Subjects
-الإهداء
-تقديم
-مقدمة
-تمهيد
-البشرى بالمخلص المرسل في آخر الزمان
-مصطلحات يجب معرفتها
-الفصل الأول:
هل المعزّي بشر أم روح فقط ؟
-الفصل الثاني:
مناقشة النصوص التي يعتمدونها لإثبات عقيدة التثليث
من هو يوسابيوس ؟
علماء وأساقفة مسيحيون يؤمنون بأنّ الروح القدس مخلوق
من هو اريجانوس
-الفصل الثالث:
عقيدة الصلب والفداء .. كيف تثبت أو تنقض العقيدة ؟
النصوص التي يستدل بها النصارى على عقيدة الصلب
1- من الذي يتحمّل الخطيئة ؟
2- هل هناك طريقة للمغفرة غير الصلب ؟
3 - هل الإله اللامحدود هو الذي صلب ؟
4 - يسوع يطلب من الله وبصراخ وبكاء وتوسل أن يرفع عنه الكأس ولا يُصلب
-الوقفة الأولى: دعاء السيد المسيح واستجابة الله له، فهل حدث ذلك ؟
-الوقفة الثانية: لماذا قال بطرس: (إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ)؟؟
-الوقفة الثالثة: صمت المصلوب أمام بيلاطس وهيرودس !
-الوقفة الرابعة: ماذا كانت تهمة المصلوب كما يزعم النصارى ؟
-الوقفة الخامسة: إجابتان مختلفتان تسقطان زعمهم بأنّ المصلوب هو نفسه السيد المسيح ع
-الوقفة السادسة: المسيح جالس عن يمين قوة الله
-الوقفة السابعة: كلكم ستشكّون فيّ
-الوقفة الثامنة: عيسى ع يطلب من الله أن يرفع عنه الكأس ولا يصلب
-الوقفة التاسعة: هل من الأدب أن ينادي ابن أمّه بيا امرأة ؟!
-الوقفة العاشرة
-5- هل هناك نصوص تقول لا يمكن الحصول على الحياة الأبدية إلا بالإيمان بعقيدة الصلب ؟
-6- هل توجد أدلة على أنّ هناك شخصاً ثانياً صلب وضحّى من أجل عيسى ع ؟
-الفصل الرابع:
إلوهية عيسى ع
-هو الله سبحانه الواحد الأحد وكل من سواه خلقه
-يسوع يُقر أنّ الله أعظم منه
-ما هي النصوص التي يستدلون بها على إلوهية عيسى ع
-يسوع يُعلن جهله في عدّة مواقف
-الفصل الخامس: نصوص تبشر بظهور قائم آل محمد المعزّي أحمد ع
-هو ذا فتاي الحبيب
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع/ العدد (136) البشارة بالمعزي أحمد ومطارحات في العقيدة المسيحية تأليف عادل السعيدي الطبعة الأولى 1432هـ - 2011 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى من علمني أنّ الروح لايملكها إلا من وهبها ... إلى من علمني أنّ الشهادة بالكلمة والدم درب الأحرار ... إلى قلبي النابض بحب جميع الأنبياء والمرسلين ... إلى من جعل نفسه ذبيحة فدى بها عرش الله ... إلى من ذكره أنفاسي ونسيانه موتي ... إلى الحسين بن علي أبي الأحرار والشهداء ... إلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دونه ... إلى أنصار الله الذين ضحوا بدمائهم فكانوا مفتاح دولة العدل الإلهي ... إلى من بشّر بالمعزّي وسيصلي خلفه ... إلى المعزّي أحمد ... عليهم مني جميعاً سلام الله .. تقبلوا مني هذه البضاعة المزجاة وتصدّقوا علينا إنّ الله يحب المتصدقين. -تقديم الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لولاية الطاهرين محمد وآله، وله الشكر على أن عرفنا بمهدي آل محمد السيد أحمد الحسن ع، وصلى الله على محمد وآل محمد. أبرز السمات التي تميّز علم اللاهوت المسيحي هي المنطق الغامض، واللغة الإنشائية التي تتوسل المجازات، وربط الأفكار والنصوص بطريقة التداعي الحر. فالفكرة لا ترتبط بالفكرة ولا النص؛ لأنّ ثمة علاقة حقيقية بينهما. فاللاهوتي المسيحي يعتقد سلفاً بمنظومة فكرية تسبق نظره للنصوص، أي أنها غير مستمدة من النصوص، ولأنه يحتاج إلى تدعيم هذه العقيدة المسبقة، أو تبريرها بالنصوص، فإنه يقرأ هذه النصوص لا بذهنية من يسعى لاستكشاف الآفاق التي تقود لها النصوص، وإنما بذهنية من همه اصطياد ما عسى أن تقدمه النصوص من براهين متأخرة على نتيجة مقرّرة سلفاً ! وحيث إنّه يجد النصوص شحيحة للغاية، بل غريبة وبعيدة كل البعد عن تحقيق مأربه، فإنه يعمل على شحذ خياله وبطريقة محمومة؛ ليقتنص كلمة هنا أو تشبيهاً هناك، فيعمل على تلبيسها المفهوم الذي يريد. وبالنتيجة يجد قارئ هذا العلم نفسه في سياحة غرائبية ينـزلق فيها من فكرة إلى فكرة، وليس ثمة ما يبرر هذا الانزلاق سوى الجهد الكبير الذي يحشد من خلاله اللاهوتي المسيحي المزيد من المجازات، والعبارات التي تنتقل بالوعي من محطة لأخرى عبر جسور خيالية. فعلم اللاهوت المسيحي بكلمة واحدة محاولة يائسة لتبرير عقيدة مجهولة المصدر، واللاهوتي المسيحي يشعر بلا عقلانية منطقه، ولذلك يلجأ دائماً لترهيب القارئ بأنّه إذا ما تصور اللاهوتي المسيحي بهلواناً يمارس ألاعيب عقلية طفولية، فإنه يكون قد فقد الإيمان ! والحق إنّ المعادلة الصعبة التي وضع علم اللاهوت المسيحي جمهوره بإزائها؛ فإمّا الإيمان بالعقيدة الغامضة المستعصية على الفهم، بل المناقضة للمنطق تماماً، وإمّا الفهم المنطقي السليم الذي يطيح بهذه العقيدة تماماً، هذه المعادلة الظالمة أنتجت إنساناً يملك قابلية عجيبة على ترديد الجمل الغامضة، واتهام من يحاول استيضاحه المعنى بعدم الإيمان، ومفارقة الروح القدس ! فالإيمان كما يعيشه الإنسان المسيحي ليس في حقيقته سوى حفظ الفرمانات المتعلقة بما يسمونه قانون الإيمان الكنيسي، وإلى جواره قلق لا يهدأ وجهاد محموم لتبديد صدى التساؤلات المنبثقة عن العقل والمنطق السليم. إنّ الإيمان المسيحي بكلمة أخرى ليس سوى المولود المشوه لسلطة قهر الإرادة، وإلجام الوعي. ومن هنا فليس غريباً أبداً أن يكون تأريخ الكنيسة مسلسلاً تتكرر فيه حلقات اتهام الآخر المغاير بالهرطقة. إنّ الهيكل الخاوي من الروح سرعان ما يتداعى ليغدو ركاماً تعصفه الرياح، وهذه هي حقيقة منظومة الأفكار التي تتمحور حولها المسيحية. فالمسيحية التي تشكلت نتيجة الفهم المنحرف، وحاولت الظهور بمظهر الهيكل المترشح عن النصوص، سرعان ما تنكشف خدعتها، ويتبيّن للفاحص زيف انتسابها لهذه النصوص، على الرغم من التدخلات التحريفية على نفس النصوص. وها نحن نشهد بأم أعيننا، ونحن نقرأ هذا الكتاب كيف يتهاوى صرح الأكذوبة الكبيرة تحت الضربات الدقيقة لمعول كاتبه، بل نشهد بفرح كبير كيف يقودنا قلمه الواثق لذلك البناء البهيج الذي أراد عيسى ع تشييد أركانه، وحاول القساوسة إخفاءه خلف ضباب التأويلات المنحرفة. فالمسيحية بعد طرد التأويلات والأفكار المنحرفة عنها ستظهر بثوبها النقي الأبيض الذي يعلن عن انتمائها لحركة الدين الإلهي التي أراد فقهاء السوء فصل المسيحية عنها. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق أخي مؤلف الكتاب ويسدده، وإن شاء الله يكون هذا الكتاب الموفق بإذن الله باكورة أعمال أخرى. والحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً. د. عبد الرزاق الديراوي -مقدمة هذا الكتاب أُريد له أن يكون استدلالاً نصياً، بمعنى أنّ الكتاب المقدّس يفسّر بعضه البعض الآخر دون اللجوء إلى تفسيرات وتأويلات خارجية لا تمت بصلة إلى هذه النصوص الواضحة التي لا تحتاج من القارئ الفطن العناء لفهمها. وهو لم يتطرّق إلى كل المواضيع التي تثار حول العقيدة النصرانية، بل حاول أن يبحث أهم المرتكزات التي تركتز عليها عقيدتهم، والأهم من ذلك تبيان العقيدة الحقة من الكتاب المقدس بظهور المعزّي أحمد ع بأدلة ثابتة تحتاج من القارئ الإنصاف عند مطالعتها والتدقيق فيها، وتحتاج منه أيضاً نبذ الأفكار والإيمان المسبق عند مطالعته لتلك النصوص. وأكاد أقسم جازماً أنّ من يتحلّى ببعض الإنصاف سيكون هذا البحث البسيط الاستدلالي ضالته المنشودة لمعرفة الحق الذي بشّر به جميع الأنبياء والمرسلين، سائلاً الله سبحانه أن يأخذ بيدي وبأيدي هؤلاء الذين همّهم معرفة الحقيقة دون التعصب الأعمى لطائفة ما أو ديانة ما والله من وراء القصد. -تمهيد -البشرى بالمخلص المرسل في آخر الزمان: هل بشّر الأنبياء برسول مخلِّص (معزي) يأتي في آخر الزمان، وذكرته النصوص القرآنية ونصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وهل هو بشر رسول أم روح محض (الروح القدس) ؟ قبل أن أخوض في ماهية المعزّي لابد من التفاتة مهمة يجب التركيز عليها، وهي: هل هناك دستور ومنهج وضعه الخالق كما هي الدساتيير الوضعية التي تعمل بها جميع بلدان العالم، ولا يظن الإخوة هنا بأنني أتحدث عن شريعة وناموس يسير أعمال العباد؛ لأنها متغيرة ومستحدثة لكل زمان ومكان، وإن كانت هناك أمور لم ولن تتغير بتغير الزمان والمكان، بل ما قصدته دستور لتنصيب قائد يقود الأمة بالعدل والإنصاف والرحمة، وهو الذي يبين لنا تلك الشريعة (الناموس)، فإن جاز لهؤلاء الخلق أن يضعوا لهم منهجاً ودستوراً وقانوناً لكيفية تنصيب هذا القائد أو الحاكم وإن أهملوه وصفوا بالسفه ومجانبة الحكمة، فكان حرياً وأولى أن نفتش عن دستور الله ومنهجه وقانونه الذي وضعه لنا، وهذا ما هو مؤكد وواضح للعيان بأنّ هذه الدساتير الوضعية والتي من خلالها يتم تنصيب الملوك ورؤساء الدول والحكام والتي من خلالها يذهب الناس للانتخابات (الشورى) ويختاروا الحاكم، وما أن تمر الأيام حتى يتبين سوء حساباتهم وسوء اختيارهم، وقد جلس أُناس طغاة وقتلة وظلمة وسراق على كرسي الحكم. من هنا وجب علينا أن نبحث عن هذا المنهج والدستور الذي ما أن تمسكنا به لن نضل أبداً، وهو واضح في التوراة والإنجيل والقرآن؛ وهو قانون معرفة حجج الله وخلفائه في أرضه الذين عهد إليهم أن يجلسون على كرسي الحكم، وإن سلبه منهم الطغاة فهذا لا يعني بأنه ليس حقهم، فقد عهد إلى آدم وأبنائه البارّين الصادقيين، فكان هابيل هو البار الذي نازعه على ذلك قايين (قابيل) وقتله، ولكن الله جعلها في نسل ابن آدم الثاني، وهكذا عهد إلى اخنوخ (إدريس) ونوح وصولاً إلى إبراهيم أبي الأنبياء والمرسلين، فقد نص الله على أن يكون العهد بينه وبين نسل إبراهيم إلى الأبد، نقرأ في سفر التكوين الإصحاح السابع عشر: (وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً. لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك)، فاستلم من بعده إسحاق ويعقوب وصولاً إلى موسى ص، الذي عبر ببني إسرائيل البحر وكان حقاً حاكماً عليهم، وحكم بهذا الدستور الإلهي وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لا يسترها حجاب. ومن ثم عهد إلى يوشع بن نون وقد وضع السيف في أعدائه لإعلاء كلمة التوحيد ونشر العدل والإنصاف في ربوع الأرض، وهكذا وصولاً إلى داود وسليمان، وجاءت النبؤات حول جلوس المخلص على كرسي داود. وعندما جاء عيسى ع (المسيح) وكان استمراراً لهذا المنهج فقد نطق لسانه حقاً وصدقاً حيث قال: (ما جئت لانقض الناموس والأنبياء بل أكمل)، وهي شهادة حقة لم يلتفت إليها القوم، ولأنّ عيسى ع لم يجلس على كرسي داود احتاج القوم إلى أن يعللوا ذلك بالمجيء الثاني، ونحن بلا شك لا ننكر المجيء الثاني، واستكمالاً لهذا المنهج وبعد رفعه ع وحتى مجيئه الثاني لابد من قائد يقود هذه الأمة، فقد كان بطرس هو الوصي على هذه الأمة من بعد رفع عيسى ع، وقد تم ذكره بنص واضح جلي على أنه راعي هذه الأمة، نقرأ في إنجيل متى الإصحاح السادس عشر: (وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات). وأيضاً قال له ارعَ غنمي، نقرأ في إنجيل يوحنا الإصحاح الحادي والعشرين: (فبعدما تغدوا قال يسوع لسمعان بطرس يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء. قال نعم يا رب أنت تعلم أني أحبك. قال له ارعَ خرافي. قال له أيضاً ثانية يا سمعان بن يونا أتحبني. قال له نعم يا رب أنت تعلم أني أحبك. قال له ارعَ غنمي). وقال له أيضاً: (قال له ثالثة يا سمعان بن يونا أتحبني. فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة أتحبني فقال له يا رب أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أني أحبك. قال له يسوع ارعَ غنمي)، فكان هو الراعي والوصي على هذه الأمة من بعده، واستمرت الوصاية وصولاً إلى النبي محمد رسول الله ص، فاستمر المنهج الإلهي من بعده بإثنى عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، وكان أول المهديين المعزي أحمد ع هو من بشر به عيسى ع وذكره على أنه هو المخلص والمعزي في يوم الرب أو يوم القيامة الصغرى وهو المعزّي (روح الحق)، ولأن المنهج الإلهي ثابت ولا يتغير احتاج الإخوة المسيحيون لهذا الوسيط بين الله والناس والمنصب من قبله سبحانه، فدس الروح القدس في هذه المعادلة الصعبة لملئ الفراغ، فأصبح هو المعوض عن القائد والحاكم الذي يحتاجه الناس حتى حصول المجيء الثاني. ولابد أن يكون هذا الحاكم المنصب من قبل الله معصوماً من الخطأ، بحيث لا يخرجهم من الحق ولا يدخلهم في باطل، وحجج الله وخلفاؤه في أرضه معصومون. إنّ الله جل وعلا هو الخالق، وهو واضع الدستور والقوانيين (الشريعة والناموس) الذي ينظم كافة شؤون الخلق الدنيوية والأخروية، ولا ينكر هذا إلا من سفه عقله ولم يؤمن بالله (. وحيث إنه ( لا يباشر تطبيق أحكامه، وإنما هو ينفذها من خلال خليفة له في الأرض، فلابد إذن أن يكون هذا الخليفة مرآة صافية لا تعكس غير الحق والصواب، وإنّ عدم افتراض الصفاء والعصمة في خليفة الله في أرضه يستلزم بالضرورة أن يفترضوا أنّ الله تعالى يأمر بطاعة من يخطأ ويضل، ويأمر بالنتيجة بالخطأ والضلال، أو على الأقل يلزم منكر عصمة خليفة الله أن يفترض أنّ الله تعالى لا يحاسب على الضلال، وهذا لا يقول به مؤمن بالله (. بعد هذه المقدمة المهمة التي أطلب من الإخوة أن يلتفتوا إليها بإنصاف وحكمة ليتبين لهم الحق، وليتبين لهم لماذا نقول بأنّ المعزّي بشر وليس روحاً محضاً، فاحتياج الناس لهذا الوسيط مستمر ولم ينقطع، وهذا ما أكده بولس الرسول بقوله في - رسالته الأولى إلى تيموثاوس2: (لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ). فلم يذكر الروح القدس في هذا النص القطعي الدلالة الواجب قراءته بإنصاف. فأنبياء الله ورسله هم الأدلاء وهم الوسطاء بين الله والناس، فمن أنكرهم ولم يستدل بهم مصيره التيه، ولكننا نرى القوم اليوم يقولون بأنهم استغنوا عن هذا الدليل، وحالهم كما يصفه الدكتور عبد الرزاق الديراوي، فيقول: إنّ حالهم كحال شخص رفض مصاحبة دليل في الصحراء فتاه في مطاويها، ولكنه يملك لساناً طويلاً يهرف به قائلاً: ها أنا استغنيت عن الدليل ولا حاجة لي به !؟ بل نقول له: إنّ لسان حالك يصرخ بعكس ما يلهج به لسانك الطويل، فانتبه لنفسك. نعم، لكل زمان لابد من وسيط واحد يبين الحق من الباطل وعلى الناس اتباعه، وفي زمان يسوع هو الوحيد الواجب اتباعه، ولابد بعد رفعه ورحيله أن يقوم مقامه شخص أو وصي أو معزّي آخر، (وأنا أطلب من الاب فيعطيكم معزياً آخر) ([1])، أمّا أن تضعوا الروح القدس (روح محض) في هذا المكان وفي هذه المعادلة فهو مجانب للحكمة، فقد أنقضتم دستور الله ومنهجه، والروح القدس له وضيفة وهي الإلهام والتسديد، وقد مسح به الأنبياء والمرسلون كما مسح به المسيح ع. ونحن نقول لكم بأننا في آخر الزمان ويوم الرب قد اقترب ولابد من ممهد للمجيء الثاني وهو بشر رسول. يقول القس انطونيوس فكري وهو أحد المفسرين للكتاب المقدس بأنّ هناك ممهداً للسيد المسيح ع قبل المجيء الثاني ([2]). يقول: لاحظ أنّ الكتبة كان لهم معرفة نظرية بالكتاب ولكن دون روح، فيوحنا أتى كسابق وبروح إيليا في زهده وتقشفه وشهادته للحق أمام ملوك ولكنهم لم يعرفوه فعيونهم مغلقة. فإيليا قد جاء ليس بحسب الفكر الحرفي، ولكن هناك إعداد تم بواسطة المعمدان (يوحنا) للناس فقدموا توبة استعداداً لمجيء المسيح الأول، وسيأتي إيليا فعلاً قبل المجيء الثاني لإعداد الناس برد قلوب الآباء على الأبناء (ملاخي الاصحاح الرابع 6 قال لهم أن أيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء). ونحن نقول بأنّ إيليا المزمع أن يأتي- لأنّ يوم الرب قد اقترب -، هو أحمد الحسن ع وهو الممهد ورسول من المسيح ع. ملاخي الاصحاح الرابع 5: (هانذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف). فهل ستقولون بأنّ إيليا الرسول الذي يأتي قبل المسيح ع في المجيء الثاني أيضاً هو الروح القدس ؟؟؟ يقول المعزّي أحمد الحسن ع: الروح القدس هو روح الطهارة أو العصمة، فإذا أخلص العبد بنيته لله سبحانه وتعالى وأراد وجه الله أحبه الله ووكّل الله به ملكاً يدخله في كل خير ويخرجه من كل شر ويسلك به إلى مكارم الأخلاق، ويكون الروح القدس واسطة لنقل العلم للإنسان الموكّل به. وهذا ما هو مسطر في سفر أعمال الرسل الإصحاح العاشر: (38 يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ). قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([3]). وقال عيسى ع: (15 إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. 16 وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. 17 روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنّه لا يراه ولا يعرفه. وأمّا أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم) ([4]). قال المسيحيون: النص أعلاه قطعي على أنّ المعزّي هو الروح القدس؛ لأنّ العالم لا يراه ! نقول: لعل القائل أراد شيئاً غير الذي فهمتموه، كما ورد في سفر أعمال الرسل 8 :30: (وَسَمِعَهُ يَقْرَأُ النَّبِيَّ إِشَعْيَاءَ، فَقَالَ: «أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟»). وقال عيسى ع: فتشوا الكتب (فتشوا الكتب لأنكم تظنون أنّ لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي) ([5]). فلنتبع أقوال عيسى ع ونعمل بها، ففي متى الإصحاح السابع يخبرنا عيسى ع كيف نفتش الكتب: (24 فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها اشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. 25 فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط. لأنه كان مؤسساً على الصخر. 26 وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. 27 فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط. وكان سقوطه عظيماً). إذن لم يقل المسيح ع فتّشوا أقوال العلماء والتفاسير. فالتفاسير ليست بوحي. التفاسير تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ، ولا نقول نتجاهلها، إن كانت تحمل الصدق ومدعومة بالأدلة والبراهين التي تُثبت مصداقيتها ... ولكن عيسى ع وضع الحل الأمثل ليتّضح الحق من الباطل والصدق من الكذب بقوله: فتشوا الكتب فهي التي تشهد لي. وبذلك تستطيع أن تكتشف الحق من بين طيّات النصوص، بل تكاد النصوص أن تأخذ بيدك دون عناء إلى الحق، ولم يترکنا حيث قال: (فتشوا الکتب)، فنتساءل أين هي هذه الكتب ؟؟؟ إذن عيسى ع يشير إلى أمر مهم: كل من يسمع أقوالي ويعمل بها أشبه برجل عاقل بنى بيته على صخر وجاءت الأمطار والأنهار وهبّت الريح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط. إذن الحل أنّ نتتبع أقوال عيسى ع ولا نتتبع أقوال المفسّرين فيضلونا عن الصراط المستقيم. وقال عيسى ع: باطلاً يعبدونني: (فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم. 7 يا مراؤون حسناً تنبأ عنكم اشعياء قائلاً. 8 يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأمّا قلبه فمبتعد عني بعيداً. 9 وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس) ([6]). وقال عيسى ع: (22 كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. 23 فحينئذٍ أصرّح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم) ([7]). حرّف علماء اليهود التفاسير لتخفى الحقائق والبشارات بعيسى ع رغم وجودها فيه، کما حرّف علماء النصارى التفاسير لتخفى الحقائق والبشارات الخاصة بالمعزّي المنتظر أو المسيح المنتظر الخاصة بالمعزّي أحمد ع، فتوجد في أسفار العهد القديم بشارات ونبؤات دالة على المسيح المنتظر والتي يقول النصارى عنها بأنها تخص عيسى ع، وقد حُرّفت من قبل علماء اليهود وتم إخفاء الحقائق بل على العكس تم تبديلها واتهام عيسى ع بأبشع التهم التي يندى لها جبين التاريخ، فاتهموه وأمّه العذراء ص بما ليس فيهما. ورغم ذلك أيّها النصارى سكتّم عن أقوالهم، بل وضعتم أيديكم بأيدهم فقط لتسيؤوا لشخص الرسول ص الذي مجَّد وقدَّس عيسى ع وأمّه الطاهرة ص. يقول النصارى: لابد لكم من الرجوع لقولنا؛ لأننا أصحاب هذا الكتاب المقدّس ولا يمكنكم تفسيره تفسيرات إسلامية. نقول: هذا الكتاب المقدّس الذي تؤمنون به مقسّم إلى جزئين؛ العهد القديم، والعهد الجديد، وزعمكم أنّ علينا أخذ تفسيره منكم باطل، وإلا كان علينا أن نرجع للأصل الذي تعتمدون عليه فيما يخص البشارات عن شخص المسيح ع وهو العهد القديم، والذي ينكر أصحابه - وهم اليهود - تفسير علمائكم له. وبحسب قولكم يجب الرجوع إليهم؛ لأنهم أيضاً يقولون قولكم فهم أعرف به منكم. فاستدلالكم هذا مردود عليكم، بل المفروض أن تعرف الحق لتعرف أهله وليس العكس، والنصوص هي الحكم بيننا وبينكم وليس التفاسير، فأقوال عيسى ع هي الحاكم، فقوله الفصل وقوله الحق، فعلينا تتبع أقواله والتسليم لما يقول وليس غيره، وهذا ما أوصانا به، فهل نتبع وصيته أم نقلد كالعميان دون فهم أو تدقيق ؟! قال المعزّي أحمد ع: (أيها الناس، لا يخدعكم فقهاء الضلال وأعوانهم، اقرأوا، ابحثوا، دققوا، تعلموا، واعرفوا الحقيقة بأنفسكم، لا تتكلوا على أحد ليقرّر لكم آخرتكم فتندموا غداً حيث لا ينفعكم الندم ﴿قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ ([8])) ([9]). ونحن الآن نبحث وندقق ونصل إلى نتيجة من خلال تفتيشنا في الكتب؛ لنحصل على شهادة نصية واضحة بحقيقة المعزّي. ومن هنا ندعو جميع عقلاء النصارى إلى محاولة قراءة الكتاب المقدس بكثير من التجرّد والعقلانية، مع التحرّر من القراءات والقناعات المسبقة، والأحكام الجاهزة، والتأمل في تلك النصوص التي سنوردها ومحاولة فهمها، فعندها ستجدون أن دلالتها على المعزّي أحمد ع جلية كالشمس في رابعة النهار. * * * -مصطلحات يجب معرفتها: 1- النصارى: بعض الأمور الواجب بيانها قبل الدخول في تفاصيل البحث، منها على سبيل المثال لا الحصر: قالوا: لا توجد كلمة النصارى إلا في أدبيات المسلمين وفي قرآنهم ولا أصل لها في الكتاب المقدّس أو أقوال الآباء القدامى. نقول: إنّ غاية النصارى إثبات عكس ما ثبت في القرآن الكريم، ولکن القرآن ذكر حقائق لا مفرّ منها. فمن ضمن ما ذكره القرآن الكريم هي كلمة (نصارى) ([10]) التي تشير إلى المسيحيين (النصارى)، وهي حقاً حقيقة تأريخية أقرّها الكتاب المقدّس وكتبهم وكنائسهم، وسنثبت ذلك باختصار غير مخل بالبحث. لقد أطلق على المسيحيين في قرونهم الأولى كلمة نصارى، وهي ليست مسبّة أو انتقاصاً من قدر المسيحين كما يدَّعي البعض، بل كان لقبهم وكانوا يسمّون أنفسهم نصارى. ومما يثبت كلامي هذا هو تحريف ترجمة كلمة نصارى لتدعيم فكر كنسي. لنقرأ هذه النصوص من الكتاب المقدّس: - (الفانديك) (أعمال الرسل) 24/ 5 ... فإننا إذ وجدنا هذا الرجل مفسداً ومهيج فتنة بين جميع اليهود الذين في المسكونة ومقدام شيعة الناصريين). والنص في باقي الترجمات نصارى لا ناصريين: - (الكاثوليكية) (أعمال الرسل) 24/ 5 ... وجدنا هذا الرجل آفة من الآفات، يثير الفتن بين اليهود كافة في العالم أجمع، وأحد أئمة شيعة النصارى). - (العربية المشتركة) (أعمال الرسل) 24/ 5 ... وجدنا هذا الرجل مفسداً يثير الفتن بين اليهود في العالم كله، وزعيماً على شيعة النصارى). - (الأخبار السارة) (أعمال الرسل) 24/ 5)... وجدنا هذا الرجل مفسداً يثير الفتن بين اليهود في العالم كله، وزعيماً على شيعة النصارى). فهل النص اليوناني نصارى أم مسيحيين أم ناصريين ؟ 24:5ευροντες γαρ τον ανδρα τουτον λοιμον και κινουντα στασιν πασιν τοις ιουδαιοις τοις κατα την οικουμενην πρωτοστατην τε της των ναζωραιων αιρεσεως كلمة: ναζωραιων = نصارى. ويمکن الرجوع إلى النص في المخطوطة السينائية (القرن الرابع) للتأکد من ذلك. ويؤكد ذلك القمص تادرس يعقوب ملطي عندما يقول: (كلمة ناصرة، منها اشتقت نصارى لقب المسيحين وهي بالعبرية natzar) ([11]). وهناك ترنيمات في الموقع الرسمي الارثذوكسي المعترض الأول على كلمة النصارى ستجدهم يترنمون بهذه الكلمة ([12]). 2- عيسى ع: قالوا: لا يوجد اسم عيسى إلا في أدبياتكم وإن اسمه يسوع. نقول: من المعروف أنّ هناك اختلافاً بين المسلمين والنصارى حول اسم المسيح، فعند المسلمين هو المسيح عيسى ابن مريم ع؛ لقول الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾([13]). وعند النصارى هو يسوع المسيح (فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ) ([14]). والنصارى دائماً ما يأخذون على القرآن تسميته للمسيح بعيسى معتبرين أنّ ما جاء في الإنجيل هو الصحيح؛ لأنّ من كتبوه هم تلاميذ المسيح وحواريوه الذين رأوه وجهاً لوجه وعاشوا معه وأخذوا عنه. فكيف يأتي القرآن بعد 500 عام ليقول: لا بل هو عيسى، فهل محمد ص يعرف اسم المسيح أكثر من تلاميذه ؟ أولاً: فيما يتعلق بالارمية أقول: إنّ المسيح كان يتحدّث اللغة الأرامية، واللغة الأرامية تشبه إلى حدّ كبير اللغة العربية في كثير من ألفاظها مع وجود بعض الاختلافات في نطق هذه الألفاظ، فمثلاً: حرف (س) في اللغة العربية ينطق (ش) في اللغة الأرامية مثل كلمة (ماشيح) أي: مسيح. ويجب التنويه على أن اسم عيسى كان اسماً معروفاً شائعاً بين اليهود، ولقد ذكر أكثر من مرّة في سفر التكوين (عيسو)، فعيسو عند الأراميين والعبرانيين هو عيسى في لهجة العرب. لنرى ما هو اسم المسيح الذي كان معروفاً بالأرامية ؟ لمعرفة ذلك أحيلك إلى هذا الموقع لتعليم بعض الألفاظ المسيحية في اللغة الأرامية: http://www.learnassyrian.com/aramaic/chعrch/chعrch.html وستجد أنّ ثاني لفظ هو اسم المسيح باللغة الانجليزية (jesعs)، وأمامها النطق المقابل لها فى اللغة الأرامية (eesho). نلاحظ إنّ حرف (e) الأول بديل لحرف العين الغير موجود في الانجليزية، وعلى هذا يكون النطق هو (عيشو). وإذا أردت إثباتاً على ذلك فانظر في نفس الموقع عن معنى (Christmas الكريسماس) ستجد إن المقابل الأرامي له هو (eedaa soorraa) أي (عيداً سوراً)، لاحظ لفظة (عيد) التي تطابق اللفظ العربي. وكما أسلفنا سابقاً أنّ الحرف (سين) في اللغة الأرامية يساوي (شين)، إذن فالنطق هو (عيسو) الذي هو (عيسى) في العربية. ولو كان الاسم الحقيقي للمسيح هو يسوع لكان المقابل الأرامي له هو (يشوع)، ولكن اللفظ الأرامي هو (عيشو) أي (عيسو). وإذا أردت المزيد يمكنك مراجعة الموقع الرسمي لتعلم اللغة كتابة ونطقاً: http://www.learnassyrian.com/aramaic/ ثانياً: فيما يتعلق باللغة اليونانية يجب معرفة أنّ أسماء الأعلام في اللغة اليونانية يضاف إليها دائماً (س) للدلالة على كونه اسم علم، مثال ذلك (هرقل: هرقليس)، (اخيل: اخيلوس)، ( اوديس: اوديسيوس)، ( هومير: هوميروس)... الخ. ويجب أيضاً معرفة أنّ اللغة اليونانية ليس فيها حرف العين، بل يستعاض عنه بالحرف جيم في كثير من الأحيان. والآن بعد أن عرفت هذا لننظر إلى الاسم الذي يفخر به النصارى في كل أنحاء العالم للمسيح ألا وهو (جيسوس). ومن المعروف أنّ هذا اللفظ يوناني الأصل. في ضوء ما تقدّم نعلم أنّ حرف (عين) ينطق جيماً في اليونانية فيصبح لدينا (عيسوس)، والآن بحذف السين؛ لأنها حرف إلحاقي كما تقدّم، فتكون النتيجة (عيسو) التي هي (عيسى) في لغة العرب. ولو كان الاسم الحقيقي للمسيح هو يسوع لكان المقابل اليوناني لها هو (يسوجوس)، ولكن اللفظ اليوناني هو (جيسوس) أي (عيسو). والذي حدث من المترجم أنّه غير الحرف الأول في (عيسو) وجعله آخر حرف، ليصبح الاسم (يسوع). وهذا ليس من الأمانة العلمية. وهناك الكثير من الكلمات التي حُرّفت عن معناها الحقيقي لا لشيء سوى لإبعاد الناس عمّا نطق به القرآن الكريم من حقائق؛ ليوهموا الناس بأنّ هذا الكتاب لا ينطق بالحق ! وأنّى لهم ذلك فالحق شمس في رابعة النهار ولا يسترها غربال. * * * -الفصل الأول: هل المعزّي بشر أم روح فقط ؟ البشارة بالمخلّص، ومن هو، وما تكون ماهيته، هل هو روح أم له صفة بشرية، وإذا كانت له صفة بشرية هل هو من نسل إبراهيم من جهة إسحاق، أم من جهة إسماعيل، أم إنّه من كليهما؛ بمعنى أن تكون الأم من نسل إسحاق ويعقوب وداود من جهة، والأب من نسل إسماعيل ومحمد ص من جهة أخرى ؟ وهذا ما سيتبين لنا من خلال البحث. فقد كان لب رسالة عيسى ع هو البشارة بملكوت الله أو ملكوت السموات، وهو دين الله الحق المتمثل بحجة الله القائم من نسل يسّى المخلَّص الذي يملأها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، والتي بشّر بها جميع الأنبياء والمرسلين ووعدوا شيعتهم بأنها ستكون في آخر الزمان، وقد تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل حتى اقترب موعدها ببشارة المسيح ع، لذلك ابتدأ عيسى ع بقوله: (إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ الْمُدُنَ الأُخَرَ أَيْضاً بِمَلَكُوتِ اللهِ لأَنِّي لِهَذَا قَدْ أُرْسِلْتُ) ([15]). كما أوصى يسوع تلاميذه قائلاً: (7 وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ) ([16]). وأمرهم أن يرددوا في صلواتهم قائلين: («فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ.10لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ) ([17]). وبعد ما ضرب الأمثال العديدة لملكوت الله في موعظة الجبل، وهو لب دعوته، وسبب مجيئه، قال لهم الخلاصة مرّة أخرى: (43 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44 وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ»)([18]). فلمن سيُعطى ملكوت السماوات، ومن هو المعزّي القادم الذي تنتظره الأمم ؟ قالوا: إنّ عيسى ع وصف الآتي بعده بأنّه روح، فقال: (روح الحق) ([19]). نقول: إنّ ثقافة النصارى في القرون الأولى قبل الإسلام كانت تشير بأنّ المعزّي هو صفة بشرية، وهو رسول ومخلِّص ينتظره العالم، وقد تشبّه بهذه الصفة الكثيرون، وسنذكر بعضاً منهم على سبيل المثال لا الحصر في آخر ذكر أوصاف المعزّي إن شاء الله. والآن إذا حصرنا الأوصاف التي وصف بها المسيح شخصية المعزّي وماهيتها نخرج بنتيجة مهمة، وكما يلي: الوصف الأول: قالوا: إنّ المعزّي الروح القدس قد جاء بعد عيسى ع وحلَّ على التلاميذ في اليوم الخمسين بعد رفع عيسى ع. نقول: إنّه يأتي بعد عيسى ع لا قبله، حيث قال ع: (لكني أقول لكم الحق، إنّه خير لكم أن أنطلق لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي) ([20]). من صفات الآتي أنه يجيء بعد ذهاب المسيح من الدنيا، فالمسيح وذلك الرسول المعزي لا يجتمعان في الدنيا، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن المعزى لا يمكن أن يكون الروح القدس الذي أيد المسيح طيلة حياته، بينما المعزي لا يأتي الدنيا والمسيح فيها "إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي". ولا يخفى أنّ الروح القدس كان موجوداً في حياة المسيح بل قبل المسيح، ففي إنجيل لوقا إصحاح: 1 عدد 35: (35 فَأَجَابَ الْمَلاَكُ - مريم ص وقد سألته كيف تحبل من غير زوج - وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ). فكيف سيرسل المسيح الروح القدس إذن إذا كان موجوداً من قبل ؟ فإن قيل: إنّه سيرسله إرسالاً خاصّاً للتعزّية بعد رفعه إلى السماء. نقول: إنّ تعزية الروح القدس للمؤمنين كانت قبل رفع المسيح أيضاً، فأي فائدة في أن يرسل المسيح الروح القدس للتعزّية بعد ذلك ؟ ففي إنجيل لوقا إصحاح 2 عدد 25: (وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان، وهذا الرجل كان باراً تقياً، ينتظر تعزية اسرائيل، والروح القدس كان عليه). فإذا تبيّن مجيء الروح القدس قبل المسيح، فلا يصح أن يقال إنّ المعزّي هو الروح القدس، الأقنوم الثالث بحسب زعمهم. ونحن نطالبكم بنص على لسان التلاميذ يقول بأن حلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين هو نفسه المعزي الذي بشر به المسيح ع. علماً بأن عيسى ع عندما قال لهم لا تغادروا أورشليم وعدهم بأنهم سيتعمدون بالروح القدس، فكلامه بخصوص التعميد وليس له صلة بمجيء المعزي الذي بشرهم به. ولنقرأ النص الخاص بطلبه من التلاميذ عدم مغادرة أورشليم: (4 وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، 5 لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِير. 6 أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَارَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ ؟ 7 فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ، 8 لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ) ([21]). الآن المحكم هو أن الروح القدس في النص المذكور هو (وصف) وليس اسماً جامداً لشخص؛ لأنه قال المعزي (الروح القدس) وكلمة المعزي أيضاً صفة وقد اتصف بها إنسان وهو عيسى ع، وقوله: (معزي آخر) لابد أن يكون إنساناً آخر، وصرفه إلى روح محض يحتاج إلى دليل، فلو كان يقصد ما تقصدون لكان الأولى أن يقول: (أرسل لكم الروح القدس المعزي). وقد حصل التلاميذ على الروح القدس قبل اليوم الخمسين وهذا يطيح كلياً بما ذهبتم إليه بأنه لم يحل الروح القدس على التلاميذ إلا في اليوم الخمسين، وإليكم النص: وأعطاه المسيح للتلاميذ قبل ذهابه حين قال لهم: (ولما قال هذا نفخ، وقال لهم: اقبلوا الروح القدس) ([22])، وحسب الرهبانية اليسوعية: (ونفخ فيهم، وقال: خذوا الروح القدس). وهكذا فالروح القدس موجود مع المسيح وقبله، وقد أعطي للتلاميذ، وأما المعزي أو الروح القدس القادم، فهو (إن لم أنطلق لا يأتيكم)، فهو ليس الروح القدس الذي يتحدث عنه المسيحيون. وأيضاً الروح القدس الإله مساوٍ للأب والابن في اللاهوت، فإذا صعد عيسى ع ونزل الروح القدس يلزم أن يكون الروح القدس هو عيسى ع؛ للاتحاد في اللاهوت، وبناءً عليه لا ينصرف لفظ (آخر) إلى الروح القدس، بل ينصرف إلى بشر رسول؛ لأنه شخص آخر غير عيسى ع في قول المسيح: (أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر). وقد كان مزمعاً أن يغادرهم فقد وعدهم بمن سيقوم بنفس المهمة وهو آخر ليعلمهم ويحميهم وهو لا ينطبق على الروح القدس. وكلمة (آخر) ذكرت في الأناجيل على أكثر من نحو، منها: 1- إنجيل لوقا: (7 : 19 - 20 أنت هو الآتي أم ننتظر آخر)، أي: هل أنت المنتظر الموعود به يعني المسيح أم ليس أنت هو فننتظر شخصاً آخر يكون هو المسيح الموعود ؟ 2- إنجيل يوحنا: (5 : 43 إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه)، أي: اسمه يدل على صفته حيث إنّ الاسم أحمد مصدر من الحمد. 3- إنجيل يوحنا: (14 : 16) (فيعطيكم معزياً آخر). 4- رسالة كورنثوس الثانية (11 : 4) (الآتي يكرّز بيسوع آخر). إنّ كلمة: (آخر) تدل على أنّ هناك شخص من نفس النوع، أي: إنّ هناك معزّياً أول وهو عيسى ع، فمن هو المعزّي الآخر الذي يشبهه ؟؟؟ الوصف الثاني: قالوا: المعزّي يعلمكم كل شيء. نقول: إنّ الوصف الذي يمكن أن يوصف به الروح القدس هو أنه روح مُلهم ومُسدّد، وسيأتي تفصيل بماهية الروح القدس في الفصل الثاني إن شاء الله. الوصف الثالث: قالوا: يُذكر بما قاله عيسى ع، حيث قال في وصف المعزّي: (ويذكركم بكل ما قلته لكم). نقول: هذه أيضاً تحتاج لمتكلم يذكر السامعين بأقوال وأفعال عيسى ع، والروح القدس لم يذكّر التلاميذ، ولا من بعدهم من الأمة المسيحية، بكل ولا ببعض ما قاله المسيح، ولم يحفظ عنه شيئاً من ذلك، بل كما قلنا بأنه مُسدّد ومُلهم المؤمنين الذين أخلصوا لله سبحانه. الوصف الرابع: قالوا: المُرسل أفضل من الرسول، والمُرسل الله وحده، فكيف تقولون بأنّ عيسى ع أرسله ؟ نقول: وُصف المعزّي في المرّة الأولى بأنّه (رسول الله) في قول المسيح: (أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر). ووصف مرّة ثانية بأنّه رسول المسيح، في قوله: (ولكن إن ذهبت أرسله إليكم). ووصف مرّة ثالثة بأنّه رسول الله باسم المسيح، وذلك في قوله: (وأمّا المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي). ونحن أمام هذه الأوصاف الثلاثة؛ إمّا أن نقول إنّ اختلاف الأوصاف يدل على اضطراب في النقل، فيسقط الاستدلال بها جميعاً، وإمّا أن نحاول الجمع بين هذه الأوصاف الثلاثة. إنّ وصف المعزّي بكونه رسول الله لا إشكال فيه، أمّا وصفه بأنّه رسول المسيح فعلى اعتبار أنّ المسيح بشّر به وطلب من الله (الآب) إرساله، ووصفه بأنّه: (رسول باسم المسيح)، فعلى اعتبار أنّه سيبين دينه، وينفي عنه شوائب الشرك والبدع، فكأنه جاء باسمه لتخليص رسالته مما لحق بها. والآن بعد هذا التوضيح سنرد على هذا الإشكال بثلاثة أمور: أولاً: هذا النقض يعود عليكم بالدرجة الأولى، فأنتم تقولون بأنّ الروح القدس هو مساوٍ لعيسى ع، والنص يقول بأنّ عيسى ع سوف يرسله، فهل تقولون بفكرة التدني للروح القدس - وبأنه مخلوق - التي اعتقد بها الكثير من آباء الكنيسة القدامى حتى جاء من وضع عقيدة الروح القدس اللاهوت التي لا أساس لها من الكتاب المقدس. ثانياً: لا يوجد مانع من أن يرسل الرسول رسلاً، فهو حجة الله على خلقه وهو ممثل الله وله صلاحية الإرسال، فقد أُعطي سلطاناً لإحياء الموتى وشفاء المرضى وأيضاً إرسال الرسل. واليكم نص قاطع بأن الرسول يمكن أن يرسل رسلاً: (فَأَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلاً لأَخْذِ دَاوُدَ. وَلَمَّا رَأَوْا جَمَاعَةَ الأَنْبِيَاءِ يَتَنَبَّأُونَ، وَصَمُوئِيلَ وَاقِفًا رَئِيسًا عَلَيْهِمْ، كَانَ رُوحُ اللهِ عَلَى رُسُلِ شَاوُلَ فَتَنَبَّأُوا هُمْ أَيْضًا) ([23]). ثالثاً: يجب التركيز على مسألة مهمة، وهي أنّ عيسى ع طلب من الآب أن يرسله فينتفي قولهم بأنّ عيسى ع أفضل من الرسول؛ لأنّ المُرسِل الحقيقي هو الله، كما تجد ذلك في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾([24]). وأيضاً: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ﴾([25]). و ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾([26])، فالمتوفي الحقيقي هو الله ولكن خوّل من هم دونه للقيام بالأمر ([27]). ونحو هذا الصنيع وقع في سفر الملوك، فقد نسب النبي إيليا إلى نفسه العقوبة الإلهية التي سيعاقب بها الربُ الملكَ اخآب، "قال اخآب لايليا: هل وجدتني يا عدوي ؟". فقال: (قد وجدتك، لأنك قد بعتَ نفسك لعمل الشر في عيني الرب، هانذا أجلب عليك شراً، وأبيد نسلك، وأقطع لاخآب كل بائل بحائط ومحجوز ومطلق في إسرائيل). فقد نسب النبي إيليا إلى نفسه ما هو في الحقيقة صنيع الله وعقوبته لكونه المنفذ عن الله لهذه العقوبة. الوصف الخامس: قالوا: إنّه منبثق عن الله، وذلك في قول المسيح: (روح الحق الذي من عند الآب ينبثق). نقول: الانبثاق يأتي متأخراً ولو بآنٍ. وأيضاً الانبثاق لا يمكن تفسيره بمفرده بل بنظائره التي وردت في نفس السياق؛ وهو الإرسال حيث عُبّر في بعض النصوص بالإرسال، واختلاف هذه الألفاظ لا يدل على اختلاف معناها بل على ترادفها، فيكون معنى الانبثاق والإرسال واحداً، جمعاً بين النصوص، وبالتالي يصح ويصدق هذا الوصف على أنّ المعزّي مرسل من عند الله سبحانه. الوصف السادس: قالوا: إنّه يخبر بأمور مستقبلة (ويخبركم بأمور آتية). نقول: إنّه لم يحفظ للروح القدس أنّه أخبر بأمور مستقبلية، كذلك الإخبار يحتاج إلى لسان بشري ناطق يصدح بتلك الأمور الآتية. ومن يروم معرفة الأمور الغيبية التي تنبأ بها المعزّي أحمد ع، يرجع إلى كتاب كرامات وغيبيات ففيه يجد ضالته. الوصف السابع: قالوا: إنّ التلاميذ يعرفونه، وذلك في قول المسيح: (وأمّا أنتم فتعرفونه). نقول: ليس المقصود بها الرؤية البصرية والمعرفة الحسية، بل المعرفة الإيمانية. والأحرى به أن يقول (وأما أنتم فترونه وتعرفونه)، ولما كان قد حذف الرؤية دل على أن المقصود بالرؤية المعرفة الحقيقية، لا الرؤيا البصرية، وهنا معناه "أن المعزي إذا جاء لن يعرفه أهل العالم معرفة حقيقية، بينما يعرفه التلاميذ معرفة حقيقية؛ لأن عندهم خبراً عنه". فالإيمان الحقيقي ليس بالرؤية العينية بل بالإيمان القلبي وإن لم تحصل الرؤية، وهذا ما أكده عيسى ع: (لأنك رأيتني يا توما آمنت ؟ طوبى للذين آمنوا ولم يروا) ([28]). ويقول يوحنا الذهبي الفم: (إنه ويقصد (عيسى ع) يود في كل موضع أن يضع الرؤية موضع المعرفة، كما يقول: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" مت 5: 8. يعني بالأنقياء الذين تحرروا ليس من الزنا وحده، بل ومن كل الخطايا، لأن كل خطية تجلب دنساً للنفس) ([29]). يعلق أغسطينوس عن مسالة المعرفة: (ماذا يقول المسيح ؟ "أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس ؟" لم يقل له: "ولم تراني "بل قال": ولم تعرفني") ([30]). ومثله مجيء إيليا بمصداق يوحنا فلم يعرفه الناس لان عيونهم مغلقة: (يقول انطونيوس فكري وهو احد المفسرين للكتاب المقدس بأن هناك ممهداً للسيد المسيح ع قبل المجيء الثاني) ([31]). يقول: لاحظ أن الكتبة كان لهم معرفة نظرية بالكتاب ولكن دون روح، فيوحنا أتى كسابق وبروح إيليا في زهده وتقشفه وشهادته للحق أمام ملوك ولكنهم لم يعرفوه فعيونهم مغلقة. فإيليا قد جاء ليس بحسب الفكر الحرفي، ولكن هناك إعداد تم بواسطة المعمدان (يوحنا) للناس فقدموا توبة استعداداً لمجيء المسيح الأول، وسيأتي إيليا فعلاً قبل المجيء الثاني لإعداد الناس برد قلوب الآباء على الأبناء (ملا 6:4) قال لهم أن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء. إذن إيليا جاء بشخص يوحنا في المجيء الأول للسيد المسيح ع ولم يعرفوه فعيونهم مغلقة، فمن هو إيليا المزمع أن يأتي في المجيء الثاني ؟ جاء في ملاخي الإصحاح الرابع - 5: (هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ). ونحن نقول بأن إيليا المزمع أن يأتي - لأن يوم الرب قد اقترب - هو أحمد الحسن ع وهو الممهد ورسول من المسيح ع. وقالوا: إنّه لا يفارق التلاميذ بل يكون معهم وفيهم، (لأنّه ماكث معكم ويكون فيكم). وقد اعتمد النصارى على هذا الوصف في نفي أن يكون المراد بالمعزّي بشراً أو أن يكون محمداً ص أو غيره. إنّ التلاميذ ماتوا قبل المعزّي البشر الذي تشيرون إليه بقرون فكيف يصح أن يقال: إنّه فيكم ومعكم ؟ رغم أننا لنا تفسير آخر لمعنى ماکث فيکم، وتعرفونه، سيأتي في الفصل الثالث حول شخصية الشبيه وأحد الحواريين الثالث عشر الذي سيأتي ذكره لاحقاً ([32]). نحن لا نفسر برأينا فمن فسر برأيه هلك، بل نجعل النصوص هي المتكلم والمفسر والمعبر الحققي لأي مفهوم. نقول: إن أردتم التفسير الحرفي فإن التلاميذ فقط هم الذين سمعوا القول وكانوا موجودين فلا يتعدى الأمر بالمعرفة لغيرهم. فقد جاء في متى في خطاب رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع: (أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء) ([33])، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء. ولكن هل هناك نصوص تشير إلى نفس المفهوم ؟ لنطلع بتمعن: جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح الرابع عشر 20: (في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأنا فيكم). وأيضاً جاء مثله في إنجيل يوحنا الإصحاح الخامس عشر 4: (اثبتوا فيّ وأنا فيكم.كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فيّ). جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح الخامس عشر 11: (كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ). ونقول: الآن بعد تبيان مسألة الشبيه التي أوضحها المعزّي أحمد ع بانت لنا الآية التي تذكر بأنّه هو الذي مكث معهم وفيهم، وسيأتي بيانه في الفصل الثالث من هذا الكتاب. وسنورد الآن سؤالاً وجه للمعزّي أحمد ع حول وجود الشبيه الذي صُلب بدل عيسى ع: (السؤال: لماذا الحوارين لم يقولوا حقيقة فدائكم لنبي الله عيسى ع للناس بعد أن حدث الصلب والموت ؟ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. وفقك الله لكل خير الشبيه لم يكن مكشوفاً للحواريين ليعرفوه ويعرفوا تفاصيل الحدث قبل أن يقع، بل وحتى عندما حضر لم يكن الجميع يرونه بل فقط عيسى ع، ومن ثم شاء الله أن يراه الجميع بعد أن رُفع عيسى ع، ولكن ليس فقط يرونه بل ويرونه على أنّه عيسى ع ليتم الأمر كما أراده الله سبحانه وتعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته). وفي هذا الجواب الشافي أوضح المعزّي السيد أحمد الحسن مسألة مهمة لم يفهمها التلاميذ، وهي قول يسوع: (بعد قليل لا تبصرونني. ثم بعد قليل أيضاً ترونني) ([34]). وإليكم تمام قوله: (12 إنّ لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. 13 وأمّا متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. 14 ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. 15 كل ما للأب هو لي. لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم 16 بعد قليل لا تبصرونني. ثم بعد قليل أيضاً ترونني لأني ذاهب إلى الأب. 17 فقال قوم من تلاميذه بعضهم لبعض ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني ولأني ذاهب إلى الأب. 18 فقالوا ما هو هذا القليل الذي يقول عنه. لسنا نعلم بماذا يتكلم. 19 فعلم يسوع إنهم كانوا يريدون أن يسألوه فقال لهم أعن هذا تتساءلون فيما بينكم لأني قلت بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني). ولنتتبع ما قاله عيسى ع ونفتش الكتاب المقدّس عن معاني الكلمات التي نطق بها عيسى ع والمراد منها في كل نص يستشهدون به على أنّ المعزّي روح وليس بشراً. ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح الرابع عشر: (15 إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. 16 وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. 17 روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأمّا أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم). قبل أن أخوض في تفصيل هذه الدرر التي خرجت على لسان عيسى ع أود الإشارة إلى أمر مهم غاب عن النصارى، وهو: أوصاهم بالإيمان به واتباعه، فيقول لهم: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي"، وقال لهم: "قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنوا". وقال لهم درة ثمينة: "لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به". وهذه الوصايا لا معنى لها إن كان الآتي هو الروح القدس، حيث نزل على شكل ألسنة نارية، فكان أثرها في نفوسهم معرفتهم للغات مختلفة، فمثل هذا لا يحتاج إلى وصية للإيمان به والتأكيد على صدقه؛ لأنه يقوم في القلب من غير حاجة لرده أو قدرة على تكذيبه. - كما أن الروح القدس أحد أطراف الثالوث، وينبغي وفق عقيدة النصارى أن يكون التلاميذ مؤمنين به، فلم أوصاهم بالإيمان به ؟ - وروح القدس وفق كلام النصارى إله مساوٍ للآب في ألوهيته، وعليه فهو يقدر أن يتكلم من عند نفسه، وروح الحق الآتي "لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به". قالوا: فيعطيكم معزّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد ... دلالة على الأبدية، والأبد تعني ما لا نهاية. نقول: ماکث معکم إلى الأبد لا تعني ما لا نهاية أو أبدي، والدليل من الكتاب المقدّس: نقرأ في سفر التثنية الإصحاح الثالث والعشرون: (3 لاَ يَدْخُلْ عَمُّونِيٌّ وَلاَ مُوآبِيٌّ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ لاَ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ). ونقرأ في سفر أخبار الأيام الأول 28: (وقال لي: إنّ سليمان ابنك، هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابناً، وأنا أكون له أباً، وأثبت مملكته إلى الأبد) ([35]). ومملكة سليمان انتهت ولم تبقى إلى الأبد، فهذا النص ينقض استنتاجكم لكلمة الأبد. وهناك نصوص كثيرة دالة على ذلك ذكرنا هذا منها على سبيل المثال لا الحصر. قالوا: بأنّ المقصود هو أنّ النص يتكلم هنا عن نسل داود الذي سيبقى إلى الأبد. نقول: إذن لماذا توقفت عند عيسى ع، فالأبد تعني ما لا نهاية كما تقولون ؟ بل نقول: نعم، إنّ كون الأبد يعني ما لا نهاية له فهذا عليكم لا لكم، فأنتم تتوقفون عند عيسى ع، وتنقضون بهذا أبديتكم، بينما الحق إنّ استمراريته إلى الأبد متحققة في كون المعزّي هو أحمد، فهو من نسل داود ع من جهة الأم، أي نرجس ص أم الإمام المهدي ع، ووصل النسل الآن إلى المعزّي أحمد ع، وسيستمر في نسله هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجب عليكم أن تقبلوا بأنّ السيف سيبقى إلى الأبد حتى مع عيسى ع، فلماذا تقولون توقف السيف برسالة عيسى ع وتحول كرسي داود ع إلى كرسي ملكوتي روحاني وليس أرضياً ؟؟؟ نقرأ في صموائيل 12 عدد - 10 وهي واردة في قصة داود: (والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد). وأيضاً نقرأ في قول دانيال لنبوخذ نصر: (فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك عش إلى الأبد). قالوا: إنّ دانيال في النص أعلاه يعني دعاء دانيال للملك ولم يتحقق. نقول: كلمة الأبد لا تعني كما ذهبتم، وإليكم هذا النص: (أقسم الرب ولن يندم: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق) ([36]). فهل كلام الرب لا يتحقق أيضاً ؟ مالكم كيف تحكمون !!! وإليك نص قاطع يشير إلى أن الناس سوف تؤمن بموسى إلى الأبد: سفر الخروج الإصحاح التاسع عشر 9 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: (هَا أَنَا آتٍ إِلَيْكَ فِي ظَلاَمِ السَّحَابِ لِكَيْ يَسْمَعَ الشَّعْبُ حِينَمَا أَتَكَلَّمُ مَعَكَ، فَيُؤْمِنُوا بِكَ أَيْضًا إِلَى الأَبَدِ). وموسى مات والذين آمنوا به ماتوا أيضاً. سفر الخروج الإصحاح الحادي والعشرون 6: (5 وَلكِنْ إِنْ قَالَ الْعَبْدُ: أُحِبُّ سَيِّدِي وَامْرَأَتِي وَأَوْلاَدِي، لاَ أَخْرُجُ حُرًّا، 6 يُقَدِّمُهُ سَيِّدُهُ إِلَى اللهِ، وَيُقَرِّبُهُ إِلَى الْبَابِ أَوْ إِلَى الْقَائِمَةِ، وَيَثْقُبُ سَيِّدُهُ أُذْنَهُ بِالْمِثْقَبِ، فَيَخْدِمُهُ إِلَى الأَبَدِ). فهل بقى الخادم بعد هذا القول إلى الأبد ؟؟؟ وغيرها الكثير ولكن نكتفي بهذا القدر فهو ينقض قولهم من الأساس، وهو أن معنى الأبد يعني ما لا نهاية أو أبدي. وقالوا: لا يعرفه العالم وهذا دليل على أنّه روح وليس بشراً !!! نقول: إنّ المقصود بالنص هو أنّ العالم لا يعرفه المعرفة الحقيقية أمّا أنتم فتعرفونه؛ لإخبار المسيح والأنبياء لكم عنه. وأمّا سائر الناس فهم كما قال المسيح: (لأنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون) ([37]). قالوا: لا يستطيع العالم أن يقبله؛ لأنّه لا يراه ولا يعرفه، (وأمّا أنتم فتعرفونه لأنّه ماكث معكم ويکون فيکم). نقول: ليس المقصود بها الرؤية البصرية والمعرفة الحسيّة، بل المعرفة الإيمانية. ومثله ما جاء في يوحنا: (أجاب يسوع: لستم تعرفونني أنا، ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً) ([38]). ومثله في الأناجيل كثير. يقول متى هنري في تفسيره لإنجيل يوحنا: إنّ كلمة يرى في النص اليوناني لا تفيد رؤية العين، بل رؤية البصيرة. وهناك الكثير من المفسرين للكتاب المقدس يفسرون الرؤية بالمعرفة، منهم (يوحنا الذهبي الفم، أغسطينوس، تادرس يعقوب وغيرهم الكثير). ونحن نقول عدم معرفتهم بالمنتظر القادم أنّه غريب وطوبى للغرباء: (وأمّا المسيح فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو) ([39]). إيليا قد جاء بشخص يوحنا المعمدان ولم يعرفوه؛ لأن عيونهم مغلقة، وسيأتى إيليا فعلاً قبل المجيء الثاني لإعداد الناس برد قلوب الآباء على الأبناء (ملا 6:6) قال لهم إن إيليا يأتى أولاً ويرد كل شيء. إذن إيليا جاء بشخص يوحنا ولم يعرفوه فعيونهم مغلقة، ونحن نقول بأن إيليا المزمع أن يأتي - لأن يوم الرب قد اقترب - هو أحمد الحسن ع وهو الممهد ورسول من المسيح ع. فهل ستقولون بأن إيليا الرسول الآتي قبل المسيح ع أيضاً هو الروح القدس ؟؟؟ الوصف الثامن: قالوا: إنّه يبكّت العالم كله ولا يستطع ذلك إلا روح. نقول: إنّه يبكّت - يوبخ - العالم على الخطيئة، حيث قال المسيح: (ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة). أمّا توبيخه العالم على البر فقد فسّره المسيح بقوله: (وأمّا على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني). ويرى البروفسيور عبد الأحد داود ([40]) إنّ التوبيخ على البر قد فسّره المسيح بقوله بعده: (وأمّا على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني)، ومعناه أنّه سيوبخ القائلين بصلبه المنكرين لنجاته من كيد أعدائه، وقد أخبرهم أنّه سيطلبونه ولن يجدوه؛ لأنّه سيصعد إلى السماء، (يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن...) ([41]). كما سيوبخ المعزّي الآتي الشيطان ويدينه بما يبثّه من هدى ووحي. وهذا القول أكده البروفسور عبد الأحد دواد في مناظرة كبرى تمت بين مجموعة من القساوسة ومجموعة من المناظرين المسلمين كان هو أحدهم، وقد نقلت تلك المناظرة عبر شاشات التلفاز ونقلتها أغلب الصحف ونشرت بعدة مواقع ومنتديات. (وأمّا على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين)، وهذه الأوصاف من دينونة الخطايا والبر والشيطان لم تصح عن الروح القدس كلها، فهو لم يوبخ الناس على الخطايا، ولم يوبخ الشيطان، ومن أنكر ذلك فليأتنا بنصوص عن الروح القدس تبين ذلك وتوضحه. وبحسب ترجمة الأب جورج فاخوري بلبنان (بدل كلمة يبكّت يُفحم، ويقال: أفحمه؛ أسكته في خصوم أو غيرها) ([42]). فالمعزّي من شأنه توبيخ العالم بحيث يُفحمهم عن الرد عليه ولا يستطيعون مع هذا التبويخ مناقضة كلامه. الوصف التاسع: قالوا: إنّه يرشد إلى جميع الحق، وذلك في قول المسيح: (فهو يرشدكم إلى جميع الحق). نقول: إنّ النص عندما يذكر بأكلمه سيتضح بأنّه شخص وليس روحاً، ولنقرأ النص: إنجيل يوحنا الإصحاح: 16: (5 وأمّا الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي. 6 لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم. 7 لكني أقول لكم الحق إنّه خير لكم أن انطلق. لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. 8 ومتى جاء ذاك يبُكّت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. 9 أمّا على خطية فلانهم لا يؤمنون بي. 10 وأمّا على بر فلاني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً. 11 وأمّا على دينونة فلان رئيس هذا العالم قد دين 12 إنّ لي أموراً كثيرة أيضاً لا قول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. 13 وأمّا متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية). ومن خلال الاطلاع على النص سنجد الحديث عن شخص بشر ويقوم بأمور كثيرة حسيّة لا يمكن للروح فقط دون جسد أن يقوم بها، ونشير الآن إلى بعض النقاط التي لم نشر لها في الصفات السابقة، وهي: أولاً: سياق النص يشير إلى أحداث أرضية وأحكام تدين خاطئين والحديث عن شخص يقوم بهذا الأمر فهو يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة، وقد أشار عيسى ع إلى أن الذين معه لا يحتملون ما يقوله ولكن متى جاء ذلك وهي إشارة إلى شخص مبعوث ومرسل سيقوم بهذا الأمر. ثانياً: (يرشدكم إلى جميع الحق)، ولم يقف عند هذه العبارة بل أكملها وعللها بقوله: (لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به). أنتم تزعمون بأن الروح القدس هو لاهوت واللاهوت لا يحتاج لغيره وغير مفتقر ولكننا نرى بأنه مفتقر لغيره فهو لا يستطيع التكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم، وبهذا قد أبطلتهم لاهوت الروح القدس من حيث لا تشعرون، وأثبتنا بأن المعزي شخص مبعوث مفتقر إلى لاهوت مطلق. ثالثاً: الإخبار بأمور غيبية بقوله: (ويخبركم بأمور آتية)، والإخبار يحتاج لسان ناطق ينطق بالحق ويخبر به المؤمنين وغير المؤمنين. وهذا الوصف يصدق على المعزّي أحمد الحسن ع، فهو الذي أرشد الأمة إلى كل شيء إن لم يكن على سبيل التفصيل فعلى سبيل الإجمال وبيان مفاتيحه، فهو فصّل في الأمور الدينية والأخروية، وبيّن مناهج الحق من الباطل، فما من خير إلا ودلنا عليه، وما من شرّ إلا وحذّرنا منه، في حين أنّ هذه الميزة لا تُعرف للروح القدس. ومن زعم أنّ الروح القدس أرشد الأمة النصرانية لجميع الحق وتكلم وأخبر ونطق بأمور غيبية فليأت ببينة على ذلك وأنّى له !! الوصف العاشر والأخير: قالوا: إنه (روح الحق)، وهذا الوصف مختص بالروح القدس، فلا يجوز أن يوصف بشر بأنّه روح. نقول: هذا منافٍ ومخالفٌ لما جاء به كتابكم المقدس، حيث بين يوحنا أنّ الأنبياء يطلق عليهم روح أيضاً كما جاء في إنجيله: (بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنّه قد جاء في الجسد فليس من الله) ([43]). جاء في رسالة يوحنا الرسول الأولى الإصحاح: 4/ 1: (اَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ). هنا جاء كلمة (الأرواح) مرادفة لكلمة (أنبياء)، فلا يمكن تقييد كلمة الروح فقط بالروح القدس. وقد استخدم يوحنا تعبير الروح الإلهي دلالة على النبي الإلهي أو بمعنى آخر رسول من الله. ويوحنا لم يتركنا دون تعريف لروح الله حيث قال كما في رسالة يوحنا الرسول الأولى 4/ 2: (بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ). وفي رسالة يوحنا الرسول الأولى: 1/ 6: (فمن يعرف الله يسمع لنا، ومن ليس من الله لا يسمع لنا من هذا نعرف: روح الحق وروح الضلال). وقالوا: بأنّ الروح القدس حلَّ على الحواريين في اليوم الخمسين ولم يحلّ عليهم قبل هذا اليوم بوجود عيسى ع وبعده. نقول: لقد حل روح القدس على الحواريين بوجود عيسى ع، وإليكم الدليل من إنجيل يوحنا:20/ 22: (21 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا».22 وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ). بالإضافة إلى ذلك لو كان ذلك أمراً مهماً فلمَ لم يذكر لنا التلاميذ بأنّ حلول الروح القدس عليهم في اليوم الخمسين هو نفسه قدوم المعزّي الذي بشّر به عيسى ع ؟ من ذلك يتبيّن أنّ روح الحق هو إنسان صادق، هو من الله، وأنّ روح الضلال هو إنسان كاذب ليس من الله في شيء. وأيّاً كان المعنى للمعزّي باراكليتس أو باريكليتس أو غيرها فإنّ الأوصاف والمقدّمات التي ذكرها عيسى ع للمعزّي تمنع أن يكون المقصود به الروح القدس، وتؤكد أنّه كائن بشري يرسله الله، وذلك واضح من خلال قراءة النصوص بإنصاف ودون الرجوع إلى عقيدة مسبقة يراد منها تحكيم النصوص وليس العكس. وقالوا: إنّه يمجّد المسيح ويعظمه، (ذاك يمجّدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم) ([44]). نقول: (ذَاكَ يُمَجِّدُنِي) إنه يعظم رسالتي ويعترف بفضلي وعلى ذلك فلا تحتقروا رسالته ولا تنكروا فضله، بل اتبعوه وعظموه ومجدوه، كما يمجدني وهذا التمجيد منه لي (لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ) إنه يأخذ من الله ما هو معد لي من علم الله، أي من نفس العلم الذي أخذت منه، ونسب لي لأني أنا الذي أتكلم معكم. ومن نفس المصدر الذي أخذته منه، سوف يأخذ ويخبركم. ولم يتكلّم في التوراة والإنجيل غير أحمد الحسن ع وفك رموزها وبيّن حقيقة الصلب والكثير من رموز الكتاب المقدس، وخصوصاً رؤية يوحنا اللاهوتي في الأربعة والعشرين شيخاً الذين أحتار المفسرون المسيحيون في تحديد هويتهم ومن يكونون، وقد فك ختمها بوصية رسول الله ص التي تشير إلى الأئمة الإثني عشر والمهديين الإثني عشر، ولا يوجد تفسير لهؤلاء الجالسين على عرش الله غير هذا التفسير. والكثير من الرموز والختوم الموجودة في سفر الرؤيا هي لغز حتى تأتي الشمس لتبينها لنا، حيث قال عنها القس أنطونيوس فكري وهو من المفسّرين للكتاب المقدس: (إنّ غموض سفر الرؤيا يزيده جلالاً، فلا تنكشف معانيه إلا في الوقت الذي يريده الله، أمّا لو عرفت هذه الأسرار مبكراً فقد يفسدها إبليس) ([45]). وقد فك لنا المعزّي أحمد ع ختومها وبيّن لنا هذا الغموض كما سيتضح في الفصل الأخير من هذا الكتاب، وكيفية تفسير المعزّي أحمد (السيد أحمد الحسن ع) لنصوص الكتاب المقدّس، ومن بينها رؤيا يوحنا اللاهوتي وهو يرد على أسئلة السائلين. وعود على ذي بدء فإنّ عيسى ع ذكر في حديثه عن المعزّي أموراً تشير إلى أن بشراً سيأتي من بعده، حيث يقول في إنجيل يُوحَنَّا: (وأمّا متى جاء ذلك روح الحق فهو يُرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنّه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويُخبركم بأمورٍ آتية) ([46]). والآن لنبطل دليلهم على أنّ كلمة المعزّي لا تنصرف إلا على الروح القدس وحدها بدون تأويلات وبنص محكم من الكتاب المقدس. ورد في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس الإصحاح الأول: (3 مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، 4 الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ). وهذا دليل يبطل قولهم بأنّ كلمة المعزّي لا يمكن انطباقها أو انصرافها إلى صفة بشرية، فمن خلال هذه الأوصاف نستدل على أنّ المعزّي صفة بشرية، لا روحية. هل بعد الأوصاف الصريحة هناك أدنى شك أن هذا المعزي الذي تكلم عنه المسيح صفة بشرية ؟ وقد فهم أوائل النصارى قول يوحنا بأنّه بشارة بكائن بشري، وادعى مونتنوس أو (منتس) في القرن الثاني الميلادي (187م) في أسيا الصغرى أنّه المعزي (البارقليط) القادم، ومثله (ماني) فادعى أنّه البارقليط، وتشّبه بالمسيح فاختار إثنا عشر تلميذاً وسبعين أسقفاً أرسلهم إلى بلاد المشرق، ولو كان فهمهم للبارقليط أنّه الأقنوم الثالث (الروح القدس) لما تجرّأوا على هذه الدعوى. تدعو المانوية إلى الزهد ومعرفة الذات كخطوة أولى للتحرّر من براثن المادة ومن ثم صعود الروح (المعراج). أعتبر (ماني) خطراً على المسيحية وتصادم مع كهنة زرادشت وتآمروا عليه مع بعض رجال البلاط الملكي فسجن وعذب حتى مات في عام 276م. ودفن في مدينة (طيسفون) والتي تسمى اليوم (سلمان باك) في العراق، أي: مدينة سلمان الفارسي المباركة والذي كان يعد من أتباع المانوية ([47]). وتوجد وثيقة في كنيسة فينا لياسابيوس القيصري، وبيوس القيصري هو أسقف قيصرية ومؤرخ الكنيسة الأول وذلك في كتابه "تأريخ الكنيسة"، وردت فيها كلمة الباركليتس كصفة أطلقت على شخص تبنّى مسؤولية الدفاع عن المسيحيين والمتهمين بمسيحيتهم وفيها ينعت المسيحيون هذا الشخص واسمه (فيتوش أيب أجانوس) بالبركليتس؛ لأنّه حامى عنهم وتشفع لهم جهاراً معرّضاً حياته للهلاك ([48]). وبالنسبة للمذاهب التي وُصمت بالهرطقة مثل الغنوصيين (?)nostics والأبوليناريين Appolinarians والدوكيتيين Docetas وغيرهم فقد اتخذ أحد زعماء تلك المذاهب لنفسه اسم (البراقليوس)، وادعى أنّه النبي (آل أحمد) الذي تنبأ به المسيح وصار له أتباع عديدون ([49]). يقول الانبا اثناسيوس أسقف بني سويف والبهنسا في تفسير يوحنا ص119: إنّ لفظ البارقليط (المعزّي) إذا حرف نطقه قليلاً يصير (بيركليتس)، ومعناه الحمد أو الشكر ... وهو قريب من لفظ أحمد. ويقول القس (متى هنري) في تفسير يُوحَنَّا: كان أحد أسماء المسيا بين اليهود (مناحيم)، أي: (المُعَزِّي)، كان اليهود يسمّون يوم المسيا سنوات التعزية ([50]). وذكر القسيس المهتدي عبد الأحد داود المتقن للغة اليونانية: (إنّ هذه الكلمة من الناحية اللغوية تعني: الأمجد، والأشهر، والمستحق للمديح، وأنّ الكلمة تتكون من مقطعين، (بري) و(كليتوس)، وهذه الكلمة مشتقة من التمجيد أو الثناء، مما يعني تماماً أحمد باللغة العربية، وأن النص اليوناني استعمل كلمة (أونوما)، وهي تعني (اسمه)، ولكن النصارى عرّبوا نصها في الأناجيل الحالية: (يرسله الآب باسمي) في حين أنّ الترجمة الصحيحة: "وأمّا النبي الحق الذي سيبعثه الله اسمه أحمد ...") ([51]). ومن هنا ندعو جميع عقلاء النصارى إلى محاولة قراءة الكتاب المقدس بكثير من التجرّد والعقلانية، مع التحرّر من القراءات السابقة، والقناعات المسبقة، والأحكام الجاهزة، والتأمل في تلك النصوص التي أوردنا بعضها من كتابهم، ومحاولة فهمها، فعندها ستجدون أنّ دلالتها على المعزّي أحمد ع. ومن كلام لقائم آل محمد أحمد الحسن ع وهو يرد على سؤال لامرأة مسيحية: السؤال: أنتم الشيعة تقولون بأن السفراء أربعة، وانقطعت بعدها السفارة، فكيف تثبت بالدليل النقلي والعقلي من (القرآن، والتوراة، والإنجيل) بأنك سفير رقم (5) ؟ reta . jorj امرأة مسيحية / 2005 الجواب: (... سفر اشيعاء الإصحاح الحادي عشر: (ويخرج قضيب من جذع يسّى وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقظي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أُذنيه بل يقظي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه . فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل مع الشبل ... لا يسوئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأنّ الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. ويكون في ذلك اليوم أنّ أصل يسّى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً...) ([52]). أما يسّى؛ وهو في التوراة معروف أنّه والد نبي الله داوود ع. وأم الإمام المهدي ع من ذرية داوود ع. وقصتها باختصار شديد: (إنها أميرة جدّها قيصر الروم رأت في المنام نبي الله عيسى ع ووصيه شمعون الصفا والرسول محمداً ص وخطبها الرسول محمد ص من عيسى ع لولده الإمام الحسن العسكري ع، فقال عيسى ع لشمعون الصفا أو سمعان بطرس قد جاءك شرف عظيم؛ لأنّها من ذرية شمعون الصفا (سمعان بطرس) وصي عيسى ع، ورأت بعد ذلك رؤى كثيرة وعرّضت نفسها للسبي، وحصلت لها معجزات كثيرة حتى وصلت إلى دار الإمام علي الهادي ع، فزوجها من ابنه الإمام الحسن العسكري ع وولدت له الإمام محمد بن الحسن المهدي ع. فالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع من ذرية إسرائيل (يعقوب ع) من جهة الأم، ومن ذرية محمد ص من جهة الأب. فيصدق عليه أنّه قضيب من جذع يسّى، كما يصدق على المهدي الأول من المهديين الإثني عشر إنّه غصن يخرج من ذاك القضيب من جذع يسّى؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي ع. والمهدي الأول والذي اسمه أحمد كما في الروايات عن الرسول محمد ص والأئمة ص هو رسول الإمام المهدي ع ووصيه ويمينه وأول مؤمن به عند بداية ظهوره قبل قيامه بالسيف، واكتفي بهذا القدر للاختصار وإذا أردتِ المزيد اقرئي في التوراة في سفر إشعيا الإصحاح الثالث عشر، والثاني والأربعون، والثالث والأربعون، والرابع الأربعون، والتاسع والأربعون، والثالث والستون، والخامس والستون، والسادس والستون، وتدبريها جيداً...) ([53]). وفي سؤال وجه إلى قائم آل محمد ع: ورد في زيارة أم القائم ع (السلام عليك أيتها المنعوتة في الإنجيل)، أين ورد هذا النعت في الإنجيل ؟ الجواب: (بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. هذا هو وصف أم القائم: (رؤيا يوحنا اللاهوتي: الإصحاح الثاني عشر: (1 وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً. 2 وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. 3 وظهرت آية أخرى في السماء. هو ذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان. 4 وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض. والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت. 5 فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد. واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه. 6 والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولوها هناك ألفاً ومئتين وستين يوماً 7 وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته. 8 ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. 9 فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته. 10 وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً في السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً. 11 وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت. 12 من أجل هذا افرحي أيتها السموات والساكنون فيها. ويل لساكني الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً 13 ولما رأى التنين أنه طرح إلى الأرض اضطهد المرأة التي ولدت الابن الذكر. 14 فأعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية إلى موضعها حيث تعال زماناً وزمانين ونصف زمان من وجه الحية. 15 فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماء كنهر لتجعلها تحمل بالنهر. 16 فأعانت الأرض المرأة وفتحت الأرض فمها وابتلعت النهر الذي ألقاه التنين من فمه. 17 فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم....) ([54]). * * * -الفصل الثاني: مناقشة النصوص التي يعتمدونها لإثبات عقيدة التثليث إنّ عقيدة التثليت التي يعتقد بها النصارى والتي يدافعون عنها ويؤكدون بأنها ذُكرت في الكتاب المقدس لا تحتاج من الباحث الكثير من الجهد لمعرفة بطلانها؛ وذلك لعدم وجود نصوص صريحة تبيّن تلك العقيدة، بل إنّ عقيدة الأقانيم الثلاثة أو الآلهة الثلاثة المتمايزة والتي هي جوهر واحد كما يزعمون ليس فقط لا وجود لنص قطعي ومحكم من الكتاب المقدس يسعفهم في إثباتها، بل إنّ العقل السليم يرفضها حتماً، وبلا إشكال ([55]). وحتى استشهادهم بنص (إنّ الذين يشهدون في السماء ثلاثة ...الخ) ([56])، هذا النص غير أصلي، وقد وضعه المترجمون والشرّاح وضعاً رغم أنه أهم نص يستشهدون به على عقيدة الأقانيم الثلاثة. نقرأ في سفر إشعياء: 34/ 16: (فَتِّشُوا فِي سِفْرِ الرَّبِّ وَاقْرَأُوا). ونقرأ في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي:1/ 3: (طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ). هذه النصوص تدعونا للقراءة والبحث والتدقيق؛ لأنّ في المعرفة نجاتنا، فتعالوا معنا نفتش ونبحث ونقرأ أسفار الكتاب المقدس لعلنا نجد غايتنا. والمسيحيون يسوقون أدلة عقلية لتقريب مفهوم هذه العقيدة؛ لأنّ عقيدة التثليث تفتقر إلى النصوص التي تدل عليها؛ لهذا يلجأ فقهاء المسيحية إلى طريقة ضرب الأمثال للتدليل عليها من جهة، وتقريبها للأذهان من جهة أخرى. ومن الأمثلة التي يسوقونها في هذا الصدد قولهم أنّ الشمس تتشكل من جسم وضوء وحرارة وهذه الثلاثة تشكل ثالوثاً، فلا يمكن فصل الشمس عن جسمها ولا عن ضوئها أو حرارتها. فهذه الثلاثة إذن شيء واحد وثلاثة في وقت واحد ! وكذلك الأمر بالنسبة لجسم التفاحة وطعمها ورائحتها. ولكنهم يتغافلون عن حقيقة أنّ الحرارة والطعم والضوء والرائحة ليست سوى أعراض أو صفات لا تقوم ولا تستقل بذاتها، بينما الأقانيم الثلاثة بالنسبة لهم حقيقية ومستقلة بعضها عن الأخر، فالمساواة التي يزعمونها في الأقانيم الثلاثة منعدمة هنا. ويضربون مثالاً آخر للثالوث، فيقولون: الإنسان يتكون من ذات وعقل وروح وهو واحد. وهنا لابد أن نعرف أنّ الذات تحتاج إلى الروح من أجل الحياة، وتحتاج إلى العقل من أجل التعقل، فنحن إذن بإزاء أجزاء يحتاج بعضها لبعض، وهي ليست مستقلة، كما يقولون بشأن الأقانيم، هذا إذا قلنا بأنّ هذه الثلاثة هي أجزاء. والكلام نفسه يُقال بشأن مَثَل المثلث؛ فالمثلث يتشكل من ثلاثة أضلاع وهو واحد، ولكن ليس كل ضلع بمفرده مثلثاً، بل انضمامه للأضلاع الأخرى ينتج منه المثلث. والآن نود أن نحرّر مسألة الأقنوم الثالث؛ وهو الروح القدس، وهل هو مخلوق أم أزلي ؟؟؟ وهل كان العلماء القدامى يعتقدون بأنّه إله ؟؟؟ وهل هناك نص واحد يؤكد على أنّ هذا الاقنوم هو إله أزلي ؟؟؟ لنطالع بعض النصوص التي يزعمون دلالتها على إلوهية الروح القدس ونضعها على طاولة البحث: النص الأول: رسالة يوحنا الرسول الأولى: 5/ 7: (فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ). قالوا: هذا دليل قاطع على عقيدة الثالوث والأقانيم الثلاثة (الآب، والابن (الكلمة)، والروح القدس)، وهؤلاء الثلاثة واحد. نقول: رغم أننا لا نعرف كيف أصبح 1+1+1= 1 لأنّ هؤلاء الثلاثة متمايزون بكل شيء، إلا أننا سنفتش النصوص لعلنا نجد ما يشير إلى ما ذهبتم إليه. أولاً: هذا النص لم يظهر إلا في القرن الخامس عشر. ثانياً: دائرة المعارف الکتابية تقول بأنّ هذا النص لا وجود له، وأيضاً تقول بأنها حاشية ولم تكن من ضمن النصوص، بل حاشية وتم إضافتها لاحقاً للنصوص. هذا النص ليس من النصوص الأصلية في الكتاب المقدس؛ وذلك باعتراف دائرة المعارف الكتابية: الجزء الثالث: ص295، حرف (خ)، مخطوطات العهد الجديد وتحت عنوان إختلافات مقصودة يقول: (وقد حدثت أحياناً بعض الإضافات لتدعيم فكر لاهوتي، كما حدث في إضافة عبارة (واللذين يشهدون في السماء هم ثلاثة) ([57])، حيث إنّ هذه العبارة لا توجد في أي مخطوطة يونانية ترجع إلى ما قبل القرن الخامس عشر، ولعل هذه العبارة جاءت أصلاً في تعليق هامشي في مخطوطة لاتينية، وليس كإضافة مقصودة إلى نص الكتاب المقدس، ثم أدخلها أحد النسَّاخ في صلب النص. ثالثاً: النص حسب التراجم العربية الحديثة: 1- الترجمة العربية المشتركة (المبسطة)؛ قامت بعملها لجنة من مختلف الطوائف المسيحية العربية حذفت النص. 2- الترجمة الكاثوليكية الحديثة أو اليسوعية (منشورات دار المشرق - بيروت) حذفت النص وكتبت في الهامش أسفل الفقرة التي تسبقه (ص: 992، الطبعة 19): في بعض الأصول: (الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد. لم يرد ذلك في الأصول اليونانية المعوّل عليها، والراجح أنّه شرح أدخل إلى المتن في بعض النسخ). 3- الترجمة التفسيرية للكتاب المقدس (كتاب الحياة) وضعته بين قوسين وكتبت بالمقدّمة: إنّ ما بين الأقواس عبارة عن شرح وتفسير وغير موجود بالنص الأصلي. إذن النص لا وجود له وتم زجّه؛ لأنّ هناك عقيدة يراد لها أن تظهر للعلن ولا وجود لها في نصوص الكتاب المقدس. رابعاً: شهادة عالم كبير؛ هو إسحاق نيوتن الذي يقول: (إنّ هذا المقطع ظهر أول مرّة في الطبعة الثالثة من إنجيل إيرازمس للعهد الجديد، ويضيف نيوتن أيضاً نقطة قوية أنّ هذا النص لم يستخدم في أي مجادلات لاهوتية حول الثالوث من وقت جيروم وحتى وقت طويل بعده ولم يذكر أبداً، ولكن تسلل النص بطريقة شيطانية مستغلاً غفلة أتباع الصليب الذين يقبلوا أي شيء إلاّ التنازل عن الثالوث المفبرك كما رأينا) ([58]). خامساً: المخطوطات. هذا النص وجد فقط في ثمانية مخطوطات سبعة منها تعود للقرن السادس عشر، وهذه هي أرقام المخطوطات: (6 و88 و429 و 629 و 636و318 و2318 و 221). والمخطوطة الأخيرة رقم 221 هي من القرن العاشر، أي: بعد ألف سنة موجود بها هذا النص هذا النص فيها على الهامش بخط مختلف و لا يعرف على وجة الدقة تأريخ كتابته. معنى ذلك لا يوجود يوجد أي دليل مؤكد على وجود هذا النص في أي مخطوطة يونانية قبل عام 1500 حتى السبع مخطوطات السابق ذكرها منهم أربعة النص مكتوب على الهامش حتى المخطوطات السبع السابق ذكرها أربع منها كتب النص فيها على الهامش. فهل بعد هذا البيان يوجد شخص يستدل بهذا النص ؟؟؟ النص الثاني: إنجيل متى 28 : 19: (فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ). قالوا: إنّ صيغة التعميد الواردة بهذا النص هي دليل قاطع على عقيدة الثالوث. نقول: سيتبين من خلال البحث إثبات تحريف العدد 19 من إنجيل متى الإصحاح 28 وبطلان الاستشهاد به؛ إذ لا يعرف أي أحد من الحواريين والتلاميذ حتى بطرس نفسه هذه الصيغة، بل الصيغة الواردة في أعمال الرسل 2: 38 هي هكذا: (فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس). فالروح القدس يعطى ويسدد به التائبون من الخطايا الذين تطهروا من ذنوبهم باتباعهم حجة الله وخليفة الله على خلقه الذي يُوصف بأنّه الله في الخلق ([59]) المسيح ع في ذلك الزمان. والدليل على أنّ خليفة الله وحجة الله هو من يسددهم بالروح القدس وهو من يعطيهم الروح القدس ما جاء في إنجيل يوحنا 20: (21 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا».22 وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ). والصيغة في مرقص: 16/ 15 على سبيل المثال أيضاً لا تذكر الثلاثة أقانيم المزعومة: (وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها). والمسيح على زعمهم قال النص الوارد في متى: 28/ 19 أمام الأحد عشر تلميذاً على الجبل فيما يمكن أن نسميه خطبة الوداع أو آخر ما قاله المسيح على زعم كاتب إنجيل متى، ومن الصعب أن نتخيل أن الأحد عشر تلميذاً نسوا هذا القول المهم والأساسي ولم يذكره أحد بالمرّة بعد ذلك إطلاقاً ! هل يعقل جملة واحدة لم يستطع التلاميذ حفظها، بل أهم جملة وآخر ما نطق به المسيح ولم ينفذها أي من تلاميذه إطلاقاً ؟! ولنا أن نسأل ببساطة شديدة: أيهما يجب أن يتبع النصارى في التعميد صيغة متى أم صيغة بطرس ومرقص السابق ذكرهما ؟ إن مرقص هو المرجع لمتى ومن هنا ترجحت صيغت مرقص، وعلى أية حال فإن هذا النص لا يثبت شيئاً في موضوع التثليث. والدليل على أنّ هذه الصيغة مقحمة على النص الأصلي سنقرأ ما يذكره يوسابيوس القيصري بعد أن نعرّف به للقارئ. من هو يوسابيوس ؟ يوسابيوس القيصري (263 - 339م) أصبح أسقف قيصرية في 314. (ويقال لها قيسارية، سميت بهذا الاسم تمجيداً للقيصر الروماني أغسطس، ويوجد عدّة بلاد باسم قيصرية أو قيسرية، واحدة في الجولان بسورية، وواحدة في أنطاكية، وثالثة في فلسطين. وكانت تسمّى اعتباراً من عام 133 ميلادي (قيصرية فلسطين)، وكذلك قيصرية فيليبي في سوريا التي كانت واقعة في الجولان الحالية وذكرت في إنجيل لوقا وتدعى اليوم بانياس الحولة) ([60]). وكثيراً ما يشار إليه أنه (أبو التاريخ الكنسي) بسبب عمله في تسجيل تاريخ الكنيسة المسيحية في وقت مبكر، لا سيما وقائع التاريخ الكنسي. قرأ يوسابيوس العدد 19في متى: 28/ 19 واستشهد به في كتبه الكثيرة التي كتبها في الفترة من 300 إلى 336، ومنها تعليقات وشروح على المزامير وعلى اشعياء، وكتابه الشهير تاريخ الكنيسة وكتابه في مدح الإمبراطور قسطنطين. لقد ذكر يوسابيوس هذا العدد في متى وكان النص كالتالي: (فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسمي)، ولم يذكر الصيغة الثلاثية ولا مرّة واحدة. وإذا أردنا تتبع عقيدة التثليث التي يؤمن بها النصارى نصاً نصاً سنجد جلها؛ إمّا أنها لا وجود لها في النسخ اليونانية والعبرية، أو أنها حُرّفت عن معناها الأصلي، أو أنها حُرّفت معنىً ودلالة، ومن يقول بأنّ هناك نصاً قطعياً وأصلياً على هذه العقيدة فأرجو أن يتحفنا به ونكون له شاكرين. وربما سيقولون هذه فقط عندكم أيها المسلمون، أمّا نحن المسيحيون فمتفقون على هذه العقيدة وأنّ الروح القدس منبثق من الآب كما يقول الارثذوكس أو من الآب والابن كما يقول الكاثوليك ولاهوت مطلق وليس بمخلوق !! ولكن هذا القول لا يسعفهم بشيء، فالدليل بعكس ما يصرّحون به وإلا ليرجعوا إلى مواقعهم الرسمية ويقرأوا بأنفسهم ([61]). علماء وأساقفة مسيحيون يؤمنون بأنّ الروح القدس مخلوق: يضع أوريجانوس الروح القدس في درجة أقل من الابن، لا بالنسبة للكرامة بل بالنسبة للأصل، فهو يقرّر أنّ الابن وحده هو من الآب فقط، ولكن الروح القدس هو من الآب بواسطة الابن. وهنا يتهمون الكاثوليك ويقولون نتيجة لهذا القول ظهرت بداية بدعة الكاثوليك في انبثاق الروح القدس من الآب والابن. أوريجانوس في شرحه لعبارة: (كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ) ([62]). في بداية إنجيل يوحنا تساءل أوريجانوس قائلاً: والآن، كما رأينا، فإنّ كل الأشياء عملت من خلاله (اللوغوس). وهنا يجب أن نتساءل إن كان الروح القدس أيضاً قد عُمل من خلاله ؟ من هو اريجانوس: أوريجانوس (185 - 254) Ὠριγένης Ōri(?)énēs,)) كان من أبرز أوائل آباء الكنيسة المسيحية. توفي في 254. كتاباته هامة بوصفها واحدة من أولى المحاولات الفكرية لوصف المسيحية. وكان ذو عقلية فذّة وصار نابغة في العلم رغم حداثة سنه. وأشتهر أيضاً بمساندته وتشجيعه للمؤمنين الذين يتعرّضون للاضطهاد وكان يقويهم في الإيمان حتى يستشهدوا. ووصل إلى أن يكون مديراً لمدرسة الإسكندرية المسيحية وهو في سن الثامنة عشر بعد أن عيَّنه البابا ديميتريوس الأول البطريرك الـ 12 رئيساً لمدرسة الأسكندرية اللاهوتية خلفاً لأكليمندس الأسكندري. كان نَشِطاً في تفسير الكتاب المقدس والدراسات الإنجيلية المقارنة، وقد سطر الكثير من الكتب والرسائل تفسيراً للكتاب المقدس، بالإضافة إلى كتاب (هيكسابلا) الشهير. أوريجانوس إذن يؤمن بأنّ الروح القدس أدنى من الابن ومخلوق بواسطته، ومن بعده أريوس، ومن بعده مقدونيوس، ونكرانهم للاهوت الروح القدس معروف. وقد قال بذلك ثيئوغنسطس أيضاً، وهؤلاء لم يكونوا مسلمين؛ لأنهم عاشوا في زمن لم يكن الإسلام قد ظهر على أرض الواقع، فاتهامكم لنا بأننا فقط من نقول بخلق الروح القدس عارٍ عن الصحة. الآن بعد هذه المقدّمة أعرج على أحد الأقانيم وهو الروح القدس لنبيّن وبوضوح لا يقبل الشك بأنّه مخلوق وليس إله أزلياً. ولكن لنعرف أولاً ما هو الروح القدس. يقول المعزّي أحمد الحسن ع: (هو روح الطهارة أو العصمة، فإذا أخلص العبد بنيته لله سبحانه وتعالى وأراد وجه الله أحبه الله ووكّل الله به ملكاً يدخله في كل خير ويخرجه من كل شر ويسلك به إلى مكارم الأخلاق، ويكون الروح القدس واسطة لنقل العلم للإنسان الموكّل به. وأرواح القدس كثيرة وليست واحداً، والذي مع عيسى ع ومع الأنبياء دون الذي مع محمد ص وعلي عوفاطمة صوالأئمة ص، وهذا هو الروح القدس الأعظم لم ينزل إلا مع محمد صوانتقل بعد وفاته إلى علي ع ثم إلى الأئمة ص ثم بعدهم إلى المهدين الإثني عشر. عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ﴾([63]). قال ع: "خلق من خلق الله ( أعظم من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول الله ص يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده" ([64])) ([65]). إن حجج الله وخلفاءه يمسحهم الله بالروح القدس ويسددهم به وهذا ما منصوص عليه في التوراة والإنجيل. سفر أعمال الرسل الإصحاح العاشر 38: (يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ). هنا الممسوح هو المسيح ع، وقد أعطي قوة ليعمل تلك الأعمال؛ لأن الله كان معه. المزامير الإصحاح السابع 45: (أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك). والآن لنتأمل بعض النصوص التي تثبت أنّ الروح القدس مخلوق، وأيضاً لا علاقة له بالأقانيم الثلاثة. النص الأول: من رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي: 3/ 17: (وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْل أَوْ فِعْل، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ). إذن، كل عمل وقول وفعل باسم الرب يسوع (السيد أو المعلم يسوع) شاكرين الله والآب به. نلاحظ أنه لا يوجد ذكر للروح القدس ولا حتى إشارة لا من قريب ولا من بعيد في هذا النص. النص الثاني: ورد في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس:13/ 14 قول بولس: (نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم. آمين). ويستخلص النصارى من هذا النص برهاناً دالاً على صحة التثليث وتساوي الأقانيم الثلاثة. أقول: لعل القائل أراد شيئاً غير الذي فهمتموه ؟ ورد في سفر أعمال الرسل: 8/ 30: (وَسَمِعَهُ يَقْرَأُ النَّبِيَّ إِشَعْيَاءَ، فَقَالَ: «أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ ؟»). وإذا تنزلنا وقلنا هذا ما أراد أن يُفهمه بولس الرسول للناس، نقول: أولاً: إنّ القائل للعبارة السابقة هو الرسول بولس الذي لم ير المسيح، ولم يتتلمذ على يديه فإنه ليس معصوماً من الخطأ حتى تأخذ أقواله حجة. ثانياً: إنّ عبارة بولس السابقة مبنية على الاعتقاد بالثالوث، وليس الاعتقاد بالثالوث صادراً عنها وعن أمثالها، بل تقرّر بموجب مجمع عقد في الربع الأول من القرن الرابع الميلادي وهو مجمع نيقية سنة 325 م. ثالثاً: إنّ لفظ الروح القدس في قول بولس ليس معناه الإله حتى يكون الأقنوم الثالث، بل يعني الموهبة القدسية الممنوحة من الله عندما يخلص العبد لله ويتطهّر من ذنوبه فيوكل به الروح القدس لتسديده، وهذا ما بينّاه في أعمال الرسل:2/ 38: (فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس). فالروح القدس يُعطى ويُسدد به التائبون من الخطايا الذين تطهروا من ذنبوهم باتباعهم حجة الله وخليفة الله على خلقه، الله في الخلق في ذلك الزمان، وهو المسيح ع. وقد بيّن الله بأنّ الروح القدس مخلوق، وأنّ الروح ليست هي الله کما توهم النصارى فهم دائماً يرددون بأنّ الله روح !!! وكما ورد ذكر الروح التي يسدد بها الله المخلصين وأنقياء القلوب ففي الأسفار الآتية، على سبيل المثال لا الحصر وإلا هي كثيرة: نقرأ في مزمور: 51/10: (قلباً نقياً أخلق في يا الله روحاً مستقيماً جدد في داخلي). الله خلق في داخله في قلبه روحاً مستقيمة تُسدده وتجعله طاهراً نقياً وتسلك به سبل الحق، فالروح خلق وليس هي الله كما يقول المسيحيون. وفي سفر حزقيال: 11/ 19: (وأعطيهم قلباً واحداً وأجعل في داخلكم روحاً جديداً). الدعاء لهم بأن يجعل في داخلهم روحاً جديداً غير الروح التي في داخلهم، وهذا أيضاً دليل على أنّ الروح خلق من خلق الله. وفي سفر الملوك الثاني: 2/ 9: (فقال إليشع ليكن نصيب اثنين من روحك علي). وهذا النص يؤكد تعدّد الروح وإنها ليست واحدة. وفي سفر دانيال: 5/ 11: (يوجد في مملكتك رجل فيه روح الآلهة القدوسين). وأيضاً هنا تأكيد بأنّ هناك رجلاً فيه روح الآلهة القدوسين، أي: الروح القدس. وهذه الروح هي التي امتلأ منها الآتي ذكرهم: يوحنا المعمدان كما هو وارد في إنجيل لوقا: 1 / 15: (ومن بطن أمّه يمتلىء من الروح القدس). وامتلأت منه أمّه اليصابات طبقاً كما هو وارد في إنجيل لوقا: 1/ 41: (فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ). فما المائز بين حلول الروح القدس على أم يوحنا اليصابات والعذراء مريم ص فكلاهما حل عليهما الروح القدس، أم أنها عنزة ولو طارت ؟؟؟ كما امتلأ منها أبوه زكريا طبقاً لما ذكره إنجيل لوقا: 1/ 67 ، وكان استفانوس مملوءاً منها كما حكاه سفر أعمال الرسل: 6/ 5، و: 7/ 55، وغيرهم كثير. إنّ ما ذكر في النصوص ليس من البراهين على صحة التثليث ولا على تساوي الأقانيم الثلاثة، حتى لو تنزلنا وقبلنا هذه النصوص على أنها نصوص أصلية وليست دخيلة على الكتاب المقدس؛ إذ ليس فيها ذكر للأقانيم الثلاثة. والروح القدس مسح به الأنبياء والمرسلين وأيضاً التلاميذ، وبكل تأكيد كان عيسى ع أحدهم، لنقرأ هذا النص في أعمال الرسل الذي يصدح كالشمس في رابعة النهار: أعمال الرسل الإصحاح العاشر:) يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ). ونحن نسألكم: ما هو المائز بين مسح الله ليسوع الذي من الناصرة ومسحه لبقية الأنبياء والمرسلين ؟؟؟ فإن قلتم: هناك عام وهنا خاص وهو غير موجود فتكرموا علينا لتبيانه، وأنّى لكم ذلك !؟ وأمّا لفظ الروح القدس فقد ذكر بمعنى الموهبة القدسية ولتسديد المؤمنين طبقاً للنصوص السابقة الذكر. ومع هذا نحن نسأل کيف يکون امتياز الأقانيم أحدها عن الآخر، ومساواتها في الجوهر كما يؤمن المسيحيون ؟ نقرأ في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي: 5: 19 (لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ.20 لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ.21 امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ). الروح جاءت مرادفة للنبوات وتم التأكيد على ذلك بامتحان كل شيء والتمسك بالحسن، وهذا ما أُريد لروح الحق الذي بشّر به عيسى ع وهو المعزّي أحمد ع. إنّه (روح الحق)، وهذا الوصف ظنّه النصارى مختصاً بالروح القدس، فلا يجوز أن يوصف بشر بأنّه روح، وهذا منافٍ ومخالفٌ لما جاء به كتابهم المقدس؛ حيث بيّن يوحنا أنّ الأنبياء يطلق عليهم روح أيضاً كما جاء في إنجيله: (بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله). رسالة يوحنا الرسول الأولى الإصحاح: 4 - 1: (اَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ). هنا وردت كلمة الأرواح مرادفة لكلمة الأنبياء، فلا يمكن تقييد كلمة الروح فقط بالروح القدس، وقد استخدم يوحنا تعبير الروح الإلهي دلالة على النبي الإلهي أو بمعنى آخر رسول من الله. ويوحنا لم يتركنا دون تعريف لروح الله حيث قال في رسالة يوحنا الرسول الأولى: 1 - 6: (فمن يعرف الله يسمع لنا، ومن ليس من الله لا يسمع لنا من هذا نعرف: روح الحق وروح الضلال). ونختم بنصين قطعيين محكمين يبينان النقص والجهل الحاصل في ساحة المسيح ع، وأيضاً ما يهمنا في هذا البحث الروح القدس الذي يبيّن المسيح ع بأنّه يجهل الساعة التي لا يعلم بها إلا الآب. ورد في إنجيل متى 24: 36: (وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ). وفي إنجيل مرقس 13: 32: (وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ). فلا الروح القدس ولا الابن يعرف بالساعة (يوم الرب)، قد يقولون هنا إنّ المسيح تکلّم بناسوته، وهذه مغالطة لا تسعفهم بشيء، وبها يلغون قانون الإيمان الذي يؤمنون به على أنّه طبيعة واحدة. في كتاب بدع حديثة للبابا شنودة ص109 ينقل عن القديس كيرلس (377 - 444): (علمنا ألا نتحدّث عن طبيعتين بعد الاتحاد ... وعلى هذا فيمكننا أن نقول إنّ الطبيعة اللاهوتية اتحدت إقنومياً بالطبيعة البشرية داخل رحم السيدة العذراء، ولكن بعد هذا الاتحاد لا نعود مطلقاً نتكلّم عن طبيعتين في المسيح، فتعبير الطبيعتين يوحي بالانفصال والافتراق). وكذلك هذا قول الانبا غريغوريس، والانبا إبرام أسقف الفيوم يقول: (لا نقول بأنّ هذه الحاجة عملها الطبيعة الناسوتية وهذه الحاجة عملها الطبيعة اللاهوتية فهذه من أقوال البروتستانت ولا نؤمن به). والانبا بيشوي سكرتير عام المجمع المقدس يقول: (يسوع هو طبيعة واحدة بلاهوته وناسوته ولا يوجد بينهما انفصال ولا نقول بأنّ هذا الفعل قام به ناسوته وهذا الفعل قام به لاهوته). * * * -الفصل الثالث: عقيدة الصلب والفداء .. كيف تثبت أو تنقض العقيدة ؟ لإثبات عقيدة ما لابد من وجود دليل قاطع لا تشوبه شائبة، ودليل صريح يشير دون لبس إلى تلك العقيدة، لكننا نجد النصارى لديهم عقيدة مسبقة يراد لها أن تفرّغ على النصوص. نقول: إذا عرفنا أنّ أساس الإيمان الصحيح بأي عقيدة هو بالتزام ما جاء في الكتاب الذي يؤمن به صاحب تلك العقيدة، وإذا عرفنا أنّ الإيمان الذي لا يستند استناداً قطعياً على نصوص ذلك الكتاب، أو يشتمل على بعض العقائد التي تخالف أو تناقض أو على الأقل بعيدة عن الكتاب الذي يعتمد عليه في الإيمان الصحيح فهذا يثبت قطعاً - وبما لا يدع مجالاً للشك - فساد هذا الإيمان. وهنا ينبغي أن نوضح موقفنا من عقيدة الفداء، فنحن لا ننكر هذه العقيدة، ولكن ننفي المفهوم الذي يقول به النصارى بأنّ الله تجسد بصورة بشر ليقوم بعملية الفداء، فمفهوم الفداء موجود منذ القدم وقد بيَّنه الكتاب المقدس وبيَّنه القرآن بقضية فداء ابن إبراهيم الوحيد، وكذلك في يحيى (يوحنا) بن زكريا الذبيح، وأيضاً في عبد الله أبي رسول الله ص حيث قال رسول الله ص: (أنا ابن الذبيحين) ([66])، عبد الله وإسماعيل، وكانت أعظم عملية فداء تمت على هذه الأرض بالحسين بن علي بن أبي طالب ص، الذي بذل دمه فداء لعرش الله، وللتمهيد لدولة المخلّص الذي سيملؤها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وقد حصلت هذه الحادثة في أرض كربلاء قرب نهر الفرات كما ذكرها الكتاب المقدس. ففي سفر إرميا 46: 10: (فَهذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلانْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ. لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ). قالوا: الخلاص بيسوع المسيح وحده. نقول: إنّ الله وضع منهجاً لرضاه ومعرفته من خلال أنبيائه ورسله الذين هم حجج الله على خلقه، فمن تبعهم نجا ومن تخلف عنهم هلك وبهم يدان العالم، وليس كما تقولون الخلاص بيسوع المسيح وحده، وقولكم هذا لا دليل عليه وعكسه بيّن. وإليكم نص قاطع يدل على أن من يؤمن بحجة الله وخليفة الله في كل زمان يحصل على رضا الله؛ لأنّ خليفة الله وحجته على خلقه به يدان العالم وليس بالخلاص المزعوم وليس بالخطية الأولى المزعومة، ولنقرأ هذا النص القاطع: - تكوين 5: 24 (وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ). - رسالة عبرانيين الإصحاح 11: (بالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ. إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ). وفي تفسير أنطونيوس فكري للكتاب المقدس يقول: (حياة أخنوخ حملت بالإيمان صورة للكنيسة السماوية الفائقة. أمّا البار فبالإيمان يحيا. هو بإيمانه استطاع أن يرضي الله أخنوخ نموذج لمن يستطيع أن يحيا باراً وسط عالم شرير. ومن يغلب ويسلك بإيمانه في بر مثل أخنوخ ينقله الله ليحيا معه فى شركة أمجاده). نقول: اخنوخ استطاع أن يرضي الله دون اللجوء إلى الإيمان بعقيدتكم للخلاص، فأين عقيدة الخطيئة الأولى والتي لا ترضي الله إلا بعقيدة الصلب والخلاص ؟؟؟ ولنقرأ النصوص التي ذكرت في رسالة إلى العبرانيين الاصحاح 11: (بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ للهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ. فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ ! 5 بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ. إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ. 6 وَلكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ. 7 بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثًا لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ..). وهذه نصوص تنقض عقيدة الخطيئة الأولى التي لا يمكن أن تزول إلاّ بتجسد اللاهوت بالناسوت ليقوم بدور خلاص البشرية من تلك الخطية، وليس فقط الخلاص بل حتى الدينونة كما في نوح ع: (الخلاص حصل بركوب سفينة نوح ع وبه دان العالم) فأين عقيدة الخطيئة الأولى ؟؟؟ النصوص التي يستدل بها النصارى على عقيدة الصلب: النص الأول: (8 وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا) ([67]). کل الأنبياء والمرسلين ضحوا بأنفسهم وبكل ما يملكون في سبيل نجاة قومهم، فهم الأدلاء على الله، وهم باب الله، وهم تحملوا العبء لأجل من أخطأ ونسي الميثاق وعهد الله، كما قرأنا وكما سوف نلاحظ من خلال النصوص القادمة من الذي يتحمل الخطيئة. النص الثاني: (وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ !) ([68]). هذا النص غير قطعي الدلالة على قضية الصلب، وسوف نلاحظ من خلال النصوص هل تحصل مغفرة دون سفك دم ؟؟؟ أمّا ما جاء في يوحنا 3: (16 لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ). رغم أن كلمة (الوحيد) غير موجودة بالأصل اليوناني والانجليزي بل هي المنتجب أو المنتخب وهذا يعتبر تدليساً من قبل المترجم أو من يريد أن يفرض عقيدة على الآخرين. Kin(?) James Version :For (?)od so loved the world, that he (?)ave his only be(?)otten Son, that whosoever believeth in him shoعld not perish, bعt have everlastin(?) life. لاحظ أن كلمة be(?)otten تعني المنتجب أو المنتخب ولا تنعني بأي حال من الأحوال (الوحيد). ومع ذلك تنزلاً إذا أكملنا النص سوف يتضح المضمون: (17 لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18 اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. 19 وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً). فمن يؤمن برسول الله وحجته وخليفته على خلقه لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين؛ لأنّ الإيمان من خلال نور خليفة الله وحجته ولكن الناس أحبّت الظلمة أكثر من النور. وهناك نصوص أخرى، ولكن نكتفي بهذا القدر لموضع الحاجة ولكي يتم نقاشه بالتفصيل من خلال توجيه بعض الأسئلة للتعريف بالموضوع، وكما يلي: 1- من الذي يتحمل الخطيئة ؟؟؟ 2- هل هناك طريقة للمغفرة غير الصلب ؟؟؟ 3- هل الإله اللامحدود هو الذي صلب ؟؟؟ 4- يسوع يطلب من الله وبصراخ وبكاء وتوسل أن يرفع عنه الكاس وأن لا يصلب !!! 5- هل هناك نصوص تقول لا يمكن الحصول على الحياة الأبدية إلا بالإيمان بعقيدة صلب؟ 6- هل توجد أدلة على أنّ هناك شخصاً آخر صلب وضحّى من أجل عيسى ع ؟ إنّ عقيدة الصلب والفداء اعتمدت على فكرة تجسّد ابن الله في صورة البشر ثم يصلب فداء للبشرية محققاً الخلاص من خطيئة آدم ع. وفي الحقيقة هذه العقيدة التي تقوم عليها النصرانية لا يوجد لها أصل في الكتاب المقدس، فلم يقل يسوع إني جئت من أجل خطيئة آدم أو جئت لأصلب من أجل خلاص البشرية. يقول عيسى ع كما في متى 5: 17(لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18 فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19 فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ). فالباحث المدقق في الكتاب المقدّس لن يجد أصلاً لهذا المعتقد، بل إنّ آدم نفسه حينما أكل من الشجرة لم يكن يعرف أنّه يرتكب خطيئة حسب ما نص عليه في الكتاب المقدس؛ لأنه لم يكن يعلم الفرق بين الخير والشر. فقد ورد فى سفر التكوين (2 - 17): (وإمّا شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل موتاً تموت). فالرب يقول لآدم ع لا تأكل من شجرة معرفة الخير والشر لكن آدم ع أكل منها؛ لأنّه لا يستطيع أنّ يميز بين الخطأ والصواب، وبعد أن أكل من الشجرة أصبح عارفاً الفرق بين الخير والشر. وفي تكوين (3 - 12): (قال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر). إذن آدم علم يعرف الفرق بين الخير والشر إلا بعد أن أكل من الشجرة، وقبل الأكل لم يكن يعرف، وعلى فرض أنّ آدم أخطأ فما ذنب البشرية بعده في تحمل الخطيئة ؟ 1- من الذي يتحمّل الخطيئة ؟ - تثنية (24 - 16): (لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيته يقتل). - ارميا (31 - 29): (في تلك الأيام لا يقولون بعد الآباء أكلوا حصرماً وأسنان الأبناء ضرست 30 بل كل واحد يموت بذنبه كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه). - حزقيال (18 - 20): (النفس التي تخطىء هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون). فهذه النصوص تثبت أنّ الأبناء لا يحملون إثم الآباء ولا الآباء يحملون إثم الأبناء، فكل إنسان يحاسب بخطيئته. وحتى ولو فرضنا جدلاً صحة زعمهم بحدوث الخطيئة فالأمر لا يحتاج إلى الصلب والقتل كما يقول الكتاب المقدس. 2- هل هناك طريقة للمغفرة غير الصلب ؟؟؟ ليس هناك قيد أو شرط على الله تعالى ليغفر الخطايا إلا ما اشترطه هو على نفسه. فقد يغفرها برحمته دون قرابين؛ لأنه إله رحيم، يُكثر المغفرة، والعمل الصالح هو أساس من أسس المغفرة، وقد يتقدّم المرء بحيوان أو طائر لذبحه تكفيراً عن خطية ما، أو تقديم الذهب أو الفضة أو المال أو الخبز (الدقيق). كما أنّ الرحمة صفة من الصفات التي يتصف بها الرب: (هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ الْفِدَاءِ وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ ؟) ([69]). - (لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ وَإِلَى إِلَهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ) ([70]). - (1 رَضِيتَ يَا رَبُّ عَلَى أَرْضِكَ. أَرْجَعْتَ سَبْيَ يَعْقُوبَ. 2 غَفَرْتَ إِثْمَ شَعْبِكَ. سَتَرْتَ كُلَّ خَطِيَّتِهِمْ. سِلاَهْ. 3 حَجَزْتَ كُلَّ رِجْزِكَ. رَجَعْتَ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ) ([71]). - (اِصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ هَذَا الشَّعْبِ كَعَظَمَةِ نِعْمَتِكَ وَكَمَا غَفَرْتَ لِهَذَا الشَّعْبِ مِنْ مِصْرَ إِلى هَهُنَا». 20 فَقَال الرَّبُّ: «قَدْ صَفَحْتُ حَسَبَ قَوْلِكَ) ([72]). وفيما يلي استعراض كيفية غفران الخطيئة في الكتاب المقدس: 1- المغفرة بالصلاة والتوبة: - أخبار الأيام الثاني (7 - 14): (فإذا تواضع شعبي الذين دعى اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء واغفر خطيتهم وابرىء أرضهم). - اشعياء (55 - 7): (ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران). 2- المغفرة بالدقيق: - لاويين (5 - 11): (وإن لم تنل يده يمامتين أو فرخي حمام فيأتي بقربانة عما أخطأ به عشر الايفة من دقيق قربان خطية. لا يضع عليه زيتاً ولا يجعل عليه لباناً لأنه قربان خطية 12 يأتي به إلى الكاهن فيقبض الكاهن منه ملء قبضته تذكاره ويوقده على المذبح على وقائد الرب. إنّه قربان خطية). 3- المغفرة بالأموال: - خروج (30 - 15): (الغنى لا يكثر والفقير لا يقلل عن نصف الشاقل حين تعطون تقدمة الرب للتكفير عن نفوسكم 16 وتأخذ فضة الكفارة من بني إسرائيل وتجعلها لخدمة خيمة الاجتماع. فتكون لبني إسرائيل تذكاراً أمام الرب للتكفير عن نفوسكم). 4- المغفرة بالجواهر: - العدد (30 - 50): (قد قدمنا قربان الرب كل واحد مع وجده أمتعة ذهب حجولاً وأساور وخواتم وأقراطاً وقلائد للتكفير عن أنفسنا أمام الرب). إذن فالمغفرة تتحقق عن طريق الصلاة والتوبة وعن طريق القرابين مثل الدقيق والأموال والجواهر، فلماذا تم تغير طريقة الغفران إلى الصلب والقتل ؟ 5- وأيضاً هناك مغفرة بذبح الكباش أو العجول وما شابه. فلماذا تم تحديد المغفرة فقط بالدم ؟؟؟ جاء في ميخا 6: 6 - 8: (بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى الرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلَهِ الْعَلِيِّ ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ بِعُجُولٍ أَبْنَاءِ سَنَةٍ ؟ 7 هَلْ يُسَرُّ الرَّبُّ بِأُلُوفِ الْكِبَاشِ بِرَبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ ؟ هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي ثَمَرَةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي ؟ 8 قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلَهِكَ). إنّ الله لا يطلب منك كباشاً ولا دماءً ولا زيتاً ولا تقدمات ! إنّ ما يطلبه الله منك هو أن تصنع الحق ! ليس بالإيمان فقط بل بالإيمان والأعمال ! وتحب الرحمة والتواضع مع إلهك. 3 - هل الإله اللامحدود هو الذي صلب ؟ يقول النصارى باستحالة تكفير الخطايا إلا بصلب الإله وموته؛ لأنّ الخطية غير محدودة، وللتكفير عنها لابد من موت الغير محدود، وحيث إنّ الله وحده هو الغير محدود فلابد من موت الإله على الصليب. ولكن هذا يناقض الكتاب المقدس ونصوصه. - تثنية (32 - 40): (حي أنا إلى الأبد). - حزقيال (18 - 3): (حي أنا يقول السيد الرب). - ارميا (10 - 10): (أما الرب الإله فحق. هو إله حي). - حبقوق (1 - 12): (ألست أنت الرب منذ القدم إلهي وقدوسي فلا تموت). إذن فالله إله حي لا يموت أبداً فكيف مات على الصليب ؟؟؟ قد يقول النصارى إنه مات بناسوته البشرى ولم يمت بلاهوته. أقول: هذا ينقض اعتقادهم أنّ الخطيئة تتطلب موت الإله اللاهوت وليس الناسوت، فموت الناسوت لا أهمية له، فالخطيئة الغير محدودة تتطلب موت الغير محدود، والغير محدود هو اللاهوت وليس الناسوت، فهل مات اللاهوت وأصبح الكون بلا إله ثلاثة أيام فترة الموت ؟؟ في كتاب بدع حديثة للبابا شنودة ص109 ينقل عن القديس كيرلس (377 - 444): (علمنا ألا نتحدث عن طبيعتين بعد الاتحاد ... وعلى هذا فيمكننا أن نقول إنّ الطبيعة اللاهوتية اتحدت اقنومياً بالطبيعة البشرية داخل رحم السيدة العذراء، ولكن بعد هذا الاتحاد لا نعود مطلقاً نتكلم عن طبيعتين في المسيح، فتعبير الطبيعتين يوحي بالانفصال والافتراق). وكذلك هذا قول الانبا غريغوريس. والانبا إبرام أسقف الفيوم يقول: (لا نقول بأن هذه الحاجة عملها الطبيعة الناسوتية وهذه الحاجة عملها الطبيعة اللاهوتية فهذه من أقوال البروتستانت ولا نؤمن به). والانبا بيشوي سكرتير عام المجمع المقدس يقول: (يسوع هو طبيعة واحدة بلاهوته وناسوته ولا يوجد بينهما انفصال ولا نقول بأنّ هذا الفعل قام به ناسوته وهذا الفعل قام به لاهوته). 4 - يسوع يطلب من الله وبصراخ وبكاء وتوسل أن يرفع عنه الكأس ولا يُصلب من العجيب ألا يكون يسوع سعيداً فرحاً مسروراً؛ لأنه نجح في تحقيق هدفه وهو الصلب حتى يخلص البشرية من خطيئة آدم. فيسوع وقت الصلب كان حزيناً باكياً يدعو الله أن يعبر عنه الصلب. وهذا أمر محيّر جداً! فكيف يدعو يسوع ويبكي من أجل عدم صلبه وهو من وضع خطة الصلب لإنقاذ البشر من الهلاك ؟؟!! لقد وصفت النصوص يسوع وموقفه الدامي الحزين المبكي قبل صلبه وصفاً يتضح منه أنّ يسوع لم يرد أن يصلب: - مرقص (14 - 34): (فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت. امكثوا هنا واسهروا 15 ثم تقدم قليلاً وخرّ على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن 16 وقال يا أبا الاب كل شيء مستطاع لك. فأجز عني هذه الكأس). - يوحنا (12 - 27): (الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول. أيها الاب نجني من هذه الساعة). - عبرانيين (5 - 7): (الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع وطلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه). هكذا نرى أنّ يسوع كان يصرخ ويتضرّع حتى يخلصه الله من الصلب على عكس المتوقع إذ المفروض أن يكون سعيداً فرحاً بما يحدث؛ لأنه سوف يخلص البشرية من الخطيئة الأصلية. وقد استجاب الله دعاءه وسمع له من أجل تقواه وتم فداؤه بالشبيه ع. النصارى يستشهدون بنبؤات العهد القديم على أنّ حادثة الصلب موجودة وقد طبّقت حرفياً على السيد المسيح ع ويستشهدون بمزمور الإصحاح 22: (1.لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ عَلَى [أَيِّلَةِ الصُّبْحِ]. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ إِلَهِي ! إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي بَعِيداً عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي ؟ 2. إِلَهِي فِي النَّهَارِ أَدْعُو فَلاَ تَسْتَجِيبُ. فِي اللَّيْلِ أَدْعُو فَلاَ هُدُوءَ لِي. 3. وَأَنْتَ الْقُدُّوسُ الْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِ إِسْرَائِيلَ. 4. عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا فَنَجَّيْتَهُمْ). والحقيقة لو أنهم قرأوا النصوص جيداً لاتضح لهم بأنّ الله نجى عيسى ع. - العدد4 يقول: (عليك اتكلوا آباؤنا اتكلوا فنجيتهم). - وفي رسالة عبرانيين: (وسمع له من أجل تقواه). فأنزل الشبيه الذي صُلب عوضاً عنه. أمّا لماذا النبوءة موجودة في العهد القديم؛ ففي علم الله سوف تحصل حادثة الصلب وعيسى ع يعلم بها، ولذلك طلب من الآب أن ينجيه ويجز عنه هذا الكأس فسمع له من أجل تقواه. ورغم أنّ النصوص أعلاه واضحة على أنّ المصلوب شخص آخر لكن سنفتش الكتاب المقدس ونقف معه بعدد من الوقفات ليتبين لنا الأمر بوضوح بأنّ المصلوب هو شخص آخر ضحّى بنفسه لخلاص عيسى ع. إن شاء الله سأورد عشر وقفات استدل بها على أنّ المصلوب هو الشبيه الذي ضحّى بنفسه ليدفع عن المسيح ع الكأس. ** ** ** -الوقفة الأولى: لقد دعا السيد المسيح الله، ويقرّ الإنجيل إنّ الله قد استجاب له، فهل حدث ذلك ؟ نرى هذا في الرسالة إلى العبرانيين الإصحاح 5 العدد 7: (الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرّعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه). النص يخبرنا أنّ المسيح طلب من الله بالصراخ الشديد والدموع وتضرّع له أن يخلصه من الموت، ويقرّ النص أنّ الله سمع له من أجل تقواه. وهناك نص آخر يخبرنا بالحقيقة في مزمور الإصحاح 91 العدد 14: (لأنه تعلق بي أنجيه. ارفعه لأنه عرف اسمي). وفي مزمور الإصحاح 91 العدد 15: (يدعوني فاستجيب له. معه أنا في الضيق. أنقذه وأمجّده). فماذا نقول في هذه النصوص ؟؟ فالمزامير كما يؤمن النصارى هي نبؤات عن السيد المسيح، وتخبرنا أنّ الله أنقذه ونجّاه بل ورفعه أيضاً وهو يدعو الله فيستجيب له، وأيضاً إنجيل متى يخبرنا بما حدث بينه وبين الشيطان حينما كان يجربه: إنجيل متى الإصحاح 4 العدد 6: (وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل. لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك. فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك). فنرى أنّ الشيطان يطلب منه كتجربة أو اختبار إن كان هو المسيح فليطرح نفسه أسفل فإن كان هو حقاً فلن يلحقه أذى؛ لأنّ الله يوصي به ملائكته فيحملونه على أيديهم كي لا تصطدم رجله بحجر، ويستدل الشيطان على كلامه هذا بما ورد في المزامير. ففي مزمور الإصحاح 91 العدد 11: (لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك). وفي مزمور الإصحاح 91 العدد 12: (على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك). فالشيطان كان يعرف المزامير ويعرف من كان المقصود بها فهل نجاه الله فعلاً ورفعه كما تخبرنا المزامير، وهل استجاب له الله كما تخبرنا رسالة العبرانيين ؟؟؟ نعم نجّاه الله؛ لأنّه طلب رفع الکأس عنه. يسوع يدعو ويتوسّل ليعبر عنه هذا الكأس: إنجيل مرقس الإصحاح 14 - 35: (ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36 وَقَالَ: «يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ). فأرسل الله للمسيح ملاكاً لينجيه من بين أعدائه، ففي إنجيل لوقا الإصحاح 22 - 43: (وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيه). * * * -الوقفة الثانية: لماذا قال بطرس: (إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ)؟؟ ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح 16: (16 بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضاً تَرَوْنَنِي، لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ»). وقد اتضح معنى (بعد قليل لا تبصرونني، ثم بعد قليل أيضاً ترونني) في بحث أوصاف المعزي وإن المقصود هنا الشبيه، فراجع. وفي إنجيل يوحنا الإصحاح 13: (33 يَا أَوْلاَدِي، أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ. سَتَطْلُبُونَنِي، وَكَمَا قُلْتُ لِلْيَهُودِ: حَيْثُ أَذْهَبُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا، أَقُولُ لَكُمْ أَنْتُمُ الآنَ. 34 وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. 35 بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ». 36 قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «حَيْثُ أَذْهَبُ لاَ تَقْدِرُ الآنَ أَنْ تَتْبَعَنِي، وَلكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي أَخِيرًا». 37 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الآنَ ؟ إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ !». 38 أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَتَضَعُ نَفْسَكَ عَنِّي ؟ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ حَتَّى تُنْكِرَنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ). لو نظرنا إلى النص لوجدنا الآتي: (36 قال له سمعان بطرس يا سيد إلى أين تذهب. أجابه يسوع حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني ولكنك ستتبعني أخيراً. 37 قال له بطرس يا سيد لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن. إني أضع نفسي عنك. 38 أجابه يسوع أتضع نفسك عني. الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرّات). ما الذي جعل سمعان بطرس يقول: أضع نفسي عنك ؟ فالنصوص تخبرنا أنّ المسيح ع لم يحدَّثهم عن أي سوء سيحدث له ؟؟ إذن هناك شيء أخبرهم به المسيح ع، وهو السبب في أن يقول المسيح ع لا تستطيع الآن أن تتبعني، وهو نفس الشيء الذي جعل سمعان بطرس يقول: (أضع نفسي عنك)، ولماذا يضع نفسه عنه ؟! ليستطيع أن يتبعه، فلو صعد المسيح ع إلى الملكوت ورفعة الله لن يستطيع أن يتبعه سمعان بطرس إلا بطريقة واحدة وهي (الرفع)، ولذالك يريد سمعان أن يضع نفسه مكان المسيح ليصلب وبذلك يستطيع أن يتبعه في الملكوت. وهذا النص يؤكّد بأنّ المسيح ع أخبرهم بما يريد أن يفعله اليهود وأخبرهم بأنّ الله سبحانه وتعالى سينصره وسيرفعه، ولذلك تمنّى سمعان أن يضع نفسه مكان المسيح ليستطيع أن يتبعه ويدخل الملكوت، ولذلك يسأل سمعان متعجباً لماذا لا يستطيع أن يتبعه، لماذا لا أستطيع أن أتبعك إني أضع نفسي عنك؛ لأن هناك شبيهاً أعده الله بدل عيسى ع وعندما أُلقي الشبه على الفادي الذي نزل لأداء هذه المهمة (فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله. 64 قال له الشببيه أنت قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء) ([73]). لم يقل الشبيه أنا هو كما كان المسيح ع يفعل دائماً. -الوقفة الثالثة: صمت المصلوب أمام بيلاطس وهيرودس ! صمت المقبوض عليه أمام بيلاطس كما ورد في متى الإصحاح 13 العدد 27: (فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً). فإن كان هو المسيح فلماذا لم يجيبه ؟؟ على الرغم من فصاحة لسان السيد المسيح وشجاعته، وهو الذي بكّت الناس علانية ؟!! بل إنه عندما أرسلوا المقبوض عليه لهيرودوس فرح هيرودوس كثيراً؛ لأنه كان يريد أن يرى السيد المسيح ويسمع منه، بل ويرى أية معجزة منه وسأله أشياء كثيرة فماذا حدث ؟؟؟ يروي لنا لوقا تلك الواقعة الإصحاح 8 العدد 23: (وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدّاً؛ لأنّه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجّى أن يرى آية تصنع منه). ويقول لوقا عن تلك الواقعة الإصحاح 9 العدد 23: (وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء). ويوجد دليل آخر على أنّ المصلوب ليس هو المسيح بل الشبيه: (12 وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ اَلْكَهَنَةِ وَاَلشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. 13 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: "أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟" 14فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى تَعَجَّبَ اَلْوَالِي جِدّاً). أكان هذا هو السيد المسيح الذي بكّت اليهود، أم هل هو الذي جاء من أجل عقيدة الخلاص ولم يتكلم بها كلمة واحدة ؟؟؟ * * * -الوقفة الرابعة: ماذا كانت تهمة المصلوب كما يزعم النصارى ؟ فقد صلبه اليهود من أجل التجديف، فإن كان الهدف من التجسّد هو الصلب كي ترفع الخطية أما كان للمقبوض عليه أن يُثبت هذه التهمة كي يصلبوه ويتم الصلب والفداء ؟؟ لكن هل فعلاً ثبتت عليه تهمة التجديف ؟؟ لم يُثبت المقبوض عليه هذه التهمة أبداً، ونرى هذا من خلال كلام بيلاطس كما يروى إنجيل لوقا الإصحاح 13 العدد 23: (فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب). - إنجيل لوقا الإصحاح 23 العدد 14 وَقَالَ لَهُمْ: («قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ). - إنجيل لوقا الإصحاح 23 العدد 4: (فَقَالَ بِيلاَطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ: إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإِنْسَان). * * * -الوقفة الخامسة: إجابتان مختلفتان تسقطان زعمهم بأنّ المصلوب هو نفسه السيد المسيح ع هنا نقطة مهمة للغاية، سؤال وجهه اليهود للسيد المسيح في الهيكل في رواق سليمان وتم توجيه نفس السؤال للمقبوض عليه قبل أن يُصلب، فنجد أنّ هناك إجابتين مختلفتين تماماً؛ فإن كان المسيح هو الذي صُلب فاختلاف الإجابة على نفس السؤال الموجه من نفس القوم لا يعني إلا أنّ هناك شخصين مختلفين. في إنجيل يوحنا الإصحاح 10 العدد 23: (وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان. فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى متى تعلّق أنفسنا. إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. أجابهم يسوع إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم. 27 خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. 28 وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي). فقد سأله اليهود إن كان هو المسيح فأجابهم بأنّه قال لهم من قبل ولم يؤمنوا به ولم يصدّقوه ويستدل على صدقه بالأدلة ألا وهي المعجزات والأعمال التي صنعها باسم الله والتي أيده بها، ولكنهم لم يؤمنوا ولم يصدقوا؛ لأنهم ليسوا من أتباعه وليسوا من المؤمنين به، ولكن أتباعه يعرفونه ويؤمنون به ويعرفون تعاليمه وهو يعرفهم وهم يتبعونه. أرأيتم، سألوه إن كان هو المسيح فأجاب بالإيجاب وساق لهم الأدلة. ولكن نفس السؤال تم توجيهه للمقبوض عليه فبماذا أجاب ؟؟ يروي لنا كاتب إنجيل لوقا في الإصحاح الثاني والعشرين بدءاً من العدد السابع والستين: (قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا. فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون. وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني). يجيبهم المقبوض عليه بأنكم ستنكرون الحقيقة إن قلتها، وإن أجابهم بغير الذي يريدونه سوف لن يصدّقوه، وإن سألهم لن يجيبوه ولا يطلقوه !! هل هذه الإجابة هي نفس الإجابة التي أجاب بها السيد المسيح في الهيكل ؟؟!! إنجيل متى الإصحاح السادس والعشرون العدد 64: (قَالَ لَهُ يَسُوعُ أَنْتَ قُلْتَ ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ). أيضاً يجيب المقبوض عليه أنهم من يدعون ولم يقل هو شيئاً مما يدعون !! وفي لوقا الإصحاح 70 العدد 22: (فقال الجميع أفانت ابن الله. فقال لهم أنتم تقولون إني أنا هو). مازال مصرّاً على ردّه بأنهم هم من يدّعون وليس هو من يقول. فإذا رجعنا لما قاله السيد المسيح وما ردّ به في رواق الهيكل علی اليهود وبين ردّ المقبوض عليه لوجدنا اختلافاً كبيراً وتعارضاً لا يحله إلا أن يكون الثاني هو الشبيه. * * * -الوقفة السادسة: المسيح جالس عن يمين قوة الله بماذا أخبر المقبوض عليه اليهود عن المسيح ؟؟ نراجع هذا في ردّ المقبوض عليه بعد أن سألوه إن كان هو المسيح فنراه يجيب بالآتي: (قال له يسوع أنت قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء) ([74]). أنتم تدّعون إني المسيح، وأيضاً أقول لكم منذ الآن أي في اللحظة التي يحدّثهم فيها يكون ابن الإنسان وهو أحد ألقاب المسيح في الكتاب - جالساً عن يمين القوة !!! الشبيه بين أيديهم ويسألونه إن كان هو المسيح فيجيبهم أنتم تدعون هذا وليس أنا وفي اللحظة التي أحدثكم فيها يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله. -الوقفة السابعة: كلكم ستشكّون فيّ الحديث الآن عن (شبه لهم)، الإنجيل يقر بآية (ولكن شبه لهم). يقول سبحانه في القرآن الكريم حاكياً قول اليهود: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾([75]). قول المسيح لهم قبل القبض عليه بأنهم جميعاً سيشكون في شخصه كما نرى في إنجيل متى الإصحاح 31 العدد 26: (حينئذٍ قال لهم يسوع كلكم تشكّون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب إني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية). وأيضاً في إنجيل مرقس الإصحاح 14 العدد 27: (وقال لهم يسوع إنّ كلكم تشكّون فيّ في هذه الليلة. لأنه مكتوب إني أضرب الراعي فتتبدد الخراف). فالسيد المسيح ع شخصية شهيرة لدى الجميع في وقته فهل كان يمكن أن يشكّوا في شخصه كما أخبرهم السيد المسيح ؟! وشكهم حصل لقناعتهم بعدم الإمساك به من قبل اليهود؛ لأنه لطالما أخبرهم عيسى ع بأن اليهود لن يتمكنوا منه، هذا ما دفعهم للهروب حالما تم القبض على المصلوب. فالجميع كما أخبرهم المسيح سيشكّون في شخصه وسيكونون في ريبة منه وظن وشك !! * * * -الوقفة الثامنة: عيسى ع يطلب من الله أن يرفع عنه الكأس ولا يصلب من العجيب ألا يكون يسوع سعيداً فرحاً مسروراً؛ لأنه نجح في تحقيق هدفه وهو الصلب حتى يخلص البشرية من خطيئة آدم. فيسوع وقت الصلب كان حزيناً باكياً يدعو الله أن يعبر عنه الصلب. وهذا أمر محير جداً، فكيف يدعو يسوع ويبكى من أجل عدم صلبه وهو من وضع خطه الصلب لإنقاذ البشر من الهلاك ؟؟؟؟ لقد وصفت النصوص يسوع وموقفه الدامي الحزين المبكى قبل صلبه وصفاً يتضح منه أن يسوع لم يرد أن يصلب: - مرقص (14 - 34): (فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت. امكثوا هنا واسهروا 15 ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلى لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن 16 وقال يا أبا الاب كل شيء مستطاع لك. فأجز عنى هذه الكأس). - يوحنا (12 - 27): (الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول. أيها الاب نجني من هذه الساعة). - عبرانيين (5 - 7): (الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع وطلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه). هكذا نرى أن يسوع كان يصرخ ويتضرع حتى يخلصه الله من الصلب على عكس المتوقع أن يكون سعيداً فرحاً بما يحدث؛ لأنه سوف يخلص البشرية من الخطيئة الأصلية. وقد استجاب الله دعاءه وسمع له من أجل تقواه وتم فداءه بالشبيه ع. النصارى يستشهدون بنبؤات العهد القديم على أن حادثة الصلب موجودة وقد طبقت حرفياً على السيد المسيح ع، ويستشهدون بالمزمور الثاني والعشرون: (لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ عَلَى [أَيِّلَةِ الصُّبْحِ]. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ إِلَهِي ! إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي بَعِيداً عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي ؟ 2 إِلَهِي فِي النَّهَارِ أَدْعُو فَلاَ تَسْتَجِيبُ. فِي اللَّيْلِ أَدْعُو فَلاَ هُدُوءَ لِي. 3 وَأَنْتَ الْقُدُّوسُ الْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِ إِسْرَائِيلَ. 4 عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا فَنَجَّيْتَهُمْ). والحقيقة لو أنهم قرأوا النصوص جيداً لاتضح لهم بأن الله نجى عيسى ع، فالعدد الرابع يقول: (عليك اتكلوا آباؤنا اتكلوا فنجيتهم) هو نفسه في رسالة العبرانيين الإصحاح الخامس العدد السابع: (وسمع له من أجل تقواه). وأنزل الشبيه الذي صلب عوض عنه. أما لماذا النبوؤة موجودة في العهد القديم، ففي علم الله سوف تحصل حادثة الصلب وعيسى ع يعلم بها ولذلك طلب من الاب أن ينجيه ويجزي عنه هذا الكأس فسمع له من أجل تقواه. * * * -الوقفة التاسعة: هل من الأدب أن ينادي ابن أمّه بيا امرأة ؟! إنجيل يوحنا 19: 26: (فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَ ذَا ابْنُكِ»). وهل من الأخلاق أن ينادي إنسان أمه التي ولدته بيا امرأة ؟ (فلما رأى يسوع أمّه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً قال لأمه يا امرأة هو ذا ابنك. 27 ثم قال للتلميذ هو ذا أمك،...). انتبه، في نفس النص الذي يخاطب مريم بيا امرأة يقول ليوحنا هو ذا أمك !! أليس من الأولى أن يخاطبها بيا أمّاه لو كان هو عيسى ع كما قال ليوحنا هو ذا أمك ؟ إن يسوع يصرح بإكرام الأم فأين إكرامه لها وهو يناديها بهذه اللهجة لو كانت أمه ؟؟؟ متى (16 – 19): (وإذا واحد تقدّم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية 17 فقال له لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله. ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فأحفظ الوصايا 18 قال له أية الوصايا. فقال يسوع لا تقتل لا تزن لا تسرق. لا تشهد بالزور 19 أكرم أباك وأمك وأحب قريبك كنفسك). * * * -الوقفة العاشرة: وتأكيداً على أنهم أمسكوا الشبيه أنّ بطرس لا يعرفه في إنجيل متى 26: 72: (فَأَنْكَرَ أَيْضاً بِقَسَمٍ: "إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ اَلرَّجُلَ !" 73 وَبَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَ اَلْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: "حَقّاً أَنْتَ أَيْضاً مِنْهُمْ فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ !" 74 فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: "إِنِّي لاَ أَعْرِفُ اَلرَّجُلَ !" وَلِلْوَقْتِ صَاحَ اَلدِّيكُ). وهناك أناجيل غير معترف بها ذكرت بأنّ البديل أو الشبيه هو الذي حل محل السيد المسيح، منها: إنجيل توما، وإنجيل برنابا، وإنجيل بطرس. إنجيل توما: وهو إنجيل غير معترف به من قبل النصارى، وبعد أن نذكر بعض ما جاء به حول قضية صلب المسيح سنعرف لماذا لم يعترف به النصارى، والنسخ المكتشفة من إنجيل توما تعود إلى حوالي العام 150م كما قدر بعض خبراء المخطوطات. ويرجع المحقق كويستر هذا الإنجيل إلى منتصف القرن الأول الميلادي، وأرجعه المحقق كيسيبل إلى العام 140م. ويذكر إنجيل توما بعد أن وضّح بأن بديلاً عن المسيح ع هو من صُلب - و الكلام على لسان عيسى ع كما يرويه توما: (لم أخضع لهم كما أرادوا. وأنا لم أمت في الواقع بل في الظاهر لكيلا يلحقوا بي العار. لأن موتي الذي ظنوا أنهم أوقعوه بي إنما أوقعوه بأنفسهم في خطئهم والعمى. إذ مسمروا رجلهم على موتهم. لقد كان شخصاً آخر الذي شرب المر والخل. لم يكن إياي. ضربوني بالقصب ! لقد كان شخصاً آخر هو شمعون. الذي حمل الصليب على كتفه. لقد كان شخصاً آخر الذي وضعوا على رأسه التاج والشوك. وأنا كنت أضحك من جهلهم) ([76]). إنجيل برنابا: وهو أيضاً غير معترف به من قبل النصارى، فقد ادعى إنجيل برنابا أن الله ألقى شبه عيسى على يهوذا وأنه رُفع إلى السماء، وقد مهد لدعواه بإعلان أن المسيح ع سوف يحيا إلى نحو منتهى العالم، وأن جبريل قد أخبره بخيانة يهوذا، ثم أعلن يسوع أن الله سيصعده من الأرض وسيغير منظر الخائن (يهوذا) حتى يظنه كل أحد أنه يسوع ([77]). ثم يؤكد إنجيل برنابا القول بأن المسيح ع لم يوضع على الصليب أبداً، بل ألقى الله شبهه على يهوذا فصلب بديلاً عنه. ومما قاله برنابا: (الحق أقول إن صوت يهوذا وشخصه ووجهه بلغت من الشبه بيسوع أن اعتقد تلاميذه والمؤمنون به كافة أنه يسوع) ([78]). في إنجيل بطرس: وهو أيضاً إنجيل لا يعترف به النصارى، يقول عن يسوع ما يلي: (رأيته يبدو كأنهم يمسكون به، وقلت: ما هذا الذي أراه يا سيد ؟ هل هو أنت حقاً من يأخذون ؟.. أم أنهم يدقون قدميّ ويديّ شخص آخر ؟ .. قال لي المخلص .. من يُدخلون المسامير في يديه وقدميه هو البديل، فهم يضعون الذي بقي في شبهة في العار ! انظر إليّ، وانظر إليه). وفي كتابات أفيقبوس في نصف القرن الرابع أن أسقف أنطاكيا المتوفي سنة 210 يقول إن هذا الأسقف رفض الإعتراف بإنجيل بطرس الذي كان منتشراً في بلاد الشام وفلسطين، يقول القديس إيروزيموس سنة 253: إنّ هذا الإنجيل يقوم على هرطقات؛ لأنه متعارض مع الأناجيل الكنسية المستمدة من إنجيل بولس ([79]). هذا ما تخبرنا به الأناجيل الأخرى، وطبعاً علمنا الآن أحد أسباب رفض النصارى لهذه الأناجيل؛ لكونها تنفي حدوث واقعة الصلب والفداء لشخص عيسى ع وتنسف معتقدهم نسفاً وهم لا يقبلون بأي شيء يخالف معتقدهم حتى وإن كان صحيحاً. ومن الفِرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلاً عنه: الكورنثيون، والكربوكراتيون، والسيرنثيون. يقول جورج سايل: (إنّ السيرنثيين والكربوكراتيين، وهما من أقدم فرق النصارى، قالوا: إنّ المسيح نفسه لم يصلب ولم يقتل، وإنما صلب واحد من تلاميذه، يشبهه شبهاً تاماً، وهناك الباسيليديون يعتقدون أنّ شخصاً آخر صلب بدلاً من المسيح) ([80]). يقول المعزّي أحمد (السيد أحمد الحسن ع) ردّاً على سؤال حول المصلوب: (فليلتفتوا إلى مسألة أنّ عيسى تعرّض للصلب باطلة، وقد بينت بطلانها من الإنجيل وأقوال عيسى ع فيه وطلبه من الله أن يجزي عنه الصلب وعذابه، فإمّا أنّ الله قد استجاب دعاء عيسى ع ورفعه وأنزل شبيهاً له وهذا هو الصحيح، وإمّا أنّ الله لم يستجب دعاء عيسى ع، ومعنى قولهم هذا أنّ الله لا يعبأ بدعاء عيسى ع، وأيضاً يتّهمون عيسى ع بالسفه وضعف الإدراك وقلّة المعرفة، وإلاّ فما معنى أن يطلب عيسى أن يجزي الله عنه الصلب، إذا كان قادراً أن يصبر على عذاب الصلب دون أن يشتكي؛ وهو يعلم أنّ مسألة الصلب مهمّة في مسيرة الدين الإلهي. وأيضاً فليلتفتوا إلى الوثيقة التاريخية (إنجيل يهوذا) التي بينتها الجمعية التاريخية الدولية، وهي إحدى المخطوطات الأثرية التي عُثر عليها في مصر، وتاريخها يعود إلى بداية القرن الثالث الميلادي، أي قبل الإسلام وقبل بعث محمد ص، وفي هذه الوثيقة؛ إنّ عيسى لم يصلب بل صلب شخص آخر شبيه له. وما يهمنا هو أنّ مسألة الشبيه عموماً بغض النظر عن المصداق موجودة عند المسيحيين قبل أكثر من ألف وسبعمائة عام، وكما يقول المثل: لا يوجد دخان من غير نار. فلو لم يكن للأمر أثر لما ظهر عند المسيحيين الأوائل وفي عقائدهم. فالسؤال الذي لابد أن يتنّبه له المسيحيون ويسألوا أنفسهم عنه؛ هو من أين أتت هذه الفرقة من المسيحيين القدماء بأنّ عيسى لم يصلب وأنّ من صلب هو شبيه له ؟ هل هي مجرّد أفكار ؟ وهل هذه المسألة فكرية أم تاريخية نقلية ؟ هل يمكن مثلاً القول إنّ هذه الفرقة اعتقدوا أنّ عيسى ع لم يصلب وأنّ من صلب هو شبيه له دون أن يكون هناك نقل تاريخي وصلهم عن طريق بعض من عاشوا زمن الصلب ؟!! أنصح كل مسيحي حرّ أن لا يهتم لقول الكنيسة اليوم: إن من كتبوا هذا الإنجيل أو هذا النص من المسيحيين الأوائل هم فرقة مهرطقة؛ لأنّ هذه الفرقة أيضاً لو سألتموهم في ذلك الزمان عن عقائد الكنيسة اليوم لقالوا إنها هرطقة، ولو سألنا آريوس وأتباعه عن الكنيسة اليوم لقالوا إنها مهرطقة، فشتم الكنيسة كل من يخالفها من المسيحيين بالهرطقة كما يفعلون اليوم مع شهود يهوا لا يقدّم ولا يؤخر ولا يخفي الحقيقة التي تجلّت الآن بوضوح؛ وهي أنّ ما تقوله الكنيسة اليوم أمر مختلف فيه بين المسيحيين الأوائل، بل ولا يزال مختلف فيه إلى اليوم وفرقة شهود يهوا المسيحية خير شاهد على هذا الاختلاف اليوم. والحقيقة الثابتة الآن - فيما يخص الصلب - أنّ هناك وثيقة تاريخية وقد تم تحليلها من جهات عالمية مختصة بالآثار وبأحدث الطرق العلمية وثبت أنها تعود لبداية القرن الثالث الميلادي، وفيها: أنّ عيسى لم يُصلب بل هناك شبيه صلب بدلاً عنه، فهل سيكتفي المسيحيون بتصريح الكنيسة: إنّ هذه الوثيقة تعود لفرقة مسيحية قديمة مهرطقة ؟!!! هل هذا الرّد من الكنيسة ردّ علمي؟! أليس مثلاً يمكن أن يقول لهم أي مخالف لماذا لا تكونون أنتم من يهرطق ؟! أليس الصحيح الآن وبعد ظهور هذه الحقائق أن يُبحث موضوع الصلب بموضوعية وبعلمية وبعيداً عن التعصّب والتقليد الأعمى ؟ وهذا نص من إنجيل يهوذا (وبحسب ترجمة حققتها الكنيسة مع النص القبطي) يبيّن بوضوح أنّ عيسى لم يصلب بل هناك من شُبه به وصلب بدلاً عنه. إنجيل يهوذا، المشهد الثالث: (وقال يهوذا: يا سيد، أيمكن أن يكون نسلي تحت سيطرة الحكّام ؟ أجاب يسوع وقال له: "تعالَ، أنه أنا [... سطرين مفقودين ..] لكنك ستحزن كثيراً عندما تري الملكوت وكل أجياله". وعندما سمع ذلك قال له يهوذا: "ما الخير الذي تسلمته أنا ؟ لأنك أنت الذي أبعدتني عن ذلك الجيل. أجاب يسوع وقال: "ستكون أنت الثالث عشر وستكون ملعوناً من الأجيال الأخرى - ولكنك ستأتي لتسود عليهم. وفي الأيام الأخيرة سيلعنون صعودك [47] إلى الجيل المقدس). (Bعt yoع will exceed all of them. For yoع will sacrifice the man that clothes me). (ولكنك ستفوقهم جميعاَ لأنك ستضحي بالإنسان الذي يرتديني. ويرتفع قرنك حالاً. ويضرم عقابك الإلهي. ويظهر نجمك ساطعاً وقلبك [...] [57]). وفي النص المتقدّم: أولاً: يهوذا يشبه بعيسى ويصلب بدلاً عنه ويضحّي بنفسه. ثانياً: إنّ يهوذا سيأتي في آخر الزمان ليسود. فلابد أن يكون يهوذا المذكور في بعض نصوص إنجيل يهوذا كالنص المتقدم هو غير يهوذا الاسخريوطي الذي سلم عيسى كما في نهاية إنجيل يهوذا: (واقتربوا من يهوذا وقالوا له: ماذا تفعل هنا ؟ أنت تلميذ يسوع، فأجابهم يهوذا كما أرادوا منه واستلم بعض المال وأسلمه لهم)([81]). ومع الالتفات إلى أنّ كلمة يهوذا تعني بالعربي الحمد أو أحمد، أي: اسم المهدي أو المنقذ أو المعزّي الموعود به في آخر الزمان؛ يتوضّح أنّ المراد بيهوذا الآخر الذي شُبه بعيسى وصُلب بدلاً عنه والذي خاطبه عيسى ع بأنه سيعود ويسود في آخر الزمان هو المنقذ والمعزّي والمهدي (أحمد) المذكور في التوراة والإنجيل والقرآن ووصية رسول الله محمد ص) انتهى. وستتضح جلية الأمر من الجواب الذي أجاب به السيد أحمد الحسن ع عن السؤال الآتي: س/ ما هي قصة عيسى ع ؟ وكيف شبه لهم بقوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾([82]). ج/ (بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين. عيسى ع في الليلة التي رفع فيها واعد حوارييه، فحضروا عنده، إلا يهوذا الذي دل علماء اليهود على عيسى ع، فقد ذهب إلى المرجع الأعلى لليهود، وقايضه على تسليم عيسى ع لهم. وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى ع، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صُلب وقُتل)، فكان درعاً له وفداء، وهذا الشبيه هو من (الأوصياء من آل محمد ص)، صُلب وقُتل وتحمل العذاب لأجل قضية الإمام المهدي ع. وعيسى علم يصلب ولم يقتل، بل رُفع فنجّاه الله من أيدي اليهود وعلمائهم الضالين المضلين (لعنهم الله)، قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾. وفي الرواية في تفسير علي بن إبراهيم، عن أبي جعفر ع، قال: (إنّ عيسى عوعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا عند المساء، وهم إثنا عشر رجلاً، فأدخلهم بيتاً ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إنّ الله رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيّكم يلقي عليه شبحي فيُقتل ويُصلب ويكون معي في درجتي؟ قال شاب منهم: أنا يا روح الله. قال: فأنت هُوَ ذا ... ثم قال ع: إنّ اليهود جاءت في طلب عيسى ع من ليلتهم … وأخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسىع فقُتل وصُلب) ([83]). فالإمام الباقر ع يقول: (اجتمع إثنا عشر)، بينما الذين جاءوا من الحواريين هم (أحد عشر)، فيهوذا لم يأتِ، بل ذهب إلى علماء اليهود ليسلم عيسى ع، وهذا من المتواترات التي لا تنكر، فالثاني عشر الذي جاء أو قل الذي نزل من السماء، هو الوصي من آل محمد ع، الذي صُلِبَ وقُتِلَ ، بعد أن شُبِهَ بصورة عيسى ع. وكانت آخر كلمات هذا الوصي عند صلبه هي : (إيليا، إيليا، لما شبقتني)، وفي إنجيل متى: (... صرخ يسوع بصوت عظيم إيلي إيلي لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني. فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا، قالوا: إنه ينادي إيليا ... وأمّا الباقون فقالوا أترك لنرى هل يأتي إيليا يخلصه. فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح. وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت ...) ([84]). والحقيقة أنّ ترجمة الكلمات التي قالها هكذا: (يا علي، يا علي، لماذا أنزلتني)، والنصارى يترجمونها هكذا: (إلهي، إلهي، لماذا تركتني) كما تبيّن لك من النص السابق من الإنجيل. والإنزال أو الإلقاء في الأرض من السماء قريب من الترك. ولم يقل هذا الوصي هذه الكلمات جهلاً منه بسبب الإنزال، أو اعتراضاً على أمر الله سبحانه وتعالى، بل هي سؤال يستبطن جوابه، وجهه إلى الناس: أي افهموا واعرفوا لماذا نزلتُ ولماذا صلبتُ، ولماذا قتلتُ، لكي لا تفشلوا في الامتحان مرّة أخرى إذا أعيد نفس السؤال، فإذا رأيتم الرومان (أو أشباههم) يحتلون الأرض، وعلماء اليهود (أو أشباههم) يداهنونهم، فسأكون في تلك الأرض فهذه سنّة الله التي تتكرّر، فخذوا عبرتكم وانصروني إذا جئت ولا تشاركوا مرّة أخرى في صلبي وقتلي. كان يريد أن يقول في جواب السؤال (البيَّن لكل عاقل نقي الفطرة): صُلبتُ وتحملتُ العذاب وإهانات علماء اليهود، وقُتلتُ لأجل القيامة الصغرى، قيامة الإمام المهدي ع، ودولة الحق والعدل الإلهي على هذه الأرض. وهذا الوصي عندما سأله علماء اليهود والحاكم الروماني: هل أنت مَلِك اليهود ؟ كان يجيب أنت قلت، أو هم يقولون، أو أنتم تقولون، ولم يقل نعم، جواب غريب على من يجهل الحقيقة، ولكنه الآن توضّح. فلم يقل: نعم؛ لأنه ليس هو مَلِك اليهود، بل عيسى ع الذي رفعه الله، وهو الشبيه الذي نزل ليُصلب ويُقتل بدلاً عن عيسى ع. وهذا نص جوابه - بعد أن ألُقِيَ عليه القبض - من الإنجيل: (فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح. قال له يسوع : أنت قلت...) ([85]). - (... فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أ أنت مَلِك اليهود. فقال له يسوع: أنت تقول ...) ([86]). - (... فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود فأجاب وقال له أنت تقول ...) ([87]). - (... فقال الجميع أ فأنت المسيح فقال لهم أنتم تقولون أني أنا هو ...) ([88]). - (...33 ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع، وقال له أنت ملك اليهود. 34 أجابه يسوع أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. 35 أجابه بيلاطس أ لعلي أنا يهودي. أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلي. ماذا فعلت. 36 أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسَلَّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. 37 فقال له بيلاطس أ فأنت إذا مَلِك. أجاب يسوع أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق ...) ([89]). وفي هذا النص الأخير بيَّنَ الوصي أنه ليس من أهل الأرض في ذلك الزمان، بل نزل إليها لإنجاز مهمة وهي فداء عيسى ع، حيث ترى أنّ هذا الوصي يقول: (مملكتي ليست من هذا العالم)، (ولكن الآن ليست مملكتي من هنا)، (ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق). عن رسول الله ص قال: (ينزل عيسى ابن مريم ع عند انفجار الصبح مابين مهرودين وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهناً، بيده حربة، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويهلك الدجال، ويقبض أموال القائم، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن ع) ([90]). وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع: (... ويعود دار الملك إلى الزوراء، وتصير الأمور شورى من غلب على شيء فعله، فعند ذلك خروج السفياني، فيركب في الأرض تسعة أشهر يسومهم سوء العذاب، فويل لمصر، وويل للزوراء، وويل للكوفة، والويل لواسط، كأني أنظر إلى واسط وما فيها مخبر يخبر، وعند ذلك خروج السفياني، ويقل الطعام، ويقحط الناس، ويقل المطر، فلا أرض تنبت ولا سماء تنزل، ثم يخرج المهدي الهادي المهتدي الذي يأخذ الراية من يد عيسى بن مريم ...) ([91]). وتوجد أحاديث كثيرة تدل على أنّ عيسى علم يُصلب ولم يُقتل، بل الذي صُلب وقُتل هو شبيه عيسى ع. عن أبي عبد الله ع قال: (رفع عيسى ابن مريم ع بمدرعة من صوف من غزل مريم ص ومن خياطة مريم، فلما انتهى إلى السماء نودي: يا عيسى بن مريم، ألق عنك زينة الدنيا) ([92]). وعن الرضا ع، قال: (ما شُبِهَ أمر أحد من أنبياء الله وحججه ص للناس إلا أمر عيسى بن مريم ع وحده؛ لأنه رفع من الأرض حياً وقُبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء وردّ إليه روحه، وذلك قوله (: ﴿إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ﴾) ([93]). وعن النبي ص قال: (عيسى ع لم يمت وإنه راجعٌ إليكم قبل يوم القيامة) ([94]). والتَفْتْ إلى: أنّ عيسى نبي مرسل وقد طلب من الله سبحانه وتعالى أن يُعفى ويُصرف عنه الصلب والعذاب والقتل، والله سبحانه وتعالى لا يرد دعاء نبي مرسل، فالله استجاب له ورفعه وأُنزل الوصي الذي صُلب وقُتل بدلاً عنه. وفي الإنجيل عدّة نصوص فيها دعاء عيسى ع بأن يُصرف عنه الصلب والقتل، وهي: - (... ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ...) ([95]). - (... ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن * وقال يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فاجز عني هذه الكأس ...) ([96]). - (... وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى * قائلاً يا أبتاه إن شئت أن تُجز عني هذه الكأس ...) ([97]). وفي التوراة سفر إشعيا وفي الإنجيل أعمال الرسل الإصحاح الثامن هذا النص: (... مثل شاة سيق إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه ...). وكل الأنبياء والأوصياء المرسلين تكلّموا، لم يذهب أحد منهم صامتاً إلى الذبح، بل هم أُرسلوا ليتكلموا ويُبكتوا ويعظوا الناس، وعيسى ع بالخصوص كم بَكَّتَ العلماء والناس، وكم وعظهم فلا يَصدِقُ عليه أنه ذهب إلى الذبح صامتاً. بل هذا الذي ذهب إلى الذبح صامتاً هو الوصي: (شبيه عيسى) الذي صُلب وقُتل دون أن يتكلّم، أو يطلب من الله أن يُصرف عنه العذاب والصلب والقتل، ودون أن يتكلّم مع الناس. بل إذا ألحوا عليه وسألوه بإلحاح من أنت، هل أنت المسيح، لم يكن يجيبهم إلا بكلمة: أنت قلت. وهكذا ذهب إلى العذاب والصلب والقتل صامتاً راضياً بأمر الله، منفذاً لما أُنزل له، وهو أن يُصلب ويُقتل بدلاً من عيسى ع. ولأنه أصلاً لم يكن وقته قد حان ليُرسل ويُبلغ الناس ويتكلّم معهم، ذهب هكذا: مثل شاة سيق إلى الذبح، مثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه. أرجو أن يستفيد كل مؤمن يريد معرفة الحقيقة من هذا الموقف، فهذا الإنسان نزل إلى الأرض، وصُلب وقُتل ولا أحد يعرفه، لم يطلب أن يُذكر أو أن يُعرف، نزل صامتاً، وصُلب صامتاً، وقُتل صامتاً، وصعد إلى ربّه صامتاً، هكذا: إن أردتم أن تكونوا فكونوا...) انتهى ([98]). وهذا الجواب هو القول الفصل وليس بعد جواب آل محمد صقول. ** ** ** -5- هل هناك نصوص تقول لا يمكن الحصول على الحياة الأبدية إلا بالإيمان بعقيدة الصلب ؟ - لوقا (10 - 25): (وإذا ناموسي قام يجربه قائلاً يا معلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية 26 فقال له ما مكتوب في الناموس. كيف تقرا 27 فأجاب وقال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك). إذن فالحياة الأبدية لا تحتاج للصلب، لكن تحتاج إلى أن تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك، فأين الخطية والصلب في هذا النص ؟ - يوحنا (17 - 3): (هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته). يقول يسوع إنّ الحياة الأبدية هي أن تعرف أن لا إله إلا الله وأنّ المسيح خليفة الله ورسول منه سبحانه. - متى (19 - 16): (وإذا واحد تقدّم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية 17 فقال له لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله. ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فأحفظ الوصايا 18 قال له أية الوصايا. فقال يسوع لا تقتل لا تزن لا تسرق. لا تشهد بالزور 19 أكرم أباك وأمك وأحب قريبك كنفسك). أيضاً في هذا النص نفى يسوع أن يكون صالحاً الصلاح المطلق مثل الله سبحانه، فالصالح المطلق واحد فقط هو الله، وهو يرد فرية من يقول بأنه هو الراعي الصالح؛ بمعنى: هو الله سبحانه. وقال إنّ الحصول على الحياة الأبدية يتطلب ألا يقتل أحد أو يزني أو يسرق أو يشهد شهادة زور وأن يُكرم أباه وأمه ويحب قريبه، ولم يذكر النص من قريب أو من بعيد الخطيئة الأصلية أو الفداء والصلب. - متى (5 - 20): (فإني أقول لكم إنكم إن لم يزد برّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات). - يوحنا (5 - 28): (لا تتعجبوا من هذا. فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته 29 فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة). يسوع في هذه النصوص يقول: إنّ الأعمال الصالحة فقط هي التي تدخل الملكوت بدون الخلاص والفداء والصلب. -6- هل توجد أدلة على أنّ هناك شخصاً ثانياً صلب وضحّى من أجل عيسى ع ؟ ما هو السبب في أن يقول المسيح: (1 تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال أيها الآب قد أتت الساعة. مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضاً 2 إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته. 3 وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته. 4 أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته). إذن العمل قد اكتمل قبل الصلب. قالوا: إنّ المسيح الإله المتجسّد نزل من كرسي عظمته ليصلب لأجل فداء البشرية بأكملها من خطيئة آدم. نقول: لما کانت مسألة صلب المسيح هي نقطة ارتكاز العقيدة المسيحية فعليه لابد للمصلوب أن يبيّن هذا المرتكز بكل وضوح حتى لا تشوبه شائبة، وهو عارف بالنتيجة الحاصلة له، ولكننا بالمقابل نجده قد أنكر كل شيء بل لم ينطق بشيء وسيق كما ذكر في سفر إشعياء 53: (كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ). عيسى ع قد شتم معلمي الشريعة قائلاً لهم: (يا أولاد الأفاعي) ([99]). وشتمهم في موضع آخر قائلاً لهم: (أيها الجهّال العميان) ([100]). وقال لهم: (أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ ؟) ([101]). واتهمهم بالجهل والنفاق والرياء أمام الجموع بينما المصلوب صامت ؟؟ إن من الإنصاف أن نلاحظ بأن هناك تغيراً بين سيرة المصلوب وقبل الإمساك بالمصلوب، فنحن نرى تبشير عيسى بالملكوت القادم ونشر دعوته علانية بالمقابل نرى المصلوب صامتاً صمت المقبوض عليه أمام بيلاطس، كما ورد في متى الإصحاح 13 العدد 27: (فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك) ؟ (فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً) !! فإن كان هو المسيح فلماذا لم يجبه ؟؟ مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ: يقول السيد أحمد الحسن ع: (في إنجيل يوحنا إصحاح 18 ... 33: (ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع، وقال له أنت ملك اليهود. 34 أجابه يسوع أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. 35 أجابه بيلاطس أ لعلي أنا يهودي. اُمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلي. ماذا فعلت. 36 أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسَلَّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. 37 فقال له بيلاطس أ فأنت إذا مَلِك. أجاب يسوع أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق ...). وفي هذا النص الأخير بيَّنَ الوصي أنه ليس من أهل الأرض في ذلك الزمان، بل نزل إليها لإنجاز مهمة وهي فداء عيسى ع، حيث ترى أنّ هذا الوصي يقول: "مملكتي ليست من هذا العالم"، "ولكن الآن ليست مملكتي من هنا"، "ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق") ([102]) انتهى قول الإمام أحمد الحسن ع. هنا يؤكد المصلوب بأنّ مملكته ليست من هذا العالم بل ستكون مملكته في عالم آخر وسيكون له أنصار يجاهدون لكي لا يسلم لأشباه علماء اليهود، وسينتصر في ذلك العالم على كل الطواغيت والظلمة مع خدّامه. وهي مملكة أرضية وليست ملكوتية أو روحية کما يقول النصارى، وقد حان وقت هذا العالم بظهور المصلوب أحمد ع، وسيجاهد أنصاره لتحقيق دولة العدل الإلهي إن شاء الله بحوله وقوته سبحانه. * * * -الفصل الرابع: إلوهية عيسى ع إن اعتقاد النصارى بأنّ الله من الممكن أن يتجسّد ويحل في جسد بشري لهو اعتقاد بتغير حالة الله من حال اللاهوت المطلق إلى لاهوت وناسوت، وهذا كما أشرنا في الفصول السابقة منافٍ لكل ما جاء به الأنبياء والمرسلون السابقون. ونصوص الكتاب المقدس تبين بأوضح بيان إلوهية الله المطلق، ولا يمكن لإنسان أن يحلّ به الله ويحصل عليه التغير، ففي ملاخي 3 عدد 6: (لأني أنا الرب لا أتغيّر فأنتم يا بني يعقوب لم تفنوا). وقد صرح العهد القديم في أكثر من موقف: إن الله ليس إنسان ولا ابن إنسان فبأي دليل يستدلون على ألوهية عيسى ع ؟؟ نقرأ في عدد 23 عدد 19: (ليس الله إنساناً فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفي). وأيضاً صرح العهد الجديد على لسان عيسى ع: قال عيسى ع باطلاً يعبدونني: (فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم. 7 يا مراؤون حسنا تنبأ عنكم اشعياء قائلاً. 8 يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. 9 وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس) ([103]). إذن بهذه النصوص ونصوص أخرى سنوردها، وهي نصوص واضحة صريحة قطعية الدلالة على أنّ الله ليس كمثله شيء، والله لا يمكن أبداً أن يكون إنساناً ولا ابن إنسان كما يقولون. الله صفة، والصفة متأخرة عن الموصوف، أو هي غير الموصوف، ويمكن أن تكون الصفة إلى جانب صفات أخرى، فكيف تكون الصفة هي الموصوف ؟ وكلمة إله لا تقيد باللاهوت المطلق؛ لأن هناك من يؤله لهم وممكن وصفهم بأنهم الله في الخلق. ولنقف على بعض ما سطره المعزّي أحمد ع في كتابه التوحيد وهو يبطل هذا الاعتقاد وبنصوص محكمة، فندعوا كل منصف وعاقل أن يقرأ القول فيتبع أحسنه: يقول المعزّي أحمد ع (السيد أحمد الحسن ع): (النصارى أو كما يسمون أنفسهم المسيحيون جعلوا لنبي الله عيسى ع وهو عبد من عباد الله الإلوهية المطلقة والغنى المطلق، وحجتهم فقط بعض الكلمات في أناجيلهم مثل قول أبي والابن، مع أنّ هذه كلها مؤولة بأنّ المراد هو صفات الأبوة والبنوة لا ذاتها، أي: الرحمة والمداراة والتربية و .... والعطاء الذي ربما وصل إلى التضحية بالنفس من الأب إلى ابنه ويشترك الله سبحانه وتعالى ببعض الصفات مع الأبوة مع ملاحظة غناه سبحانه، وأيضاً من جهة الابن تجاه الأب يمكن ملاحظة صفة بر الابن الصالح بوالده وطاعته له في سلوك الأنبياء والأوصياء تجاه الله سبحانه وتعالى. والله سبحانه وتعالى يصل مع عبده في العطاء إلى أن يعطيه كله، فيخاطب عبده سبحانه وتعالى: "أنا حي لا أموت وقد جعلتك حياً لا تموت، أنا أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون") ([104]). وهذا هو الاتصاف بصفة الإلوهية في الخلق، أي أن يوصف العبد ببعض أوصاف الإلوهية مع ملاحظة فقره. فهذا العبد حي لا يموت ويقول للشيء كن فيكون وهي صفات الإلوهية، ولكن الذي جعله هكذا هو الله سبحانه وتعالى وهو يحتاج وفقير إلى الله ليبقى هكذا، أمّا الله سبحانه وتعالى فقد كان ولا يزال وسيبقى حياً لا يموت ويقول للشيء كن فيكون دون أن يحتاج أو يفتقر إلى أحد، وهذا يميّز بوضوح الفرق بين الاتصاف بصفة الإلوهية في الخلق (أو وجه الله أو يد الله أو طلعة الله في ساعير أو ظهور الله في فاران) التي مثلها خاصة أوليائه كمحمد ص وعيسى ع، وبين الإلوهية الحقيقية المحصورة بالله سبحانه وتعالى. ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾([105]). ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([106]). ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([107]). ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾([108]). ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾([109]). -هو الله سبحانه الواحد الأحد وكل من سواه خلقه: (الله سبحانه وتعالى ردّ في القرآن الكريم على الذين قالوا إنّ لله سبحانه ابناً انفصل عنه أو وُلِد منه أو صدر عنه بمعنى أنه لاهوت مطلق صدر عن لاهوت مطلق، أو الذين يقولون إنّ الإنسان المخلوق يمكن أن يرتقي حتى يكون موصولاً باللاهوت المطلق، أي أنّ حقيقة هذا الإنسان تكون اللاهوت المطلق؛ لأنه اتحد باللاهوت المطلق، وبهذا حسب تفكيرهم يكون اللاهوت المطلق قد نزل في الناسوت وبالجسد، أو بين الناس في إنسان منهم وهذا الإنسان يكون ابن الله. والحقيقة مع أن هذا الطرح العقائدي الذي تبناه العلماء غير العاملين باطل، ولكن الله سبحانه وتعالى ولرحمته خاطبهم وكلمهم حتى في تفاصيل التنظير لهذا الاعتقاد، فتجده تعالى يفصل لهم ويبين لهم مواضع الخلل في عقيدتهم. قال تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾([110]). ﴿أنَّى يَكُون لهُ وَلدٌ وَلمْ تَكنْ لهُ صَاحِبَةٌ﴾: وهذا النقض التام الذي كلمهم الله به لا يمكنهم رده بأي شكل أو صورة؛ حيث أن معناه: إنكم تقولون بوجود ولد له سبحانه وتعالى، وهذا الولد هو لاهوت مطلق (أي أنه كامل مطلق وغني مطلق لا يفتقر لغيره)، فإن قلتم إنه صدر منه وحده سبحانه وتعالى، فهذا يعني أن الابن مطابق للأب تماماً - وبغض النظر عن أن الحقيقة البسيطة المطلقة يستحيل تعددها - فأي معنى وأي حكمة من هذا الصدور، مع عدم وجود أي تمايز أو اختلاف أو تغاير يمكن تصوره ؟! فهل تقولون إن الأب غير حكيم ليصدر أو ليلد ابناً له لا فائدة له سبحانه أو لغيره من صدوره ؟! وإن قلتم بوجود الاختلاف أو التمايز أو التغاير - كما يصرّح النصارى اليوم إنّ الأقانيم متمايزة - فهذا يحتم وجود لاهوت ثانٍ ﴿...صَاحِبَةٌ...﴾ ليكون الابن صادراً عن الاثنين فلا يطابق أحدهما؛ لأنه صدر عنهما معاً، فهل أنتم تقولون بوجود اللاهوت الثاني (الصاحبة) الذي سبق الابن ([111]) !!!؟؟ فاعلموا أنكم إن قلتم بوجود الابن فلابد أن تقولوا بوجود اللاهوت الثاني (الصاحبة) قبله وإلا فكيف تقولون بوجود الابن (اللاهوت المطلق الذي صدر عنه) دون وجود اللاهوت المطلق الثاني (الصاحبة) ابتداءً معه سبحانه وتعالى، ووجود الإله المطلق الثاني (الصاحبة) ابتداءً معه سبحانه وتعالى محال؛ لأنّ اللاهوت المطلق حقيقة بسيطة مطلقة ولا يمكن أن تتعدد ﴿أنَّى يَكُون لهُ وَلدٌ وَلمْ تكنْ لهُ صَاحِبَةٌ﴾. وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾([112]). أي أن رتبتم ما توهمتوه من وجود الأقانيم الثلاثة (أو الأصول الثلاثة بهذه الصورة، فقلتم بوجود الأب (الله سبحانه وتعالى)، واللاهوت المطلق الثاني الصاحبة، ثم صدر عنهما اللاهوت المطلق الثالث (الاقنوم الثالث) الروح القدس، فالكلام يكون في وجود اللاهوت الثاني ابتداءً مع الله سبحانه وتعالى، فهل يوجد تمايز بينهما أم لا ؟ أي أنّ كليهما واحد ؟ فمن يختار أن كليهما واحد يعود عليه النقض السابق؛ لأنّ الصادر عنهما مطابق لكل واحد منهما، ومن يختار التمايز بينهما ستنتقض عنده إلوهية الثاني إلوهية مطلقة؛ لورود النقص عليه، فالتمايز لا يكون إلاّ بالكمال المطلق ﴿.... وَلعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْض سُبْحَان اللَّهِ عَمَّا يَصِفون﴾. والعلماء غير العاملين لأنهم نكسوا فطرتهم وانقلبوا رأساً على عقب، قالوا إنّ لله ولداً. سبحانه وتعالى عما يصفون ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ( وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾([113]). فلو أنهم عادوا إلى فطرة الله وتفكروا في آلاء الله لأنقذوا أنفسهم من هذا الهلاك المبين وتجنبوا الكلام فيما لا يعلمون، وكلام الإنسان فيما لا يعلم كذب ﴿إنَّهُمْ َلكاذِبُون﴾. قال تعالى: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾([114]). وأيضاً: نقض الله سبحانه وتعالى عليهم مبدأ تعدّد اللاهوت المطلق من أساسه كيفما كان الاعتقاد به: قال تعالى: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾([115]). ﴿قاُلوا اتَّخَذ اللَّهُ وَلدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنيُّ﴾: ومبدأ هذا النقض على كل من قال بتعدّد اللاهوت المطلق - سواء بالبنوة أم بصورة أخرى يتوهمها من ضل عن سواء السبيل- هو أنّ الله قد أودع في فطرة الإنسان ما يميّز به بين الحكمة والسفه ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾([116]). فكل من استعمل هذا الميزان سيحكم بأن القول بتعدد اللاهوت مع عدم وجود مائز هو سفه ولا حكمة فيه. وبالتالي لا يبقى إلا القول بالتمايز، وهذا يُنقض بكلمة واحدة ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنيُّ﴾. فالتمايز في اللاهوت لا يكون إلا في الكمال، فيتعين فقر ونقص غيره فينتقض قول إنّ غيره لاهوت مطلق. أمّا بالنسبة لمسألة ارتقاء الإنسان، فإنّ الله خلق الإنسان وأودع فيه الفطرة التي تؤهله إلى الارتقاء حتى يكون أسماء الله وصورة الله وتجلي الله والله في الخلق، ولكنه مهما ارتقى لن يكون لاهوتاً مطلقاً ولا غنياً مطلقاً، بل يبقى مخلوقاً وفقيراً إلى الله سبحانه وتعالى ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾([117]). يكاد لا أنه يضيء من نفسه فيكون لاهوتاً مطلقاً، فكل من سواه خلقه وفقراء إليه سبحانه وتعالى: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾([118]). وفي هذا النقض المتقدم الذي جاء في القرآن الكريم كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد) ([119]). يقول المعزّي أحمد ع: (أمّا قولهم إنه واحد أحد مع قولهم بالأقانيم الثلاثة المتمايزة المستقلة بذاتها والتي يرسل بعضها بعضاً، وقولهم بوجود علاقة بينها كعلاقة البنوة والأبوة ..... الخ، فهو قول يعلمون أنه سفيه وإلا كيف تجتمع الوحدة الأحدية مع تعدّده وتجزئته وتمايز أجزائه وإن لم يسمّوها أجزاء. ولو أعرضنا عن كل ما تقدم فبيان باطلهم يكفيه هذا البيان إن كانوا يعقلون: إنّ الله نور لا ظلمة فيه، وكل عوالم الخلق هي نور مختلط بالظلمة وموجودات ظهرت بتجلي نوره سبحانه في الظلمات، ولذا فلا يمكن اعتبار أنّ الله قد حل في مخلوق أو ظهر في مخلوق ظهوراً تاماً في عوالم الخلق - كما يدعون بعيسى والروح القدس -؛ لأنّ معنى هذا أنها لا تبقى بل تفنى ولا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه أي لا يبقى خلق، بل فقط الله سبحانه وهو نور لا ظلمة فيه) ([120]). ولذا قال المعزّي أحمد ع وفي كثير من كتبه إن محمداً يخفق بين اللاهوت والأنا والإنسانية ([121])، وأكد: (هذا لكي لا يتوهم متوهم أنّ الله - وهو نور لا ظلمة فيه - يحل في عوالم الخلق تعالى الله علواً كبيراً. والأمر بيّن واضح، فمعنى ظهور النور الذي لا ظلمة فيه في عوالم الخلق ظهوراً تاماً هو فناؤها واندثارها ولا يبقى لها اسم ولا رسم ولا معنى بل لا يبقى إلا الله النور الذي لا ظلمة فيه تعالى الله علواً كبيراً) ([122]). ويبيّن المعزّي أحمد ع في تفسيره لبعض النصوص الواردة في الكتاب المقدس والتي توهم البعض على أنها تشير إلى لاهوت مطلق، وبيَّنها بأفضل بيان: (في وصف معنى إتيان الله ويد الله وغيرها التي تصف الله بهيئة وجهة، ومنها المذكورة في الكتاب المقدس وأيضاً في القرآن والتي توهم البعض على أنها تعني الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. هذا مثال من النص على رسول الله محمد ص من العهدين القديم والجديد (التوراة والإنجيل): - حبقوق، الإصحاح الثالث: (1 صلوة لحبقوق النبي على الشجوية 2 يا رب قد سمعت خبرك فجزعت. يا رب عملك في وسط السنين أحيه. في وسط السنين عرف. في الغضب أذكر الرحمة 3 الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه. 4 وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى). المعنى: الله جاء من تيمان أي الله جاء من اليمن، والقدوس من جبل فاران أي القدوس جاء من مكة. وتعالى الله أن يوصف بالمجيء من السماء فكيف من الأرض؛ لأنّ الإتيان والمجيء يستلزمان الحركة وبالتالي الحدوث وبالتالي نفي الإلوهية المطلقة، فلا يمكن أن يعتبر أنّ الذي يجيء من تيمان أو اليمن هو الله سبحانه وتعالى، ولا الذي يجيء من فاران هو القدوس سبحانه وتعالى، هذا فضلاً عن الأوصاف الأخرى كاليد تعالى الله عنها علواً كبيراً (وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى). بل الذي يجيء هو عبد الله محمد ص وآله ص من بعده حيث أنهم من مكة ومحمد وآل محمد ص يمانيون أيضاً ([123]). فمجيء محمد ص هو مجيء الله؛ لأنّ محمداً هو الله في الخلق، ومحمد هو ظهور الله في فاران كما بينته سابقاً في أكثر من موضع ([124]). وكون تيمان هي اليمن قد ورد حتى في الإنجيل على لسان عيسى ع عندما وصف ملكة اليمن بملكة التيمن (أو تيمان). - إنجيل متى، الإصحاح الثاني عشر: (ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهوذا أعظم من سليمان ههنا). - إنجيل لوقا، الإصحاح الحادي عشر: (ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان). انتهى كلام المعزّي أحمد ع. وسنورد بعض الروايات التي تدل على هذا المعنى: - عن أبي عبد الله ع في قول الله (: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾([125])، فقال: (إنّ الله ( لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه؛ لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى خلقه، لكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها. وقال: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾([126])، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾([127])، فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك، ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول: إنّ الخالق يبيد يوماً ما؛ لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيراً، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم إن شاء الله تعالى) ([128]). - وعن هاشم بن أبي عمارة الجنبي، قال: سمعت أمير المؤمنين ع يقول: (أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله) ([129]). وعن أبي عبد الله ع: (يا مفضل، كل بيعة قبل ظهور القائم ع فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم ع ظهره إلى الحرم، ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء، ويقول: هذه يد الله، وعن الله، وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾)([130]). - وفي دعاء الندبة المشهور الذي يندب به الإمام المهدي ع جاء فيه: (... أين وجه الله الذي يتوجّه إليه الأولياء ...). إذن فلنفتش الكتب فهي التي تشهد للمسيح: نقرأ في يوحنا 5: 30 (أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً.كما أسمع أدين ودينونتي عادلة لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني). لم نجد المسيح ع يدعي الإلوهية ولا الربوبية .. وإنما يقرّ ويعترف بالعبوية لله سبحانه وتعالى، فلا يستطيع أن يفعل شيئاً من تلقاء نفسه، ولا يطلب مشيئته بل مشيئة الله سبحانه وتعالى الذي أرسله. - إنجيل مرقس 12: (28 فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ: «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ ؟» 29 فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 30 وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. 31 وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ». 32 فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: «جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ). - رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس2: (5 لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ). عيسى ع هو وسيط بين الله والناس، بمعنى هو خليفة الله وحجة الله في أرضه ودفع له سلطان إحياء الموتى وشفاء الأمراض وغيرها من الأمور التي يتحلّى بها ممثل الله في أرضه، ولهذا اشتبه على القوم بأنّه لاهوت مطلق، بل إنّ تقصيرهم وضعفهم وعدم سعيهم لمعرفة الله دفعهم للتخلص من هذا الأمر بأن جعلوا من إنسان لاهوتاً مطلقاً يعبد من دون الله؛ ليلغوا عجزهم بجعل بشر يعبد الله، طهر نفسه ووصل بها إلى أن يكون وجه الله في أرضه، هم بعجزهم وتقصيرهم جعلوا منه خارقاً للعادة ووضعوه بمرتبة الإلوهية المطلقة، وإلا لا يوجد نص قطعي يدل على إلوهية المسيح وعكسه الكثير. -يسوع يُقر أنّ الله أعظم منه: - يوحنا 14: 28 (لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي). وأقر أنّه رسول لله، فقال يوحنا 8: 29 (29 وَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ). - وقال يوحنا 5: 24 (اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ). وأقر بذلك مرّة أخرى أن الله أعظم منه، يوحنا 14: 16 (إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ). تجد قمة التوحيد، واعتراف يسوع بأنّه عبد مُرسل من عند الله ورفضه أن يسجد له، يقول يوحنا كما في رؤيا يوحنا الإصحاح 22 العدد 9: (فقال لي انظر لا تفعل. لأني عبد معك ومع أخوتك الأنبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب. أسجد للّه). ومثلها الكثير من النصوص ويمكن الرجوع إلى (يوحنا: 5 : 19) و (يوحنا: 10 : 29) و (يوحنا: 17 : 3)، و (يوحنا: 17 : 7). -ما هي النصوص التي يستدلون بها على إلوهية عيسى ع سنورد بعضها مما يعتبرونه أقوى النصوص الدالة على ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، وكما يلي: النص الأول: يوحنا الإصحاح الثامن: قالوا: قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: (الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ». 59 فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازًا فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هكَذَا). إذن هو كائن قبل إبراهيم فنستنتج من ذلك بأنه أزلي ! نقول: هذه العبارة يفهمها بعض الكتّاب المسيحيين على أنها تعادل عبارة (أنا الله) أو (أنا الرب) أو (أنا يهوه) الذي هو اسم الجلالة بحسب التوراة العبرية. وعلى الرغم من إمكانية حسم الجدال بشأن هذه المسألة بكلمة واحدة هي القول بأنّ عبارة (أنا الله) أو (أنا الرب) لا تعني سوى أنّ المسيح ع تجلٍ لله في الأرض ولاهوته ليس لاهوتاً مطلقاً، غير أننا يمكن أن نفهم من العبارة التي يستدلون بها دلالات كثيرة لا علاقة لها على الإطلاق بما يذهب إليه المسيحيون. وسنكتفي هنا بدلالة واحدة محتملة ليسقط استدلالهم؛ لأنّه طالما كان يوجد احتمال لفهم آخر غير الفهم الذي قرّروه يكون هذا كافياً لسقوط فهمهم؛ لأن بقاءه والركون إليه يعتمد بالضرورة على ركيزة كونه الدلالة الوحيدة التي يمكن أن نفهم كلام عيسى ع على وفقها، ومع ورود احتمال آخر، يستحيل كلام عيسى متشابهاً، أو متعدد الدلالات، وبالتالي لا يمكن القطع بدلالة معينة حتى لو وجدنا الكثير الكثير مما يقويها، لاحتمال أن يكون المتكلّم قصد غيرها، ولاحتمال أن تكون هناك قرائن ترجّح فهماً آخر ولكن هذه القرائن غائبة عنّا. إذن يمكن أن نفهم كلام عيسىع - على سبيل المثال المحتمل - بأنّه أراد أن يُفهم مستمعيه أنّ روحه وحقيقته مخلوقة قبل زمان إبراهيم ع، أو قبل وجود إبراهيم في هذا العالم المادي، فالأرواح مخلوقة قبل هذا العالم المادي. لقد وردت نصوص كثيرة بحق أنبياء بني إسرائيل تشير لهذا الفهم، منها: ورد في أرميا الإصحاح الرابع: (فكانت كلمة الرب إليّ قائلاً: قبلما صورتكَ في البطن عرفتُك، وقبلما خرجتَ من الرحم قدستُك، جعلتك نبياً للشعوب). وكل هذه تدل على حقيقة واحدة، هي أنّ الأرواح والملائكة مخلوقة قبل خلق العالم المادي، ولا يعني ذلك إنها آلهة. بل إنّ الحوادث أيضاً حاضرة في علم الله تعالى قبل وقوعها، فمن يقرأ رؤيا يوحنا على سبيل المثال يجد هناك حديثاً عن حوادث ستقع على هذه الأرض، أي أنها لم تقع بعد، ومع ذلك يتم تصويرها وكأنها وقعت فعلاً، إشارة إلى حتمية وقوعها؛ لأنها قد تم تقديرها مسبقاً في علم الله. ونقول: إذا كان المسيحيون يفهمون الإلوهية من النص أعلاه، فلماذا لم يفهموا بأن ملكي صادق أيضاً كما في النص التالي: - الرسالة إلى العبرانيين 7: (1 لأَنَّ مَلْكِي صَادَقَ هذَا، مَلِكَ سَالِيمَ، كَاهِنَ اللهِ الْعَلِيِّ، الَّذِي اسْتَقْبَلَ إِبْرَاهِيمَ رَاجِعاً مِنْ كَسْرَةِ الْمُلُوكِ وَبَارَكَهُ، 2 الَّذِي قَسَمَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. الْمُتَرْجَمَ أَوَّلاً «مَلِكَ الْبِرِّ» ثُمَّ أَيْضاً «مَلِكَ سَالِيمَ» أَيْ «مَلِكَ السَّلاَمِ» 3 بِلاَ أَبٍ، بِلاَ أُمٍّ، بِلاَ نَسَبٍ. لاَ بَدَاءَةَ أَيَّامٍ لَهُ وَلاَ نِهَايَةَ حَيَاةٍ. بَلْ هُوَ مُشَبَّهٌ بِابْنِ اللهِ) ؟؟ النص الثاني: قالوا: ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح الخامس: (ما دمت في العالم فأنا نور العالم. وبما أنّ الله نور إذن عيسى ع هو الله). وأيضاً ما جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح الثاني عشر: (أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة). نقول: کلمة نور جاءت بمعنى شريعة. أولاً: سفر الأمثال الإصحاح 6: (لأنّ الوصية مصباح والشريعة نور وتوبيخات الأدب طريق الحياة). إذن الشريعة هي النور. ثانياً: في سفر اشعياء الصحاح 46: (فقال قليل أن تكون لي عبداً لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل. فقد جعلتك نوراً للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض). يقول النص فقد جعلتك نوراً للأمم فهو لا يضيء من نفسه؛ لأنه ليس بلاهوت مطلق بل يحتاج لغيره ليجعله نوراً. ثالثاً: في إنجيل متى الإصحاح 4: (أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل). وهنا التلاميذ أصبحوا نور العالم. فهذه العبارة لا تشير إلى إلوهية عيسى ع وإلا ما المائز بينها وبين بقية النصوص. فإن قالوا: بأنّ نور عيسى ع يختلف عن نور التلاميذ ونور الشريعة؛ لأنّ هناك تخصيصاً. نقول: أين هذا التخصيص ؟ وأين هذا الاختلاف؟ بالحقيقة لا وجود له إلا في مخيلتهم. النص الثالث: قالوا: ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح الخامس العدد السابع: (فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة، الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد). وهذا دليل على إلوهية عيسى ع؛ لأنه أحد الأقانيم الثلاثة في اللاهوت. نقول: لقد تبيّن أنّ الفقرة السابعة من الإصحاح الخامس من رسالة يوحنا الأولى والتي جاء فيها: (فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة، الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد)، لقد تبيّن أنها فقرة مزيفة ليست موجودة في الأصول اليونانية المعوّل عليها، أي: إنها فقرة دخيلة ليست من المتن، وبالفعل لقد تم حذف هذه الفقرة المزيفة من الترجمة الرهبانية اليسوعية المطبوعة سنة 1986، ومن التراجم الكاثوليكية العربية الحديثة، وتم حذفها من جميع الترجمات الغربية الحديثة كالترجمة القياسية الانجليزية، فراجع الفصل الثاني في تفنيد إلوهية الروح القدس. النص الرابع: لقد أطلق على يسوع اسم عمانؤيل ولم يسمى أحد غيره بذلك !!! سفر إشعياء 7: 14: (وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»). قالوا: لا يوجد أحد أطلق عليه عمانوئيل (الله معنا) سوى عيسى ع. نقول: نحيلكم إلى مفسريكم وإلى الكتاب المقدس، فماذا يقولون، هل هناك آخرين أُطلق عليهم اسم عمانويئل (الله معنا) ؟ شرح الكتاب المقدس، العهد القديم، القس أنطونيوس فكري. أمثال سليمان 30، تفسير سفر الأمثال ([131]): آية (1): (كلام أجور ابن متقية مسا وحي هذا الرجل إلى ايثيئيل إلى ايثيئيل واكال). تفهم الآية بطريقتين حسب رأي المفسرين الذين انقسموا لفريقين في تفسيرها: 1- إنّ أجور هو اسم علم لشخص مجهول ملهم بالروح القدس. كتب ما كتبه بوحي من الروح ولكن لا نعلم شيئاً عنه أو عن أسرته، إلا أنه من قبيلة مسّا. وله صديقين اسمهما إيثيئيل (معناه: الله معي) وأكّال (معناه القادر). وربما كانا تلميذين لأجور. 2- المدرسة الأخرى تفهم الآية على أنها كلها مكتوبة بطريقة رمزية وحتى يظهر معنى الآية لنرى معاني كل كلمة فيها: أجور= الجامعة. متقية= التقي. والجامعة هو سليمان والتقي بالقطع هو أبوه داود. مسا= تعني الوحي الإلهي أو الشخص الذي يوحى إليه. إيثيئيل= الله معي وهي نفسها عمانوئيل الله معنا. وأكال= القادر. وأصحاب هذه المدرسة يقولون أنّ هذه الأسماء ليست أسماء أعلام بل هي ألفاظ لها معاني كما رأينا. إذن (الله معنا) لا تخص عيسى ع وحده بل كل شخص مُلهم بالروح القدس، وأيضاً هو اسم رمزي لخليفة الله أو الله في الخلق، وهو حجة الله المرسَل من عند الله. ولكن دعنا نرجع للنص نفسه فهل هذه النبؤة تشير إلى عيسى ع ؟؟ نقرأ النبؤة في اشعياء الإصحاح 8: (وقال لي الرب خذ لنفسك لوحاً كبيراً واكتب عليه بقلم إنسان لمهير شلال حاش بز. 2 وان اشهد لنفسي شاهدين امينين اوريا الكاهن وزكريا بن يبرخيا. 3 فاقتربت إلى النبية فحبلت وولدت ابناً. فقال لي الرب ادعو اسمه مهير شلال حاش بز. 4 لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يدعو يا أبي ويا أمي تحمل ثروة دمشق وغنيمة السامرة قدام ملك آشور 5 ثم عاد الرب يكلمني أيضاً قائلاً 6 لأن هذا الشعب رذل مياه شيلوه الجارية بسكوت وسر برصين وابن رمليا 7 لذلك هوذا السيد يصعد عليهم مياه النهر القوية والكثيرة ملك آشور وكل مجده فيصعد فوق جميع مجاريه ويجري فوق جميع شطوطه 8 ويندفق إلى يهوذا. يفيض ويعبر. يبلغ العنق ويكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل). أريد أن أسأل أي نصراني: ما معنى (مهير شلال حاش بز) الواردة في النبؤة والتي سمي بها المولود الذي سيولد من المرأة الصغيرة ؟؟ الترجمة هي: (أسرع إلى السلب .. بادر إلى النهب). لماذا لم يترجموا هذه العبارة في النسخة العربية ؟؟ النص الخامس: أنا والأب واحد. تعني أنا هو الله !!! قالوا : قال يسوع: (أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ)، وهي دلالة صريحة على أنه هو الله. نقول: نرجوا منكم عدم استقطاع العبارات من النصوص وإلا فقط بمراجعة النصوص كاملة سيتضح الأمر وسنبطله من وجهين، ولنرى ذلك: الوجه الأول: فهم المضمون من سياق النص: (خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. 28 وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. 29 أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. 30 أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». 31 تَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. 32 فَقَالَ يَسُوعُ: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي - بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي ؟» 33 أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً» 34 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ ؟ 35 إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ 36 فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ لأَنِّي قُلْتُ إِنِّي ابْنُ اللَّهِ ؟ 37 إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فلاَ تُؤْمِنُوا بِي. 38 وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ). إنّ اليهود فهموا أنه يدعي الإلوهية فأرادوا لذلك أن يرجموه، فهل هذه الجملة التي قالها عيسى ع: (أنا والآب واحد) هي دليل على أنه الإله ؟ لكن ردّ المسيح (مهم جدّاً)، فرد عليهم المسيح بأنّ هذا الاتهام خطأ وسوء فهم، وإنّ هذه العبارة لا تستدعي بأنني الإله: (34 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ ؟ 35 إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ 36 فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ لأَنِّي قُلْتُ إِنِّي ابْنُ اللَّهِ) ؟ (أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ) جاءت هذه العبارة في المزمور الثاني والثمانين الفقرة السادسة 82: 6 (أنا قلت: إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم). فهل اعتبر اليهود هؤلاء القضاة آلهة ؟ لا، بل ولم يفهم أحد من هذه العبارة تأليه هؤلاء القضاة فلماذا تتهموني وأنا قدسني وأرسلني رب إلى العالم ؟ تقولون بأنني أجدف وأعتبر نفسي إلهاً لأنني قلت لكم ذلك ؟ عيسى ع قد ردّ هذه الفرية وأبطلها وكأنه يقول لهم إذا وجد مكتوب في كتابكم بأنّ هؤلاء القضاة هم آلهة ولم ينقص من قدر المكتوب فلماذا تتهموني بالتجديف وأنا الذي قدسني الرب وأرسلني إلى العالم ؟ فعيسى ع عبّر عن نفسه كما عبّر به أساف عن هؤلاء القضاة التي صارت لهم كلمة الله. الوجه الثاني: لابد أنّ نفهم الكتاب المقدس بالكتاب المقدس نفسه. فلنبحث عن الشبيه لمثل هذه العبارة (أنا والآب واحد). عيسى ع في نفس الإنجيل الذي جاءت فيه العبارة (أنا والآب واحد) قال أيضاً: (ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضاً من أجل الذي يؤمنون بي بكلامهم ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليؤمن العالم أنك أرسلتني، وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد. أنا فيهم و أنت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد) ([132]). فهنا نفهم المقصود من قوله (أنا والآب واحد) فهو شُبه كلمة (الآب فيّ وأنا فيك) بهذه الكلمة (أنا فيهم وأنت فيّ) و بهذه الكلمة (ليكونوا مكملين إلى واحد). عيسى ع دعا الله أن تكون وحدة المؤمنين خالصة فيما بينهم ليكونوا واحداً، مثل وحدة عيسى ع مع الله. فهل نعتبر أن وحدة المؤمنين فيما بينهم هي أنهم يصبحون إنساناً واحداً جسماً وروحاً مثلما عيسى ع والله كما يقول المسيحيون ؟؟؟ كذلك فوحدة عيسى ع معهم في قوله: (أنا فيهم وأنت فيّ) بحيث يكون الجميع واحداً. فلو كانت وحدة عيسى ع مع الله في قوله (أنا والآب واحد) تجعل منه إلهاً لكانت وحدة المؤمنين بعيسى ع ومع الله تجعل منهم آلهة أيضاً. فهذا المعنى مجازي أنا وأبي واحد والمقصود منها وحدة الهدف، أي: من يتبعني يتبع الله؛ لأنني رسول من الله، وجميع المؤمنين إذا اتحدوا بكلمة الله فهم منّا ونحن منهم وكلنا شيء واحد وهدف واحد. إنّ عيسى ع يقصد بهذ القول إنه هو والآب واحد في الهدف ليس أكثر. ولنقرأ هذا النص ليتبين لنا الموضوع بوضوح: لوقا 10: (الذي يسمع منكم يسمع مني. والذي يرذلكم يرذلني. والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني). إذن هم واحد في الهدف وكلامهم هو كلام المسيح ووصاياهم هي وصايا المسيح، وبالمثل علاقة المسيح بالآب. يخبرنا المسيح في يوحنا 12: 48: (من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه. الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير). - وفي يوحنا 12: 49: (لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلّم). - وفي يوحنا 12: 50: (وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية. فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم). نجد في هذه النصوص أنّ عيسى ع يقول من رذلني، أي: رفضني ولم يقبل كلامي سيكون هذا الكلام حُجة عليه. لماذا ؟ لأنّ المسيح لم يتكلم من نفسه، ولكن يتكلّم بكلام الأب الذي أرسله .. لأنّ الأب هو الله أعطى له وصية ماذا يقول وبماذا يتكلم، ويقول عيسى ع وأنا أعلم أنّ وصيته هي حياة أبدية فكما قال لي الأب هكذا أتكلم. - وفي يوحنا 7: 16: (أجابهم يسوع وقال تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني). وفي هذا النص عيسى ع تعليمه ليس له بل للذي أرسله، أي: الأب. إذن من خلال هذه النصوص يتضح أنّ المسيح كلامه من كلام الله، ووصاياه هي وصايا الله التي قالها الله له، وتعليمه ليس له ولكن للأب الذي أرسله، ألا يحق إذن لعيسى أن يقول: أنا والآب واحد ؟ وهذا يوافق ما جاء في القرآن: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾([133]). النص السادس: (بالاجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد). أولاً: لا وجود لكلمة الله في النسخ والمخطوطات، والدليل على أنّ الكثير من التراجم لا تضع كلمة الله، وهذا وحده يسقط استدلالهم، ولنقرأ بعض الترجمات العربية: - ترجمة الفاندايك: (وبالاجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم اومن به في العالم رفع في المجد). - الترجمة البوليسية: (وإنه لعظيم، ولا مراء، سر التقوى، الذي تجلى في الجسد، وشهد له الروح، وشاهدته الملائكة، وبشر به في الأمم، وآمن به العالم وارتفع في مجد...). - الترجمة العربية المشتركة: ولا خلاف أنّ سر التقوى عظيم (الذي ظهر في الجسد وتبرر في الروح، شاهدته الملائكة، كان بشارة للأمم، آمن به العالم ورفعه الله في المجد). - الترجمة الكاثوليكية: ولا خلاف أنّ سر التقوى عظيم: (قد أظهر في الجسد وأعلن باراً في الروح وتراءى للملائكة وبشر به عند الوثنيين وأومن به في العالم ورفع في المجد). ثانياً: النص يتحدث عن التقوى وكيف تظهر بالإنسان الذي يترك الخطايا ويتصل بالله، وهو موجّه لهؤلاء الذين يدعون بأنهم رجال الدين، وقد أشار إليهم بالاسم الأسقف والشمامسة ووضع هذا الوصف المهم (وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ) وإن دل على شيء فهي نصائح لظهور سر التقوى من خلال التحلي بالصفات التي أمرهم بها. ولنقرأ الإصحاح ليتضح لنا الأمر: رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس3: (1 صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا. 2 فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، 3 غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيمًا، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ، 4 يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ. 5 وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ ؟ 6 غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ. 7 وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ. 8 كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، 9 وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ. 10 وَإِنَّمَا هؤُلاَءِ أَيْضًا لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ. 11 كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ ذَوَاتِ وَقَارٍ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، صَاحِيَاتٍ، أَمِينَاتٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. 12 لِيَكُنِ الشَّمَامِسَةُ كُلٌ بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَنًا، 13 لأَنَّ الَّذِينَ تَشَمَّسُوا حَسَنًا، يَقْتَنُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وَثِقَةً كَثِيرَةً فِي الإِيمَانِ الَّذِي بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. 14 هذَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكَ رَاجِيًا أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَنْ قَرِيبٍ. 15 وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ. 16 وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ). ورغم بطلان ما ذهب إليه النصارى من أن النص أصلي في مخطوطاتهم فقد تنزّل المعزّي أحمد ع ونقض هذا النص من باب ألزموهم بما يؤمنون به، وقد أوضح فيه أوضح بيان وقد بيَّن ذلك بأوضح بيان، فلنقرأ ما سطّره المعزّي أحمد ع في الرد على قولهم ظهور الله في الجسد: الله ظهر في الجسد: (هذه إحدى الرسائل التي يستدل بها العلماء غير العاملين على ما ذهبوا إليه من ضلال وادعاء أنّ اللاهوت المطلق حل في الجسد. (1 بولس رسول يسوع المسيح بحسب أمر الله مخلصنا وربنا يسوع المسيح رجائنا 2 إلى تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان نعمة ورحمة وسلام من الله أبينا والمسيح يسوع ربنا) ([134]). (16 وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد) ([135]). أولاً: الإصحاح الأول من الرسالة لم يعطِ عيسى ع غير صفة الربوبية وهي صفة لا إشكال أن يتصف بها نبي ورسول، فهم ص مربو الناس وأولى بهذه الصفة من الأب الذي يتصف بها ويسمى نسبة لأسرته رباً. بل أيضاً بيَّن الإصحاح أنّ الإرسال لا يكون إلا بأمر الله سبحانه، وأنّ عيسى مأمور (بحسب أمر الله)، إذن عيسى ع مأمور ويأتمر بأمر الله، هذا يعني أنّ الله أعلى وأعلم وأقدر منه فيثبت أنّ عيسى ع يحتاج لغيره ويعتري صفحة وجوده النقص، وإلا فلا معنى لأن يكون مأموراً وهو كامل مطلق، فهذا مخالف للحكمة، فماذا يمكن أن ينتفع الكامل المطلق من سواه ؟! أمّا ما ورد في هذه الرسالة نفسها في الإصحاح الثالث فالمفروض - بعد أن افتتحت بما رأينا - أن يفهم من ظهور الله في الجسد هو تماماً كظهوره في كل العوالم المخلوقة وتجليه فيها وظهورها به سبحانه، نعم هناك خصوصية لهذا القول هنا؛ لأنه يعني أن عيسى مثل (طلعة الله في ساعير) أي أنه يد الله ووجه الله وصورة الله، ولكنه عبد مخلوق وليس الله سبحانه وتعالى، هناك فرق كبير بين الحقيقة والصورة تماماً كالفرق بين الشيء واللاشيء. فالله كما بيَّنت سابقاً تجلى في عوالم الخلق وظهر فيها وأظهرها، وليس هذا يعني أنه حل بها أو أنها أصبحت لاهوتاً مطلقاً أو أن بعضها ممكن أن يكون لاهوتاً مطلقاً مهما عظم نوره؛ لأنه يبقى مخلوقاً ويبقى نوراً مختلطاً بالظلمة، فأعلى مرتبة يمكن أن يرتقيها الإنسان هي أن يكون الله في الخلق ﴿... يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ...﴾([136])، يكاد يضيء من نفسه - ولهذا اشتبه على إبراهيم ع الأمر ابتداءً حتى عرَّفه الله الحقيقة ([137]) - ولكن أبداً لا يضيء من نفسه. والحديث القدسي عن الله سبحانه وتعالى: (لم تسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن) ([138])، أي أنه يكون وجه الله ويد الله كما ورد في القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾([139]). ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ﴾([140])) ([141]). وتوجد نصوص كثيرة يستشهدون بها على إلوهية عيسى ع وهي كلها من هذا القبيل، بمعنى كلها مردودة من خلال فهمنا الكتاب المقدس بالكتاب المقدس نفسه، فإذا بطل الأساس وهو أهم ما يرتكز عليه النصارى بإلوهية عيسى ع - جاز لنا القول ببطلان الفروع من ذلك الأساس. إنّ جل ما يستشهد به النصارى على عقيدتهم هي نصوص متشابهة مؤولة ولا يوجد دليل قطعي واحد بلسان عيسى ع يذكر إلوهيته، وبالمقابل هناك نصوص قطعية تشير إلى عكس ذلك بل تسند إلى ساحته النقص والجهل، وتهدم هذه العقيدة من الأساس، نذكر منها: -يسوع يُعلن جهله في عدّة مواقف: 1- لم يعلم بموعد إثمار التين: (12 وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ 13 فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إلاَّ وَرَقاً لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ) ([142]). 2- لم يعلم كم مرَّ من الزمان على إصابة الصبي بالشيطان الذي يصرعه: (21 فَسَأَلَ أَبَاهُ: «كَمْ مِنَ الزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هَذَا ؟» فَقَالَ: «مُنْذُ صِبَاهُ. 22 وَكَثِيراً مَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لَكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئاً فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا») ([143]). 3- لم يعلم موعد قيام الساعة وهو نص قطعي الدلالة على الجهل الحاصل في ساحة عيسى ع: (32 وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ) ([144]). * * * -الفصل الخامس: نصوص تبشر بظهور قائم آل محمد المعزّي أحمد ع الرسالات السماوية عبارة عن حلقات متكاملة تصل بعضها بعضاً لتشكل سلسلة الإيمان برسالة التوحيد، فما من نبي أو ولي إلا وبشّر بمن يليه، باعتبار أنّ (خلافة الله) في الأرض لا تنقطع لئلا يزيغ الناس عن الحق، ولذا فلابد في كل زمان من حجة على الخلق يكون ترجماناً لوحي الله تعالى وتعاليمه. ونظراً لما للقائم المهدي ع من خصوصية بكونه رسالة عالمية، فإنّ كل الأنبياء السابقين وأوصيائهم صكانوا قد قاموا بعملية تهيئة مستمرة للبشرية لتقبل واستيعاب هذه الرسالة. فقد توالت البشارات حول المخلِّص والمنقذ المتمثّل بقائم آل محمد ص، منذ عهد آدم ع، وحتى وصية رسول الله ص في ليلة وفاته التي ذكرته ع بالاسم. توالت البشارات بخصوص رسول الله ص وأهل بيته صبسيماهم وصفاتهم التي وردت بحقهم في التوراة والإنجيل وبقية أسفار الكتاب المقدس، إلا أنّ التحريف المعنوي واللفظي الذي وقع في التوراة والإنجيل غيّر كثيراً من معالم النصوص التي تتحدّث عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، والتي كان الأنبياء السابقون يتلونها على أممهم. ومع هذا يمكن للقارئ المدقق أن يعيد قراءة تلك النصوص ليكتشف كثيراً من المؤشّرات واضحة الدلالة عليهم رغم تلاعب الأيدي بتلك النصوص وصرفها عن أذهان الناس. ونحن الآن بصدد تتبع هذه النبؤات التي يشير النصارى بأنها تخص عيسى ع ولا تخص غيره، فلنفتش الكتب ليتضح الأمر جلياً بعونه تعالى، ولنبدأ مما تعرضه مواقعهم الرسمية التي من خلالها يتم الإجابة على أسئلة الناس، وكما يلي: - سنوات مع إيميلات الناس. - أسئلة عن الكتاب المقدس. - نبوءات عن المسيح في العهد القديم. سؤال: ما هي النبوءات التي تحدثت عن السيد المسيح في العهد القديم ؟ الإجابة: هناك عدّة مئات من النبوات prophecies في العهد القديم عن الرب يسوع المسيح قد تمت تماماً في مجيئه الأول. سواء نبوات قد تمت في حياته وخدمته، أو كرؤية مسبقة لشخصيته. وبناء على قانون الاحتمالات الرياضي هناك فرصة واحدة في كل 84 وإلى يمينها 98 صفراً لحدوث كل هذه النبوات في حياة شخص واحد، فما أعجب أن تتحقق جميعها على أروع ما يكون في شخص واحد، فهذا من أقوى الأدلة على مصدرها الإلهي، ومن ثم مصداقيتها المطلقة. إذن المجيب عن هذا السؤال يقطع بأنّ هذه النبؤات لا تنبطق إلا على عيسى ع ووضع قانوناً رياضياً للاحتمالات والذي من خلاله لا يمكن أن ينطبق إلا على شخص عيسى ع. ونحن نقول: هل يعقل هذا القانون الاحتمالي الذي لم يترك فرصة واحدة لانطباق تلك النبؤات على غير عيسى ع، بينما اليهود وغيرهم من الأديان يرفضون هذا المخلّص رفضاً قاطعاً بل ينتظرون غيره ؟ الآن لننظر في بعض هذه النبوءات التي يعتقد المفسرون بأنها لا تنطبق إلا على شخص عيسى ع، وسنرى بوضوح بأنها أبعد ما يكون عن الانطباق على عيسى ع، فهلم معي نرى تلك النبوءات: نقرأ في سفر اشعياء الإصحاح 59 : 21: (أَمَّا أَنَا فَهذَا عَهْدِي مَعَهُمْ، قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ). قالوا: في شرح الكتاب المقدس، العهد القديم، القس أنطونيوس فكري. - اشعياء 59. تفسير سفر أشعياء ([145]): ( آية (21) أما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب روحي الذي عليك وكلامي الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك ولا من فم نسلك ولا من فم نسل نسلك قال الرب من الآن وإلى الأبد). أمّا أنا = الآب هو المتكلم. ومعهم = مع المؤمنين التائبين من اليهود والأمم. كلامي = الكتاب المقدس لا يسقط منه حرف للأبد. والمعنى أنّ هذا هو كلام الآب موجّه للابن. نقول: لا نريد أن نضع قانون الاحتمالات على هذا النص وأترك للقارئ المنصف أن يعطيني احتمالاً واحداً بأنّ هذه النبوؤة تصف عيسى ع ؟؟؟ فالنص واضح: (وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ)، فهل عيسى ع له نسل، وليس هذا فقط بل (من نسل نسلك) ؟؟ هذه تكفي لإسقاط كل الاحتمالات لئن يكون المقصود منها عيسى ع. فالمخلّص شخص له ذرية ونسل وسيكون نسل نسله هم الملوك والحكّام في الأرض، وهو المهدي الأول (المعزّي أحمد) وأولاده المهديون المذكورون في وصية رسول الله ص ([146]). - نقرأ نبوؤة أخرى في مزمور 89/ 30 - 37: (وَأَجْعَلُ إِلَى الأَبَدِ نَسْلَهُ وَكُرْسِيَّهُ مِثْلَ أَيَّامِ السَّمَاوَاتِ. مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي أَنِّي لاَ أَكْذِبُ لِدَاوُدَ. نَسْلُهُ إِلَى الدَّهْرِ يَكُونُ وَكُرْسِيُّهُ كَالشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ. وَالشَّاهِدُ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ). وأيضاً هذه تشير لمن له نسل ونسله سيكون الحاكم على هذه الأرض إلى انقضاء الدهر. - ونقرأ في سفر إشعياء الإصحاح الثالث والخمسون: (1 من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب 2 نبت قدامه كفرخ وكعرق من أرض يابسة، لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه 3 محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن، وكمستر عنه وجوهنا، محتقر فلم نعتد به 4 لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها. ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً 5 وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا 6 كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا 7 ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه 8 من الضغطة ومن الدينونة أخذ. وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء، أنه ضرب من أجل ذنب شعبي 9 وجعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته. على أنه لم يعمل ظلماً، ولم يكن في فمه غش 10 أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرة الرب بيده تنجح 11 من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها 12 لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين). أيضاً لا علاقة للمسيح بما ورد في اشعياء 53 للسبب نفسه وهو ذكر نسله الوارد في الفقرة العاشرة: (10. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ). فالفقرة العاشرة تقول: إنّ هذا الشخص سيري نسله، والمسيح لا نسل له، أم ستقولون بأنّه نسل معنوي ملکوتي وتأولون النص كما هي عادتكم كلما أوقفكم نص محكم فأسهل طريقة للهرب تأويل النص ! نلاحظ بأن العدد العاشر بحسب النص العبري من الإصحاح يتحدث عن عبد قد وعد بأن ستكون له ذرية فعلية أو حقيقية، ذلك لأن عبارة النص العبري هي هكذا: וַיהוָה חָפֵץ דַּכְּאוֹ, הֶחֱלִי--אִם-תָּשִׂים אָשָׁם נַפְשׁוֹ, יִרְאֶה זֶרַע יַאֲרִיךְ יָמִים; וְחֵפֶץ יְהוָה, בְּיָדוֹ יִצְלָח. والترجمة الانكليزية: And the Lord wished to crعsh him, He made him ill; if his soعl makes itself restitعtion, he shall see children, he shall prolon(?) his days, and (?)od's pعrpose shall prosper in his hand. وهذا النص يثير مشكلة كبيرة للكنيسة بسبب أن المسيح ع لم تكن له أي ذرية من صلبه، ذلك لأن الكلمة العبرية zerah أو zer'a أي الذرية الواردة في هذا العدد لا تشير إلا للذرية التي هي من صلب الرجل أو من نسله الحقيقي، أما الكلمة العبرية التي تستخدم للإشارة إلى الأولاد مجازاً فهي ben وكمثال توضيحي للتفريق بين كلمة Zerah وبين كلمة ben في العبرية فلنقرأ تكوين 15 : 3 - 4: (وقال ابرام أيضاً: "إنك لم تعطني نسلاً Zerah، وهوذا ابن - ben - بيتي وارث لي" فإذا كلام الرب إليه قائلاً: "لا يرثك هذا، بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك"). وكأمثلة كتابية أخرى على استعمال الكلمة العبرية Zerah بمعنى النسل الحقيقي والفعلي انظر تكوين 12: 7، وتكوين 15: 13، وتكوين 46: 6، وخروج 28: 43. وبمعنى النسل المجازي ben انظر تثنية 14: 1. وبالتالي فإن هذا العبد الموعود بنسل حقيقي فعلي بحسب النص لا يمكن أن ينطبق أبداً على المسيح ع حسب الاعتقاد المسيحي في المسيح. بحسب العدد الثاني عشر نجد أن الرب يقدم للعبد وعداً هذا نصه: (لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة)، وبحسب ترجمة الحياة هكذا النص: (لذلك أهبه نصيباً بين العظماء ..). والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان المسيح هو الإله المتجسد بحسب الفكر المسيحي فهل فكرة الثواب أو المكافأة للمسيح تحمل أي معنى ؟! هل الإله يكافئ نفسه ؟! هل المخلّص جاء ليخلّص المؤمنين والمساكين من الظلم ويقيم دولة العدل الإلهي ويملأها قسطاً وعدلاً على الأرض، أم الخلاص ملكوتي روحاني كما يذكره المسيحيون ؟؟؟ نحن نقول بكل تأكيد: كل الأنبياء والمرسلين جاءوا لينقلوا الناس وبالخصوص المؤمنين إلى ملكوت الله والعودة بهم إلى المكان الذي نزلوا منه للامتحان وينقلونهم من البعد الدنيوي الجسدي إلى البعد الروحي الملكوتي. ولكن هذا لا يعني بأنّ المخلّص جاء فقط لهذه المسألة بل جاء ليحقق وعد الله، بأن تقام مملكة الرب على هذه الأرض وتملأ قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. - نقرأ في سفر ارميا النبي ارميا الإصحاح الثالث والعشورن وأيضاً الثالث والثلاثون: (وهو أيضًا الرب، الرب برّنا، كما تنبّأ ارميا النبي قائلاً بالروح هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِناً وَهَذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا... فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ الْبِرِّ فَيُجْرِي عَدْلاً وَبِرّاً فِي الأَرْضِ. فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يَخْلُصُ يَهُوذَا وَتَسْكُنُ أُورُشَلِيمُ آمِنَةً وَهَذَا مَا تَتَسَمَّى بِهِ الرَّبُّ بِرُّنَا). فمن يجري حقاً على الأرض ومن يجري عدلاً على الأرض غير الذي يملأها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً غير المعزّي أحمد (المهدي الأول ع) غصن البر من نسل داود من جهة الأم ؟ ومن الذي ينتقل من الكلمة إلى السيف غير المعزّي أحمد ع ؟ يقول المعزي أحمد الحسن ع: (فإذا لم تنفع الكلمة كان السيف هو الفيصل بين الحق والباطل لإعلاء كلمة الله وإظهار طاعته في أرضه، فالانتقال للسيف أمر حتمي إذا لم تنفع الكلمة، بل هو واجب في كل الأديان الإلهية، ولهذا رَفع أنبياء الله ورسله السيف وجاهدوا وقاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، فالانتقال إلى السيف مباشرةً عجلة، وهلك المستعجلون، وترك الانتقال إلى السيف بعد تمام الكلمة تخاذل، وهلك المتخاذلون) ([147]). وهذا ما تؤكده النبوءة في مزمور 45/ 2 - 5، حيث تقول تقلّد سيفك على فخذك أيّها الجبّار: (قال المرنم "أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي اَلْبَشَرِ. اِنْسَكَبَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ لِذَلِكَ بَارَكَكَ اَللهُ إِلَى اَلأَبَدِ. تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا اَلْجَبَّارُ جَلاَلَكَ وَبَهَاءَكَ. وَبِجَلاَلِكَ اِقْتَحِمِ. اِرْكَبْ. مِنْ أَجْلِ اَلْحَقِّ وَاَلدَّعَةِ وَاَلْبِرِّ فَتُرِيَكَ يَمِينُكَ مَخَاوِفَ. نَبْلُكَ اَلْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ اَلْمَلِكِ. شُعُوبٌ تَحْتَكَ يَسْقُطُونَ). ونلحقه بـ (مزمور 149) ترنيمة جديدة وتسبيحه في جماعة القديسين: (يقول المرنم بالروح "هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ. لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ. لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ. لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفٍّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُولٍ مِنْ حَدِيدٍ. لِيُجْرُوا بِهِمِ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هَذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا). ولم يحمل السيف ذو حدين سوى علي بن أبي طالب وأبنائه ص من بعده، إذا قرأنا النص حرفياً وإذا تم تفسيره مجازاً فهي تشير إلى الكلمة والسيف، ولم يحمل عيسى ع السيف ولم يقاتل ولم يبني مملكة ولم يجلس على كرسي داود ع. -هو ذا فتاي الحبيب: نقرأ من متى 12 عدد 17 - 18 إحدى نبوءات متى التي يُدعى أنها بيسوع في العهد القديم فأنقلها كما يلي: (17 لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل. 18 هو ذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرّت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق). والفقرة التي يقصدها متى هي في كتاب إشعياء الإصحاح 42 عدد1 وأنقلها كما يلي: (هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرّت به نفسي.وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم). الآن بعد مطالعة النص في إشعياء كما رأيتم فليس أمامنا سوى خيارين: أولهما: إمّا أن يكون المترجم مُدَلِساً وأراد أن يخدع الناس بتبديل كلمة (عبدي) ووضع مكانها (فتاي)، وبدّل كلمة (يخرج الحق للأمم فوضع) مكانها (فيخبر الأمم بالحق). والثاني: يجب أن نأخذ النبوءة من مصدرها ومصدر النبوءة هو إشعياء، وإشعياء يقول عبدي ... فهل يسوع هو عبد أم رب ؟؟ والسؤال هو: لماذا غيرت عمداً كلمة عبدي إلى فتاي ؟؟ وكاتب إنجيل متى لم ينقل النص بأمانة فقد غير أيضاً في آخر النص عبارة: (يخرج الحق للأمم) إلى (فيخبر الأمم بالحق)، فلماذا فعل ذلك ؟؟ إنّ هذا النص نبوءة عن المعزّي أحمد ع فهو عبد لله، وهو الموصوف بـ (وضعت روحي عليه)، وهو قد أخرج الحق للأمم فأبطل كل شِرْك بالله، وأخرج للناس العقيدة الصحيحة، وإذا أردت أن تتأكد من كلامي فإليك نص النبوءة كاملاً ولك أنت الحكم على ما ستقرأ. - ورد في إشعياء الإصحاح 42 عدد 1 - 13: (هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرّت به نفسي. وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. (2) لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته. (3) قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ. إلى الأمان يخرج الحق. (4) لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته (5) هكذا يقول الله الرب خالق السموات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحاً. (6) أنا الرب قد دعوتك بالبر فامسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم (7) لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة (8) أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات. (9) هوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها. قبل أن تنبت أعلمكم بها. (10) غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحه من أقصى الأرض. أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها. (11) لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا. (12) ليعطوا الرب مجداً ويخبروا بتسبيحه في الجزائر. (13) الرب كالجبار يخرج. كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه). - وفي إشعياء 42 عدد 21: (الرب قد سرّ من أجل بره. يعظّم الشريعة ويكرمها). النص واضح هُوَذَا عَبْدِي فهل تقولون بأنّ عيسى ع عبد لله أم هو مساوي للإله، وهنا تسقط هذه النبوءة عن الإشارة لعيسى ع كما سقطت النبوءات الأخرى، فأين حصر هذه الاحتمالات بشخص عيسى ع، وقد وردت كل هذه الاحتمالات التي تشير إلى غيره، فالقاعدة المنطقية تقول إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال. - ونقرأ في إشعياء الإصحاح الحادي عشر 1 - 5: (ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه). كيف تكون لذته في مخافة الرب إلا أن يكون عبداً للرب - وهو كذلك -، فهذه أيضاً لا تنطبق على الإله عيسى ع كما تدعون. وأيضاً النصوص تتكلم عن حكم أرضي وعدل إلهي في الأرض للمساكين، وهي كما نقول بأنّ المعزّي أحمد (المهدي الأول ع) الذي بشر به رسول الله ص، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. ولنقرأ ماذا يقول المعزّي أحمد (المهدي أحمد ع) في جواب أحد الأسئلة الموجّهة إليه بخصوص النص أعلاه عن الغصن الوارد في إشعياء: ("1 ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله 2 ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. 3 ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. 4 بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. 5 ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه 6 فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معا وصبي صغير يسوقها. 7 والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً. 8 ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان. 9 لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. 10 ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً 11 ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ومن كوش ومن عيلام ومن شنعار ومن حماة ومن جزائر البحر. 12 ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض" ([148]). تفسيرهم الغصن بأنه عيسى ع غير صحيح، والنص يأبى تفسيرهم ويناقض عقيدتهم، فعيسى ع بحسب معتقدهم هو الرب المطلق نفسه، فكيف يخاف من الرب وتكون لذته في مخافة الرب ؟! وربما يعللون هذا باللجوء إلى عقيدة الأقانيم الثلاثة الباطلة والمتناقضة والتي بيَّنت بطلانها بالدليل في كتاب التوحيد. وعيسى لم يحكم ولم يقضِ بين الناس، فهو لم يتمكن من إقامة العدل أو إنصاف المظلومين فكيف ينطبق عليه النص أعلاه. وعيسى ع لم يتحقق في زمنه ما يصوره النص من أنّ الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر ويكون لهذه المعرفة أثر؛ وهو أنّ الأغنياء يواسون الفقراء، وأنّ القوي يعين الضعيف، وأن تخلوا الأرض من الظلم تقريباً ... الخ. النص كله تقريباً بعيد كل البعد عن عيسى ع وعن دعوته، فهل مثلاً جمع عيسى منفيي إسرائيل (يعقوب عندهم) ؟ وهل ضم مشتتي يهوذا (ابن يعقوب عندهم) من أطراف الأرض ؟ ولو قالوا جمعهم وضمهم بالإيمان به، أيضاً لا يصح؛ لأنّ دعوة عيسى ع إلى حين رفعه لم تتجاوز حدود مدن قليلة. بينما نجد النص يقول: إنّ هذا الشخص يضم مشتتي يهوذا من أطراف الأرض، أي أنّ معنى النص إنّ هذا الشخص يؤمن به في زمن بعثته أناس من كل دول العالم تقريباً، بل ومن الدول النائية عن مكان بعثته بالخصوص (أطراف الأرض). (ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض). وكلمة يهوذا معناها بالعربي (حمد) أو أحمد. جاء في التوراة في سفر التكوين، الإصحاح التاسع والعشرون: (35 وحبلت أيضاً وولدت ابناً وقالت هذه المرة أحمد الرب. لذلك دعت اسمه يهوذا. ثم توقفت عن الولادة). وكلمة إسرائيل معناها بالعربي عبد الله، فيكون النص: (ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل "عبد الله")، (ويضم مشتتي يهوذا (أحمد) من أربعة أطراف الأرض). والمشتتون الذين يجتمعون كقزع الخريف من أطراف الأرض لنصرة القائم (المهدي الأول أحمد) هم أنصار الإمام المهدي ع في آخر الزمان كما هو معلوم من روايات محمد وآل محمد ص). انتهى كلام المعزي أحمد ع. وهناك نصوص كثيرة تشير إلى حكم المعزّي أحمد (المهدي الأول ) وإلى نسله المهديين. ومن تلك النصوص ما جاء في المزمور الإصحاح 72 من مزامير النبي داود ع التي وردت في الكتاب المقدس، والتي تشير إلى منقذ سيصلح هذا العالم ويقيم دولة العدل والقسط ويخلص البشرية من نير الظلم والجور. وهذا المنقذ - كما في المزمور - هو ابن صاحب رسالة عالمية ستسود على هذه الأرض في آخر الزمان. فلنتأمل في ما جاء في هذا السفر: (1 اَلَّلهُمَّ، أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ، وَبِرَّكَ لابْنِ الْمَلِكِ. 2 يَدِينُ شَعْبَكَ بِالْعَدْلِ، وَمَسَاكِينَكَ بِالْحَقِّ. 3 تَحْمِلُ الْجِبَالُ سَلاَمًا لِلشَّعْبِ، وَالآكَامُ بِالْبِرِّ. 4 يَقْضِي لِمَسَاكِينِ الشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي الْبَائِسِينَ، وَيَسْحَقُ الظَّالِمَ. 5 يَخْشَوْنَكَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ، وَقُدَّامَ الْقَمَرِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 6 يَنْزِلُ مِثْلَ الْمَطَرِ عَلَى الْجُزَازِ، وَمِثْلَ الْغُيُوثِ الذَّارِفَةِ عَلَى الأَرْضِ. 7 يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ الصِّدِّيقُ، وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ. 8 وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. 9 أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ. 10 مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً. 11 وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ. 12 لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ. 13 يُشْفِقُ عَلَى الْمِسْكِينِ وَالْبَائِسِ، وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ الْفُقَرَاءِ. 14 مِنَ الظُّلْمِ وَالْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ، وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ. 15 وَيَعِيشُ وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا. وَيُصَلِّي لأَجْلِهِ دَائِمًا. الْيَوْمَ كُلَّهُ يُبَارِكُهُ. 16 تَكُونُ حُفْنَةُ بُرّ فِي الأَرْضِ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ. تَتَمَايَلُ مِثْلَ لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا، وَيُزْهِرُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِثْلَ عُشْبِ الأَرْضِ. 17 يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ، وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ») ([149]). وهذا النص ذو دلالة واضحة على الإمام المهدي (الملك) وابنه المهدي الأول (ابن الملك) عليهما السلام، لكن البعض ينسبه إلى نبي الله داود ع، فيما ينسبه بعض آخر منهم إلى ابنه سليمان ع، وهم إثر ذلك واقعون في خلاف حول هاتين الشخصيتين اللتين يُتوسّل بهما - كما في النص - إلى الله تعالى كي يرسلهما لإنقاذ المستضعفين في الأرض وإقامة العدل. ومطابقة الأوصاف الواردة في النص على الواقع تكشف أنها تخص الإمام المهدي محمد بن الحسن وولده أحمد الحسن عليهما الصلاة والسلام، فالفقرة الأولى من هذه البشارة والتي جاءت على شكل دعاء تشير إلى أنه سوف تظهر بعد زمن داود ع شخصيتان عظيمتان، إحداهما عُبِّر عنها بالملك صاحب الأحكام "اللهم أعطِ أحكامك للملك"، والأخرى بابنه الذي سيقيم العدل حسب تلك الشريعة "وبرك لابن الملك". أمّا بقية الصفات الواردة فإنها مشتركة بين الشخصيتين، لكن من الواضح أنها ترسم صورة مستقبلية لأحداث عظيمة سيسود فيها الخير وينغلق فيها باب الشر، ولم يكن هذا قد حدث في زمن من الأزمان، ولن يحدث إلا في زمان الإمام المهدي وولده مكن الله لهم في الأرض. قال النبي ص لسلمان: (.... ثم ضرب بيده على الحسين ع فقال: يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأنّ الله هداهم به) ([150]). وتعبير "الملك" دارج في الكتاب المقدس على مختلف الأنبياء. ويؤيد أنّ المقصود بالملك ما جاء في الكتاب على لسان نبي الله دانيال ع من إشارة واضحة بأنّ صاحب السلطان والمملكة المرتقبة سيظهر يوماً ولن تنقرض مملكته أبداً حتى يرث الله من في الأرض ومن عليها. يقول النص: ("وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يُترك لشعب آخر. وتُسحَق وتفنى كل هذه الممالك وهي (أي المملكة الإلهية) تثبت إلى الأبد")([151]). كما تنبأ دانيال ع ثانية بمجيء الملك: ("كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام. فقرّبوه قدامه فأُعطِي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض") ([152]). كما دعا نبي الله يحيى ع بني إسرائيل وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى يتهيئوا لاستقبال ملكوت السماوات التي عبّر عنها فقال لهم: ("توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات. فإن هذا هو الذي يتكلم عنه النبي أشعياء قائلاً: صوت صارخ في الصحراء. أعدوا طريق الرب. اصنعوا سبله مستقيمة") ([153]). وثمة نص آخر ورد على لسان نبي الله زكريا ع يتحدّث فيه عن الإمام المهدي ع لكن النصارى يؤولونه تأويلاً آخر. يقول النص: ("ابتهجي جداً يا ابنة صهيون. اهتفي يا بنت أورشليم. هو ذا ملك قادم إليك هو عادل ومنصور") ([154]). وهاتان الصفتان (العادل والمنصور) لا تنطبقان إلا على دولة الإمام المهدي وولده عليهما السلام، لكن النصارى يدّعون أنّ هذه البشارة جاءت خاصة بعيسى المسيح ع، إلا أنّ ادعاءهم باطل؛ لأنّ عيسى لم يكن صاحب سلطة يحكم بها ولم يخض حرباً. وأيضاً هم يقولون بأنّ مملکته روحية ملكوتية وليست أرضية. وأمّا ما يخص من يرث الأرض الواردة في المزمور فهي كثيرة، منها: سفر المزامير 37: (9 لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 10 بَعْدَ قَلِيلٍ لا يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. 11 أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ ... 21 الشِّرِّيرُ يَسْتَقْرِضُ وَلاَ يَفِي، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَرَأَّفُ وَيُعْطِي. 22 لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ، وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ ... 28 لأَنَّ الرَّبَّ يُحِبُّ الْحَقَّ، وَلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ. إِلَى الأَبَدِ يُحْفَظُونَ. أَمَّا نَسْلُ الأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ. 29 الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ). ولا تحتاج هذه العبارات إلى صعوبة في فهمها، فدولة الله التي سيقيمها على الأرض ستكون على يد القائم ع المعزّي أحمد ع مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾([155]). نبوءة في سفر إشعياء 11: (1 وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، 2 وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. 3 وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4 بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5 وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. 6 فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7 وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8 وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9 لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. 10 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا). وهنا إشارات واضحة على المعزّي أحمد (القائم المهدي ع)، ولا تشير هذه النبوءة لعيسى ع كما يقولون؛ لأنها تبطل عقيدتهم بأنّ عيسى ع لاهوت مطلق، فكيف تكون لذته في مخافة الرب، وهذه عبارة واضحة على بطلان ما ذهبوا إليه، وكذلك بقية العبارات التي تشير إلى مملكة أرضية يتم الحكم فيها للمساكين وينشر فيها القسط والعدل والرحمة. نقرأ هذه النبوءة في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 15 التي تشير إلى إشعياء النبي: (9 وَأَمَّا الأُمَمُ فَمَجَّدُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ الرَّحْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ سَأَحْمَدُكَ فِي الأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لاسْمِكَ» 10 وَيَقُولُ أَيْضًا: «تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ» 11 وَأَيْضًا: «سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَامْدَحُوهُ يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ» 12 وَأَيْضًا يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: «سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الأُمَمِ، عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ»). أمّا في ما يتعلق بأهل البيت صعامة، فما ورد بحقهم في الكتاب المقدس كثير، لكننا ها هنا نورد أهم تلك العبارات والأوصاف على نحو مختصر. ولنقرأ ما ورد حول الأئمة الإثني عشر والمهديين الإثني عشر في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي. سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: (1 ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. 2 وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. 3 وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. 4 وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ». 5 وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!». وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: فَإِنَّ هذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ». 6 ثُمَّ قَالَ لِي: «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّانًا. 7 مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا. 8 وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي». 9 ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتِ الْمَمْلُوَّةِ مِنَ السَّبْعِ الضَّرَبَاتِ الأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوفِ». 10 وَذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ إِلَى جَبَل عَظِيمٍ عَال، وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، 11 لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ. 12 وَكَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَال، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ بَابًا، وَعَلَى الأَبْوَابِ اثْنَا عَشَرَ مَلاَكًا، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 13 مِنَ الشَّرْقِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الشِّمَالِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْجَنُوبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْغَرْبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ. 14 وَسُورُ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاسًا، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْخَرُوفِ الاثْنَيْ عَشَرَ). يقول يوحنا في رؤياه الثانية عشر من سفر الرؤيا: («وظهرت آية عظيمة في السماء. امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من إثني عشر كوكباً. وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. وظهرت آية أخرى في السماء. هو ذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان. وذنَبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض. والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت. فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد. واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه. والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعلوها هناك. وحدث حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين. وحارب التنين وملائكته. ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يظل العالم كله. طُرح إلى الأرض. وطُرحت مع ملائكته. وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً في السماء: اليوم يوم الخلاص القوة والملك لله ربنا وسلطان مسيحه. من أجل هذا افرحي أيتها السماوات والساكنون فيها: ويل لساكني الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً. ولما رأى التنين أنه طُرح إلى الأرض اضطهد المرأة التي ولدت الابن الذكر. فأُعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية. إلى موضعها حيث تُعال زماناً وزمانين ونصف زمان من وجه الحية. فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماء كنهر لتجعلها تُحمَل بالنهر. فأعانت الأرض المرأة. وفتحت الأرض فمها وابتلعت النهر الذي ألقاه التنين من فمه. فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله»)([156]). ولم يتمكن علماء الكنيسة من تقديم تفسير واضح منطقي لهذه الرؤيا وهذه الأوصاف، فتارة يقولون إنّ المقصود بالمرأة هي الكنيسة نفسها، لكن هذا التفسير يصطدم بسؤال: كيف تلد الكنيسة ابناً ؟ ثم إنّ الكنيسة لم تظهر إلا في عهود متأخرة ولم تكن على زمان عيسى ع، وبعضهم ادعى أنّ المرأة المقصودة هي مريم العذراء ص، لكن هذا المعنى لا يستقيم، فإن مريم صلم تكن لها ذرية سوى ابنها المسيح ع، وليس لها «شمس» و«قمر» و«إثنا عشر كوكباً» ؟! وهي لم تدخل في صراع مع تنين أو حية يريد أن يبتلع أبناءها الذين يحملون رسالة السماء ؟! أمّا ادعاء بعضهم بأنّ الكواكب الإثني عشر التي تشكل إكليلاً يزين رأس تلك المرأة هم حواريو عيسى الإثنا عشر فهو ادعاء مردود، فما علاقة المرأة بهؤلاء ؟! هل هم أولادها حتى يقال أنّ ثمة علاقة بينها وبينهم ؟! وحقيقة الأمر أنّ رؤيا يوحنا هذه جاءت لتروي لنا ملحمة آل بيت رسول الله ص ضد أعداء الله الذين يريدون أن يطفئوا نوره ويأبى الله إلاّ أن يتمه. يقول المعزّي أحمد (الإمام أحمد الحسن ع) رداً على سؤال وجه له بخصوص المرأة المذكورة في الرؤيا: (أولاً: تفسير المرأة بأنها الكنيسة كما يفسّره المسيحيون عادة بيّن البطلان، فيكفيه أنهم يفسّرون ولدها بأنه عيسى ع، في حين الواقع أنّ عيسى ولد وبعث ورفع قبل أن تولد الكنيسة ويكون لها وجود. وكذا محاولة تفسيرها بمريم ص غير صحيح، ومن يطلب الحق فلينتبه أنه: لو كانت المرأة هي مريم ص فمن هو ولدها، ومن الإثنا عشر كوكباً، والشمس، والقمر ؟ فهم إن قالوا إنّ المرأة في الرؤيا هي مريم ص سيحتاجون إلى خمسة عشر شخصية أخرى لتفسير الرؤيا بصورة صحيحة. وهل عيسى ع رعى أو سيرعى جميع الأمم بعصا من حديد ؟!!! وهل لمريم نسل غير عيسى ع عرف عنهم أنهم مكلّفون من الله بحفظ وصايا الله، أي أنهم رسل أو خلفاء الله في أرضه وقادة للخير وطريق الله بحيث يكون شغل قادة الشر من شياطين الإنس والجن في مواجهتهم كما في الرؤيا ؟ وأيضاً الرؤيا عندما تبين أحداثاً فهي تبين أموراً غيبية تحدث في المستقبل عادة وإلا فما معنى أن نرى ما حصل أمس في رؤيا لنخبر به الناس مثلاً ونحن أصلاً نعرفه ؟! وأي فائدة ستترتب على إخبار الناس به ؟! ورؤيا يوحنا حصلت بعد أن ولدت مريم ص عيسى بوقت طويل، بل حتى بعد أن بُعث عيسى وبعد أن أتم رسالته ورفع. إذن فرؤيا يوحنا تتكلم عن أمر غيبي سيكون وليس عن أمر تاريخي حصل وانتهى كما يفسّرها من يقول إنّ المرأة مريم ص. ما تقدم أمور جلية تنقض مسألة أن المرأة هي مريم ص. ثانياً: بيان المعنى الصحيح: وقبل بيان معنى النص في الرؤيا يجب الالتفات إلى أنّ الرؤى هي كلمات الله وبالتالي فهي كالقرآن والتوراة والإنجيل تجري في أحوال مجرى الشمس والقمر من حيث التجدّد وانطباقها على أكثر من مصداق في أزمان مختلفة، ومن حيث كونها رموز ولها معانٍ متعددة؛ فالشمس والقمر في الرؤيا يمكن أن يكونا الرسول والوصي، أو الأم والأب الجسمانيين، أو الأم والأب الروحانيين، وكذا في أحيان يمكن أن ترى شخصاً في الرؤيا والمراد ليس هو بل اسمه فقط، وربما ترى مدينة وليست هي المقصودة بل مدينة تشابهها في بعض صفاتها أو ربما اسمها، فالرؤى كلمات الله، وربما جاءت برموز وبإشارات وبحكمة إلهية تماماً كما هو الوحي وكلام الأنبياء وكلام الله في كتبه المنزلة. إذا تبين هذا أقول: إنّ المرأة في رؤيا يوحنا ترمز إلى أم الإمام المهدي في زمن معين، فهي متسربلة ومحاطة بالشمس والقمر والإثني عشر، أي: بمحمد وعلي وفاطمة والأئمة من ولد فاطمة ص إلى الإمام المهدي، أي: أربعة عشر، والولد الذي تلده في الرؤيا هو المهدي الأول المذكور في وصية رسول الله محمد ص، فيكون العدد خمسة عشر كما في الرؤيا، وشياطين الإنس والجن يحاربون نسلها؛ لأنهم خلفاء الله في أرضه. أمّا كون الولد ليس مباشرة منها فما معنى أنها متمخضة وولدته ؟! فالجواب: إنها ولدت أبيه أو الأصل الذي جاء منه. ولابد من التنبيه على أنه لا مانع أن يكون هناك مصداق آخر للمرأة في زمن آخر باعتبار أنها ولدت نفس الولد محور الرؤيا، فتكون المرأة فاطمة ص والخمسة عشر هم أبيها وأمها وبعلها والأئمة الأحد عشر من بنيها والسر المستودع فيها أو المولود الثاني عشر من ولدها؛ محور الرؤيا) انتهى كلام المعزّي أحمد (السيد أحمد الحسن ع). اللهم احفظ الملك وابن الملك، ومكن لهما في أرضك، واجعلنا من الناصرين لهم والسائرين على نهجهم، وأن ترينا نورهم نستضيء به في الدنيا والآخرة إنك سميع الدعاء. والحمد لله الذي لم يجعل له ولداً ولم يكن له شريك في الملك وكبّره تكبيراً. والحمد لله وحده. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * *Footers
[1] - إنجيل يوحنا الاصحاح الرابع عشر.
[2] - http://www.arabchurch.com/commentaries/father_antonios/Matthew/17
[3] - الصف: 6.
[4] - إنجيل يوحنا الإصحاح الرابع عشر.
[5] - إنجيل يوحنا: 5: 39.
[6] - متى: الإصحاح 15.
[7] - متى: الإصحاح 7.
[8] - الأحزاب: 67.
[9] - خطاب محرّم للمعزي أحمد الحسن ( سنة 1432 هـ . ق.
[10] - قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة: 62.
[11] - تفسير القمص تادرس يعقوب ملطى صفحة فى تفسير إنجيل متي 2/23.
[12] - ترنيمةالنصارى http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/08-Coptic-Taraneem-Kalemat_Meem-Noun/Ma3shar-Al-Nasara-Ya-Khayr-Al-Sho3oob.html
[13] - آل عمران: 45.
[14] - انجيل متى 1: 21.
[15] - لوقا 4: 43.
[16] - متى 10: 7.
[17] - متى 6: 9 – 10، ولوقا 11: 2.
[18] - متى 21: 42 – 44.
[19] - إنجيل يوحنا 16:13
[20] - إنجيل يوحنا 16 :7
[21] - سفر أعمال الرسل 1.
[22] - يوحنا 20/ 22.
[23] - سفر صموئيل الأول 19 : 20.
[24] - الزمر: 42.
[25] - السجدة: 11.
[26] - النحل: 28.
[27] - والذي يدل على ذلك قوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ السجدة: 11، فتوجد عملية إيكال للملائكة بقبض الأرواح والتوفي.
[28] - يو 20: 19 – 29.
[29] -http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/04-Enjeel-Youhanna/Tafseer-Engeel-Yohanna__01-Chapter-14.html
[30] -http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/04-Enjeel-Youhanna/Tafseer-Engeel-Yohanna__01-Chapter-14.html
[31] - http://www.arabchurch.com/commentaries/father_antonios/Matthew/17
[32] - وأيضاً يمكنكم الرجوع إلى كتاب شبيه عيسى: الدكتور أبو محمد الأنصاري. وهو من إصدارات أنصار الإمام المهدي ( لتتبين لكم الحقيقة .http://www.al-mehdyoon.org/arabic/documents/books-Ansar/shabeh.pdf
[33] - متى 26/ 64.
[34] - إنجيل يوحنا: 16.
[35] - سفر أخبار الأيام الأول 28.
[36] - المزمور: 110/ 1 – 4.
[37] - متى: 13/ 13.
[38] - يوحنا: 8/19.
[39] - يوحنا: 7/27.
[40] - البروفيسور عبد الأحد داود - أستاذ علم اللاهوت المسيحي، كان مسيحيا واعتنق الإسلام.
[41] - يوحنا: 13/32.
[42] - في عام 1953م بيروت ترجم العهد الجديد وسميت بالترجمة البوليسية نسبة إلى الاب البوليسي جوج فاخوري ونقل الترجمة إلى عصر جديد في ترجمات الإنجيل إلى العربية.
[43] - رسالة يوحنا الرسول الأولى الإصحاح: 4/ 2.
[44] - إنجيل يوحنا: 16: 14.
[45] - انطونيوس فكري: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/27-Sefr-El-Ro2ya/Tafseer-Sefr-Roia-Youhanna-El-Lahouty__00-introduction.html
[46] - يوحنا: 16/ 13.
[47] - وعن موته ذكر (ساويرس) في كتابة "تاريخ البطاركة"، وذكر ذلك أيضاً القديس (ماريادي ليكوري) في كتابه "تأريخ الأرطقات مع دحضها" و "كتاب القرآن يتكلم والإنجيل يثبت ما يقوله دين الحق" للكاتب محمد حسني يوسف.
[48] - (كتاب القرآن يتكلم والإنجيل يثبت ما يقوله دين الحق) للكاتب محمد حسني يوسف. وأيضاً أثبتت هذه الحادثة في مناظرة كبرى بين مجموعة من القساوسة ومجموعة من علماء المسلمين من بينهم أحمد ديدات.
[49] - (کتاب الوجه الآخر للمسيح ) للمؤرخ السوري فراس السواح.
[50] - راجع الريس، بشارة أحمد في الإنجيل، ص: 171 – 173.
[51] - راجع کتابه، محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في كتاب اليهود والنصارى، ص: 141 – 148.
[52] - الإصحاح الحادي عشر: 1-10.
[53] - وصي ورسول الإمام المهدي في التوراة والإنجيل والقرآن - الإمام أحمد الحسن (.
[54] - الجواب المنير عبر الأثير - الإمام أحمد الحسن (.
[55] - يمنكم قراءة كتاب التوحيد للمعزي أحمد ( لتبيان بطلان عقيدة التثليث على الرابط التالي:
http://ar.al-mehdyoon.org/arabic/documents/books-saed/Tawhid.pdf
[56] - ستأتي دراسة النص عما قريب فانتظر.
[57] - 1 يوحنا 5:7.
[58] - وهذا هو الرابط: http://cyberistan.org/islamic/newton1.html
[59] - لمعرفة حقيقة تعبير (الله في الخلق) يرجى قراءة كتاب التوحيد للسيد أحمد الحسن (.
[60] - وكيبيديا الموسوعة الحرة.
[61] - راجع على سبيل المثال: http://st-takla.org/Coptic-History/CopticHistory_02-History-of-the-Coptic-Church-Councils-n-Christian-Heresies/Al-Magame3-Al-Maskooneya/Encyclopedia-Coptica_Councils_10-Magma3-El-Kostantineya-Inro-01-Origanos-Wal-rooh-Al-Kodos.html
[62] - يو 1: 3.
[63] - الشورى: 52.
[64] - الكافي: ج1 ص273.
[65] - كتاب المتشابهات - للإمام أحمد الحسن (: ج3.
[66] - روى الصدوق في عيون أخبار الرضا (: ج2 ص189: حدثنا أحمد بن الحسين القطان، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن الفضال، عن أبيه، قال: (سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): أنا ابن الذبيحين ؟ قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ( وعبد الله بن عبد المطلب، أمّا إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم (فلما بلغ معه السعي)، وهو لما عمل مثل عمله (قال يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) ولم يقل: يا أبت افعل ما رأيت (ستجدني إن شاء الله من الصابرين)، فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ويبول في سواد ويبعر في سواد، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاماً وما خرج من رحم أنثى، وإنما قال الله عز وجل: (كن فيكون) فكان ليفدي به إسماعيل، فكل ما يذبح في منى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة، فهذا أحد الذبيحين. وأمّا الآخر: فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقه باب الكعبة ودعا الله أن يرزقه عشره بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته، فلما بلغوا عشرة قال: قد وفى الله لي فلأوفين لله عز وجل، فادخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان أحب ولده إليه، ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله، ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله، فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه، فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن، فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه، اغدر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك، قال: وكيف اغدر يا بنيه فإنك مباركة ؟ قالت: اعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل واعط ربك حتى يرضى، فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها واعزل منها عشراً وضرب السهم على الإبل فكبرت قريش تكبيره ارتجت لها جبال تهامة، فقال عبد المطلب: لا حتى اضرب بالقداح ثلاث مرات، فضرب ثلاثاً كل ذلك يخرج السهم على الإبل فلما كانت في الثلاثة اجتذبه الزبير وأبو طالب وأخواتهما من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلده خده الذي كانت على الأرض واقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب، فأمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة ولا يمنع أحد منها، وكانت مئة، فكانت لعبد المطلب خمس من السنين أجراها الله عز وجل في الإسلام، حرم نساء الآباء على الأبناء، وسن الدية في القتل مئة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعه أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وسمى زمزم حين حفرها سقاية الحاج، ولولا أن عمل عبد المطلب كان حجه وأن عزمه كان على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي (صلى الله عليه وآله) بالانتساب إليها لأجل أنهما الذبيحان في قوله (صلى الله عليه وآله): أنا ابن الذبيحين.
والعلة التي من أجلها دفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها دفع الذبح عن عبد الله، وهي كون النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم في صلبيهما، فببركة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) دفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم، ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى بقتل أولادهم، وكل ما يتقرب الناس به إلى الله عز وجل من أضحية فهو فداء لإسماعيل ( إلى يوم القيامة(.
[67] - رومية 5: 8.
[68] - عبرانيين 9: 22.
[69] - إشعياء 55: 7.
[70] - إشعياء 55: 7.
[71] - مزامير 85: 1 – 3.
[72] - عدد 14: 19 – 20.
[73] - متی 26: 64.
[74] - إنجيل متي الإصحاح 26 العدد 64.
[75] - النساء: 157.
[76] - كتاب: The Holy Blood and The Holy Grail
[77] - برنابا 112 – 15.
[78] - إنجيل برنابا - تحقيق سيف الله أحمد فاضل: ص292.
[79] - وكيبيديا الموسوعة الحرة.
[80] - نقلاً عن د. منقذ بن محمود السقار.
[81] - إنجيل يهوذا، المشهد الثالث.
[82] - النساء: 157.
[83] - تفسير القمي: ج1 ص103، بحار الأنوار: ج14 ص336 – 337، قصص الأنبياء للجزائري: ص473.
[84] - إنجيل متى إصحاح 27.
[85] - إنجيل متى إصحاح 26.
[86] - إنجيل متى إصحاح 27.
[87] - إنجيل مرقس إصحاح 15.
[88] - إنجيل لوقا إصحاح 22.
[89] - إنجيل يوحنا إصحاح 18.
[90] - غاية المرام - السيد هاشم البحراني: ج7 ص92.
[91] - الملاحم والفتن - السيد بن طاووس الحسني: ص134.
[92] - بحار الأنوار: ج14 ص338.
[93] - قصص الأنبياء - للجزائري: ص474، نقلاً عن عيون الأخبار.
[94] - بحار الأنوار: ج14 ص344.
[95] - متى 26.
[96] - مرقس 14.
[97] - لوقا 22.
[98] - المتشابهات – السيد أحمد الحسن (: ج4 سؤال رقم 179.
[99] - متى 3: 7.
[100] - متى 23: 17.
[101] - متى 23 – 33.
[102] - المتشابهات: ج4 سؤال رقم 179.
[103] - متى الإصحاح 15.
[104] - انظر: الجواهر السنية - الحر العاملي: ص363.
[105] - المائدة: 72.
[106] - المائدة: 73.
[107] - المائدة: 74.
[108] - المائدة: 75.
[109] - الأنبياء: 22.
[110] - الأنعام: 101.
[111] - توضيح (إن الحقيقة البسيطة المطلقة يستحيل تعددها):
(هذا أيضاً أمر فطري وعقلي، وهو أن الحقيقة البسيطة المطلقة لا يمكن أن ينفصل عنها شيء مغاير لها أو متميز عنها، ولا يمكن أن يكون فيها أقسام أو أجزاء أو أصول أو أقانيم كما يسمونها متمايزة؛ لأن هذا يعني أنها حقيقة مركبة وليست بسيطة، والتركيب دلالة الافتقار وينفي عنها الغنى، وبالتالي لينفصل شيء ما متميز عن الحقيقة البسيطة المطلقة لابد من وجود حقيقة بسيطة مطلقة أخرى، وهذا أمر محال؛ لأن الحقيقة البسيطة المطلقة واحدة ولا يمكن أن تتعدد). كتاب التوحيد: هامش ص84.
[112] - المؤمنون: 91.
[113] - الصافات: 151 – 152.
[114] - الكهف: 4 – 5.
[115] - يونس: 68.
[116] - الشمس: 8.
[117] - النور: 35.
[118] - مريم: 35.
[119] - التوحيد: ص83 وما بعدها.
[120] - التوحيد: ص86.
[121] - راجع المتشابهات جواب سؤال رقم: 28، وغيرها من موارد.
[122] - التوحيد: ص 86.
[123] - (بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين.
يجب أولاً معرفة أن مكة من تهامة، وتهامة من اليمن، فمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) كلهم يمانية، فمحمد (صلى الله عليه وآله) يماني، وعلي ( يماني، والإمام المهدي ( يماني، والمهديون الإثنا عشر يمانية، والمهدي الأول يماني، وهذا ما كان يعرفه العلماء العاملون الأوائل (رحمهم الله)، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾.
وقد سمّى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار كلام أهل البيت (عليهم السلام) بـ (الحكمة اليمانية)، بل ورد هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما وسمّى عبد المطلب ( البيت الحرام بـ (الكعبة اليمانية).
أما بالنسبة لحدود شخصية اليماني:
فقد ورد في الرواية عن الباقر (: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). وفيها:
أولاً: (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار): وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجة على الناس، بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا، إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين.
ثانياً: (أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق والطريق المستقيم، أو الصراط المستقيم تعني: أن هذا الشخص لا يخطأ فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق، أي إنه معصوم منصوص العصمة، وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني.
أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، فإنه يجعل هذا الكلام منهم (عليهم السلام) بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني، وحاشاهم (عليهم السلام) من ذلك.
النتيجة مما تقدم في أولاً وثانياً:
إن اليماني حجة من حجج الله في أرضه ومعصوم منصوص العصمة، وقد ثبت بالروايات المتواترة والنصوص القطعية الدلالة أن الحجج بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) هم الأئمة الإثنا عشر (عليهم السلام) وبعدهم المهديون الإثنا عشر، ولا حجة لله في الأرض معصوم غيرهم، وبهم تمام النعمة وكمال الدين وختم رسالات السماء، وقد مضى منهم (عليهم السلام) أحد عشر إماماً، وبقي الإمام المهدي ( والإثنا عشر مهدياً، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي ( فلابد أن يكون اليماني أول المهديين؛ لأن الأحد عشر مهدياً بعده هم من ولده: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، ويأتون متأخرين عن زمن ظهور الإمام المهدي (، بل هم في دولة العدل الإلهي، والثابت أن أول المهديين هو الموجود في زمن ظهور الإمام المهدي ( وهو أول المؤمنين بالإمام المهدي ( في بداية ظهوره وتحركه، لتهيئة القاعدة للقيام، كما ورد في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن هنا ينحصر شخص اليماني بالمهدي الأول من الإثني عشر مهدياً.
والمهدي الأول بيَّنت روايات أهل البيت (عليهم السلام) اسمه وصفاته ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد وكنيته عبد الله - أي إسرائيل - أي إنّ الناس يقولون عنه إسرائيلي قهراً عليهم، ورغم أنوفهم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اسمي أحمد وأنا عبد الله اسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني).
والمهدي الأول هو أول الثلاث مائة وثلاثة عشر، وهو: (من البصرة) و (في خده الأيمن أثر) و (في رأسه حزاز) و (جسمه كجسم موسى بن عمران ()، و (في ظهره ختم النبوة)، و (فيه وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)) و (هو أعلم الخلق بعد الأئمة بالقرآن والتوراة والإنجيل)، و (عند أول ظهوره يكون شاباً)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (… ثم ذكر شاباً، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فانه خليفة المهدي).
عن أبي عبد الله (، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، وساق الحديث إلى أن قال: وليسلمها الحسن ( إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد (صلى الله عليه وآله) فذلك إثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين).
وعن الصادق ( أنه قال: (إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ().
وعن الصادق (، قال: (إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين (). وفي هذه الرواية القائم هو المهدي الأول وليس الإمام المهدي (؛ لأن الإمام ( بعده إثنا عشر مهدياً.
وقال الباقر ( في وصف المهدي الأول: (… ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى).
وعن أمير المؤمنين ( في خبر طويل: (… فقال (: ألا وإن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال…).
وعن الصادق ( في خبر طويل سمى به أصحاب القائم (: (.. ومن البصرة .. أحمد ..).
وعن الإمام الباقر ( أنه قال: (... له - أي للقائم - اسمان: اسم يخفى، واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد). وأحمد هو اسم المهدي الأول، ومحمد اسم الإمام المهدي ( كما تبين من وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعن الباقر (: (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: "أحمد أحمد"، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج)، وأحمد هو اسم المهدي الأول.
وفي كتاب الملاحم والفتن: (قال: أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني).
وفي الملاحم والفتن للسيد بن طاووس الحسني: (فيجتمعون وينظرون لمن يبايعونه فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قال إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني).
وروى الشيخ علي الكوراني في كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي (: (ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن)، وبما أن المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ( فلابد أن يكون مقطوع النسب؛ لأن ذرية الإمام المهدي ( مجهولون، وهذه الصفات هي صفات اليماني المنصور وصفات المهدي الأول؛ لأنه شخص واحد كما تبين مما سبق.
وإن أردتَ المزيد فأقول: إن اليماني ممهد في زمن الظهور المقدس، ومن الثلاث مائة وثلاث عشر، ويسلم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدس، وأول مؤمن بالإمام المهدي ( في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلابد أن يكون أحدهما حجة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديين حجج الله على جميع الخلق والمهدي الأول منهم فهو حجة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد فيصبح دور اليماني ثانوياً بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدس، فتحتم أن يكون المهدي الأول هو اليماني واليماني هو المهدي الأول.
وبهذا يكون اليماني: (اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خده الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شاباً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة، ومقطوع النسب، ويلقب بالمهدي، وهو إمام مفترض الطاعة من الله، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ويدعو إلى الإمام المهدي (، و …، و …)، وكل ما ورد من أوصاف المهدي الأول في روايات محمد وآل محمد (عليهم السلام)، فراجع الروايات في كتاب غيبة النعماني، وغيبة الطوسي، وإكمال الدين، والبحار، وغيرها من كتب الحديث... الخ). المتشابهات: ج4 جواب سؤال رقم: 144.
[124] - راجع كتاب المتشابهات: ج4 جواب سؤال رقم: 69، وكتاب النبوة الخاتمة، وغيرها من كتبه (.
[125] - الزخرف: 55.
[126] - النساء: 80.
[127] - الفتح: 10.
[128] - الكافي: ج1 ص144.
[129] - الكافي: ج1 ص145.
[130] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج53 ص8.
[131] - شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري:
http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/22-Sefr-El-Amthal/Tafseer-Sefr-El-Amthal__01-Chapter-30.html
[132] - إنجيل يوحنا 17: 20 – 23.
[133] - النساء:80.
[134] - رسالة بولس الرسول الأولى تيموثاوس الإصحاح الأول - العهد القديم والجديد: ج2 - مجمع الكنائس الشرقية.
[135] - رسالة بولس الرسول الأولى تيموثاوس الإصحاح الثالث - العهد القديم والجديد: ج2 - مجمع الكنائس الشرقية.
[136] - النور: 35.
[137] - اقرأ التفصيل في كتاب المتشابهات.
[138] - بحار الأنوار: ج55 ص39.
[139] - الفتح: 10.
[140] - الرحمن: 27.
[141] - كتاب التوحيد للمعزّي السيد أحمد الحسن (: ص91.
[142] - مرقس 11: 12 – 13.
[143] - مرقس 9: 21 – 22.
[144] - مرقس 13: 32.
[145] - http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/27-Sefr-Asheia/Tafseer-Sefr-Ash3eia2__01-Chapter-59.html
[146] - لمعرفة وصية رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) ليلة وفاته في إصدارات أنصار الإمام المهدي ( ككتاب الوصية والوصي، ودفاعاً عن الوصية، وانتصاراً للوصية، وجامع الأدلة، وغيرها.
[147] - كتاب الجهاد باب الجنة.
[148] - اشعياء- الإصحاح الحادي عشر.
[149] - المزمور 72: 1 – 17.
[150] - كتاب سليم بن قيس: ص429.
[151] - سفر دانيال 2: 44.
[152] - سفر دانيال 7: 13 – 14.
[153] - إنجيل متى 3: 2 – 3.
[154] - سفر زكريا 9: 9.
[155] - القصص: 5.
[156] - رؤيا يوحنا 12: 1 – 17.