Subjects

-الإهداء

-الحلقة الأولى: عض الروايات الدالة على كون الأئمة ثلاثة عشر

-الحلقة الثانية: دفع ما قيل في روايات الثلاثة عشر

-الحلقة الثالثة: دفع ما قيل في روايات الثلاثة عشر

-الحلقة الرابعة: دراسة في توقيع السمري

-الحلقة الخامسة: مناقشة توقيع السمري

-الحلقة السادسة: الرؤيا وما يتعلق بها

-الحلقة السابعة: الرؤيا وما يتعلق بها

-الحلقة الثامنة: الصيحة

-الحلقة التاسعة: الصيحة ما يتعلق بها

-الحلقة العاشرة: لمحات من تاريخ الدعوة اليمانية


Text

إصدارات أنصار الإمام المهـدي ع / العدد (106) حوار قصصي مبسط في الدعوة اليمانية المباركة (القسم الرابع) الشيخ عبد العالي المنصوري الطبعة الأولى 1431 هـ - 2010 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهـداء إلى الشهداء السعداء إلى الذين كان دمهم سرّا تعرفه ملائكة السماء إلى الذين كان دمهم مفتاحاً لدولة العدل الإلهي إلى أحباء الله وأحباء رسوله والأمة الوسط إلى الذين أحزن فراقهم قلب أحمد الحسن فقال: ( أمّا حزني عليكم فلا ينقطع لا والله أبداً بعد يومكم هذا حتى انتقل إلى جواركم ... وأمّا عبرتي ودمعي فسيضل جارياً عليكم ما دمت حياً ... لقد والله تركتم في قلب أحمد الحسن ألماً وجرحاً عميقاً لن يشفى حتى ألقاكم في داركم الكريمة التي انتقلتم لها ... فسلام عليكم يا أحباء أحمد الحسن وروحه وقلبه). وإلى الجرحى الذين توسموا بوسام الشرف والجهاد وإلى الأسرى الذين ظلموا في سجون الظالمين وإلى الأخوة أنصار الإمام المهدي العاملين خادمكم يهديكم هذا الجهد المتواضع راجياً دعائكم وشفاعتكم. 1/ شعبان/1431 هـ . ق الحمد لله المبتدئ بالعطاء الذي أفاض علينا نعمه التي لا تحصى، وأسبغ علينا آلائه التي لا تجازى. وأفضل وأتم وأكمل الصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. بين يدي الأخوة الكرام القسم الرابع والأخير من الحوار القصصي المبسط في أدلة الدعوة اليمانية المباركة. وأسأله سبحانه أن يكون نافعاً خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون مساهماً في نشر الحق والدفاع عنه ودحض الباطل ومحاربته. كما وأسأل الأخوة القرّاء الكرام الصفح والعفو عن قصوري وتقصيري في البيان. والحمد لله أولاً وآخراً -الحلقة الأولى: عض الروايات الدالة على كون الأئمة ثلاثة عشر وحضر الأولاد كما في كل ليلة وهم ينتظرون أباهم، فجاء أبوهم وسلم عليهم وتبادلوا معه السلام والرحمة والبركات. الأب: أسال الله أن تكونوا بخير يا أبنائي الأعزاء، فهل من سؤال حول الحديث في الليلة الماضية ؟ واثق: شكراً لك يا أبي الكريم. أبي لقد ذكرت أنّ روايات المهديين ص تذكر اثني عشر مهدياً من ولد الحسين ع، لكني رأيت رواية تقول إنّ المهديين أحد عشر وليس اثني عشر، فهل المهديون اثنا عشر أم أحد عشر ؟ وإليك يا أبي هذه الرواية يا أبي، عن أبي عبد الله ع. في حديث طويل أنه قال: (يا أبا حمزة، إنّ منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([1]). الأب: أحسنت يا ولدي على اهتمامك ومراجعتك، لا حظوا يا أولادي الأعزاء ما سأذكره لكم، وذكرته لكم على نحو الإجمال في ما تقدم فقلت الروايات التي بينت عدد الأئمة والمهديين ص على خمسة أقسام: القسم الأول: الروايات التي عدّت أنّ الأئمة اثنا عشر إماماً. وهذا القسم جاء بألفاظ مختلفة،كما ذكرت لكم ذلك في القسم الأول من هذا الحوار، وسأعيد ما ذكرته لكم للتذكّر. وإليكم تلك الألفاظ التي جاءت في تلك الروايات: أولاً: (اثنا عشر إماماً)، قال النبي ص:(يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً..) ([2]). ثانياً: (اثنا عشر خليفة)، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: (كنت مع أبي عند رسول الله صفسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة. ثم أخفى صوته فقلت لأبي: ما الذي [قال في] أخفى صوته ؟ قال: قال: كلهم من بني هاشم) ([3]). ثالثاً: (اثنا عشر أميراً)، عن عبد الملك بن عمير، قال: (سمعت جابر بن سمرة السوائي يقول: سمعت رسول الله ص يقول: لا يزال هذا الأمر ماضياً حتى يقوم اثنا عشر أميراً، ثم تكلم بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي ما قال ؟ قال: كلهم من قريش) ([4]). رابعاً: (اثنا عشر محدثاً)، قال الإمام الباقر ع: (منا اثنا عشر محدَّثاً) ([5]). خامساً: (اثنا عشر رجلاً)، قال: حدثنا ابن أبي عمير، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: (سمعت النبي صيقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً، ثم تكلم النبي صبكلمة خفيت عليً، فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كلهم من قريش) ([6]). سادساً: (اثنا عشر نقيباً)، وفي رواية مسروق، قال: (سأل رجل عبد الله بن مسعود قال له: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمّة من خليفة ؟ فقال عبد الله: سألناه فقال: "اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل") ([7]). بل عبر بلفظ المهديين وأُريد منه الأئمة الإثني عشر، قال الإمام الحسين ع: (منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق)([8]). فكل هذه التعابير تشير إلى عدد الأئمة الإثني عشرص. وفي كل هذه الألفاظ المراد واحد وهم الأئمة الإثني عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، وآخرهم الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع. القسم الثاني: الروايات التي عدّت الأئمة ثلاثة عشر إماماً. وسيأتي الكلام عنها بالتفصيل. القسم الثالث: الروايات التي عدّت المهديين اثني عشر مهدياً. وقد تقدّمت. القسم الرابع: الرواية التي عدت المهديين أحد عشر مهدياً. وهي رواية واحدة، وهي الرواية التي ذكرتها يا واثق، وهي: (يا أبا حمزة إنّ منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([9]). القسم الخامس: الرواية التي بينت أنّ الأئمة اثنا عشر والمهديين اثنا عشر. وهي رواية الوصية التي تقدّمت. وتوجد مقابلة بين القسم الثاني؛ وهو الذي دل على أن عدد الأئمة ثلاثة عشر - وسيأتي الكلام عن هذه الروايات -، وبين القسم الرابع وهو الذي دل على أنّ المهديين أحد عشر. وبيان ذلك: إنّ الروايات التي بينت أنّ الأئمة ص ثلاثة عشر قد عدّت المهدي الأول ع، مع الأئمة فصار عدد الأئمة ثلاثة عشر،كما وأصبح عدد المهديين أحد عشر مهدياً، فالمهدي الأول ع برزخ بين الأئمة والمهديين ص، تارة يعد مع الأئمة فيكون عدد الأئمة ثلاثة عشر، فيكون عدد المهديين أحد عشر، وتارة يعد مع المهديين فيكون عددهم اثنا عشر، كما ويكون عدد الأئمة أثني عشر أيضاً. وبهذا يجمع بين جميع الأقسام الخمسة للروايات، والشاهد على هذا الجمع هو رواية الوصية التي بينت أنّ عدد الأئمة أثني عشر، وكذلك بينت عدد المهديين بكونهم اثني عشر مهدياً. وهذا الجمع هو الصحيح بخلاف الجمع الذي ذكره الشيخ الحر العاملي حيث قال: (وعلى هذا فالأئمة من بعده هم الأئمة من قبله قد رجعوا بعد موتهم، فلا ينافي ما ثبت من أن الأئمة اثني عشر؛ لأنّ العدد لا يزيد بالرجعة، وهذا الوجه يحصل به الجمع بين رواية اثني عشر ورواية أحد عشر، فإنّ الأولى: محمول على دخول المهدي أو النبي (عليهما السلام) والثانية: لم يلاحظ فيها دخول أحد منهما لحكمة أخرى، ...) ([10]). وإليكم توضيح كلامه بالتفصيل: النقطة الأولى: أنّه يقول بأنّ المهديين ص هم نفس الأئمة ص لكن رجعوا في الرجعة، فالذين قبل الإمام المهدي ع، هم أنفسهم الذين يأتون من بعده؛ حيث إنّ الرواية تقول: (... إثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده أثنا عشر مهدياً)، فيقول: الذين يأتون بعد المهدي هم أنفسهم الذين كانوا قبله. النقطة الثانية: يحاول الجمع بين روايات الإثني عشر مهدياً والأحد عشر مهدياً، ببيان أنّ الروايات التي تذكر الإثني عشر يكون داخلاً فيها أمّا النبي ص أو الإمام المهدي ع. وأمّا الروايات التي ذكرت الأحد عشر فهي لم تعد النبي ص والإمام المهدي ع. وأنتم كما ترون هو جمع خالي عن الدليل، بل هو جمع تبرعي كما يقال، ثم كيف يقال بأنّ المهديين هم أنفسهم الأئمة والحال أنّ المهديين ورد أنهم من ولد الحسين ع فهل علي بن أبي طالب من ولد الحسن (عليهما السلام) ؟ وهل الحسن من ولد الحسين (عليهما السلام) ؟ وهل النبي على تقدير دخوله في روايات الاثني عشر من ولد الحسين ع هذا أعجب ما يقال. هل واضح ما تقدم يا أبنائي ؟ واثق: نعم يا أبي. الأب: والآن سأذكر لكم الروايات التي تدل على كون الأئمة ثلاثة عشر: الرواية الأولى: روى الشيخ الكليني بسنده، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (الإثنا عشر الإمام من آل محمد ص كلهم محدث من رسول الله ص ومن ولد علي، ورسول الله وعلي (عليهما السلام) هما الوالدان....) ([11]). فلاحظوا يا أبنائي أنّ الرواية ذكرت اثنا عشر إماماً كلهم من ولد رسول الله وعلي (صلوات الله عليهما). فقالت : (الإثنا عشر الإمام من آل محمد ص كلهم محدث من رسول الله ص ومن ولد علي). وبهذا يكون عدد الأئمة ص ثلاثة عشر، بإضافة أمير المؤمنين علي ع. وصار الأئمة ص ثلاثة عشر لدخول المهدي الأول ع معهم. محمود: صحيح يا أبي، لكن لماذا عُد المهدي الأول ع مع الأئمة والحال أنّه من المهديين ص؟ الأب: تقدم يا محمود في القسم الأول من حوارنا هذا وجود تفاضل بين الحجج الطاهرين ص، فالرسل فضل الله بعضهم على بعض، وكذلك الأئمة صفقد جاءت الروايات بالتفاضل بينهم، فالرسل أفضلهم على الإطلاق هو خاتمهم محمد ص، بل هو ص أفضل البشر على الإطلاق. وأمّا آل محمد ص فأفضلهم علي بن أبي طالب ع وفاطمة، وبعدهما الحسن والحسين (عليهما السلام)، فأصحاب الكساء ص هم أفضل الأئمة على الإطلاق. روي النبي ص قال: (خير هذه الأمة من بعدي علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين، من قال غير هذا فعليه لعنة الله) ([12]). روي: سأل سلمان رسول الله ص فقال: (من أفضل خلق الله ؟ فأشار النبي ص إلى الحسنين وقال: جد هذين. قال سلمان: فمن بعد جدهما ؟ قال: أبو هذين. قال سلمان: فمن بعد أبيهما ؟ قال: أم هذين. قال سلمان: فمن بعد أمهما ؟ قال: هذان) ([13]). كما أنّه يوجد تفاضل بين الباقين من آل محمد ص، ومن الثابت أنّ الإمام المهدي ع هو أفضل الأئمة غير أصحاب الكساء. روى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه ص، قال: قال رسول الله ص: (إنّ الله ( اختار من كل شيء شيئاً، اختار من الأرض مكة، واختار من مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة، واختار من الأنعام إناثها، ومن الغنم الضأن، واختار من الأيام يوم الجمعة، واختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعلياً من بني هاشم، واختار مني ومن علي الحسن والحسين، وتكملة اثني عشر إماماً من ولد الحسين تاسعهم باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو أفضلهم، وهو قائمهم) ([14]). وروى الجوهري في مقتضب الأثر بسنده، قال: قال رسول الله ص: (إنّ الله اختار من الأيام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور شهر رمضان، واختارني وعلياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين حجج العالمين تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم) ([15]). ولذا قال الكراجكي: (إنّ أفضل الأئمة أمير المؤمنين، وإنّ أفضل الأئمة بعد أمير المؤمنين الحسن والحسين، وأفضل الباقين بعد الحسين ع إمام الزمان المهدي ع ثم بقية الأئمة من بعده على ما جاء به الأثر وثبت به النظر) ([16]). وكما أنّ في الأنبياء تفاضل وفي الأئمة، كذلك في المهديين ص، فقد ورد أنّ المهدي الأول ع، أفضل من سائر المهديين على الإطلاق. وهذا يدل عليه ما رواه سليم بن قيس: عن رسول الله، قال: (يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به) ([17]). فقوله ص: - في سؤال سلمان المهدي أفضل أم أبوه ؟-: (أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به). المراد بالمهدي هو المهدي الأول ع، ولذا فأبوه - محمد بن الحسن العسكري ع- أفضل منه، وليس المراد بالمهدي محمد بن الحسن العسكري، لما تقدم من أنّ أباه ليس أفضل منه، بل الإمام محمد بن الحسن أفضل الأئمة غير أصحاب الكساء كما تقدم. ثم قوله ص: (للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأنّ الله هداهم به)، أي المهدي الأول ع له مثل أجور كل المهديين الذين يأتون بعده، فهو أفضلهم. وروى سليم حديثاً طويلاً جاء فيه: قالت فاطمة ص: (يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟ ..... إلى أن يقول: منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه والآخر وصي الأول...) ([18]). فالمراد من المهدي هو المهدي الأول ع كما أنّ المراد بالذي قبله هو الإمام محمد بن الحسن ع، وليس الإمام الحسن العسكري ع؛ لكون الرواية تصرح بأنّ الذي قبله أفضل منه، ولم يثبت أن الإمام العسكري ع أفضل من ولده الإمام المهدي ع، بل ثبت أنّ الإمام المهدي أفضل. وعليه فيكون تفسير الرواية بهذه الصورة: (والذي قبله أفضل منه)، أي الذي قبل المهدي الأول ع أفضل منه، والذي قبله هو الإمام المهدي ع فهو قبله في الإمامة وفي المقام وفي الترتيب. وقوله ص: (الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه)، المراد بالأول هو الإمام المهدي ع، والمراد من الآخر هو المهدي الأول، ووجه كون الأول أفضل من الآخر أنّ الأول إمام الآخر. (والآخر وصي الأول...)، الآخر هو المهدي الأول ع والأول هو الإمام المهدي ع، فالمهدي الأول هو وصي الإمام المهدي ع. هل أتضح جوابك يا محمود ؟ محمود: نعم يا أبي. الأب: إذن لأنقل لكم بقية الروايات. الرواية الثانية: روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم ع، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ([19]). لاحظوا الرواية يرويها الإمام الباقر ع عن جابر، فجابر رأى لوح فيه أسماء الأوصياء الذين من ولد فاطمة ص، وكانوا اثنا عشر ص، فإن أضفنا لهم أبوهم أمير المؤمنين ع سيكون المجموع ثلاثة عشر. ولكن لي هنا ملاحظة يا أبنائي، حيث إنّ هذه الرواية قالت: (ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي). ولكن جاء في مصادر أخرى (وأربعة منهم علي)، فقد روى الصدوق في الفقيه عيون أخبار الرضا وكمال الدين، والمفيد في الإرشاد: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثنا عشر آخرهم القائم ع ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي ص) ([20]). الرواية الثالثة: روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أبي الجاورد، عن أبي جعفر ع، قال: قال رسول الله ص: (إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا) ([21]). لاحظوا هذه الرواية أيضاً حيث قال النبي ص فيها : (إني وإثني عشر من ولدي وأنت يا علي) فصار المجموع ثلاثة عشر. أحمد: ما معنى زر الأرض يا أبي ؟ الأب: أصل الزر هو (زر القلب)، قال ابن الأثير: وأصله من زر القلب، وهو عظم صغير يكون قوام القلب به ([22]). فقوام الأرض بهم؛ ولذا قال ص: (إذا ذهب الإثني عشر ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا). وقال الشيخ المجلسي في بحار الأنوار: في قول النبي ص: (وهو زر الأرض بعدي). أقول: الزر بالكسر: أي قوامها والعالم بمصالحها ([23]). الرواية الرابعة: روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أبي جعفر ع، قال: (قال رسول الله ص: من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملاها عدلاً كما ملئت جوراً) ([24]). وهذه الرواية أيضاً عدّت أثني عشر من ولد رسول الله ص، وعلي بن أبي طالب ع ليس من ولد رسول الله ص. الرواية الخامسة: روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أمير المؤمنين ع، قال: (إنّ لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم منّي) ([25]). فالرواية تنص على أنّ الاثني عشر ص من ولد علي ع؛ لذا يقول علي ع: (وهم - أي الاثني عشر - مني)، فبإضافة علي ع يكون المجموع ثلاثة عشر. الرواية السادسة: روى الخزاز القمي في كفاية الأثر بسنده عن محمد بن الحنفية، قال أمير المؤمنين ع: (سمعت رسول الله ص يقول: - في حديث طويل إلى أن يقول -: يا علي، أنت مني وأنا منك، وأنت أخي ووزيري، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده. ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه وقال: بأبي وأمي سمي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور - أو قال: جلابيب النور - يتوقّد من شعاع القدس.....) ([26]). ومحل الشاهد يا أبنائي قوله ص: (وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك)، فمن هو الخامس من ولد السابع من ولد علي ع ؟ لو بدأنا بحساب الأئمة من علي ع فيكون السابع هو الإمام موسى الكاظم ع، ولو بدأنا الحساب من الحسن ع فيكون السابع هو الإمام الرضا ع فالإمام الرضا عهو السابع من ولد علي ع، ومن هنا فمن يكون الخامس من ولد السابع من ولد علي ع ؟ الجواب: هو المهدي الأول ع؛ لأنّ الإمام المهدي محمد بن الحسن ع هو الرابع من ولد السابع، حيث يسبقه: الإمام الجواد، والإمام علي الهادي، والإمام الحسن العسكري، فالخامس من ولد السابع من ولد علي ع هو المهدي الأولع، وقد عُدّ في هذه الرواية مع الأئمة ص. الرواية السابعة: عن أنس بن مالك، قال: (سئلت رسول الله ص عن حواري عيسى ع فقالص: كانوا من صفوته وخيرته وكانوا إثني عشر ... وساق الحديث إلى إن قالص: الأئمة بعدي إثنا عشر من صلب علي ع وفاطمة ص، وهم حواري وأنصاري عليهم من الله التحية والسلام) ([27]). فتثبت الرواية وجود اثني عشر من صلب علي وفاطمة (عليهما السلام)، ولو أضفنا إليهم الإمام علي ع فيكون المجموع ثلاثة عشر. الرواية الثامنة: قال رسول الله ص: (... وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منها رجلين: أحدهما أنا فبعثني رسولاً، والآخر علي بن أبى طالب، وأوحى إلي أن أتخذه أخاً وخليلاً ووزيراً ووصياً وخليفة ... ألا وأنّ الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصياً من أهل بيتي، فجعلهم خيار أمتي واحد بعد واحد مثل النجوم (في) السماء كلما غاب نجم طلع نجم...) ([28]). فتُبيّن الرواية وجود اثني عشر إمام بعد رسول الله وعلي صلوات الله عليهما وآلهما؛ لذا قالت: (ألا وأنّ الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصياً من أهل بيتي..). فاختار بعدنا، أي: بعد الرسول وعلي (عليهما وآلهما السلام). فهؤلاء الاثنا عشر مع علي ع يكون العدد ثلاثة عشر. الرواية التاسعة: عن جنادة بن أبي أميد، قال: (دخلت على الحسن بن علي (عليهما السلام) في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية (لعنه الله)، فقلت: يا مولاي، ما لك لا تعالج نفسك ؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت ؟ قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم التفت إلي وقال: والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله ص، أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي ع وفاطمة ص، ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول) ([29]). ومحل الشاهد في الرواية قوله ع: (أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي ع وفاطمة ص)، فالرواية صريحة في كون الأئمة إثنا عشر من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام)، وهؤلاء مع أبيهم سيد الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع سيكون مجموع الأئمة ثلاثة عشر. الرواية العاشرة: عن أبي سعيد الخدري، قال: (كنت حاضراً لما هلك أبو بكر واستخلف عمر، أقبل يهودي من عظماء يثرب يزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه حتى رفع إلى عمر، فقال له: يا عمر إني جئتك أريد الإسلام، فإن خبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب هذا الكتاب والسنة، وجميع ما أريد أن أسأل عنه قال: فقال (له) عمر: إني لست هناك، لكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما قد تسأل عنه، وهو ذاك - وأومأ إلى علي ع- ... إلى قوله: فقال له أمير المؤمنين ع: إنّ لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها، وهم مني. وأمّا منزل نبينا ص في الجنة فهو أفضلها وأشرفها جنة عدن. وأمّا من معه في منزله منها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم - أم أمهم - وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد) ([30]). ومحل الشاهد في الرواية قوله ع: (إنّ لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها، وهم مني)، فالعبارة صريحة في كون الأئمة أثنا عشر من ذرية النبي ص ومن ولد علي ع؛ لذا قال ع: (وهم مني)، أي من علي بن أبي طالب ع إثني عشر إماماً، ومع أبيهم علي ع يكون عددهم ثلاثة عشر. الرواية الحادية عشر: قال رسول الله ص: (يا علي، إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وأحبهن إليّ بعدك وكائن منكما سيدا شباب أهل الجنة والشهداء المضرجون المقهورون في الأرض من بعدي والنجباء الزهر الذين يطفئ الله بهم الظلم ويحيي بهم الحق ويميت بهم الباطل عدتهم عدّة أشهر السنة آخرهم يصلي عيسى بن مريم خلفه) ([31]). ومحل الشاهد في الرواية قوله ص: (عدتهم عدّة أشهر السنة)، فهؤلاء الذين من ذرية علي وفاطمة (عليهما السلام) عدتهم عدّة أشهر السنة، وهي اثنا عشر شهراً، فيكون عدد الأئمة من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) عدّتهم اثنا عشر إماماً، فمع أبيهم علي بن أبي طالب يكون العدد ثلاثة عشر إماماً. الرواية الثانية عشر: عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين ع فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها ؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين. فقلت: وإن هذا لكائن ؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإنّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات) ([32]). ومحل الشاهد: قوله ع: (ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً..)، فالحادي عشر من ولد علي ع هو الإمام محمد بن الحسن العسكريع، والمولود الذي من ظهر الإمام محمد بن الحسن ع هو المهدي الأول أحمد الحسن ع، وعليه فيكون هو الإمام الثالث عشر. الأولاد: كيف غفل الشيعة عن هذه الروايات المروية في كتبنا المهمة فالروايات التي ذكرتها إنّما جاءت في كتاب الكافي، وغيره من كتب الشيعة ؟ الأب: اعلموا يا أبنائي أنّ هذه الروايات التي دلت على أنّ الأئمة ص ثلاثة عشر أيضاً لم يفهموها فوقفوا منها موقفاً سلبياً، وذكروا أقوالاً في كل رواية من الروايات لكي يسقطوها عن الحجية و لا يلتزموا بها، وسنقف عند كلمات بعضهم في هذه الروايات، وإلى هنا ننهي حوارنا في هذه الليلة على أمل أن نكمل غداً بتوفيق الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثانية: دفع ما قيل في روايات الثلاثة عشر وجاء الأبناء وهم مستغربون من الروايات التي ذكرها لهم أبوهم في الليلة الماضية وإخباره لهم بأنّ علماء الشيعة وقفوا من كل هذه الروايات موقفاً سلبياً، فجاءوا بشوق ليسمعوا ماذا قال العلماء في توجيه تلك الروايات الدالة بالصراحة على كون الأئمة ثلاثة عشر. فجاء الأب وسلم على أولاده فحيوه بالسلام والتحيات، فقال لهم أراكم مستغربين مما قلته لكم الليلة البارحة. فقال الأولاد: نعم يا أبي إنا لنعجب أين كانت هذه الروايات، ولماذا وقف علماء الشيعة منها موقفاً سلبياً ؟ الأب: سأبين لكم أهم ما قالوه في توجيههم لروايات الثلاثة عشر، وستتعجبون أكثر من التوجيهات التي وجّهوا بها تلك الروايات الصريحة الدالة على كون الأئمة ثلاثة عشر. وأقف عند دعوتين ادعوها في هذه الروايات التي تدل على كون الأئمة ثلاثة عشر: الدعوى الأولى: دعوى التحريف أو التصحيف. ولكي تكون الصورة واضحة لكم يا أبنائي الأعزاء أوضح لكم المقصود من التحريف والتصحيف، كما سأبين لكم التأويل الذي قاله البعض عند كلامنا في الدعوى الثانية. أولاً: التحريف: وهو العدول بالشيء عن جهته. وحرف الكلام تحريفاً: عدل به عن جهته، وهو قد يكون بالزيادة فيه، والنقص منه، وقد يكون بتبديل بعض كلماته، وقد يكون بحمله على غير المراد منه. فالتحريف أعم من التصحيف. فمثال الزيادة: ما جاء في حديث: (تجيء يوم القيامة أعز ما كانت) رواه الثوري: أغزر ما كانت. ومثال النقص: ما روي أنه: (مسح وجهه زمن الفتح) حرفه بعضهم فقال: (من القبح). ومثال تبديل بعض الكلمات: ما حكاه أبو عمرو بن العلاء عن نفسه قال: أنشدت الفرزدق، ويده في يدي، لابن أحمر: فإما زال سرح عند معد **** وأجدر بالحوادث أن تكونا فلا تصلي بمطروق إذا ما **** سرى بالقوم أصبح مستكينا فقال لي: أرشدك أو أدعك ؟ قلت: ترشدني. قال: إذا كان ممن يسرى بالقوم فليس بمطروق، وإنما هو: إذا ما سرى في القوم. فعلمت أني أغفلت ذاك وأن الأمر كما قال. قال أبو أحمد العسكري معلقاً على هذا التغيير: (وهذا من التحريف لا من التصحيف. ومثال حمله على غير المراد منه: أنّ النبي ص: صلى إلى عنزة، فتحرفت على بعضهم إلى: عنزة، ورواه آخر بالمعنى فقال: صلى إلى شاة) ([33]). ثانياً: التصحيف: هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط، وذلك لأنّ الآخذ عن الصحيفة لا يمكنه التفريق بين لفظ الكلمة في السياق، وصورة كلمة غير منقوطة يقرؤها الصحفي على غير وجهها مثل: فحمة، إذا لم تنقط يقرؤها قحمة، ويقرؤها فخمة. ولا يضبط هذا إلاّ التلقي من أفواه الشيوخ. وقد قال الزمخشري في ربيع الأبرار: (التصحيف قفل ضل مفتاحه) ([34]). ومن هنا قال السيد مرتضى العسكري بوقوع الخطأ والتصحيف في كتاب الكافي، فقال: (... وفعلاً قد وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت، وهو كتاب الكافي مثل ما ورد في الأحاديث الأربعة المرقمة: 7 و 9 و 14 و 17 و 18 من كتاب الحجة بالكافي باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم كما نشرحه في ما يلي .....)([35]). وتبعه تلميذه السيد سامي البدري في كتابه شبهات وردود. ويقصد بهذه الأحاديث التي ذكر أرقامها، الأحاديث التي دلت على كون الأئمة ثلاثة عشر، وهي الروايات الخمسة الأولى التي تقدمت عليكم في الحلقة السابقة. الدعوة الثانية: تأويل هذه الروايات. دعوى مخالفة ومعارضة روايات الثلاثة عشر لروايات الإثني عشر التي فهموا منها الحصر في الإثني عشر. والتأويل: هو ما يؤول إليه الشيء. قال الشيخ الطريحي: (إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري إلى معنى أخفى منه، مأخوذ من (آل)، يؤل: إذا رجع وصار إليه. وتأول فلان الآية، أي: نظر إلى ما يؤل معناه) ([36]). ومن هنا يا أبنائي لنعرض الروايات واحدة تلو الأخرى لنعرف ما قالوا فيها، بعد أن عرفتم التحريف والتصحيف والتأويل: الرواية الأولى: روى الشيخ الكليني بسنده، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (الإثنا عشر الإمام من آل محمد ص كلهم محدّث من رسول الله ص ومن ولد علي، ورسول الله وعلي (عليهما السلام) هما الوالدان....) ([37]). أولاً: دعوى التصحيف قال السيد مرتضى العسكري في كتابه معالم المدرستين: (تقييم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت ص أخطاء في نسخ كتب الحديث ومع تسلسل الإسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت إلى رسول الله ص كما شاهدنا، فإن فقهاء مدرستهم لم يسموا أي جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح كما فعلته مدرسة الخلفاء وسمت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح، ولم يحجزوا بذلك على العقول ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور وإنما يعرضون كل حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث، ويخضعون لنتائج تلك الدراسات، وذلك لأنهم يعلمون أن رواة تلك الأحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان لكل بشر لم يعصمه الله، وفعلاً قد وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت وهو كتاب الكافي مثل ما ورد في الأحاديث الأربعة المرقمة: 7 و 9 و 14 و 17 و 18 من كتاب الحجة بالكافي باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم كما نشرحه في ما يلي: أولاً: الحديث السابع والرابع عشر([38]): في كلا الحديثين في أصول الكافي: بسنده عن ابن سماعة، عن علي بن الحسين بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (الاثنا عشر الإمام من آل محمد ص كلهم محدّث من ولد رسول الله ص، ومن ولد علي، فرسول الله وعلي هما الوالدان). وفي لفظ الحديث السابع بعده: (فقال علي بن راشد . . . الحديث) ([39]). ومغزى هذين الحديثين: أن يكون عدد الأئمة من أهل البيت ثلاثة عشر: الإمام علي مع إثني عشر إماماً من ولده. بينما نقل هذه الرواية عن الكافي المفيد في الإرشاد والطبرسي في إعلام الورى ولفظهما كما يلي: (الإثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدّث: علي بن أبي طالب، وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان صلوات الله عليهما) ([40]). وأخرج الرواية عن الكليني أيضاً الصدوق في كتابه: عيون أخبار الرضا والخصال ([41])، ولفظه كما يلي: (اثنا عشر إماماً من آل محمد كلهم محدثون بعد رسول الله، وعلي بن أبي طالب منهم). نتيجة البحث والمقارنة: يظهر من استعراضنا الحديث عن الكافي ومن أخذ منه أي الشيخ الصدوق والمفيد والطبرسي، أنّ النسّاخ قد أخطأوا في كتابة الحديث في الكافي بعد عصر الشيخ المفيد، ولم نقل بعد عصر الطبرسي؛ لأنّ الطبرسي يأخذ أخباره في إعلام الورى من كتاب الإرشاد للمفيد وينسج فيه على منواله)([42]). انتهى كلامه. وقفة مع السيد مرتضى العسكري: أولاً: كما يحتمل أنّ الخطأ من النسّاخ بعد عصر المفيد، كذلك يحتمل أنّ الخطأ حصل من نسخ الشيخ المفيد، ولا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر. بل يقال بعدم خطأ النسّاخ غير المفيد؛ وذلك لاستبعاد تكرّر الخطأ في النّسخ في كل الأحاديث الخمسة التي رواها الشيخ الكليني في الكافي، ومع ذلك يكون مفاد النّسخ دلالتها على كون الأئمة ثلاثة عشر، مع اختلاف متون الأحاديث، فهل يمكن مع اختلاف هذه المتون مع دلالتها على الثلاثة عشر أن يقال أنّ التصحيف المتكرّر أتفق في الدلالة على الثلاثة عشر ؟! ثانياً: وأمّا قوله: (وأخرج الرواية عن الكليني أيضاً الصدوق في كتابه: عيون أخبار الرضا والخصال، ولفظه كما يلي: (اثنا عشر إماماً من آل محمد كلهم محدَّثون بعد رسول الله، وعلي بن أبي طالب منهم). فمن الممكن جدّاً أن تكون رواية ثانية وإن جاءت بنفس السند، ومثل هذا كثيراً ما يقع في الروايات، فالكثير من الروايات جاءت بسند واحد وبمتنين أحدهما مقارب للآخر، ولم تُعد بسبب ذلك رواية واحدة. ثانياً: دعوى التغليب وسأنقل لكم ما قاله السيد كاظم الحائري، حيث عنون الروايات التي تدل على كون الأئمة ثلاثة عشر بقوله: (الروايات التي قد توهم أنّ الأئمّة ثلاثة عشر ومناقشتها)، وذكرها بعد أن ذكر الروايات التي دلت على أنّ عدد الأئمة ص إثني عشر إماماً، وإليكم نص ما قاله: (توجد في مقابل ما عرفناه من روايات الحصر في اثني عشر - التي هي فوق حد الإحصاء - أخبار آحاد نادرة قد تُوهم أنّ الأئمّة ثلاثة عشر، وهي خمس روايات واردة في الكافي، نذكرها مع الردّ عليها: أوّلاً: الحديث السابع من الباب: عن محمّد بن يحيي، عن عبد الله بن محمّد الخشّاب - ولا ذكر له في كتب الرجال - عن ابن سماعة، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن ابن أُذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر يقول: (الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدّث من ولد رسول الله ومن ولد عليّ، ورسول  الله وعليّ هما الوالدان). ولا يخفى أنّ ظاهر العبارة ليس هو إرادة أنّ الأئمّة اثنا عشر كما أراد البعض تفسيرها بذلك، وإنّما ظاهرها أنّهم اثنا عشر، وأنّهم من ولد رسول  الله وعليّ، فكأنّ عليّاً كرسول الله خارج من دائرة الأئمّة، وهو ورسول الله والدان للأئمّة. وقد حمله المجلسي في مرآة العقول على التغليب، أي بما أنّ أكثرهم ما عدا واحداً من ولد رسول الله وعليّ عبّر عنهم بتعبير: (كلّهم محدّث من ولد رسول الله وعلي). وهذا الحديث روي مرّة أُخرى في الكافي تحت رقم (14) عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله -  ولعل الصحيح: الحسين بن عبيد الله  - عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن علي بن سماعة، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن ابن اُذينة عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر يقول: (الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدّث من ولد رسول الله وولد عليّ بن أبي طالب، فرسول الله وعليّ هما الوالدان). وقال السيّد نذير الحسني: نقل المفيد هذه الرواية - في كتاب الإرشاد: ج 2 ص347 - بهذا الشكل: (الاثنا عشر الأئمّة من آل محمّد كلّهم محدّث: علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول  الله وعليّ هما الوالدان). وقال الصدوق في الخصال وفي العيون: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا أبو علي الأشعري، عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن علي بن سماعة، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن أبيه، عن ابن اُذنية، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر يقول: (اثنا عشر إماماً من آل محمّد كلّهم محدثون بعد رسول الله وعلي بن أبي طالب منهم). إذن هذا يؤيّد نسخة الكافي الواصلة للشيخ المفيد) ([43]). وقفة مع المجلسي والحائري: أولاً: لقد عنون الحائري هذه الروايات بقوله: (الروايات التي قد توهم أنّ الأئمّة ثلاثة عشر)، وفي الحقيقة أنّ الروايات لا توهم أنّ الأئمة ثلاثة عشر، بل هي صريحة في ذلك، فمن قال بدلالتها على الإثني عشر هو الأولى أن ينعت بالتوهم، لا من قال بكونها دالة على الثلاثة عشر. فالحائري هو الذي توهم لا من خالفه وقال بأنها تدل على الثلاثة عشر. ثانياً: إنّ الحائري ادعى أنّ الروايات الدالة تحصر العدد بالاثني عشر، فقال: (توجد في مقابل ما عرفناه من روايات الحصر في اثني عشر -  التي هي فوق حد الإحصاء - ...). وهنا يا أولادي لابد أن تعرفوا ما هي الأدوات التي تفيد الحصر، فقد قالوا إنّ الحصر يستفاد من عدّة أدوات مثل (إنّما، والاستثناء بعد النفي: كإلاّ، وغير، وسوى، وعدا، وكتقديم المفعول كقولنا: إياك نعبد الذي يدل على حصر العبادة بالله تعالى). وقد ذكر الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) أنّ مما يدل على الحصر جعل العام موضوعاً مع تعريفه وجعل الخاص محمولاً، كقولنا: (ابنك هو محمد) فإنه يدل عرفاً على حصر البنوة بمحمد، بدلاً من قول (محمد هو ابنك) ([44]). فمن هنا يا أبنائي لو تتبعنا الروايات التي دلت على كون الأئمة اثنا عشر لا نجد فيها حصراً بهذا العدد، ومن المستغرب أن يقول الحائري بأنّ الروايات تفيد الحصر ! واثق: لقد قرأت الروايات التي ذكرت الأئمة ص فلم أجد فيها ما يدل على الحصر بهذا العدد، أي: اثني عشر. ثم لو كانت الروايات ظاهرة في الحصر لتعلل بها السيد المرتضى حينما تعرّض لمسألة وجود إمام بعد الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ع، حيث قال: (إن قلنا بوجود إمام بعده خرجنا من القول بالاثني عشرية، وإن لم نقل بوجود إمام بعده أبطلنا الأصل الذي هو عماد المذهب، وهو قبح خلو الزمان من الإمام … يجوز أن يبقى العالم بعده زماناً كثيراً، ولا يجوز خلو الزمان بعده من الأئمة ويجوز أن يكون بعده عدة أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، وليس يضرنا ذلك فيما سلكناه من طرق الإمامة لأن الذي كلفنا إياه وتعبدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الإثني عشر، ونبينه بياناً شافياً … ولا يخرجنا هذا القول عن التسمي بالإثني عشرية؛ لأن هذا الاسم عندنا يطلق على من يثبت إمامة اثني عشر إماماً، وقد أثبتنا نحن ولا موافق لنا في هذا المذهب، فانفردنا نحن بهذا الاسم دون غيرنا) ([45]). فالسيد المرتضى لو كان يرى أنّ روايات الإثني عشر تفيد الحصر لتعلل لنفي وجود إمام بعد الإمام الثاني عشر بالحصر المزعوم. لكن يا أبي كيف يمكن التوفيق بين الروايات التي تدل على أنّ الأئمة اثنا عشر، وبين التي تقول ثلاثة عشر ؟ الأب: يا أولادي، إنّ الروايات متوافقة ولا تصادم وتعارض بينها؛ لأنّ التعارض كما عرفه السيد محمد باقر الصدر هو: (التنافي بين مدلولي الدليلين)([46]). وقال أيضاً: (ويتحقق التعارض بين الدليلين حينئذٍ؛ لأنّ كلاًّ منهما ينفي مدلول الدليل الآخر) ([47]). ولو تأملتم في روايات الأثني عشر وروايات الثلاثة عشر لوجدتم أنها غير متنافية ولا ينفي أحدها مدلول الأخرى، بل أحدها يذكر عدداً والأخر يذكر عدداً آخر أكثر من الأول، والأول غير ظاهر في الحصر حتى يحصل التنافي. ثم إنّ العدد إنما صار ثلاثة عشر بدخول المهدي الأول ع مع الأئمة ص، وقد قلت سابقاً أنّ المهدي الأول ع تارة يُعدّ مع الأئمة ص، وأخرى مع المهديين الاثني عشر ص، ففي هذه الروايات عُدّ المهدي الأول مع الأئمة ص فأصبح العدد ثلاثة عشر. محمود: أبي، ألا يستظهر من هذه الرواية الحصر بكون الأئمة ص اثنا عشر، والرواية هي في ينابيع المودّة عن كتاب فرائد السمطين لإبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رفعه: (إنّ أوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول  الله من أخوك ؟ قال: علي. قيل: من ولدك ؟ قال: المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلف ولدي، وتشرق الأرض بنور ربّها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب) ([48]). ففيها تحديد للأول والآخر، فالأول هو علي ع أخو رسول الله ص، والآخر هو المهدي ع ، فقد يقال بأنّ الرواية حددت الآخر وهو المهدي ع، ومن هنا حصرت العدد بالاثني عشر. الأب: أقول: التفتوا يا أبنائي إلى ما أريد قوله: أقول: نحن نسلم أنّ الإمام محمد بن الحسن المهدي ع هو آخر الأئمة وخاتمهم ص، لكننا نقول بأنّ الروايات التي عدّت المهدي الأول ع مع الأئمة فصار المجموع ثلاثة عشر إنما جاءت لبيان منزلة المهدي الأول ع وكونه ذا منزلة عالية، فلذا عدّته الروايات مع الأئمةص، فلا ينافي هذا أنّ الأئمة ص إثنا عشر، بل صرحت رواية الوصية بكون الأئمة اثنا عشر والمهديين اثنا عشر، لكن محل كلامنا هل أنّ الروايات التي بينت عدد الأئمة بالاثني عشر تحصرهم بهذا العدد فيكون بينها وبين الروايات التي دلت على الثلاثة عشر تعارض، الجواب كلا لا تعارض بين ما دل على كون الأئمة اثنا عشر وبين ما دل على كونهم ثلاثة عشر، والسر في ذلك أنه لا تعارض في المثبتات، أي: إنّ التعارض بين النفي والإثبات لا بين المثبتات، وروايات الأئمة الاثني عشر تثبت كونهم كذلك، كما أنّ روايات الثلاثة عشر تثبت كونهم كذلك، ولا حصر في روايات الاثني عشر حتى يقال إنها تنافي الثلاثة عشر. ثالثاً: قوله تعليقاً على الرواية: (ولا يخفى أنّ ظاهر العبارة ليس هو إرادة أنّ الأئمّة اثنا عشر كما أراد البعض تفسيرها بذلك، وإنّما ظاهرها أنّهم اثنا عشر، وأنّهم من ولد رسول الله وعليّ، فكأنّ عليّاً كرسول الله خارج من دائرة الأئمّة، وهو ورسول الله والدان للأئمّة). أقول: إنّ الظاهر من الرواية خلاف ما استظهره، ولو كانت الرواية ظاهرة فيما يقول فلماذا عدّ هذه الرواية من الأمور التي توهم كون الأئمة ثلاثة عشر، إذ الظاهر هو الذي يأتي لذهن السامع عند سماعه الكلام، ومع هذا الظهور لا يحصل التوهم، بل يعمل الإنسان بالظاهر. ثم ما الدليل على قوله: (فكأنّ عليّاً كرسول الله خارج من دائرة الأئمّة، وهو ورسول الله والدان للأئمّة) ؟! كيف يكون علي خارجاً عن دائرة الأئمة ص؟! كل ذلك لأنهم أرادوا الحصر بالاثني عشر؛ إذ هو العدد المرتكز في أذهانهم لا أكثر، ومن هنا التجأوا لتوجيهات واهية ضعيفة لا يصار إليها. رابعاً: ما ذكره بعد ذلك بقوله: (وقال السيّد نذير الحسني: .... إذن هذا يؤيّد نسخة الكافي الواصلة للشيخ المفيد). وقد تقدّمت الإجابة عنه في مناقشتنا للتصحيف. خامساً: نقل السيد الحائري عن الشيخ المجلسي في كتابه مرآة العقول، فقال: (وقد حمله المجلسي في مرآة العقول على التغليب، أي: بما أنّ أكثرهم ما عدا واحداً من ولد رسول الله وعليّ عبّر عنهم بتعبير: (كلّهم محدّث من ولد رسول  الله وعلي). واثق: ما معنى التغليب يا أبي ؟ الأب: سأبين لكم التغليب من خلال سوقي لهذا المثال، لاحظوا يا أبنائي إذا جاء رجال عددهم عشرة، وجاءت معهم امرأتان، فالعدد الأكثر هو عدد الرجال، في هذه الحالة لو سألك سائل من الذي جاء ؟ فتقول: جاء القوم. ولم تذكر الإمرأتين بالتحديد فأدخلت الإناث في خطاب الذكور، فلأن الأغلب هم الرجال عُدّت النساء مع الرجال لكن الرجال أكثر فيسمى هذا الإطلاق - أي إطلاق لفظ القوم بما يشمل النساء - يكون من باب التغليب، أي لكون الرجال أغلب. وهذا يكون من المجاز؛ لأنّ إطلاق اللفظ لما وضع له اللفظ إطلاق حقيقي، بينما إطلاق اللفظ لغير ما وضع له اللفظ إطلاق مجازي، ومثال ذلك: لو قلت: (رأيت أسداً)، فيفهم السامع من الأسد هو الحيوان المفترس الذي وضع اللفظ له، بينما لو قلت: (رأيت أسداً في المعركة)، هنا يفهم السامع أنّ المراد من الأسد هو الرجل المقاتل الشجاع؛ لأنّ الأسد معروف بشجاعته. والذي جعل السامع يفهم من لفظ الأسد الرجل الشجاع هو القرينة وهي (في المعركة) فببركة هذه القرينة انصرف لفظ الأسد من معناه الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع. فاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع يكون استعمالاً مجازياً؛ لأنّ لفظ الأسد لم يوضع للرجل الشجاع بل وضع للحيوان المفترس، فاستعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس استعمال حقيقي، بينما استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع استعمال مجازي. فإطلاق لفظ الرجال - في المثال المتقدم - على ما يشمل الرجال والنساء إطلاقاً مجازياً لا حقيقياً وهذا ما يسمى بالتغليب. بعد وضوح التغليب يتضح لكم ما نقله السيد الحائري عن كتاب مرآة العقول للمجلسي حيث قال: (وقد حمله المجلسي في مرآة العقول على التغليب، أي بما أنّ أكثرهم ما عدا واحداً من ولد رسول الله وعليّ عبّر عنهم بتعبير: (كلّهم محدّث من ولد رسول الله وعلي). فيريد القول بأنّ الأئمة ص بما أنّ أحد عشر منهم من أولاد رسول الله ص إلاّ علي بن أبي طالب ع فعُد علي بن أبي طالب ع من أولاد رسول الله ص من باب التغليب. دفع دعوى التغليب: ويرد على توجيه الشيخ المجلسي: أولاً: إنّه صرف توجيه لا يصح في بعض الموارد التي بينت كون الأئمة ثلاثة عشر كما سيأتينا اعترف المجلسي بذلك. ثانياً: لو صح - جدلاً - في بعض الموارد فهو صرف توجيه خالٍ عن الدليل، إذ لا يوجد دليل على الحمل على التغليب سوى دعوى التعارض بين روايات الثلاثة عشر وروايات الإثني عشر الموجب للتأويل والحمل على التغليب وقد تقدّم نفي التعارض؛ لعدم ظهور روايات الإثني عشر في الحصر. والحمل لابد أن يكون عليه دليل كما ثبت في محله، وهو مفقود في المقام. وإلى هنا ننتهي من الرواية الأولى. وإلى هنا نكتفي يا أبنائي بهذا ونكمل ليلة غدٍ بتوفيق الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثالثة: دفع ما قيل في روايات الثلاثة عشر وهكذا كان الأولاد يتذوقون الحوار المتسلسل الهادف، فجاءوا، وبينما هم يتكلمون دخل أبوهم، فسلم عليهم فردوا عليه السلام والتحيات، فقال أراكم تعبتم من الحوار ؟ الأولاد: كلا يا أبي، نحن سعداء بهذا الحوار ونستفيد منه كثيراً، بل غيّر الكثير من عقائدنا. الأب: إذن إنتهينا إلى: الرواية الثانية: روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم ع، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي)([49]). كلام السيد مرتضى العسكري: قال السيد مرتضى العسكري في معالم المدرستين بعد نقله للرواية المتقدمة: (ونقل الحديث عن الكافي بهذا اللفظ المفيد في الإرشاد ([50])، وتبعه الطبرسي في إعلام الورى ([51]). ومغزى الحديث بهذا اللفظ في الكتب الثلاثة أن يكون عدد الأئمة أوصياء النبي ثلاثة عشر: الإمام علي مع اثني عشر من بنيه من ولد فاطمة. بينما نرى الصدوق الذي يروي نفس الحديث بإسناده ولا ينقله عن الكافي، يخرجه في عيون أخبار الرضا بسندين ([52])، وفي إكمال الدين بسند واحد ([53])، عن محمد بن الحسين، ثم يجتمع سنده مع سند الكافي إلى جابر، ثم يروي عنه أنّه قال: (دخلت على فاطمة ص وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثنا عشر، آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وأربعة علي). نتيجة البحث والمقارنة: ظهر أنّ في نسخة الكافي ورد (من ولدها) وهي زائدة، وورد (ثلاثة منهم) محرّفة، وأنّ الشيخ المفيد نقل عنه في الإرشاد كذلك، وانّ الصواب ما ورد في لفظ الرواية عند الشيخ الصدوق في العيون والخصال ([54]) أربعة منهم علي (وبدون زيادة) من ولدها ([55]). وقفة مع مرتضى العسكري: أولاً: إنّ نتيجة المقارنة تختلف عن نتيجة المقارنة السابقة، حيث إنّ نتيجة المقارنة في الراوية الأولى المتقدمة كانت لصالح الشيخ المفيد، بينما المقارنة في هذه الرواية كانت لصالح الشيخ الصدوق حيث قال في مقارنته في الرواية الأولى: (يظهر من استعراضنا الحديث عن الكافي ومن أخذ منه أي الشيخ الصدوق والمفيد والطبرسي، أنّ النساخ قد أخطأوا في كتابة الحديث في الكافي بعد عصر الشيخ المفيد، ولم نقل بعد عصر الطبرسي؛ لأنّ الطبرسي يأخذ أخباره في إعلام الورى من كتاب الإرشاد للمفيد وينسج فيه على منواله) ([56]). بينما يقول هنا: (ظهر أنّ في نسخة الكافي ورد (من ولدها) وهي زائدة، وورد (ثلاثة منهم) محرّفة، وأنّ الشيخ المفيد نقل عنه في الإرشاد كذلك، وأنّ الصواب ما ورد في لفظ الرواية عند الشيخ الصدوق في العيون والخصال أربعة منهم علي (وبدون زيادة) من ولدها). ولكل أحد أن يسأل السيد مرتضى العسكري قائلاً: هل المقارنة التي ذكرها تثبت زيادة لفظ (من ولدها) في الرواية،كما وتثبت تحريف لفظ (ثلاثة منهم) بحيث يقطع السيد العسكري بذلك ؟ فهل كل نسخة يأتي فيها أنّ الأئمة ثلاثة عشر خاطئة يلتمس العسكري وغيره مخرجاً لجعلها تدل على الاثني عشر ؟ فإن جاء في نسخة المفيد ما يؤيد كون الأئمة إثني عشر تكون نسخته صحيحة، وإن جاء في نسخة المفيد ما يستظهر منه كون الأئمة ثلاثة عشر يكون الحق مع الصدوق الذي جاء في نسخته كون عدد الأئمة إثني عشر. فهل هذا هو البحث العلمي الذي لابد فيه من استنطاق الروايات لا الحكم عليها مسبقاً ؟ فنلاحظ يا أبنائي كل رواية يستفاد منها كون الأئمة ثلاثة عشر يقول السيد مرتضى العسكري فيها إمّا محرّفة أو مصحّفة، فالحكم عليها مسبق، لكن يبقى السيد العسكري حائراً في بيان كيفية حكمه المسبق، فيكون تارة مع نسخة الشيخ المفيد وثانية مع نسخة الصدوق ويخطّأ نسخة المفيد. ثانياً: إنّ السبب الذي جعل السيد مرتضى العسكري ومن تبعه يقول بالتصحيف والتحريف هو اعتقادهم بكون الروايات تحصر عدد الأئمة بالإثني عشر، لذا فالحكم في كل رواية يستظهر منها خلاف هذا العدد يجب أن تكون من خطأ النسّاخ فتكون إمّا محرّفة أو مصحفة. وقد تقدّم أنّ روايات الإثني عشر لا يستفاد منها الحصر. ثالثاً: لا نريد أن ننفي التصحيف في الروايات، لكن الروايات التي دلت على كون الأئمة ثلاثة عشر مختلفة في صياغة متونها مع اتحادها في بيان مضمونها الدال على كون الأئمة ثلاثة عشر، فالتنوّع في المتون مع كون جميعها دال على كون الأئمة ثلاثة عشر يضعّف احتمال التصحيف أو التحريف. كلام السيد الحائري: قال بعد نقله للرواية الثانية المتقدمة المعروفة بحديث اللوح: (فقوله: (من ولدها) يوهم أنّه من ولدها اثنا عشر، فإذا أُضيفوا إلى عليّ بن أبي طالب كانوا ثلاثة عشر. ولو تمّت النسخة لحُملت على التغليب كما مضى، ولكن الشأن في تماميّة النسخة؛ لأنّ الصدوق روى الرواية نفسها بالسند نفسه من دون هذا التشويش حيث قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار (رضي الله عنه)، قال: حدّثني أبي عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد وأربعة منهم علي). وروى أيضاً: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وذكر النصّ نفسه. وذكر السند الثاني وبالنصّ نفسه أيضاً في عيون أخبار الرضا) ([57]). وقفة مع الحائري: أولاً: لقد شكك الحائري في تمامية النسخة، وسبب شكه هو أنّ الصدوق ذكر نفس الرواية؛ (لأنّ الصدوق روى الرواية نفسها بالسند نفسه من دون هذا التشويش، حيث قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار (رضي الله عنه)، قال: حدّثني أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد وأربعة منهم علي). واثق: ماذا يقصد بالتشويش ؟ الأب: يقصد بالتشويش هو: أنّ الرواية التي ذكرها الصدوق لم تذكر لفظ (من ولدها). فبعد حذف كلمة (من ولدها) تكون الرواية في صدد بيان الأوصياء مطلقاً لا الأوصياء الذين من ولد فاطمة ص فقط، وعليه فإذا كان علي بن أبي طالب ع أسمه موجود في اللوح - وهو موجود قطعاً - فلابد أن يكون أربعة منهم علي لا ثلاثة. وهذا مطابق لرواية الصدوق التي ذكرت سبعة أسماء ثلاثة محمد وأربعة منهم علي، لا لرواية الكليني التي ذكرت ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي، فمن هنا يرتفع التشويش المدعى. أحمد: ألا يمكن القول بأنّ السند وإن كان واحداً لكنهما روايتين ؟ الأب: نعم يحتمل ذلك. أحمد: إذن يبطل استدلال الحائري. ثانياً: إنّ الحائري يقول: (ولو تمّت النسخة لحُملت على التغليب كما مضى)، وقد تقدّم بطلان دعوى التغليب فيما تقدّم، إذ هي صرف تأويل خلاف الظاهر ناتج من اعتقادهم بأنّ الروايات التي تدل على الإثني عشر تفيد الحصر بهذا العدد. وقد تقدّم بأنّ روايات الإثني عشر لا تفيد الحصر في ذلك. الرواية الثالثة: روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أبي الجاورد، عن أبي جعفر ع، قال: قال رسول الله ص: (إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا) ([58]). كلام السيد مرتضى العسكري: لقد ذكر الرواية المتقدمة السيد مرتضى العسكري في معالم المدرستين، وأورد بعدها رواية أخرى ثم صار يقارن بين الروايتين، وإليكم الرواية الثانية التي نقلها بعد نقله للرواية المتقدمة التي نقلت بهذا السند: (محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع). قال: وفي أصل العصفري: عباد، عن عمرو، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، قال: قال رسول الله ص: (إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض - يعني أوتادها [و] جبالها - [بنا أوتد الله] الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا. نتيجة المقارنة: و (اثني عشر من ولدي) و (الاثنا عشر من ولدي) في نسخة الكافي تحريف، والصواب ما ورد في أصل العصفري: و (أحد عشر من ولدي) و (والأحد عشر من ولدي)، والذي يروى الكليني الحديث عنه ([59]). وقفة مع السيد مرتضى العسكري: أقول: إنّ المقارنة إنما تصح لو كان السند في الروايتين واحد - هذا إن قلنا أنّ وحدة السندين توجب صيرورة المتن رواية واحدة، وهو بعيد - لا إذا كان السند مختلف، فقد نقل الشيخ في الغيبة، قال: جماعة عن أبي المفضل الشيباني، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن الأشعري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع) ([60]). وقد صرّح المجلسي في مرآة العقول بالسند الآخر الذي ذكره الشيخ الطوسي في الغيبة فقال: روى الشيخ في كتاب الغيبة بسند آخر عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود مثله، وفيه: (إنّي وأحد عشر من ولدي) وهو أظهر. ومن هنا يمكن أن تكون الرواية الثانية غير الرواية الأولى، ومجرّد ذكر (إنّي وأحد عشر من ولدي) لا يعني كون الرواية الأولى محرّفة أو مصحفة. وعلى الأقل فلا يوجد قطع بالتصحيف أو التحريف، بل مع الأخذ بموافقة الرواية القائلة (إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض) لروايات أخرى مختلفة المتن متحدة معها في الدلالة على الثلاث عشر يقوى القول بعدم التصحيف. كلام الشيخ المجلسي: قال الشيخ المجلسي في البحار بعد نقله للرواية المتقدمة عن غيبة الشيخ الطوسي ([61]): (بيان:.... وروي هذا الخبر في الكافي عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد الغضنفري، عن عمرو بن ثابت إلى قوله: (إني واثنا عشر من ولدي وأنت الخ)، فالاثنا عشر مع فاطمة ص، أو أطلق الولد على أمير المؤمنين ع تغليباً، وعطف (أنت) عليه من قبيل عطف الخاص على العام تأكيداً و تشريفاً كعطف جبرئيل على الملائكة ([62]). وأقول: يظهر من هذا السند أنّ الأشعري في سند الشيخ ([63]) تصحيف الغضنفري فتأمل) ([64]). انتهى كلام المجلسي في البحار. وخلاصة ما ذكره الشيخ المجلسي يتلخص بوجوه ثلاثة: الأول: يقول إنّ الاثني عشر هم فاطمة وبقية الأئمة ص غير علي بن أبي طالب باعتبار أنّ النبي أفرده فقال: (إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا علي)، فلكي يكونوا اثني عشر لابد أن تدخل معهم فاطمة ص. والنتيجة هي أنّ الأئمة اثني عشر لدخول فاطمة ص معهم. الثاني: أطلق الرسول ص الولد على أمير المؤمنين ع تغليباً؛ باعتبار أنّ أغلب الأئمة من ولد رسول الله ص فعدّ الرسول ص علياًع من ولده تغليباً. الثالث: عطف الرسول ص لفظ (أنت) بقوله ص: (إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا علي)، يكون من قبيل عطف الخاص على العام تأكيداً و تشريفاً كعطف جبرئيل على الملائكة. وقفة مع الشيخ المجلسي: إنّ جميع الوجوه الثلاثة التي ذكرها مجرّد تأويل لا دليل عليه سوى توهم كون الرواية تعارض روايات الإثني عشر، وقد تقدّم أنّ دعوى التعارض مردودة؛ لعدم ظهور روايات الاثني عشر - على الرغم من كثرتها واختلاف ألفاظها - في الحصر. كلام الحائري: فقد نقل الرواية المتقدمة، ونقل بعدها كلاماً للشيخ المجلسي في كتابه مرآة العقول فقال: (وهنا ذكر المجلسي في مرآة العقول احتمال أن يكون المقصود بـ (اثني عشر) فاطمة وأحد عشر من ولدها: إذ لم يذكر في هذا الحديث كونهم أئمّة، وإنّما ذكر كونهم رزّ الأرض ...... وقال المجلسي: روى الشيخ في كتاب الغيبة بسند آخر عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود مثله، وفيه: (إنّي وأحد عشر من ولدي) وهو أظهر). فاكتفى بجواب الشيخ المجلسي المتقدّم وأراح نفسه من تحمل عناء الجواب؛ حيث استظهر المجلسي كون العبارة الثانية - أعني (إنّي وأحد عشر من ولدي) -. الرواية الرابعة: روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أبي جعفر ع، قال: (قال رسول الله ص: من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملاها عدلاً كما ملئت جوراً). كلام الحائري: قال: (وهنا جعل المجلسي في مرآة العقول احتمال كون المقصود فاطمة وأحد عشر من ولدها بعيداً; باعتبار أنّ كلمة النقيب تقترب من معنى كلمة الإمام، ولكن يأتي هنا بوضوح الاحتمال الآخر وهو احتمال التغليب. وعلى أيّة حال فلنغضّ النظر عن التوجيهات الماضية ونقول: لو تمّ بعض هذه الأخبار لكان خبراً واحداً نادراً في مقابل ما مضى من أخبار الاثني عشر التي كانت فوق حدّ الإحصاء. والحديث عن إمامة الأئمّة طويل، وقد رمت هنا الاختصار الكثير، وإنّي اُحوّل أنظار القرّاء الكرام إلى مطالعة الكتب الطوال). وقفة مع الحائري: أولاً: لأبيّن ما نقله عن المجلسي، حيث يصرّح بكون المقصود فاطمة وأحد عشر من ولدها احتمالاً بعيداً؛ وذلك لورود كلمة (النقيب) التي تقرب من معنى الإمام، وبما أنّ فاطمة ليس بإمام فليس المقصود فاطمة وأحد عشر من ولدها. ومن هنا التجأ إلى احتمال آخر وهو احتمال التغليب، أي: لكون الأئمة ص أغلبهم من ولد النبي ص فعُد علي من ولد النبي ص من باب التغليب. ومن هنا نجدهم يلتمسون التوجيه لهذه الروايات لكي تكون منسجمة مع روايات الاثني عشر، والحال أنها منسجمة بلا حاجة إلى كل هذه المحاولات كما تقدّم. ثانياً: يبدو أنّ الحائري غير مرتض لهذه التوجيهات، ولذا قال: (وعلى أيّة حال فلنغضّ النظر عن التوجيهات الماضية)، وهذا يدل على عدم قبولها عنده. ثم إنّه يقول: (لو تمّ بعض هذه الأخبار لكان خبراً واحداً نادراً في مقابل ما مضى من أخبار الاثني عشر التي كانت فوق حدّ الإحصاء). فالظاهر أنّه يشكك في تمامية هذه الأخبار، ثم يقول حتى لو تمت فلا يمكن القول بها لأنها أخبار آحاد نادرة، والعقيدة لا تثبت عندهم بأخبار الآحاد، وليت شعري كيف ثبت عند الحائري انقطاع النيابة الخاصة بتوقيع السمري الذي هو خبر واحد مختلف فيه من حيث الدلالة، كما أنه مختلف فيه من حيث السند، فمن قائل بالإرسال، ومن قائل بمجهولية الراوي. أليس ثبوت النيابة الخاصة وعدمها من الأمور المرتبطة ببحث الإمامة الذي هو بحث عقائدي؟! ثم إنّ الروايات التي دلت على الثلاثة عشر ليست نادرة بالقياس إلى روايات الإثني عشر. كما أنّه جعل تعارضاً بين روايات الاثني عشر وروايات الثلاثة عشر، وقد ثبت عدم تمامية دعوى التعارض. واثق: أبي، لنفرض أنها أخبار آحاد لكن بمجموعها لا تكون كذلك، بل يقطع الإنسان بصدور معناها ومفادها الدال على كون الأئمة ص ثلاثة عشر، خصوصاً مع ملاحظة الطريقة الفنية التي بينت بها دلالتها على الثلاثة عشر، فيقطع الإنسان أنها ليست عفوية بل مقصودة. الأب: نعم أحسنت يا واثق وفقك الله لكل خير، ووفق أخويك لما فيه خير الدنيا والآخرة. وإلى هنا ينتهي نقاشهم للروايات، وهو نقاش مقتصر على الروايات الخمسة الأولى التي وردت في الكافي، ولكنهم إمّا لم يلتفتوا إلى وجود روايات أخرى تدل على كون الأئمة ص ثلاثة عشر وردت في غير الكافي كما ذكرتها لكم في الليلة قبل الماضية، وإمّا أنهم التفتوا إليها لكنهم أراحوا أنفسهم من عناء البحث فيها وتوجيهها. ونكتفي بهذا القدر في هذا البحث المختصر، ففي ما تقدّم بيان شاف لمعرفة الحق وبطلان التوجيهات التي وجهوا بها الروايات المتقدمة. وإلى هنا نكتفي بهذا القدر من البحث في روايات الثلاثة عشر ومناقشة ما قيل فيها، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الرابعة: دراسة في توقيع السمري حضر الأولاد لمكتب أبيهم الذي يتحاورون فيه كل ليلة، ثم جاء الأب بعد أن انتهى من العشاء ولوازمه، فسلم على أولاده فحيوه بالسلام والإكرام، فسائلهم قائلاً: ما رأيكم في ما تقدّم عليكم في الليالي السابقة ؟ فقال الأولاد: قد استفدنا الكثير مما تقدّم، مضافاً إلى أنك قد هديتنا لطريق الحق الذي ضيعه كثير من الناس، ونحمد الله الكريم الذي هدانا لولاية الإمام المهدي ع، وعرّفنا وصيه ورسوله أحمد الحسن ع. الأب: الحمد لله رب العالمين، وهل عندكم سؤال يتعلق فيما تقدّم أو غير ما تقدّم ؟ واثق: نعم يا أبي عندي سؤال، فإني قد قرأت في بعض الكتب قولاً مفاده أنّ الإمام المهدي ع لا يرى ولا يشاهد في زمن الغيبة الكبرى ([65])، ويذكرون كلاماً للإمام المهدي ع في ذلك، ومما يذكرونه هو التوقيع الصادر من الإمام المهدي ع للسفير الرابع (رحمه الله)،كما أني قرأت كلاماً في كتاب غيبة الطوسي ينفي فيه إدعاء السفارة بعد السمري، حيث قال: (... لأن عندنا أنّ كل من ادعى الأمر بعد السمري (رحمه الله) فهو كافر منمس ([66]) ضال مضل، وبالله التوفيق) ([67]). وكما أنّ الحائري أستند إلى التوقيع الصادر للسفير الرابع وأفتى بعدم وجود سفارة خاصة في غيبة الإمام المهدي ع، حيث قال في جواب سؤال وجهه إليه جمع من مقلديه حول دعوة السيد أحمد الحسن ع، وكونه وصياً ورسولاً من الإمام المهدي ع، فأجاب: (بسم الله الرحمن الرحيم، ثبت بالقطع واليقين إنّ الإمام ع أناب عنه السفراء الأربعة، الأول عثمان بن سعيد العمري، الثاني محمد بن عثمان العمري، الثالث أبو القاسم الحسين ابن روح، الرابع علي بن محمد السمري (رضوان الله عليهم)، وقبل وفاة السمري بستة أيام خرج كتاب بخط الإمام ع وإمضاءه يقول فيه: (أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت لست، وقد وقعت الغيبة التامة فلا توص إلى أحد من بعدك، ولا ظهور تقع الصيحة ويظهر السفياني ... وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة فمن ادعى المشاهدة قبل الصيحة وظهور السفياني فكذبوه...). ويقول الشيخ محمد السند في كتابه فقه علائم الظهور: (الدليل الرابع: قيام الضرورة لدى الطائفة الإماميّة وتسالمهم على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة، فهو من ضرورة المذهب، حتّى إنّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدّعين للسفارة ولعنهم والتبرّي منهم، والطرد لهم عن الطائفة، وهذا الموقف تبعاً لما صدر من التوقيعات من الناحية المقدّسة حول بعضهم....) ([68]). وهذا معناه نفي السفارة الخاصة مطلقاً، فهل لك يا أبي أن تعرّفنا حقيقة الأمر وتكشفه لنا ؟ الأب: نعم الآن أكون بخدمتكم أولادي الأعزاء. اعلموا يا أبنائي أنّ الإمام المهدي ع قبل انقطاع السفارة، صدر منه توقيع لسفيره الرابع علي بن محمد السمري (رحمه الله)، وسأنقل لكم التوقيع ونقف عنده بالتفصيل. لكن قبل أن ندخل في بحث التوقيع وما قيل ويقال فيه، لابد أن نسأل أنفسنا سؤالاً، ولعلنا نسأل هذا السؤال لأول مرّة، وما ذلك إلاّ لضياعنا وابتعادنا عن الدين بسبب عَدْوِنا خلف الدنيا وزبرجها، والسؤال الذي لابد أن نطرحه هو: لما انقطعت السفارة بموت السمري (رحمه الله) ووقعت الغيبة التامة ؟ وللجواب على ذلك سأنقل لكم بشكل مختصر ما ذكره السيد أحمد الحسن اليماني ع في كتاب العجل، قال: (الإمام ع لطف الهي بالمؤمنين، ووجوده ظاهراً بينهم فيه حث كبير لهم على الالتزام الديني. فإذا امتنع ظهوره لخوف القتل مثلاً فإن وجود سفير له ع أفضل بكثير من غيبته التامة؛ لأن السفير هو القائد البديل للإمام ع الذي ينقل أوامره ع، فوجوده - أي السفير- كذلك لطف الهي؛ لان وجوده شبه وجود المعصوم، حيث بوجود السفير يمكن الاتصال بالإمام، ومعرفة الأحكام الشرعية الصحيحة، وخصوصاً ما يستجد منها مع مرور الزمن، وإذا كان الأمر كذلك فما هو سبب الغيبة التامة ؟! وللإجابة هناك عدة فروض منها: 1- الخوف من اغتياله من قبل الطواغيت: وهذا يمكن أن يكون صحيحاً إذا كان الإمام ظاهراً للجميع، أما إذا كان غائباً غيبة غير التامة، أي بوجود سفير فيكون الإمام ع بعيد عن أعين الطواغيت ومكرهم السيء، خصوصاً أنه ع مؤيد من الله. وفي نفس الوقت يتصل بالمؤمنين، ويوصل إليهم الأحكام الشرعية والتوجيهات التي يحتاجونها، أذن للتخلص من خطر الطواغيت يكفي الغيبة غير التامة مع السفارة ، فلا داعي للغيبة التامة، والله أعلم. 2- عدم وجود شخص مؤهل للسفارة والنيابة الخاصة عن الإمام ع:.... إلى أن يقول ع: ولكن عدم وجود شخص واحد مؤهل للسفارة أمر بعيد، هذا وقد ورد في حديثهم ص ما معناه إن الإمام لا يستوحش من وحدته ع في زمن الغيبة مع وجود ثلاثين مؤمن من الصالحين. 3- إعراض الأمة عن الإمام ع: وعدم الاستفادة منه استفادة حقيقية، وعدم التفاعل معه كقائد للأمة. فتكون الغيبة التامة عقوبة للأمة، وربما يكون من أهدافها إصلاح الأمة بعد تعرضها لنكبات ومآسي، بسبب غياب القائد المعصوم. فتكون الغيبة الكبرى شبيهة بـ (تيه بني إسرائيل في صحراء سيناء) أي أنها عقوبة إصلاحية، الهدف منها خروج جيل من هذه الأمة مؤهل لحمل الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض، جيل لا يرضى إلاّ بالمعصوم قائداً، ولا يرضى إلاّ بالقرآن دستوراً وشعاراً، ومنهاجاً للحياة) ([69]). فيبيّن أنّ حقيقة الأمر الذي سبب الغيبة هو إعراض الأمة، وهو نفسه الذي سبب انقطاع السفارة. يقول ع: (والدال على إنّ سبب الغيبة التامة هو: إعراض الأمة عدّة أمور منها: (أ) التوقيعات الصادرة عنه ع عن طريق سفرائه قليلة جداً، مما يدل على إن الأسئلة الموجهة إليه قليلة أيضاً....، ويدل على إعراض الناس عن العلم والإمام ما قدم الكليني في كتابه الكافي. هذا والكليني عاش في زمن الغيبة الصغرى، ومات في نهاية أيامها على الأصح فقد مات في شعبان سنة 329 هـ ق، أي في نفس الشهر والسنة التي مات بها علي بن محمد السمري، آخر السفراء الأربعة. قال الكليني (رحمه الله): (أمّا بعد فقد فهمت ما شكوت اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها، ومباينتهم العلم وأصوله، حتى كاد العلم معهم إن يأزر كله، وينقطع مواده، لِما قد رضوا إن يستندوا إلى الجهل، ويضيعوا العلم وأهله) ([70]). وقال: (فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتاً مستقراً سبب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنه نبيه ص بعلم يقين وبصيرة فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معاراً مستودعاً (نعوذ بالله منه) سبب له الأسباب للاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة. فذاك في مشيئة الله إن شاء الله تبارك وتعالى أتم أيمانه وإن شاء سلبه إياه ولا يؤمن عليه إن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافرا؛ لأنه كلما رأى كبيراً من الكبراء أو مالاً معه وكلما رأى شيئاً استحسن ظاهره قبله. وقد قال العالم ع: (إنّ الله ( خلق النبيين على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء، وخلق الأوصياء على الوصية فلا يكونون ألاّ أوصياء، وأعار قوماً الأيمان فإن شاء أتمه لهم وإن شاء سلبهم إياه، قال: وفيهم جرى قوله: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾)([71]). فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء صبرأيه إلا على ما أطلقه العالم بقوله: (اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله ( فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه)، وقوله ع: (دعوا ما وافق القوم، فإن الرشد في خلافهم)، وقوله ع: (خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه لا ريب فيه)، ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ قلة ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم ع أي الإمام صاحب الأمر عوقبول ما أوسع من الأمر فيه بقوله: (بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم) ([72]). (ب) ورد عنهم ص أنه مظلوم وأنه أخملهم ذكرى، قال الباقر ع: (الأمر في أصغرنا سناً وأخملنا ذكراً)([73])، فخمول ذكره بين الشيعة دال على أعراضهم عنه ع. (ج) خرج منه ع توقيع إلى سفيره العمري جاء فيه: (... وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله ( قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾([74]))([75]). وربما يفهم من هذا الحديث أنكم سبب من أسباب الغيبة، والحر تكفيه الإشارة. وبعد جوابه على مسائل الحميري التي سألها قال ع: (بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمره تعقلون ولا من أوليائه تقبلون ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾([76]) السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ([77]). ولا يخفى ما في كلامه ع من ألم، سببه إعراض هذه الأمة عن الحق وعنه ع، ونحن أيها الأحبة لو كنا موقنين أنه حجة الله علينا لعملنا ليلا ونهاراً لتعجيل فرجه، ولقدمناه على النفس والمال والولد. (د) ركون الأمة للطاغوت وإعانته بأي شكل كان: ولو بالأعمال المدنية التي يعتقد الناس إباحتها، وهذا بيّنٌ لمن تصفح التاريخ، وخصوصاً في زمن الغيبة الكبرى. فقد أعان الطاغوت كثير من العلماء والجهلاء على السواء، مع إن الإمام الكاظم ع اعترض على صفوان (رضي الله عنه)؛ لأنه أَجّر جماله للطاغوت العباسي هارون ليذهب بها إلى الحج. قال تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾([78]) ....، وأكتفي بهذا القدر على أن سبب الغيبة هو: تقصير الأمة وإلا فالأدلة أكثر مما ذكرت. فإذا عرفنا أن أهم أسباب الغيبة التامة هو: إعراض الأمة عن الإمام ع أصبح واجبنا جميعاً العمل لظهوره، ورفع أسباب غيبته التامة، بإعلاء ذكره وإظهار حقه وتهيئة الأمة للاستعداد لنصرته عند ظهوره وقيامه، ونشر الدين، وطمس معالم الضلال والشرك، والقضاء على الطواغيت وأعوانهم الذين يمثلون أهم أعداء الأمام المهدي ع)([79]). بعد أن عرفتم ما تقدّم وأنّ سبب الغيبة التامة وانقطاع السفارة هو إعراض الأمة وتخاذلها عن آل محمد ص، فيجب أن نأخذ مما تقدّم درساً ولا يصيبنا نفس المرض الذي أصاب من سبقنا، فالأمر أمامنا واضح، وليس لنا حجة بعد كل ما تقدم علينا من عبر ودروس ذكرها لنا القرآن الكريم في العديد من آياته، وبينها الرسول وأهل بيته الكرام عليهم أفضل التحية والسلام. أمّا توقيع السمري، فالكلام فيه في نقاط متعددة، وقبل بيان المناقشات التي سنوردها على التوقيع، أنقل لكم نص التوقيع الصادر للسفير الرابع. روى الصدوق، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري - قدس الله روحه - فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم). قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك ؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى (رضي الله عنه)، فهذا آخر كلام سمع منه ([80]). وقد سُل يماني آل محمد عن رواية التوقيع فقال: (توجد كثير من المناقشات لهذه الرواية وهي كافية، ولذا فهم تركوها وأعرضوا منذ زمن بعيد؛ لأنهم يعلمون أنّ الاحتجاج بها لا قيمة له. فهي مطعون في سندها، وعندهم لو كانت صحيحة السند لا تفيد الاعتقاد دون أن يعضدها ما يوصل إلى اليقين بصدورها. إضافة إلى أن متنها متشابه، وفهمه عدّة منهم بأكثر من فهم مختلف، إضافة إلى أنها غير مسوّرة وهذا يطعن في كليتها عندهم، أم أنّ قواعدهم لعبة عندهم إذا شاءوا عملوا بها وإذا لم يشاءوا أوقفوا العمل بها ؟! إضافة إلى أنها منقوضة بعدّة روايات وأحداث: منها: رواية اليماني، وما حدث مع الشيخ المفيد من رسائل. فمسألة التعلل بهذه الرواية أمر غير مقبول على كل حال. ثم إنّ السمري قال عند موته - عندما سئل عمّن بعده - : (لله أمر هو بالغه)، وهذا واضح في أنّ السمري لا يوصي ولا ينكر، بل يؤكد أن الأمر سيعود) ([81]). ولتوضيح ما ذكره ع نقف عند نقاط متعددة، وسيتضح لكم من مجموع هذه النقاط عدم صحة الاحتجاج بهذا التوقيع لنفي المشاهدة والرؤيا للإمام صاحب العصر والزمان ع. وهذا ما سيأتينا في الليلة الآتية إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الخامسة: مناقشة توقيع السمري وأجتمع الأولاد ليستمعوا ويواصلوا حوارهم مع أبيهم في الدعوة اليمانية المباركة، فتكلم الأب وقال: ذكرت لكم في الليلة الماضية عبارة ذكرها يماني آل محمد ع، ورغم أنّ العبارة كانت موجزة إلاّ أنّ بسط الكلام فيها يحتاج إلى كلام كثير، وألخص لكم يا أبنائي الكلام في نقطتين: النقطة الأولى: المناقشة المتعلقة بالسند وهي مناقشة من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، لا تبنّياً منّا لقواعد علم الرجال والدراية؛ وذلك لكونها لا دليل عليها، فالأولى أن يقيموا دليلاً شرعياً على حجيتها قبل أن يجعلوها هي الدليل والمرجع الذي يُرجع إليه. وسأبين في هذه النقطة أمرين، من خلالهما نعرف أنهم لا يحق لهم الاحتجاج لنفي رؤية الإمام محمد ابن الحسن ع. الأمر الأول: إنّ أتباع المدرسة الأصولية والقواعد الرجالية يقسمون الأخبار إلى أقسام، منها الخبر المتواتر، وهو الخبر الذي يفيد القطع واليقين، كحديث الغدير الوارد بطرق متعددة، ومنها خبر الواحد، وهو كل خبر يفيد الظن ولا يفيد العلم. والمعروف عندهم أنّ خبر الواحد لا يعمل به في العقائد، لاشتراط العلم فيها، بل يعمل به في الفقه فقط، ومن هنا لا يصح نفي الرؤيا والمشاهدة بهذا التوقيع؛ لأنه خبر ظني لا يستدل به على مسألة مرتبطة بالإمامة وهي من الأمور العقائدية التي لا تثبت عندهم بخبر الواحد الظني. إذن، لا يحق لهم الاستدلال بهذا الخبر لنفي الرؤيا والمشاهدة؛ طبقاً لما بينوه في طريقة عملهم بالأخبار. ولا تفهموا مما تقدم أني أُقر طريقة تقسيمهم للأخبار،بل فقط ألزمهم بما ألزموا به أنفسهم، وسيأتينا أننا نقر بهذا التوقيع لكننا نختلف معهم في التفسير. الأمر الثاني: إنّ هذا التوقيع مبتلى بمحذورين إمّا مجهولية الرواي، وإمّا الإرسال، ومنهم من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني، وعليه فلا يمكن العمل به طبقاً لما قرروه في طريقة عملهم بالأخبار. المحذور الأول: مجهولية الراوي، فتكون الرواية ضعيفة السند، والمجهول هو من لم يترجم له في كتب الرجال، فقد ذكره السيد الخوئي في معجم رجال الحديث عند ذكره التوقيع فقط ولم يترجم له، وذكره بهذا الإسم (أحمد بن الحسن المكتب)([82]). بينما نجد صاحب مكيال المكارم يعقد تنبيهاً يبيّن فيه أنّ الذي نُقل عنه التوقيع ليس (أحمد بن الحسن المكتب)، بل هو(حسن بن أحمد المكتب)([83])، وطبقاً لما ذكره صاحب مكيال المكارم يكون من مشايخ الصدوق كما صرّح بذلك السيد الخوئي في معجم رجال الحديث ([84]). بينما نص صاحب مستدركات علم رجال الحديث على أن الراوي للتوقيع هو (حسن بن أحمد المكتب) كما يقول صاحب مكيال المكارم، إلاّ أنه ينص على مجهوليته ([85])! فالرجل مردّد بن كونه (أحمد بن الحسن المكتب)، فيكون مجهولاً على رأي بعض، أو كونه (حسن بن أحمد المكتب)، فيكون من مشايخ الصدوق على رأي الخوئي، وصاحب كتاب مكيال المكارم، ويكون مجهولاً على رأي النمازي صاحب مستدركات علم رجال الحديث. فالراوي مجهول لم يذكر في كتب الرجال، ومع كونه مجهولاً لا يمكن الاعتماد على خبره طبقاً لمبانيهم في علم الرجال. فلا يحق لهم العمل بهذا التوقيع والاحتجاج به؛ لكون سنده ضعيف، وممن قال بضعف سنده السيد محمد الصدر (رحمه الله)، فقال: (وأمّا كونه خبراً مرسلاً فهو غير صحيح)([86]). إلاّ أنّه مع ذلك يبقى الإشكال قائماً بضعف السند فهذا الخبر (لم يكن كافياً لإثبات الحكم الشرعي) ([87]). والمحذور الثاني: الإرسال ([88])؛ وهو لا يعمل به عندهم إلاّ مرسلات بعض الرواة، كابن أبي عمير فيعملون بمراسيله، حسب ما ذهب اليه البعض، والحسن بن أحمد المكتب أو أحمد بن الحسن المكتب ليس ممن يُعمل بمراسيله. يقول السيد مصطفى الكاظمي في بشارة الإسلام: (إنّ التوقيع خبر واحد مرسل فلا يعارض القضايا الكثيرة والوقائع العظيمة التي تلقاها العلماء بالقبول ودونوها في كتبهم وتصانيفهم مع انه معارض لما رواه الكليني والنعماني والشيخ الطوسي بأسانيدهم المعتبرة عن أبي عبد الله ع، قال: (لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة وما بثلاثين من وحشة)، وظاهره كما صرّح به شرّاح الأحاديث أنه ع يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته وهؤلاء الثلاثون لابد أن يتبادلوا كل قرن؛ لأنه لم يقدر لهم ما قدر لسيدهم من العمر كما لا يخفى) ([89]). وممن صرّح بكون التوقيع مرسل هو العلامة المجلسي، حيث قال بعد إيراده للحديث الشريف: (أنّه خبر واحد مرسل) ([90]). وعليه فلا يمكن العمل بهذا حتى في الفقه فضلاً عن العقائد. النقطة الثانية: وهي تتعلق بمتن الرواية وسأبين عدّة أمور: الأمر الأول: قال ع: (إضافة إلى أن متنها متشابه، وفهمه عدّة منهم بأكثر من فهم مختلف). إنّ التوقيع ليس قطعي الدلالة، بل متشابه لذا اختلفوا في تفسير لفظ المشاهدة، وإليكم تلك الوجوه التي جعلت التوقيع متشابهاً: الوجه الأول: المراد بالمشاهدة مطلق الرؤيا: وهذا التفسير يلزم منه تكذيب الروايات، وتكذيب الكثير من العلماء. أمّا تكذيب الروايات: فالروايات صريحة بإمكان رؤية الإمام المهدي ع في الغيبة الكبرى، وإليكم بعضاً من تلك الروايات: الرواية الأولى: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة) ([91]). قال الفاضل الأمين الأسترآبادي: يعني أن طيبة وهي المدينة المعروفة منزله ع وكان يستأنس بثلاثين من أوليائه ([92]). الرواية الثانية: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسن بن حازم من كتابه، قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الله بن جبلة، عن إبراهيم بن المستنير، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله الصادق ع، قال: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير، لا يطلع على موضعه ([93]) أحد من ولي ولا غيره، إلاّ المولى الذي يلي أمره) ([94]). ورواها الشيخ الطوسي باختلاف يسير عن إبراهيم بن المستنير، عن المفضل، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما أطول [من الأخرى] حتى يقال: مات، وبعض يقول: قتل، فلا يبقى على أمره إلاّ نفر يسير من أصحابه، ولا يطلع أحد على موضعه وأمره، ولا غيره إلاّ المولى الذي يلي أمره). قال الشيخ الطوسي: (فهذا الخبر صريح فيما نذهب إليه في صاحبنا بأنّ له غيبتين. الأولى كان يعرف فيها أخباره ومكاتباته. والثانية أطول انقطع ذلك فيها، وليس يطلع عليه أحد إلاّ من يختصه) ([95]). فالروايات صريحة في إثبات الرؤية له ع، وعليه فلا يمكن رفع التعارض. هذا مضافاً لما ثبت بالقطع واليقين من وقوع الرؤية للإمام صاحب العصر في الغيبة الكبرى من قبل الكثير، فقد نقل المحدث النوري في كتابه النجم الثاقب مئة قصة رأى أصحابها الإمام محمد بن الحسن المهدي ع. الوجه الثاني: المراد بالمشاهدة هي الرؤية مع نقل أمور باطلة عن الإمام المهدي ع. وهذا ما ذكره الشهيد محمد صادق الصدر، قال: (إذن فمدعي المشاهدة كاذب مزور في خصوص ما إذا كان منحرفاً ينقل أموراً باطلة عن الإمام المهدي ع. وأما فيما سوى ذلك فلا يكون التوقيع الشريف دالاً على بطلانه. سواء نقل الفرد عن المهدي أموراً صحيحة بحسب القواعد الإسلامية أو محتملة الصحة على أقل تقدير، أو لم ينقل شيئاً على الإطلاق) ([96]). ثم استخلص هذه النتيجة فقال: (إذن فقد تحصل من كل ذلك أن الأشكال الذي ذكروه غير وارد على التوقيع ولا على أخبار المشاهدة وإنه بالإمكان الأخذ به وبأخبار المشاهدة ولا يجب تكذيبهما إلا ما كان قائماً على الانحراف والخروج عن الحق…) ([97]). الوجه الثالث: المراد بالمشاهدة الرؤية مع ادعاء النيابة الخاصة. فقد ذكر المجلسي في بحار الأنوار بعد ذكره للتوقيع بياناً قال فيه: (لعله - أي التوقيع - مجعول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء الأربعة لئلا ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه ع والله يعلم) ([98]). وما ذكره المجلسي صرف احتمال أراد منه رفع المنافاة التي تصورها بين التوقيع وبين الأخبار الأخرى التي تنص على وقوع المشاهدة، فقال بأنّ المنفي في التوقيع السفارة الخاصة عن الإمام المهدي ع، كي لا يقع في محذور التكذيب لتلك الأخبار والحكايات التي تثبت المشاهدة. الوجه الرابع: وهو الأرجح، عدم وجود المنافاة بين التوقيع وبين الأخبار والحكايات التي تثبت المشاهدة. وهذا المعنى يتضح فيما لو فسّرنا لفظ المشاهدة المنفية في التوقيع بمعنى الظهور العلني، وهذا ما ذكره المحقق النهاوندي في كتابه العبقري الحسان كما نقل ذلك الشيخ الفاضل ناظم العقيلي في كتاب الرد القاصم على مكذبي رؤية القائم ع، وإليكم نص عبارة المحقق النهاوندي: (لا معارضة بين توقيع السمري وقصص اللقاءات من يحتاج إلى الجمع؛ لأنّ التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور، الظهور العلني للإمام، وذكر المشاهدة في التوقيع بمعنى الظهور والحضور كما في الآية: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾([99]). والقرينة على المعنى أمران: الأول: قوله ع: فلا ظهور إلاّ بعد الهرج والمرج، والفتنة والفساد. والثاني قوله ع: إلا من ادعى المشاهدة - أي الظهور، ظهور الإمام ع - قبل خروج السفياني والصيحة من علامات الظهور ، وعلى هذا لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وبين الحكايات…) ([100]). ومن هنا نعرف عدم وجود تنافٍ بين الروايات التي تثبت المشاهدة ورواية التوقيع، وهذا هو الأرجح. الأمر الثاني: قال ع: (إضافة إلى أنها غير مسوّرة وهذا يطعن في كليتها عندهم). ولتوضيح ما قاله ع، أقول: إنّ الجملة عند المناطقة تنقسم إلى قسمين: خبر وإنشاء. الخبر: هو المركب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الكذب، ومثال الخبر: جاء زيد من الحج. فهذه الجملة خبرية يحتمل فيها الصدق والكذب. الإنشاء: هو المركب التام الذي لا يصح أن يوصف بالصدق أو الكذب،ومثال الإنشاء: ليت الشباب يعود. فهذه الجملة لا يصح وصفها بالصدق والكذب؛ لأنها لا تخبر عن شيء حتى يكون ذلك الشيء واقعاً كي تكون القضية صادقة، أو غير واقعاً فتكون القضية غير صادقة، وإنما المتكلم يوجد النسبة بنفس لفظه، وأمثلة الإنشاء كثيرة ([101]). يصطلح على الخبر في المنطق اسم القضية، فالقضية هي الخبر، والخبر هو القضية. القضية إمّا أن يكون موضوعها شخصياً، وهو الموضوع ([102]) الذي لا يصدق على كثيرين، بل يصدق على شخص واحد، مثل: زيد رجل شجاع، فتسمى القضية حينئذٍ قضية شخصية. وإمّا أن يكون موضوعها كلياً يقبل الصدق على كثيرين، وهذه تنقسم إلى قضية مسورة ومهملة. والمراد بالقضية المسورة: هي القضية التي يحدد فيها كمية أفراد الموضوع بلفظ دال على التحديد. وتنقسم القضية المسورة إلى أربعة أقسام: 1- الموجبة الكلية: مثل: كل إنسان حيوان. وتسور بـ (كل، جميع، عامة، كافة، ألف ولام الاستغراق، إلى غيرها من الألفاظ التي تدل على ثبوت المحمول لجميع أفراد الموضوع). 2- السالبة الكلية: مثل: لا شيء من الإنسان بحجر. وتسور بـ (لا شيء، لا واحد، النكرة في سياق النفي ... إلى غيرها من الألفاظ الدالة على سلب المحمول عن جميع أفراد الموضوع). 3- الموجبة الجزئية: مثل: بعض الإنسان حيوان. وتسور بـ (بعض، واحد، كثير، قليل، ربما، قلما ... إلى غيرها مما يدل على ثبوت المحمول لبعض أفراد الموضوع). 4- السالبة الجزئية: مثل: بعض الإنسان ليس بكاتب. وتسور بـ (ليس بعض، بعض ... ليس، ليس كل، ما كل ... أو غيرها مما يدل على سلب المحمول عن بعض أفراد الموضوع) ([103]). وتوجد قضية تسمى القضية المهملة، وهي التي أهمل فيها تحديد أفراد الموضوع، فلم يذكر المتكلم لفظاً يحدد كمية أفراد الموضوع، مثل: الإنسان ضاحك. والقضية المهملة في قوة الجزئية، قال المحقق الحلي: (وهذه - أي المهملة - في قوة الجزئية فالبحث عن الجزئية يغني عن البحث عنها) ([104]). وبعد ما تقدم نرجع إلى رواية التوقيع حيث وردت فيه هذه العبارة عن الإمام المهدي ع: (ألا فمن ادعى المشاهدة .. فهو كذاب مفتري)، وهذه القضية قضية مهملة، حيث لم يُذكر فيها لفظ يدل على تحديد كمية أفراد الموضوع، أو قل غير مسورة، فالمعنى واحد. وعليه فتكون هذه القضية في قوة الجزئية، أي في قوة قولنا: (بعض من ادعى المشاهدة ... فهو كذاب مفتري)، لا كل من ادعى المشاهدة كذاب. ومن هنا إذا ادعى أحد المشاهدة لا يصح أن نكذبه استناداً لرواية التوقيع؛ لأنها لا تثبت أن كل من ادعى فهو كذاب مفتر. وعليه فإذا ادع مدع لابد من النظر في دليله، إما أن يثبت صدقه أو كذبه، لا أن نكذبه بدون فحص ونظر فيما يقول، فلعله يكون صادقاً فنهلك. وبعد ما تقدم يا أبنائي الأعزاء لا يمكن رفض دعوة السيد أحمد الحسن اليمانيع استناداً لتوقيع السمري؛ لأنّه لا يثبت أن كل من ادعى ينبغي تكذيبه، بل غاية ما يثبته هو أن بعض من ادعى ينبغي تكذيبه بعد الفحص والتقصي عن طبيعة دليله الذي أتى به. وبعد هذا أنقل لكم ما جاء في هامش كتاب جامع الأدلة للأخ الأستاذ أبو محمد الأنصاري (حفظه الله)، ففيه إجابة وافية عن العبارة التي ذكرها ابن قولويه والتي نقلها عنه الشيخ الطوسي. قال: (قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في موسوعته - الغيبة الصغرى ص409، في تاريخ وتسلسل السفرات المزورة: (... وآخرهم في دعوى السفارة الكاذبة - على ما يظهر من عبارة الشيخ - أبو دلف الكاتب، حيث كان على ذلك إلى ما بعد وفاة السمري السفير الرابع ...). ومن هذا يتبين إنّ أبا دلف ادعى السفارة في حياة السفير الرابع وبقي إلى ما بعد وفاته، وبذلك يكون من المدعين في زمن الغيبة الصغرى لا الكبرى، وقول ابن قولويه: (لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري (رحمه الله) فهو كافر منمس ضال مضل، وبالله التوفيق)، ليس بالضرورة أن يكون المراد منه الادعاء بعد وفاة السفير الرابع، بل الادعاء بعد تنصيبه للسفارة، فكل من يدعي السفارة بعد تنصيب السفارة فهو كاذب مفتر، كما هو الحال في من ادعى السفارة بعد تنصيب السفير الثاني والثالث أيضاً، فكانت الشيعة تكذب أي مدع للسفارة بعد أن ثبت تنصيب السفير الحق، ويؤيد ذلك ما يظهر من أن أبا دلف ادعى السفارة في حياة السفير الرابع وليس بعد وفاته، بل استمر في ادعاءه إلى بعد وفاة السفير الرابع. وعلى أي حال حتى لو كان كلام ابن قولويه يقصد منه بعد وفاة السفير الرابع فهو معتمد على التوقيع الأخير، وبعد وفاة السفير الرابع في تلك الفترة لا نفي السفارة إلى الأبد وإلى قيام القائم ع، فهذا لا يمكن استفادته من كلام ابن قولويه، وخصوصاً إذا لاحظنا أنه موجه لردع فتنة معينة في تلك الفترة التي مر عليها أكثر من ألف سنة، وهي فتنة أبي دلف وأمثاله ممن ادعوا السفارة في زمن السفراء الأربعة، وحتى قوله: (كل) من أين يمكن الجزم بأنه يقصد التأبيد بها، فقد يريد - وهو الأقرب - الكلية في تلك الفترة وما يقاربها، لا إلى قيام القائم ع. وبغض النظر عن أي شيء فكلام ابن قولويه - مع جلالته - لا يكون نصاً شرعياً، فكم من المتقدمين قد رد عليهم من تأخر عنهم، فالعصمة لأهلها، ولا يمكن التعبد إلاّ بالثقلين العاصمين للأمة. ومما تقدم نعرف إن ادعاء السفارة كان في زمن السفراء الأربعة، وليس لها أثراً بعد وفاة السفير الرابع، عكس ما يحاول ترويجه بعض الغافلين) ([105]). الأمر الثالث: قال ع: (إضافة إلى أنها منقوضة بعدّة روايات وأحداث: منها: رواية اليماني، وما حدث مع الشيخ المفيد من رسائل). إنّ رواية التوقيع منقوضة بعدّة روايات،كما أنها منقوضة بأحداث يأتي ذكر بعضها، والخص ما بينه ع في نقاط: 1- إنّ رواية التوقيع كليتها منقوضة برواية اليماني الذي يرسله الإمام المهدي ع قبل ظهوره رسولاً داعياً الناس للإمام المهدي ع. وقد تقدمت عليكم رواية اليماني في الليالي الماضية. 2- مراسلات الإمام للشيخ المفيد (رحمه الله)، فقد نقل الشيخ الطوسي في التهذيب كتاباً ورد من الإمام المهدي ع في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة على الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، كان فيه: (للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد، بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين .. إنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله تعالى بطاعته وكفاهم المهم برعايته وحراسته ..) ([106]). 3- ما دل على أنّ هناك من يلتقي بالإمام المهدي ع قبل القيام المبارك ويتعرض لتكذيب الناس: عن أبي عبد الله ع أنه قال: (لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم) ([107]). 4- منقوضة بالروايات التي تقدّمت في الأمر الأول. الأمر الرابع: قال ع: (ثم إنّ السمري قال عند موته - عندما سئل عمّن بعده -: (لله أمر هو بالغه)، وهذا واضح في أنّ السمري لا يوصي ولا ينكر، بل يؤكد أن الأمر سيعود). إنّ الإمام أمر السمري أن لا يوصي لأحد من بعده، وليس معنى ذلك أنّ الإمام لا يوصي([108]). إلى هنا ينتهي حديثنا لهذه الليلة، على أمل أن نلتقي غداً بإذن الله وقوته تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة السادسة: الرؤيا وما يتعلق بها وكما في كل ليلة حضر الأبناء لاستماع ما سينقله لهم أبوهم في هذه الليلة، فجاء الأب وتبادل مع أبنائه السلام والتحية، فقال لهم الأب: في هذه الليلة سأتكلم لكم عن دليل، بل من أهم الأدلة على أحقية الدعوة اليمانية المباركة، ألا وهو دليل الرؤيا، وأريد أن أبسط الكلام قليلاً لكي نرى حال من تعلل بعدم حجية الرؤيا. والرؤيا من آيات الله الأنفسية، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾([109]). وهي دليل غيبي قطعي على أحقية الدعوة اليمانية وبيان منزلة صاحبهاع ، بل لها ربط وثيق بصاحب الأمر كما سيأتينا إن شاء الله تعالى. وأبسط لكم الكلام قليلاً فيما قيل في الرؤيا، وكيفية نشؤها لكي نعرف من المتبِّع للمنهج السوي الذي خطّه النبي وآله الكرام عليهم أفضل التحية والسلام. وسأبين البحث فيها في عدّة نقاط: النقطة الأولى: كيفية حصول الرؤيا لقد تباينت واختلفت الأقوال في حقيقة نشوء الرؤيا، وكيفية تفسير نشوئها، وسأبين تفسيرات ثلاثة لكيفية حصول الإنسان على الرؤيا: التفسير الأول: التفسير المادي ويعلل الماديون سبب حصول الرؤيا بعدّة أمور: أولاً: تكون الرؤيا نتيجة أعمال يباشرها الإنسان يومياً، فما يحدث في يوم الإنسان من حوادث يراه في النوم. ثانياً: تكون الرؤيا نتيجة ما يتمنّاه الإنسان في عالم اليقظة، كالصائم العطشان الذي يتمنّى شرب الماء فيراه في عالم النوم، وكذا لو كان يتمنّى رؤية شخص عزيز عليه فيراه في الرؤيا. ثالثاً: تكون نتيجة الخوف من شيء ما، فمن يخاف من لص مثلاً فيراه في النوم. رابعاً: تكون بسبب حاجة البدن، وهذا ما يعتقده بعض علماء التغذية، فيقول هناك ربط بين الرؤيا وحاجة البدن للغذاء، فلو رأى الإنسان في نومه دماً يقطر من أسنانه، فتعبير هذه الرؤيا هو أنّ بدنه يحتاج إلى فيتامين (ث)، وإذا رأى الإنسان في نومه أن شعر رأسه صار أبيضاً، فتعبيره أنه مبتلى بنقص فيتامين (ب)، وهكذا... خامساً: تكون الرؤيا نتيجة لإرضاء الميول المكبوتة في الإنسان والتي تحاول الظهور، وهذا ما ذكره فرويد وأتباع مذهبه المادي. ولتوضيح الفكرة أكثر، أقول: يقول فرويد وأتباعه إنّ النفس البشرية تشتمل على قسمين: الوعي: وهو ماله ارتباط بالأفكار اليومية والمعلومات الإرادية والاختيارية للإنسان. اللاوعي: وهو ما خفي في باطن الإنسان بصورة رغبة لم تتحقق، فيوجد عند الإنسان الكثير من الرغبات والميول التي لم تتحقق فيرغب الإنسان في تحققها، فتأخذ هذه الميول مكانتها في الضمير الإنساني الباطن، وعند النوم يتعطل الوعي، فتظهر تلك الميول وتؤثر على شكل تخيلات إلى الوعي نفسه، فتنعكس على الوعي أحياناً دون تغيير، وأحياناً تتغير وتنعكس بصورة مناسبة. ومن هنا تكون الرؤيا قراءة لضمير اللاوعي عندهم، فلذا يستعينون لمعالجة الأمراض النفسية المرتبطة بضمير اللاوعي باستدراج أحلام المريض نفسه. ويرد على هذا التفسير ما يلي: أولاً: نلاحظ التفسير المادي قد أهمل الرؤى التي تتحدّث عن الأمور المستقبلية، فربطت كل ما يراه النائم بالماضي فقط، وهذا خلاف الوجدان الذي لا يحتاج إلى دليل؛ لأنّه حاصل ومتحقق في الواقع الخارجي والوقوع خير دليل. بل وعلاوة على ذلك لدنيا الأدلة الكثيرة التي تثبت واقعية هذا القسم من الرؤى. ثانياً: إنها مجرّد تحليلات لا دليل عليها؛ إذ أنهم جاهلون بحقيقة الروح والنفس فكيف يعرفون ما يتعلق بها ؟! ثالثاً: ما ذكره فرويد مبني على نظرية فاسدة، وما بني عليها يكون فاسداً أيضاً، مضافاً إلى أنه مجرد تحليل خالٍ عن أي دليل. التفسير الثاني: التفسير المعنوي وهو تفسير الفلاسفة الميتافيزيقيين حيث يقولون: إنّ الرؤيا على أقسام: الأول: الرؤيا التي ترتبط بماضي الحياة. وهذه ليس لها تعبير خاص. الثاني: الرؤيا المضطربة وغير المفهومة، وهذه أضغاث أحلام تنشأ من التوهم والخيال. وهي ناتجة من إفرازات الأفكار المضطربة، كالأطياف التي تمر بالإنسان وهو في حال الهذيان أو الحمّى، ولذا فهم يستفيدون من هذه الأحلام ويتخذونها نوافذ للدخول إلى ضمير اللاوعي في البشر، ويعدونها مفاتيح لعلاج الأمراض النفسية، ويكون تعبير الرؤيا عند هؤلاء لكشف الأسرار النفسية وأساس الأمراض، لا لكشف حوادث المستقبل. الثالث: الرؤيا التي ترتبط بالمستقبل والكشف عن الحقائق، وهي على نحوين: واضحة وصريحة فلا تحتاج إلى تعبير، وتتحقق في المستقبل القريب أو البعيد دون أي تفاوت، بين ما رآه في النوم وبين ما تحقق في اليقظة. غير واضحة، وسبب عدم الوضوح هو أنّ الرؤيا قد تغيّرت نتيجة العوامل الذهنية والروحية الخاصة فتحتاج إلى تعبير ([110]). ويرد على هذا التفسير أنه لم يصل لكيفية حصول الرؤيا الصادقة، فلم يجب عن المصدر الذي تأتي منه الرؤيا الصادقة الصريحة وغير الصريحة. ثم لم يثبت هذا المنهج دليلاً على أنّ عدم الوضوح في الرؤيا غير الصريحة نتيجة للعوامل الذهنية والروحية الخاصة. التفسير الثالث: التفسير الذي جاء عن خلفاء الله وأئمة المسلمين محمد وآل محمد ص. عن علي ع، قال: (سألت رسول الله ص عن الرجل ينام فيرى الرؤيا، فربما كانت حقاً، وربما كانت باطلاً. فقال رسول الله ص: يا علي، ما من عبد ينام إلاّ عرج بروحه إلى رب العالمين، فما رأى عند رب العالمين فهو حق، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده فصارت الروح بين السماء والأرض، فما رأته فهو أضغاث أحلام) ([111]). وعن سليم بن عامر: (أنّ عمر بن الخطاب قال: العجب من رؤيا الرجل إنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال، فيكون رؤياه كأخذ باليد. ويرى الرجل الرؤيا فلا يكون رؤياه شيئاً. فقال علي بن أبي طالب ع: أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين ؟ إنّ الله يقول: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ فالله يتوفى الأنفس كلها، فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها. فعجب عمر من قوله) ([112]). وعن محمد بن القاسم النوفلي، قال: (قلت لأبي عبد الله الصادق ع: المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئاً ؟ فقال: إنّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق، وكل ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام. فقلت له: أو تصعد روح إلى السماء ؟ قال: نعم. قلت: حتى لا يبقى منها شيء في بدنه ؟ فقال: لا، لو خرجت كلها حتى لا يبقى منها شيء إذن لمات. قلت: فكيف تخرج ؟ فقال: أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوؤها وشعاعها في الأرض، فكذلك الروح أصلها في البدن وحركتها ممدودة إلى السماء) ([113]). وعن معاوية بن عمار، عن أبي جعفر، قال: (إنّ العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء، فما رأت الروح في السماء فهو الحق، وما رأت في الهواء فهو الأضغاث، ألا وإنّ الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، فإذا كانت الروح في السماء تعارفت وتباغضت، فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الأرض، وإذا تباغضت في السماء تباغضت في الأرض) ([114]). وهنا نقف على حقيقة الأمر، حيث إنّ روح الإنسان تعرج إلى ربها وإلى ملكوت السماوات وتستلم المعارف من هناك، ومن هنا (فما رأى عند رب العالمين فهو حق، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده فصارت الروح بين السماء والأرض، فما رأته فهو أضغاث أحلام). فهذه الحقيقة التي لا يحيد عنها منصف؛ لكونها صادرة ممن يعلمون طرق السماوات، آل محمد ص. فالرؤيا تعبر عن ربط الإنسان بعالم الغيب، وليرى في ملكوت السماوات ويعلمه الله من خلالها، كما علّم أم موسى ع من خلال الرؤيا الحل الذي من خلاله يمكنها الحفاظ على حياة نبيه الكريم قال تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ( أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾([115]). فالرؤيا نافذة فتحها الله سبحانه وطريق يجذب به أرواح العباد إليه سبحانه - سواء الصالح منهم والطالح - وتُلهم تلك الأرواح ما يكتب في صفحة وجودها، وهي من أعظم آيات الله الأنفسية، ومن يتنكر لها فقد تنكر لآياته سبحانه وكفر بها، وهكذا تصعد الروح وتعرج إليه سبحانه في حالة النوم فتتعلم وتطلع بحسب ما يفاض عليها من عالم الملكوت الذي لا يحظى بشرف التعلم منه إلاّ السعيد. قال العلامة الطباطبائي: (وفي القرآن ما يؤيد ذلك قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ﴾([116])، وقال: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى﴾([117]). وظاهره إنّ النفوس متوفاة ومأخوذة من الأبدان مقطوعة التعلّق بالحواس الظاهرة راجعة إلى ربها نوعاً من الرجوع يضاهى الموت) ([118]). كلام السيد الطباطبائي في الرؤيا: (وللرؤيا حقيقة ما منا واحد إلاّ وقد شاهد من نفسه شيئاً من الرؤى والمنامات دله على بعض الأمور الخفية أو المشكلات العلمية أو الحوادث التي ستستقبله من الخير أو الشر أو قرع سمعه بعض المنامات التي من هذا القبيل. ولا سبيل إلى حمل ذلك على الاتفاق وانتفاء أي رابطة بينها وبين ما ينطبق عليها من التأويل وخاصة في المنامات الصريحة التي لا تحتاج إلى تعبير. نعم مما لا سبيل أيضاً إلى إنكاره أنّ الرؤيا أمر إدراكي وللخيال فيها عمل والمتخيلة من القوى الفعالة دائماً ربما تدوم في عملها من جهة الأنباء الواردة عليها من ناحية الحس كاللمس والسمع... وبالجملة للأسباب والعوامل الخارجية المحيطة بالبدن كالحر والبرد ونحوها والداخلية الطارئة عليه كأنواع الأمراض والعاهات وانحرافات المزاج وامتلاء المعدة والتعب وغيرها تأثير في المتخيلة فلها تأثير في الرؤيا. فترى إن من عملت فيه حرارة أو برودة بالغة يرى في منامه نيرانا مؤججة أو الشتاء والجمد ونزول الثلوج وإن من عملت فيه السخونة فألجمه العرق يرى الحمام وبركان الماء ونزول الأمطار ونحو ذلك وان من انحرف مزاجه أو امتلأت معدته يرى رؤيا مشوشة لا ترجع إلى طائل. وكذلك الأخلاق والسجايا الإنسانية شديدة التأثير في نوع تخيله فالذي يحب إنساناً أو عملاً لا ينفك يتخيله في يقظته ويراه في نومته، والضعيف النفس الخائف الذعران إذا فوجئ بصوت يتخيل أثره أمور هائلة لا إلى غاية، وكذلك البغض والعداوة والعجب والكبر والطمع ونظائرها كل منها يجر الإنسان إلى تخيله صور متسلسلة تناسبه وتلائمه وقل ما يسلم الإنسان من غلبة بعض هذه السجايا على طبعه. ولذلك كان أغلب الرؤى والمنامات من التخيلات النفسانية التي ساقها إليها شيء من الأسباب الخارجية والداخلية الطبيعية أو الخلقية ونحوها فلا تحكى النفس بحسب الحقيقة إلاّ كيفية عمل تلك الأسباب وأثرها فيها فحسب لا حقيقة لها وراء ذلك. وهذا هو الذي ذكره منكروا حقيقة الرؤيا من علماء الطبيعة لا يزيد على تعداد هذه الأسباب المؤثرة في الخيال العمّالة في إدراك الإنسان. ومن المسلم ما أورده غير أنه لا ينتج إلاّ إن كل الرؤيا ليس ذا حقيقة وهو غير المدعى وهو إن كل منام ليس ذا حقيقة فإن هناك منامات صالحة ورؤيا صادقة تكشف عن حقائق ولا سبيل إلى إنكارها ونفي الرابطة بينها وبين الحوادث الخارجية والأمور المستكشفة كما تقدم. فقد ظهر مما بينا أنّ جميع الرؤى لا تخلو عن حقيقة بمعنى إنّ هذه الإدراكات المتنوعة المختلفة التي تعرض النفس الإنسانية في المنام وهي المسماة بالرؤى لها أصول وأسباب تستدعى وجودها للنفس وظهورها للخيال وهي على اختلافها تحكي وتمثل بأصولها وأسبابها التي استدعتها فلكل منام تأويل وتعبير غير أن تأويل بعضها السبب الطبيعي العامل في البدن في حال النوم وتأويل بعضها السبب الخلقي وبعضها أسباب متفرقة اتفاقية كمن يأخذه النوم وهو متفكر في أمر مشغول النفس به فيرى في حلمه ما يناسب ما كان ذاهناً له. وإنما البحث في نوع واحد من هذه المنامات وهي الرؤى التي لا تستند إلى أسباب خارجية طبيعية أو مزاجية أو اتفاقية ولا إلى أسباب داخلية خلقية أو غير ذلك ولها ارتباط بالحوادث الخارجية والحقائق الكونية. المنامات الحقة: المنامات التي لها ارتباط بالحوادث الخارجية وخاصة المستقبلة منها لما كان أحد طرفي الارتباط أمراً معدوماً بعد كمن يرى أنّ حادثة كذا وقعت ثم وقعت بعد حين كما رأى، ولا معنى للارتباط الوجودي بين موجود ومعدوم أو أمراً غائباً عن النفس لم يتصل بها من طريق شيء من الحواس كمن رأى أنّ في مكان كذا دفيناً فيه من الذهب المسكوك كذا ومن الفضة كذا في وعاء صفته كذا وكذا ثم مضى إليه وحفر كما دل عليه فوجده كما رأى، ولا معنى للارتباط الإدراكي بين النفس وبين ما هو غائب عنها لم ينله شيء من الحواس، ولذا قيل إنّ الارتباط إنما استقر بينها وبين النفس النائمة من جهة اتصال النفس بسبب الحادثة الواقعة الذي فوق عالم الطبيعة فترتبط النفس بسبب الحادثة ومن طريق سببها بنفسها. توضيح ذلك أن العوالم ثلاثة عالم الطبيعة وهو العالم الدنيوي الذي نعيش فيه والأشياء الموجودة فيها صور مادية تجرى على نظام الحركة والسكون والتغير والتبدل. وثانيها عالم المثال وهو فوق عالم الطبيعة وجودا وفيه صور الأشياء بلا مادة منها تنزل هذه الحوادث الطبيعية واليها تعود وله مقام العلية ونسبة السببية لحوادث عالم الطبيعة. وثالثها عالم العقل وهو فوق عالم المثال وجوداً وفيه حقائق الأشياء وكلياتها من غير مادة طبيعية ولا صورة وله نسبة السببية لما في عالم المثال. والنفس الإنسانية لتجرّدها لها مسانخة مع العالمين عالم المثال وعالم العقل فإذا نام الإنسان وتعطل الحواس انقطعت النفس طبعاً عن الأمور الطبيعية الخارجية ورجعت إلى عالمها المسانخ لها وشاهدت بعض ما فيها من الحقائق بحسب ما لها من الاستعداد والإمكان. فإن كانت النفس كاملة متمكنة من أدراك المجردات العقلية أدركتها واستحضرت أسباب الكائنات على ما هي عليها من الكلية والنورية وإلاّ حكتها حكاية خيالية بما تأنس بها من الصور والأشكال الجزئية الكونية كما نحكي نحن مفهوم السرعة الكلية بتصور جسم سريع الحركة ونحكي مفهوم العظمة بالجبل ومفهوم الرفعة والعلو بالسماء وما فيها من الأجرام السماوية ونحكي الكائد المكار بالثعلب والحسود بالذئب والشجاع بالأسد إلى غير ذلك. وان لم تكن متمكنة من إدراك المجردات على ما هي عليها والارتقاء إلى عالمها توقفت في عالم المثال مرتقية من عالم الطبيعة فربما شاهدت الحوادث بمشاهدة عللها وأسبابها من غير أن تتصرف فيها بشيء من التغيير، ويتفق ذلك غالباً في النفوس السليمة المتخلفة بالصدق والصفاء وهذه هي المنامات الصريحة. وربما حكت ما شاهدته منها بما عندها من الأمثلة المانوس بها كتمثيل الازدواج بالاكتساء والتلبس والفخار بالتاج والعلم بالنور والجهل بالظلمة وخمود الذكر بالموت، وربما انتقلنا من الضد إلى الضد كانتقال أذهاننا إلى معنى الفقر عند استماع الغنى وانتقالنا من تصور النار إلى تصور الجمد ومن تصور الحياة إلى تصور الموت وهكذا ومن أمثلة هذا النوع من المنامات ما نقل إنّ رجلاً رأى في المنام أنّ بيده خاتماً يختم به أفواه الناس وفروجهم فسأل ابن سيرين عن تأويله فقال إنك ستصير مؤذناً في شهر رمضان فيصوم الناس بأذانك. وقد تبيّن مما قدّمناه إنّ المنامات الحقة تنقسم انقساماً أولياً إلى منامات صريحة لم تتصرف فيها نفس النائم فتنطبق على ما لها من التأويل من غير مؤنة، ومنامات غير صريحة تصرفت فيها النفس من جهة الحكايا لأمثال والانتقال من معنى إلى ما يناسبه أو يضاده، وهذه هي التي تحتاج إلى التعبير بردّها إلى الأصل الذي هو المشهود الأولى للنفس كرّد التاج إلى الفخار ورد الموت إلى الحياة والحياة إلى الفرج بعد الشدة ورد الظلمة إلى الجهل والحيرة أو الشقاء. ثم هذا القسم الثاني ينقسم إلى قسمين أحدهما ما تتصرّف فيه النفس بالحكاية فتنتقل من الشيء إلى ما يناسبه أو يضاده ووقفت في المرّة والمرتين مثلاً بحيث لا يعسر ردّه إلى أصله كما مر من الأمثلة، وثانيهما ما تتصرّف فيه النفس من غير أن تقف على حد كأن تنتقل مثلاً من الشيء إلى ضدّه ومن الضد إلى مثله ومن مثل الضد إلى ضد المثل وهكذا بحيث يتعذر أو يتعسر للمعبر أن يردّه إلى الأصل المشهود، وهذا النوع من المنامات هي المسماة بأضغاث الأحلام ولا تعبير لها لتعسّره أو تعذّره. وقد بان بذلك إنّ هذه المنامات ثلاثة أقسام كلية وهي المنامات الصريحة ولا تعبير لها لعدم الحاجة إليه، وأضغاث الأحلام ولا تعبير فيها لتعذره أو تعسره، والمنامات التي تصرّفت فيها النفس بالحكاية والتمثيل وهي التي تقبل التعبير. هذا إجمال ما أورده علماء النفس من قدمائنا في أمر الرؤيا واستقصاء البحث فيها أزيد من هذا المقدار موكول إلى كتبهم في هذا الشأن...... وقد أشير في كلامه (أي في كلام الله سبحانه) إلى كل واحد من الأقسام الثلاثة المذكورة فمن القسم الأول ما ذكر من رؤيا إبراهيم ع ورؤيا أم موسى، وبعض رؤى النبي ص، ومن القسم الثاني ما في قوله تعالى : ﴿قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾([119])، ومن القسم الثالث رؤيا يوسف، ومناما صاحبيه في السجن، ورؤيا ملك مصر المذكورة في سورة يوسف ([120]). واثق: نستخلص من كلامه عدّة نقاط: الأولى: أنّ للرؤيا حقيقة وهذا أمر وجداني فما من أحد إلاّ وقد شاهد رؤى دلته إلى بعض الأمور الخفية والحوادث المستقبلية التي ستجري عليه من خير أو شر. الثانية: لا يمكن حمل الرؤيا على الصدفة والاتفاق ونفي الرابطة بين الرؤيا وبين ما كشفت عنه في الواقع الخارجي من تأويل. الثالثة: إنّ الرؤيا منها صريحة لا تحتاج إلى تعبير بل هي واضحة في نفسها، ومنها تحتاج إلى تعبير لأنها رموز تحتاج من يعبرّها ويؤولها. الرابعة: إنّ بعض الرؤى قد تتأثر بقوى الخيال، والأخلاق والسجايا التي عند الرائي، كما قد تتأثر بعوامل خارجية محيطة ببدن الإنسان. وهذا السبب أدى بالماديين لإنكار حقيقة الرؤيا، وهذا باطل؛ لأنّه ليس كل الرؤيا ليس ذا حقيقة، بل بعضها صادق ويكشف عن حقائق ولا سبيل إلى إنكارها ونفي الرابطة بينها وبين الحوادث الخارجية والأمور المستكشفة كما تقدم في النقطة الأولى والثانية. الخامسة: إنّ الرؤى المتنوعة التي تعرض على النفس الإنسانية لها أصول وأسباب تستدعى وجودها للنفس، وهي على اختلافها تحكي وتمثل أصولها وأسبابها التي سببتها، فلكل منام تأويل وتعبير غير أن تأويل بعضها السبب الطبيعي العامل في البدن في حال النوم، وتأويل بعضها السبب الخلقي وبعضها أسباب متفرقة اتفاقية. لكن الكلام ليس في هذه الأنواع من الرؤى وإنما في نوع واحد من هذه المنامات وهي الرؤى التي لا تستند إلى أسباب خارجية طبيعية أو مزاجية أو اتفاقية ولا إلى أسباب داخلية خلقية أو غير ذلك ولها ارتباط بالحوادث الخارجية والحقائق الكونية. النقطة الثانية: تاريخ الرؤيا روى الكليني بسنده عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن ع، قال: (إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت. فقلت: وما العلة في ذلك ؟ فقال: إنّ الله عزّ ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته فقالوا: إن فعلنا ذلك فما لنا فو الله ما أنت بأكثرنا مالاً ولا بأعزّنا عشيرة: فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة وإن عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا: وما الجنة والنار ؟ فوصف لهم ذلك فقالوا: متى نصير إلى ذلك ؟ فقال: إذا متم فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً، فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً فأحدث الله ( فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال: إنّ الله ( أراد أن يحتج عليكم بهذا، هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان) ([121]). يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، وهو يتكلم عن الرؤيا والاعتناء بشأنها: كان الناس كثيري العناية بأمر الرؤى والمنامات منذ عهود قديمة لا يضبط لها بدء تاريخي وعند كل قوم قوانين وموازين متفرقة متنوعة يزنون بها المنامات ويعبرونها بها ويكشفون رموزها ويحلون بها مشكلات إشاراتها فيتوقعون بذلك خيراً أو شراً أو نفعاً أو ضرّاً بزعمهم. وقد اعتنى بشأنها في القرآن الكريم كما حكى الله سبحانه فيه رؤيا إبراهيم في ابنه ع قال: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ إلى أن قال وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾([122]). ومنها ما حكاه تعالى من رؤيا يوسف ع: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾([123]). ومنها رؤيا صاحبي يوسف في السجن قال أحدهما: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾([124]). ومنها رؤيا الملك: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ﴾([125]). ومنها رؤيا أم موسى، قال تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ( أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾([126]). على ما ورد في الروايات أنه كان رؤيا ([127]). ومنها ما ذكر من رؤى رسول الله ص، قال تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ﴾([128]). وقال: ﴿َقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾([129]). وقال: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾([130]). وقد وردت من طريق السمع روايات كثيرة عن النبي ص وأئمة أهل البيت ص تصدق ذلك وتؤيده. لكن الباحثين من علماء الطبيعة من أوربا لا يرون لها حقيقة ولا للبحث عن شأنها وارتباطها بالحوادث الخارجية وزنا علمياً إلاّ بعضهم من علماء النفس ممن اعتنى بأمرها واحتج عليهم ببعض المنامات الصحيحة التي تنبئ عن حوادث مستقبلة أو أمور خفية أنباء عجيباً لا سبيل إلى حمله على مجرّد الاتفاق والصدفة، وهي منامات كثيرة جدّاً مروية بطرق صحيحة لا يخالطها شك كاشفة عن حوادث خفية أو مستقبلة أوردها في كتبهم ([131]). إلى هنا ننهي حوارنا في هذه الليلة ونلتقي بكم ليلة غدٍ إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة السابعة: الرؤيا وما يتعلق بها لقد ملك الحديث مشاعر الأولاد فتراهم يبادرون إلى استماع ما يقوله أبوهم في كل ليلة بلهفة وشوق. فقال الأب: هل تتذكرون أين وصلنا في حديثنا في الليلة السابقة ؟ الأولاد: نعم يا أبي كنا نتحدث في النقطة الثانية. الأب: إذن سأبدأ الليلة من النقطة الثالثة النقطة الثالثة: تقسيم ما يراه النائم لقد تكفلت روايات آل محمد ص بيان أقسام الرؤيا، ويمكن معرفة تلك الأقسام بالرجوع إلى رواياتهم ص، وسأعرض إليكم بعض الروايات لنقف على تقسيم ما يراه النائم، ومن منه المقصود في بحثنا. عن الإمام الصادق ع: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) ([132]). فيبين الإمام ع التقسيم الأولي ومصدره، فما يراه النائم قسمين: الأول: الحلم، ومصدره الشيطان ([133]). قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾([134])، ([135]). وهذا القسم مما يراه النائم هو أضغاث أحلام لا قيمة لها؛ إذ كل ما يأتي من الشيطان لا قيمة له، ولا نريد الوقوف عند هذا الصنف مما يراه النائم. كما لا نريد الوقوف عند ما يراه النائم ويكون من حديث النفس، فهو لا قيمة له في بحثنا هذا، ولقد فصّل الأخ الأستاذ أحمد حطاب زاده الله توفيقاً في كتابه فصل الخطاب في حجية رؤيا أولي الألباب، فمن شاء المزيد فعليه بمراجعة الكتاب المذكور. إنّ الذي يهمنا في بحثنا الرؤيا الصادقة التي عُبر عنها أنّها وحي إلهي وجزء من النبوة، وبالتحديد رؤيا المعصومين والصالحين الذين لا يتلبس بهم الشيطان. قال رسول الله ص: (الرؤيا على ثلاثة: منها تخويف من الشيطان ليحزن به ابن آدم، ومنها الأمر يحدث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام، ومنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة) ([136]). أحمد: لقد سمعت الكثير من المهرّجين يقولون بأنّ الدعوة اليمانية مبنية على الأحلام. الأب: مما تقدّم وسيأتي تعرفون ضحالة فكر من يقول أنّ الدعوة اليمانية مبنية على الأحلام، فهو في الحقيقة لا يميز بن الحلم وبين الرؤيا التي شهد المعصومون بأنها وحي وجزء من النبوة، كما في الرواية المتقدمة. وفي الحقيقة أنّ الناس التي كذبت الرؤيا اليوم لو كانوا في زمن موسى ع، ورأوا أنّ أم موسى تلقي وليدها العزيز في اليم لأنها رأت رؤيا بذلك لاتهموها بالجنون، كما أنهم لو كانوا في زمن إبراهيم ع وتصميمه على ذبح ولده العزيز استناداً لرؤيا رآها لاتهموه بالجنون والسفه، وحاشاهما. محمود: لقد قرأت في بعض الكتب: بأنّ علم تعبير الرؤيا من العلوم قليلة الأهمية ([137]). الأب: بسبب جهلهم بحقيقة الرؤيا قالوا ذلك، وإلاّ كيف يكون علم تعبير الرؤيا التي هي جزء من الوحي من العلوم قليلة الأهمية ؟ لاحظوا نبي الله يوسف ع حيث يقول: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ وَعَلّمْتَني مِنْ تأويلِ الأحادِيثِ فاطِرَ السّمواتِ وَالأرْضِ أنْتَ وَليّي فِي الدُنْيا وَالآخِرَةِ توفني مُسْلِماً وَألْحِقْني بِالصالِحينَ﴾([138]). فعدّ من نعم الله الكبرى عليه، أن علمه كشف رموز الرؤيا وتأويلها. وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر الباقر ع، قال: (سألته عن تعبير الرؤيا عن دانيال ع أهو صحيح ؟ قال: نعم، كان يوحى إليه وكان نبياً وكان ممن علمه الله تأويل الأحاديث وكان صديقاً حكيماً) ([139]). فالظاهر من الرواية أنّ علم تأويل الأحاديث والرؤى من الله يعلمه الله من يشاء من عبادة، ولقد علمه الله تعالى لأنبيائه، فهو من علوم خلفاء الله تعالى، سواء كانوا أنبياءً أو أئمة، فما أحد منهم إلاّ ويعلم علم تأويل الرؤى. فهو من صنف العلوم التي ميز الله بها خلفائه ص، ومع ذلك يقال بأنها قليلة الأهمية جهلاً منهم بحقيقة هذا العلم العظيم. وهل يا ترى العلوم الحوزوية اليوم هي الكثيرة الأهمية كعلم الأصول والرجال والدراية والفلسفة وغيرها من العلوم التي لا تمت للدين بصلة ؟! انقلبت المقاييس، لذا فليس غريباً ما يقال اليوم لداعي الله الصابر المحتسب أحمد الحسن ع وأتباعه بأنّهم سفهاء؛ لأنّ الناس بدأت تنكشف حقائقها التي كانت مخفية، وعرف أصحاب الغيب الذين ارتضوا به دليلاً على الحجة ابتعاد من ناواهم عن جادة الحق والصراط المستقيم، وعدم تصديقهم بالغيب وبأقوال أئمة الهدى محمد وآل محمد ص، تاهت في صحراء المادة ورفضوا الرؤيا كما رفضها الماديون جهلاً منهم بحقيقتها وشرفها وكونها جزء من النبوة، وقد سماها القرآن أحسن القصص ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾([140]). الثاني: الرؤيا، ومصدرها الله سبحانه وتعالى. وهي تنقسم إلى قسمين: الأول: المبشرات: قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾([141]). وروى الشيخ الكليني بسنده عن جابر، عن أبي جعفر ع، قال: (قال رجل لرسول الله ص: في قول الله (: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه) ([142]). وروى الطوسي بسنده: (أتى رسول الله ص رجل من أهل البادية له حشم وجمال فقال: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله (: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾، فقال: أمّا قوله تعالى: ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾ فهي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن فيبشر بها في دنياه، وأمّا قول الله (: ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ فإنها بشارة المؤمن عند الموت يبشر بها عند موته إنّ الله قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك) ([143]). عن النبي ص، قال: (ألا إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلاّ الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ([144]). وروى أيضاً بسنده عن معمر بن خلاد، عن الرضا ع، قال: (إنّ رسول الله ص كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشرات. يعني به الرؤيا) ([145]). وروى أيضاً بسنده عن سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد الله ع، قال: (الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن وتحذير من الشيطان وأضغاث أحلام) ([146]). ومن هذا القسم رؤيا نبي الله يوسف ع، ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾([147])، ورؤيا النبي ص بأنه يدخل المسجد الحرام ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامِ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُؤا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتحاً قَرِيبا﴾([148]). وغيرهما من الرؤى التي يراها المؤمنون الصالحون. الثاني: المنذرات: وهي التي يرى فيها الرائي شيئاً يحذره وينذره، كرؤيا ملك مصر في زمن يوسفع التي قصها القرآن بقوله تعالى: ﴿وَقالَ الْمَلِكُ إنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرات سِمان يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعُ سُنْبُلات خُضْر وأخَرَ يابِسات يا أَيُّها الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إنْ كُنْتُم لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾، ورؤيا فرعون زمن نبي الله موسى ع، حيث (رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، فدعا فرعون الكهنة فسألهم عن الرؤيا فقالوا يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويخرجك وقومك من أرضك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل) ([149]). ورؤيا النبي ص: ﴿وَما جَعَلْنا الرُّؤْيا الّتي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزيدُهُمْ إلاّ طُغْياناً كَبِيراً﴾([150]). حيث رأى قروداً تنزوا على منبره وتنزل منه، فحزن الرسول ص من جرّاء هذا الأمر؛ لأنه يحكي عن الحوادث المفاجئة التي ستمر بها الأمة وانحراف قيادة المسلمين بعد الرسولص، وكانت تلك الرؤيا تشير لحكومة بني أمية لعنهم الله، حيث أعادوا الجاهلية التي حاربها الرسول ص. ومن هذا القسم الرؤيا التي يراها الإنسان وفيها زجر عن عمل يعمله كما قال إمامنا الصادق ع: (إذا كان العبد على معصية الله ( وأراد به خيراً أراه في منامه رؤيا تروعه فينـزجر بها عن تلك المعصية ...) ([151]). النقطة الرابعة: هل الرؤيا الصادقة حجة؟ من الواضح عند الجميع إنّ البينة تثبت المدّعى، فلو شهد اثنان من الرجال أمام القاضي على أمر يثبت ذلك الأمر بشهادتهما، هذا في الأمور التي لا يشترط فيها أكثر من شاهدين، حيث توجد أمور لا تثبت بشاهدين بل بأربعة شهود،كما أنّ الثابت في الفقه أن انتساب الولد لأبيه يثبت بشهادة أمه، وهناك بحث مفصل في البينة والشهادات، وهو بحث فقهي لا داعي للخوض فيه. الآن أيهما أعظم شهادة الله تعالى وشهادة آل محمد ص أم شهادات سائر الناس وإن كانوا عدولاً ؟ واثق: لا تصح المقارنة يا أبي فأين شهادة الله وآل الله من شهادة سائر البشر. الأب: وهذا ما احتج به السيد أحمد الحسن اليماني الموعود ع، حيث قال في نصيحته التي قدمها لطلبة الحوزة بتاريخ: 8/ ربيع الثاني/ 1426: (تقولون نحن نقبل شهادة العدلين. فها الله يشهد لي، ومحمد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد يشهدون لي بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون. أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم. ألم يخبروكم إنهم يجتمعون على صاحب الحق إذا جاء وقالوا ص: "فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فأنهدوا إلينا بالسلاح") ([152]). أحمد: وكيف يشهد الله تعالى، كما وكيف يشهدون آل محمد ص ؟ الأب: لاحظوا هذه الآية يا أبنائي، قال تعالى:﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾([153]). فالله سبحانه أوحى للحواريين عن طريق الرؤيا وشهد لهم بصدق رسوله، وهم قبلوا شهادة الله تعالى ولم يكفروا بها فـ ﴿قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾. ولاحظوا هذه الآيات: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾([154]). ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾([155]). ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([156]). ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾([157]). فكيف يشهد الله تعالى للذين كفروا ؟ والجواب: يشهد لهم بصدق نبوة نبيه عن طريق الرؤيا. أحمد: نعم يا أبي ولهذا قرأت في روايات كثيرة بأنّ الرؤيا جزء من النبوة وكما ذكرت لنا قبل قليل. الأب: نعم يا ولدي لقد جاءت روايات كثيرة في ذلك، وإليكم بعضاً منها: وعن رسول الله ص، قال: (رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزءاً من النبوة)([158]). وعن النبي ص، قال: (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ([159]). وعن النبي ص: (إذا اقترب الزمان لم تكن رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة) ([160]). وعن الرضا ع، قال: (حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، أن رسول الله ص قال: … إن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ([161]). وعنه ع، قال: (رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم به الرب عنده) ([162]). فلاحظوا منزلة الرؤيا وكيف أنها كلام تكلم به الرب عند عبده !! وأمّا شهادة آل محمد ص، فقد روي عنهم ذلك: عن أبي بكر الحضرمي، قال: (دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله ع وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان فقلنا: ما ترى ؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح) ([163]). ومن الواضح أنّ الرواية تتكلم عن زمن الظهور، وفي هذا الزمن أهل البيت ص قد توفاهم الله سبحانه، فكيف يجتمعون على رجل ؟ الجواب: يجتمعون عليه من خلال الرؤيا، فلذا نجد الكثير قد رأوا المعصومين وشهدوا لهم بأنّ أحمد الحسن ع حق، بل البعض قد شهد الله له في الرؤيا بأنّ أحمد الحسنع حق قبل أن يسمع باسمه في هذا العالم وقبل أن يعلن دعوته المباركة. فأهل البيتص يجتمعون على صاحب الحق ويشهدون له بالرؤيا، فشخص يرى النبي ص، وأخر يرى أمير المؤمنينع، وثالث يرى الزهراء ص، وهكذا. فاجتمعوا على رجل وشهدوا له بأنّه حق. والباحث في الروايات يجد ربطاً وثيقاً بين صاحب الأمر وبين الرؤيا، وهذا ما صرّح به الإمام الرضا ع، عندما سأله البيزنطي. قال البيزنطي: سألت الرضا ع عن مسالة الرؤيا فأمسك ثم قال ع: (إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شرّاً لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر ع) ([164]). فهذه الرواية فيها دلالة واضحة على وجود ربط وثيق بين الرؤيا وبين صاحب الأمرع، وليس هذا الربط إلاّ كونها أحد أدلته التي تثبت أحقيته. محمود: لقد سمعت يا أبي إنّ أحداً سأل الشيخ علي الكوراني عن الرواية التي ذكرتها، وهي: (فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح)، فأجابه الكوراني بأنّ هذه الرواية معناها اجتماع بني فاطمة وهم السادة الهاشميين على بيعته. الأب: لا يمكن ذلك؛ لأنّ الرواية تقول: إذا رأيتمونا، أي: رأيتم أهل البيت لا السادة الهاشميين، فتفسيرها بالسادة الهاشميين تفسير لا يساعده نفس متن الرواية. كما أنّ مجيء لفظ (رأيتمونا) دال على أنّ الأمر متعلق بالرؤيا، وإلاّ لقال ع إذا اجتمعنا فقط من دون لفظ رأيتمونا، أو لقال غير ذلك فهم سادة الحكمة ومنبعها ورميتهم لا تخطى صاحبها. ثم إنّ نفس الكوراني روى في كتابه معجم أحاديث الإمام المهدي ع عن أبي خالد الكابلي، قال: (لما مضى علي بن الحسين ع دخلت على محمد بن علي الباقر ع فقلت له: جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس. قال: صدقت يا أبا خالد فتريد ماذا ؟ قلت: جعلت فداك، لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطريق لأخذت بيده. قال: فتريد ماذا يا أبا خالد ؟ قلت: أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه. فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً ولو كنت محدّثاً به أحداً لحدثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة) ([165]). والرواية صريحة أمامكم بأنّ بني فاطمة لو عرفوه لحرصوا أن يقطعوه بضعة بضعة، فكيف يجتمعوا عليه ؟ أحمد: وكيف لي أن أعرف بأنّ الذي جاءني في الرؤيا هو المعصوم. الأب: لقد ضمن المعصومون للرائي للهم بأن من رآهم فقد رآهم حقيقة، فعن رسول الله ص قال: (من رآني في منامه فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة) ([166]). فلاحظوا يا أبنائي الشيطان لا يتمثل برسول الله محمد ص ولا بأوصيائه، بل ولا يتمثل في صورة الصالحين من شيعتهم، وهذه الرؤيا صادقة وهي جزء من النبوة بنص الحديث. فمن رأى أحد المعصومين وشهد له بأنّ السيد أحمد الحسن ع حق وأنّه اليماني الموعود، لا ينبغي أن يحيد عن تلك الرؤيا ويخالفها، وإلاّ للزم عدم فائدتهها وعبثيتها، إذن فلماذا يرسلها الله تعالى، وكيف تكون جزءاً من النبوة كما تقدّم في أكثر من رواية ولا يرتب الإنسان عليه أثراً؟ ولكي ترتفع الشبهات وتنجلي الحقيقة لنقف عند كلمات بعضهم في هذه الروايات التي مفادها أن الشيطان لا يتمثل بالنبي ص ولا بأوصيائه. لقد نقل المجلسي الرواية المتقدمة عن الإمام الرضا ع ثم شرع في بيان، فقال تبيان: يدل الخبر على عدم تمثل الشيطان في المنام بصورة النبي ص والأئمة، بل بصورة شيعتهم أيضاً، ولعله محمول على خلّص شيعتهم كسلمان وأبي ذر والمقداد وأضرابهم. وقد روى المخالفون أيضاّ مثله بأسانيد عن ابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وجابر وأبي سعيد وأبي قتادة، عن النبي ص برواية أبي داود والبخاري ومسلم والترمذي بألفاظ مختلفة، منها: (من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي). ومنها: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي). ومنها: (من رآني في النوم فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي). وفي رواية: (أن يتشبه بي). ومنها: (من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتراءى بي). وقال في النهاية: (الحق ضد الباطل). ومنه الحديث: (من رآني فقد رأى الحق). أي رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام. وقيل: (فقد رآني حقيقة غير مشتبه). (انتهى) ([167]). واثق: هل كل من يرى النبي وآله معناه أنّ الصورة التي رآها في المنام هي صورتهم الحقيقية في هذا العالم الذي كانوا فيه ؟ الجواب: إنّ الشيخ المجلسي بعد ذكره لما تقدم يقول: (واعلم أنّ العلماء اختلفوا في أنّ المراد رؤيتهم ص في صورهم الأصلية، أو بأي صورة كانت. ولا يخفى أنّ ظاهر حديث الرضا ع التعميم؛ لأنّ الرائي لم يكن رأى النبي ص ولم يسأله ع في أي صورة رأيته ؟ وحمله على أنه ع علم أنه رآه بصورته الأصلية بعيد عن السياق، فإنّ من رأى أحداً من الأئمة صفي المنام لم يحصل له علم في المنام بأنه رآه، ويقال في العرف واللغة أنه رآهم، وإن رأى الشخص الواحد بصور مختلفة، فيقال: رآه بصورة فلان، ولا يعدّون هذا الكلام من المتناقض) ([168]). إذن ليس بالضرورة أن يكون الرائي رأى نفس صورة النبي ص وأحد آله الكرام التي كانوا فيها في هذا العالم، بل قد يراه بصورة أخرى يقتضيها حال الرؤيا، لكن بالتالي أنه رآه. ثم ينقل المجلسي أقوالاً للعامة في ذلك لا بأس بأن تعرفوها ونعلق على بعضها، قال: والعامة أيضاً اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: المراد رؤيته ص بصورته الأصلية وأيدوه عن ابن سيرين أنه إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي ص صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال لم تره ([169]). وبعضهم قال بالتعميم وأيده بما رووه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ص: (من رآني في المنام فقد رآني، فإني أرى في كل صورة). وقال القرطبي: اختلف في معنى الحديث، فقال قوم: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء، قال: وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيى الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبونه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره عن جسده فلا يبقى فيه منه شيء ويزار مجرّد القبر ويسلم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزمها من له أدنى مسكة من العقل ([170]). وقالت طائفة: معناه أنّ من رآه على صورته التي كان عليها، ويلزم منه أنّ من رآه على غير صفته أن يكون رؤياه من الأضغاث ([171])، ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حاله في الدنيا من الأحوال اللائقة، وتقع تلك الرؤيا حقاً، كما لو رأى امتلاء داراً بجسمه مثلاً، فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير، ولو تمكن الشيطان من التمثل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله: (فإن الشيطان لا يتمثل بي)، فالأولى تنزه رؤياه، وكذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب إليه عن ذلك، فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته. قال: و الصحيح في تأويل هذا الحديث أنّ مقصوده أنّ رؤيته في كل حالة ليست باطلة، ولا أضغاث أحلام، بل هي حق في نفسها، ولو رأى على غير صورته، فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان، بل هو من قبل الله. قال: وهذا قول القاضي أبي بكر وغيره، و يؤيده قوله: (فقد رأى الحق)([172])، أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي فيه، فإن كانت على ظاهرها وإلاّ سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها؛ لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر، وإما تنبيه على حكم ينفع له في دينه أو دنياه ..... وقال الكرماني في شرح البخاري: (فقد رآني) أي رؤيته ليست أضغاث أحلام ولا تخييلات الشيطان، كما روي: فقد رأى الحق .... قال المجلسي: والظاهر أنها ليست رؤية بالحقيقة، إنما هو بحصول الصورة في الحس المشترك أو غيره بقدرة الله تعالى ([173]). والغرض من هذه العبارة بيان حقيقة الرؤيا وأنها من الله لا من الشيطان، وهذا المعنى هو الشائع في مثل هذه العبارة، كأن يقول رجل: من أراد أن يراني فلير فلاناً، أو من رأى فلاناً فقد رآني، أو من وصل فلاناً فقد وصلني فإنّ كل هذه محمولة على التجوز والمبالغة، ولم يرد بها معناها حقيقة .... ([174]). فالخلاصة أنّ النبي ص وآله لا يتمثل بهم الشيطان أبداً، ولذا كان إسماعيل بن الإمام الصادق ع، ليس بوصي أبيه بسبب تمثل الشيطان به، وقد أستدل الصدوق بذلك. روى الصدوق عن الوليد بن صبيح، قال: (جاءني رجل فقال لي: تعال حتى أريك ابن الرجل قال: فذهبت معه، قال: فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر، قال: فخرجت مغموماً فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلق بالبيت يبكي قد بل أستار الكعبة بدموعه، قال: فخرجت أشتد فإذا إسماعيل جالس مع القوم، فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه، قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله ع فقال: لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثل في صورته). وقد روي أنّ الشيطان لا يتمثل في صورة نبي ولا في صورة وصي نبي، فكيف يجوز أن ينص عليه بالإمامة مع صحة هذا القول منه فيه ([175]). واثق: سمعت من البعض يقول: بأنّه يشترط لمعرفة المعصوم أن تكون رأيته في عالم اليقظة([176])؟ الأب: هذا منقوض يا بني بكثير من الحوادث، فالسيدة نرجس أم الإمام المهدي أرواحنا فداه لم ترَ الإمام العسكري ع في عالم اليقظة قبل أن تراه في عالم الرؤيا، كما أنّ وهب النصراني دخل الإسلام برؤيا رآها بعيسى بن مريم ع ونصر الحسين ع لم يكن قد شاهد عيسى ع في عالم اليقظة قبل رؤيته له في عالم الرؤيا، وكذا من أراد أن يرى النبي ص في منامه أن يصلي يوم الجمعة ويدعو بدعاء مخصوص([177])، فهل الداعي ممن رأى النبي في عالم اليقظة؟ ولذا احتج على القائلين بذلك يماني آل محمد والقائم الموعود أحمد الحسن ع بقوله: (تستخفون الناس وتقولون لهم: وهل رأيتم رسول الله حتى تعرفونه بالرؤيا، سبحان الله. وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله ص ؟! حتى يقول الإمام الصادق ع من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا، والروايات كثيرة في هذا المعنى، فراجعوا دار السلام وغيره من كتب الحديث... ألم يقبل رسول الله ص إيمان خالد بن سعيد الأموي لأنه رأى رؤيا ؟ ألم يقبل رسول اللهص إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى ع وقال له: إن محمداً حق ؟ ألم يقبل الإمام الرضا ع إيمان الواقفية؛ لأنهم رأوا رؤى بأنه ع حق ؟ ألم يقبل الإمام الحسين ع إيمان وهب النصراني؛ لأنه رأى رؤيا ؟ ألم تأتي نرجس أم الإمام المهدي ع إلى الإمام الحسن العسكري بسبب رؤيا رايتها، ألم … وألم …؟!) ([178]). أحمد: أبي لقد تذكرت أني قرأت بعض الكتب فوجدت فيها أنّهم يفسرون الحديث: (من رآني نائماً فكأنما رآني يقظاناً) بغير ما ذكرته من تفسير قوله: (من رآنا فقد رأنا فإنّ الشيطان لا يتمثل بنا)، فكيف نبطل هذا التفسير ؟ الأب: نعم سأنقل لكم عبارة الكراجكي الذي يصرّح بذلك، قال في كنز الفوائد ص212: (وأمّا رؤية الانسان للنبي ص أو لأحد الأئمة ص في المنام فإن ذلك عندي على ثلاثة أقسام: قسم اقطع على صحته، وقسم اقطع (على بطلانه، وقسم أجوز فيه الصحة والبطلان فلا اقطع فيه على حال، فأما الذي اقطع على صحته) فهو كل منام رأى فيه النبي ص أو أحد الأئمة ص وهو فاعل لطاعة أو آمر بها وناه عن معصية أو مبين لقبحها وقائل لحق أو داع إليه أو زاجر عن باطل أو ذام لما هو عليه ([179]). وأمّا الذي اقطع على بطلانه فهو كل ما كان على ضد ذلك لعلمنا ان النبي والامام (عليهما السلام) صاحبا حق وصاحب الحق بعيد عن الباطل. وأما الذي أجوز فيه الصحة والبطلان فهو المنام الذي يرى فيه النبي أو الامام ص وليس هو آمراً ولا ناهياً ولا على حال يختص بالديانات مثل أن يراه راكباً أو ماشياً أو جالساً ونحو ذلك. فأمّا الخبر الذي يروى عن النبي ص من قوله: (من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي)، فإنه إذا كان المراد به المنام يحمل على التخصيص دون ان يكون في حال ويكون المراد به القسم الأول من الثلاثة أقسام؛ لأن الشيطان لا يتشبه بالنبي ص في شيء من الحق والطاعات. وأمّا ما روى عنه ص من قوله: (من رآني نائماً فكأنما رآني يقظاناً) فإنه يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المراد به رؤية المنام ويكون خاصاً كالخبر الأول على القسم الذي قدمناه. والثاني أن يكون أراد به رؤية اليقظة دون المنام ويكون قوله نائماً حالاً للنبي ص وليست حالاً لمن رآه فكأنه قال: (من رآني وأنا نائم فكأنما رآني وأنا منتبه والفائدة في هذا المقام أن يعلمهم بأنه يدرك في الحالتين ادراكاً واحداً فيمنعهم ذلك إذا حضروا عنده وهو نائم أن يفيضوا فيما لا يحسن أن يذكروه بحضرته وهو منتبه). وهذا التفسير الأخير فيه تكلف واضح، والتفاف على العبارة فلا يصار إليه كما أنه خلاف المفهوم من الحديث عرفاً، هذا مضافاً إلى أنّه قد أقرّ باعتباره قسماً من الرؤيا وإن كان هذا التقسيم وما اشترطه فيه خالٍ عن الدليل، لكنه أعترف بحجيتها في الجملة، وهذا ما نريد قوله، حيث إنّ كلامنا في الرؤيا الصادقة. والكلام في ما قيل في الرؤيا من أقوال مجانبة للصواب كثيرة أعرض عن ذكرها خشية الإطالة وضياع المطلب المقصود، وأخيراً أنقل لكم حديثاً يحسم الموضوع. عن الإمام الحسن العسكري ع بعد ما رآه الفضل بن الحارث في المنام وقال له ما قال قال ع: (إنّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة) ([180]). وكما أنّ كلامهم في اليقظة حجة فكذلك كلامهم في النوم، وليس معنى الحديث أنّ الإمام يتكلم وهو نائم فيكون كلامه في النوم ككلامه في اليقظة، فهذا كلام لا يقول به من لديه مسكة عقل، إذ النائم مع تحقق صفة النوم كيف يتكلم ؟! بل المراد أنّ كلامهم الذي يقولونه للرائي في النوم ككلامهم له في اليقظة. وإلى هنا ينتهي حديثنا في هذه الليلة ونلتقي ليلة غدٍ بإذن الله وتوفيقه، والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على خير الأنام محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثامنة: الصيحة قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾([181])، وقال سبحانه: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾([182]). وبعد أن انتهى الأب من الكلام حول الرؤيا بشكل مختصر، قال لأبنائه أريد أن أتكلم هذه الليلة في الصيحة التي مرّ علينا أنها من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي ع. فقال الأبناء: نعم يا أبي فإنّا في الحقيقة نود أن نتعرّف على الصيحة وما يتعلق بها، باعتبارها علامة حتمية من علامات ظهور الإمام المهدي ع. الأب: سيكون حديثنا في الصيحة في نقاط متعددة: النقطة الأولى: في تشخيص المنادي الذي ينادي في السماء وسأعرض لكم ثلاثة طوائف من الروايات من خلالها نعرف من الذي ينادي ويصيح في السماء. الطائفة الأولى: حيث صرّحت بوجود مناد ينادي في السماء، واختلفت في كيفية النداء وماذا يقول المنادي، وإليكم بعض الروايات: الرواية الأولى: عن الحسين بن خالد، قال: قال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام): (لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إنّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية. فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى ؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا. فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت ؟ قال: الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور، ويقدّسها من كل ظلم، [وهو] الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً، وهو الذي تطوي له الأرض ولا يكون له ظل ([183])، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إنّ حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإنّ الحق معه وفيه، وهو قول الله (: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾)([184]). الرواية الثانية: روى ربعي بن خراش، عن حذيفة حديث السفياني، وقال: (إنه يضرب أعناق من فر إلى بلد الروم بباب (دمشق)، فإذا كان كذلك نادى مناد من السماء: ألا أيها الناس إن الله قد قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم ووليكم خير أمة محمد ص فألحقوه ب‍ (مكة) فإنه المهدي واسمه أحمد بن ([185]) عبد الله) ([186]). الرواية الثالثة: عن أمير المؤمنين ع، قال: (انتظروا الفرج في ثلاث. فقيل له: وما هن ؟ قال ع: اختلاف أهل (الشام) بينهم، واختلاف الرايات السود من (خراسان)، والفزعة في شهر رمضان. فقيل له: وما الفزعة في شهر رمضان ؟ قال: مناد من السماء يوقظ النائم، ويفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها، ويسمع كلهم، فلا يجئ رجل من أفق من الآفاق إلاّ يحدث أنه سمعها) ([187]). محمود: ما الفرق بين الصيحة والفزعة يا أبي ؟ الأب: الفزعة هي عينها الصيحة، وهذا المعنى ذكره السيد الشهيد محمد صادق الصدر، حيث قال: (الجهة الثانية: الفزعة والصيحة، وهما أيضاً من الحوادث المنقولة في الأخبار، وإنما دمجناهما في عنوان واحد؛ لاحتمال أن يكون المراد بهما شيء واحد، على ما سوف نشير.... ونستطيع أن نعطي لفهم هذه الصيحة ، عدة أطروحات ، لنرى ما يصح منها وما لا يصح: الأطروحة الأولى: إنّ الصيحة والفزعة بمعنى واحد، ويراد بها صوت عظيم يكون في السماء، يوقظ النائم ويفزع اليقظان، ويخرج الفتاة من خدرها خوفاً وفزعاً. ومن هنا سميت بالفزعة. ويكون الصوت حادثاً بالمعجزة، ولا يكون له مدلول كمداليل الكلام، وإنما هو صوت كالرعد أو الهدة العظيمة. إلاّ أن هذا مما لا يكاد يصح، فإن أهم ما ينافيه في الروايات قوله: وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخلق، فإن صحته تكون - لا محالة - ذات معنى كمعاني الكلام، لا أنها مجرد صيحة صامتة. وسيأتي ما يدل على ذلك في أخبار (النداء). الأطروحة الثانية: إنّ المراد بالصيحة هو النداء الآتي ذكره. وهو نداء جبرئيل على ما سنسمعه من الأخبار. وفي التعبير بأنها صيحة جبرئيل، ما يؤيد ذلك. ويكون السبب في هذا الصوت شيء من قبيل المعجزة، فإن سببه صادر من فوق الطبيعة المادية؛ لأنه صوت أحد الملائكة الكرام كما سمعنا في الأخبار . وعلى أي من هاتين الأطروحتين ويكون الصوت إعجازياً حادثاً من أجل مصالح معينة، أهمها ما أشرنا إليه من التنبيه على قرب الظهور، من أجل إيجاد الاستعداد النفسي لدى المخلصين والمسلمين لاستقباله. الأطروحة الثالثة: أن يكون المراد بالصيحة والفزعة معان طبيعية غير إعجازية، فالفزعة تعبير عن وجود رعب عام لسبب من الأسباب كتوقع حرب أو وباء مثلاً. ويكون المراد بالصيحة صوت عظيم صادر من بعض القنابل أو الصواريخ، أو من اختراق إحدى الطائرات حاجز الصوت، أو انفجار بعض المستودعات ... ونحو ذلك. غير أن الأطروحة بعيدة للغاية عن مداليل هذه الأخبار وسياقها العام. وخاصة مع الاستدلال بقوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾، وقد استدل بهذه الآية على الفزعة، كما سبق أن سمعنا، وعلى الصيحة، فيما رواه الصافي في منتخب الأثر والقندوزي في الينابيع عن أبي عبد الله ع ، وقال في آخره: (فتلوت هذه الآية أي قوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً..﴾ الآية، فقلت: أهي الصيحة ؟ قال: نعم). لو كانت الصيحة خضعت أعناق أعداء الله (. وإنما تخضع أعناق أعداء الله نتيجة لحادث كوني كبير غير معهود فيه عنصر أعجازي لا لحادث بسيط كصوت صاروخ أو طائرة. ولعل في تفسير الآية تارة بالصيحة وأخرى بالفزعة ما يوحي بالأطروحة الأولى . أو أن تكون الفزعة بمعنى الصيحة، فإنهما آية واحدة تخضع لها أعناق أعداء الله سبحانه. ويكون ذلك مطابقاً للأطروحة الثانية، ويكون الفزع ناشئاً من صوت جبريل الأمين في قلوب أعداء الله .. وأمّا المؤمنين فيكون الصوت بشارة كبرى لهم عن قرب الفرج وتوقع الظهور. ومن أجل هذا يحصل الاهتمام الكبير بهذا الصوت ويستيقظ منه النائم ويفزع اليقظان، وتخرج الفتاة الحيية المخدرة من خدرها ولا تتحدث عن الفتيات غير المتصفات بالحياء. هذا، والظاهر من سياق هذه الأخبار وخاصة مثل قوله: فتوقعوا الصيحة وخروج القائم ...أن تكون الصيحة قبل الظهور بزمن قليل نسبياً ...وهو المقصود) ([188]). الرواية الرابعة: عن أمير المؤمنين ع، قال: (إذا نادى مناد من السماء إنّ الحق في آل محمد ص، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويسّرون فلا يكون لهم ذكر غيره) ([189]). الرواية الخامسة: عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله ع، قال: (خروج القائم من المحتوم. قلت: وكيف يكون النداء ؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إنّ الحق في علي وشيعته. ثم ينادي إبليس (لعنه الله) في آخر النهار: ألا إنّ الحق في عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون) ([190]). الطائفة الثانية: حيث صرّحت روايات هذه الطائفة بوجود ملك على رأس المهدي ع، واختلفت في نداء الملك اختلافاً جزئياً، وإليكم تلك الروايات: الرواية الأولى: روى عبد الله بن عمر، أنّ رسول الله ص، قال: (يخرج المهدي، وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي: هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه) ([191]). الرواية الثانية: وعن ابن عمر أيضاً، أن رسول الله ص، قال: (يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه) ([192]). الرواية الثالثة: قال في كتاب مشارق الأنوار: وجاء في بعض الروايات أنه ينادي عند ظهوره فوق رأسه ملك: (هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه) ([193]). الطائفة الثالثة: وقد صرّحت بأنّ الملك الذي ينادي هو جبرائيل ع. الرواية الأولى: عن محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: (الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة، فاسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي: ألا إنّ فلاناً قد قتل مظلوماً، يشكك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاك متحير، فإذا سمعتم الصوت في رمضان - يعني الأول - فلا تشكون أنه صوت جبريل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم المهدي واسم أبيه) ([194]). الرواية الثانية: عن محمد بن مسلم، قال: (ينادي مناد من السماء ([195]) باسم القائم ع، فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلاّ قام، ولا قائم إلاّ قعد، ولا قاعد إلاّ قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين) ([196]). والذي أريد استخلاصه من هذا العرض هو تشخيص المنادي الذي ينادي في السماء، أو تشيخص الذي يقوم بالصيحة، وقد أصبح عندكم واضحاً بأنّ المنادي بالصيحة جبرئيل ع؛ حيث إنّ روايات الطائفة الأولى تصرّح بكون المنادي في السماء، والطائفة الثانية تصرّح بأنّ المنادي ملك، بينما الطائفة الثالثة تصرّح بأنّ الملك الذي ينادي هو جبرئيل ع، فيتعين كون المنادي الذي ينادي في السماء والذي هو ملك من ملائكة الله أنّه جبرئيل ع، جمعاً بين روايات الطوائف الثلاث، وهذه نتيجة واضحة لا ينبغي الشك فيها. النقطة الثانية: في تشخيص ما يُنادى به في الصيحة إنّ الروايات التي تعرّضت للصيحة أو النداء السماوي الذي يصيح به جبرئيل كما تقدّم في النقطة الأولى مختلف، وجاء بعبارات متعدّدة ومضامين مختلفة، ولمعرفة حقيقة الأمر لابد من الوقوف على تلك العبارات: عن أمير المؤمنين ع: (إنّ الحق في آل محمد ص، فعند ذلك يظهر المهدي) ([197]). عن حذيفة: (فإنه المهدي واسمه أحمد بن عبد الله) ([198]). عن الإمام الرضا ع: (ألا إنّ حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإنّ الحق معه وفيه) ([199]). (ينادي فوق رأسه ملك: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه) ([200]). عن النبي ص: (ملك ينادي: هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه) ([201]). عن النبي ص: (وعلى رأسه ملك ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه) ([202]). عن الإمام الباقر ع: (ينادي مناد من السماء باسم القائم ع) ([203]). عن الإمام الباقرع: (ينادي منادي باسم القائم واسم أبيه) ([204]). عن الإمام الصادق ع: (ألا إنّ الحق في علي بن أبي طالب) ([205]). عن الإمام الباقرع: (ألا إنّ المهدي من آل محمد باسمه واسم أبيه) ([206]). عن الإمام الصادق ع: (إنّ فلان هو الأمير) ([207]). عن الإمام الصادق ع: (وينادي منادي أنّ علياً وشيعته هم الفائزون) ([208]). عن الإمام الصادق ع: (ينادي باسم صاحب هذا الأمر) ([209]). عن الإمام الصادق ع: (ألا إنّ الأمر لفلان بن فلان، ففيم القتال) ([210]). عن الإمام الصادق ع: (ألا أنّ فلان صاحب الأمر فعلامَ القتال) ([211]). عن الإمام الصادق ع: (فيم القتل والقتال ؟! صاحبكم فلان) ([212]). (بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذو، ولكنه خليفة يماني) ([213]). هذه المضامين هي التي تأتي بها الصيحة والنداء السماوي كما ورد في الروايات. واثق: لقد حصل لي ربط يا أبي بين الصيحة وبين اليماني. الأب: كيف ذلك، هل يمكنك بيانه ؟ واثق: نعم يا أبي، قد تقدّم في كلامك أنّ القائم والمهدي واليماني وصاحب الأمر هي ألفاظ لمسمّى واحد، وهو المهدي الأول الذي جاء ذكره في وصية رسول الله ص، وهذه الروايات التي تبين الصيحة تشير إلى نفس تلك الألفاظ، فتارة تقول الرواية: (ينادي مناد من السماء باسم القائم)، وأخرى تقول: (ألا إنّ المهدي من آل محمد باسمه واسم أبيه)، وثالثة تقول: (ينادي باسم صاحب هذا الأمر)، ورابعة هذا التعبير: (بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذو، ولكنه خليفة يماني). فيتضح بصورة جلية أنّ الصيحة ستكون باسم صاحب الأمر والمهدي والقائم واليماني، وهذه هي أسماء المهدي الأول أحمد الحسن ع كما تقدّم. الأب: نعم أحسنت يا واثق. وهل يوجد عندك يا محمود ويا أحمد تعليق تضيفانه ؟ محمود: نعم يا أبي، يبدو لي أنّ هذه الصيحة ليست مادية يسمعها الجميع، وإلاّ فلماذا ينحرف الناس عن نصرة الإمام المهدي ع، مع سماعهم ووضوح الحق عندهم. ثم إننا عرفنا في النقطة الأولى إنّ الذي ينادي في السماء ويصيح هو الملك جبرئيل، وهو غير مادي، فيتعين كون الصيحة غير مادية. أحمد: أبي، تقدّم علينا في الليلة الماضية أن أهل البيت ع يجتمعون على رجل (فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فأنهدوا إلينا بالسلاح)([214])، وهذا الاجتماع كما تقدّم علينا يكون في الرؤيا، فكل إمام يشهد لشخص أو لأشخاص بكون السيد أحمد الحسن هو اليماني ع، فالصيحة تكون هي الرؤيا؛ لأنّهم لا يجتمعون في زمن القائم إلاّ في الرؤيا، ومن هنا تعددت العبارات والمضامين للصيحة، أي: للرؤيا؛ لأنّ كل معصوم منهم يشهد لشخص بشهادة تدله على الحق مختلفة عن شهادته للشخص الآخر. الأب: أحسنتم يا أبنائي، ولكن لكي تقفوا على حقيقة الأمر سأنقل لكم ما قاله يماني آل محمد السيد أحمد الحسن ع والذي نقله عنه الأخ الأستاذ أحمد حطاب زاده الله توفيقاً في كتابه فصل الخطاب في حجية رؤيا اؤلي الألباب، قال: (وهذه تسع نقاط أنقلها عن السيد أحمد الحسن يشكل فيها على الطرح الخاطئ للصيحة بين الناس والعلماء على حد سواء ويثبت فيها الرؤيا، أجابني بها عندما سألته عن الصيحة: 1- كما هو واضح في الروايات إنّ جبرائيل ع يصيح في السماء يعني في الملكوت وإنّ إبليس اللعين يصيح من الأرض، أي: في عالم المادة، ولو كانت صيحة جبرائيل في سماء هذه الأرض لكان كلا الصيحتين من الأرض وفي الهواء. 2- الصيحة لجبرائيل ع، وجبرائيل ملك فصيحته في عالمه وهو عالم الملكوت، يصيح بملك الرؤيا وملك الرؤيا يصيح بملائكة الرؤيا التابعين له والذين يأتمرون بأمره ويرون الناس الرؤى، وكذلك يصيح جبرائيل في السماء فيسمع الأرواح. 3- صيحة جبرائيل لما ضرب ابن مُلجَم الإمام علي ع لم يسمعها كل الناس ولو سمعها كل الناس لنقلها جميعهم، فلو كانت في هذا العالم المادي لسمعها كل الناس فما المانع لسماعهم لها لو كانت في هذا العالم، وهذه الصيحة نظير صيحة جبرائيل في زمن الظهور الموعود. 4- عن أمير المؤمنين ع، قال: (صيحة في شهر رمضان تفزع اليقظان وتوقظ النائم وتخرج الفتاة من خدرها) ([215]). ورد هذا المضمون في كثير من الروايات والذي يوقظ النائم هي الرؤيا، فعندما يرى الإنسان رؤيا في كثير من الأوقات يستيقظ بعد الرؤيا. 5- الرؤى يفهمها ويسمعها أهل كل لغة بلغتهم، والرؤيا يفهمها العربي والعجمي والسرياني وأهل كل لغة بلغتهم؛ لأنها صور ورموز ثابتة عند الجميع ويفهمها الجميع، فهي مطابقة للصيحة التي يسمعها أهل كل لغة بلغتهم. 6- الحديث الوارد عن الحضرمي، قال: دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله ع، وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان وقلنا: ما ترى ؟ فقال: (اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح) ([216]). ومعنى هذه الرواية لا يحتاج إلى كثير من التفكّر وهو اجتماع أهل البيت في عالم الرؤيا لتأييد رجل وحث الناس على نصره. 7- عن البيزنطي، قال: سألت الرضا ع عن مسألة الرؤيا فأمسك، ثم قال ع: (إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر ع) ([217]). فالسائل سئل عن مسألة تخص الرؤيا والإمام ربط الرؤيا برقبة صاحب الأمر فتبيّن أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الرؤيا والإمام ع، وكأنها علامة حتمية من علامات ظهوره مرتبطة بقضيته ع فلا يناسبها إلاّ صيحة جبرائيل؛ لأنها من عالمه. 8- عن الإمام الصادق ع، قال: (ورؤيا المؤمن في آخر الزمان على سبعين جزء من أجزاء النبوة) ([218]). وورد عنهم ص إنّ في آخر الزمان تكاد الرؤيا لا تكذب ([219])، فالأنسب أن تكون صيحة جبرائيل في عالمه وهو عالم الملكوت، فالصيحة في عالم الملكوت تصل للإنسان بالرؤيا التي لا تكذب في آخر الزمان وبالكشف. 9- لو كانت الصيحة في هذا العالم المادي من سنخه وماديته فما هو المائز بينهما وبين صيحة إبليس (لعنه الله)، هل هو الصوت ؟ وهل سمع الناس صوت جبرائيل وصوت إبليس (لعنه الله) لكي يفرقوا بينهما ؟ بلى، إذا كانت صيحة جبرائيل في السماء، أي: في ملكوت السماوات استطاع المؤمنون تميزها؛ لأنّ الملكوت بيد الله ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([220])، انتهى كلام السيد أحمد الحسنع) ([221]). وإلى هنا ننهي حديثنا في هذه الليلة ونلتقي ليلة غدٍ بإذن الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة التاسعة: الصيحة ما يتعلق بها قد بدأت الحقيقة تلوح في الأفق، وأصبح الأولاد تتولد عندهم الأسئلة، فجاء أبوهم، وتبادل معهم السلام، فسألهم هل من سؤال عندكم يا أبنائي الأعزاء ؟ محمود: لكن يا أبي إنّ الرؤيا في النوم فكيف تقول الرواية: (تفزع اليقظان وتوقظ النائم)([222])، فاليقظان لا يرى الرؤيا ؟ الأب: بالنسبة لليقظان، فالمقصود به الكشف الذي يراه الإنسان وهو غير نائم، وهو يفزع أيضاً. أحمد: أبي، لكن بعض العبارات التي جاءت في الروايات: (وينادي منادي أنّ علياً وشيعته هم الفائزون)، (ألا إنّ الحق في علي بن أبي طالبع)، كيف نفهم هذه الروايات حيث إنّ علي بن أبي طالب ع في زمن ظهور وخروج القائم متوفى ؟ الأب: ليس المراد أنّه ينادى باسم الإمام علي بن أبي طالب ع، بل المراد مَثَل علي بن أبي طالب ع في آخر الزمان، وهو القائم، والمهدي، وصاحب الأمر، وخليفة الله، والخليفة اليماني. وقد تقدّم علينا مشابهة المهدي الأول ع لجدّه أمير المؤمنين ع في بحثنا عن الوصية،حيث ركز على وصفه جدّه النبي ص، وأعطاه أسماء ثلاثة، كما ركز وخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، فهو أول المؤمنين كما وصفه جدّه النبي ص، كما كان جدّه علي بن أبي طالب ع كذلك، فهو مَثَله في زمن الظهور المقدس، كما أنّ أبيه الإمام المهدي ع يكون مَثَل رسول الله ص في زمن الظهور ([223]). ولكي تكون الفكرة واضحة، لاحظوا هذه الروايات: الرواية الأولى: عن أبي مروان، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله( : ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ ([224])، قال: فقال لي: (لا والله، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله وعلي بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب)، يعني موضعاً بالكوفة ([225]) . فالمراد برسول الله ص مَثَله، وهو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع، كما أنّ المراد بعلي مَثَله، وهو المهدي الأول القائم اليماني صاحب الأمر. وإلاّ فلم يجتمع الرسول وعلي عليهما وآلهما السلام في الثوية، ويبنيا مسجداً. الرواية الثانية: عن جعفر بن محمد الصادق ع أنه قال في رواية طويلة إلى أن يقول: (... ولا يخرج القائم ع حتى يقرأ كتابان؛ كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي ع) ([226]). فلاحظوا يا أبنائي ليس المقصود البراءة من علي بن أبي طالب ع، بل البراءة من رجل مَثَله مَثَل علي بن أبي طالب ع، وهو المهدي الأول أحمد القائم بالحق ع. الرواية الثالثة: عن عباية الأسدي، قال: (سمعت أمير المؤمنينع .... لأبنين بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين، كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت؟ فقال: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني) ([227]). فالمقصود بالرجل الذي منه ع، هو المهدي الأول أحمد مَثَله في زمن الظهور، فإذا كان منه فالبراءة منه هي براءة من علي بن أبي طالب ع. وعليه يكون المقصود من علي ع هو مَثَله، وهو القائم والمهدي الأول واليماني الموعودع، فاتحد مضمون العبارات في الدلالة على شخص واحد. النقطة الثالثة: صيحة الحق وصيحة الباطل إنّ الروايات التي بينت الصيحة صرّحت بوجود صيحتين: الصيحة الأولى صيحة الحق؛ وهي صيحة جبرئيل الروح الأمين ع، وتكون من السماء، وقد عرفنا بماذا تكون الصيحة في النقطة السابقة، والصيحة الثانية صيحة باطل، وهي صيحة إبليس وتكون في الأرض، ومن هنا الصيحة التي في السماء هي صيحة من الملكوت فالسماء إشارة لذلك، أي: في الرؤيا التي تأتي من الملكوت، كما تقدّم في النقطة السابقة، وصيحة إبليس تكون في الأرض، فيصعد في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض يصيح. عن هشام بن سالم، قال: (سمعت أبا عبد الله ع يقول: هما صيحتان صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية. قال: فقلت: كيف ذلك ؟ قال: فقال: واحدة من السماء، وواحدة من إبليس. فقلت: وكيف تعرف هذه من هذه ؟ فقال: يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون) ([228]). وعنه أيضاً، قال: قلت لأبي عبد الله ع: إنّ الجريري أخا إسحاق يقول لنا: إنكم تقولون هما نداءان فأيهما الصادق من الكاذب ؟ فقال أبو عبد الله ع: (قولوا له: إنّ الذي أخبرنا بذلك - وأنت تنكر أن هذا يكون - هو الصادق) ([229]). والفاصل بين الصيحتين كما جاء في الروايات أنّ الأولى تكون في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين، والثانية في آخر النهار. عن الإمام الصادق ع في رواية طويلة إلى أن يقول:.. قال ع: (يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكّوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس اللعين..) ([230]). وعن الإمام الصادق ع في رواية أخرى: (هما صيحتان صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية) ([231]). واثق: وما هو مضمون صيحة إبليس يا أبي ؟ الأب: بينت الروايات بأنّ إبليس يصعد في السماء وينادي: عن الإمام الباقر ع: (ألا إنّ فلاناً قتل مظلوماً) ([232]). عن الإمام الصادق ع: (ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوماً) ([233]). عن الإمام الباقر ع: (إنّ فلاناً وشيعته على الحق- يعني رجلاً من بني أمية) ([234]). عن الإمام الصادق ع: (ألا إنّ الحق في عثمان بن عفان وشيعته فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه) ([235]). عن الإمام الصادق ع: (إنّ فلاناً وشيعته هم الفائزون- لرجل من بني أمية) ([236]). هذه العبارات التي جاءت في تحديد ما يصيح به إبليس (لعنه الله). واثق: وأيضاً هذه الروايات لا تحمل على نفس عثمان، بل على مَثَله في زمن الظهور المقدّس. الأب: نعم يا واثق؛ ولذا جاء في خطاب يماني آل محمد ع قوله: (لن أداهن، لن أكف عن مواجهة عثمان وفضحه على رؤوس الأشهاد) ([237]). ولكشف الحقيقة أنقل لكم عبارة ذكرها الأخ الشيخ علاء السالم زاده الله توفيقاً في كتابه المعترضون على خلفاء الله، قال: (أمّا صيحة إبليس (لعنه الله) فبعض ما تساءلنا عنه في صيحة الحق يأتي فيها أيضاً، فإذا كان الذين يتبرؤون من أهل البيت يحسبون على الشيعة كما تقدم، فكيف يمكن تصوّر أن شيعياً يستمع لإبليس وهو ينادي بمظلومية عثمان قبال حق علي ع ؟! وكما توضح في صيحة الحق في أنها تكون بمَثَل علي ع، فكذلك الحال في صيحة إبليس أخزاه الله فإنها تكون بمَثَل عثمان في هذا الزمان، ولما كان يتجلبب زوراً بزي أهل الدين والعلم والنسك والزهادة وإمامة الأمة يشتبه الأمر على الناس فيضيع من لم يكن لديه نور من الله، ويتبرأ من آل محمد والعياذ بالله لأجله بل يتناولهم ويتهمهم بالسحر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. فمجيء داعي الحق وإعلانه دعوته الإلهية لا يزيدها مواجهة الطواغيت الظلمة الواضحين جهاراً إلاّ التفاف الناس المظلومة حولها، ومع أنّ المظلومين هم الأكثر دوماً ولكننا نجد أن كل دعاة الحق لما جاءوا نصروهم القلة المستضعفة، فأين يكمن السبب ومن هم طواغيت الداخل المتسترين والمنافقين ؟ إنهم أدعياء العلم الذين تسنّموا دفة قيادة الناس بلا تنصيب الهي بل حيلة وخداعاً ليوهموا الناس عبر منظومة أريد لها أن تستقر في الوعي؛ لكثرة التثقيف بها والتركيز عليها، نعم تطعّم بشيء من الحق ولكن ليس لأنهم يعتقدون بالحق وأئمته، بل لخداع الناس بالشعار وتمرير مشروعهم عليهم، فتكتمل خطة إبليس في أخفى حلقاتها المدخرة لمحاربة خلفاء الله في أرضه وتحديداً القوام منهم وتأخير مشاريعهم الإلهية، فكان علماء السوء غير العاملين الخنجر الذي يطعن الأمة المنتظرة دائماً، ولنا في موسى ع مثالاً، فقد كان المصلح المنتظر الذي يترقبه بنو إسرائيل ويتباشرون بولادته والاستعداد لاستقباله في الوقت الذي كان فرعون وجنوده يستضعفونهم ويذلونهم، ولكن ما إن جاء موسى ع وباشر دعوته وعبر بقومه البحر نرى السامري - وهو العالم عند بني إسرائيل - يصنع عجلاً بوحي إبليس ليعبد من دون الله في غيبة موسى واستخلافه هارون ع، ولما منعهم هارون اعترضوا عليه وكادوا أن يقتلوه، فكان العالم غير العامل سلاح إبليس لحرب خلفاء الله. وكذا الحال عند بعثة عيسى ع، فقد بعث وعلماء بني إسرائيل حبهم للمال والدنيا لا يكاد يوصف فاقتدى بهم أتباعهم تماماً كما هو حال الأمة اليوم، فنسخت شريعة موسى ع على يديه وكان سبب النسخ في بعضه - إن لم يكن أهم الأسباب - ما اعمله العلماء من تحريف ومن تحليل ما حرمه الله وتحريم ما أحلّه إرضاءً للأهواء وتملّقاً للطواغيت، تماماً أيضاً ما وصف به مجيء قائم آل محمد ع الذي ينسف ما شرّعه علماء السوء بالأهواء والتخرّصات ويستأنف الدعوة إلى الله والإسلام من جديد ([238]) بعد أن انكبّ القوم من كبيرهم إلى صغيرهم على الدنيا. وكان الفشل باستقبال عيسى ع بل محاربته ومحاولة قتله والوشي به لظلمة الرومان يقوده علماء الضلالة أيضاً، والحال نفسه لما بعث حبيب الله ورسوله محمد ص، وحديث مجابهة علماء اليهود والنصارى والأحناف وغيرهم له واضحة لكل من اعتقد به، ثم شريح وأمثاله مع سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي ع لما أفتى بخروجه عن الدين ووجوب قتاله، فهل يأتي القائم ع بغير سنة الله في حججه، وهل ستتغير سنته سبحانه في أعدائهم وهم علماء السوء في كل مرة ؟! لا والله، فلا تحويل ولا تبديل في سننه سبحانه، فكان مَثَل عثمان من سينادي به إبليس وهو عالم غير عامل شأنه شأن السامري وبلعم بن باعوراء وشريح وعثمان والشمر وغيرهم الكثير. ومن اختار اليوم الاصطفاف مع من نصب العداء لقائم آل محمد ع لو قدّر له أن يكون أيام موسى وهارون (عليهما السلام) لاختار الوقوف مع السامري ضدهما، ومع علماء بني إسرائيل ضد عيسى ع، ومع علماء اليهود والنصارى والأحناف ضد رسول الله ص، ومع شريح ضد الحسين ع . عن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين ع: (يا مالك ابن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير ؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) ([239]). فمن الذي يكذب على الله ورسوله ويفرّق الناس بكذبه عليهم غير علماء السوء الذين بتطهير الأرض منهم يجمع الله الناس على أمر واحد ؟ إنهم إذن من تتم صيحة إبليس بكبيرهم عثمان العصر الذي يسعى لمحاربة خليفة الله القائم ع بكل جهده وخطه بما أوحى له إبليس من ضلال لإبعاد الناس عن آل محمد وتأخير اليوم المعلوم الذي أنظره الله تعالى إليه ، فهل من عاقل لينقذ نفسه من شراك إبليس وجنده،..) ([240]). فالعبارة واضحة ولا تحتاج تعليق. أحمد: وما هو الهدف من صيحة إبليس (لعنه الله). الأب: الهدف من صيحة إبليس (لعنه الله) هو الفتنة، وتشكيك الناس، ولقد أكد أهل البيت ص النهي عن إتباع الصوت الثاني؛ لأنّ أتباعه يعني الخروج عن ولاية آل محمد ص، إذ الكفر بآخرهم كالكفر بأولهم. وهنا يأتي الامتحان وتبان السرائر الخبيثة ممن يدّعون ولاية آل محمد ص كذباً وزوراً، فيسقطوا في هذا الامتحان، نسأل الله أن يكتبنا عنده من شيعة محمد وآله الطاهرين ص، ولاحظوا الروايات ماذا تقول: عن زرارة بن أعين، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: عجبت أصلحك الله ! وإني لأعجب من القائم كيف يُقاتل مع ما يرون من العجائب، من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الذي يكون من السماء ؟ فقال: إن الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادى برسول الله ص يوم العقبة) ([241]). وعن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، أنه قال: (إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد ص إنّ شاء الله ( إنّ الله عزيز حكيم، ثم قال: الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان؛ لأنّ شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم عفيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين ع. ثم قال ع: يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس اللعين ينادي: ألا إنّ فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاك متحير قد هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا فيه أنه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه (عليهما السلام) حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج، وقال: لا بد من هذين الصوتين قبل خروج القائمع : صوت من السماء وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض هو صوت إبليس اللعين ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوماً، يريد بذلك الفتنة، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به) ([242]). وهنا يا أبنائي يسقط كل من كان في قلبه عداء لآل محمد ص، بل يتهمون آل محمد ص بالسحر أعاذنا الله. عن عبد الله بن سنان، قال: (قال: كنت عند أبي عبد الله ع فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إنّ هؤلاء العامة يعيرونا، ويقولون لنا: إنكم تزعمون أنّ منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئاً فغضب وجلس، ثم قال: لا ترووه عني، وأرووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي ع يقول: والله إنّ ذلك في كتاب الله ( لبين حيث يقول: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾، فلا يبقى في الأرض يومئذٍ أحد إلاّ خضع وذلت رقبته لها فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إنّ الحق في علي بن أبي طالب ع وشيعته. قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض ثم ينادي: ألا إنّ الحق في عثمان بن عفان وشيعته فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه، قال: فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرأون منا ويتناولونا، فيقولون: إنّ المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت، ثم تلا أبو عبد الله ع قول الله (: ﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾) ([243]). وسبحان الله لقد أُتهم أحمد الحسن ع بالسحر وكونه يسخّر ممكالك من الجن، هذه التهمة التي زادت أنصاره فيه يقيناً؛ لأنها لم تخلُ ساحة حجة من حجج الله منها عبر الدهور التي مضت. محمود: أبي، وكيف يستطيع الإنسان تمييز الصيحة الحقة من الباطلة ؟ الأب: لقد بين السيد أحمد الحسن ع، في الوجه التاسع من الوجوه المتقدمة، وإليكم عبارته: (لو كانت الصيحة في هذا العالم المادي من سنخه وماديته فما هو المائز بينهما وبين صيحة إبليس (لعنه الله)، هل هو الصوت ؟ وهل سمع الناس صوت جبرائيل وصوت إبليس (لعنه الله) لكي يفرقوا بينهما ؟ بلى، إذا كانت صيحة جبرائيل في السماء، أي: في ملكوت السماوات استطاع المؤمنون تميزها؛ لأنّ الملكوت بيد الله ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾). كما أنّ أهل البيت ص بينوا ذلك يا بُني في رواياتهم: عن زرارة بن أعين، قال: (سمعت أبا عبد الله ع يقول: ينادي مناد من السماء: إنّ فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: إنّ علياً وشيعته هم الفائزون. قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا ؟ فقال: إنّ الشيطان ينادي: إنّ فلاناً وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية - . قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثناً، ويقولون : إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون) ([244]). الإمام يصرّح بأنّ الذين يعرفون الصيحة هم الذين يروون حدينا، وهذا معناه أنّ أحاديثهم بينت وكشفت كيفية معرفة الصيحة الصادقة من الكاذبة، ولكن ركزوا يا أبنائي على كلمه (يروون حديثنا) وليس المعرضون عن الأحاديث والروايات والذين يسقطونها نتيجة عدم تعقلهم لها، أو اصطدامها بمبدأ أسسوه بلا دليل شرعي عليه، كما هو حال الفقهاء اليوم الذين كذبوا بالرؤيا التي صرّحت الروايات بكونها جزء من النبوة، ووحي إلهي، فهؤلاء لا يصدقون بها؛ لأنّهم هم من كذبوها، بل ووضعوا الأسس لتكذيبها وما شابهها من أدلة شرعية. وكل ذلك لأنّهم في الحقيقة ليسوا برواة أحاديثهم ص، بل هم منغلقون على صنف خاص أو صنفين من الروايات - ورغم ذلك لم يفهموها - ومهملون لأصناف كثيرة بدعوى عدم حجيتها وعدم أهميتها، ومنها أحاديث الرؤيا، بل وأصبح المتكلم بالرؤيا عندهم ساذجاً بسيطاً لا يسمع لقوله ؟! فأي جرأة هذه على الله وآل الله محمد وآله الطاهرين الذين يتشرّفون بسماع الرؤيا ويهتمون في تأويلها. وعن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله ع: (إنّ الناس يوبخونا ويقولون من أين يعرف المحق من المبطل إذا كانتا ؟ فقال: ما تردون عليهم، قال: فقال: قولوا لهم يصدق بها إذا كانت من كان مؤمناً يؤمن بها قبل أن تكون، قال الله (: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾([245])) ([246]). فالرواية تبين أنّ الذي يؤمن بالصيحة قبل أن تقع يستطيع التمييز بين صيحتي الحق والباطل، صيحة جبرئيل ع وصيحة إبليس (لعنه الله)، وهذا معناه يشترط وجود الإيمان بالصيحة قبل أن تقع ليستطيع الإنسان، كما أنّه يستفاد من هذه الرواية وجود صيحات قد تسبق الصيحة التي تقع في ليلة 23 من شهر رمضان. وهذا هو الحاصل والمتحقق فالرؤى التي رآها المؤمنون بالغيب بكون السيد أحمد الحسن ع حق أكثر من أن تحصى وتجمع في مؤلَف. بينما الذين لا يقرّون بحجية الرؤيا فلن يؤمنوا بالصيحة إن وقعت في شهر رمضان المبارك؛ لأنهم لم يؤمنوا بها من قبل. أحمد: أبي، كما أنّ اليماني من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي ع، فكذلك الصيحة، لكن أيهما تتحقق قبل الأخرى ؟ الأب: أحسنت يا أحمد لقد فتحت لنا موضوعاً من المواضيع المهمة والتي تخبط فيها الكثير، فقال بعض من يدعي العلم أنّ اليماني يظهر بعد الصيحة، ولذا كذّب دعوة اليماني الموعود السيد أحمد الحسن ع مع كل ما تقدم من الأدلة على كونه اليماني، ومن ذلك البعض هو الشيخ إسحاق الفياض حيث قال: (وكذا ينبغي عليهم تكذيب من يدعي أنّه اليماني أو الخراساني أو صاحب النفس الزكية فإنّ تلك الشخصيات المباركة لا تظهر إلاّ بعد الصيحة) ([247]). كما وصرّح بذلك الشيخ محمد السند حيث قال تعليقاً على رواية اليماني المروية عن الإمام الباقرع: (وفي الرواية جملة نقاط: الأولى: أنّها تحدّد علامة اليماني بعلامة الظهور الحتميّة، وهي الصيحة السماوية، وقد ذكر في أوصاف تلك الصيحة، والتي هي نداء جبرئيل من السماء أنّه يسمعه أهل الأرض، كلّ أهل لغة بلغتهم، واستيلاء السفياني على الشام، وهكذا التحديد للخراساني الذي قد يعبّر عنه في روايات اُخرى بالحسني. وهذا التحديد يقطع الطريق على أدعياء هذين الاسمين قبل الصيحة والنداء من السماء، وقبل استيلاء السفياني على الشام) ([248]). ولقد أجاب السيد أحمد الحسن ع عن هذا التوهم بجواب يكشف جهل القائل به، فقال: (إذن التفت: إنّ الصيحة في رمضان ([249])، وخروج اليماني - أي قيامه - في رجب. فإذا كان بعد الصيحة - أي في رجب الذي بعدها - يكون خروج اليماني بعد قيام الإمام ع على أساس هذا الفهم الخاطئ؛ لأنّ قيام الإمام ع في محرّم، وشهر رجب يأتي بعد محرّم، وهذا بيّن) ([250]). وفي ختام حديثنا لهذه الليلة أذكر لكم كلاماً للإمام أحمد الحسن ع، قال: (كل نبي من أنبياء الله سبحانه وتعالى يبعث بمعجزة، والمعجزة تكون مشابه لما في زمانه، فعيسى ع جاء بإحياء الموتى وشفاء المرضى لانتشار الطب وموسى جاء بالعصا والآيات لانتشار السحر، ويوسف عجاء بالرؤيا وبتأويل الرؤيا لانتشارها في زمانه، والإمام المهدي ع أو المهدي الأول الذي يمهد له أيضاً يأتي بما يناسب زمانه وهو العلم بكتاب الله والمعرفة و… ومما يناسب زمانه أيضاً الرؤيا؛ لأنها كما قالوا ص لا تكذب في آخر الزمان وهي الباقية من النبوة في آخر الزمان، إذن فالإمام المهدي ع يأتي بالرؤيا وتأويل الرؤيا كما جاء بها يوسف ع والإيرانيون يعرفون الإمام المهدي بأنه يوسف آل محمد ص. وهم ص يأتون بالآيات والمعجزات من الله المشابهة لما هو منتشر في زمانهم لا لمشابهتها لما هو منتشر في زمانهم كما توهم كثير من العلماء بذلك بل للّبس ولان لا تكون خالية من الامتحان فلا يكون هناك إلجاء للأيمان فالدنيا دار بلاء وامتحان وليؤمن من يؤمن بالغيب، قال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾) ([251]). وينتهي حديثنا لهذه الليلة على أمل أن نلتقي غداً بتوفيق الله سبحانه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة العاشرة: لمحات من تاريخ الدعوة اليمانية وجاء الأبناء وكلهم إيمان بدعوة الحق التي عرضها أبوهم بالأدلة والبراهين التي لا تُرد وتأخذ بعنق الإنسان المنصف الذي يتطلع لآخرته، فجاء الأب فسلم على أبنائه فردوا السلام وتبادلوا التحيات. فأخذ الأب مجلسه، ثم قال: هذه الليلة الأربعين لحوارنا يا أبنائي الأعزاء، وهي آخر ليلة لحوارنا إن شاء الله تعالى. وفي آخر ليلة من الحوار أريد عرض لمحات من تاريخ الدعوة اليمانية المباركة، مضيفاً لما تقدّم من الأدلة أدلة أخرى كي تتضح لكم الحقيقة ناصعة، وأتمنى أن تكونوا لي قرّة عين. ومن خلال حوارنا في هذه الليلة يتبين لكم ضلال من لم يؤمن بدعوة اليماني القائم أحمد ع، كما ويتعرّى لكم أصحاب المظاهر والتنسك الذين حاربوا دعوة الحق أكثر من عقد من الزمن، وتنكشف لكم حقيقة بواطنهم العفنة النتنة التي غرّوا الناس بها وتبعتهم طيلة سنين طويلة، وهم يقودنهم من ضلال إلى آخر، كما وتتبين نكرائهم وشيطنتهم التي حاربوا بها دعوة الحق مما يكشف عن عمق المأساة التي لاقاها صاحب الدعوة والخليفة الإلهي السيد أحمد الحسن ع، كما أخبر بذلك صادق آل محمد ع. عن الفضيل بن يسار، قال: (سمعت أبا عبد الله ع يقول: إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشدّ مما استقبله رسول الله ص من جهّال الجاهلية. قلت: وكيف ذاك ؟ قال: إنّ رسول الله صأتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به، ثم قال: أمّا والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر) ([252]). فابتلى القائم الموعود أحمد الحسن ع بهذه الأصنام التي عُرفت بالتأويل والالتفاف على نصوص الشرع مدعين أنهم الأعرف بكلام محمد وآله ص، وهم الحريصون على شرع الله سبحانه وتعالى، والحال أنّهم تضج من فتواهم الباطلة الأعراض والفروج، فكم حللوا للناس حرماً وحرموا عليهم حلالاً، والناس راكعة لهم مطيعة لأقوالهم جهلاً منهم بحقيقة الحال. فأصبحوا كالأحبار والرهبان الذين نصبوا أنفسهم آلهة للناس. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: قلت له: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ﴾([253]) ؟ فقال: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون) ([254]). والهمج الرعاع يستمعون لما يقولون لهم منصتين مطيعين، عابدين لهم من حيث لا يشعرون. عن أبي عبد الله ع، قال: (من أطاع رجلاً في معصية فقد عبده) ([255]). فلم يبقوا من الدين إلاّ اسماً ومن القرآن إلاّ رسماً، كما أخبر صادق آل محمد ع. قال: قال أمير المؤمنين ع: قال رسول الله ص: (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه ومن الاسلام إلاّ اسمه، يسمعون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([256]). وبعد عرضي لهذه اللمحات ستعرفون على عظِم الجرأة على الله سبحانه وخلفائه الذي اجتباهم لدينه وجعلهم عيبة علمة ومواطن سرّه وبابه الذي منه يؤتى. لقد رفض فقهاء اليوم الذين قال عنهم النبي ص بأنهم شر فقهاء كل ما تقدّم، وصاروا يقترحون على حجة الله ما يشتهون كما فعل أسلافهم من قبل، فطلبوا المعجزة من الإمام أحمد الحسن ع. واثق: أبي، لقد تقدّم عندنا أن الحجة لا يعرف فقط بالمعجزة، فكيف هؤلاء يحصرون المعرفة بالمعجزة ؟ الأب: نعم يا ولدي، بل ويقترحون المعاجز كما اقترحوا اسلافهم على الحجج السابقين، كما يحكي لنا القرآن هذه الحقيقة. ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ( أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾([257]). فقد طلب الكوراني في قم الذي يدعي التخصص في الروايات المتعلقة بالإمام المهدي ع أن يحول أحمد الحسن ع لحيته البيضاء سوداء، وبهذا تتحقق المعجزة المقترحة من قبله، كما وطلب اليعقوبي في النجف من السيد أحمد الحسن ع أن يخبره بشيئن يضمرهما في نفسه، وهكذا غيرهما كل يقترح معجزة من المعاجز لكي يؤمن بكون السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع. وأيضاً أصدر السيد أحمد الحسن بياناً يطلب فيه أن يتقدّموا بطلب معجزة وفق شرطين: الأول: أن تكون المعجزة المطلوبة معجزة ذكرها القرآن، حتى إذا أتى بها وكذبوها يستلزم تكذيب القرآن الذي أثبتها بكونها معجزة. الثاني: أن يُعلن عنها وتكون أمام الناس لكي لا تخفى الحقيقة على الناس، وليس معنى ذلك جميع الناس أن تحضر وتشاهد، بل معناه مشاهدة عدد كبير لا يُكذّب في نقله لغيره. وإليكم نص ذلك البيان: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح ديّان الدين رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمّارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدّم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق. {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾([258]). طلبت من جماعة من العلماء ممن يتزعمون الطائفة الشيعية أن يتقدّموا لطلب معجزة وفق صيغة ذكرتها في الصحف الصادرة عن أنصار الإمام المهدي ع, فلم يتقدّم أحد منهم بطلب شيء؛ ولهذا أمرني أبي الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع أبين شيئا من موضعي منه ع , وهو إني وصيه وأول من يحكم من ولده وإني روضة من رياض الجنة أخبر عنها رسول الله ص. وأول معجزة أظهرها للمسلمين وللناس أجمعين هو أني أعرف موضع قبر فاطمة صبضعة محمد ص, وجميع المسلمين مجمعين على أن قبر فاطمة ص مغيب لا يعلم موضعه إلا الإمام المهدي ع, وهو أخبرني بموضع قبر أمي فاطمة صوموضع قبر فاطمة ص بجانب قبر الإمام الحسن ع وملاصق له وكأن الإمام الحسن المجتبى ع مدفون في حضن فاطمة ص, ومستعد أن أقسم على ما أقول والله على ما أقول شهيد ورسوله محمد ص وعلي ع الذي دفن فاطمة ص. والحمد لله وحده ... وكل من يدعي الاتصال بالإمام المهدي ع ولا يرجع لي في كل صغيرة وكبيرة, كاذب مفتر على الله ورسوله. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. والحمد لله وحده. ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ( سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾([259]). السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي إلى الناس أجمعين المؤيد بجبرائيل المسدد بميكائيل المنصور بإسرافيل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم 1/ شوال/ 1424 فلم يستجيب منهم أحد وكأنهم موتى، بل تمادوا في الطغيان فأخذوا يردون على ما يعرضه عليهم من الحكمة والموعظة الحسنة بالسخرية والاستهزاء متجاهلين كل القيم. ولم يغلق السيد أحمد الحسن اليماني الموعود هذا الباب، بل طلب من علماء الشيعة المناظرة العلمية الكاشفة عن كونه حجة ومرسلاً من الإمام المهدي ع، فلم يتصدَّ لمناظرته أحد رغم التحدّي العلمي الذي قدمه لهم، حيث أصدر في ذلك بياناً، وإليكم نصّه: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح ديّان الدين رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمّارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق. ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾([260]). إلى الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه. وإلى الذين يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة. وإلى الذين يعرفون الحق فيتبعون أهله. وإلى كل منصف وباحث عن الحقيقة. وإلى الذين لا يكذبون بما لم يحيطوا بعلمه … لقد دعوت جمع من العلماء في الصحف السابقة الصادرة من أنصار الإمام المهدي ع للمناظرة في القرآن الكريم، أو سماع ما جئت به من تفسير للقرآن الكريم، حتى يتبينوا هل هو من ممكن التحصيل أم أنه علم خاص بأهل بيت العصمة أو من اتصل بهم ص. فلم يستجب لتلك الدعوة أحد منهم. بل أصدر بعض العلماء فتوى بتكذيبيي من دون أن يسمعوا شيئاً منّي، مع أنه لا يوجد دليل نقلي أو عقلي يُجوّز تكذيب من يدعي الاتصال بالإمام المهدي ع، ومن أراد البيان والتفصيل فليراجع (الغيبة للنعماني) و (الغيبة للطوسي) و (إكمال الدين للصدوق) و (بشارة الإسلام للسيد مصطفى الكاظمي) و (موسوعة الإمام المهدي للسيد محمد محمد صادق الصدر)، وكل هذه الكتب من الطبقة الأولى في وثاقة النقل والتحقيق، وكلها تنقل روايات عن أهل البيت ص تؤكد إمكان رؤية الإمام المهدي ع في زمن الغيبة الكبرى وتؤكد على مجيء ممهدين للإمام أرواحنا لمقدمه الفداء يوطئون له سلطانه. وعلى كل حال، فالحمد لله الذي أجرى علينا سنن الأنبياء والمرسلين ص، ولا نقول إلاّ كما قال الإمام الحسين ع: (اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى). فإن وقع الكلام أشد من رشق السهام. أمّا الآن فأني أُكرر الدعوة إلى بعض مراجع التقليد، للمناظرة في القرآن الكريم لإثبات أنّ ما عندي من علم في القرآن هو من الإمام المهدي ع وأني مرسل من الإمامع . حتى لا تبقى حجة لمحتج ولا عذر لمعتذر ومن أجل الحرص على هداية هذه الأمة التي ظُلمت وأُستضعفت على مر العصور أُناشد العلماء ورجال الدين والمؤمنين والناس كافة، بأن يساعدوا على الاستجابة لدعوة المناظرة، حتى لا يكون الجميع مشمولين بقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([261]). أعاذنا الله وإياكم أن نكون من المكذبين بآيات الله تعالى. ونسأل الله تعالى أن يوفق المؤمنين للتشرّف بخدمة الإمام المهدي ع إنه سميع مجيب. وهذه الدعوة موجهة إلى ثلاث فئات من العلماء: الفئة الأولى: السيد علي السيستاني، أو السيد المرعشي نيابة عن السيد السيستاني بتخويل مختوم. والسيد محمد سعيد الحكيم. والشيخ محمد إسحاق الفياض. وشروط المناظرة مع هؤلاء العلماء الثلاثة، أن تكون المناظرة على رؤوس الأشهاد وللناس كافة وفي مكان عام، وإذا انتهت المناظرة مع أحدهم إلى تكذيب رسول الإمام ع، فعلى المكذب أن يباهل رسول الإمام في نفس المكان وأمام الناس كافة ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([262]). الفئة الثانية: السيد كمال الحيدري، والسيد محمد تقي مدرسي، والسيد كاظم الحائري. وشروط المناظرة مع هؤلاء العلماء، إضافة إلى الشروط السابقة للفئة الأولى، أن يتناظروا مع الشيخ ناظم العقيلي من أجل إثبات أصل الدعوة ومعرفة تفاصيلها، ثم بعد ذلك إذا أرادوا أن يتناظروا معي في علم التفسير، فأنا مستعد لذلك بقوة الله وأرحب بهم. والحمد لله وحده. الفئة الثالثة: الشيخ قاسم الطائي، والشيخ محمد اليعقوبي، والسيد محمد رضا السيستاني، وهؤلاء تكون مناظرتهم مع الشيخ ناظم العقيلي، من أجل إثبات صدق الدعوة والإجابة على تفاصيلها فقط. مع كل الشروط السابقة للفئة الأولى، ما عدا المباهلة. ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾([263]). بقية آل محمد ص الركن الشديد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي عإلى الناس كافة المؤيد بجبرائيل المسدد بميكائيل المنصور بإسرافيل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم النجف الأشرف 17/ شوال/ 1424 هـ . ق وأيضاً لم يُقابل إلاّ بالجحود والنكران والسخرية والاستهزاء. أحمد: إذن ماذا يريدون يا أبي مع كل هذه الأدلة المتقدمة وطلبه ع منهم التصدّي لطلب المعجزة، والمناظرة العلمية، أليس أهل البيت ص ذكروا أنّ الشخص الذي يكون منهم يُعرف بالعلم، ثم هم أليسوا علماء فالمفروض يعرفون الرجل من علمه، فلماذا هذا النكران والجحود الذي يقابلون به وصي ورسول الإمام المهدي ع ؟! الأب: يا بُني هؤلاء ختم على قلوب ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾([264]). ﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾([265]). وصدّهم ما كانوا يعبدون من دون الله سبحانه: ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾([266]). وسيحصدون عاقبة تكذيبهم وصدّهم عن الحق، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾([267]). ولقد وصفهم الرسول ص بأنّهم شر فقهاء تحت ظل السماء ومنهم تخرج الفتنة وإليهم تعود، كما وقال صلابن مسعود في حديث طويل إلى أن يقول ص: (يا ابن مسعود: علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة، ألا إنهم أشرار خلق الله، وكذلك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق الله يدخلهم نار جهنم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾. ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾. ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾. ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظ﴾. ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾. ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾. يا ابن مسعود: يدعون أنهم على ديني وسنتي ومنهاجي وشرائعي إنهم مني برآء وأنا منهم برئ. يا ابن مسعود: لا تجالسوهم في الملا ولا تبايعوهم في الأسواق، ولا تهدوهم إلى الطريق، ولا تسقوهم الماء، قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾، يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾،...) ([268]). وعن الإمام الحسن العسكري ع، أنه قال لأبي هاشم الجعفري: (يا أبا هاشم، سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمة متكدرة، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة، المؤمن بينهم محقر، والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة [سائرون]، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير، وكل محيل عندهم فقير، لا يميزون بين المخلص والمرتاب، لا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض؛ لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنهم من أهل العدول والتحرف، يبالغون في حب مخالفينا، ويضلون شيعتنا وموالينا، إن نالوا منصباً لم يشبعوا عن الرشاء، وإن خذوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنهم قطاع طريق المؤمنين، والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم، وليصن دينه وإيمانه، ثم قال: يا أبا هاشم، هذا ما حدثني أبي، عن آبائه جعفر بن محمد ص، وهو من أسرارنا، فاكتمه إلا عن أهله) ([269]). فوصفهم الإمام شرار خلق الله لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف، وتعليقاً على ذلك أقول: من المعروف في المناهج الحوزوية أنّها ترتكز على أساس العلوم الفلسفية والمنطيقة والأصولية والرجالية، بحيث أصبحت هذه العلوم هي المقدّمة على روايات أهل البيت ص، بل هي الميزان الذي من خلاله يتم قبول الرواية ورفضها، وهذا ما سبب في اسقاط الكثير من الروايات التي ذكرها المحدثون في كتبهم. ولطالما قدّم للعالم النصيحة مستنداً لما قاله أجداده الطاهرون ص، ومما قدّمه لهم هذه البيان الهام الذي جاء فيه إعلان خروج من لم يتبع دعوة الحق من ولاية محمد آل محمد ص، وإليكم نص البيان: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ( كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ ( أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ( أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ( أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ ( جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ ( وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ ( إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ( وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ( وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ ( وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾([270]). والحمد لله على نعمائه وعظيم بلاءه؛ لقد أسفر الصبح لذي عينين، وظهر أمر قائم آل محمد ص كالشمس في رائعة النهار لا لبس فيه لكل طالب حق، وجاءكم يا علماء الشيعة من تعرفونه كما تعرفون أبناءكم ولا يخفى عليكم أمره، بالروايات الصحيحة عن الصادقين ص فهل تنكرون على علماء اليهود والنصارى (لعنهم الله) إنهم لم يتبعوا محمداً ص؛ لأنه ذكر في كتبهم باسمه وصفته وأنه يخرج من فاران وتحتجون عليهم بذلك، أذن فأرجعوا إلى كتبكم وحاسبوا أنفسكم. لقد بشركم بي جدّي رسول الله ص وذكرني في وصيته باسمي وصفتي، ووصلت لكم هذه الوصية بسند صحيح وذكرها علماء الشيعة في كتبهم، وبما وصى رسول الله ص وهو على فراش الموت، أو ليس بأهم شيء ! فلقد أوصاكم بآبائي الأئمة الاثني عشر صوبي وبأبنائي الاثني عشر. عن أبي عبد الله ع، عن آبائه، عن أمير المؤمنين ع، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن، احضر صحيفة ودواة، فأملى رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الأثني عشر إمام، وساق الحديث إلى أن قال وليسلمها الحسن ع إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد ص فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين)([271]). عن الصادق ع أنه قال: (إنّ منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع)([272]). في البحار، قلت للصادق جعفر بن محمد ع: يا بن رسول الله سمعت من أبيك ع إنه قال: يكون من بعد القائم اثنا عشر إماماً، فقال: (إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل إثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([273]). عن أمير المؤمنين ع في خبر طويل: (… فقال ع: ألا وإنّ أولهم من البصرة وأخرهم من الأبدال …) ([274]). عن الصادق ع في خبر طويل سمى به أصحاب القائم ع: (… ومن البصرة ……… أحمد …) ([275]). عن الإمام الباقر ع أنه قال: (للقائم اسمان اسم يخفى واسم يعلن؛ فأمّا الذي يخفى فأحمد، وأمّا الذي يعلن فمحمد) ([276]). وعن الباقر ع: (مشرف الحاجبين غاير العينين بوجهه أثر) ([277]). أخبروكم أهل البيت ص باسمي ومسكني وصفتي فهل خفيت عليكم، ولكن ﴿يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾([278]). ولقد دفع أسلافكم آبائي عن حقهم وقالوا في أمير المؤمنين علي ع إنه حريص على الملك؛ لأنه طالب بحقه وسخروا منه حتى ملئوا كبده قيحاً، وقال لهم مال علي وملك لا يبقى، وأقول لكم مالي وملك لا يبقى ولكني مأمور وسأصبر كما صبر ع حتى يأذن الرحمن في أمري. لقد بالغ آبائي الصالحون ص في الأخبار عن أبي الإمام محمد بن الحسن المهدي ع وعني ولم ينسوني من دعائهم بفضل من الله علي، قال الإمام الرضا ع في دعاء اللهم ادفع عن وليك … (اللهم أعطه في نفسه وأهله وَوَلَدِهِ وذريته …) ([279]). فأن تنكروني فأنا ابن الحسن سبط النبي المرتهن الويل لمن ناواني واللعنة على من عاداني، أنصاري خير أنصار تفتخر الأرض بسيرهم عليها وتحفهم الملائكة وأول فوج يدخل الجنة يوم القيامة، هم والله العلي العظيم واقسم بـ يس وطه والمحكمات وبـ كهيعص وحمعسق وبالقسم العظيم - آلم - إنهم الفرقة الناجية، وهم أمة محمد ص حقاً وصدقاً، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؛ لأنهم يقرّون بحاكمية الله في أرضه دون من سواهم، لا تجرفهم الفتن؛ لأنهم محصوا وغربلوا حتى خرجت المدرة من حب الحصيد ، هم رهبان في الليل اسود في النهار مجاهدون شجعان لا تأخذهم في الله لومة لائم، يرون أكل خبز الشعير والنوم على المزابل كثير مع سلامة الدين ويرون الموت في حب آل محمد ص أحلى من الشهد فطوبى لهم وحسن مآب. أمّا بعد فيا شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بحسب ما تدعون لقد قامت عليكم الحجة البالغة التامة من الله سبحانه وتعالى بي وبأني الصراط المستقيم إلى جنات النعيم فمن سار معي نجا ومن تخلف عني هلك وهوى، وهذا هو الإنذار الأخير لكم من الله ومن الإمام المهدي ع وما بعده إلاّ آية العذاب والخزي في هذه الحياة الدنيا ، وفي الآخرة جهنم يصلونها وبئس المهاد لمن لم يلتحق بهذه الدعوة. اللهم أنت قلت: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾([280])، وأنا المضطر وابن السبيل واليتيم والمسكين فاجبني بفضلك ورحمتك وعطائك الابتداء يا مجيب دعوة المضطرين ربي استنصرك على عدوك وعدوي فانصرني إنه لا قوة إلاّ بك أنت سبحانك. وأعلن باسم الإمام محمد بن الحسن المهدي ع أن كل من لم يلتحق بهذه الدعوة ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي ع بعد 13 رجب 1425 هـ. ق فهو: خارج من ولاية علي بن أبي طالب ع وهو بهذا إلى جهنم وبئس الورد المورود وكل أعماله العبادية باطلة جملة وتفصيلاً فلا حج ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة بلا ولاية. إنّ رسول الله محمد بن عبد الله ص بريء من كل من ينتسب أليه ولم يدخل في هذه الدعوة ويعلن البيعة. ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ( مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ( سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾. والحمد لله وحده ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾([281]). وصي ورسول الإمام المهدي إلى الناس كافة أحمد الحسن 13/ جمادي الثاني/ 1425 هـ . ق وبعد هذا كله لاحظوا رحمة آل محمد بالأمة رغم تنكرها لهم والإساءة إليهم بكل أنواعها التي لا توصف ويعجز القلم عن إحصائها وكتابتها، وعلى الرغم من ذلك تقدّم بطلب المباهلة من كبار علماء الطوائف الثلاثة؛ المسلمين، والنصارى، واليهود، المباهلة التي عرضها جدّه الرسول محمد ص على نصارى نجران بعد أن أنكروا كل أدلته التي جاء بها ومن كتبهم التي يعتقدونها، فكذلك اليوم تعاد الكرة من جديد على آل محمد ص وبصورة أشد وأبشع، فطلب السيد أحمد الحسن ع من علماء الأديان أن يباهلوه، وأصدر في ذلك بياناً إليكم نصه: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين، وعلى الأنبياء والمرسلين، واللعنة الدائمة على مخربي شرائعهم إلى قيام يوم الدين. الدين الإلهي الحق واحد في كل زمان، ولا يمكن أن يتعدّد، كما أنّ حجة الله على الناس واحد في كل زمان، ولا يمكن أن يتعدّد. وفي هذا الزمان الأديان الإلهية على هذه الأرض هي الإسلام والمسيحية واليهودية، وكل دين ينقسم إلى طوائف. وأنا العبد المسكين المستكين بين يدي ربه، أدعو كبار علماء الطوائف والديانات الإلهية الثلاث وفي كل الأرض للمباهلة لمعرفة صاحب الحق، وهي أن نبتهل إلى الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾([282])، فإن لم يستجيبوا لدعوتي فليعلموا أنهم ومن يتبعهم في ضلال مبين، وسيبيدهم الله بالعذاب والمثلات التي بدء ملائكة الله يصبونها على أهل الأرض، فقد نزل العذاب على مواضع في هذه الأرض، والله لا ينزل العذاب إلاّ بعد وجود رسالة إلهية على الأرض ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾([283]). المندوب عن المنقذ أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) شوال/ 1426 هـ . ق وعلى الرغم من العلم الحكمة اللذين أتى بهما، والأدلة العلمية التي بينها بكل تواضع وإنصاف، سالكاً في ذلك سلوك أجداده الكرام محمد وآله ص، صابراً محتسباً راضياً بما يرضاه الله تعالى مفوضاً أمره إليه سبحانه. وما قُوبل به من تكذيب وتشويه للصورة الحقيقة التي بينتها الروايات لهذه الدعوة الشريفة ولصاحبها على الرغم من علو مقامه عند الله سبحانه. وليس غريباً أن يحدث ذلك فليس أول مرّة تحصل مع آل محمد ص هذه الانتكاسة وهذا الخذلان، فقد خُذل أجداده من هذه الأمة التي تدعي إنها تابعة لهم وتشايعهم. وبعد عجزهم عن الدليل والبرهان العلمي صمموا على تصفيته ع وأنصاره الكرام، فقتل من قتل منهم ، وأسر من أسر ، فحسبنا الله ونعم الوكيل ، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد ص أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. والكلام في تاريخ الدعوة طويل ذو شجون اختصرت لكم يا أبنائي هذه اللمحات من تاريخها العظيم وجهاد صاحبها ع وأنصاره الكرام، وإن أردتم التوسع فستجدون الكثير في إصدارات أنصار الإمام المهدي ع، وفي الختام جعلنا الله من خدامهم بحق محمد وآله الطاهرين. قال يماني آل محمد ع: (الحمد لله وحده وحده وحده، اللهم لك الحمد والمنة اللهم إني لم أكن أدري ما الكتاب ولا الأيمان فعرفتني، اللهم إني كنت ضالاً فهديتني، اللهم إني كنت ضائعاً فأرشدتني، اللهم إني كنت مريضاً فشفيتني، اللهم إني كنت عُرياناً فكسوتني، اللهم إني كنت جائعاً فأطعمتني، اللهم إني كنت عُطشاناً فرويتني، اللهم إني كنت عائلاً فأغنيتني، اللهم إني كنت يتيماً فآويتني، فلا طاقة لي على شكرك؛ لأني لم أُصب خيراً قط إلاّ منك، ولم يدفع عني أحدٌ سوءاً قط إلاّ أنت، فلك الحمد كما ينبغي لكرم وجهك، وعز جلالك. اللهم صلي على محمد وآل محمد وأفتح مسامع قلبي لذكرك، حتى أعي وحيك، وأتبع أمرك، وأجتنب نهيك. اللهم صلي على محمد وآل محمد ولا تصرف عني وجهك، ولا تمنعني فضلك، ولا تحرمني عفوك، وأجعلني أوالي أوليائك وأعادي أعدائك، أرزقني الرهبة منك والرغبة إليك والتسليم لأمرك والتصديق بكتابك وأتباع سنة نبيك ص، اللهم أجعل مسيري عبراً، وصمتي تفكراً، وكلامي ذكرى، وأغفر لي الذنب العظيم، وألحقني بآبائي الصالحين، ولك الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً. اللهم وأبلغ سلامي إلى رسولك المؤيد المنصور المسدد الحاشر الناشر محمد ص وأعتذر وأستغفر وأتوب إليك وأليه من تقصيري في تبليغ الرسالة عن وليك وولده المظلوم محمد بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه الطاهرين، والسلام على المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها ورحمة الله وبركاته). فصلوات الله عليك أيها المحتسب الصابر، والعبد الصالح ومجمع بحري علي وفاطمة من عبدٍ ذليل مقرٍ بالتقصير بين يديك، معترف بعجزه عن معرفتك أيها العبد الحكيم، أقول وقلبي وَله إليك وعيوني تدمع بسبب البعد عنك: (ليت شعري أين استقرت بك النوى، بل أي أرض تقلك أو ثرى، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى، عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا ترى، ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيز عليّ أن تحيط بك دوني البلوى، ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى. بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا، بنفسي أنت أمنية شائق يتمنى، من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنا، بنفسي أنت من عقيد عز لا يسامى، بنفسي أنت من أثيل مجد لا يجازى، بنفسي أنت من تلاد نعم لا تضاهي، بنفسي أنت من نصيف شرف لا يساوى. إلى متى أحار فيك يا مولاي، والى متى ، وأي خطاب أصف فيك، وأي نجوى، عزيز عليّ أن أجاب دونك وأناغى، عزيز عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى، عزيز عليّ أن يجري عليك دونهم ما جرى. هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى، هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى، هل يتصل يومنا منك بغده فنحظى، متى نرد مناهلك الروية فنروى، متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصدى، متى نغاديك ونراوحك فتقر عيوننا، متى ترانا ونريك وقد نشرت لواء النصر ترى. أترانا نحف بك، وأنت تأم الملأ، وقد ملأت الأرض عدلاً، وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً، وأبرت العتاة وجحدة الحق، وقطعت دابر المتكبرين، واجتثثت أصول الظالمين، ونحن نقول: الحمد لله رب العالمين) ([284]). والسلام عليك يا أحمد المظلوم وعلى الشهداء الذين سقطوا بين يديك وعلى أنصارك الأطهار، أسأله تعالى أن يوفقنا للمسير معك ويثبتنا على ولايتك إنه سميع مجيب. عبدك وخادمك وخادم أنصارك عبد العالي
Footers

[1] - مختصر بصائر الدرجات: ص38.

[2] - غيبة الشيخ الطوسي: ص150.

[3] - ينابيع المودة لذوي القربى: ج2 ص315.

[4] - أخرج أحمد بن حنبل في المسند: ج5 ص97 و 101 ط الميمنية بمصر.

[5] - الإمامة والتبصرة: ص2.

[6] - أخرج الحافظ مسلم بن حجاج القشيري في صحيحه: ج6 ص3 ط محمد علي صبيح بمصر.

[7] - أمالي الصدوق: ص386.

[8] - الإمامة والتبصرة: ص2.

[9] - مختصر بصائر الدرجات: ص38.

[10] - الإيقاظ من الهجعة: ص370.

[11] - الكافي: ج1 ص531.

[12] - كنز الفوائد: ص63، بحار الأنوار: ج27 ص228.

[13] - الخصائص الفاطمية: ج1 ص562.

[14] - غيبة النعماني: ص73.

[15] - مقتضب الأثر: ص9.

[16] - التعجب: ص113، بحار الأنوار: ج25 ص362، مستدرك سفينة البحار: ج8 ص220.

[17] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص429.

[18] - كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص135.

[19] - الكافي: ج1 ص532.

[20] - من لا يحضره الفقيه: ج4 ص180، عيون أخبار الرضا (: ج2 ص52، كمال الدين: ص269، الإرشاد: ج2 ص346.

[21] - الكافي: ج1 ص534.

[22] - النهاية في غريب الحديث: ج2 ص300.

[23] - بحار الأنوار: ج32 ص320.

[24] - الكافي: ج1 ص534.

[25] - الكافي: ج1 ص532.

[26] - كفاية الأثر: ص156، بحار الأنوار: ج26 ص349، غاية المرام: ج1 ص47، معجم أحاديث الإمام المهدي (:ج1 ص440.

[27] - لمحات للشيخ لطف الله الصافي: ص220.

[28] - كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص379، بحار الأنوار: ج22 ص148.

[29]  كفاية الأثر: ص226.

[30] - الغيبة للطوسي: ص152.

[31] -الغيبة للنعماني: ص58.

[32] -الكافي: ج1 ص379، دلائل الإمامة: ص530، الاختصاص: ص209، غيبة الطوسي: ص165، وفي: ص339 أيضاً، الهداية الكبرى: ص362، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص62، نهج السعادة: ج7 ص464، مكيال المكارم: ج1 ص113.

[33] - تصحيفات المحدثين:ج1 ص40مقدمة التحقيق.

[34] - تصحيفات المحدثين: ج1 ص49مقدمة التحقيق.

[35] - معالم المدرستين: ج3 ص259.

[36] - مجمع البحرين: ج1 ص132.

[37] - الكافي:ج1 ص531.

[38] - يقصد بالحديث السابع الرواية الأولى التي تقدّمت في الحلقة السابقة، وهي ما رواه الشيخ الكليني بسنده، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ( يقول: (الإثنا عشر الإمام من آل محمد / كلهم محدث من رسول الله / ومن ولد علي، ورسول الله وعلي (عليهما السلام) هما الوالدان....). وبالرواية الرابعة عشر هي الرواية الثالثة التي تقدّمت في الحلقة السابعة، وهي ما رواه الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أبي الجاورد، عن أبي جعفر (، قال: قال رسول الله /: (إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا).

[39] - وهذا هو الحديث السابع بكامله: 7- محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد الخشاب، عن ابن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ( يقول: (الاثنا عشر الإمام من آل محمد / كلهم محدث من رسول الله / ومن ولد علي ورسول الله وعلي (عليهما السلام) هما الوالدان. فقال علي بن راشد وكان أخا علي بن الحسين لأمه وأنكر ذلك فصرر أبو جعفر ( وقال: أما إن ابن أمك كان أحدهم). الكافي: ج1 ص531.

[40] - رواه الشيخ المفيد في الإرشاد بهذا السند: أخبرني أبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن (الحسن بن عبيد الله)، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي ابن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر ( يقول: (الاثنا عشر....). الإرشاد: ج2 ص347.

[41] - عيون أخبار الرضا (: ج2 ص60، الخصال: ص480، رواه الصدوق في الكتابين بهذا السند: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا أبو علي الأشعري، عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن سماعه، عن علي بن الحسن بن رباط، عن أبيه، عن ابن أذينة، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر ( يقول: (نحن اثنا عشر إماماً من آل محمد كلهم محدثون بعد رسول الله / وعلي بن أبي طالب منهم).

[42] - معالم المدرستين: ج3 ص 259.

[43] - أصول الدين للحائري: ص196.

[44] - دروس في علم الأصول: ج2 ص112.

[45] - رسائل المرتضى: ج3 ص145.

[46] - دروس في علم الأصول: ج3 ص217.

[47] - دروس في علم الأصول: ج1 ص416.

[48] - ينابيع المودة: ج3 ص383.

[49] - الكافي: ج1 ص532. رواه الكليني بسنده عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (، عن جابر بن عبد الله الأنصاري،.

[50] - الإرشاد: ج2 ص346. خبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد ابن يحيى، عن (محمد بن الحسين)، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة بنت رسول الله عليهما السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها، فعددت اثني عشر اسما آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي).

[51] - إعلام الورى: ج2 ص166.

[52] - والسندين هما: الأول: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

والثاني: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (، عن جابر بن عبد الله الأنصاري. عيون أخبار الرضا (: ج2 ص52.

[53] - رواه بهذا السند: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه)، قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، وعبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (، عن جابر بن عبد الله الأنصاري. كمال الدين: ص269.

[54] - جاء في الخصال بهذا السند والمتن: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد ابن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر أحدهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي). الخصال: ص477.

[55] - معالم المدرستين: ج3 ص262.

[56] - معالم المدرستين: ج3 ص259.

[57] - أصول الدين: ص198.

[58] - الكافي: ج1 ص534.

[59] - معالم المدرستين: ج3 ص264.

[60] - غيبة الشيخ الطوسي: ص137 وما بعدها.

[61] - نقلها في البحار بهذا السند: غيبة الشيخ الطوسي جماعة عن أبي المفضل الشيباني، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن الأشعري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (.

[62] - يقصد قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ القدر: 4. حيث عطف الروح وهو جبرائيل على الملائكة، وهو منهم فيكون من قبيل عطف العام والخاص.

[63] - المقصود به هو الشيخ الطوسي حيث جاء في السند الذي ذكره في الغيبة (الأشعري)، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (.

[64] - بحار الأنوار: ج36 ص259.

[65] - ومن ذلك ما أفتى به السيستاني، وإليك نص تلك الفتوى الصادرة عن جهل بحقيقة الأمر: (بسمه تعالى، إنّ الموقف الشرعي تجاه من يزعم اللقاء بإمام العصر أرواحنا فداه، مباشرة أو عن طريق الرؤيا في زمن الغيبة الكبرى يتمثل في عدم تصديقه فيما يدعيه وعدم الأخذ بما ينسبه إليه ( من أوامر وغيرها. بل والإنكار عليه فيما يحكيه عنه صلوات الله وسلامه عليه من الأمور المعلومة بطلانها كبعض ما ذكر أعلاه، ونحن نهيب بإخواننا المؤمنين وفقهم الله لمراضيه أن لا ينساقوا وراء مثل هذه الدعاوي ولا يساهموا في نشرها والترويج لها بأي نحو من الأنحاء وننصحهم بالتحرّز عن أصحابها وأتباعهم ما لم يتركوا هذا السبيل، ونتضرّع إلى الله تبارك وتعالى أن يعجل في فرج إمامنا صاحب العصر عليه السلام ويجعلنا من أنصاره وأعوانه. 21/رمضان/1422 هـ).

[66] - قال ابن منظور: نمس: النمس، بالتحريك: فساد السمن والغالية وكل طيب ودهن إذا تغير وفسد فساداً لزجاً. ونمس الدهن، بالكسر، ينمس نمسا، فهو نمس: تغير وفسد، وكذلك كل شيء طيب تغير،.... لسان العرب: ج6 ص243.

وقال الخليل ابن أحمد الفراهيدي: نمس: النمس: فساد السمن، وفساد الغالية. وكل طيب ودهن تغير وفسد فساداً لزجاً فقد نمس ينمس نمساً، والنعت: نمس، وقد يقال للشعر إذا توسخ وأصابه دهن: نمس. والنمس: سبع من أخبث السباع. ونمس من الرجال، خبيث منهم. والنمس: دواب سود الواحدة: نمسة. والناموس: قترة الصياد. ولما نزل جبريل على النبي (عليهما السلام) قيل: (جاء الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى (). ويقال: هو وعاء لا يوعى فيه إلا العلم. وناموس الرجل: صاحب سره، وقد نمس ينمس نمساً. ونامسته منامسة، أي: ساررته. كتاب العين: ج7 ص276.

[67] - غيبة الشيخ الطوسي: ص412، بحار الأنوار: ج51 ص378.

[68] - فقه علائم الظهور: ص11.

[69] - العجل: ج2 ص61.

[70] - مقدمة الشيخ الكليني في الكافي.

[71] - الكافي: ج1 ص8.

[72] - أصول الكافي للكليني: المقدمة: ص8 .

[73] - غيبة النعماني: ص175 .

[74] - المائدة: 101.

[75] - بحار الأنوار: ج77 ص380 .

[76] - القمر: 5.

[77] - بحار الأنوار: ج53 ص171.

[78] - هود: 113.

[79] - العجل: ج2 ص63.

[80] - كمال الدين وتمام النعمة: ص516. رواها الشيخ الطبرسي في الاحتجاج: ج2 ص296، غيبة الطوسي: ص395، بحار الأنوار: ج53 ص318 .

[81] - مع العبد الصالح: ص28.

[82] - معجم رجال الحديث: ج31 ص182.

[83] - قال: تنبيه: قد وقع هنا سهوان في كتابين من كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، ينبغي التنبيه عليهما:

الأول: في كتاب الغيبة للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رضي الله عنه) ففيه في النسخة التي عندي، هكذا أخبرنا جماعة عن أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب، قال: كنت بمدينة السلام، وساق الحديث مثل ما نقلناه عن كمال الدين لابن بابويه (رضي الله عنه)، وقد عرفت أن الذي روى عنه ابن بابويه حسن بن أحمد، والظاهر أنّ السهو في كتاب الشيخ الطوسي وقع من النساخ، ويؤيد وقوع السهو فيه من بعض النساخ أنّ الحاج ميرزا حسين النوري (رضي الله عنه) نقل هذا الحديث في جنة المأوى من غيبة الشيخ عن الحسن بن أحمد المكتب والله تعالى هو العالم.

والثاني: في كتاب مستدرك الوسائل للعالم المحدث المتتبع الحاج ميرزا حسين النوري (رضي الله عنه) فإنه مع سعة باعه، وكثرة اطلاعه، واهتمامه في استقصاء أسماء مشايخ الصدوق، غفل عن ذكر هذا الشخص الجليل، الذي روى عنه الصدوق مكرراً مترضيا مترحماً وأمثال هذه الأمور مما يبعث العالم على الفحص والتتبع ، ويوجب له الظفر بما غفل عنه من قبله، فعليكم يا إخواني بالسعي والاجتهاد، فإن الله لا يخيب كل طالب مرتاد. ومما يدل أيضاً على وقوع السهو والاشتباه في كتاب الشيخ، وعلى غفلة صاحب المستدرك عن ذكر ذلك الشيخ (رضي الله عنه) أنّ المولى عناية الله المذكور نقل الحديث المسطور عن كتاب ربيع الشيعة لابن طاووس حاكياً عن الحسن بن أحمد المكتب، فتبين بحمد الله تعالى وعونه أنّ الراوي عن أبي الحسن السمري (رضي الله عنه) هو الحسن بن أحمد الذي روى عنه ابن بابويه (رضي الله عنه). ومما يدل على صحة هذا الحديث وصدوره عن الإمام أيضاً أنّ الشيخ الطبرسي (رضي الله عنه) صاحب كتاب الاحتجاج ذكره مرسلاً من دون ذكر السند، والتزم في أول الكتاب وصرح بأنه لا يذكر فيه سند الأحاديث التي لم يذكر أسانيدها، إما بسبب موافقتها للإجماع، أو اشتهارها بين المخالف والمؤلف، أو موافقتها لحكم العقل. فظهر أن الحديث المذكور أيضا كان غنياً عن ذكر السند. إمّا لموافقة الإجماع أو لاشتهاره، أو لكليهما جميعاً. ومما يدل أيضاً على صحته، أنّ علمائنا من زمن الصدوق (رضي الله عنه) إلى زماننا هذا استندوا إليه، واعتمدوا عليه ولم يناقش ولم يتأمل أحد منهم في اعتباره كما لا يخفى على من له أنس وتتبع في كلماتهم ومصنفاتهم فتبين من جميع ما ذكرناه أنّ الحديث المذكور من الروايات القطعية، التي لا ريب فيها، ولا شبهة تعتريها، وهو مما قال فيه الإمام (: (فإن المجمع عليه لا ريب فيه). مكيال المكارم للميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج2 ص334.

[84] - قال السيد الخوئي: الحسن بن أحمد المكتب: أبو محمد، من مشايخ الصدوق (قدس سره) ترحم عليه، كمال الدين، الباب 49، الحديث 41. معجم رجال الحديث: ج5 ص272.

[85] - قال: (الحسن بن أحمد المكتب، أبو محمد: لم يذكروه. روى عنه الصدوق في ك باب 45 حديث حضوره عند علي ابن محمد السمري قبل وفاته بأيام، وإخراجه توقيع الإمام يخبره بموته، وعدم إيصائه إلى أحد وغيره. مستدركات علم رجال الحديث: ج2 ص348.

[86] - تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر: ص641، دار التعارف: ص1992.

[87] - تاريخ الغيبة الصغرى: ص641.

[88] - المرسل على صيغة المجهول من الإرسال بمعنى الإطلاق، كما يقال: ناقة مرسله؛ لأن الراوي لا يقيده براو. وهو: ما رواه عن المعصوم ( من لم يدركه في ذلك، وإن أدركه في غير ذلك واجتمع معه، فإن رواه عنه حينئذ بغير واسطة أو بواسطة سقطت من السلسلة (من آخرها - كذلك -)، واحداً كان الساقط أو أكثر (أو كلها)، عن عمد أو سهو أو نسيان، (فمرسل)، عن المشهور. نهاية الدراية للسيد حسن الصدر: ص189.

[89] - بشارة الإسلام: ص146.

[90] - بحار الأنوار: ج35 ص318 .

[91] - الكافي: ج1ص340.

[92] - شرح أصول الكافي: ج6 ص265.

[93] - قال الشيخ الفاضل ناظم العقيلي: (لا يطلع على موضعه) ولم تتطرق إلى نفي مشاهدة الإمام ( والالتقاء به في مكان غير موضعه الأصلي، بل الرواية صريحة في إمكان الاطلاع حتى على موضعه لخاصة مواليه في دينه (لا يطلع على موضعه فيها إلا خاصة مواليه في دينه) فإنّ المشاهدة قد ثبتت للإمام ( في أماكن متعددة بل في دول متعددة. فيبقى إمكان مشاهدة الإمام المهدي ( غير منفي بهذه الرواية؛ لأنها لم تقل: (لا يطلع على شخصه) بل قالت: (لا يطع على موضعه) والى هذا المعنى أشار بعض العلماء الأجلاء ومنهم السيد الشهيد الصدر (رحمه الله ) في موسوعته المهدية . الرد القاصم على منكري ذرية القائم: ص33.

[94] - غيبة النعماني: ص176.

[95] - غيبة الطوسي: ص61.

[96] - تاريخ الغيبة الصغرى: ص652.

[97] - تاريخ الغيبة الصغرى: ص653.

[98] - بحار الأنوار:ج52 ص151.

[99] - البقرة: 185.

[100] - نقلاً عن كتاب الرد القاصم على مكذبي رؤية القائم: ص36.

[101] - ولكي تتضح الفكرة للقارئ الكريم أنقل نص ما جاء في كتاب المنطق للشيخ المظفر، قال: الخبر والإنشاء: كل مركب تام له نسبة قائمة بين أجزائه، تسمى النسبة التامة أيضاً، وهذه النسبة:

أولاً: قد تكون لها حقيقة ثابتة في ذاتها مع غض النظر عن اللفظ، وإنما يكون لفظ المركب حاكياً وكاشفاً عنها، مثل ما إذا وقع حادث أو يقع فيما يأتي فأخبرت عنه، كمطر السماء، فقلت: مطرت السماء، أو تمطر غداً، فهذا يسمى (الخبر) ويسمى أيضاً (القضية) و (القول). ولا يجب في الخبر أن يكون مطابقاً للنسبة الواقعة، فقد يطابقها فيكون صادقاً، وقد لا يطابقها فيكون كاذباً.

إذاً الخبر: هو المركب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الكذب. والخبر: هو الذي يهم المنطقي أن يبحث عنه، وهو متعلق التصديق.

ثانياً: وقد لا تكون للنسبة التامة حقيقة ثابتة بغض النظر عن اللفظ، وإنما اللفظ هو الذي يحقق النسبة ويوجدها بقصد المتكلم، وبعبارة أصرح: إنّ المتكلم يوجد المعنى بلفظ المركب، فليس وراء الكلام نسبة لها حقيقة ثابتة يطابقها الكلام تارة ولا يطابقها أخرى، ويسمى هذا المركب (الإنشاء). ومن أمثلته: الأمر، نحو: احفظ الدرس . النهي، نحو: لا تجالس دعاة السوء. الاستفهام، نحو: هل المريخ مسكون ؟ النداء، نحو: يا محمد ! التمني، نحو: لو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ؟ التعجب، نحو: ما أعظم خطر الإنسان ! العقد، كإنشاء عقد البيع والإجارة والنكاح ونحوها، نحو بعت وآجرت وأنكحت. الإيقاع، كصيغة الطلاق والعتق والوقف ونحوها، نحو فلانة طالق وعبدي حر. وهذه المركبات كلها ليس لمعانيها حقائق ثابتة في أنفسها بغض عن اللفظ تحكي عنها فتطابقها أو لا تطابقها، وإنما معانيها تنشأ وتوجد باللفظ، فلا يصح وصفها بالصدق والكذب. فالإنشاء: هو المركب التام الذي لا يصح أن نصفه بصدق وكذب. المنطق للشيخ محمد رضا المظفر: ص61.

[102] - القضية أو الجملة تتألف من موضوع ومحمول ففي قولنا: (زيد قائم) الموضوع هو زيد والمحمول هو قائم، كما أنّ في قولنا: (قام زيد) الموضوع هو زيد وقام محمول، والمحمول هو الحكم الذي يصبه المتكلم على الموضوع.

[103] - المنطق للشيخ محمد رضا المظفر: ص161.

[104] - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد بتحقيق الآملي: ص164.

[105] - هامش جامع الأدلة: ص30.

[106] - تهذيب الأحكام: ج1 ص38.

[107] - الغيبة للنعماني: ص285.

[108] - ونضيف أمراً خامساً ذكره الشيخ ناظم العقيلي (حفظه الله) في كتابه الرد الحاسم على منكري ذرية القائم ص38:

الأمر الخامس: إنّ التوقيع غير خارج عن دائرة البداء فيمكن فيه البداء، وعليه فمن غير المقبول أن يجعل التوقيع - بغض النظر عن كل ما تقدّم - دليلاً لنفي السفارة الخاصة ما دام غير خارج عن دائرة البداء.

ولتتضح فكرة البداء أكثر أذكر ما جاء في كتاب مع العبد الصالح، حيث قال الأخ الذي التقى العبد الصالح أحمد الحسن (: كنت قد سألت العبد الصالح ( ذات مرّة عن السفياني وبعض التفاصيل المرتبطة بشخصيات وأحداث الظهور.

فأجابني (: (بالنسبة للتفاصيل كلها يحتمل فيها البداء، بل هو الراجح بالنسبة لخطة عسكرية يراد بها الانتصار على العدو وهو الشيطان وجنده، فحتى الخروج الذي نص عليه أنه في يوم واحد فيه البداء).

ثم بعد أن ذكر بعض الروايات الشريفة لخّص مضامينها، وقال (: (ماذا تفهم من الروايات ؟ القائم من المحتوم، القائم من الميعاد، السفياني من المحتوم، المحتوم ليس فيه بداء، المحتوم فيه بداء، الميعاد ليس فيه بداء.

- فالمحتوم فيه بداء بمعنى في تفاصيله، وإلاّ فهذه روايات تبين أن لا بداء فيه، أمّا أصل وجود سفياني فلابد منه ولكن ممكن يكون فلان أو فلان، ويمكن أن يكون مبدأه من هنا أو من هناك.

- القائم من الميعاد ولا بداء فيه؛ لأنه إمام فلا يكون في المعصوم بداء.

إذن، فأصل قيام اليماني والسفياني والخرساني في يوم واحد واقع ضمن مساحة البداء، فكيف يمكن أن يجعله عاقل دليلاً قطعياً لابد من تحققه وهو مما يبدو لله فيه). مع العبد الصالح: ص25.

[109] - فصلت: 53.

[110] - راجع تفسير سورة يوسف في تفسير الأمثل: ج7 ص129، بتصرّف في العبارات للإيضاح.

[111] - أمالي الشيخ الصدوق: ص209.

[112] - بحار الأنوار: ج58 ص193.

[113] - أمالي الشيخ الصدوق: ص208.

[114] - أمالي الشيخ الصدوق: ص209.

[115] - طه: 38 – 39.

[116] - الأنعام: 60.

[117] - الزمر: 42.

[118] - تفسير الميزان: ج11 ص268 – 273.

[119] - الآية يوسف: 44.

[120] - تفسير الميزان: ج11 ص268 – 273.

[121] - الكافي: ج8 ص90.

[122] - الصافات: 102 – 105.

[123] - يوسف: 4.

[124] - يوسف: 36.

[125] - يوسف: 43.

[126] - طه: 38 – 39.

[127] - ومن هنا سمّى القرآن الكريم الرؤيا وحياً، فالوحي غير محصور بالأنبياء كما يتوهم البعض ممن لا علم له بحقائق الأمور، فللوحي أقسام عديدة، ولكي يقف القارئ على حقيقة الأمر أذكر بشكل مختصر الوحي وأقسامه:

أولاً: الوحي: هو الإشارة السريعة كما يقول الراغب في مفردات القرآن. ولذا يقال للأعمال السريعة وحي. ثم اطلقت هذه المفردة على المعارف الإلهية التي تقذف في قلوب الأنبياء والأولياء والصالحين.

ويقول ابن منظور في لسان العرب: إِنّ الوحي يعني (الإشارة) و(الكتابة) و(والرسالة) و(الإلهام) و(والحديث الخفي). ومن مجموع ما تقدّم نعرف أنّ الوحي في الأصل يعني الإشارة السريعة والحديث الرمزي والخطاب الخفي المتبادل بالرسائل أو الإشارات، وبما أنّ التعاليم الإلهية أوحيت إلى الأنبياء بشكل غامض، أطلقت مفردة (الوحي) عليها.

ثانياً: للوحي أشكال متعددة: قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ الشورى: 51.

وعن الإمام الصادق( قال: (الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات: فنبيّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة، ولم تبعث إلى أحد وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط (، ونبيٌّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك، وقد أرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا كيونس (... والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم وقد كان إبراهيم ( نبياً وليس بإمام حتى قال الله: "إني جاعلك للناس إماماً قال: ومن ذريتي فقال الله: لا ينال عهدي الظالمين" من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً) بصائر الدرجات: ص393.

أ- أن يكون بمشاهدة ملك من الملائكة واستماع حديثه، كما هو الحال بالنسبة لجبرئيل( حيث كان الله يُوحي إلى الرسول /. بواسطته.

ب- أن يكون باستماع صوته فقط دون مشاهدته.

ج- أن يكون بالإلقاء بالقلب فقط.

د- أن يكون في الرؤيا الصادقة التي هي محل بحثنا، كما أوحى الله تعالى إلى أم موسى ( بالرؤيا، ومن هنا نعرف أنّ الرؤيا الصادقة وحياً إلهياً، قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ القصص: 7. وأوحى الله سبحانه إلى الحواريين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ المائدة: 111.

وكذلك وحي الله تعالى لنبيه إبراهيم ( في قصة ذبح ولده إسماعيل: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ الصافات: 102، ومدحه سبحانه لتصديقه الرؤيا وامتثاله لما جاء فيها من توجيه رب العالمين، فقال: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ الصافات: 105، ووحي الله لنبينا / من خلال الرؤيا الصادقة وإخباره بأنه والمسلمون سيدخلون الكعبة الشريفة: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾ الفتح: 27.

أ- وقد جاءت مفردة الوحي بمعنى خلق الغرائز كما في الآية: ﴿وَأوْحى رَبُّكَ إلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَجَرِ وَمِمّا يَعْرُشُون﴾ النحل: 68.

ب- وقد جاء الوحي بمعنى تقدير القوانين الإلهية في عالم التكوين، قال تعالى: (وَأوْحى فِي كُل سَماء اَمْرَها) فصلت: 12. وما جاء في شهادة الأرض يوم القيامة: ﴿يَومَئِذ تُحَدَّثُ أخْبارَها بِاَنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها﴾ الزلزال: 5.

ج- وقد جاء بمعنى الخطاب مع الإشارة، كما في قصة زكريا ( مع قومه، قال تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأوحى إلَيْهِم أنْ سَبِّحوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ مريم: 11.

د- وقد جاء بمعنى الالقاءات الشيطانية الغامضة كما في قوله تعالى الآية: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبيّ عَدُوّاً شَياطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحي بَعضُهُمْ إلى بَعْض زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ الأنعام: 112.

[128] - الأنفال: 43.

[129] - الفتح: 27.

[130] - الإسراء: 60 .

[131] - تفسير الميزان: ج11 ص268.

[132] - دار السلام: ج4 ص155.

[133] - ينبغي الالتفات إلى إنّ الشيطان ليس إسماً خاصاً بإبليس وعلماً له كما يتوهم البعض، بل له مفهوم عام، فهو اسم جنس يشمل كل موجود متمرد ومخرّب، سواء كان من الإنس أو الجن أو شيئاً آخر، وهنالك قولان في أصل هذه المفردة:

القول الأول: بأنّه من مفردة (شُطُون) أي البُعد، ولهذا قيل للبئر العميق والبعيد قعره عن متناول الأيدي (شَطون)، ويقول "خليل بن أحمد: إن شَطَن تعني الحبل الطويل، وبما أنّ الشيطان بعيد عن الحق وعن رحمة الله استعملت هذه المفردة فيه.

والقول الثاني: بأنه من مادة (شَيْط) ويعني الالتهاب والاحتراق غضباً، وبما إنّ الشيطان خلق من نار واشتعل غضباً عندما أُمر بالسجود إلى آدم( أطلقت هذه المفردة عليه وعلى الموجودات الأخرى من أمثاله. نفحات القرآن: ج1 ص382 بتصرّف في العبارة واختصارها.

ومن هنا يبطل ما قاله البعض ردّاً على القول بإمكانية نسيان الأنبياء /، متمسكاً بقوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ الحجر:42، ناسباً النسيان إلى إبليس (لعنه الله)، المنفي سلطانه على عباد الله وهم الأنبياء والصالحون، ومن هنا يقول بعدم إمكانية نسبة النسيان إلى الأنبياء /، والحال أنّ صريح القرآن ينسب لهم النسيان، قال تعالى حاكياً عن نبيه الكريم يوسف بن يعقوب (: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ يوسف: 42، وقال تعالى حاكياً عن وصي موسى وفتاه يوشع بن نون (: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾ الكهف: 63.

فلو لاحظ القارئ الآيتين اللتين تثبتان النسيان وتبينان مصدره، وهو الشيطان وقد تقدّم أن الشيطان ليس علماً لابليس حتى يقال أنّ النسيان جاء من إبليس المخلوق الجني الذي أبى السجود لنبي الله آدم ( والله تعالى يقول له: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ الحجر: 42.

فالنسيان هنا جاء من الظلمة التي لا يخلو عنها مخلوق لا من إبليس المنفي سلطانه عنهم /. ومن أراد التعرّف على المزيد فعليه بمراجعة ما خطته يمين يماني آل محمد السيد أحمد الحسن ( في كتابه رحلة موسى إلى مجمع البحرين.

[134] - المجادلة: 10.

[135] - روى علي بن إبراهيم في تفسيره ، قال: وقوله: ﴿إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلاّ بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾.

قال: فإنه حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (، قال: (كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة (عليها السلام) رأت في منامها إنّ رسول الله / هم أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم من المدينة، فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله / ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله / شاة كبراء وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما أكلوا منها ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله / بذلك، فلما أصبحت جاء رسول الله / بحمار فأركب عليه فاطمة وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين / من المدينة، كما رأت فاطمة في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان فأخذ رسول الله / ذات اليمين كما رأت فاطمة (عليها السلام) حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله / شاة ذراء كما رأت فاطمة (عليها السلام) فأمر بذبحها فذبحت وشويت، فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا، فطلبها رسول الله / حتى وقف عليها وهي تبكي فقال: ما شأنك يا بنية ؟ قالت: يا رسول الله، رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد فعلت أنت كما رأيته في نومي فتنحيت عنكم لأن لا أراكم تموتون، فقام رسول الله / فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل ( فقال: يا محمد، هذا شيطان يقال له الزها (الرها ط)، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به، فأمر جبرئيل ( أن يأتي به إلى رسول الله / فجاء به إلى رسول الله / فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا ؟ فقال: نعم يا محمد ! فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع ثم قال جبرئيل لمحمد /: قل يا محمد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياء الله المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي، ويقرأ الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لا يضّره ما رأى فأنزل الله على رسوله ﴿إنما النجوى من الشيطان﴾ الآية). تفسير القمي: ج2 ص355.

وقد وجّه سؤالاً ليماني آل محمد السيد أحمد الحسن ( سؤالاً حول رؤية الزهراء (عليها السلام) في الجواب المنير الجزء الثالث، وأذكره تيمناً به ولتتميم الفائدة، و خلاصة السؤال كيف تمكن الشيطان أن يري فاطمة (عليها السلام)، أليس الملكوت بيد الله سبحانه ؟

فأجاب روحي فداه: (أمّا سؤالك عن رؤيا الزهراء (عليها السلام) فهل تعتقد أنّ الشيطان يعلم الغيب لكي يريها الغيب وقد قال تعالى: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ سبأ: 14، فلم يبقَ إلاّ شيء واحد: إنّ الشيطان ألقى في نهاية الرؤيا هذا الأمر وهو موت الرسول محمد / وبما أنّ العاصم موجود معها وهو رسول الله / فقد وكلها الله إليه / ليبين لها (عليها السلام) إنّ الصوت الذي سمعته في نهاية الرؤيا ليس من الرؤيا، بل هو من الشيطان أراد تحزينها به والحمد لله رب العالين) الجواب المنير: ج3 ص47 الطبعة الثانية.

[136] - بحار الأنوار: ج58 ص193.

[137] - جاء في كتاب نفحات القرآن لمكارم الشيرازي: ج1 ص61: اللطيف هنا هو أنّ علم تعبير المنام من العلوم قليلة الأهمية، وبالرغم من ذلك فإنّ قصة يوسف ( في القرآن تكشف بوضوح عن أنّ علمه أدّى إلى إنقاذه من سجن عزيز مصر، كما أدى إلى إنقاذ مصر من القحط الخطر؛ لأنّ العزيز رأى مناماً عجيباً عجز المفسرون عن تأويله، إلاّ أن أحد السجناء الذين قد أُطلق سراحهم وسبق ليوسف إنْ فَسَّرَ رؤياه في السجن كان حاضراً في البلاط آنذاك فقال: إني أعرف من يفسّر الرؤيا جيداً، وعندما فسّر يوسف ( له ما رآهُ في منامه الذي يتعلق بالأمور الاقتصادية لسبع سنوات مقبلة، أطلق سراحه وتهيَّأت مقدمات حكومته من جهة، ومن جهة أخرى استطاع أن يضع برنامجاً دقيقاً بدقة لإنقاذ أهل مصر من القحط خلال سنوات القحط المقبلة.

[138] - يوسف: 101.

[139] - قصص الأنبياء: ص239.

[140] - يوسف: 3 – 4.

[141] - يونس: 64.

[142] - الكافي: ج8 ص90 ح60.

[143] - من لا يحضره الفقيه: ج1 ص133.

[144] - بحار الأنوار: ج58 ص192.

[145] - الكافي: ج8 ص90 ح59.

[146] - الكافي: ج8 ص90 ح61.

[147] - يوسف: 4.

[148] - الفتح: 27.

[149] - دار السلام: ج1 ص119.

[150] - الإسراء: 60.

[151] - الاختصاص: ص241.

[152] - غيبة النعماني: ص197.

[153] - المائدة: 111.

[154] - الأنعام: 19.

[155] - الرعد: من الآية 43.

[156] - الأحقاف: 8.

[157] - الإسراء: 96.

[158] - كنز الفوائد: ص211.

[159] - أمالي الشيخ الطوسي: ص386، بحار الأنوار: ج85 ص172.

[160] - شرح أصول الكافي: ج11 ص476

[161] - من لا يحضره الفقيه: ج3 ص585، بحار الأنوار: ج49 ص284 .

[162] - بحار الأنوار: ج85 ص210.

[163] - غيبة النعماني: ص203، عنه: بحار الأنوار: ج52 ص138. معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص465.

[164] - الكافي: ج2 ص224، قرب الإسناد: ص380، مختصر بصائر الدرجات: ص104.

[165] - الغيبة للنعماني: ص299، عنه بحار الأنوار: ج51 ص31، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص229.

[166] - بحار الأنوار: ج85 ص176

[167] - بحار الأنوار: ج58 ص234.

[168] - بحار الأنوار: ج58 ص235.

[169] - قد عرفتم أنّ حديث الإمام الرضا ( يقتضي التعميم، وهو الحق المتعين الأخذ به ولا قيمة لكلام ابن سيرين فليس مشرعاً ولا عالماً بملكوت السماوات حتى ينفي أو يثبت الرؤيا. هذا مضافا لما سيأتي من أن النبي / قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإني أرى في كل صورة).

[170] - وهذا الكلام يدل على خلو قائله من العلم بحقيقة خلفاء الله والصالحين من عبادة. وبنفس هذا الكلام أشكل بعض العامة على مسألة قضاء الأئمة لحوائج الناس عند التوسل بهم، وليس محل تفصيل إجابة هذا التوهم هنا، لكنه توهم ناشئ من الجهل بقدرة خلفاء الله سبحانه والتي ذكر بعضها القرآن الكريم، كما في قصة وصي سليمان الذي أتى بعرش بلقيس، وقميص يوسف الذي ردّ بصر يعقوب، نسأل الله أن يعرفنا بخلفائه صلوات الله عليهم./

[171] - هذا الكلام لا دليل عليه، بل ثبت فيما تقدم أنّ الروايات من طرق العامة والخاصة مطلقة، فهذا التفصيل خلاف أطلاق الروايات المتقدمة.كما سيأتي ردّ هذا القول في نقل الشيخ المجلسي لكلام الكرماني. ثم من أين تعرف الصفة التي كان عليها في الحياة الدنيا، إذ ليس كل المعصومين موصوفين وصفاً يستطيع الرائي تشخيص المرئي لو إلهامه بالرؤيا بأنه فلان، نعم كلامه في النبي حيث إنه موصوف بوصف يميزه عن غيره في الروايات ؟

[172] - أي قول النبي المتقدم.

[173] - هذا الكلام لا دليل عليه لكن لنغض الطرف عنه الآن كي لا يخرجنا من موضوعنا، فإن الظاهر من الروايات هي تحقق الرؤية لا إيجاد صورة ..... الخ.

[174] - بحار الأنوار: ج58 ص237.

[175] - كمال الدين وتمام النعمة: ص70.

[176] - قال الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائرية: ص317: واعلم أنه قد وقع الخلاف: في أنّ الحكم الذي حكم به المعصوم ( في الرؤيا هل هو حجة أم لا ؟ قال بعضهم بالحجية، لما ورد: (من أن من رآه فقد رآه، وأن الشيطان لا يتمثل به). وقال بعضهم بعدم الحجية؛ لأنها فرع أن يعرف بصورته في اليقظة، حتى يعلم في المنام أنه هو، وصورة ما رآه صورته. وأجيب: بأنه ورد في زمان الأئمة / مثل الرضا ( أن الراوي قال: (رأيت رسول الله / في المنام ؟ فقال: هو رسول الله /من رآه فقد رآه). ومعلوم أنه ما كان رآه في ذلك الزمان، لكن ربما نرى أحدا منهم في المنام بصورة عالم أو صالح، فيظهر بعد اليقظة انه كان ذلك العالم، أو الصالح، مثل الرؤيا التي رآها (المفيد) رحمه الله وغيره مما نرى كثيراً. إلا أن يقال: إن الصورة صورتهم ، إلا أنهم / أظهروا كذلك إظهارا لجلالة ذلك العالم أو الصالح. مع أن كثيراً من المنامات يظهر منها المعجزة أو غيرها من القرائن التي يظهر منها أن الصورة صورتهم، والحكم حكمهم /. وشرط بعضهم: بأن لا يكون ذلك الحكم مخالفاً للأحكام التي وصلت إلينا.

[177] - روى المجلسي عن كتاب مجموع الدعوات: من أراد أن يرى النبي / في منامه فليقم ليلة الجمعة فيصلي المغرب ثم يدوم على الصلاة إلى أن يصلي العتمة ولا يكلم أحدا ثم يصلى ويسلم في ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة واحدة وقل هو الله أحد ثلاث مرات، فإذا فرغ من صلاته انصرف ثم صلى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب مرة واحدة وقل هو الله أحد سبع مرات ويسجد بعد تسليم ويصلي على النبي وآله سبع مرات ويقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله سبع مرات، ثم يرفع رأسه من السجود، ويستوي جالساً ويرفع يديه و يقول: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام ، يا إله الأولين والآخرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا رب يا رب، ثم يقوم رافعاً يديه ويقول يا رب - ثلاثا - يا عظيم الجلال - ثلاثا - يا بديع الكمال يا كريم الفعال، يا كثير النوال، يا دائم الأفضال، يا كبير يا متعال، يا أول بلا مثال، يا قيوم بغير زوال يا واحد بلا انتقال، يا شديد المحال، يا رازق الخلائق على كل حال، أرني وجه حبيبي وحبيبك محمد / في منامي يا ذا الجلال والإكرام. ثم ينام في فراشه وغيره، وهو مستقبل القبلة على يمينه، ويلزم الصلاة على نبيه / حتى يذهب به النوم فإنه يراه / في منامه إنشاء الله تعالى. بحار الأنوار: ج88 ص380.

[178] - نصيحته التي قدّمها لطلبة الحوزة بتاريخ: 8/ ربيع الثاني/ 1426.

[179] - ومن الواضح أنّ شهادة النبي والمعصومين / للسيد أحمد الحسن ( شهادة للحق الذي ثبت في الروايات كما تقدم في الأقسام الثلاثة الماضية، حيث أثبتنا كونه اليماني وصاحب أهدى الرايات بقانون معرفة الحجة الذي لا يقبل التخلف والاختلاف.

[180] - سفينة البحار: ج10 ص199.

[181] - ق: 41 – 42.

[182] - الشعراء: 4.

[183] - ومن المهم الالتفات إلى معنى الظل المنفي في الرواية، فقد تمسك به بعض الجهلة لنفي إمامة الإمام أحمد الحسن (، بدعوى أنّ الحجة والإمام المعصوم ليس له ظل، وفهم من الظل هو الظل المادي جهلاً منه بأسرار تعبيرات سادة الخلق محمد وآله الطاهرين /، فلو كان الأئمة ليس لهم ظل دائماً لنقل ذلك بشكل ملفت، ولكن لا نجد هذا النقل، نعم روي عن بعضهم أن حدث لهم ذلك على سبيل المعجز أو الكرامة في مناسبات قليلة جداً، ومنه نعرف أنها كسائر الكرامات التي أتحف الله بها أولياءه ولا يتوقف عليها صدقهم.

وكون الإمام المهدي ( ليس له ظل قد يكون له تأويل وباطن ربما يأتي وقت بيانه عن آل محمد /.

[184] - كمال الدين وتمام النعمة: ص371.

[185] - أقول: يحتمل قوياً أنّ لفظ أبن في هذه الرواية وغيرها مصحّف، وأصله (و)، فتكون الرواية واسمه: (أحمد وعبد الله). والذي يرشدنا إلى ذلك:

أولاً: ما جاء في رواية الوصية حيث جاء فيها: ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، (فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين) الغيبة للطوسي: ص151. فالرواية تصرّح بأنّ عبد الله هو أحد أسمائه. بل هو في الحقيقة صفة له كما أنّ المهدي كذلك.

ثانياً: إنّ هذه الأسماء جاءت في رواية أخرى أيضاً رواها حذيفة، حيث قال: قال: سمعت رسول الله / وذكر المهدي فقال: (إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها) الغيبة للطوسي: ص454.

ثالثاً: إنّ المهدي الذي يواكب خروج السفياني هو المهدي الأول، الذي اسمه: أحمد وعبد الله والمهدي، فلا يوجد في الروايات مهدي يواكب خروجه خروج السفياني غير المهدي الأول وهو اليماني ( كما عرفنا من مجموع روايات متعددة تقدمت علينا في الأقسام الثلاثة الماضية.

ومن هنا يكون من القوي جدّاً التصحيف في هذه الرواية وما شابهها.

[186] - الملاحم والفتن لابن طاووس: ص287.

[187] - عقد الدرر: الفصل الثالث - الحديث 143.

[188] - تاريخ ما بعد الظهور: ص123.

[189] - الملاحم والفتن لابن طاووس: ص129.

[190] - الغيبة للطوسي: ص454.

[191] - الفصول المهمة: ج2 ص1117.

[192] - بحار الأنوار: ج36 ص369، و: ج51 ص81.

[193] - عصر الظهور: ص369.

[194] - شرح إحقاق الحق: ج29 ص597.

[195] - جعلت هذا الرواية من قسم الطائفة الثالثة لورود اسم المنادي فيها وهو جبرئيل (، وباعتبار عبارة (ينادي مناد من السماء) يمكن أن تصنف من روايات الطائفة الثانية.

[196] - غيبة الطوسي: ص454.

[197] - تقدّمت الرواية في النقطة الأولى الطائفة الأولى في المتن.

[198] - تقدّمت الرواية في النقطة الأولى الطائفة الأولى في المتن.

[199] - تقدّمت الرواية في النقطة الأولى الطائفة الأولى في المتن.

[200] - تقدّمت الرواية في النقطة الأولى الطائفة الثانية في المتن.

[201] - تقدّمت الرواية في النقطة الأولى الطائفة الثانية في المتن.

[202] - تقدّمت الرواية في النقطة الأولى الطائفة الثانية في المتن.

[203] - عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، أنه قال: (إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد /إن شاء الله عز وجل إنّ الله عزيز حكيم، ثم قال: الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان؛ لأنّ شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم (فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين (. ثم قال (: يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس اللعين ينادي: ألا إنّ فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاك متحير قد هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا فيه أنه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه (عليهما السلام) حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج، وقال: لا بد من هذين الصوتين قبل خروج القائم( : صوت من السماء وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض هو صوت إبليس اللعين ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوماً، يريد بذلك الفتنة، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا بت) غيبة النعماني: ص262.

[204] - راجع الرواية السابقة في الهامش.

[205] - عن عبد الله بن سنان، قال: قال: (كنت عند أبي عبد الله ( فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إنّ هؤلاء العامة يعيرونا، ويقولون لنا: إنكم تزعمون أنّ منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئاً فغضب وجلس، ثم قال: لا ترووه عني، وأرووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي ( يقول: والله إنّ ذلك في كتاب الله عز وجل لبين حيث يقول: ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين﴾، فلا يبقى في الأرض يومئذٍ أحد إلاّ خضع وذلت رقبته لها فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إنّ الحق في علي بن أبي طالب ( وشيعته. قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض ثم ينادي: ألا إنّ الحق في عثمان بن عفان وشيعته فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه، قال: فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرأون منا ويتناولونا، فيقولون: إنّ المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت، ثم تلا أبو عبد الله ( قول الله عز وجل: ﴿وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر﴾ غيبة النعماني: ص267.

[206] - عن ناجية القطان أنه سمع أبا جعفر ( يقول: (إنّ المنادي ينادي: إنّ المهدي من آل محمد فلان ابن فلان باسمه واسم أبيه، فينادي الشيطان: إنّ فلاناً وشيعته على الحق - يعني رجلاً من بني أمية) غيبة النعماني: ص272.

[207] - عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (ينادي مناد من السماء: إنّ فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: إنّ علياً وشيعته هم الفائزون. قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا ؟ فقال: إنّ الشيطان ينادي: إنّ فلاناً وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية - . قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون) غيبة النعماني: ص273.

وعن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (ينادي مناد من السماء: إنّ فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: إنّ علياً وشيعته هم الفائزون) غيبة النعماني: ص272.

[208] - راجع الروايتين السابقتين في الهامش.

[209] - عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (إنه ينادي باسم صاحب هذا الأمر، مناد من السماء: ألا إنّ الأمر لفلان بن فلان، ففيم القتال ؟) غيبة النعماني: ص274.

[210] - راجع الرواية السابقة في الهامش.

[211] - عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (لا يكون هذا الأمر الذي تمدون أعينكم إليه، حتى ينادي مناد من السماء ألا إنّ فلاناً صاحب الأمر فعلام القتال ؟) بحار الأنوار: ج52 ص296، معجم أحاديث الإمام المهدي: ج3 ص454.

[212] - عبد الله ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم، فينادي مناد صادق من شدة القتال: فيم القتل والقتال ؟! صاحبكم فلان) غيبة النعماني: ص275.

[213] - قال السيد ابن طاووس: حدثنا نعيم، قال الوليد: (وأخبرني جراح عن أرطأة، قال: فيجتمعون وينظرون لمن يبايعون، فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذوي ولا ذو، ولكنه خليفة يماني) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص168.

[214] - غيبة النعماني: ص197.

[215] - غيبة النعماني: ص259.

[216] - غيبة النعماني: ص197.

[217] - قرب الإسناد: ص380.

[218] - دار السلام: ج1 ص18.

[219] - شرح أصول الكافي: ج11 ص476.

[220] - يّـس: 83.

[221] - فصل الخطاب في حجية رؤيا أولي الألباب: الفصل الخامس. وبعد أن بيّن له السيد أحمد الحسن ( هذه الوجوه التسعة للتدليل على كون الصيحة هي الرؤيا، قال له: (وإن شاء الله ستوفق لتسعة وجوه أخرى)، وبالفعل توفق الأخ لوجوه تسعة من غير زيادة ولا نقصان كما أخبره السيد أحمد الحسن (، فأبى الله إلاّ أن يصدق أوليائه وحججه /، ومن شاء المزيد فليرجع إلى تلك الوجوه الأخرى فيجدها في الكتاب المذكور.

[222] - غيبة النعماني: ص259.

[223] - لمعرفة المزيد راجع شرح المتشابهات: ج1.

[224] - القصص: 85 .

[225] - بحار الأنوار: ج53 ص113.

[226] - بحار الأنوار: ج52 ص360.

[227] - بحار الأنوار: ج53 ص59.

[228] - غيبة النعماني: ص273.

[229] - غيبة النعماني: ص273، بحار الأنوار: ج52 ص295.

[230] - غيبة النعماني: ص262.

[231] - غيبة النعماني: ص273.

[232] - عن الإمام الصادق ( في رواية طويلة إلى أن يقول: (..قال (: يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس اللعين ينادي: ألا إنّ فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاك متحير قد هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا فيه أنه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه (عليهما السلام) حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج، وقال: لا بد من هذين الصوتين قبل خروج القائم( : صوت من السماء وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض هو صوت إبليس اللعين ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوماً...) غيبة النعماني: ص262.

[233] - راجع الرواية السابقة في الهامش.

[234] - غيبة النعماني: ص272.

[235]  جاء في رواية طويلة عن الإمام الصادق (إلى أن يقول: (فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض ثم ينادي: ألا إنّ الحق في عثمان بن عفان وشيعته فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه) غيبة النعماني: ص267.

[236] - عن زرارة بن أعين، قال: (سمعت أبا عبد الله ( يقول: ينادي مناد من السماء: إنّ فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: إنّ علياً وشيعته هم الفائزون. قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا ؟ فقال: إنّ الشيطان ينادي: إنّ فلاناً وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية - . قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون) غيبة النعماني: ص272.

[237] - خطاب الحج بتاريخ: ذي القعدة/ 1427 هـ . ق.

[238] - عن أبي عبد الله (، قال: (إذا قام القائم ( دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر وضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهديا لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي القائم لقيامه بالحق) بحار الأنوار: ج51 ص30.

[239] - غيبة النعماني: ص206.

[240] - المعترضون على خلفاء الله: ص52.

[241] - غيبة النعماني: ص273.

[242] - غيبة النعماني: ص262.

[243] - غيبة النعماني: ص267.

[244] - غيبة النعماني: ص272.

[245] - يونس: 35.

[246] - غيبة النعماني: ص274.

[247] - راجع كتاب لعلكم تهتدون من إصدارات أنصار الإمام المهدي زادهم الله توفيقاً.

[248] - في كتابه فقه علائم الظهور: ص15.

[249] - عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (: (إنّ القائم صلوات الله عليه ينادي باسمه ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء يوم قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام) غيبة الطوسي: ص452.

[250] - راجع نصيحته لطلبة الحوزة العلمية وكل طالب حق التي كانت بتاريخ: 1/ رجب/ 1426 هـ . ق.

[251] - الأنعام: 9. والنص مقتبس من كتاب فصل الخطاب في حجية رؤيا اؤلي الألباب: ص93.

[252] - غيبة النعماني: ص307.

[253] - التوبة: 31.

[254] - الكافي: ج1 ص53.

[255] - الكافي: ج2 ص398.

[256] - الكافي: ج8 ص307.

[257] - الإسراء: 90 – 93.

[258] - النور: 1.

[259] - الإسراء: 76 – 77.

[260] - يوسف: 108.

[261] - النمل: 84.

[262] - الأنفال: 42.

[263] - النمل: 91 – 93.

[264] - البقرة: 7.

[265] - النحل: 108.

[266] - النمل: 43.

[267] - الأحقاف: 26.

[268] - مستدرك الوسائل: ج12 ص330.

[269] - مستدرك الوسائل: ج11 ص380.

[270] - صّ: 1 – 20.

[271] - غيبة الطوسي: ص150، بحار الأنوار: ج53 ص145.

[272] - الغيبة للطوسي: ص385، البرهان: ج3 ص310، بحار الأنوار: ج53 ص148.

[273] - كمال الدين: ص358، بحار الأنوار: ج53 ص145.

[274] - بشارة الإسلام: ص148.

[275] - بشارة الإسلام: ص181.

[276] - كمال الدين: ص653.

[277] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[278] - هود: 28.

[279] - مفاتيح الجنان: ص618 .

[280] - النمل: 62.

[281] - النمل: 82.

[282] - آل عمران: 61.

[283] - الإسراء: 15.

[284] - مقتبس من دعاء الندبة. إقبال الأعمال: ج1 ص510.