Subjects
-1. أولياء ادخرهم الله ليومه المعلوم
-2. قبل العذاب رسالة ورسول
-3. صفات الرسول الموعود
-4. يوم مجيء الرسول الموعود "المنتظر":
-5. كيف يأتي الرسول الموعود ؟
-6. علامات يوم القائم الموعود:
-7. المصلح العالمي من الشرق
-8. أحمد .. الآتي على السحاب، وهل أوضح من أن تخطَّه السماء بسحابة دخان !!
-9. أحمد .. شبيه عيسى المصلوب والسيد الذي يعود ثانية:
-10. وصية محمد ص تفسِّر رؤيا يوحنا اللاهوتي:
-11. القائم أحمد .. الثالث عشر من الأئمة الأربعة والعشرين:
-12. القائم أحمد .. برعم من محمد ص، وغصن من يعقوب، وسبط يهوذا:
-13. أحمد .. صاحب أهدى الرايات ورافع راية الأمم:
-14. أحمد .. قائد الرايات السود والجامع أنصار أبيه (المختارين):
-15. (أُمة القائم أحمد) الأمة العاملة بأثمار الملكوت:
-16. ولدانيال النبي كلمة في (القائم أحمد):
-17. أحمد .. الحجر المخلِّص، المقتطع من محمد والذي صار رأس الزاوية:
-18. القانون الإلهي في معرفة الرسل (خلفاء الله):
-19. كلمة أخيرة:
Text
إصدارات أنصار الإمام المهدي ع / العدد (138) قبل الطوفان الثاني أحمد الموعود ملتقى رسالات السماء وسفينة نجاة المختارين إعداد علاء السالم الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً (أحمد) المصلح العالمي الذي تنتظره الأديان كلها يتطلع أتباع الرسالات السماوية إلى المنقذ العالمي الذي وعد به الأنبياء والمرسلون، وبرغم أنّ الله سبحانه إلهٌ واحدٌ رحيم ولا يصدر منه الفرقة والاختلاف، كما لا يرضى حصوله بين أتباع رسالاته، أصرّ الأتباع على التناحر فيما بينهم، فصار كلٌّ منهم يستأثر بما عنده من بشارات صادقة تتعلق برجل يملأ الأرض بالخير والصلاح في آخر الزمان، ويعتبر ما سواه هراء لا حقيقة له. وهو لا يعلم أنه بفعله هذا ينكر صاحبه الذي ينتظره، ذلك أنّ الحقيقة الغائبة عن الجميع - وقد اتضحت بمجيء المنقذ نفسه اليوم - أنّ أهل الأرض ينتظرون رجلاً واحداً بشّر به رسل الله وحددوا معالمه وصفاته ودولته وأيامه وأنصاره وغير ذلك مما يتعلق بأمره، كما سيتضح من خلال هذا الموجز. -1. أولياء ادخرهم الله ليومه المعلوم هناك أولياء لله سبحانه لا زالوا أحياء، ادخرهم الله سبحانه ليوم إقامة العدل الإلهي على هذه الأرض، وأتباعهم ينتظرون مجيئهم مرة أخرى للمساهمة في تحقيق هذا الغرض، وهم: النبي إيليا (إلياس) ع، إذ جاء في التوراة عن إيليا واليشع ما يلي: (11 وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. 12 وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا. وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ) ([1]). ومثله حال عيسى والخضر عليهما السلام. فأتباع هؤلاء الأولياء يؤمنون برجوعهم في آخر الزمان، وهي حقيقة يؤمن بها المسلمون أيضاً، فعن إيليا ذكر القرآن: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾([2]). وعن عيسى ورد: ﴿إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ﴾([3])، ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾([4]). وهي الحقيقة التي أكدها عيسى ع في الإنجيل أيضاً بقوله: (19 .. مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. 20 وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ) ([5]). وأيضاً قوله: (51 وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لارْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ) ([6]). ومثله حال الإمام المهدي ع، إذ ورد أنّ هناك بيتاً له في السماء يسمى (بيت الحمد)، يقول الإمام الصادق ع: (إن لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له: بيت الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف لا يطفأ) ([7]). وهذا يعني أنّ حاله كعيسى والخضر عليهما السلام، حتى إنّ من يريد التدليل على طول عمره الشريف يقوم بتشبيهه بهما. وحياة الخضر، بينها لنا الإمام الرضا ع بقوله: (لما قبض رسول الله ص أتاهم آتٍ فوقف على باب البيت فعزاهم به، وأهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه، فقال علي بن أبي طالب ع: هذا هو الخضر ع أتاكم يعزيكم بنبيكم ص) ([8]). وهي نفس حياة الإمام المهدي ع كما يقول الإمام الصادق ع: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه) ([9]). وبعد اتضاح حال هؤلاء الأولياء الواحد، نقول: دلت الأدلة على أنّهم يقومون بإرسال رسول حكيم أمين عند اقتراب الساعة والقيامة الصغرى، وبه يقيم الله الحجة على أهل الأرض جميعاً، وأمر معرفته هو هدف هذا البحث. وبالنسبة للمسلمين، فواضح أنّ إرسال الإمام المهدي ع لهذا الرسول يعني إرساله من قبل عيسى وإيليا أيضاً باعتبارهما تابعَينِ للإمام المهدي ع ومؤتمَينِ به، قال ص: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) ([10])، والإمام هو المهدي ع كما لا يخفى. * * * -2. قبل العذاب رسالة ورسول: وهو أمر أكدته الرسالات السماوية جميعها، قال تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ*يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾([11]). وهذا الدخان عذاب، والعذاب يسبق برسالة، قال تعالى: ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾([12]). وأيضاً هذا الدخان أو العذاب هو عقوبة على تكذيب رسول أرسل للمعذبين، وهو بين أظهرهم كما هو واضح من الآيات: ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾. وأيضاً هذا الدخان أو العذاب يكشف لإيمان أهل الأرض بهذا الرسول بعد أن أظلهم كما أظل العذاب قوم يونس ع أو يونان. وأيضاً هذا الدخان أو العذاب مقارن للقيامة الصغرى، بل هو البطشة الصغرى كما هو واضح في الآية، فليس بعده إلا البطشة الكبرى والانتقام من الظالمين. جاء في التوراة عن يوم الانتقام الإلهي الذي يكون نتيجة لتكذيب الرسول المخلِّص، ما يلي: (1 مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ. 2 مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟ 3 قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي. 4 لأَنَّ يَوْمَ النَّقْمَةِ فِي قَلْبِي، وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ. 5 فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ، وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ، فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي، وَغَيْظِي عَضَدَنِي. 6 فَدُسْتُ شُعُوبًا بِغَضَبِي وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي، وَأَجْرَيْتُ عَلَى الأَرْضِ عَصِيرَهُمْ) ([13]). وفي الإنجيل نسمع ذات الحقيقة (أي أنّ العذاب يُسبق برسول)، إذ جاء فيه: (7 بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثًا لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ) ([14]). بمعنى: أنّ قوم نوح ع عُذِّبوا بسبب عدم إيمانهم به، فقبل تعذيبهم كان هناك رسول الهي بينهم وكان العذاب نتيجة تكذيبهم بذلك الرسول ولو كانوا قد تابوا وآمنوا بمن أُرسل لهم لرفع عنهم العذاب. وجاء في التوراة عن رفع العذاب عن قوم يونس ع بسبب إيمانهم: (4 فَابْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى. 5 فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ ..) ([15]). واليوم، لا يشك أحد في نذر العذاب القريبة من أهل الأرض، بل وقوعها في مناطق متفرقة منها، حتى بدت علائم الطوفان الثاني أو الساعة أو القيامة الصغرى واضحة ومحسوسة لأغلب سكان الأرض ولا ينكرها إلا مكابر، والعذاب كما عرفنا لا يكون إلا بعد بعثة رسول وتكذيبه، فالسؤال الهام إذن: مَن هو هذا الرسول ؟ ومَن مرسل هذا الرسول ؟ ثم إنّ الرسول بكل تأكيد صاحب دعوة إلهية ويهم أمره العالم أجمع، ذلك أنّ نذر العذاب اليوم تشمل الجميع، ولهذا كانت نصوص الأديان عند ذكر المصلح والمنقذ العالمي تشمل (الأرض برمتها) أو (الشعوب والأمم جميعها) أو (العالم كله): فعند المسلمين: (مهدي أمة محمد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). وفي التوراة: (وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ) ([16]). وفي الإنجيل: (وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ) ([17]). وسنقف إن شاء الله على أنه رجل واحد لا غير. ثم لا نغفل أنّ الدخان الوارد ذكره في القرآن (الآية المتقدمة) من علامات (الساعة = قيام القائم) عند المسلمين، فلما سئل النبي ص عن قيام القائم أجاب: (مثله مثل الساعة "لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض" لا يأتيكم إلا بغتة) ([18]). وعند المسلمين السنة، ذكر النبي ص الساعة، فقال: (إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ..) ([19])، وليس الدخان عندهم عذاب يوم القيامة (فلو كان يوم القيامة ما كشف عنهم) ([20]). وأما عند غير المسلمين، فالدخان علامة على مجيء المنقذ والمخلِّص، ففي الإنجيل وتحديداً في رؤيا يوحنا المتضمنة ذكر المصلح المنتظر ورد عن الدخان ما يلي: (2 فَفَتَحَ بِئْرَ الْهَاوِيَةِ، فَصَعِدَ دُخَانٌ مِنَ الْبِئْرِ كَدُخَانِ أَتُونٍ عَظِيمٍ، فَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ وَالْجَوُّ مِنْ دُخَانِ الْبِئْرِ) ([21]). وفي التوراة: (30 وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. 31 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ) ([22]). وإذا كان الدخان عذاب كما هو معلوم، فالعذاب مقترن برسول، بل هو - أي العذاب - بسبب تكذيب أهل الأرض لهذا الرسول، فهو عقوبة لهم ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾، فمن هو الرسول يا ترى ؟! وهذه صفاته. * * * -3. صفات الرسول الموعود: يحدد الإسلام صفات عدة للرسول والإمام المبعوث في آخر الزمان، وهو المهدي ع عند المسلمين بلا أدنى شك. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ص: (أبشركم بالمهدي يُبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض) ([23]). وفي تحديد معالم شخصية الرسول الموعود، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيـهِ مَنْ يَشـاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾([24])، أي: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم سيرسل فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة). وقطعاً لا يمكن أن يكون محمد ص هو أيضاً يتلو على الآخرين الذين يأتون بعد رجوعه إلى الله، فلابد أن يكون هناك رسول، وأيضاً في الأميين، أي في أم القرى في زمانه، وله هذه الصفات: يتلو الآيات. يزكي الناس، أي يطهرهم فينظرون في ملكوت السماوات. يعلمهم الكتاب والحكمة. ولا توجد شخصية عند المسلمين وصفت بالبعث الإلهي لها في الآخرين غير المهدي. ولأنّ المستقى لأنبياء الله واحد وهو الحق سبحانه، ولأنّ الشخصية التي ينتظرها أهل الأرض جميعاً واحدة أيضاً، نجد أنّ الإنجيل يحدد لنا الصفات ذاتها: قال عيسى ع: (44 لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. 45 فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ 46 طُوبَى لِذلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هكَذَا) ([25]). والنص واضح في وصف (العبد القائم بأمر سيده) بتلاوة الآيات الإلهية بعد أمانته وحكمته وإعطاء الناس الطعام الإلهي، وكذا قيامه بتزكية الناس - أتباعه بالخصوص - وتطهيرهم بذلك الطعام الذي هو عبارة عن العلم والمعرفة والحكمة الإلهية، والتي يستطيعون بواسطتها النظر في الملكوت. على أنّ: (ِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ) ليس إلا تعبير آخر عن قول رسول الله محمد ص لأُبي بن كعب لما سأله عن القائم وعلاماته بقوله: (وما دلائله وعلاماته يا رسول الله ؟ قال: له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه) ([26]). وأما مطلع النص فهو تعبير آخر عن قول آل محمد ص في مجيء أمر المنقذ والقائم بغتة، كما ورد عن الإمام علي ع: (قيل للنبي ص: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال: مثله مثل الساعة "لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض" لا يأتيكم إلا بغتة) ([27]). وفي التوراة وردت البغتة أيضاً: (5 .. وَيَكُونُ ذلِكَ فِي لَحْظَةٍ بَغْتَةً، 6 مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ تُفْتَقَدُ بِرَعْدٍ وَزَلْزَلَةٍ وَصَوْتٍ عَظِيمٍ، بِزَوْبَعَةٍ وَعَاصِفٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ) ([28]). بقي أن نطرح من التوراة صفة المنقذ والمخلِّص الإلهي الذي تطلبه الأمم ويرفع راية للشعوب، وهي بكل تأكيد ذات الصفات أيضاً، والنص هو هذا: (1 وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، 2 وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. 3 وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4 بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5 وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. 6 فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ ... 9 لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. 10 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا) ([29]). ولا أظن أنّ النص يحتاج فهمه إلى عناء في التعرف على نفس صفات المصلح العالمي التي تقدمت في القرآن والإنجيل. وبه نخلص إلى وحدة صفات الرسول الموعود عند الجميع، بمعنى أنّ: (المهدي من آل محمد = العبد الحكيم الأمين الذي أقامه سيده = قضيب من جذع يسَّى). وبذلك استحق ذلك الرسول بصدق أن يكون كلمة سواء لأهل العالم والحمد لله، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. وأما تفسير بعض المسيحيين للخارج من جذع يسّى بعيسى ع فباطل جزماً، كما سيتضح في البحوث الآتية. * * * -4. يوم مجيء الرسول الموعود "المنتظر": إنّ مجيء الرسول الموعود الذي بشرت به جميع الرسالات السماوية، حق لا ريب فيه، وبالنسبة إلى زمان مجيئه فهو واحد ومحدد في كل الأديان؛ ووحدته لسبب بسيط هو: إنّ الجميع متفق على أنّ الحدث الكبير الذي تنتظره البشرية إنما يكون في آخر الزمان، وزمان أهل الأرض واحد فآخره واحد أيضاً، لذا فـ (يوم الرب أو الخلاص أو الدينونة في التوراة والإنجيل، واليوم المعلوم أو يوم الخروج في القرآن) هو يوم واحد لا أكثر. فعن اليوم المعلوم، قال تعالى عن إبليس "لعنه الله" بعد معصيته: ﴿.. فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾([30])، وهو يوم القائم ع، قال الإمام الرضا ع: (.. يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت) ([31]). وعند بعض السنة: "هو يوم طلوع الشمس من مغربها" (انظر: عمدة القاري: ج18 ص231)، وهي علامة ترتبط بالقائم المهدي في آخر الزمان كما هو معلوم. ومثله يوم الخروج، فهو يوم القائم أيضاً، حيث ورد في تفسير قوله تعالى: "ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ"، قال: (هي الرجعة) ([32])، أي الرجعة بالمثل، بمعنى: رجوع من هم نظراء لأناس مضوا، والتي تكون في أيام القائم ع. قال الإمام الصادق ع في الآية: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾، قال: (لا والله لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله وعلي بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب، يعني موضعاً بالكوفة ([33])) ([34]). وهو مسجد يبنيه القائم ع في أيامه، إذ يقول الناس له: (.. المسجد لا يسعنا، فيقول: أنا مرتاد لكم فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس) بنص الإمام الباقر ع ([35]). ومن ثم، يكون المقصود بـ"رسول الله وعلي" في الحديث السابق: نظيريهما بحيث يكون مجيئهما بمثابة مجيء النبي وعلي عليهما وآلهما السلام. والرجعة بالمثْل في زمن القائم نراها أيضاً في قول الإمام الصادق ع: (يُخرج القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالكاً الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً) ([36]). وبكل تأكيد المقصود بذلك خروج من هم نظراء للمذكورين. لذا ورد عن ابن عباس: (أصحاب الكهف أعوان المهدي) ([37]). كما أنً الرجعة بالمثل تلتقي مع ما أوضحه عيسى ع في مجيء إيليا المزمع أن يأتي، كما سنعرف ذلك في النقطة القادمة. هذا ما يخص يوم القائم ع في آخر الزمان عند المسلمين. وعن يوم الدينونة والخلاص، جاء في الإنجيل: (28 لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، 29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ) ([38]). وقد تقدم عن الرسول في ذلك اليوم قول عيسى ع: (لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ ..). وهذا يعني: أنّ يوم الدينونة يرتبط بالعبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده (أي قائم أيضاً). وفي التوراة ورد: (31 لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَتَبْتَهِجِ الأَرْضُ وَيَقُولُوا فِي الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. 32 لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ، وَلْتَبْتَهِجِ الْبَرِّيَّةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا. 33 حِينَئِذٍ تَتَرَنَّمُ أَشْجَارُ الْوَعْرِ أَمَامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ. 34 احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. 35 وَقُولُوا: خَلِّصْنَا يَا إِلهَ خَلاَصِنَا، وَاجْمَعْنَا وَأَنْقِذْنَا مِنَ الأُمَمِ لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ) ([39]). وفيه أيضاً: (9 وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ) ([40]). كما تقدم عن الرسول المنقذ في التوراة ما يلي: (وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا). وهذا يعني: أنّ يوم الخلاص هو يوم (القائم من أصل يسَّى). ولا ننسى أنّ اليوم المعلوم هو يوم (قيام قائم آل محمد) كما سمعناه من الإمام الرضا ع. ثم إننا إذا ما تذكرنا ما مرّ بنا في البحث السابق من وحدة "الرسول الموعود" في جميع الرسالات من حيث الصفات، الملازم أكيداً لوحدة "اليوم الموعود"، فماذا بقي عائقاً عن إيمان الناس بالمصلح العالمي اليوم وهو يصرخ فيهم قبل الطوفان !! على أنّ الوحدة تظهر أكثر بالالتفات إلى ما انتهينا إليه في هذا البحث وسابقه، وسنرى: وحدة صفات الرسول، كما عرفناه في البحث السابق. وحدة المقطع الزمني (آخر الزمان) المحدد لبعثته لدى الجميع كما توضح في مطلع البحث. وحدة علامات ذلك اليوم في نصوص الأديان كلها، وعرضنا الدخان ويأتي غيره لاحقاً. كما سنعرض وحدته نسباً، وغير ذلك مما يسهم بجعل الحقيقة أبين من الشمس. وبذلك تتجلّى خاتمة البحث السابق بشكل أكبر، ونكون قد خلصنا إلى النتيجة التالية: (القائم "من آل محمد" = القائم "العبد الأمين الحكيم" = القائم "من نسل يسَّى"). أما كيف يكون "القائم" من آل محمد ومن نسل يسَّى (والد داود) في نفس الوقت، فهذا ما سنقف عليه في البحوث الآتية، وسيظهر أنّ جده من حيث الأب النبي محمد ص ومن جهة الأم النبي يعقوب ع. * * * -5. كيف يأتي الرسول الموعود ؟ بكلمة واحدة: يأتي مُمثِّلاً مَن أرسله بحيث يكون مجيئه وابتداؤه بدعوته مجيئهم هم وابتداؤهم بدعوتهم، فيكون هذا المرسَل من أولياء الله المدخرين ملبياً لطموح وأمل المنتظرين لهم وبداية فرج المختارين لنصرتهم. أما إرسال الإمام المهدي ع في آخر الزمان رسولاً منه للمنتظرين بل للعالم أجمع، يمهِّد له سلطانه، فأمر بيِّن ويتضح بقراءة قول نبي الله محمد ص: (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي، يعني سلطانه) ([41]). وإذا ما عرفنا أنّ قائد أولئك الممهدين هو خليفة الإمام المهدي ع، بقوله ص: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي) ([42]). وضممنا إليه قول الإمام الباقر ع: (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: "أحمد أحمد"، يقودهم شاب من بني هاشم .. فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) ([43]). وأيضاً قوله ع عن القائم: (له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد) ([44]). نعرف بوضوح: أنّ رسول الإمام المهدي ع هو رجل من آل محمد أيضاً، واسمه (أحمد) وهو (قائم) أيضاً، وسيتجلّى ذلك أكثر. وأما في التوراة، فنطالع ما يلي: (5 هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ) ([45]). وكيفية مجيئه يوضحه عيسى ع لنا الآن، وملخصه: أنّ المجيء ليس بالضرورة يكون بمجيء الشخص نفسه ابتداءً، وإنما بمن يمثّله أو بمن هو مثله، بحيث يكون مجيئه مجيئه، تماماً كما بيَّن آل محمد ص من أنّ الرجوع في زمن القائم (اليوم المعلوم) يكون بالمثل. بل أوضح عيسى ع في الإنجيل طريقة مجيء ابن الإنسان (عيسى بنظر المسيحيين) في آخر الزمان، وأنها شبيهة بمجيء يوحنا (يحيى) الذي كان يمثِّل مجيئه مجيء إيليا ع، فلنطالع إذن ما يتعلق بالاثنين معاً: يقول عيسى: (12 وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ. 13 حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ) ([46]). ففي حين كان المذكور هو إيليا، ومَن جاء كان يوحنا، لكن عيسى ع كان يعتبر قدومه مجيئاً لإيليا؛ لأنه كان يرى أنّ يوحنا مثل إيليا ومجيئه مجيئه. ولذا قال أيضاً: (14 وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا، فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ. 15 مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ) ([47]). ويبقى المهم أنّ عيسى ع اعتبر أنّ مجيء ابن الإنسان قبل القيامة الصغرى يكون بهذه الصورة أيضاً، بمعنى أنّ هناك شخصاً يأتي مرسلاً منه ويكون مجيئه وابتداؤه بدعوته مجيئاً لعيسى ع، وليس هو إلا العبد الأمين الحكيم (القائم بأمر سيده) بحسب وصف عيسى المتقدم ذكره. وأيضاً يقول عيسى ع عن الرسول: (5 وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ 6 لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. 7 لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. 8 وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: 9 أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. 10 وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا. 11 وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ) ([48]). ونحن إذ توصلنا فيما مضى إلى وحدة الرسول الموعود ويومه نعرف أنّ عيسى يتحدث عن ذات الرسول الذي أسماه هنا بـ (المعزي)، والذي يبكِّت العالم في يوم الدينونة على خطاياهم وتكذيبهم الأنبياء والرسل وقتلهم، وعلى تركهم حق الأنبياء ووصاياهم، وعلى تضيعهم حظهم، وخذلانهم رئيس هذا العالم وهو الإمام المهدي ع. نعم هذه حقيقة لا يحتملها أتباعه يومذاك، لذا قال لهم: (12 إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. 13 وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. 14 ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ). واليوم روح الحق (أحمد) أرشدنا إلى ذلك كما وعد عيسى ع، وكون (أحمد = روح الحق) فهي حقيقة يدركها من يعرف أنه عبد أمين حكيم قائم بأمر سيده ورئيس هذا العالم (أي الإمام المهدي) ولا يتكلم من نفسه، وبالتالي فكل ما يصدر منه حق. وعند المسلمين ورد عن رسول الإمام المهدي (اليماني أحمد) ما قاله الإمام الباقر ع: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([49]). ونحن إذ نضع محصلة ما مرّ، أي: (القائم "من آل محمد" = القائم "العبد الأمين الحكيم" = القائم "من نسل يسَّى")، وما توصلنا إليه الآن (رسول الإمام المهدي "القائم أحمد"= رسول عيسى "المعزي")، فإننا نستنتج ما يلي: (إنّ المعزي والقائم الذي يقيمه الإمام المهدي ع ويرسله هو ومَن معه "أي عيسى وإيليا" يمكن أن يقال عنه: إنه خروج للإمام المهدي وعيسى وإيليا بالمعنى الذي تم إيضاحه، تماماً كما كان خروج يوحنا يمثل خروج إيليا في مرحلة معينة). ثم إنّ الرسول ليس ضرورياً أن يكون من تلك الأمم، بل يمكن أن يكون من أمة أخرى، بل هو كذلك حقاً، قال عيسى: (43 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ) ([50]). فهو يوضح لأتباعه أنّ الملكوت ينزع منهم ويعطى لأمة أخرى، وبالتالي لا يكونوا هم من أمة المعزي والعبد الأمين والحكيم الذي يُقدِّم طعامه الإلهي لأمة تتزكى وتتعلم على يديه لتنظر في الملكوت وتعمل أثماره، كما أنهم ليسوا أمة إيليا بنظره؛ لأنهم لم يؤمنوا به أصلاً. وأيضاً ورد في التوراة: (1 وَالآنَ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ: 2 إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ. 3 هأَنَذَا أَنْتَهِرُ لَكُمُ الزَّرْعَ، وَأَمُدُّ الْفَرْثَ عَلَى وُجُوهِكُمْ ..) ([51]). فيبقى أنهم - وبكل وضوح - أنصار القائم ع لأسباب تتوضح في الفقرة (16). ولذا حدّد الإمام علي ع منذ مئات السنين مَن يُعدّ مجيئه في آخر الزمان مجيء عيسى ع فيقول: (وتعود دار الملك إلى الزوراء، وتصير الأمور شورى، من غلب على شيء فعله، فعند ذلك خروج السفياني .. ويقل الطعام، ويقحط الناس، ويقل المطر، فلا أرض تنبت، ولا سماء تنزل، ثم يخرج المهدي الهادي المهتدي الذي يأخذ الراية من يد عيسى بن مريم ..) ([52]). وقال ابن حجر السني: (وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة "وهو المهدي باتفاق المسلمين" مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال إنّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة) ([53]). ولا شك أنّ إمامة المهدي لعيسى في الصلاة، يعني أنّ الراية قد أُخذت من يد عيسى وصارت بيد المهدي (القائم من آل محمد ص). ولكي تتبدّد كل الشكوك في وحدة المصلح العالمي المنتظر، أعرض الآن بعض علامات يومه الموعود وسنرى أنها واحدة أيضاً. * * * -6. علامات يوم القائم الموعود: ذكرت نصوص الأديان علامات قدومه واقتراب أيامه، وقد تحقق أكثرها، وهذه بعضها: كثرة الفتن والحروب وأخبارها: في الإنجيل: (6 وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوب وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 7 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. 8 وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ) ([54]). وعن عمار بن ياسر: (إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان لها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض وكفوا حتى تجيء أماراتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش .. وتكثر الحروب في الأرض) ([55]). وعن كعب الأحبار: (ثم يكون خسف وقذف وزلازل ببغداد، وهي أسرع الأرضين خراباً، ثم يبتدئ الخراب بمصر، فإذا رأيت الفتنة بالشام فالموت الموت، ويتحرك بنو الأصفر "الروم"، فيصيرون إلى بلاد العرب فتكون بينهم وقائع) ([56])، وكل هذا حاصل اليوم بلا شك. خراب بابل (العراق): وهو علامة أخرى لقرب يوم الدينونة والخلاص كما نص على ذلك العهدان القديم والجديد: في التوراة: (22 فَأَقُومُ عَلَيْهِمْ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. وَأَقْطَعُ مِنْ بَابِلَ اسْمًا وَبَقِيَّةً وَنَسْلاً وَذُرِّيَّةً، يَقُولُ الرَّبُّ. 23 وَأَجْعَلُهَا مِيرَاثًا لِلْقُنْفُذِ، وَآجَامَ مِيَاهٍ، وَأُكَنِّسُهَا بِمِكْنَسَةِ الْهَلاَكِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ) ([57]). و"القنفذ" يرمز للخراب والقفر لأنه يسكن فيها. وفي نفس السفر منها أيضاً: (9 .. فَأَجَابَ وَقَالَ: سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابِلُ، وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا الْمَنْحُوتَةِ كَسَّرَهَا إِلَى الأَرْضِ) ([58]). وفي الإنجيل: (7 .. خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ، وَاسْجُدُوا لِصَانِعِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ الْمِيَاهِ. 8 ثُمَّ تَبِعَهُ مَلاَكٌ آخَرُ قَائِلاً: سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، لأَنَّهَا سَقَتْ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا) ([59]). وفيه أيضاً: (2 وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ! وَصَارَتْ مَسْكَنًا لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ) ([60]). ولا يوجد في دين الله شيء اسمه طائر نجس، بل المراد به الطائرات، وهو ما حصل فعلاً لما قادت الولايات المتحدة حملة خراب بابل بطائراتها النجسة والممقوتة. وأما خراب العراق عند اقتراب الوعد الإلهي في نصوص المسلمين فكثيرة، وهذا مثال منها: قال الإمام الصادق ع عن بغداد: (.. ثم ليخربها الله تعالى بتلك الفتن وتلك الرايات حتى لو مر علينا مار لقال ههنا كانت الزوراء) ([61]). وعن رسول الله ص، قال: (تكون وقعة بين زوراء، قالوا: وما الزوراء يا رسول الله ؟ قال: مدينة بين أنهار من أرض جوخا يسنها جبابرة أمتي، تعذب بأربعة أصناف، بخسف ومسخ وقذف) ([62]). ومن الأحداث التي تجري في بغداد والتي تؤدي إلى اختلاف حكامها، هي الانتخابات التي تحصل لأول مرة في تاريخها، يقول النبي ص: (الويل الويل لأمتي من الشورى الكبرى والصغرى، فسُئل عنهما، فقال: أما الكبرى فتنعقد في بلدتي بعد وفاتي لغصب خلافة أخي وغصب حق ابنتي، وأما الشورى الصغرى فتنعقد في الغيبة الكبرى في الزوراء لتغيير سنتي وتبديل أحكامي) ([63]). والزوراء هي ذاتها "المنطقة الخضراء" في بغداد اليوم. يكون ذلك وزعامة العراق بيد الكرد، قال الإمام علي ع عن العراق عند اقتراب اليوم الموعود: (إذا صاح الناقوس .. فعند ذلك عجائب وأي عجائب إذا أنارت النار ببصرى .. وعقدت الراية لعماليق كردان ..) ([64]). كثرة الزلازل والفيضانات والأوبئة والمجاعات وما شابه: في التوراة: (3 صَوْتُ الرَّبِّ عَلَى الْمِيَاهِ. إِلهُ الْمَجْدِ أَرْعَدَ. الرَّبُّ فَوْقَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ ... 10 الرَّبُّ بِالطُّوفَانِ جَلَسَ، وَيَجْلِسُ الرَّبُّ مَلِكًا إِلَى الأَبَدِ. 11 الرَّبُّ يُعْطِي عِزًّا لِشَعْبِهِ) ([65]). وفيها أيضاً: (5 .. وَيَكُونُ ذلِكَ فِي لَحْظَةٍ بَغْتَةً، 6 مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ تُفْتَقَدُ بِرَعْدٍ وَزَلْزَلَةٍ وَصَوْتٍ عَظِيمٍ، بِزَوْبَعَةٍ وَعَاصِفٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ) ([66]). وفي الإنجيل: (7 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ) ([67]). وفيه أيضاً: (37 وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 38 لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ، 39 وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ). وعند المسلمين وردت روايات كثيرة جداً في ذلك، وكمثال لها: عن رسول الله ص، قال: (أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل) ([68]). وعن الإمام علي ع، قال: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، فأما الموت الأحمر فبالسيف وأما الموت الأبيض فبالطاعون) ([69]). وعنه ع أيضاً متحدثاً عن علامات المصلح العالمي في آخر الزمان: (.. ثم بعد ذلك طوفان الماء فمن نجا من السيف لم ينج من الماء) ([70]). وعن الإمام الباقر ع: (لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وزلازل وفتن وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك) ([71]). وما يجري اليوم في كثير من دول العالم ليس بوسع أحد إنكاره من كثرة الزلازل والأوبئة والفيضانات، والتغيرات المناخية والكونية، وإنذار المجاعة الذي يهدد الملايين بالموت جوعاً، وانهيار الاقتصاد العالمي وغير ذلك مما هو معلن من قبل مؤسسات دولية كالأمم المتحدة وغيرها، وبكل تأكيد أنّ المخفي أكبر وأخطر مما هو معلن بكثير، بل أنّ الذعر والخوف الشديد الذي تشهده البشرية هذه الأيام لم يسبق له مثيل. آيات سماوية أخرى تدلل على اليوم الوعود: جاء في التوراة: (1 اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ، فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، وَلْتَفْرَحِ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ. 2 السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ. الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ. 3 قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ. 4 أَضَاءَتْ بُرُوقُهُ الْمَسْكُونَةَ. رَأَتِ الأَرْضُ وَارْتَعَدَتْ. 5 ذَابَتِ الْجِبَالُ مِثْلَ الشَّمْعِ قُدَّامَ الرَّبِّ، قُدَّامَ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا. 6 أَخْبَرَتِ السَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ، وَرَأَى جَمِيعُ الشُّعُوبِ مَجْدَهُ .. 11 نُورٌ قَدْ زُرِعَ لِلصِّدِّيقِ، وَفَرَحٌ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْبِ. 12 افْرَحُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ، وَاحْمَدُوا ذِكْرَ قُدْسِهِ) ([72]). وفيها أيضاً: (30 وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. 31 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ) ([73]). وفي الإنجيل: (19 وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ: دَمًا وَنَارًا وَبُخَارَ دُخَانٍ. 20 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ، قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ)([74]). وفيه أيضاً: (29 وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 30 وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ ..) ([75]). ولو عرضنا هذه النصوص وغيرها على ما عند المسلمين من نصوص وافرة تتحدث عن الآيات الكونية عند اقتراب أيام المنقذ العالمي لرأينا الجميع يتحدث عن أمر واحد. فظهور النار (نار تحرق أعداءه)، والزلازل والبراكين (ذابت الجبال مثل الشمع)، وكسوف الشمس (تتحول الشمس إلى ظلمة) (تظلم)، وخسوف القمر (لا يعطي ضوئه)، والقذف بالشهب ونحوها (نجوم تسقط من السماء)، وغير ذلك من عواصف وخسف للأرض ودخان .. الخ، كلها علامات ليوم واحد موعود ينتظره العالم كله، وهو (يوم القائم). وقد تقدم ما يتعلق بالدخان وأنه من علامات (قيام الساعة = قيام القائم). وأيضاً قال الإمام الصادق ع: (إن الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكروا قيام الساعة وافزعوا إلى مساجدكم) ([76]). وقال رسول الله ص: (سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ) ([77]). وقال الإمام علي ع: (للمهدي آية من السماء جلية وفي الأرض مثلها في السوية، كف مدلاة بالخمس ورجفات ونار وخسف وطمس، يهد الله بعض بلاد الترك..) ([78]). وعن خالد بن معدان، قال: (ستبدو آية عمود من نار تطلع من قبل المشرق يراها أهل الأرض كلهم ، فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة) ([79]). وروى ابن حماد المروزي في فتنه عن الوليد، قال: (بلغني عن كعب أنه قال: يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذناب) ([80]). وقال الإمام الباقر ع: (إن بين يدي هذا الأمر انكساف القمر لخمس تبقى والشمس لخمس عشرة وذلك في شهر رمضان، وعنده يسقط حساب المنجمين) ([81]). ومن الآيات السماوية كذلك ظهور كف في السماء، قال الإمام الصادق ع: (وكف يطلع من السماء من المحتوم) ([82]). وعن أسماء بنت عميس: (علامة ذلك اليوم - أي وقت ظهور المهدي - يد تمتد من السماء والناس تدور لتراها) ([83]). وقد ظهرت الكف حسب ما نقلته وكالة ناسا الفضائية، وهذه صورتها: ص http://www.nasa.(?)ov/mission_pa(?)es/chandra/mعltimedia/photo09-025.html وهي آية سماوية تضاف إلى ما سبقها. ومن الآيات أيضاً "الجراد الأحمر" بلون الدم، قال الإمام علي ع: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم ..) ([84]). ومثله ورد في رؤيا يوحنا المتضمنة أخبار يوم الخلاص والدينونة: (3 وَمِنَ الدُّخَانِ خَرَجَ جَرَادٌ عَلَى الأَرْضِ، فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا كَمَا لِعَقَارِبِ الأَرْضِ سُلْطَانٌ) ([85]). وقد غزى الجراد الأحمر فعلاً شرق أفريقيا وتسبب بخسائر جسيمة في الحقول الزراعية، وفي يوم 24 حزيران (يونيو) 2009، أفادت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أنّ حملة طوارئ دولية نجحت في مواجهة الجراد الأحمر بشرق أفريقيا وجنوبها. كثرة الهرج وخلع الشعوب حكّامها: يحصل هذه الأيام ثورات للشعوب على حكامها في منطقة الشرق الأوسط وأوربا وبعض دول الاتحاد ومناطق أخرى من العالم، وهذه نصوص تؤكد الحقيقة المشار إليها: في الإنجيل: (7 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ ..) ([86]). وعن النبي ص، قال: (يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ فقال هكذا بيده، فحرفها كأنه يريد القتل) ([87]). ولما قيل للإمام للصادق ع: متى فرج شيعتكم؟ فذكر من بين علامات القائم: (وخلعت العرب أعنتها) ([88])، وها هي العرب تخلع أعنتها ويكثر الهرج في مناطق كثيرة من العالم. كان هذا عرض موجز لبعض علامات اليوم الموعود، وقد انتهينا إلى وحدتها كما انتهينا سابقاً إلى وحدة الرسول والمنقذ الإلهي (القائم من آل محمد) فيما سبق. وهناك أحداث أخرى نتحدث عنها أيضاً فيما يأتي إن شاء الله. فيا أهل الأرض .. ماذا بقي لتتأكدوا أنّ المخلِّص والمنقذ العالمي والمهدي الموعود بينكم ويصرخ فيكم، فأنقذوا أنفسكم قبل البطشة والانتقام الإلهي والطوفان العظيم. * * * -7. المصلح العالمي من الشرق بينت النصوص المتوافرة لدى أتباع الرسالات أنّ المنقذ والمخلِّص ينطلق بدعوته الإلهية العالمية الكبرى من المشرق، والشرق الذي تحدث عنه محمد وآله وموسى وعيسى وغيرهم من أولياء الله ص هو (العراق) نسبةً إلى مكانهم الذي تحدثوا منه: أما بداية حركة المهدي وقيادته للرايات السود المشرقية عند المسلمين فهو أمر واضح عندهم، قال النبي محمد ص: (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي، يعني سلطانه) ([89]). وقال ص: (إنا أهل البيت اختار لنا الله الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فيضرون فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوا إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً كما ملأوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج) ([90]). وعن الإمام علي ع قال: (.. يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس ..) ([91]). والمقصود بالرجل من أهل بيت النبي ص والإمام المهدي ع هو ابنه ورسوله ووصيه (القائم أحمد) وسيتضح ذلك أكثر عند عرض وصية جده محمد ص المقدسة وروايات آله الطاهرين لاحقاً. وعنه ع أيضاً: (واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب) ([92]). وفي الإنجيل: (27 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ) ([93]). فعبّر عن بداية ظهوره أنه يكون من المشرق إلى المغرب، والمشرق نسبةً إلى مكان عيسى ع في ذلك الزمان يكون العراق، والبرق الذي خرج من المشرق وظهر في المغرب هو إبراهيم، حيث خرج من العراق وظهر في الأرض المقدسة. وأما في التوراة: (7 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُخَلِّصُ شَعْبِي مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَمِنْ أَرْضِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ. 8 وَآتِي بِهِمْ فَيَسْكُنُونَ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا،وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ) ([94])، وهو يعني أنّ المخلِّص يبتدئ أولاً من أرض المشرق. وعن المخلِّص (رب الجنود)، ورد في التوراة أيضاً: (10 فَهذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلانْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ. لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ) ([95]). أما الفرات فهو في العراق كما هو واضح، وأما أنّ للمخلِّص ذبيحة عند نهر الفرات، فلأنّ المخلص كما تبين هو نفسه قائم آل محمد، والقائم وإن كان هو نفسه المعزي الذي وعد به عيسى كما تقدم وبالتالي فهو يطالب بالأنبياء جميعاً، ولكن الذبيحة العزيزة على قلبه والتي يطلب بدمها هو دم جده الحسين ع المقتول في كربلاء على نهر الفرات. لذا يعلمنا الإمام المهدي ع أن نندب ابنه القائم أحمد ونقول: (أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء أين الطالب بدم المقتول بكربلاء)، كما في دعاء الندبة. ولأنّ كربلاء تقع شمال البصرة، فهذا يعني أنّ منطلق المخلِّص ومسكنه يكون جنوب كربلاء، وإليك النص الذي يحدد مسكنه: (1 مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ) ([96]). إنها (بَصرة) بالفتح، وليس (بُصرة) بالضم كما فعل المزورون بقصد. وقد سمّى الإمام علي ع أول المقربين إلى الإمام المهدي، فقال: (.. ألا وأنّ أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال) ([97]). وليس صدفة أن نسمع الإمام الصادق ع يذكر اسم هذا الأول فيقول: (ومن البصرة .. أحمد) ([98])، ذلك أنّ أحمد هو أول مقرب إلى الإمام المهدي ع وهو خليفته ورسوله إلى الناس بنص وصية رسول الله ص المقدسة وسيأتي عرضها، وهو مهدي أيضاً، وقد سمعنا فيما سبق (في الفقرة الخامسة) أنّ قائد الرايات السود المشرقية هو خليفة المهدي وأنّ اسمه (أحمد)، كما أنّ شعار جيش التمهيد الفاتح هو: "احمد احمد". وربما صار بوسعنا الآن أن نعرف سرّ التركيز في العهدين الجديد والقديم على العراق (بابل)، بل ربما نفهم أهمية منطقة الشرق الأوسط لدى قادة الدول المتكبرة (أمريكا تحديداً). كيف، وهي المملكة الحديدية التي يلقي بها المنقذ إلى وقيد النار بنص دانيال النبي في التوراة. كما أنّ هناك أحداثاً في دول شرقية أخرى، وردت في نصوص الأديان أيضاً: منها: مصر، فقد تقدم في العلامة الأولى من البحث السابق القول بخرابها عن كعب الأخبار، وقال الإمام علي أيضاً ع: (صاحب مصر علامة العلامات وآيته عجب لها أمارات, قلبه حسن ورأسه محمد ويغير اسم الجد, إن خرج فاعلم أنّ المهدي سيطرق أبوابكم, فقبيل أن يقرعها طيروا إليه في قباب السحاب, أو ائتوه زحفاً وحبواً على الثلج) ([99]). ومن المعلوم أنّ حاكم مصر اسمه "محمد حسني مبارك"، وقد غيّر اسم جده من (سيد) إلى (مبارك)، وأنّ "قلبه حسن" تعني: قلب الاسم أي حسني، و"رأسه محمد" يعني: الاسم الأول. وقد خرج من الحكم، وبان خراب مصر وضعفها، وها هي دعوة القائم (أحمد) تدوّي في أطراف الأرض. وأما ذكر خراب مصر في التوراة عند اقتراب يوم الخلاص، فهذا نموذج له: (3 لأَنَّ الْيَوْمَ قَرِيبٌ، وَيَوْمٌ لِلرَّبِّ قَرِيبٌ، يَوْمُ غَيْمٍ. يَكُونُ وَقْتًا لِلأُمَمِ. 4 وَيَأْتِي سَيْفٌ عَلَى مِصْرَ، وَيَكُونُ فِي كُوشَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، عِنْدَ سُقُوطِ الْقَتْلَى فِي مِصْرَ، وَيَأْخُذُونَ ثَرْوَتَهَا وَتُهْدَمُ أُسُسُهَا) ([100]). ومنها: الحجاز، قال النبي ص: (يحكم الحجاز رجل اسمه على اسم حيوان إذا رأيته حسبت في عينيه الحول من البعيد وإذا اقتربت منه لا ترى في عينيه شيئاً، يخلفه له أخ اسمه عبد الله، ويل لشيعتنا منه أعادها ثلاثاً، بشّروني بموته أبشّركم بظهور الحجّة) ([101]). وحاكم الحجاز هو فهد وقد خلفه أخوه عبد الله كما أخبر النبي ص. وعن الإمام الصادق ع قال: (من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم. ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعدة على أحد، ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم "القائم" إن شاء الله) ([102]). ومنها: الشام (سوريا وما حولها)، فهي الأخرى كان لها ذكر في نصوص الأديان، فهي عند المسلمين منبع ظهور راية السفياني، كما أنّ الأحداث التي تجري فيها مبينة في العهدين، وهي تماماً ما يجري فيها اليوم. والآن، أعود إلى ارتباط السحاب بالقائم والمنقذ العالمي، فأقول: * * * -8. أحمد .. الآتي على السحاب، وهل أوضح من أن تخطَّه السماء بسحابة دخان !! إن ارتباط أمر المنقذ العالمي بالسحاب أمر أكدته النصوص الدينية في كل الرسالات، وقد استعرضنا بعض ما يرتبط بذلك فيما مضى، وأختصر هنا التالي: في التوراة: (5 فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي عَمُودِ سَحَابٍ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ، وَدَعَا هَارُونَ وَمَرْيَمَ فَخَرَجَا كِلاَهُمَا. 6 فَقَالَ: اسْمَعَا كَلاَمِي. إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ، فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لَهُ. فِي الْحُلْمِ أُكَلِّمُهُ) ([103]). وفيها: (10.. وَإِذَا مَجْدُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي السَّحَابِ. 11 فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 12 ..) ([104]). وفيها: (1 اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ، فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، وَلْتَفْرَحِ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ. 2 السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ ..) ([105]). وفي الإنجيل: (29 وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 30 وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31 فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ...) ([106]). وفي الإنجيل أيضاً: (7 هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ ...) ([107]). والسحاب الذي يؤيد به المنقذ والمخلص في التوراة والإنجيل هو ما يؤمن به المسلمون أيضاً في تأييد القائم من آل محمد في آخر الزمان. فعن عبد الرحيم، قال الإمام الباقر ع: (أما أنّ ذا القرنين قد خير السحابين فاختار الذلول، وذخر لصاحبكم "القائم" الصعب. قلت: وما الصعب ؟ قال: ما كان من سحاب فيه رعد وبرق وصاعقة فصاحبكم يركبه، أما أنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب) ([108]). إذا اتضح ذلك، أعود وأذّكر أهل الأرض بآية سماوية لم يمضِ عليها وقت كثير، وقد بدت بعدها نذر العذاب مترادفة، وهي ثورة بركان (أيسلندا)، وأقول: التنور: هو المكان الذي توقد فيه النار أو المكان الذي فيه نار موقدة، وفوران الشيء حركته وخروجه من الوعاء الذي يحويه، فالبركان يكون حاله تنور وثورته هي فورانه. والطائرة في الملكوت تشير إلى الفرج والراحة والعمل المريح والرفاهية بالنسبة للإنسان. فار بركان (أيسلندا) وأوقف طيران العالم، وهذه آية للمتوسمين، وأيضاً آية باقتراب أمر الله ، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾([109]). فمع كل الإمكانات المادية المتوفرة اليوم لو أعطيتك سفينة وقلت لك: اصعد فيها أزواجاً من الحيوانات، كم تحتاج من الوقت ؟ في زمن نوح ع كم كان يحتاج ؟ لا أقل أشهر، إذن بين فوران التنور أو ثورة البركان وبين الفيضان أو نزول العذاب أشهر ربما إذا شاء الله إنفاذ أمره. ففوران التنور آية لنوح باقتراب العذاب وأن يتهيأ بعده لنزول العذاب، وحال الناس اليوم كذلك، وكما كان لزمان نوح ع تنور وعذاب فلهذا الزمان تنور وعذاب، وسفينة نوح ع معروفة وسفينة القائم ع معروفة اليوم أيضاً. ورد في الإنجيل: (37 وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ) ([110]). وفيه أيضاً: (14 ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ. 15 وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْهَيْكَلِ، يَصْرُخُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الْجَالِسِ عَلَى السَّحَابَةِ: أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَاحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلْحَصَادِ، إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ الأَرْضِ. 16 فَأَلْقَى الْجَالِسُ عَلَى السَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ عَلَى الأَرْضِ، فَحُصِدَتِ الأَرْضُ) ([111]). أما ماذا كان في الآية السماوية، انظروا إلى هذه التصوير لتعرفوا: http://www.almahdyoon.info/vb/t3014.html هذه صورة ما خطته سحابة الدخان في السماء، إنه اسم القائم والمنقذ والمخلِّص (أحمد). وإذا سألت لماذا (أحمد) ؟ الجواب: لأجل كل ما تقدم وما يأتي من أنّ (القائم أحمد عند المسلمين = القائم (العبد الحكيم) عند المسيحيين = القائم من يسّى عند اليهود)، فهو المصلح العالمي المنتظر بكل وضوح، والحمد لله رب العالمين. وأما حمل علامة (ابن الإنسان) على عيسى ع بحصر اللفظ فيه فقط كما يصوّره المسيحيون، فليس بصحيح؛ ذلك أننا لو قرأنا قوله: (29 وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ .. 30 وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ .. 37 وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ ...)، لعرفنا أنه يتحدث عن المنقذ والمخلص العالمي، وقد ذكر فيه أيضاً: (... 45 فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ ..) ([112])، وهذا يعني أنّ العبد القائم المنتظر له الدور الأساس في يوم الخلاص الذي بشَّر به عيسى كما تقدم في بحث صفات الرسول الموعود. وأيضاً توضح في بحث كيفية المجيء أنّ مجيء عيسى في ذلك اليوم يكون بمجيء مَن يمثِّله ويشبهه، وهي كافية لإجابة إشكالهم حتى مع إصرارهم على حصر اللفظ بعيسى فقط. فالآتي إذن شبيه عيسى ع كما أكده النص المتقدم عندهم: (14 ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ) ([113]). يبقى أنّ إطلاق صفة الرب "أي المربي والمدبر" على المنقذ والمخلِّص في التوراة والإنجيل: (وَإِذَا مَجْدُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي السَّحَابِ. فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى) (اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ) (رَبُّ الْجُنُودِ) (اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ) وغيرها، فهي ذاتها الحقيقة التي أشار لها القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ ([114])، قال الإمام الصادق ع: (إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى الناس) ([115]). وسأله المفضل عن الآية، فقال ع: (ربّ الأرض يعني إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج "أي القائم" يكون ماذا ؟ قال: إذاً يستغني الناس ..) ([116]). وأما بالنسبة إلى تكليم المخلِّص لموسى ع كما نصت التوراة، وقد تبيَّن أنه القائم (أحمد) من آل محمد، فهو نفسه ما نطق به الإمام علي ع وهو يبشِّر المنتظرين بالقائم وبعثته، إذ يقول: (.. فعند ذلك عجائب وأي عجائب، إذا أنارت النار ببصرى، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضاً، وصبا كل قوم إلى قوم .. وعقدت الراية لعماليق كردان، وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب .. فتوقعوا ظهور مكلِّم موسى من الشجرة على الطور، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف) ([117]). وإذا كان الله سبحانه هو المستوفي لأنفس الخلق: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ﴾([118])، وهو ملك الموت الذي وكَّله الله أيضاً: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ﴾([119])، فما يمنع إذن أن يكون مكلِّم موسى هو الله: ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾([120])، وهو أيضاً أحد أوليائه بأمره وتوكيله سبحانه كما نص الإمام عليع. * * * -9. أحمد .. شبيه عيسى المصلوب والسيد الذي يعود ثانية: قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾([121]). وفي الإنجيل، نرى قول عيسى ع لشبيهه الذي صلب بدله: (ستكون أنت الثالث عشر وستكون ملعوناً من الأجيال الأخرى ولكنك ستأتي لتسود عليهم .. ولكنك ستفوقهم جميعاَ لأنك ستضحي بالإنسان الذي يرتديني) ([122]). وفي الحقيقة أنّ عيسى دعا ربه سبحانه: (39 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ) ([123]). فكان له ما أراد، وكان الشارب لكأس الصلب هو "الثالث عشر" بدله، والثالث عشر هو وصي من آل محمد كما يتضح عند عرض وصية رسول الله محمد ص، وهو (القائم أحمد). لذا لما سأله رئيس الكهنة وقال له: (65 .. هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) أجابه وقال: (64 .. أَنْتَ قُلْتَ) ([124])، ولم يقل له: "نعم". ومثله كان جوابه لما سأله الوالي قائلاً: (11.. أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ) أجابه: (أَنْتَ تَقُولُ) ([125])، فأيضاً لم يقل له: "نعم". قال الإمام الباقر ع: (إن عيسى ع وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا عند المساء، وهم اثنا عشر رجلاً فأدخلهم بيتاً ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال إن الله رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقي عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي، قال شاب منهم: أنا يا روح الله، قال: فأنت هُوَ ذا ..)، ثم قال ع: (إن اليهود جاءت في طلب عيسى ع من ليلتهم .. وأخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى ع فقتل وصلب) ([126]). فالإمام الباقر ع يقول: (اجتمع اثنا عشر)، بينما الذين جاؤوا من الحواريين هم (أحد عشر)، فيهوذا لم يأتِ، بل ذهب إلى علماء اليهود ليُسلِّم عيسى ع، وهذا من المتواترات التي لا تنكر. جاء في الإنجيل: (14 حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ 15 وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ)([127]). فالثاني عشر الذي جاء أو قل الذي نزل من السماء، هو الوصي من آل محمد ص، الذي صُلِبَ وقُتِلَ، بعد أن شُبِّهَ بصورة عيسى ع. ولعل هذا ما يفسر لنا قول عيسى لحوارييه: (31 ..كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ) ([128]). وفي الإنجيل أيضاً: (33 ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ 34 أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟ 35 أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟ 36 أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا. 37 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي) ([129]). فالمصلوب لم تكن مملكته وقت صلبه كما قال هو، ولو قد حان وقتها لكان خدامه وأنصاره يجاهدون بين يديه، ولكنه جاء إلى العالم في ذلك الوقت لأداء مهمة والشهادة للحق، تلك المهمة التي لها تمام العلاقة بيوم الدينونة والخلاص وقيام دولة العدل في آخر الزمان. وكانت آخر كلمات هذا الوصي المصلوب هي: (إيليا، إيليا لما شبقتني)، وفي إنجيل متى: (.. إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟ أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي ..) ([130]). يقول القائم أحمد الحسن: (والحقيقة أن ترجمة الكلمات التي قالها هكذا: "يا علي يا علي لماذا أنزلتني"، والنصارى يترجمونها هكذا: "إلهي إلهي لماذا تركتني" كما تبين لك من النص السابق من الإنجيل. والإنزال أو الإلقاء في الأرض من السماء قريب من الترك. ولم يقل هذا الوصي هذه الكلمات جهلاً منه بسبب الإنزال، أو اعتراضاً على أمر الله سبحانه وتعالى، بل هي سؤال يستبطن جوابه وجّهه إلى الناس، أي: افهموا واعرفوا لماذا نزلتُ ولماذا صلبتُ، ولماذا قُتلتُ، لكي لا تفشلوا في الامتحان مرة أخرى، إذا أُعيد نفس السؤال، فإذا رأيتم الرومان "أو أشباههم" يحتلون الأرض، وعلماء اليهود "أو أشباههم" يداهنونهم، فسأكون في تلك الأرض، فهذه سنة الله التي تتكرر، فخذوا عبرتكم وانصروني إذا جئت ولا تشاركوا مرة أخرى في صلبي وقتلي. كان يريد أن يقول في جواب السؤال البيَّن لكل عاقل نقي الفطرة: صُلبتُ وتحملتُ العذاب وإهانات علماء اليهود وقُتلتُ لأجل القيامة الصغرى، قيامة الإمام المهدي ع، ودولة الحق والعدل الإلهي على هذه الأرض ... ولأنه أصلاً لم يكن وقته قد حان ليُرسل ويُبلغ الناس ويتكلم معهم، ذهب هكذا مثل شاة سيق إلى الذبح، مثل خروف صامت أمام الذي يجزره، هكذا لم يفتح فاه. أرجو أن يستفيد كل مؤمن يريد معرفة الحقيقة من هذا الموقف، فهذا الإنسان نزل إلى الأرض، وصُلب وقُتل ولا أحد يعرف، لم يطلب أن يُذكر أو أن يُعرف، نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقُتل صامتاً، وصعد إلى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا) ([131]). ويقول أيضاً في نصيحة له إلى المسيحيين: (.. وأيضاً فليلتفتوا إلى مسألة أنّ عيسى تعرض للصلب باطلة، وقد بينت بطلانها من الإنجيل وأقوال عيسى ع فيه وطلبه من الله أن يجز عنه الصلب وعذابه فإما أنّ الله قد استجاب دعاء عيسى ع ورفعه ونزل شبيه له وهذا هو الصحيح، وإما أنّ الله لم يستجب دعاء عيسى ع، ومعنى قولهم هذا إنّ الله لا يعبأ بدعاء عيسى ع. وأيضاً يتهمون عيسى ع بالسفه وضعف الإدراك وقلة المعرفة، وإلا فما معنى أن يطلب عيسى أن يجز الله عنه الصلب إذا كان قادراً أن يصبر على عذاب الصلب دون أن يشتكي وهو يعلم أنّ مسألة الصلب مهمة في مسيرة الدين الإلهي. وأيضاً فليلتفتوا إلى الوثيقة التاريخية (إنجيل يهوذا) التي بينتها الجمعية التاريخية الدولية وهي إحدى المخطوطات الأثرية التي عثر عليها في مصر، وتاريخها يعود إلى بداية القرن الثالث الميلادي أي قبل الإسلام وقبل بعث محمد ص، وفي هذه الوثيقة أنّ عيسى لم يصلب بل صلب شخص آخر شبيه له. وما يهمنا هو أنّ مسألة الشبيه عموماً - بغض النظر عن المصداق - موجودة عند المسيحيين قبل أكثر من ألف وسبعمائة عام، وكما يقول المثل لا يوجد دخان من غير نار، فلو لم يكن للأمر أثر لما ظهر عند المسيحيين الأوائل وفي عقائدهم. فالسؤال الذي لابد أن يتنبّه له المسيحيون ويسألوا أنفسهم عنه هو: من أين أتت هذه الفرقة من المسيحيين القدماء بأنّ عيسى لم يصلب وأنّ مَن صلب هو شبيه له ؟ هل هي مجرد أفكار ؟ وهل هذه المسألة فكرية أم تاريخية نقلية ؟ هل يمكن مثلاً القول: إنّ هذه الفرقة اعتقدوا أنّ عيسى ع لم يصلب وأنّ من صلب هو شبيه له دون أن يكون هناك نقل تاريخي وصلهم عن طريق بعض من عاشوا زمن الصلب ؟!!!!! أنصح كل مسيحي حرّ أن لا يهتم لقول الكنيسة اليوم إنّ من كتبوا هذا الإنجيل أو هذا النص من المسيحيين الأوائل هم فرقة مهرطقة؛ لأنّ هذه الفرقة أيضاً لو سألتموهم في ذلك الزمان عن عقائد الكنيسة اليوم لقالوا إنها هرطقة، ولو سألنا آريوس وأتباعه عن الكنيسة اليوم لقالوا إنها مهرطقة، فشتم الكنيسة كل من يخالفها من المسيحيين بالهرطقة كما يفعلون اليوم مع شهود يهوا لا يقدم ولا يؤخر ولا يخفي الحقيقة التي تجلت الآن بوضوح وهي: أنّ ما تقوله الكنيسة اليوم أمر مختلف فيه بين المسيحيين الأوائل بل ولا يزال مختلف فيه إلى اليوم، وفرقة شهود يهوا المسيحية خير شاهد على هذا الاختلاف اليوم. والحقيقة الثابتة الآن - فيما يخص الصلب - أنّ هناك وثيقة تاريخية وقد تم تحليلها من جهات عالمية مختصة بالآثار وبأحدث الطرق العلمية وثبت أنها تعود لبداية القرن الثالث الميلادي، وفيها أنّ عيسى لم يصلب بل هناك شبيه صلب بدلاً عنه، فهل سيكتفي المسيحيون بتصريح الكنيسة: إنّ هذه الوثيقة تعود لفرقة مسيحية قديمة مهرطقة ؟!!! هل هذا الرد من الكنيسة رد علمي ؟! أليس مثلاً يمكن أن يقول لهم أي مخالف لماذا لا تكونون أنتم من يهرطق ؟! أليس الصحيح الآن وبعد ظهور هذه الحقائق أن يبحث موضوع الصلب بموضوعية وبعلمية وبعيداً عن التعصب والتقليد الأعمى ..). ثم نقل القائم أحمد النص من إنجيل يهوذا وهو ما سيتم إيضاحه في الفقرة (11) الآتية. إنّ كون المصلوب هو نفسه المخلِّص والمنقذ العالمي الموعود الذي سيأتي ثانية في آخر الزمان، لم يكن ليوضحه الإنجيل فقط، بل هو أمر أكدته جميع الرسالات السماوية: جاء في التوراة عن يوم الخلاص الموعود: (11 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ السَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، الَّتِي بَقِيَتْ، مِنْ أَشُّورَ، وَمِنْ مِصْرَ، وَمِنْ فَتْرُوسَ، وَمِنْ كُوشَ، وَمِنْ عِيلاَمَ، وَمِنْ شِنْعَارَ، وَمِنْ حَمَاةَ، وَمِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. 12 وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ) ([132]). نعم، يعود السيد ثانية بعد مهمته التي فدا بها عيسى، فسلام على (السيد أحمد الحسن)، قائم آل محمد، الذين أكدوا عودته ورجوعه في كثير من رواياتهم: عن الحسين بن أبي العلاء عن الإمام الصادق ع، قال: (قلت له: القائم إمام ؟ قال: نعم، إمام بن إمام قد أوتم به قبل ذلك) ([133]). وعنه ع أنه قال: (لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول) ([134]). وإذ بدأت شمس الحقيقة بالانفجار والظهور أكثر، يكون عرض وصية رسول الله محمد ص ملحاً الآن، وهذا أوان بيانها. * * * -10. وصية محمد ص تفسِّر رؤيا يوحنا اللاهوتي: جاء في الإنجيل: (1 بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا. 2 وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ. 3 وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ. 4 وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ. 5 وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ) ([135]). وعن الجالس على العرش بإمكاننا أن نطالع وصية رسول الله ص لنعرف أنه الجالس على العرش، وأما أصحاب العروش الأربعة والعشرين فهم خلفاؤه الطاهرون (12 إماماً + 12 مهدياً) كما نصت على ذلك وصيته المقدسة، وهذا نصها. قال رسول الله ص لعلي ع: (يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً ... إلى أن يقول: فإذا حضرته (أي الإمام الحادي عشر) الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص "وهو الإمام المهدي". فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين "أول المهديين" له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، وهو أول المؤمنين) ([136]). إنّ هؤلاء الأئمة الأربعة والعشرين هم ذاتهم الذين ذكرهم المسلمون السنة في كتبهم: عن كعب الأحبار، قال: (هم اثنا عشر، فإذا كان عند انقضائهم فيجعل مكان اثني عشر اثنا عشر مثلهم، وكذلك وعد الله هذه الأمة فقرأ: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم"، وكذلك فعل ببني إسرائيل) ([137]). ويهمنا الآن معرفة الإمام والشيخ الثالث العشر من الأربعة والعشرين، فنقول: * * * -11. القائم أحمد .. الثالث عشر من الأئمة الأربعة والعشرين: بملاحظة النصوص المتقدمة وربطها ببعضها نعرف أنّ (أحمد) هو الشيخ والإمام الثالث عشر، وهو المهدي الأول من المهديين الاثني عشر، وأول مقرب إلى أبيه وسيده الذي أقامه، أي الإمام المهدي محمد بن الحسن ع وأول مؤمن به. ونضيف الآن: عن الإمام الباقر ع عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم عليه السلام، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ([138]). وواضح أنّ الإمام المهدي ع هو الحادي عشر من ولد السيدة فاطمة عليها السلام، فلا يبقى إلا أن يكون الثاني عشر من ولدها هو ذاته الثالث عشر إذا ما ضممنا الإمام علياً ع إليهم، وهو المهدي (أحمد)، القائم المخفي الاسم إلى حين ظهور دعوته كما تقدم عن الإمام الباقر ع. كما أنّ عيسى ع أسمى (المهدي أحمد) وحدّده بالثالث عشر أيضاً: في (إنجيل يهوذا - المشهد الثالث): (وقال يهوذا: يا سيد، أيمكن أن يكون نسلي تحت سيطرة الحكام ؟ أجاب يسوع وقال له: "تعالَ، أنه أنا [.. سطرين مفقودين..] لكنك ستحزن كثيراً عندما تري الملكوت وكل أجياله". وعندما سمع ذلك قال له يهوذا: "ما الخير الذي تسلمته أنا ؟ لأنك أنت الذي أبعدتني عن ذلك الجيل. أجاب يسوع وقال: "ستكون أنت الثالث عشر وستكون ملعوناً من الأجيال الأخرى ولكنك ستأتي لتسود عليهم. وفي الأيام الأخيرة سيلعنون صعودك [47] إلى الجيل المقدس). ))Bعt yoع will exceed all of them. For yoع will sacrifice the man that clothes me.(( (ولكنك ستفوقهم جميعاَ لأنك ستضحي بالإنسان الذي يرتديني. ويرتفع قرنك حالاً. ويضرم عقابك الإلهي. ويظهر نجمك ساطعاً وقلبك ..). وفي النص المتقدم: أولاً: يهوذا يُشبَّه بعيسى ويُصلب بدلاً عنه ويضحي بنفسه. ثانياً: إنّ يهوذا سيأتي في آخر الزمان ليسود. فلابد أن يكون يهوذا المذكور في بعض نصوص (إنجيل يهوذا) كالنص المتقدم هو غير يهوذا الاسخريوطي الذي سلَّم عيسى كما في نهاية إنجيل يهوذا: (واقتربوا من يهوذا وقالوا له: ماذا تفعل هنا؟ أنت تلميذ يسوع، فأجابهم يهوذا كما أرادوا منه واستلم بعض المال وأسلمه لهم). ومع الالتفات إلى أنّ كلمة (يهوذا) تعني بالعربي: الحمد أو (أحمد) - جاء في التوراة: (وحبلت أيضاً وولدت ابناً وقالت هذه المرة أحمد الرب. لذلك دعت اسمه يهوذا) ([139]) - يتوضح أنّ المراد بـ"يهوذا الآخر" الذي شُبِّه بعيسى وصُلب بدلاً عنه والذي خاطبه عيسى ع بأنه سيعود ويسود في آخر الزمان هو المنقذ والمهدي والقائم (أحمد)، كما توضح. وفي وصف المخلِّص والمنقذ ورد في التوراة ما يلي: (12 وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ) ([140]). وإذ عرفنا أنّ كلمة "يهوذا" تعني بالعربي (أحمد)، ونضيف الآن أنّ كلمة "إسرائيل" تعني بالعربي (عبد الله) – قال النبي ص: (اسمي أحمد وأنا عبد الله اسمي إسرائيل، فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني) ([141]) – نعرف بكل وضوح أنّ المنقذ والمخلص الموعود ليس إلا القائم والإمام الثالث عشر (أحمد)، لأنّ الأسماء المذكورة لرافع راية الأمم هي ذاتها الواردة في الوصية المتقدمة التي خص بها رسول الله ص أول مقرب إلى الإمام المهدي ع وأول مؤمن به، لما قال: (.. له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، وهو أول المؤمنين). وعن حذيفة بن اليمان، قال: سمعت رسول الله ص وذكر المهدي فقال: (إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه: أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) ([142]). وعنه: (ألا أيها الناس إن الله قد قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم، وولاكم خير أمة محمد، فألحقوه بمكة فإنه المهدي، واسمه أحمد بن عبد الله) ([143]). وأما المشتتون الذين يجمعهم (أحمد) من أطراف الأرض فهم أنصار أبيه الإمام المهدي ،ع كما سيتبين في الفقرة (15). * * * -12. القائم أحمد .. برعم من محمد ص، وغصن من يعقوب، وسبط يهوذا: اتضح أنّ (المهدي والقائم أحمد) ينتهي في نسبه الشريف إلى علي وفاطمة عليهما السلام وجده محمد ص بنص الوصية المقدسة والروايات المتواترة لدى جميع المسلمين. قال رسول الله ص: (المهدي من ولد فاطمة) ([144]). وقال ص: (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة) ([145]). وعنه ص أيضاً: (لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) ([146]). والمواطئة تعني المشابهة، وكون "أحمد" أحد أسماء النبي فأمر لا شك فيه، قال تعالى حكاية عن عيسى: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾([147]). وأما في التوراة، فنقرأ ما يلي: (1 وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، 2 وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. 3 وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4 بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5 وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. 6 فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ ... 9 لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. 10 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا) ([148]). وهذه الأحداث كلها ملائمة للقيامة الصغرى، ولم تحدث فيما مضى ولا تحدث إلا في دولة العدل الإلهي كما تقدمت الإشارة إليه. أما يسّى، وهو في التوراة معروف أنه والد نبي الله داوود ع. وأم الإمام المهدي ع من ذرية داوود ع كما هو معروف، فالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع من ذرية إسرائيل (يعقوب ع) من جهة الأم، ومن ذرية محمد ص من جهة الأب، فيصدق عليه أنه قضيب من جذع يسّى. كما يصدق على المهدي الأول من المهديين الاثني عشر أنه غصن يخرج من ذاك القضيب من جذع يسّى؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي ع. وأما تفسير الغصن بأنه عيسى ع فغير صحيح والنص يأباه، ذلك أنّ عيسى بحسب معتقد أكثر المسيحيين هو الرب المطلق نفسه فكيف يخاف من الرب وتكون لذته في مخافته ؟! كما أنه لم يحكم ولم يقضي بين الناس فهو لم يتمكن من إقامة العدل أو إنصاف المظلومين، ولم يتحقق في زمنه ما يصوره النص من أنّ الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر ويكون لهذه المعرفة أثر وهو أنّ الأغنياء يواسون الفقراء وأنّ القوي يعين الضعيف وأن تخلو الأرض من الظلم تقريباً .. الخ. وبمعرفة هذا، وضمّه إلى ما توضح في رؤيا يوحنا سابقاً، يمكننا إدراك معنى النص التالي: (1 وَرَأَيْتُ عَلَى يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ سِفْرًا مَكْتُوبًا مِنْ دَاخِل وَمِنْ وَرَاءٍ، مَخْتُومًا بِسَبْعَةِ خُتُومٍ. 2 وَرَأَيْتُ مَلاَكًا قَوِيًّا يُنَادِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مَنْ هُوَ مُسْتَحِق أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ؟ 3 فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ فِي السَّمَاءِ وَلاَ عَلَى الأَرْضِ وَلاَ تَحْتَ الأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. 4 فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيرًا، لأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مُسْتَحِقًّا أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَقْرَأَهُ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. 5 فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ. 6 وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ. 7 فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ مِنْ يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ. 8 وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ .. قَائِلِينَ: مُسْتَحِق أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّة) ([149]). وورد في الأصحاح الذي قبله: (.. 2 وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ. 3 وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ .. 4 وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا ..) ([150]). وقد عرفنا أنّ الجالس على العرش هو رسول الله محمد ص، والشيوخ الأربعة والعشرون هم الأئمة الاثني عشر والمهديين الاثني عشر، ولكن: مَن هو الأسد الذي من سبط "يهوذا أصل داود" والذي يفتح السفر، ويفك ختومه ؟! إنه القائم أحمد، فهو من سبط يهوذا؛ لأنّ أمه من بني إسرائيل (نرجس) أم الإمام المهدي ع. كما أننا لو جمعنا الشيخ الجالس على العرش (محمد ص) إلى الشيوخ الأربعة والعشرين (آل محمد) يتحصل لنا المجموع (25) شيخاً، فيكون وسطهم هو الشيخ الثالث عشر، وهو الخروف القائم في قوله: (وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ). عن أبي سليمان راعي رسول الله ص قال: سمعت رسول الله يقول: (ليله أسرى بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله: .. يا محمد لو أنّ عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم، يا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت: نعم يا رب، فقال: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون، والمهدي في وسطهم كأنه كوكب دري بينهم وقال: يا محمد هؤلاء الحجج وهذا الثائر من عترتك، يا محمد وعزتي وجلالي أنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي) ([151]). والرواية بكل وضوح صورة أخرى للمشهد الملكوتي الذي سمعناه في رؤيا يوحنا المتقدمة. يبقى أنّ معنى حمل الخروف (أي الثالث عشر، القائم أحمد) في الرؤيا لسبعة قرون وسبعة أعين، هو أنه يحمل آباءه المعصومين الأربعة عشر الذين تقدموه وهم: "محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة ص إلى أبيه الإمام المهدي ع"، الوارد ذكرهم في الوصية المقدسة والرواية المتقدمة، من خلال تبيين حقهم ودعوة الناس إلى ولايتهم وتوحيد أهل الأرض على محبتهم ومعرفتهم وانتهاج سبيلهم، عندها تُملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما وعد الله سبحانه ووعده حق. قال الإمام الصادق ع في تبيين دور المهدي الأول (أحمد) والأحد عشر مهدياً من ولده من بعده، ما يلي: (.. ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([152]). كما أنّ هذا الخروف في رؤيا يوحنا اللاهوتي، هو نفسه المقصود في النص التالي: (1 ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا خَرُوفٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ) ([153])، كما سيأتي. * * * -13. أحمد .. صاحب أهدى الرايات ورافع راية الأمم: لو أعدنا قراءة نص التوراة المتقدم وأكملنا لطالعنا التالي: (11 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ السَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، الَّتِي بَقِيَتْ، مِنْ أَشُّورَ، وَمِنْ مِصْرَ، وَمِنْ فَتْرُوسَ، وَمِنْ كُوشَ، وَمِنْ عِيلاَمَ، وَمِنْ شِنْعَارَ، وَمِنْ حَمَاةَ، وَمِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. 12 وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ) ([154]). والسؤال: هل استطاع عيسى ع أن يجمع منفيي إسرائيل (يعقوب عندهم) ؟ وهل ضم مشتتي يهوذا (ابن يعقوب عندهم) من أطراف الأرض ؟ ولو قالوا: جمعهم وضمهم بالإيمان به، فكذلك لا يصح؛ لأنّ دعوة عيسى ع إلى حين رفعه لم تتجاوز حدود مدن قليلة، بينما نجد النص يقول إنّ هذا الشخص يضم مشتتي يهوذا من أطراف الأرض، بمعنى أنّ هذا الشخص يؤمن به في زمن بعثته أناس من كل دول العالم تقريباً، بل ومن الدول النائية عن مكان بعثته بالخصوص (أطراف الأرض). (وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ): وكما تقدم، فانّ كلمة "يهوذا" معناها بالعربي (حمد) أو (أحمد)، وكلمة "إسرائيل" معناها بالعربي (عبد الله)، فيكون النص هكذا: (وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ) أي: عبد الله (وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا) أي: أحمد (مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ)، وقد وردت هذه الأسماء في وصية محمد ص المقدسة للقائم والمهدي الأول (أحمد) كما عرفنا. وأما المشتتون الذين يجتمعون كقزع الخريف من أطراف الأرض لنصرة القائم، فهم أنصار الإمام المهدي ع في آخر الزمان كما هو معلوم من روايات محمد وآل محمد ص. عن الإمام الباقر ع في تفسير قوله تبارك وتعالى: "أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً": (يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، قال: وهم والله الأمة المعدودة، يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف) ([155]). كما نقل ابن حماد المروزي عن أنصار الإمام المهدي ع ما يلي: (ثم يبعث الله قوماً قزع كقزع الخريف إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم) ([156]). وأميرهم هو (الخليفة اليماني أحمد): (أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني) ([157]). قال الإمام الباقر ع: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([158]). ورسول الإمام المهدي ع هنا والداعي إليه وصاحب أهدى الرايات، أي اليماني الموعود، هو نفسه أول مقرب إلى أبيه، وأول مؤمن به، والمهدي الأول من المهديين الاثني عشر كما نصت عليه وصية رسول الله ص، أو (يهوذا الثالث عشر = أحمد) بنص عيسى، أو (القائم من جذع يسّى) بنص التوراة. أما لماذا وُصِفَ أحمد بـ (اليماني) ؟ فلأنه وصي أبيه ويمينه. ولأنه من آل محمد ص وهم يمانية؛ لأنهم ينتسبون إلى مكة وهي من تهامة وتهامة من اليمن، قال ص: (.. الإيمان يمان وأنا يماني) ([159]). لذا أسمى صاحب كتاب البحار كلام أهل البيت بالحكمة اليمانية ([160])، وقال ص: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) ([161]). وفي التوراة: (1 صَلاَةٌ لِحَبَقُّوقَ النَّبِيِّ عَلَى الشَّجَوِيَّةِ: 2 يَا رَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ خَبَرَكَ فَجَزِعْتُ. يَا رَبُّ، عَمَلَكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ أَحْيِهِ. فِي وَسَطِ السِّنِينَ عَرِّفْ. فِي الْغَضَبِ اذْكُرِ الرَّحْمَةَ. 3 اَللهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ، وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ. جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ، وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ. 4 وَكَانَ لَمَعَانٌ كَالنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ، وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ. 5 قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى) ([162]). قال القائم أحمد: (المعنى: الله جاء من تيمان أي الله جاء من اليمن. والقدوس من جبل فاران أي القدوس جاء من مكة. وتعالى الله أن يوصف بالمجيء من السماء فكيف من الأرض؛ لأنّ الإتيان والمجيء تستلزم الحركة وبالتالي الحدوث وبالتالي نفي الإلوهية المطلقة، فلا يمكن أن يعتبر أنّ الذي يجيء من تيمان أو اليمن هو الله سبحانه وتعالى، ولا الذي يجيء من فاران هو القدوس سبحانه وتعالى، هذا فضلاً عن الأوصاف الأخرى كاليد تعالى الله عنها علواً كبيراً "4 وَكَانَ لَمَعَانٌ كَالنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ، وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ. 5 قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى". بل الذي يجيء هو عبد الله محمد ص وآله ص من بعده حيث إنهم من مكة ومحمد وآل محمد ص يمانيون أيضاً ... وكون تيمان هي اليمن قد ورد حتى في الإنجيل على لسان عيسى ع عندما وصف ملكة اليمن بملكة التيمن "أو تيمان": ]42 مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا[ ([163])) انتهى. بل حتى مناطق البقية من شعبه التي وردت في نص التوراة المتقدم أي: (أَشُّورَ، مِصْرَ، فَتْرُوسَ، كُوشَ، عِيلاَمَ، شِنْعَارَ، حَمَاةَ، جَزَائِرِ الْبَحْرِ) التي هي عبارة عن: العراق، وسوريا "الشام"، ومصر "شمال أفريقيا"، وإيران، تم تحديدها في روايات آل محمد ص أيضاً التي بينت أنّ فيها أنصار المنقذ والقائم أحمد، وهذا نموذج لها: قال الإمام الباقر ع: (يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق) ([164])، وأما إيران فقد تقدم ذكر الطالقانيين ورفعهم شعار " أحمد أحمد". وللمزيد أقول: * * * -14. أحمد .. قائد الرايات السود والجامع أنصار أبيه (المختارين): ينفع في التعرف على ذلك ما مرَّ نقله، وأُضيف هنا: إنّ النبي ص أمر بنصرة قائد الرايات السود وإتيانه ولو حبواً على الثلج، قال: (ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم .. فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) ([165]). وعنه ص: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي) ([166]). وخليفة الإمام المهدي ع هو ابنه (أحمد) بنص الوصية المقدسة المتقدمة. ولهذا كان شعار الجيش المشرقي الزاحف للفتح هو: (أحمد أحمد)، قال الإمام الباقر ع: (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: "أحمد أحمد"، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات. فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) ([167]). وعن الإمام علي ع قال: (.. يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس) ([168]). وكون "أحمد" يجمع أنصار أبيه ويمهِّد له سلطانه، أمر ذكره الإنجيل أيضاً: (1 ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا خَرُوفٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ. 2 وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَكَصَوْتِ رَعْدٍ عَظِيمٍ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا كَصَوْتِ ضَارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ يَضْرِبُونَ بِقِيثَارَاتِهِمْ، 3 وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنِيمَةَ إِّلاَّ الْمِئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفًا الَّذِينَ اشْتُرُوا مِنَ الأَرْضِ. 4 هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً ِللهِ وَلِلْخَرُوفِ. 5 وَفِي أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ، لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ اللهِ. 6 ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ مَعَهُ بِشَارَةٌ أَبَدِيَّةٌ، لِيُبَشِّرَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ، 7 قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ، وَاسْجُدُوا لِصَانِعِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ الْمِيَاهِ)([169]). و(لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ) يشير إلى أنّ أتباع هذا الخروف يحملون اسم وشعار أبيه، ولما كان هو (القائم أحمد) فأبوه هو الإمام المهدي ع، ولهذا كان أتباعه يسمَّون بـ"أنصار الإمام المهدي". قال الإمام الصادق ع: (إن لولد فلان عند مسجدكم - يعني مسجد الكوفة - لوقعة في يوم عروبة، يقتل فيها أربعة آلاف من باب الفيل إلى أصحاب الصابون، فإياكم وهذا الطريق فاجتنبوه، وأحسنهم حالاً من أخذ في درب الأنصار) ([170]). وعن أنصار المنقذ (السيد الذي يعود ثانية) في آخر الزمان جاء في التوراة: (26 فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا. 27 لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلاَ عَاثِرٌ. لاَ يَنْعَسُونَ وَلاَ يَنَامُونَ، وَلاَ تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ، وَلاَ تَنْقَطِعُ سُيُورُ أَحْذِيَتِهِمِ. 28 الَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَالصَّوَّانِ، وَبَكَرَاتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ. 29 لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ، وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ، وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ. 30 يَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَهَدِيرِ الْبَحْرِ ..) ([171]). وهذه الصفات: أي لا ينامون ... الخ، هي صفات أصحاب القائم والمهدي أحمد ع كما في الروايات عن آل محمد ص: قال الإمام الصادق ع في وصفهم: (رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان يتمسحون بسرج الإمام ع يطلبون بذلك البركة، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم. رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار ..) ([172]). وإذا كانت صفاتهم في جميع الأديان واحدة، بل الوحدة حتى على مستوى أماكنهم كما تقدم في النقطة السابقة، فمن هو قائدهم الذي يرفع الراية (فيرفع راية للأمم) غير القائم من جذع يسّى (أحمد)، الذي يطلب البيعة من الناس ويجمع أنصار الإمام المهدي ع ومَن معه من أولياء الله. وقد ورد في صفات أنصار القائم والمخلِّص أيضاً: في الإنجيل: (31 فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ..) ([173]). وفي التوراة: (13 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِبُوق عَظِيمٍ، فَيَأْتِي التَّائِهُونَ فِي أَرْضِ أَشُّورَ، وَالْمَنْفِيُّونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ) ([174]). والسؤال: ما هو هذا الصوت والنداء الذي يرتبط من جهة بالملائكة، ومن جهة أخرى بجمع المختارين من بقية شعب المنقذ العالمي وأنصاره، والذين عرفنا حتى أماكنهم فضلاً عن صفاتهم ؟؟ إنه ذاته الصوت والنداء والصيحة الملكوتية التي وردت أنها علامة كبرى من علامات قائم آل محمد، والتي لها علاقة بالدلالة عليه والتحاق أنصاره به. قال تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾([175])، وفي تفسيرها ورد: (ينادي المنادي باسم القائم ع واسم أبيه ع) ([176]). وقال الإمام الصادق ع: (.. ينادي مناد من السماء باسم القائم ع فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين ع) ([177]). وعن النبي ص قال: (ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب حتى ينادى مناد من السماء أميركم فلان) ([178]). وروى ابن حماد في فتنه: (ينادي مناد من السماء ألا إنّ الحق في آل محمد) ([179]). والأمير من آل محمد هو أحمد كما تقدم بيانه حيث نقلنا الخبر السني الذي يتحدث عن الصيحة والنداء في التعرف عليه أيضاً: (أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو، لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني). وأما عن التحاق أصحابه به بهذه الآية الربانية، قال رسول الله ص: (إذا كان عند خروج القائم ينادي مناد من السماء أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة، فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأنّ قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام) ([180]). الآن، وبعد أن رأينا أنّ قضية المنقذ العالمي لها تمام الصلة بالملكوت والرؤى الصادقة، نعود إلى استعراض أمة القائم العاملة بأثمار الملكوت بعد معرفة وحدة شخصية المصلح العالمي باسمه وصفته ونسبه ومسكنه وعلاماته وأنصاره فيما مضى. * * * -15. (أُمة القائم أحمد) الأمة العاملة بأثمار الملكوت: تقدم في النقطة (5) أنّ الأمة العاملة بأثمار الملكوت ليست أمة عيسى ولا أمة إيليا، قال عيسى: (43 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ) ([181]). بل تحدث ع بمثَلٍ عن الأمة العاملة به، والتي ينتقل إليها الملكوت، فقال: (2 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ، 3 وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى الْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. 4 فَأَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ قَائِلاً: قُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ: هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ! 5 وَلكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ، 6 وَالْبَاقُونَ أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. 7 فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ غَضِبَ، وَأَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولئِكَ الْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ. 8 ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. 9 فَاذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى الْعُرْسِ. 10 فَخَرَجَ أُولئِكَ الْعَبِيدُ إِلَى الطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَارًا وَصَالِحِينَ. فَامْتَلأَ الْعُرْسُ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ. 11 فَلَمَّا دَخَلَ الْمَلِكُ لِيَنْظُرَ الْمُتَّكِئِينَ، رَأَى هُنَاكَ إِنْسَانًا لَمْ يَكُنْ لاَبِسًا لِبَاسَ الْعُرْسِ. 12 فَقَالَ لَهُ: يَا صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ؟ فَسَكَتَ. 13 حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. 14 لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ) ([182]). وما ورد في هذا النص هو ذاته الذي قاله آل محمد ص في أنصار القائم وأمته، ولو أردتُ نقل ما يقابله حرفياً من رواياتهم لطال البحث الذي بنيته على الاختصار، ولكن هذا نموذج منها يوضح لباس العرس والشهادة للحق: عن الصادق ع قال: (إذا قام القائم أتى رحبة الكوفة فقال برجله هكذا وأومأ بيده إلى موضع ثم قال: احفروا ههنا، فيحفرون فيستخرجون اثنى عشر ألف درع واثنا عشر ألف سيف واثنا عشر ألف بيضة لكل بيضة وجهين، ثم يدعو اثنى عشر ألف رجل من الموالي من العرب والعجم فيلبسهم ذلك، ثم يقول: من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه) ([183]). وأما صرير الأسنان والخوف الذي يكون بعد طرح الدخيل الذي كان بين المدعوين ومن أصحابه ظاهراً، فهو نفسه ما ورد عن الإمام الصادق ع، قال: (بينا الرجل على رأس القائم ع يأمره وينهاه إذ قال: أديروه .. فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه) ([184]). وقد وصف الله سبحانه أنصار القائم، فقال: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين﴾([185]). وأكدت روايات المسلمين على أنهم مساكين ومشردون ومستضعفون ومجهولون عند أهل الأرض ولا يُعبأ بهم. وهي ذاتها صفات الأمة التي أُعطيت الملكوت ونظرت فيه بعد أن قدم لها العبد الحكيم الأمين الطعام الإلهي كما تقدم توضيحه، وقال عيسى أيضاً: (3 طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ 4 طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. 5 طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ ...10 طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ) ([186]). إنهم أنصار القائم ع إذن، وقد أكدت الروايات طرق تعرّفهم على سيدهم، فكان الملكوت رائدهم في ذلك عبر الرؤى والكشف وما سواها من الطرق الملكوتية. ولم يرد في نصوص الأديان كلها أمة هذه صفتها عند اقتراب الساعة والقيامة الصغرى والخلاص غير أنصار القائم ع. يقول ابن عربي السني: (يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله ينزل عليه عيسى ابن مريم) ([187]). كما تقدم في البحث السابق ذكر مصادر سنية أيضاً في التعرف على القائم الموعود بالرؤى والنداء السماوي. ولأنّ الرؤيا لها علاقة بالتعرف على القائم والمصلح المنتظر، قال الإمام الرضا ع لابن أبي نصر لما سأله عن الرؤيا: (لو أنّا أعطيناكم ما تريدون كان شراً لكم وأُخذ برقبة صاحب هذا الأمر) ([188]). وعن الإمام الصادق ع قال: (اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح) ([189])، واجتماعهم بعد موتهم لا يكون إلا بالرؤيا التي يراها المؤمنون. وهو ما يحصل اليوم من خلال آلاف الرؤى الصادقة بهم وبالأنبياء والمرسلين وكلها ترشد إلى الالتحاق بالمنقذ والمخلص والقائم (أحمد الحسن)، ولمن أراد التأكد فليدخل إلى الموقع الرسمي للدعوة المباركة ويستمع إلى شهادات أناس من بلدان متعددة وبلغات مختلفة ومن أديان وملل متفاوتة. ثم إنّ رسالات السماء أولت الرؤى غاية الاهتمام، وفي القرآن نجد أنّ سورة كاملة (يوسف ع) تدور آياتها على رؤياه هو ورؤيا عزيز مصر والسجينين معه، قال تعالى لنبيه المصطفى محمد ص: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ﴾، ومباشرة بعدها قال: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾([190]). فقد جعل الله سبحانه تعبيرها دليلاً على نبوة أنبيائه وصدق ادعائهم، كما أوضح أنها مصداق لتشخيص خليفة الله في أرضه، أي منقذهم وسفينة نجاتهم من صحراء التيه والضياع، فلولا أنّ قص يوسف لرؤياه كان سيؤدي إلى معرفة إخوته بأنه خليفة أبيه لما كانت هناك حكمة في نهي يعقوب عن قصها. ولذا قال النبي محمد ص في وصف الرؤى وقدرها وخصوصاً في آخر الزمان: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة ..) ([191]). وعن الإمام الرضا ع: (إن رسول الله ص كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشرات، يعني به الرؤيا) ([192]). ونفس الاهتمام هذا نجده في التوراة والإنجيل المتضمنين للاهتمام بالملكوت وشهادته الحقة، أما في الإنجيل فيكفينا تضمنه لرؤيا يوحنا اللاهوتي، وقد تقدمت وظهر ارتباطها بالمخلِّص والمنقذ. وعن ارتباط الرؤيا بالمخلِّص أيضاً نجد ما نقله بطرس عن يوئيل النبي بقوله: (17 يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا. 18 وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ. 19 وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ: دَمًا وَنَارًا وَبُخَارَ دُخَانٍ. 20 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ، قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ) ([193]). ومثله في التوراة، حيث ورد: (28 وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. 29 وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، 30 وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. 31 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ) ([194]). وضمَّ سفر دانيال ما عبَّره دانيال النبي ع العليم بتأويل الرؤى: (27 .. وَكَانَ دَانِيآلُ فَهِيمًا بِكُلِّ الرُّؤَى وَالأَحْلاَمِ) ([195])، وهو الدليل على نبوته، وقد فسَّر لنبوخذ نصر "ملك بابل" رؤياه التي حيرته، (26 أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ .. هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ عَلَى أَنْ تُعَرِّفَنِي بِالْحُلْمِ الَّذِي رَأَيْتُ، وَبِتَعْبِيرِهِ؟ 27 أَجَابَ دَانِيآلُ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالَ: السِّرُّ الَّذِي طَلَبَهُ الْمَلِكُ لاَ تَقْدِرُ الْحُكَمَاءُ وَلاَ السَّحَرَةُ وَلاَ الْمَجُوسُ وَلاَ الْمُنَجِّمُونَ عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلْمَلِكِ. 28 لكِنْ يُوجَدُ إِلهٌ فِي السَّمَاوَاتِ كَاشِفُ الأَسْرَارِ، وَقَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَا يَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ) ([196]). أما أنّ الملهم في تعبير الرسل للرؤى هو الله سبحانه، فهو ذاته قوله تعالى عن يوسف: ﴿يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾. وأما أنّ غيرهم لا يستطيع التأويل والتبيين، فلأنّ التعبير - كما تقدم في القرآن- أحد طرق التعرّف على صدق خلفاء الله ورسله دون ما سواهم. وإضافة إلى كل ما أوضحناه في البحوث المتقدمة من أدلة تثبت أحقية المنقذ والقائم أحمد الحسن، نرى أنّ الرؤى الصادقة وتعبيرها أيضاً من بين تلك الأدلة التي أيّد الله بها القائم اليوم كما أيّد بها خلفاءه السابقين، بنص القرآن والإنجيل والتوراة. ولأنّ تعبير دانيال لرؤيا الملك كان له علاقة بآخر الزمان ويوم الخلاص (وَقَدْ عَرَّفَ "أي دانيال" الْمَلِكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَا يَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ)، فبكل تأكيد سيكون للرسول الموعود والقائم المحمود (أحمد) فيها ذكرٌ، بل هو قطب رحاها جزماً، وهذا ما سنسمعه الآن. * * * -16. ولدانيال النبي كلمة في (القائم أحمد): قال دانيال: (31 أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. 32 رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33 سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34 كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35 فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36 هذَا هُوَ الْحُلْمُ ..). وبعد أن فسَّر دانيال ع الذهب والفضة والنحاس والحديد بأربعة ممالك تقام على هذه الأرض، قال بعدها: (44 وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45 لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ) ([197]). والحجر الذي يسحق ويقضي على ممالك الظلم والضلال والطاغوت والشيطان هو القائم أحمد كما سيتضح في الفقرة القادمة. كما أنّ دانيال ع رأى رؤيا بحيوانات (أسد ودب ونمر وحيوان رابع هائل داس البقية)، ثم قال: (9 كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ. 10 نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ. أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ. فَجَلَسَ الدِّينُ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ ... 13 كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. 14 فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ) ([198]). والنص واضح في الحديث عن المخلِّص الذي تُعطى أمته الملكوت وإياه تطلب الأمم كلها، فالقديم الأيام هو الإمام المهدي ع، وأما مثل ابن الإنسان الذي أقامه سيده وأعطاه سلطاناً أبدياً لا ينقرض فهو ابنه القائم أحمد والعبد الأمين والحكيم بوصف عيسى ع له، كما تقدم أنّه المستحق لفتح الأسفار والختوم في رؤيا يوحنا اللاهوتي. وعن الحيوان الرابع الهائل، قال: (11 .. كُنْتُ أَرَى إِلَى أَنْ قُتِلَ الْحَيَوَانُ وَهَلَكَ جِسْمُهُ وَدُفِعَ لِوَقِيدِ النَّارِ. 12 أَمَّا بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ فَنُزِعَ عَنْهُمْ سُلْطَانُهُمْ، وَلكِنْ أُعْطُوا طُولَ حَيَاةٍ إِلَى زَمَانٍ وَوَقْتٍ). والأسد وله جناحان يرمز إلى الإمبراطورية الإنجليزية التي قامت في أوربا، وشعارها هو الأسد وله جناحان، وأما الدب فهو شعار السوفيت، وأكل لحماً كثيراً أي قتل كثيراً من الناس ... أما الحيوان الرابع الذي من الحديد فهو الإمبراطورية الأمريكية التي داست الآن كل الأرض وهيمنت على كل الأرض بالسلاح والمال. ثم لأنّ الأنبياء حذّروا أممهم من فتنة الدجال الأكبر، فقد فعل نبي الإسلام محمد ص ذلك وقال في وصفه: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد وصف الدجال لأمته، ولأصفنه صفة لم يصفها أحد قبلي، إنه أعور) ([199])، بمعنى أنه ينظر بعين واحدة، والتي تتماشى مع مصلحته فقط ولو على حساب دماء ملايين الناس. وقد ورد عن آلته العسكرية (أنّ معه جبل من نار)، وعن آلته الاقتصادية (أنّ معه جبل من طعام)، قال ص: (.. ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار، معه جبل من خبز ونهر من ماء ..) ([200]). وعن دخوله العراق (بابل)، قال كعب: (أول ماء يرده الدجال سنام، جبل مشرف على البصرة ..) ([201]). وهذه الصفات كلها متوفرة في المملكة الحديدية (أمريكا) التي تحدث عنها دانيال في آخر الزمان، وهي الدجال الذي حذّر رسول الله ص من الافتتان والانخداع به، وقد وردت العراق من جبل سنام بالتحديد، وسيدفع بها القائم ع إلى وقيد النار. والآن، نرجع إلى معرفة الحجر الذي يدمغ الله به الباطل كله ويقيم به هيكل الحق لتملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً. * * * -17. أحمد .. الحجر المخلِّص، المقتطع من محمد والذي صار رأس الزاوية: قال عيسى ع عن الحجر: (42 .. أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا! 43 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44 وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ) ([202]). وقال داود ع عنه: (19 اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ الْبِرِّ. أَدْخُلْ فِيهَا وَأَحْمَدِ الرَّبَّ. 20 هذَا الْبَابُ لِلرَّبِّ. الصِّدِّيقُونَ يَدْخُلُونَ فِيهِ. 21 أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصًا. 22 الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. 23 مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا. 24 هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. 25 آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26 مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ) ([203]). وعن هذا الحجر الذي رفضه البناؤون وصار رأس الزاوية، قال القائم أحمد الحسن: (.. الدين كله هو العهد والميثاق الذي أُخذ على العباد بإطاعة خلفاء الله، وأودعه الله في حجر الأساس أو الحجر الأسود أو حجر الزاوية أو الحجر المقتطع من محمد ص لهدم حاكمية الشيطان والطاغوت، وقد ذكر هذا الحجر في الكتب السماوية وفي الروايات. وقريش عندما اختلفوا فيمن يحمل الحجر كانوا يعلمون أن هذا الحجر يشير إلى أمر عظيم ولهذا اختلفوا فيمن يحمله، وكانت مشيئة الله أن محمداً ص هو من حمل الحجر ووضعه في مكانه لتتم آية الله، وإشارته سبحانه إلى أن قائم الحق والعبد الذي أودعه الله العهد والميثاق الذي يشير له هذا الحجر سيخرج من محمد ص الذي حمل الحجر. عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِع ، قَالَ: (إِنَّ قُرَيْشاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَدَمُوا الْبَيْتَ فَلَمَّا أَرَادُوا بِنَاءَهُ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَأُلْقِيَ فِي رُوعِهِمُ الرُّعْبُ، حَتَّى قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَيَأْتِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِأَطْيَبِ مَالِهِ، وَلَا تَأْتُوا بِمَالٍ اكْتَسَبْتُمُوهُ مِنْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ حَرَامٍ، فَفَعَلُوا، فَخُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بِنَائِهِ فَبَنَوْهُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَتَشَاجَرُوا فِيهِ أَيُّهُمْ يَضَعُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ، فَحَكَّمُوا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَمَّا أَتَاهُمْ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبَسَطَ ثُمَّ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ أَخَذَتِ الْقَبَائِلُ بِجَوَانِبِ الثَّوْبِ فَرَفَعُوهُ ثُمَّ تَنَاوَلَهُ ص فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَخَصَّهُ اللَّهُ بِهِ) ([204]). فمحمد ص حمل الحجر الأسود، وهذه إشارة إلى أن القائم وحامل الخطيئة وحامل الراية السوداء التي تشير إليها سيخرج من محمد ص، وأيضاً محمد ص هو من يحمله في صلبه؛ لأنه مستودع في فاطمة بنت محمد ص ولذا يكون حامل الخطيئة الحقيقي هو رسول الله محمد ص. أما اللون الأسود الذي شاء الله أن يكتسي به هذا الحجر فهو يشير إلى ذنوب العباد ويذكرهم بخطاياهم لعلهم يتوبون ويستغفرون وهم في بيت الله، وهو نفسه لون رايات قائم الحق قائم آل محمد السوداء، فالرايات السود تشير إلى الحجر والحجر يشير إليها وكلاهما يشيران بلونهما الأسود إلى خطيئة نقض العهد والميثاق المأخوذ على الخلق في الذر، وأيضاً يشيران إلى ما يتحمله من عناء حامل هذه الخطيئة - وحامل الراية السوداء التي تشير إلى الخطيئة - العبد الذي أوكل بكتاب العهد والميثاق وهو الحجر الأسود وهو قائم آل محمد. والحجر مرتبط بمسألة الفداء الموجودة في الدين الإلهي وعلى طول المسيرة المباركة لهذا الدين، فدين الله واحد؛ لأنه من عند واحد، والفداء قد ظهر في الإسلام بأجلى صوره في الحسينع ، وقبل الإسلام تجد الفداء في الحنيفية دين إبراهيمع بإسماعيل، وتجده أيضاً بعبد الله والد الرسول محمد ص، وأيضاً تجده في اليهودية دين موسى ع بيحيى بن زكريا ع، وتجده في النصرانية بالمصلوب .. فقضية كون الرسل يتحمّلون بعض خطايا أممهم ليسيروا بالأمة ككل إلى الله موجودة في دين الله ولم تأتِ من فراغ، ويمكنك مراجعة نصوص التوراة مثلاً للإطلاع على تحمّل موسى ع عناء إضافياً لما يقترفه قومه من الخطايا، ورسول الله محمد ص تحمّل خطايا المؤمنين، قال تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾([205])، وتفسيرها في الظاهر أنه تحمل خطايا أمته وغفرها الله له. عن عمر بن يزيد بياع السابري، قال: قلت لأبي عبد الله ع: (قول الله في كتابه: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾، قال: ما كان له من ذنب ولا همّ بذنب، ولكن الله حمّله ذنوب شيعته ثم غفرها له) ([206]). وتحمّل الرسل لخطايا أممهم لا يعني أنهم يتحمّلون خطيئة نقض العهد والميثاق عن منكري خلفاء الله الذين يموتون على هذا الإنكار، بل هم يتحملون خطيئة من غفل عن تذكّر العهد والميثاق ونقضه مدة من الزمن في هذه الحياة الدنيا. كما أنّ تحملهم لخطايا أممهم لا يعني أنهم يصبحون أصحاب خطيئة عوضاً عن أممهم، بل معناه أنهم يتحملون أثقالاً إضافية وعناء إضافياً في تبليغ رسالاتهم في هذه الدنيا للناس، وهذا طبعاً بإرادتهم هم؛ لأنهم هم من يطلب هذا، فالأب الرحيم بأبنائه يتحمل نتائج أخطائهم في كثير من الأحيان وإن كانت تسبب له عناء ومشقة وربما آلام وقتل في سبيل الله كما هو الحال في الحسين ع، وذلك لأنّ الأب يرجو صلاح أبنائه في النهاية، وربما كثيرون لا يتذكّرون العهد حتى يراق دم أبيهم ولي الله فيكون سبباً لتذكّرهم العهد والميثاق، ولهذا تجد الحسين ع الذي شاء الله أن يجعله سبباً لتذكر عدد كبير من الخلق قد ترك الحج وأقبل يحثُّ الخطى إلى مكان ذبحه ع. أما علاقة الحجر بخطيئة آدم ع فهذا أمر قد تكفّل الأئمة ص بيانه، وإن كان ربما خفي فيما مضى على الناس لعلة أرادها الله سبحانه، بل وعلاقة الحجر بخطايا الخلق أيضاً قد تكفلوا بيانه وقد بيَّن هذا الأمر رسول الله محمد ص بأوضح بيان بالعمل - عندما قبّل الحجر - ولكنه بيان لمن لهم قلوب ويعون أفعال محمد ص الحكيم الذي يعمل الحكمة ... وقد تكفّل رسول الله محمد ص بيان أهمية الحجر الأسود وفضله بأقواله وأفعاله، ويكفي أن تعرف أنّ رسول الله ص قبّله وسجد عليه ولم يسجد رسول الله ص على جزء من الكعبة غير الحجر الأسود، وبلغ عظيم هذا الأمر وأهميته أن رسول الله ص قال: (استلموا الركن، فإنه يمين الله في خلقه، يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الدخيل، ويشهد لمن استلمه بالموافاة) ([207])، والمراد بالركن أي الحجر الأسود؛ لأنه موضوع فيه. وتابع الأئمة ص نهج رسول الله ص في بيان أهمية الحجر بأقوالهم وأفعالهم، فبينوا أن الحجر هو حامل كتاب العهد والميثاق، وأن آدم قد بكي أربعين يومياً ونصب مجلساً للبكاء بقرب الحجر ليكفر عن خطيئته في نقض العهد ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾([208])، وإنّ الحجر كان درة بيضاء تضيء ولكنه في الأرض تحوّل للسواد بسبب خطايا العباد، فهذه الكلمات والأفعال المباركة التي كرروها مرات أمام أصحابهم كلها تأكيداً وبياناً لأهمية الحجر الأسود ولعلاقة الحجر بالخطيئة الأولى، بل والخطايا على طول مسيرة الإنسانية في هذه الأرض ... أما في الأديان السابقة فقد ذكر الحجر أيضاً في التوراة والإنجيل .. فالحجر الذي تكلم عنه عيسىع هو في أمة أخرى غير الأمة التي كان يخاطبها، فالملكوت ينزع من الأمة التي كان يخاطبها عيسى ع وهم بنو إسرائيل والذين آمنوا بعيسىع - لأنه كان يخاطب بهذا الكلام تلاميذه المؤمنين به وغيرهم من بقية الناس - ويُعطى للأمة المرتبطة بالحجر التي تعمل أثمار الملكوت، فكلام عيسى ع واضح كل الوضوح أنه في بيان فضل حجر الزاوية وأنّ الملكوت سينزع في النهاية ممن يدعون اتّباع عيسى، ويُعطى لأمة الحجر وهم أمة محمد وآل محمد ص، فعيسى ع ربط بحكمة بين الحجر وبين الأمة التي تعطى الملكوت في النهاية وأيضاً قابل هذه الأمة ببني إسرائيل ومن يدعون اتّباعه وبين أنهم لن يناولوا الملكوت في النهاية، فعيسى ع جعل الحجر علة إعطاء الملكوت لأمة أخرى غير الأمة التي تدعي إتباع موسىع وعيسى ع، أي أنّ من يشهد لهم الحجر بأداء العهد والميثاق ومن ينصرونه هم من سيرثون الملكوت سواء كان في هذه الأرض بإقامة حاكمية الله، أم في السماوات عندما يكشف الله لهم عن ملكوته ويجعلهم ينظرون فيه، أم في النهاية عندما يسكنهم الله الجنان في الملكوت. ومَن يريد أن يفسِّر هذا الكلام بصورة أخرى ويقول إنّ عيسى أراد بهذا الكلام نفسه ويصرّ على هذا القول فإنه يغالط ولا يطلب معرفة الحقيقة، وإلا فليقرأ أصل القول وهو لداود ع في المزامير، فأيضاً يمكن أن يقول اليهود إنّ داود قصد نفسه وهكذا لا ينتهي الجدل. ولكنّ الحقيقة إنّ داود ع وعيسى ع أرادوا المخلِّص الذي يأتي باسم الرب في آخر الزمان، وقد بشّر به عيسى ع في مواضع أخرى في الإنجيل وسماه المعزي والعبد الحكيم وهنا سمّاه حجر الزاوية، فيكون السؤال: مَن هو الذي عُرِف أو يمكن أن يُعرف بأنه حجر الزاوية ؟ هل أنّ داود أو عيسى (عليهما السلام) عُرفوا بأنهم حجر الزاوية في بيت الرب، أو ذكروا في موضع آخر على أنهم حجر الزاوية في بيت الرب، وهل هناك حجر موضوع في زاوية بيت الرب أو الهيكل عند اليهود والنصارى يدل على داود أو عيسى (عليهما السلام) ؟ الحقيقة أنّ هذا غير موجود، ولكنه موجود في الأمة الأخرى من ولد إبراهيم ع وفي بيت الرب الذي بناه إبراهيمع وإسماعيل ع ابنه، وموجود في الزاوية وبالذات الزاوية التي اسمها الركن العراقي، وكل هذه الأمور تشير إلى أمر واحد، هو المخلِّص الذي يأتي في آخر الزمان أو الذي أشار إليه داود في المزامير إنه حجر الزاوية والآتي باسم الرب .. وللتأكيد أكثر على أنّ المراد بحجر الزاوية في التوراة وفي الإنجيل هو المخلِّص الذي يأتي في آخر الزمان وفي العراق وهو قائم الحق، أورد هذه الرؤيا التي رآها ملك العراق في زمن دانيال النبي ع وفسرها دانيال النبي ع وهي تكاد لا تحتاج إلى توضيح ... إذن، فالحجر أو المخلِّص الذي ينقض هيكل الباطل وحكم الطاغوت والشيطان على هذه الأرض ويكون في ملكه نشر الحق والعدل في الأرض يأتي في آخر الزمان ويأتي في العراق كما هو واضح في رؤيا دانيال، وهو الحجر الذي ينسف الصنم أو حكم الطاغوت والأنا بينما لا عيسى ع ولا داود ع أرسلوا في العراق، وفي آخر الزمان فلا يمكن أن يكون أيٌّ منهما هو حجر الزاوية المذكور، بل تبين بوضوح من كل ما تقدم أنّ حجر الزاوية في اليهودية والنصرانية هو نفسه الحجر الأسود الموضوع في زاوية بيت الله الحرام في مكة. فالحجر الأسود الموضوع في ركن بيت الله والذي هو تجلي ورمز للموكل بالعهد والميثاق هو نفسه حجر الزاوية الذي ذكره داود وعيسى (عليهما السلام)، وهو نفسه الحجر الذي يهدم حكومة الطاغوت في سفر دانيالع ، وهو نفسه قائم آل محمد أو المهدي الأول الذي يأتي في آخر الزمان كما روي عن رسول الله محمد ص وأهل بيته ص) ([209]). * * * -18. القانون الإلهي في معرفة الرسل (خلفاء الله): أضع بين يدي القراء جميعاً الآن قانوناً إلهياً بيّناً، جاء به جميع الأنبياء والمرسلين وبه أثبتوا حقهم وصدقهم عند بعثتهم واحتجاجهم على الناس، وهذا القانون بالإضافة إلى توافق الرسالات والكتب السماوية عليه، يمكن للباحث أن يجعله طريقاً يضاف إلى كل ما تقدم من أدلة لإثبات صدق القائم أحمد الحسن في دعوته أهل الأرض جميعاً للإيمان به والالتحاق بركبه قبل فوات الأوان. وهو بكل بساطة: (الوصية أو النص، والعلم والحكمة، وراية البيعة لله أو حاكمية الله)، ولينظر كل عاقل هل العقل والحكمة تقول بغيرها ؟! فلو أنّ صاحب سفينة أراد أن يوكل عليها من يدريها فأكيد أنه سيختار شخصاً وينص عليه، على أنّ من يختاره يكون الأعلم بما يصلح أمرها وإلا فلو اختار غيره لوصف فعله بالسفه، ثم بعد اختياره يأمر جميع الركاب بطاعته والأخذ منه. والآن، لو قلّب الباحثون صفحات الكتب السماوية كلها ونظروا فيها، فهل يجدون الرسل أوصوا لمن يخلفهم أو يأتي بعدهم أم لم يوصوا ؟ ولينظروا أيضاً هل استدل الأنبياء المرسلون بعلمهم وكونهم ينطقون بالحكمة أم لا ؟ وهل طالب الأنبياء بحاكمية الله في التوراة والإنجيل والقران أم لا ؟ ثم لينظروا إلى موسى ومحمد - مثلاً - ماذا فعلا مع الذين آمنوا بهما وقبلوهما غير أنهما هاجرا بهم من أرض الطاغوت ليطبقا فيهم حاكمية الله في أرض أخرى. إذن، المسألة محسومة لكل عاقل يطلب الحق، وهي لا تتعدى القانون الثابت بالعقل والنقل من الأديان الإلهية الثلاثة، وهذه بعض النصوص: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾([210])، ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾([211]). إنها إذن أمور ثلاثة: (النص أو الوصية)، كما نصّ الله على آدم وإنه خليفته في أرضه. (العلم)، كما علّم الله سبحانه خليفته آدم ع. (راية البيعة لله أو حاكمية الله)، كما أمر الله من كان يعبده بالسجود لآدم. قال القائم أحمد الحسن: (هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه، وهذه الأمور الثلاثة قانون سَنَّه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة. ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾) ([212]). ولهذا أكد القرآن على هذه الأمور الثلاثة عند ذكر الأنبياء والمرسلين: فعن الوصية، قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾([213]). بل الوصية عند الوفاة جعلها الله فرضاً واجباً وحقاً على جميع المتقين، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([214]). وقال سبحانه حاكياً قول عيسى ع وبشارته ونصه على مَن يليه: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾([215]). وفي التوراة: (14 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: هُوَذَا أَيَّامُكَ قَدْ قَرُبَتْ لِكَيْ تَمُوتَ. اُدْعُ يَشُوعَ، وَقِفَا فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ أُوصِيَهُ. فَانْطَلَقَ مُوسَى وَيَشُوعُ وَوَقَفَا فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ ..) ([216]). وفيها: (1 وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ وَفَاةِ دَاوُدَ أَوْصَى سُلَيْمَانَ ابْنَهُ قَائِلاً: 2 أَنَا ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الأَرْضِ كُلِّهَا، فَتَشَدَّدْ وَكُنْ رَجُلاً. 3 اِحْفَظْ شَعَائِرَ الرَّبِّ إِلهِكَ، إِذْ تَسِيرُ فِي طُرُقِهِ، وَتَحْفَظُ فَرَائِضَهُ، وَصَايَاهُ وَأَحْكَامَهُ وَشَهَادَاتِهِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، لِكَيْ تُفْلِحَ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ. 4 لِكَيْ يُقِيمَ الرَّبُّ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنِّي قَائِلاً: إِذَا حَفِظَ بَنُوكَ طَرِيقَهُمْ وَسَلَكُوا أَمَامِي بِالأَمَانَةِ مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ وَكُلِّ أَنْفُسِهِمْ، قَالَ لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ عَنْ كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ) ([217]). فموسى ع يعهد عند موته بوصية لخليفته يوشع ع وبها يُعرف، وكذا داود ع يخص عند وفاته خليفته سليمان ع بوصية بها يُعرف، إنها الوصية إذن، المعرِّفة بخلفاء الله والتي سمعناها في القرآن قبل قليل. وفي الإنجيل قال عيسى: (18 وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. 19 وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ ..) ([218]). وقال لسمعان بطرس: (15 .. يَاسِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَارَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ: ارْعَ خِرَافِي ..)، وأعادها عليه ثلاثاً ([219]). واضح أنّ عيسى ع يُعطي بطرس مفاتيح ملكوت السماء دون غيره، لماذا ؟ ولماذا يوصيه برعاية غنمه (أتباعه) ثلاث مرات دون غيره ؟ إذا ما عرفنا أنه وصيه وخليفة الله من بعده نعرف سبب ذلك، إذن هو التنصيص والإيصاء به أمام تلاميذه ليعرفوا أنه الواجب الإتباع من بعده، كما ذكر القران والتوراة أيضاً. وأيضاً تبشيره بالمعزي في آخر الزمان، وجميع ما قاله في صفاته وأيامه هو عمل منه بهذه السنة الالهية الكبرى، فكانت نصوص واضحة تُعرِّف بصاحب الحق، كان ذلك قبل وفاته ورفعه. وبالعلم، عُرف إبراهيم: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾([220])، وموسى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾([221])، وعيسى: ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾([222])، ومحمد ص: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾([223]). وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين. هذا في القرآن، ومن راجع التوراة والإنجيل أيضاً يجد فيه حكمة الأنبياء وعلمهم الذي خصهم الله سبحانه به واضحاً جلياً. وأما دعوتهم إلى حاكمية الله ورفعهم لراية البيعة لله، فكتب الأديان مشحونة بذلك أيضاً. وبالنسبة إلى المسلمين، فهم يروون جميعاً أنّ قائم آل محمد خليفة من خلفاء الله في أرضه، ويحرم عليهم الالتواء عليه وخذلانه، بل أمرهم نبيهم ص وآله الطاهرون بإتيانه ولو حبواً على الثلج عند رفعه رايته وابتداء دعوته. روى السنة قول النبي ص: (ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم .. فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) ([224]). وقال ص كما روى الشيعة: (لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم الحق، وذلك حين يأذن الله عز وجل له، فمن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك، الله الله عباد الله، فأتوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله عز وجل وخليفتي) ([225]). ومَن يؤتى ولو حبواً على الثلج هو خليفة الإمام المهدي وابنه (أحمد)، قال ص: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي) ([226]). وقد تقدم البحث في ذلك فيما مضى، فلا نعيد. ولأنّ الوصية والعلم من ضمن القانون الإلهي الذي به يعرف الخلفاء والرسل، أجاب الإمام الصادق ع الحارث بن المغيرة النصري لما سأله وقال: بم يعرف صاحب هذا الأمر "القائم" ؟ قال: (بالسكينة والوقار والعلم والوصية) ([227]). واليوم أيها الناس .. بماذا جاءكم القائم أحمد الحسن محتجاً ؟ أوليس بالوصية وعشرات النصوص البينة التي عرضنا بعضها في نقاط البحث المتقدمة، وقد رأينا انطباقها عليه اسماً ونسباً وصفة ومسكناً وزماناً و.. و.. و..، وهي ذاتها الأدلة التي ذكرها القرآن والإنجيل والتوراة في طريق التعرف على رسل الله وخلفائه. كما جاء محتجاً بالعلم الذي خصّه الله سبحانه به، ولقد أراد تسهيل الامتحان على الناس يوم دعا كبار علماء الأديان للمناظرة كلٌّ بكتابه الذي يعتقد به، ولما أحجم الكل عن ذلك راح ينزل من العلوم التي أجاب بها المسلمين والمسيحيين وغيرهم، وبوسع الجميع مطالعة ما كتب في اللاهوت والسماوات والملكوت والأنبياء والمرسلين ومقاماتهم وصفاتهم وحلال الله وحرامه وشرائعه وغير ذلك. على أنّ ما استفدتُه من نصوص الكتب المقدسة هنا إنما هو قطرة من بحر علمه الزاخر روحي فداه. وأما دعوته الناس إلى الله وحاكميته، فهو ما انفرد به من بين أهل الأرض بعد إقرارهم جميعاً بالدساتير والمناهج الوضعية التي كانت نتيجتها ما نراه اليوم من امتلاء الأرض ظلماً وجوراً وفساداً في شتى جوانب حياة الإنسان. ثم يكفيه شهادة آلاف الرؤى الصادقة والملكوت العظيم الذي بيّن أحقية القائم أحمد وصدقه، علاوة على سيرته العطرة وجليل أخلاقه وعظيم صفاته الإنسانية التي يعجز المرء عن بيانها. وأما أهداف دعوته، فهو ما يحدده بقوله الآتي: (قال عيسى ع: "ليس بالطعام وحده يحيى ابن آدم ولكن بكلمة الله"، وأنا عبد الله أقول لكم بالطعام يموت ابن آدم وبكلمة الله يحيى. فدعوتي كدعوة نوح ع وكدعوة إبراهيم ع وكدعوة موسى ع وكدعوة عيسى ع وكدعوة محمد ص. أن ينتشر التوحيد على كل بقعة في هذه الأرض، هدف الأنبياء والأوصياء هو هدفي، وأبيّن التوراة والإنجيل والقرآن وما اختلفتم فيه، وأبيّن انحراف علماء اليهود والنصارى والمسلمين وخروجهم عن الشريعة الإلهية ومخالفتهم لوصايا الأنبياء ع. إرادتي هي إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته، أن لا يريد أهل الأرض إلا ما يريده الله سبحانه وتعالى، أن تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، أن يشبع الجياع ولا يبقى الفقراء في العراء، أن يفرح الأيتام بعد حزنهم الطويل وتجد الأرامل ما يسد حاجتها المادية بعز وكرامة، أن ..، وأن ..، أن يطبق أهم ما في الشريعة العدل والرحمة والصدق) ([228]). وإذا كان كل ذاك لا يكفي لإثبات أحقية وصدق الرسول، فبماذا يتصف رسل الله وخلفاؤه عند الناس ؟! وهل بوسع كل أحد أن يجمع بين كل هذا الكم الهائل من النصوص المقدسة التي تقدم بعضها، ويسخِّر الملكوت للشهادة له !! هل يقول بذلك مؤمن بالله ؟! إذن ماذا بقي لدى أهل الأرض يعتقدون به لنحاججهم به ؟! وكيف يؤمنوا بالمصلح العالمي الذي ينتظرونه عند مجيئه إن كانوا فعلاً ينتظرون مخلِّصاً ينقذهم مما هم فيه ؟! ولولا أنّ القائم أحمد هو المنقذ والمصلح العالمي الموعود ومهيمناً على ما عند أهل الأرض من نصوص سماوية، لما استطاع أن يُحكم ما تشابه فهمه على أهل الأديان جميعاً طيلة هذه السنين المتمادية. والتي انتهينا من خلال عرض بعضها أنّ: (القائم رسول الإمام المهدي، واليماني الموعود، والمهدي الأول، والمهدي الذي يولد آخر الزمان، ورجل من أهل البيت ومن ولد علي وفاطمة والإمام المهدي، وأمير جيش الغضب وطالع المشرق والإمام الثالث عشر و...) عند المسلمين + (القائم رسول عيسى، والعبد الأمين والحكيم، والمعزي، والثالث عشر، والمخلِّص، والخروف الواقف على الجبل يجمع أنصار أبيه، والحجر الذي صار رأس الزاوية، وشبه ابن الإنسان و...) عند المسيحيين + (القائم من جذع يسّى، والسيد الذي يعود ثانية، والمخلِّص، والأسد من سبط يهوذا، والخروف المذبوح، والحجر الذي صار رأس الزاوية، ومثل ابن الإنسان و...) عند اليهود = (القائم أحمد المنقذ والمخلِّص العالمي الموعود). * * * -19. كلمة أخيرة: أكتفي في الختام أن أذكّر المسلمين بما أجمعوا عليه رغم اختلافهم في أكثر الأمور، وهو وصية نبيهم المصطفى محمد ص القائل: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي). ثم أدعوهم إلى أن يعطفوا نظرهم على ما جاءهم به القائم أحمد، والسؤال: هل وجدوا أدلته على خلاف ما أوصاهم به نبيهم ص ؟! أوليس قد قرأنا بعضها فيما مضى ورأينا القرآن وكلام محمد وآله يشهد له، إذن ماذا يريدون بعد ذلك ؟!! ما بالهم لم ينصفوا محمداً في ابنه القائم وهم يقولون إنهم مسلمون !! قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾([229]). اقرؤوا هذه الآية ثم ارجعوا إلى أدلة القائم أحمد التي يشهد لها القرآن وروايات محمد وآله والإنجيل والتوراة، لتجدوها في غاية الاتساق والانتظام ويشهد بعضها لبعض، ولو كان مصدرها غير الله لرأيتم فيها الاختلاف الكبير كما أخبر الحق سبحانه، ولكنكم رأيتموها لا خلاف فيها، إذن هي من الله، وأحمد ولي الله والقائم الموعود. وأما كلمتي الأخيرة إلى المسيحيين فهي تذكيرهم بقول عيسى ع، إذ يقول: (17 كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ، وَبَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ. 18 فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا يَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهِ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ) ([230]). ثم أقول: ها أنتم سمعتم حجة القائم والمعزي والمخلِّص أحمد ببعض ما ورد عندكم من نصوص تقرّون بها، وسمعتم هدف دعوته من نشر وصايا الأنبياء والمرسلين المقدسة والدعوة إلى الله سبحانه، وملء الأرض عدلاً ورحمة وصدقاً، وإشباع الجياع ورعاية الفقراء والمحرومين، وإدخال السرور على قلوب الأيتام والمساكين، وحفظ كرامة الإنسان وحقه وغيرها من المفاهيم التي أحوج ما يكون لها أهل الأرض اليوم. إذن، هل ترونه على غير الحق ويصدر منه هذا ؟؟ أوليس من المخجل إهمال قول عيسى: (كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وبيت منقسم على بيت يسقط. فإن كان الشيطان أيضاً ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته) ولا تجعلونه مقياساً تقايسون به ما جاء به أحمد لتعلموا أنه من عند الله !! أليس هذا هو قياس عيسى ع، فلماذا الإعراض عنه، هل تؤمنون ببعض كتابكم وتكفرون ببعض؟ انظروا لما دعاكم إليه، وما فيه من الحكمة والدعوة إلى الخير وإلى الحق والتحلّي بالأخلاق الطيبة الكريمة، فكيف تسمحون لخيالكم أن يشبِّه أمره - وحاشاه - بأنه ظلمة من الشيطان السفيه الذي يدعو إلى الباطل والشر وإلى كل ما هو ذميم، هل الشيطان منقسم على نفسه ؟! هل مملكة الشيطان منقسمة على نفسها ؟! أليس هكذا علَّمكم عيسى ع أن تميزوا الحق من الباطل. فهل أنتم اليوم غير قادرين على التمييز بين الحكمة والسفه، بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين ما هو طيب وما هو ذميم ؟! وهل أنتم تعتقدون أنّ الشيطان ومملكته منقسمة على نفسها، فمرة تدعو للخير والحق ومرة للشر والباطل ؟! كلا ورب الأنبياء والمرسلين. والحمد لله رب العالمين.Footers
[1] . سفر الملوك الثاني - الأصحاح 2.
[2] . الصافات: 129.
[3] . آل عمران: 55.
[4] . النساء: 157.
[5] . مرقس - الأصحاح 2.
[6] . لوقا - الأصحاح 9.
[7] . غيبة للنعماني: ص245.
[8] . كمال الدين وتمام النعمة: ص391.
[9] . الكافي: ج1 ص337.
[10] . صحيح البخاري: ج4 ص143.
[11] . الدخان: 10 - 16.
[12] . الإسراء: 15.
[13] . سفر إشعيا - الأصحاح 63.
[14] . الرسالة إلى العبرانيين - الأصحاح 11.
[15] . يونان - الأصحاح 3.
[16] . سفر إشعيا - الأصحاح 11.
[17] . يوحنا - الأصحاح 16.
[18] . عيون أخبار الرضا: ج1 ص297.
[19] . صحيح مسلم: ج8 ص179.
[20] . انظر: مسند أحمد: ج1 ص431، صحيح البخاري: ج5 ص217.
[21] . رؤيا يوحنا - الأصحاح 9.
[22] . يوئيل - الأصحاح 2.
[23] . مسند أحمد: ج3 ص37.
[24] . الجمعة: 3 – 4.
[25] . إنجيل متى - الأصحاح 24.
[26] . بحار الأنوار: ج52 ص311.
[27] . عيون أخبار الرضا: ج1 ص297.
[28] . سفر إشعيا - الأصحاح 29.
[29] . سفر إشعيا - الأصحاح 11.
[30] . الحجر: 37 – 38.
[31] . كمال الدين وتمام النعمة: ص371.
[32] . تفسير القمي: ج2 ص327
[33] . الثوية هي الغري، كما جاء في أحد خطب الإمام علي (ع)، حيث قال في كلامه عن ملاحم عصر الظهور: (.. ويسبي من الكوفة سبعون ألف بكر، لا يكشف عنها كف ولا قناع، حتى يوضعن في المحامل، ويذهب بهن إلى الثوية وهي الغري ..) بحار الأنوار: ج52 ص274.
[34] . بحار الأنوار: ج53 ص113.
[35] . انظر: بحار الأنوار : ج52 ص331.
[36] . الإرشاد للمفيد: ج2 ص386.
[37] . فتح الباري: ج6 ص365، عمدة القاري: ج16 ص49.
[38] . يوحنا - الأصحاح 5.
[39] . أخبار الأيام الأُول - الأصحاح 16.
[40] . سفر إشعيا - الأصحاح 25.
[41] . سنن ابن ماجة: ج2 ص1368.
[42] . ا لملاحم والفتن لابن طاووس: ص54، المطبعة الحيدرية.
[43] . منتخب الأنوار المضيئة: ص343.
[44] . كمال الدين وتمام النعمة: ص653.
[45] . ملاخي - الأصحاح 4.
[46] . إنجيل متى - الأصحاح 17.
[47] . إنجيل متى - الأصحاح 11.
[48] . يوحنا - الأصحاح 16.
[49] . غيبة النعماني: ص264.
[50] . إنجيل متى - الأصحاح 21.
[51] . ملاخي - الأصحاح 2.
[52] . الملاحم والفتن لابن طاووس: ص266.
[53] . فتح الباري: ج6 ص359.
[54] . متى - إصحاح 24.
[55] . غيبة الطوسي: ص463.
[56] . الملاحم والفتن: ص263.
[57] . سفر إشعيا - الأصحاح 14.
[58] . الأصحاح 21.
[59] . رؤيا يوحنا اللاهوتي - الأصحاح 14.
[60] . الأصحاح 18.
[61] . مختصر بصائر الدرجات: ص188.
[62] . كنز العمال: ج14 ص279.
[63] . كتاب مائتان وخمسون علامة: ص130.
[64] . بشارة الإسلام: ص104.
[65] . المزمور 29.
[66] . سفر إشعيا - الأصحاح 29.
[67] . متى - الأصحاح 24.
[68] . مسند أحمد: ج3 ص37.
[69] . غيبة النعماني: ص286.
[70] . الملاحم والفتن لابن طاووس: ص125.
[71] . بحار الأنوار: ج55 ص231.
[72] . سفر المزامير - المزمور 97.
[73] . يوئيل - الأصحاح 2.
[74] . أعمال الرسل - الأصحاح 2.
[75] . متى - الأصحاح الرابع والعشرون.
[76] . وسائل الشيعة: ج4 ص487.
[77] . مجمع الزوائد: ج8 ص10.
[78] . ما قاله علي في آخر الزمان: ص237.
[79] . الفتن لابن حماد: ص132.
[80] . الفتن: ص133.
[81] . غيبة النعماني: ص280.
[82] . بحار الأنوار: ج52 ص233.
[83] . مهدي آخر الزمان لابن حسام الدين المتقي: ص69.
[84] . منتخب الأنوار المضيئة: ص30.
[85] . الأصحاح 9.
[86] . متى - الأصحاح 24.
[87] . صحيح البخاري: ج1 ص29.
[88] . الكافي: ج8 ص224.
[89] . سنن ابن ماجة: ج2 ص1368.
[90] . المصنف لابن أبي شيبة: ج8 ص697.
[91] . كتاب الفتن - لنعيم بن حماد: ص216، الملاحم والفتن - لابن طاووس: بـ133 ص136، كنز العمال: ج14 ص589 ح39669، شرح إحقاق الحق - للسيد المرعشي: ج13 ص313.
[92] . الكافي: ج8 ص66.
[93] . متى - الأصحاح 24.
[94] . سفر زكريا - الأصحاح 8.
[95] . سفر ارميا - الأصحاح 46.
[96] . سفر إشعيا - الأصحاح 63.
[97] . بشارة الإسلام: ص 148.
[98] . بشارة الإسلام: ص181.
[99] . ماذا قال علي (ع) في آخر الزمان: ص330.
[100] . حزقيال - الأصحاح 30.
[101] . مائتان وخمسون علامة: ج1 ص116.
[102] . بحار الأنوار: ج52 ص210.
[103] . سفر العدد - الأصحاح 12.
[104] . سفر الخروج - الأصحاح 16.
[105] . سفر المزامير - المزمور 97.
[106] . إنجيل متى - الأصحاح 24. ومثله في: إنجيل مرقس - الأصحاح 13.
[107] . رؤيا يوحنا اللاهوتي - الأصحاح 1.
[108] . بصائر الدرجات: ص429.
[109] . هود: 40.
[110] . إنجيل متى - الأصحاح 24.
[111] . رؤيا يوحنا - الأصحاح 14.
[112] . متى - الأصحاح 24
[113] . رؤيا يوحنا - الأصحاح 14.
[114] . الزمر: 69
[115] . غيبة الطوسي: ص468.
[116] . تفسير القمي: ج2 ص253.
[117] . معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص27.
[118] . الزمر: 42.
[119] . السجدة: 11.
[120] . النساء: 164.
[121] . النساء: 157.
[122] . إنجيل يهوذا - المشهد الثالث.
[123] . متى - الأصحاح 26.
[124] . متى - الأصحاح 26.
[125] . متى - الأصحاح 27.
[126] . تفسير القمي: ج1 ص103.
[127] . متى - الأصحاح 26.
[128] . متى - الأصحاح 26.
[129] . إنجيل يوحنا - الأصحاح 18.
[130] . متى - الأصحاح 27.
[131] . كتاب المتشابهات: ج4 سؤال رقم 179.
[132] . سفر إشعيا - الأصحاح 11.
[133] . كمال الدين وتمام النعمة: ص224 ح17.
[134] . غيبة النعماني: ص194.
[135] . رؤيا يوحنا - الأصحاح 4.
[136] . غيبة الطوسي: ص150، مختصر البصائر: ص159.
[137] . تفسير ابن أبي حاتم حديث رقم 13730.
[138] . الكافي: ج1 ص532.
[139] . سفر التكوين - الأصحاح 29
[140] . سفر إشعيا - الأصحاح 11.
[141] . تفسير العياشي: ج1 ص44.
[142] . غيبة الطوسي: ص454.
[143] . الملاحم والفتن: ص288 عن فتن السليلي السني.
[144] . سنن ابن ماجة: ج2 ص1368.
[145] . مسند أحمد: ج1 ص84.
[146] . مسند أحمد: ج1 ص376.
[147] . الصف: 6.
[148] . سفر إشعيا - الأصحاح 11.
[149] . رؤيا يوحنا اللاهوتي - الأصحاح 5.
[150] . رؤيا يوحنا - الأصحاح 4.
[151] . ينابيع المودة للخوارزمي: ص173.
[152] . كمال الدين وتمام النعمة: ص358.
[153] . رؤيا يوحنا اللاهوتي - الأصحاح 14.
[154] . سفر إشعيا - الأصحاح 11.
[155] . الكافي: ج8 ص313.
[156] . كتاب الفتن: ص242.
[157] . كتاب الملاحم والفتن لابن طاووس: ص27، الفتن لابن حماد: ص66.
[158] . غيبة النعماني: ص264.
[159] . بحار الأنوار: ج57 ص232.
[160] . انظر: بحار الأنوار: ج1 ص1.
[161] . صحيح البخاري: ج5 ص122.
[162] . حبقوق - الأصحاح 3.
[163] . إنجيل متى - الأصحاح 12.
[164] . غيبة الطوسي: ص476.
[165] . سنن ابن ماجة: ج2 ص1367 ح4084.
[166] . الملاحم والفتن لابن طاووس: ص54، المطبعة الحيدرية.
[167] . منتخب الأنوار المضيئة: ص343.
[168] . كتاب الفتن - لنعيم بن حماد: ص216، الملاحم والفتن - لابن طاووس: بـ133 ص136، كنز العمال: ج14 ص589 ح39669، شرح إحقاق الحق - للسيد المرعشي: ج13 ص313.
[169] . رؤيا يوحنا اللاهوتي - الأصحاح 14.
[170] . الإرشاد للمفيد: ج2 ص377.
[171] . سفر إشعيا - الأصحاح 5.
[172] . بحار الأنوار: ج52 ص308.
[173] . إنجيل متى - الأصحاح 24.
[174] . إشعيا - الأصحاح 27.
[175] . ق: 41 - 42.
[176] . تفسير القمي: ج2 ص237.
[177] . غيبة النعماني: ص262.
[178] . مجمع الزوائد: ج7 ص316.
[179] . الفتن: ص208.
[180] . الاختصاص للمفيد: ص208.
[181] . إنجيل متى - الأصحاح 21.
[182] . متى - الأصحاح 22.
[183] . بحار الأنوار: ج52 ص377.
[184] . غيبة النعماني: ص245.
[185] . القصص: 5.
[186] . إنجيل متى - الأصحاح 5.
[187] . الفتوحات المكية: ج3 ص327.
[188] . بحار الأنوار: ج52 ص110.
[189] . غيبة النعماني: ص203.
[190] . يوسف: 3 - 6.
[191] . صحيح مسلم: ج7 ص52.
[192] . الكافي: ج8 ص90.
[193] . أعمال الرسل - الأصحاح 2.
[194] . يوئيل - الأصحاح 2.
[195] . الأصحاح 1
[196] . الأصحاح 2.
[197] . دانيال - الأصحاح 2.
[198] . دانيال - الأصحاح 7.
[199] . معجم أحاديث الإمام المهدي: ج2 ص6.
[200] . مجمع الزوائد: ج7 ص350.
[201] . الفتن لابن حماد: ص325.
[202] . إنجيل متى - الأصحاح 21.
[203] . المزمور 118.
[204] . الكافي: ج4 ص217.
[205] . الفتح: 2
[206] . تفسير القمي: ج2 ص314.
[207] . المحاسن: ج1 ص65.
[208] . طه: 115.
[209] . الجواب المنير: ج4 سؤال رقم 327.
[210] . البقرة: 30 – 31.
[211] . الحجر: 29.
[212] . إضاءات من دعوات المرسلين: ج3.
[213] . البقرة: 132.
[214] . البقرة: 180.
[215] . الصف: 6.
[216] . تثنية - الأصحاح 31.
[217] . ملوك الأول - الأصحاح 2.
[218] . متى - الأصحاح 16.
[219] . أعمال الرسل - الأصحاح 21.
[220] . مريم: 43.
[221] . القصص: 14.
[222] . الزخرف: 63.
[223] . الجمعة: 2.
[224] . سنن ابن ماجة: ج2 ص1367 ح4084.
[225] . دلائل الإمامة للطبري: ص452.
[226] . الملاحم والفتن لابن طاووس: ص54، المطبعة الحيدرية.
[227] . الخصال للصدوق: ص200.
[228] . الجواب المنير: ج1 سؤال رقم 2.
[229] . النساء: 82.
[230] . إنجيل لوقا - الأصحاح 11.