خصوص ما إذا كان منحرفاً ينقل أموراً باطلة عن الإمام المهدي ع، وأما فيما سوى ذلك فلا يكون التوقيع الشريف دالاً على بطلانه، سواء نقل الفرد عن المهدي أموراً صحيحة بحسب القواعد الإسلامية أو محتملة الصحة على أقل تقدير، أو لم ينقل شيئاً على الإطلاق) انتهى كلامه (رحمه الله). وقال (رحمه الله) في موضع آخر: (إذن فقد تحصل من كل ذلك أن الإشكال الذي ذكروه غير وارد على التوقيع ولا على أخبار المشاهدة، وأنه بالإمكان الأخذ به وبأخبار المشاهدة ولا يجب تكذيبهما إلا ما كان قائماً على الانحراف والخروج عن الحق ...) ([27]). ونعتذر عن الإحالة بكل آراء العلماء في هذه المسألة؛ لأن ذلك يحتاج إلى بحث مستقل لا يتناسب مع هذه العجالة. وبعد هذا كله كيف يمكن لأحد أن يستدل بهذا التوقيع المتشابه - أي الذي يحتمل عدة وجوه - ونعيد القول بأن الإجماع قائم على عدم جواز العمل إلا بالخبر القطعي الدلالة. فمالكم كيف تحكمون .. وما هذا إلا ضحك على ذقون الرجال !! 3- إذا فهم من هذا التوقيع نفي مشاهدة الإمام المهدي ع فإنه يتعارض مع ما هو يقيني الحصول في أرض الواقع، وهو تشرّف كثير من علمائنا بلقاء الإمام المهدي ع وتشرف عدد غفير من سائر الناس بلقائه أيضاً. ومن أراد التأكد فليراجع كتاب النجم الثاقب للميرزا النوري ج2، فإنه ينقل مائة قصة من قصص اللقاءات مع الإمام المهدي ع وغيره من الكتب المختصة بهذا الموضوع. وهذه حقيقة واضحة لا ينكرها إلا مكابر لا يحسن مكالمته، وتعتبر من الواضحات عند عامة الناس فضلاً عن الخاصة من أصحاب العلم، ومن أصعب الأمور توضيح الواضحات، ولكن ما الحيلة ؟ فربما يتعامى المرء وهو بصير !! 4- إنّ الالتزام بأنّ هذا التوقيع ينفي مشاهدة المهدي ع سوف يوقعنا في المحذور، وهو تكذيب الممهدين الذين يقومون قبل قيام الإمام المهدي ع والتي تواترت الروايات معنىً على ذكرهم، وأيضاً سوف يجرنا ذلك إلى تكذيب رسول الإمام المهدي ع محمد ذو النفس الزكية الذي يرسله الإمام قبل قيامه بخمسة وعشرين يوماً والذي يقتله الناس بين الركن والمقام، وربما يكون أحد أسباب قتله: (من ادعى مشاهدة الإمام فهو كذاب مفتر ويجب قتله)!!! وهي الطامة الكبرى والداهية العظمى. وربّ معترض يقول ما هو الدليل على هذا الكلام ؟ فأقول لكم: إن أكبر الباحثين في قضية الإمام المهدي ع من علماء الشيعة أكدوا على أنّ العلامات الحتمية للإمام المهدي ع ومنها الصيحة والسفياني قابلة للبداء ولا يتوقف عليها قيام الإمام ع، فربما يقوم الإمام ع ولا يتحقق كل أو بعض هذه العلامات الحتمية لتعلق البداء فيها. فإذا حدث البداء في الصيحة والسفياني ولم يحدث البداء في صاحب النفس الزكية وجاءنا ذو النفس الزكية بالرسالة من الإمام المهدي ع ونحن ملتزمون بأن كل من ادعى مشاهدة الإمام ع قبل الصيحة والسفياني فهو كذاب مفتر، ففي هذه الحالة سوف نكذب ذي النفس الزكية ولا نقبل رسالته عن الإمام المهدي ع، وربما نشارك في قتله؛ لأننا نراه منحرفاً عن الدين؛ لأنه ادعى مشاهدة الإمام المهدي ع قبل الصيحة والسفياني. وهذا إشكال محكم لا مفر لكم منه إلا بالتنازل عن رأيكم في تكذيب كل من ادعى مشاهدة الإمام المهدي ع. 5- نسألكم هل أنّ مضمون توقيع السمري يحتمل فيه البداء أم لا ؟ فإن قلتم لا يحتمل فيه البداء فقد خالفتم ضرورة من ضرورات المذهب !! وإن قلتم يحتمل فيه البداء أفحمتم أنفسكم بأنفسكم. عن أبي جعفر ع، قال: (... فإذا حدثناكم بحديث فجاء على ما حدثناكم به، فقولوا صدق الله، وإذا حدثناكم بحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به، فقولوا: صدق الله، تؤجروا مرتين) ([28]). وربَّ قائل يقول: إن الدليل على كذب مدعي المشاهدة هو قول الإمام ع لعلي بن محمد السمري: (لا توص إلى أحد من بعدك). ويرد عليه: بأنه لا سبيل للاستدلال بذلك؛ لأن غاية ما يدل عليه هذا الكلام هو نهي الإمام ع لعلي بن محمد السمري عن الوصية بعده، وأنه لا يوجد سفير بعده مباشرة بسبب وقوع الغيبة الكبرى وبسبب إعراض الناس عن الوكلاء. وأما وقوع ذلك في آخر الزمان وقبل قيام الإمام المهدي ع فلا يدل عليه كلام الإمام ع بل الروايات ناطقة ومؤكدة على وجود ممهدين قبل قيام الإمام المهدي ع يتصلون به ويهيئون له النصرة، والكلام يطول بذكر الروايات التي تدل على ذلك، فأحيلكم إلى بعض أبحاثي التي صدرت عن طريق أنصار الإمام المهدي ع، مثل (إيقاظ النائم لاستقبال القائم)، و (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم)، و (البلاغ المبين ج1)، و (إمكان مشاهدة الإمام)، و (فشل المنتظرين)، وغيرها من إصدارات أنصار الإمام المهدي ع، فإن فيها الكفاية لكل طالب حقيقة. وأما من كان أعمى فلا ينفعه ضوء الشمس في معرفة الطريق، قال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾([29]). وقد أطلنا الكلام في هذا المقام، وأما الآن فلنطفئ المصباح فقد بان الصباح. قولهم: (وجاء في أحاديث كثيرة عن المعصومين ص التأكيد على أمر غيبة الإمام (عجل الله فرجه) عن شيعته في مرحلة الغيبة الكبرى، فقد روي عن الإمام الصادق ع أنه قال: (يفقد الناس إمامهم، يشهد المواسم فيراهم ولا يرونه). وروي عنه (عجل الله فرجه): (كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى ؟). أقول: لا داعي للتأكيد على غيبة الإمام المهدي ع، فإن هذا مما لا خلاف فيه ولا يحتاج إلى بيان، ولكن محل الخلاف: هل إن الإمام ع يلتقي ببعض المخلصين في غيبته الكبرى أم لا، وهذا الذي نفاه السيد السيستاني في فتواه وما نثبته نحن وندافع عنه. وأما الحديث الذي ذكرتموه عن الإمام الصادق ع: (يفقد الناس إمامهم، يشهد المواسم فيراهم ولا يرونه)، فلو أتعبت نفسك يا كاتب السطور ومضيت في قراءة هذا الباب من غيبة النعماني لأغنيتنا عن الجواب، ففيه بيان لحال وليه الذي يرسله للناس قبل قيامه ع. فعن محمد بن علي عأنه قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى - حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي معه حتى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم ها هنا ؟ فيقولون: نحن نحو من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون: والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة ويقول: أشيروا إلى رؤساءكم أو خياركم عشرة، فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها) ([30]). فإنّ هذه الرواية صريحة بأنّ الإمام المهدي ع يبعث المولى الذي كان معه رسولاً عنه إلى بعض أصحابه من المؤمنين وذلك قبل القيام وقبل قتل النفس الزكية، بل الرواية لم تحدد الزمان فلعلها قبل قيام الإمام ع بكثير، فالإشارة إلى أن ذلك يحدث قبل القيام فقط دون تحديد الوقت. ولقاء هؤلاء العشرة من الصحابة مع الإمام ع عن سابق علم وموعد وقد تكرر اللقاء معهم مرتين، وهذا ما سينفيه كاتب الأسطر في النقطة الثانية من شرحه لفتوى السيد السيستاني. ثم إنّ هؤلاء الأربعون يصفهم الإمام الباقر ع بأنهم أصحاب الإمام المهدي ع، والصاحب مأخوذ من المصاحبة والرفقة، فلابد أن هؤلاء الأربعين قد التقوا مع الإمام المهدي ع مرة أو مرات قبل هذه الحادثة. فيلزم من كلام كاتب السطور تكذيب هؤلاء الصحابة في رؤيتهم للإمام المهدي ع؛ لأنه يكذب كل من ادعى رؤية الإمام المهدي ع في عصر الغيبة الكبرى !!! إضافة إلى ذلك، إنّ الرواية التي استدل بها كاتب السطور (يفقد الناس إمامهم) لا تنفي لقاء الإمام ع مع خاصة مواليه، بل هذا ثابت بعدة روايات صحيحة معتبرة، وسيأتي ذكر بعض منها إن شاء الله تعالى، فغاية ما تدل عليه تلك الرواية هو تحقق الغيبة للإمام المهدي ع عن عامة الناس. وقد أشار السيد الشهيد الصدر إلى ذلك في كتابه (تاريخ ما بعد الظهور) حيث قال: (هناك في العالم - طبقاً للتصور الإمامي لفكرة المهدي ع - عدد غير قليل من الناس يعرف المهدي بشخصيته ولا يحتاج إلى إقامة المعجزة للتعرف عليه؛ لأنه رآه خلال غيبته ع مرة أو مرات، وهم كل الأفراد من الدرجة الأولى وبعض الأفراد المخلصين من الدرجة الثانية ... وقد كان هؤلاء هم وسائله إلى الناس - بشكل أو بآخر - خلال غيبته، وسيكونون لنا بأنفسهم رادة الحق والعدل واللسان الناطق والسيف الضارب بين يدي قائدهم المهدي ع، فمن الممكن - بغض النظر عن أي شيء آخر - أن يكون هؤلاء هم الشاهد الصادق في تعريف قائدهم إلى الناس، ريثما يثبت من مجموع أعماله وأقواله وصدقه وعظمة أهدافه ومعه لا حاجة إلى إقامة المعجزة) ([31]). وكلام السيد الصدر صريح في وجود ممهدين للإمام المهدي ع يتصلون به قبل قيامه ويكونون وسائل بينه وبين الناس وقادة يهيئون له النصرة. وأما الحديث الذي نسبتموه خطأ إلى الإمام المهدي ع وهو صادر عن الإمام الصادق ع، وهو: (كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون إمام هدى ولا علماً يرى)، فغاية ما يدل عليه هذا الحديث هو وقوع الغيبة للإمام المهدي ع عن عامة الناس، ويدل أيضاً على انحراف القيادات الدينية والسياسية بحيث يصبح الناس بلا راعٍ يرشدهم إلى طريق الحق. وهذا عليكم لا علينا؛ لأنكم تدعون قيادة الأمة نحو الحق والصراط المستقيم، وتدّعون أنكم حجة الله على الأمة، وهذا الحديث وأشباهه يكذبكم ويرد عليكم. عن الإمام علي ع، قال: (لا تنفك هذه الشيعة حتى تكون بمنزلة المعز، لا يدري الخابس - أي الأسد - على أيها يضع يده، فليس لهم شرف يشرفونه، ولا سناد يستندون إليه في أمورهم) ([32]). والأحاديث بهذا المعنى متواترة في الكتب المعتبرة تؤكد على اختلاف الشيعة في آخر الزمان وتشتت أمرهم، لا نستطيع الإحاطة بها، ولكن نذكر هذا الحديث للتذكر: عن الإمام الحسين ع، قال: (لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير ؟ فقال الحسين ع: الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله) ([33]). وأما الروايات الدالة على التقاء عدد من المخلصين مع الإمام المهدي ع في عصر الغيبة الكبرى فكثيرة، نذكر شيئاً منها: عن أبي عبد الله ع إنه قال: (لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابد له في غيبة من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة) ([34]). عن أبي عبد الله ع إنه قال: (للقائم غيبتان: إحداهما طويلة، والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصته من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه) ([35]). عن أبي عبد الله ع، قال: (... قال: يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرحاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقضي ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لآل محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله أني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتي ذو الخال والشامتين العادل الحافظ لما استودع، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفاجر جوراً وظلماً) ([36]). عن عمار بن يسار (رضي الله عنه) في خبر طويل: (... ويخرج ثلاث نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان ... ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد ص...) ([37]). وغير ذلك الكثير لا يسعنا ذكره في هذه العجالة. قولهم: (وقد أرجع أئمة الهدى أفراد الشيعة في عصر الغيبة الكبرى إلى المراجع الأعلام والفقهاء العظام، فقد روي عن الإمام العسكري ع قوله: (... فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه فللعوام أن يقلدوه) ... فحدد أئمة الهدى ص الموقف الشرعي للشيعة في زمن الغيبة في الرجوع إلى فتاوى المجتهدين المنصوبين من قبل صاحب الأمر (عجل الله فرجه) على الناس ومنحت الحجية لفتاواهم). أقول: لقد زلت قدم كاتب السطور وأوقع نفسه بالمحظور وخالف بمقولته المشهور، حيث ادعى أن دليل الاجتهاد شرعي، واستدل بروايتين أحدهما مرسلة والأخرى خبر آحاد لا يفيد علماً، وبالتالي لا يصلح للاستدلال العقائدي، ومن المعلوم أن مسألة النيابة عن الإمام المعصوم وقيادة الأمة من العقائد، فلا يمكن الاستدلال عليها بخبر آحاد. هذه هي طريقتكم في الاستدلال كما ذكره المحقق الخوئي في (البيان في تفسير القرآن)، فمن فمك أدينك. وسأتعرض لمناقشة الروايتين بشيء من التفصيل تنويراً للأذهان: فإن رواية: (... فأما من كان من الفقهاء ...) ترد عليها عدة نقاط: أ- إنها واردة في التفسير المنسوب إلى الحسن العسكري ع، وهذا التفسير مرسل عند جميع علماء الشيعة، فتكون هذه الرواية مرسلة لا تفيد علماً ولا عملاً أي لا يستفاد من هكذا رواية في الفقه فضلاً عن العقائد، وبالتالي فالاستدلال بها دونه خرط القتاد. ب- إنّ كاتب السطور قد نقل جزءاً من تلك الرواية وترك الباقي، علماً إن أول الرواية فيه ذم لعلماء الشيعة الغير عاملين، وذم الشيعة لاتباعهم هؤلاء العلماء الغير عاملين وتشبيههم باليهود عندما اتبعوا علماءهم المنحرفين وخالفوا بذلك الأنبياء والرسل ص، فإذا كان كاتب السطور يلتزم بآخر الرواية فيجب عليه أن يلتزم بأولها. وإليكم الرواية بتمامها. ج- إن كاتب هذه السطور قد نقل هذا الجزء من الرواية بصورة مغلوطة، والصحيح هكذا: (33401- أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في (الاحتجاج): عن أبي محمد العسكري ع في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ﴾([38]) قال: (هذه لقوم من اليهود - إلى أن قال: - وقال رجل للصادق ع: إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم - إلى أن قال: - فقال ع: بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة وتسوية من جهة، أما من حيث الاستواء فإن الله ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم، وأما من حيث افترقوا فإن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح وأكل الحرام والرشاء وتغيير الأحكام واضطروا بقلوبهم إلى أن من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم، وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها، فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم، فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فإن من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ولا كرامة، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك؛ لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره لجهلهم ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم، وآخرون يتعمدون الكذب علينا الحديث)، وأورده العسكري ع في تفسيره. وعلّق صاحب الوسائل بما يلي: (أقول: التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد والظن وهذا واضح، وذلك لا خلاف فيه، ولا ينافي ما تقدم، وقد وقع التصريح بذلك فيما أوردناه من الحديث وفيما تركناه منه في عدة مواضع، على أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع؛ لأنه خبر واحد مرسل، ظني السند والمتن ضعيفاً عندهم، ومعارضه متواتر، قطعي السند والدلالة، ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية) ([39]) انتهى. فيرجى الانتباه إلى ذلك وتصحيحه للناس؛ لأن ذكر الروايات بصورة مغلوطة يعتبر كذباً على أهل البيت ص، أعاذنا الله من ذلك بمنّه وكرمه. وأما الاستدلال على حجية الاجتهاد بالتوقيع الصادر عن الإمام المهدي ع: (وأما الحوادث الواقعة ...) فترد عليه عدة نقاط لا مناص منها: أ- إنّ التوقيع من أخبار الآحاد، فلا يمكن الاستدلال به على قضية عقائدية وهذا ثابت عند الشيعة أجمع. ب- إنّ التوقيع يخص بالذكر (رواة الحديث) ولم يذكر الاجتهاد بمفهومه الأصولي حالياً، وهذا هو الذي ركزت عليه روايات أهل البيت ص من إحالة الناس إلى رواة الأحاديث عنهم ص، وهذا أيضاً ما أكد عليه كل علمائنا المتقدمين وكثير من علمائنا المتأخرين، ومنهم الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة، والأمين الاسترابادي، والفيض الكاشاني في رسالته المسماة (الحق المبين)، وغيرهم الكثير من علمائنا الأعلام. فيكون قصد الإمام المهدي ع من (رواة حديثنا) هم السفراء الأربعة للإمام المهدي ع في عصر الغيبة الصغرى ولمدة (70) سنة، وهؤلاء هم: عثمان بن سعيد العمري، ومحمد بن عثمان، والحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري، وهم الذين قصدهم الإمام المهدي ع برواة الأحاديث؛ لأنهم كانوا ينقلون الحديث من الإمام المهدي ع إلى الشيعة، وهؤلاء هم (الراد عليهم كالراد على الإمام المهدي ع)؛ لأنهم تم تنصيبهم من الإمام ع مباشرة، ولم ينقل عنهم إنهم فرقوا الأمة أو إنهم أفتوا الناس بآرائهم، وهذا ما أكد عليه السفير الثالث الحسين بن روح بقوله: (لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوى بي الريح في مكان سحيق أحب إليّ من أن أقول في دين الله برأيي، ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل مسموع من الحجة) ([40]). فهؤلاء هم الحجة حقاً وصدقاً؛ لأنهم لا ينقلون إلا كلام الإمام المهدي نفسه ع. ثم من فهم من كلام الإمام المهدي ع (رواة حديثنا) انطباقه على عامة العلماء والفقهاء ترد عليه عدة إشكالات يكون حاله عند سماعها كحال خنفساء وقعت في زجاجة ملساء واحكم عليها الغطاء فما لها للخروج من سبيل. والإشكالات كالآتي: 1- كما قلت إن هذا الخبر آحاد (ظني الصدور) لا يصلح للاستدلال العقائدي، إضافة إلى ذلك فهو ظني الدلالة؛ لأنه يصح انطباقه على السفراء الأربعة فقط بصورة واضحة وجلية ولا يلزم منها أي تناقض، على عكس ما إذا حملناه على مطلق العلماء. وبالتالي فهذا التوقيع لا يصلح للاستدلال من جهة أنه غير قطعي الدلالة ولا قطعي الصدور. والاستدلال به مغالطة واضحة، حسب الاستدلال العلمي الحوزوي !! 2- إنّ الإمام المهدي ع يصف رواة حديثه بصفات عظيمة لا تتوفر إلا في من عصم عن الخطأ والتحريف في تبليغ أحاديثه عكالسفراء الأربعة، كقوله ع: (فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)، فإن الثابت في العقيدة أن الحجة على الناس لابد أن يكون معصوماً عن الخطأ والانحراف، أما إذا كان غير معصوم لجاز أن يخطأ ويوقع الأمة في الخطأ، وهذا مخالف لعقيدة الشيعة الإمامية تماماً ولم يقل به أحد، بل هذا ما جوزه أعداء أهل البيت ص، ومن المعلوم أن العلماء في عصر الغيبة الكبرى غير معصومين فلا تثبت لهم تلك الصفة وهي الحجة على العباد لاحتمال خطأهم في التشريع. فلا يكون الحجة إلا معصوماً وهذا ما تواترت به الأخبار عن العترة الطاهرة ص . 3- إذا كان المقصود بـ (رواة حديثتا) عامة العلماء والفقهاء، فينبغي أن لا يختلفوا في الفتوى أو في المواقف السياسية وغيرها من أمور الأمة، لأن دين الله واحد لا تناقض فيه وحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة . والاختلاف والتناحر بين العلماء أصبح حديث الساعة ومعترك الساحة ولا يجرؤ أحد على إنكار هذه الحقيقة إلا مكابر لا يحسن مكالمته والانشغال برده. بل وصل الأمر إلى القتل والقتال والتفسيق بين العلماء وهذا ما حصل في كربلاء والنجف وغيرها من محافظات العراق والكل يشهد بهذا ووسائل الإعلام أيضاً تشهد بذلك وتحقق فينا كلام الإمام الصادق ع: (لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين) ([41]). فإذا كان عامة العلماء هم المقصودون بالتوقيع الشريف فإنهم مختلفون في كثير من الفتاوى والمواقف السياسية، فمن منهم يكون كلامه حجة والآخر لا يكون حجة، فإنك إن أخذت بكلام زيد من العلماء فقد خالفت عُمرَ الذي يخالفه في الفتوى وان أطعت كلام عمر من العلماء فقد خالفت بكراً من العلماء الذي يخالفه في الفتوى وان أطعت بكر فقد خالفت زيداً وعمرَ وهلم جراً !!! فيا ترى مَن مِن هؤلاء العلماء يكون الراد عليه كالراد على الإمام المهدي ع ومن منهم ليس كذلك وما الدليل على اختيار فلان دون فلان. لأن الحجة لا ينصبه إلا الله تعالى أو الإمام المعصوم . والآن بان إليك وانكشف لديك بأن المقصود من (رواة حديثنا) في توقيع الإمام المهدي ع هم الذين ينقلون كلام أهل البيت ص ولا يفتون برأيهم واستنباطهم وأوضح مصداق لذلك هم السفراء الأربعة الذين نص عليهم الإمام المهدي ع بالخصوص مباشرة، وأيضاً يصدق على كل من سينصبه الإمام ممهداً أو نائباً عنه قبل قيامه الشريف ع. فإن النائب الخاص والمنصوص عليه من الإمام مباشرة يكون الواسطة الوحيدة بين الإمام وشيعته فينسد باب الاختلاف في الفتوى وفي كل مواقف الأمة. إضافة إلى أن من يقول إن كل العلماء حجة على الناس في زمن الغيبة الكبرى فإن كلامه مخالف لكل الأديان الإلهية ومخالف لسيرة الأئمة ص وسيرة السفراء الأربعة رحمهم الله. فإنه لم ينقل لنا أن نبيِّين بعثوا في مكان واحد وفي زمان واحد إلا وكان أحدهما حجة على الآخر ويكون الحجة ناطقاً والآخر ساكتاً، والحجة بيده تدبير أمور الناس، وكذلك أئمة الهدى ص لا يقوم أحد منهم بقيادة الأمة إلا بعد استشهاد الإمام الذي قبله، فالحسن والحسين ص كانا في زمان واحد ومكان واحد ولم يتصد الإمام الحسين ع لقيادة الأمة إلا بعد استشهاد الإمام الحسن ع، وكذلك كان الإمام محمد الباقر ع معاصر لزمن أبيه السجاد ع ولكنه لم يتصد لإمامة الأمة إلا بعد استشهاد أبيه السجاد ع، وكذلك بقية الأئمة إلى غيبة الإمام المهدي ع فإنه مع كثرة الشيعة وتفرق بلدانهم لم ينصب لهم أكثر من سفير في زمن واحد، فإذا مات ذلك السفير أوصى إلى من بعده عن طريق اختيار الإمام المهدي ع، وهكذا حتى قضى زمن السفراء الأربعة رحمهم الله تعالى. فالحق قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾([42]). والسفينة التي فيها أكثر من ملاح مصيرها الغرق؛ لأن التعدد في القيادة ينتج الاختلاف والتناحر قطعاً، وهي سنة من سنن الله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلاً. ومن المعلوم أن المرجعيات في زماننا الحاضر قد بلغت المئات وكل واحد منهم يدعي الحق وقيادة الأمة لنفسه وينفيه عن غيره، بل وصل الأمر إلى التفسيق والقتال كما لا يخفى على أحد!! وانطبق علينا ما ورد عن أمير المؤمنين ع: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا حميد بن زياد الكوفي، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الكريم، قال: ذكر عند أبي عبد الله ع القائم فقال: (أنى يكون ذلك ولم يستدر الفلك حتى يقال مات أو هلك في أي واد سلك، فقلت: و ما استدارة الفلك ؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم) ([43]). وربَّ قائل يقول: قد ألغيت دور العلماء جملة وتفصيلاً في عصر الغيبة الكبرى فأين المفزع ؟ أقول: أنا لا أنفي دور العلماء جملة وتفصيلاً، ولكن الذي أنفيه هو تطبيق روايات أهل البيت على غير مصاديقها تبعاً للهوى والعصبية كالتوقيع الذي نناقشه الآن، وأيضاً الاعتراض على تفرقة الأمة وعدم اجتماع كلمة العلماء بحيث أصبحت الأمة طوائف وفرقاً يلعن بعضها بعضاً. فافترقنا عن حقنا واجتمع أعداؤنا على باطلهم وأصبحنا فريسة سهلة لكل كافر وظالم، وها نحن نعيش الفاجعة والنتيجة المرة لهذا الاختلاف بين العلماء والأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 4- تكاثرت الأخبار عن الرسول محمد ص وعن الأئمة ص في ذم علماء آخر الزمان وذم اختلافهم وتفرق الأمة بسببهم، بل إن الإمام المهدي ع عند قيامه يقتل سبعين عالماً في ظهر الكوفة وثلاثة آلاف من قريش أي من اتباع هؤلاء العلماء. وإليكم بعض الأحاديث في ذمِّ العلماء في آخر الزمان: عن رسول الله ص، قال: (سألت أخي جبرائيل: أتنزل بعد إلى الدنيا ؟ قال: نعم أنزل عشر مرات وأرفع جواهر الأرض، قلت: وما ترفع ؟ قال: في المرة الأولى: أرفع البركة من الأرض، وفي المرة الثانية: أرفع الشفقة من قلوب العباد، وفي المرة الثالثة: أرفع الحياء من النساء، وفي المرة الرابعة: أرفع العدل من أولي الأمر، وفي المرة الخامسة: أرفع المحبة من قلوب الخلائق، وفي المرة السادسة: أرفع الصبر من الفقراء، وفي المرة السابعة: أرفع السخاوة من الأغنياء، وفي المرة الثامنة: أرفع العلم من العلماء، وفي المرة التاسعة: أرفع القرآن من المصاحف ومن قلوب القراء، وفي المرة العاشرة: أرفع الإيمان من قلوب أهل الإيمان). وقال رسول الله ص عن الله سبحانه وتعالى في المعراج: (.. قلت: إلهي فمتى يكون ذلك (أي قيام القائم) ؟ فأوحى إليّ (: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر الفتك، وقل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة الخونة ..) ([44]). قال رسول الله ص: (لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال الأئمة المضلون، وسفك دماء عترتي من بعدي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم) ([45]). وعنهم ص: (زلة العالم تفسد عوالم) ([46]). (زلة العالم كانكسار السفينة، تغرق وتغرق معها غيرها) ([47]). (زلة العالم كبيرة الجناية) ([48]). (زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق) ([49]). وعنه ص: (إن أشد ما أتخوف على أمتي من بعدي ثلاث خلال: أن تتأولوا القرآن غير تأويله، وتتبعوا زلة العالم ...) ([50]). وعن أبي بصير، عن الصادق ع: (قال قلت له: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾([51])، فقال :ع أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون) ([52]). وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن أيوب، عن أبي عقيلة الصيرفي، عن كرام، عن أبي حمزة الثمالي، قال: (قال أبو عبد الله ع: إياك والرياسة، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال، قلت: جعلت فداك أما الرياسة فقد عرفتها، وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال، فقال لي: ليس حيث تذهب، إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال) ([53]). وقال أمير المؤمنين ع: (يا معشر شيعتنا المنتحلين مودتنا، إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها، وأعيتهم السنة أن يعوها، فاتخذوا عباد الله خولاً وماله دولاً، فذلت لهم الرقاب، وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق أهله، وتمثلوا بالأئمة الصادقين، وهم من الكفار الملاعين، فسئلوا عما لا يعلمون، فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون، فعارضوا الدين بآرائهم، فضلوا وأضلوا) ([54]) الخبر. عن رسول الله ص ما معناه: (تكون في أمتي فزعة فيهرعون إلى علمائهم فإذا هم قردة وخنازير لما حرفوا من الحق) ([55]). وقال رسول اللهص : (سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة واليهم تعود)([56]). وعن أمير المؤمنين ع: (يا مالك ابن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا؟ وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير؟ قال ع: الخير كله عند ذلك، يقوم قائمنا فيقدم عليه سبعون (خ ل) فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، فيجمع الله على أمر واحد) ([57]). وغير هذه الأحاديث الكثير اعرضنا عن ذكرها لضيق المقام، فكيف يكون عامة العلماء حجة منصوصة على الناس وكل هذه الأحاديث وردت في ذمهم وذم صفاتهم المنحرفة عن سيرة أهل البيت ص. فإن قال قائل إن هذه الروايات ليست عامة لكل العلماء. أقول: صحيح إنها لا تشمل كل العلماء ويوجد علماء مخلصين عاملين، ولكن الأمر قد اشتبه على الناس وتعددت المرجعيات وتضاربت آراءها ومواقفها، وكل يدعي أنه على الحق وغيره على باطل، وضاعت الناس بين الأعلم والأفقه والأذكى !! وكل طائفة تدعي أن مرجعها هو الحق دون غيره. وأصبح الحق جوهرة قد ضاعت بين الأحجار ولا سبيل للعثور عليها، وهذا هو المقصود من الحديث عن الصادق ع: (كيف بكم إذا صرتم بلا إمام هدى ولا علم يرى...). 5ـ- الكلام عن العلماء في هذه المسألة أجنبي عن الموضوع؛ لأن قضية الإمامة والنيابة من العقائد، والعقائد لا يجوز فيها التقليد بإجماع الشيعة، فالعلماء كسائر المكلفين داخلين في الغربلة والتمحيص، فإن وفقهم الله نصروا الإمام وإلا فشلوا في نصرة الإمام المهدي ع فكيف يُرجع إليهم في هذه المسألة !!! قولهم: (وقد تصدى علماء الشيعة للرد على مدعي البابية والسفارة عن صاحب الأمر (عجل الله فرجه)، وأورد الشيخ الطوسي - على سبيل المثال - باباً في كتابه (الغيبة) في ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية). ويرد عليه: إن العلماء قد تصدوا لمن ادعى الباب للإمام المهدي ع أو السفارة كذباً وزوراً، وقد ثبت بطلان هؤلاء المدعين من خلال انحرافهم عن الشريعة، بل بعضهم أنكر كثيراً من ضروريات المذهب، وهذا لا يعني إن كل من ادعى الاتصال بالإمام المهدي ع فهو كذاب إلا أن يثبت بطلانه بالدليل القاطع، فإن البابية هي الوساطة عن الإمام المهدي ع وليست أمراً مستقبحاً، فإن السفراء الأربعة كلهم كانوا أبواباً للإمام المهدي ع فما المناسبة في ذكر هذا الكلام بل يصدق عليه المثل المشهور (من حوى الحواشي ما حوى شيئاً) !!! قولهم: (وأفتى مراجع الشيعة الكرام بكذب من ادعى المشاهدة والنيابة وإيصال الأخبار من صاحب الأمر (عجل الله فرجه) إلى الشيعة على مثال السفراء، سداً منهم لباب البدعة في الدين، ومنعاً من نسخ أحكام الشريعة، ونهياً عن إتباع خطوات الشيطان. ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر﴾([58])). ويرد عليه: 1- (قوله: أفتى العلماء بكذب مدعي المشاهدة) فهذا غير صحيح، فإن عامة العلماء أقروا بجواز مشاهدة الإمام المهدي ع بل نقلوا في مصنفاتهم كثير من قصص اللقاء مع الإمام المهدي ع كما ذكر في هذا البحث، ومن أراد التأكد فليراجع (النجم الثاقب للميرزا النوري ج2)، و (جنة المأوى)، و (موسوعة السيد الصدر)، و (غيبة الطوسي)، و (كمال الدين للصدوق)، و (وبشارة الإسلام للسيد مصطفى الكاظمي)، و (إلزام الناصب للسيد الحائري)، وغيرها الكثير. وأما من شذ وقال بعدم إمكان مشاهدة الإمام ع فقوله لا يلتفت إليه وهو مخالف لرأي جمهور علمائنا المحققين قدس الله أرواحهم. فأنصح كاتب هذه السطور أن يكون دقيقاً في كلامه. 2- (وأما قولهم بأن العلماء أفتوا بكذب مدعي النيابة...). أقول: لقد مر سابقاً مناقشة توقيع السمري وأثبتنا بأنه لا يدل على بطلان السفارة جملة وتفصيلاً إلى الأبد، ونقلنا كلام فحول العلماء في شرح هذا التوقيع وأنه لا يدل على تكذيب مدعي المشاهدة، وأتحدى الجميع بأن يأتوا ولو برواية واحدة غير هذا التوقيع تنفي إمكان مشاهدة الإمام المهدي ع، بل أتحداهم بأن يأتوا برواية واحدة غير هذا التوقيع تنفي السفارة عن الإمام المهدي ع، وإذا سلمنا بصحة سند (توقيع السمري) فإنه خبر آحاد لا يفيد علماً ولا عملاً في العقائد، فلا يصح الاستدلال به في قضية النيابة عن الإمام المهدي ع والتي هي من العقائد. فإذا كان فتوى العلماء الذين أفتوا بكذب مدعي المشاهدة والاتصال بالإمام المهدي ع مجردة عن الدليل الشرعي فهكذا فتوى أولى بوصفها بالبدعة، وليس من ادعى الاتصال بالإمام ولم يدل دليل على بطلان مدّعاه، وهكذا فتوى أولى بوصفها باتباع خطوات الشيطان والآية المذكورة منطبقة عليها. قولهم: (وقد روي عن الإمام الصادق ع قوله: "من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله، كان مشركاً"). ويرد عليه: إن السيد أحمد الحسن لم يتخذ غير الإمام المهدي ع إماماً بل يدعو لنصرة الإمام ع وتوجيه الأنظار إليه ع بدل توجيههم إلى سائر الشخصيات التي تسببت في تفرقة الأمة وتشتيتها، فذكر هذا الحديث ضدنا لا مبرر له أصلاً، بل إنه يصدق على كل من حاربنا وألصق التهم الباطلة بنا بدون تبين وتورع. فنحن متيقنون من أمرنا وإن من حاربنا فإنه يحارب الإمام المهدي ع ولا يتوقع أحد بأننا جهلة وسذج إلى هذا الحد بأن نتبع هذا الشخص بدون تعقل وتدبر، فإن الكثير منا طلبة قد درسوا في الحوزة العلمية وقد درس بعضهم في النجف الأشرف، ومنهم من درس في قم المقدسة واتبعنا هذه القضية بعد أن أحرزناها بالأدلة العقلية والنقلية والغيبية، وكل يوم نزداد يقيناً بهذه القضية الحقة. فإذا كنتم تستدلون بعقولكم فنحن أيضاً عقلاء ومتمسكين بولاية أهل البيت ص. قولهم: (وقد ظهر قبل فترة شخص يزعم أنه مرسل من قبل الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى الناس كافة، وزعم أن صاحب الأمر (عجل الله فرجه) نصبه بديلاً عن المراجع، وقد عُرض كلامه على سماحة السيد السيستاني فأفتى بأن الموقف الشرعي تجاه من يزعم اللقاء بإمام العصر أرواحنا فداه مباشرة أو عن طرق الرؤيا في زمن الغيبة الكبرى يتمثل في عدم تصديقه فيما يدّعيه، وعدم الأخذ بما ينسبه إليه (عجل الله فرجه) من أوامر أو غيرها، بل والإنكار عليه فيما يحكيه عنه صلوات الله وسلامه عليه من الأمور المعلوم بطلانها، كبعض ما ذكر في تصريحات هذا الشخص). ويرد عليه: إن هذه القضية من العقائد فلا يمكن الرجوع فيها إلى المراجع؛ لأن التقليد في الفروع وليس في الأصول، ففتوى السيد السيستاني وغيره لا تعتبر حجة في تكذيب السيد أحمد الحسن. ونتساءل هل إن السيد السيستاني وغيره معصوم أم غير معصوم ؟ فإن قلتم بأنه معصوم فقد خالفتم ضرورة من ضروريات المذهب، إذ لا يوجد معصوم إلا أهل البيت ص أو من ناب عنهم بالمباشرة أو من نصوا على عصمته بالخصوص. وإن قلتم بأنه غير معصوم فهل يحتمل أنه لا يعرف الإمام المهدي ع عند قيامه أو من يرسله الإمام للتمهيد له ع ؟ فإن قلتم لا يحتمل وقعتم بالمحذور وناقضتم أنفسكم ورجعتم إلى القول بالعصمة، وإن قلتم يحتمل أنه لا ينصر الإمام أو أنه يُكذب من يرسله الإمام ع ففي هذه الحالة لا يجوز اتباعه في هذه المسألة العقائدية وهو المطلوب ولا مفر لكم من هذا الاستدلال أبداً. فيكون الرجوع إلى العلماء في قضية الإمام المهدي ع بدعة في الدين وخروج عن الصراط المستقيم، وربما سوف نتورط في محاربة الإمام المهدي ع من حيث نعلم أو لا نعلم. قولهم: (ومن الواضح إن فتوى سماحة السيد أكدت على جملة أمور فيما يتعلق بتحديد الموقف الشرعي لأفراد الشيعة اتجاه هكذا أفراد). ويرد عليه: إنه تقدم الإجابة على ذلك في النقطة السابقة، إذ لا يجوز لأي مجتهد تحديد موقف المكلفين تجاه الإمام المهدي ع أو من يرسله الإمام ع، فلا نعيد فإن الحر تكفيه الإشارة. قولهم: (1- إنها توصي بالتعامل بحذر وتوقف مع دعاوى اللقاء وتؤصل البناء على عدم حجية تلك الدعاوي، ومضامينها بشكل عام، نظراً إلى عدم حجية الأقاويل المبنية على الأسباب غير المتعارفة كالمنامات شرعاً). ويرد عليه: إن القارئ اللبيب لا يخفى عليه حيرة كاتب السطور في تجميع العذر لفتوى السيد السيستاني، فتراه مرة ينفي إمكانية مشاهدة الإمام ع، ومرة يجوزها، ومرة أخرى يتراوح بين النفي والإثبات، وحالة هذا كمن يريد نقل الماء في غربال !! وهذا أكبر دليل على عدم ثبوت قدمه وأنه صفر اليدين من الدليل. فأرجو من القارئ متابعة ما يأتي من كلام (مركز البحوث العقائدية) ليتبين له أنه سوف يجوز مشاهدة الإمام ع بعد أن نفاها في كلامه السابق !!! قولهم: (إنها توصي بالتعامل بحذر وتوقف مع دعاوى اللقاء وتؤصل البناء على عدم حجية تلك الدعاوي، ومضامينها بشكل عام). ويرد عليه: نحن نسأل ما هو الدليل على كذب مدعي اللقاء مع الإمام المهدي ع، فإن قلتم: الدليل هو توقيع السمري !! فنقول: قد تبيَّن إنها رواية آحاد ومؤولة بعدة وجوه ومعارضة لأخبار المشاهدة المتكاثرة والمشهورة، فتحصل إنها ظنية الصدور وظنية الدلالة، فلا يمكن الاستدلال بها في العقائد بل الاستدلال بها على تكذيب مدعي اللقاء مع صاحب الزمان ع (دونه خرط القتاد)، وإن قلتم يوجد عندنا دليل روائي غير توقيع السمري فنحن نتحداكم بذكر ولو رواية واحدة قطعية الصدور والدلالة تدل على وجوب تكذيب مدعي اللقاء مع الإمام المهدي ع، فنحن قد تخصصنا بهذا الموضوع ولنا عليه عدة بحوث فلم نجد بالمصادر ولا رواية واحدة تنفي إمكان اللقاء بالإمام المهدي ع في عصر الغيبة الكبرى، بل وجدنا روايات كثيرة تؤكد على اتصال بعض المخلصين في آخر الزمان ويكونون رسل وممهدين للإمام ع. عن أبي جعفر محمد بن علي ع أنه قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى - حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه، فيقول كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون نحن نحو من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون: والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة ويقول: أشيروا إلى رؤسائكم أو أخياركم عشرة، فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها... الحديث) ([59]). قال ع: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق والى طريق مستقيم...) ([60]). عن عبد الكريم، عن ابن الحنفية، قال: (بين خروج الراية السوداء من خراسان وشعيب بن صالح وخروج المهدي وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً) ([61]). عن محمد بن الحنفية، قال: (تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس، يوطئ للمهدي سلطانه، يمد إليه ثلاثمائة من الشام، يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً) ([62]). عن أبي جعفر ع، قال: (يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال، ويأتي من خراسان برايات سود بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم) ([63]). عن رسول الله ص أنه ذكر: (بلاء يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيولوه أمرهم فيؤيده الله وينصره) ([64]). عن أبي جعفر ع، قال: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي بمكة بعثت إليه بالبيعة) ([65]). عن أبي قلابة، عن ثوبان: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج؛ فإن فيها خليفة الله المهدي) ([66]). عن أبي الحسن الرضا ع، قال: (رجل من قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح والعواصف، ولا يملون من الحرب ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين) ([67]). عن علي ع أنه قال: (فإذا انقضى ملك بني فلان، أتاح الله لآل محمد برجل منا أهل البيت، يسير بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله أني لأعرفه باسمه واسم أبيه ... ثم يأتينا ذو الخال والشامتين، العادل الحافظ لما استودع، فيملأها قسطاً وعدلاً) ([68]). ونقل الشيخ الكوراني في كتابه (الممهدون): (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت) ([69]). أقول: ولعل الأصح (فلا يموت حتى يبلغه). عن الإمام علي ع: (يفرج الله الفتن برجل منا يسومهم خسفاً، لا يعطيهم إلا السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً حتى يقولوا والله ما هذا من ولد فاطمة ص لو كان من ولدها لرحمنا، يعري بني العباس وبني أمية) ([70]). قال أبو عبد الله ع: (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه)([71]). وبالإسناد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر ع في حديث طويل إلى أن قال: (يقول القائم ع لأصحابه: يا قوم، إن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له امض إلى أهل مكة فقل يا أهل مكة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم إنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا فلا يدعونه حتى يخرج...) ([72]). وأما قولهم: (نظراً إلى عدم حجية الأقاويل المبنية على الأسباب غير المتعارفة كالمنامات شرعاً). ويرد عليه: إن أدلة السيد أحمد الحسن ليس مبنية على المنامات فقط، بل إن السيد أحمد دعا العلماء للمناظرة في القرآن الكريم؛ لإثبات إن العلم الذي عنده ليس من تحصيله الخاص بل هو من الإمام المهدي ع، ولا يقوى أحد على رد ذلك العلم، وأصدر عدة إصدارات في إحكام متشابهات القرآن، وتحدى الجميع بالرد عليها، وأيضاً تحدى كل من يكذبه من العلماء بالمباهلة. قال تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾([73]). ولم يستجب أحد للمباهلة، وأيضاً طلب من العلماء أن يطلبوا منه أي معجزة يستدلوا من خلالها على صحة كلامه ورسالته عن الإمام المهدي ع وأيضاً لم يستجب أحد لهذا الطلب. وتفصيل أدلة أحمد الحسن يطول المقام بذكرها، فنحيلكم إلى إصدارات أنصار الإمام المهدي ع فإنها بلغت لحد الآن أكثر من عشرين إصداراً، فإن فيها الكفاية لكل طالب حق. إضافة إلى ذلك فإن السيد أحمد لم يدّع أنه التقى بالإمام المهدي ع في عالم المنام فقط بل إنه التقى به في عالم الشهادة أي في اليقظة. وقد أخبر السيد أحمد الحسن بعدة إخبارات لكثير من الأنصار وقد تحققت، وأيضاً أُيد من جانب الغيب، فقد رأى العشرات من المؤمنين مئات الرؤيات بالأئمة الأطهار ص قد أكدوا ص لأصحاب الرؤيا صدق السيد أحمد الحسن وأنه مرسل من الإمام المهدي ع، وقد وردت روايات كثيرة تشير إلى أن من رأى الأئمة ص في المنام فقد رآهم فإن الشيطان لا يتمثل بهم. عن الرضا ع، قال: (حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، أن رسول الله صقال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم، وأن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ([74]). وعن رسول الله ص: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي في النوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة) ([75]). عن الصادق ع أنه قال: (إذا كان العبد على معصية الله ( وأراد الله به خيراً أراه في منامه رؤيا تروعه فينجر بها عن تلك المعصية، وإن الرؤيا الصادقة جزءاً من سبعين جزءاً من النبوة) ([76]). عن الرسول صأنه قال: (لا نبوة بعدي إلا المبشرات. قيل: يا رسول الله، وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) ([77]). عن أبي جعفر ع: (قال رجل لرسول الله ص في قولة (: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾([78])، قال: هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنيا) ([79]). عن جابر بن عبد الله الأنصاري: (دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول الله ص فقال: ... ثم إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران، فقال: يا جندل، أسلم على يد محمد خاتم الأنبياء واستمسك بأوصيائه من بعده. فقلت: أسلم ! فلله الحمد أسلمت وهداني بك. ثم قال: أخبرني يا رسول الله عن أوصياؤك من بعدك لأتمسك بهم، قال: أوصيائي الإثنا عشر، قال جندل: هكذا وجدناهم في التوراة. وقال: يا رسول الله، سمهم لي ؟ فقال...) ([80]). أيضاً قصة إسلام خالد بن سعيد بن العاص الأموي، كان سببه أنه رأى أباه يجره إلى النار والرسول محمد ص يجره إلى الجنة، فأتى للرسول ص وقص الرؤيا وأسلم وحسن إسلامه وكان من الذين نصروا الإمام علي ع بعد وفاة الرسول ص عندما خذله الجميع. وأما قصة نرجس أُم الإمام المهدي ع فإنها تعد من المشهورات، حيث كانت بنت قيصر الروم، ورأت في المنام أن الرسول محمد ص خطبها من عيسى بن مريم ع للحسن العسكري ع، وبعدها رأت فاطمة الزهراء صومريم ص وأمرتها فاطمة ص أن تسلم وتؤدي الشهادتين، فأسلمت نرجس ص ثم أمست ترى الحسن العسكري ع في كل ليلة في المنام، وأمرها في أحد الليالي بأن تتنكر وتلبس ثياب الجواري وتذهب مع جيش والدها سراً والذي سيذهب إلى قتال المسلمين، لكي تصبح من سبايا المسلمين، ثم يتم شراؤها من قبل الإمام علي الهادي ع وتزويجها من الحسن العسكري ع. والقصة موجودة بكل تفاصيلها في إلزام الناصب ج1 ص285 و إكمال الدين للصدوق، وغيبة الطوسي. وقصة وهب النصراني واستشهاده مع الإمام الحسين مشهورة، وأنها كانت بسبب رؤيا رآها بعيسى ع وأمره بنصرة الحسين ع وضحى بنفسه وأهله من أجل رؤيا رآها في المنام. قال الشيخ الصدوق: (فبينا أنا ذات ليلة أفكر فيما خلفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم، فرأيت كأني بمكة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه وأقبله وأقول: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، فأرى مولانا القائم صاحب الزمان ع واقفاً بباب الكعبة فأدنو منه على شغل قلب وتقسم فكر، فعلم ع ما في نفسي بتفرسه في وجهي، فسلمت عليه فرد عليّ السلام، ثم قال لي: لم لا تصنف كتاباً في الغيبة حتى تكفى ما قد همك، فقلت له: يا ابن رسول الله، قد صنفت في الغيبة أشياء. فقال ع: ليس على ذلك السبيل، آمرك أن تصنف الآن كتاباً في الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء ص، ثم مضى ع، فانتبهت فزعاً إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلما أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر ولي الله وحجته مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) ([81]). فإيحاءكم بأن دعوى السيد أحمد الحسن مبنية على المنامات مبالغة في عدم الإنصاف، فإذا كنا مؤمنين يجب علينا أن ننصف حتى أعداءنا، هذا ما تعلمناه من سيرة أهل البيت ص. قولهم: (إنها - أي فتوى السيد السيستاني- تشير إلى تكذيب من يدعي اللقاء معلناً ذلك للناس أو لفريق منهم ناقلاً لهم رسالة عنه (عجل الله فرجه)، خاصة مع ادعاء تكرر اللقاء عن قصد وعلم مسبق وفي مكان وزمان معين). ويرد عليه: إن كل ذلك قول بلا دليل، وقد مر في ما سبق تفصيل مطول لهذا الموضوع فنخشى من الإعادة ملل القارئ. ولكني أحب أن أسأل كاتب السطور من أين جاء بتلك القيود في قوله، وخاصة مع ادعاء تكرر اللقاء عن قصد وعلم مسبق وفي مكان وزمان معين، فإنها تخصيص بلا مخصص أي مجرد عن الدليل الشرعي، وأتحدى كاتب السطور بأن يثبتها بالدليل الشرعي، ونحن بالانتظار. قولهم: (وتلزم الإشارة إلى أن كثيراً من علماء الشيعة ألفوا كتاباً في قصص الذين حظوا بمشاهدة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)). ويرد عليه: إنه (الآن حصحص الحق)، وبدأ قلم الكاتب بالارتجاف، وأفحم نفسه بنفسه، وهدم ما بناه سابقاً من الاستدلال على عدم إمكان مشاهدة الإمام المهدي ع حيث اعترف بمشاهدة الكثير من الناس للإمام المهدي ع. ولله في خلقه شؤون !! قولهم: (3- إن الفتوى تؤكد على ضرورة الإنكار على هؤلاء فيما يحكونه عن صاحب الأمر من الأمور المعلومة البطلان؛ لأن أئمة الهدى ص لا يأمرون بباطل ولا ينهون عن حق). ويرد عليه: لا خلاف في وجوب الإنكار على من ينسب أموراً يقينية البطلان للإمام ع، ولكن الكلام فيما إذا نقل أموراً غير معلومة البطلان وكان مستعداً لإثبات مدعاه بأوضح برهان فما هو الموقف تجاه هذا الشخص، هل نكذبه أيضاً ؟ فإن قلتم نعم فهو نظير القول: (هلك في أي وادٍ سلك) !!! قولهم: (4- إن الفتوى تنصح أفراد الشيعة بالتحرز عن أصحاب أمثال هذه المزاعم واتباعهم، إذ لا يقوم بما ينقلونه حجة ومن ثم يتضح أنه لم تنف الفتوى مطلق الرؤية التي تسالم علماء الشيعة على حصولها مصادفة لجمع من أفراد الشيعة وعلماءها الذين لم يزعم أحد منهم أنه مرسل من قبل الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى الناس كافة، ولم يدّع أنه باب للإمام (عجل الله فرجه)، ولم يوصل منه رسالة صريحة إلى سائر الناس، ولم ينقل عنه شيئاً من الأمور المعلومة البطلان. ولإتمام الفائدة نذكر عدة نقاط تساعد في رد هذا المدعي ومن على شاكلته). ويرد عليه بعدة نقاط: 1- قولهم: (إن الفتوى تنصح أفراد الشيعة بالتحرز عن أصحاب أمثال هذه المزاعم وعن اتباعهم، إذ لا يقوم بما ينقلونه حجة). فأقول: الآن رجع كاتب هذه السطور للنظر إلى ما ينقل عن الإمام المهدي ع، فإذا كان حق قبلناه، وإذا كان باطلاً رفضناه. وهذا تنازل عن قوله السابق بتكذيب مدعي المشاهدة رأساً، إذ من علمنا كذبه في اللقاء مع الإمام المهدي ع لا حاجة إلى سماع ما يقوله. ولكن مع ذلك فنقول: إنكم نفيتم الحجة عن الرجل بدون أن تسمعوا حجته أو تروا شخصه وقد تحدى جميع العلماء للمناظرة فلم يجبه أحد بذلك. 2- قولهم: (ومن ثم يتضح أنه لم تنف الفتوى مطلق الرؤية التي تسالم علماء الشيعة على حصولها مصادفة لجمع من أفراد الشيعة وعلماءها). فأقول: أين هذا الوضوح الذي يدعيه، فإن فتوى السيستاني صريحة بتكذيب كل من ادعى المشاهدة بقوله: (إن الموقف الشرعي تجاه من يزعم اللقاء بإمام العصر أرواحنا فداه مباشرة أو عن طريق الرؤيا في زمن الغيبة الكبرى يتمثل في عدم تصديقه فيما يدعيه)، أي يدعيه من اللقاء مع الإمام المهدي ع، فاسأل كل عاقل، بربكم ماذا تفهمون من هذه العبارة ؟ وهل عليكم تأويلها على غير ظاهرها ؟ فإن الضمير في (يدعيه) عائد على (تزعم اللقاء) ولم يذكر بعده أداة استثناء أو استدراك، وهذا ربما لا يخفى حتى على طالب الابتدائية، فخفائه على طالب حوزة مؤسف جداً. فإذا كان السيد السيستاني قد أعلمكم برجوعه عن فتواه هذه فينبغي أن يصدر فتوى جديدة ولا نقص عليه في ذلك، وذلك أفضل من اللف والدوران، فإن تأويلكم هذا لا يستقيم وهو فهم سقيم !!! ثم أردف السيد السيستاني بقوله: (وعدم الأخذ بما ينسبه ع من أوامر أو غيرها)، وهذا أيضاً غير صحيح فقد التقى كثير من علمائنا الكرام مع الإمام المهدي ع ونقلوا عنه بعض الأدعية وقبلوها علماء الشيعة وسطروها في كتبهم مثل مفاتيح الجنان ومن الذين نقلوا عن الإمام السيد ابن طاووس. والظاهر إن السيد قد غفل عن إن (دعاء الفرج المشهور) والذي يكاد لا يخلو منه كتاب أدعية وكل الشيعة تدعو به منذ مئات السنين قد علمه الإمام المهدي ع إلى سجين في عالم الرؤيا فدعا به فأُطلق صراحة، وهذا الدعاء موجود في مفاتيح الجنان والمصباح للكفعمي وغيره. فعلى كلام السيد السيستاني يجب رفض هذا الدعاء وتكذيب وروده عن الإمام المهدي ع ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!! أما مراسلات الإمام المهدي ع للشيخ المفيد في عصر الغيبة الكبرى فهي أشهر من أن تذكر. فكيف جاز للشيخ المفيد تصديق حامل الرسالة من الإمام المهدي ع إذا كان الموقف هو تكذيب من ينقل عن الإمام ع، مع العلم إن الرسالتان تحتويان على إرشادات وأوامر تقبلها الشيخ المفيد ولم يكذب حامل الرسالة من الإمام المهدي ع. وهذا الكلام مذكور في الرد الأول على فتوى السيد السيستاني، فينبغي (لمركز البحوث العقائدية) أن ينتبهوا لذلك ويغنوننا عن القول بأن للحروب رجال وللثريد رجال. وأما قوله: أن كل اللقاءات مع الإمام كانت مصادفة فهو غير صحيح على إطلاقه، نعم أكثر اللقاءات كانت مصادفة، ولكن بعض اللقاءات كانت مثلاً بسبب أمر الإمام لشخص في المنام بأن يلتقي معه في المكان الفلاني والزمان الفلاني، فلا يعتبر مثل هكذا لقاءات مصادفة. وسوف ننقل بعض هذه اللقاءات: نقل بعض اللقاءات المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الأجل الأوحد الفقيه القارئ نجم الدين جعفر بن الزهيري، وقصته على لسانه هكذا: (إني كنت مفلوجاً وعجز الأطباء عني، وقد أباتتني جدتي تحت القبة (مقام صاحب الزمان في الحلة)، وأن الحجة صاحب الزمان قال لي: قم بأذن الله تعالى، وأعانني على القيام، فقمت وزال عني الفالج، وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلوني، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبركون فيها، وكساني الناس من ثيابهم، ورحت إلى البيت وليس بي أثر الفالج...) ([82]). نقل المولى السلماسي (رحمه الله) عن السيد فخر الشيعة العلامة السيد محمد مهدي الطباطبائي بحر العلوم (قدس سره)، قال: (كنت حاضراً في محفل إفادته، فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى، وكان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمى عند العجم بغليان، فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه، وخاطب نفسه بكلام خفي أسمعه، فقال ما معناه: ما أقول في جوابه ؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره...) ([83]). نقل المولى السلماسي (رحمه الله) عن السيد فخر الشيعة العلامة السيد محمد مهدي الطباطبائي بحر العلوم (قدس سره)، قال: (صلينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين ص، فلما أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة، عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام، ولما فرغنا تعجبنا كلنا، ولم نفهم ما كان وجهه، ولم يتجرأ أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل، وأحضرت المائدة، فأشار إليّ بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه، فقلت: لا وأنت أقرب منا، فالتفت (رحمه الله) إليّ وقال: فيم تقاولون ؟ قلت وكنت أجسر الناس عليه: إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة، فقال: إن الحجة ع دخل الروضة للسلام على أبيه ع، فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله والأنوار إلى أن خرج منها) ([84]). أرسل الإمام المهدي ع رسالتين إلى الشيخ المفيد (قدس سره) في عصر الغيبة الكبرى، ونص الرسالتان موجود في النجم الثاقب ج2 ص235 و ص238. وذكر السيد الجليل ابن طاووس (قدس سره) في كتاب مهج الدعوات: (وكنت أنا بسر من رأى فسمعت سحراً دعاءه - أي دعاء الإمام المهدي ع -، فحفظت منه ع من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات (وأبقهم)، أو قال: (وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا)، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة) ([85]). ونقل السيد بن طاووس كثير من الأدعية عن الإمام المهدي أعرضنا عن ذكرها لضيق المقام. قال العلامة الحلي (قدس سره) في كتاب منهاج الصلاح: (نوع آخر من الاستخارة عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف ابن علي المطهر (رحمه الله)، عن السيد رضي الدين الآوي الحسيني (رحمه الله)، عن صاحب الأمر ع وهو: (...ويذكر نوع الاستخارة نقلاً عن الإمام المهدي ع...) ([86]). وغير هؤلاء العلماء الكثير ممن نقل عن الإمام المهدي عفي زمن الغيبة الكبرى، أعتذر عن ذكرها مراعاة للاختصار. وأما قولهم: (الذين لم يزعم أحد منهم أنه مرسل من قبل الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى الناس كافة، ولم يدّع أنه باب للإمام (عجل الله فرجه)، ولم يوصل منه رسالة صريحة إلى سائر الناس). فيرد عليه: إنه عدم ادعاء الذين شاهدوا الإمام بأنهم رسل من الإمام لا يعتبر دليلاً على عدم مجيء رسل من الإمام المهدي ع، فإن المصلحة كانت مع هؤلاء هو مجرد اللقاء معهم أو تبليغهم بعض الأمور، وهو لا ينفي أن يلتقي الإمام بشخص ويرسله إلى الناس بتبليغ بعض الأمور حسب ما تقتضيه المصلحة التي يراها الإمام لا ما ترونه أنتم. وإن هذا الاستدلال لا تستدل به ربات الحجال فضلاً عن من يدعي العلم. وأن قولهم: (ولم ينقل عنه شيئاً من الأمور المعلومة البطلان). فيرد عليه: إننا نتساءل ما هي الأمور التي نقلها السيد أحمد الحسن تتصف بأنها معلومة البطلان، فالسيد أحمد الحسن طرح ضرورة حاكمية الله وحرمة حاكمية الناس وتنصيب الظلمة للحكم بالأنظمة الوضعية، وأنتم جوزتم حاكمية الناس والانتخابات بل أوجبتم ذلك على الناس وزعمتم إنها شرعية، والواقع بأن القرآن يصرح والسنة الشريفة تصرح بعدم جواز حاكمية الناس. والسيد أحمد الحسن يدعو الناس بمناصرة الإمام المهدي ع وتوحيد الأمة، وكل القيادات سواءاً الدينية أو السياسية كل يدعو الناس لنفسه وتركوا الدعوة للإمام المهدي ع. والسيد أحمد الحسن يدعو لمحاربة المحتل الكافر، والكل إلا ما ندر قد هادن الاحتلال بل إن بعضهم قد رضى عنهم الاحتلال واطمأن لهم، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم﴾([87]). والسيد أحمد الحسن يدعو للاهتمام بالفقراء والمساكين والأيتام وأنتم قد نبت لحمكم واشتد عظمكم من حقوقهم وتركتموهم بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء، وأنتم تصرفون على أنفسكم الملايين، وهذه حقيقة اتضحت لكل بصير و... و... و... الكثير من الأمور. والآن من الذي جاء بأمور معلومة البطلان، السيد أحمد الحسن أم أعداءه ؟!!! ثم إن رفضكم لكل شخص يأتي بأمور باطلة حسب نظركم، فإن هذا سوف يجركم إلى محاربة الإمام المهدي ع نفسه؛ لأنه يأتي بكتاب جديد وسنة جديدة على العرب شديد كما جاء في كثير من الروايات: ابن أبي يعفور قال: (دخلت على أبي عبد الله ع وعنده نفر من أصحابه فقال لي: يا ابن أبي يعفور، هل قرأت القرآن ؟ قال: قلت: نعم هذه القراءة، قال: عنها سألتك ليس عن غيرها، قال: فقلت: نعم جعلت فداك، ولم ؟ قال: لأن موسى ع حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم، ولأن عيسى ع حدث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم، وهو قول الله (: ﴿فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ﴾([88])، وإنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم، وهي آخر خارجة تكون) ([89]). عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع، قال: (قال: إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فانبذوه إليهم نبذاً، فمن أقر به فزيدوه، ومن أنكره فذروه. إنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا) ([90]). قولهم: (ولإتمام الفائدة نذكر عدة نقاط تساعد في رد هذا المدعي ومن على شاكلته: 1- أن نسأله ما هو الدليل على مدعيه من الرؤية أو أنه مبعوث من قبل الإمام عأو غير ذلك، إذ لكل دعوى لابد من دليل لتميز الكاذب من الصادق، فمن يضمن لنا صدق هذا المدعي وأن ليس له مآرب أخرى أو أرسل من قبل جهة تحارب شيعة أهل البيت ص، مع ملاحظة إن كل من ذكر عنه في الكتب أنه رأى الإمام كان من الثقاة الأجلاء أو العلماء الأعلام وأنهم صُدّقوا لعلم الناس بوثاقتهم. ثم إن أكثر من نقل عنه الرؤية لم يعلم بالإمام ع إلا بعد ذهابه، وأما من عرفوا أنه الإمام ع فإن أكثرهم قد أوصاه الإمام ع بالتكتم وعدم إخبار غير الثقاة كما في رسالته ع للمفيد (رحمه الله)، وكذلك في قصة السيد بن طاووس والسيد بحر العلوم، بل إن العلماء الذين نقل عنهم الرؤية كانوا يكتمون في ذلك. فهذا المدعي إما كاذب أو خالف حكمة غيبة الإمام ع في عدم الإشاعة والإشهار. ثم إنه لو ادعى أنه من أوليائه الخاصين الذين يلون أمره كما في بعض الروايات فنقول له إن هؤلاء أيضاً غير معروفين لا يدورون بين الناس يعلنون عن أنفسهم، إضافة لسؤاله الدليل والحجة). ويرد عليه بعدة نقاط: 1- قولهم: (لإتمام الفائدة) فقد تبين مما سبق ومما سيأتي أنه لإتمام الضلالة وليس الفائدة. 2- أما قولهم: (أن نسأله ما هو الدليل على مدعيه من الرؤية أو أنه مبعوث من قبل الإمام عأو غير ذلك، إذ لكل دعوى لابد من دليل لتميز الكاذب من الصادق). فأقول: من حق كل شخص أن يسأل عن الدليل، والأدلة موجودة سواء منها النقلية أو العلمية أو الغيبية، فتوجد روايات تصف السيد أحمد بالاسم والبلد وبعض علامات الجسد، ومن أراد التأكد فليراجع (البلاغ المبين ج1) أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي ع، فإنه يعثر على ضالته. أما الأدلة العلمية فإنه تحدى جميع العلماء بالمناظرة في القرآن الكريم أو الرد على ما طرحه من إحكام بعض متشابهات القرآن، والتي هي علم مخزون عند الأئمة ص. وأما الأدلة الغيبية فقد رأى المؤمنون مئات المنامات الصادقة بالأئمة الأطهار وأكدوا فيها على صدق السيد أحمد الحسن وأنه رسول الإمام المهدي ع. فإن كانت رؤيا واحدة أو اثنان أو عشرة فقط ربما تنزلنا معكم إنها لا تفيد الاطمئنان، ولكن مئات الرؤيات بالأئمة المعصومين من المستحيل أن تكون من الشيطان - والعياذ بالله - إلا أن تقولوا بأن الملكوت بيد الشيطان - والعياذ بالله -. قال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([91]). 3- أما قولهم: (فمن يضمن لنا صدق هذا المدعي وأن ليس له مآرب أخرى أو أرسل من قبل جهة تحارب شيعة أهل البيت ص). ويرد عليه: إنه عليكم مطالبته بالدليل، فإذا ثبت صدقه فلا حاجة إلى هذه الاحتمالات البعيدة عن الواقع، ثم إنه رجل معروف في بلده وعشيرته وفي الحوزة العلمية ونحن كثير من طلبة الحوزة العلمية وكثير من ثقاة المؤمنين قد عاشرناه لمدة أكثر من سنتين، فلم نعرف عنه إلا الخير والصلاح والورع والتقوى وصدق الحديث ونحن نشهد بذلك أمام الله تعالى، ثم من أين يمكن لشخص أن يأتي من جهة منحرفة ويتحدى الجميع في علوم القرآن ويتكفل الدعوة لنصرة الإمام المهدي ع، فعلى ما تحاربون الرجل، على شريعة غيّرها، أم على سنة بدلها !!! والحقيقة إن هذه التهم وأمثالها قد وجهتها الأمم السابقة للأنبياء والمرسلين ص، وصدق قول الرسول ص ما معناه: (سيعاد في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة) ([92]). وما هو الكسب الدنيوي الذي يرتجيه من وراء ذلك، فإنه عرض نفسه للسب والشتم والتكذيب والاستهزاء من قبل المستهترين الذين هم ذراري المستهزئين بالأنبياء والمرسلين، والذين هم ذراري الذين قالوا: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾([93]). 4- أما قولهم: (مع ملاحظة إن كل من ذكر عنه في الكتب انه رأى الإمام كان من الثقاة الأجلاء والعلماء الأعلام وانهم صدقوا لعلم الناس بوثاقتهم). ويرد عليه: إن هذا الكلام غير صحيح على إطلاقه، نعم كثير من العلماء والثقاة تشرفوا بلقاء الإمام المهدي ع ولكن هذا لا يدل على حصر اللقاء بمثل هؤلاء، فإنه قد ثبت لقاء الإمام المهدي ع حتى مع أشخاص كانوا لا يعتقدون بوجوده ع، وكان لقاءه معهم سبباً لاعتقادهم به ع، ونقلت كثير من قصص اللقاء مع أُناس غير معروفين بالتدين، وأيضاً كان لقاء الإمام ع بهم سبباً في إصلاحهم وهدايتهم في بقية عمرهم. ومن أراد التأكد من ذلك فليراجع كتاب (النجم الثاقب ج2) للميرزا النوري، فإن ذكر القصص في هذه العجالة لا يناسب المقام. 5- قولهم: (ثم إن أكثر من نقل عنهم الرؤية لم يعلم بالإمام ع إلا بعد ذهابه). فيرد عليه: أن الكاتب قد اعترف بوجود من التقى بالإمام المهدي ع بقوله (أكثر)، يعني لا توجد قاعدة كلية أي يوجد بعض من نقل عنهم رؤية الإمام قد عرف الإمام ع أثناء اللقاء. 6- قولهم: (وأما من عرفوا أنه الإمام ع فإن أكثرهم قد أوصاه الإمام ع بالتكتم وعدم إخبار غير الثقاة كما في رسالته ع للمفيد (رحمه الله)، وكذلك في قصة السيد بن طاووس والسيد بحر العلوم، بل إن العلماء الذين نقل عنهم الرؤية كانوا يكتمون في ذلك). ويرد عليه: نفس ما ورد على كلامه الآنف فإنه لا توجد قاعدة كلية على ذلك، فإن كثير ممن التقى بالإمام ع أعلن عن ذلك للناس، وإلا كيف وصلنا خبره وسطر في الكتب المشهورة. ومع التنزل فنقول: إن الإمام ع التقى مع هؤلاء وأمر بعضهم بالتكتم وفعلوا ما أمرهم، ولكن إذا عكست القضية أي إذا التقى الإمام ع مع شخص وأمره بالإعلان والتبليغ فما هو رأيكم، هل يطيعكم ويعصي الإمام ع، أم إنه يطيع الإمام ع ويفعل ما أمره من الإعلان والتبليغ. وبعد هذا كله فلا عجب أن تقول الناس للإمام المهدي ع: (ارجع يا بن فاطمة لا حاجة لنا بك). 7- قولهم: (فهذا المدعي أما كاذب أو خالف حكمة غيبة الإمام ع في عدم الإشاعة). ويرد عليه: إن الكاتب غفل عن التفريق بين عصر الغيبة الكبرى وعصر الظهور، فإن حكمة الغيبة مختصة بالغيبة الكبرى، أما في عصر الظهور فقد ورد عن أهل البيت ص التقاء الإمام ع بكثير من المخلصين وأمرهم بالإعلان والإشاعة. ومن هذا: عن أبي عبد الله ع أنه قال: (لا يقوم القائم ع حتى يقوم اثنا عشر رجلاً يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم) ([94]). عن أبي عبد الله ع، قال: (خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني، يهدي إلى الحق) ([95]). وفي رواية أخرى: (وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم) ([96]). وإرسال محمد ذو النفس الزكية الذي ليس بين قيام القائم وقتله إلا خمس عشرة ليلة، وقد بعثة الإمام للدعوة إلى نصرة آل محمد وإعطائهم حقهم الذي غصب منهم طوال هذه العصور، تعد من العلامات المتواترة معنى. وغيرها الكثير أعرضنا عن ذكرها مراعاة للاختصار. ومن أراد المزيد فليراجع كتاب (إيقاظ النائم لاستقبال القائم)، و (فشل المنتظرين) من إصدارات أنصار الإمام المهدي ع يحصل على ضالته إن شاء الله تعالى. وقد جاء عن الرسول ص قوله في وصف أهل البيت ص: (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) ([97])، فينبغي لكم أن تتأدبوا أمام صاحب العصر والزمان، وأن لا تقولوا من الحكمة أن يفعل كذا وأن لا يفعل كذا !!! فهو ع أعلم بالحكمة منكم، وهو وجه الله في الأرض. والظاهر إن كاتب السطور يريد من الإمام أن يبقى غائباً إلى الأبد؛ لأنه يكذب كل من يلتقي به أو يمهد له النصرة !! 8- قولهم: (ثم إنه لو ادعى أنه من أوليائه الخاصين الذين يلون أمره كما في بعض الروايات فنقول له إن هؤلاء أيضاً غير معروفين لا يدورون بين الناس يعلنون عن أنفسهم، إضافة لسؤاله الدليل والحجة). ويرد عليه: يظهر أن الكاتب قليل البضاعة من روايات أهل البيت ص التي تثبت عصر الظهور ودور الممهدين في تهيئة النصرة للإمام المهدي ع وخوض الحروب المتعددة مع أعداء الإمام ع قبل قيامه. فلو أتعب نفسه بمراجعة الروايات قبل أن يكتب هذا الرد ولأغنانا عن الاستشهاد بقول الشاعر: خلق الله للحرب رجالاً ورجالاً لقصعة وثريد قولهم: (ثم نسأله هل يدعي الرؤية لمرة واحدة أو يدعي المشاهدة واللقاء المتكرر، فإن قال لمرة واحدة نقول له بعد سؤاله الدليل كما في النقطة الأولى: إن الرؤية مرة واحدة لا تثبت ما تدعي فما هو فرقك عن الآخرين الذين رأوا الإمام ع وقضى لهم حاجاتهم أو شفاهم أو غير ذلك). ويرد عليه: إن هذا الاستدلال سقيم، فلو تنزلنا وقلنا إن السيد أحمد الحسن قد التقى بالإمام المهدي ع مرة واحدة، وأمره ع بها في الإعلان عن ذلك أو تبليغ شيء معين فلا يجوز له مخالفة الإمام ع في عدم الإعلان، أما هؤلاء الذين التقى بهم مرة واحدة فإن الإمام ع لم يرى مصلحة في إرسالهم للتبليغ، أو أن وقت التبليغ للظهور المقدس لم يحن وقته، والفرق بين الفريقين واضح جداً، والجمع بينهما بحكم واحد مجازفة ومخالفة واضحة لا ينبغي لمن يطلب الحق أن يستدل بها. وأما قولهم: (وان ادعى اللقاء - أي المتكرر- فنقول له: هذا تكذيب للإمام ع نفسه، فقد بين لنا إن كل من يدعي المشاهدة واللقاء فهو كاذب فكيف يرسل وهو قد كذب قبل ذلك). والرد عليه: إننا نطالبكم بدليل على تكذيب من يدعي اللقاء المتكرر مع الإمام المهدي ع، فلا توجد أي رواية تنفي ذلك إلا توقيع السمري، والذي تبين أنه ظني الصدور والدلالة، وهو أيضاً معارض بإخبار المشاهدة التي جازت حد التواتر، فلا يمكن لأحد الاستدلال به في العقائد، إضافة إلى ذلك فقد نقل تكرار اللقاء مع كثير من العلماء، ومنهم مثلاً السيد بحر العلوم صاحب الكرامات، والسيد ابن طاووس (رحمهما الله تعالى). وفي الحقيقة قد احتار القلم مع كاتب هذه السطور، فتارة ينفي إمكان اللقاء مع الإمام ع، وتارة يتنازل عن هذا القول، ومرة يقول بلقاء أولياءه الخاصين ويعترف بهم وبلقائهم المتكرر، ثم يرجع مرة أخرى إلى نفي اللقاء مع الإمام ع، فالتناقض في كلامه واضح نهاية الوضوح. فلا أدري هل أعيته الحيل، أم تعمد ذلك، أم لقصر باعه عن الاستدلال المرتب ؟!! وبهذا يذهب قوله: (فكيف يرسلك وهو قد كذبك قبل ذلك) أدراج الرياح لما تقدم من البيان. وقولهم: (بل وإنه ع بين لنا الموقف الشرعي في مثل هذا وهو تكذيبك والرد عليك فما هو ذنبنا). ويرد عليه: أنه قد تبين مما تقدم عدم صحة الاستدلال على تكذيب مدعي الرؤية، فلا نعيد. وأما قولكم: (فما هو ذنبنا)، ذنبكم أنكم اتبعتم الظن وإن الظن لا يغني من الحق، وذنبكم أنكم كذبتم بما لم تحيطوا بعلمه. قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾([98])، فلوموا أنفسكم ولا تلوموا الإمام المهدي ع وتلوموننا. ثم ليت شعري هل هذا هو أدبكم مع الإمام ع بالرد عليه ولومه. قولهم: (3- ثم نسأله من هو الحجة علينا في هذا الوقت الذي هو وقت غيبة الإمام ع، هل هم المراجع أو من يدعي اللقاء وأنه نائب الإمام ع وغير ذلك ؟ فإن قال إن الحجة هم المراجع فقد كذب نفسه بنفسه إذ ما حاجتنا إليه بعد ذلك، وإن قال إن الحجة هو من يدعي المشاهدة واللقاء دون المراجع، فنقول له: إن هذا تكذيب للإمام ع، فقد أخبرنا بعد انتهاء الغيبة الصغرى أنه لا سفراء خاصين له وإنما له نواب عامون هم المراجع وهم الحجة على العباد في زمن الغيبة الكبرى، فكيف يعود ويكذب نفسه - أعوذ بالله - ويرسل سفيراً خاصاً، ثم كيف يتوقع أن نتبعهم وهو ع قد وضح لنا الموقف الشرعي اتجاههم وأمرنا بتكذيبهم، فهل هذا إلا تناقض !! لا يفعله الشخص العادي فكيف بحجة الله البالغة وبقية الله في الأرض !!). ويرد عليه بعدة نقاط أيضاً: 1- قولهم: (ثم نسأله من هو الحجة علينا في هذا الوقت الذي هو وقت غيبة الإمام ع، هل هم المراجع أو من يدعي اللقاء وأنه نائب الإمام ع وغير ذلك ؟ فإن قال إن الحجة هم المراجع فقد كذب نفسه بنفسه إذ ما حاجتنا إليه بعد ذلك). يرد عليه: إن السيد أحمد لم يقل بأن العلماء حجة على الناس بعد إرساله من الإمام المهدي ع بل هو الحجة المنصوب من قبل الإمام المهدي ع. 2- قولهم: (وإن قال إن الحجة هو من يدعي المشاهدة واللقاء دون المراجع، فنقول له: إن هذا تكذيب للإمام ع، فقد أخبرنا بعد انتهاء الغيبة الصغرى أنه لا سفراء خاصين له وإنما له نواب عامون هم المراجع وهم الحجة على العباد في زمن الغيبة الكبرى، فكيف يعود ويكذب نفسه - أعوذ بالله - ويرسل سفيراً خاصاً). ويرد عليه بعدة نقاط: أولاً: الحجة ليس من يدعي المشاهدة واللقاء فقط، بل إضافة إلى ذلك لابد من تكليفه من قبل الإمام بالتبليغ وقيادة الأمة، وهذا هو حال السيد أحمد الحسن. ثانياً: إنه لا يوجد دليل شرعي على تنصيب الإمام المهدي ع للعلماء كنواب عامين في عصر الغيبة الكبرى، بل الدليل عقلي، وقد حدث النزاع في حجية الدليل العقلي - المجرد عن الدليل الشرعي - وعدم حجيته بين الشيعة أنفسهم ووصل الأمر إلى التفسيق والتكفير، ولم يعمل علماؤنا المتقدمون بالدليل العقلي، بل أحدث بعد سبعمائة سنة بعد غيبة الإمام المهدي ع، وللعلماء في هذا الموضوع منازعات ومناظرات لا يهمنا التطرق إليها. ثالثاً: إن تنزلنا وقلنا بحجية العلماء في عصر الغيبة الكبرى فهذه الحجية في الفروع فقط، ولم يقل أحد بحجيتهم في أصول الدين إطلاقاً، والإمامة والنيابة عن الإمام ع من الأصول - أي العقائد - فلا يمكن التقليد فيها، ثم حجية العلماء في الفروع - إن صحت - لا يمنع من إرسال الإمام المهدي ع رسول إلى الناس كافة يكون حجة على العلماء وغيرهم؛ لأنه إذا تزاحم الإذن العام مع الإذن الخاص يُقدم الإذن الخاص قطعاً. ثم إن العلماء الذين تقولون بحجيتهم على العباد في عصر الغيبة الكبرى جاءت كثير من الروايات تؤكد على أن الإمام المهدي ع يقتل سبعين عالماً وثلاثة آلاف من أتباعهم، فكيف يقتل الإمام ع من هم حجة على العباد، فهذا هو التناقض الصريح إذا سرنا على قولكم، وإن قلتم أن هؤلاء العلماء الذين يقتلهم الإمام المهدي ع منحرفين، فأقول لكم إن الاحتمال وارد في كل واحد من العلماء، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، إلا إذا علمنا خلافه بنص من الإمام المهدي ع، وهذا غير موجود. وأخيراً أقول لكاتب هذه السطور: (ما هكذا يا سعد تورد الإبل). قولهم: (ثم كيف يتوقع أن نتبعهم وهو ع قد وضح لنا الموقف الشرعي اتجاههم وأمرنا بتكذيبهم، فهل هذا إلا تناقض !! لا يفعله الشخص العادي فكيف بحجة الله البالغة وبقية الله في الأرض !!). ويرد عليه: إنّ الموقف الشرعي الذي ادعيتموه عارٍ عن الدليل الشرعي والعقلي كما تبين مما سبق، والتعارض الذي أوردتموه على الإمام المهدي ع رجع في نحركم واستقر عليكم ولا مفر لكم منه، والتناقض بيّن في كلامكم لا في كلام الإمام المهدي ع، وهو الحكيم وحجة الله عليكم وعلى أهل الأرض شاءوا أم أبوا. قولهم: (وأخيراً نقول لمن لبس غير ثوبه وتنطع للرد على فتوى المراجع ومنها فتوى آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)، نقول له اقرأ الفتوى بصورة جيدة وافهم عباراتها بصورة صحيحة ثم علق عليها، فنحن لا نحتكر العلم على أحد ولكن كل شيء بحسبه). ويرد عليه بعدة نقاط: 1- نحن أتباع الدليل أين ما مال نميل، فإنني قمت بالرد على فتوى السيد السيستاني بالدليل العلمي الواضح، فيجب الرد عليَّ كذلك ولا حاجة لإساءة الأدب معي وتصفوني (من لبس غير ثوبه)، بل إني لبست ثوب أئمتي وسادتي وحجة الله عليَّ وتوليت الإمام المهدي ع بدلاً عن الشخصيات الأخرى التي لم نجن منها إلا التفرق والتمزق وتسلط الأعداء علينا، وأصبحنا نزمر بمزمار أمريكا وهي الديمقراطية والانتخابات وكأن الله هو الذي نص على جواز الانتخابات (السقيفة) والحكم بالأنظمة الوضعية، فإن ثوبي التمسك بحجة الله صاحب الزمان (أرواحنا له الفداء) ورفض الظلم والطواغيت والحكم بما لم ينزل الله تعالى. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([99]). ونذرت نفسي وقلمي للدفاع عن الإمام المهدي ع وتوجيه أنظار الخلق لانتظاره وكيفية نصرته حسب ما ورد عن الأئمة ص من التوجيهات، وتركت الدعوة لمن يغاير ذلك. فإن زعمتم أن هذا الثوب ليس ثوبكم فإني أتشرف بلبسه وأبرأ مما تلبسون. 2- أما قضية الرد على العلماء فما دام الأمر ليس من ضروريات الدين فلكل شخص الحق في طرح ما لديه بالحجة والدليل الواضح والحكمة: (انظروا إلى ما قيل ولا تنظروا إلى من قال)، والرسول ص وعترته الطاهرة ص حذرونا من التقليد الأعمى وشبهوه بتقليد اليهود لعلمائهم. وعنه ص: (إن أشد ما أتخوف على أمتي من بعدي ثلاث خلال: أن تتأولوا القرآن غير تأويله، وتتبعوا زلة العالم...) ([100]). وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن أيوب، عن أبي عقيلة الصيرفي، عن كرام، عن أبي حمزة الثمالي، قال: (قال أبو عبد الله ع: إياك والرياسة، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال، قلت: جعلت فداك، أما الرياسة فقد عرفتها، وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال، فقال لي: ليس حيث تذهب، إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال) ([101]). 3- إني قد قبلت نصيحتكم وقرأت فتوى السيد السيستاني مرة أخرى وتأملتها طويلاً فلم أفهم منها سوى ما سطرته لكم في هذا الرد والرد الأول، وليتكم أيضاً تتفكرون في حالكم وفي هذه الفتوى ولا يأخذكم التعصب والكيل بمكيالين، فإنّ الحق يقال ولو على النفس، وأنصفونا يرحمكم الله تعالى. وأخيراً .. إلى السيد السيستاني أو من ينوب عنه، وبالخصوص إلى (مركز البحوث العقائدية)، إذا أردتم الرد على هذه الأسطر فاختاروا لذلك شخص له باع في الاستدلال في هذا الموضوع العقائدي، حتى نستغني عن الخوض في سفاسف الكلام. فإن الذي اخترتموه للرد على ردنا على فتوى السيد السيستاني أراد أن يصلح فأفسد وأراد أن يبين فأبهم، وإنه أراد أن يلتمس التخريجات لفتوى السيد السيستاني فرد عليها من حيث لا يعلم، وذلك بعد ارتجاف قلمه فسطر الكلام مبعثراً لا يكاد يعرف له رأس من ذيل. وآخراً نسأل الله تعالى أن يعجل فرجنا بقيام الحجة بن الحسن ع، وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه، وأن يعز المؤمنين ويلعن الكاذبين ويخذل الكافرين ومن هادنهم ورضي بمقولتهم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. الشيخ ناظم العقيلي 1 / ذو القعدة / 1425 النجف الأشرف
Footers

[1] - الغيبة للنعماني: ص214.

[2] - هود: 28.

[3] - النمل: 64.

[4] - الغيبة للنعماني: ص175.

[5] - الغيبة للنعماني: ص194.

[6] - الغيبة للنعماني: ص285، بشارة الإسلام: ص107.

[7] - النجم الثاقب: ج2 ص223.

[8] - النجم الثاقب: ج2 ص286.

[9] - النجم الثاقب: ج2 ص287.

[10] - كمال الدين: ج1 ص4 – 5.

[11] - النجم الثاقب: ج2 ص120.

[12] - النجم الثاقب: ج2 ص126.

[13] - الإسراء: 36.

[14] - الغيبة للنعماني: 170 – 171 ح1، 3، 5.

[15] - انظر الغيبة للطوسي: ص243.

[16] - الغيبة للطوسي: ص242 – 243، الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص193.

[17] - الغيبة للنعماني: ص175 – 176 ح13 – 16.

[18] - الغيبة - للنعماني: ص159 ح4.

[19] - الاحتجاج - للطبرسي: ص263 ح2.

[20] - كمال الدين - للصدوق: ج2 ص684 ح4، الغيبة للطوسي: ص291، الاحتجاج - للطبرسي: ج2 ص283.

[21] - النور: 21.

[22] - الغيبة - للنعماني: ص13 ح8.

[23] - الدخان: 9 – 14.

[24] - بشارة الإسلام: ص146.

[25] - بشارة الإسلام: ص147.

[26] - البقرة: 185.

[27] - الغيبة الصغرى: ص654.

[28] - غيبة النعماني: ص305.

[29] - الإسراء: 72.

[30] - الغيبة للنعماني: ص187.

[31] - ما بعد الظهور: ص234.

[32] - الغيبة للنعماني: ص197.

[33] - الغيبة للنعماني: ص213.

[34] - الغيبة للنعماني: ص194.

[35] - الغيبة للنعماني: ص175، الكافي: ج1 ص340 ح19، بحار الأنوار: ج52 ص100 ح10 – 11.

[36] - بشارة الإسلام: ص118.

[37] - الغيبة للطوسي: ص303.

[38] - البقرة: 79.

[39] - وسائل الشيعة (آل البيت) للحر العاملي: ج72 ص131 – 132.

[40] - الغيبة للطوسي: ص281.

[41] - الغيبة للنعماني: ص214.

[42] - الأنبياء: 22.

[43] - الغيبة للنعماني: ص157.

[44] - بحار الأنوار: ج52 ص277.

[45] - الأمالي - للطوسي: مج18 ص512.

[46] - تحف العقول: ص325.

[47] - مناقب آل أبي طالب: ج1 ص5.

[48] - غرر الحكم: ص277.

[49] - بحار الأنوار: ج2 ص58.

[50] - معدن الجواهر: ص31.

[51] - التوبة: 31.

[52] - البرهان: ج10 ص120.

[53] - وسائل الشيعة (آل البيت) - للحر العاملي: ج72 ص126.

[54] - مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج71 ص309.

[55] - يوم الخلاص.

[56] - بحار الأنوار: ج52 ص19.

[57] - الغيبة للنعماني: ص50.

[58] - النور: 21.

[59] - الغيبة للنعماني: ص187.

[60] - الغيبة للنعماني: ص262.

[61] - الملاحم والفتن: الباب 83.

[62] - الملاحم والفتن: الباب 92، الممهدون للكوراني: ص106.

[63] - الملاحم والفتن: ص48.

[64] - الملاحم والفتن: الباب 100، الممهدون للكوراني: ص101.

[65] - الملاحم والفتن: الباب 104.

[66] - الملاحم والفتن: الباب 94، الممهدون للكوراني: ص101، ما بعد الظهور للسيد الصدر(قدس سره).

[67] - الممهدون للكوراني: ص109.

[68] - بحار الأنوار: ج52 ص269، الممهدون للكوراني: ص109.

[69] - الممهدون: ص110.

[70] - ما بعد الظهور للسيد الصدر (قدس سره)، الملاحم والفتن: الباب 134.

[71] - الغيبة للنعماني: ص171.

[72] - بحار الأنوار: ج52 ص307.

[73] - آل عمران: 61.

[74] - دار السلام: ج4 ص272، من لا يحضره الفقيه: ج3 ص585، بحار الأنوار: ج49 ص284، كشف الغمة: ج3 ص119.

[75] - دار السلام: ج4 ص273.

[76] - الاختصاص للمفيد: ص241، بحار الأنوار: ج14 ص435.

[77] - بحار الأنوار: ج58 ص193.

[78] - يونس: 64.

[79] - بحار الأنوار: ج58 ص181.

[80] - إلزام الناصب: ج1 ص178.

[81] - كمال الدين: ج1 ص4 – 5.

[82] - النجم الثاقب: ج2 ص223.

[83] - النجم الثاقب: ج2 ص286.

[84] - النجم الثاقب: ج2 ص287.

[85] - النجم الثاقب: ج2 ص120.

[86] - النجم الثاقب: ج2 ص126.

[87] - البقرة: 120.

[88] - الصف: 14.

[89] - بحار الأنوار: ج52 ص375.

[90] - الغيبة للنعماني: ص210.

[91] - يس: 83.

[92] - انظر: كمال الدين وتمام النعمة: ص27.

[93] - الزخرف: 31.

[94] - بحار الأنوار: ج52 ص244، بشارة الإسلام: ص107.

[95] - بحار الأنوار: ج52 ص210.

[96] - بحار الأنوار: ج52 ص230.

[97] - الكافي: ج1 ص209.

[98] - يونس: 39.

[99] - المائدة: 44.

[100] - معدن الجواهر: ص31.

[101] - وسائل الشيعة (آل البيت) - للحر العاملي: ج72 ص126.