Subjects

-الإهداء

-المقدمة

-الحلقة الأولى: قانون معرفة الحجج

-الحلقة الثانية: قانون التنصيص في الروايات

-الحلقة الثالثة: قانون معرفة الحجج

-الحلقة الرابعة: قانون معرفة الحجج

-الحلقة الخامسة: اليماني يُعرف بقانون معرفة الحجة

-الحلقة السادسة : تتميم لأسئلة الأولاد

-الحلقة السابعة: كيف يُعرف صاحب الأمر؟

-الحلقة الثامنة: الأوصاف الفارقة

-الحلقة التاسعة: روايات حرمة ذكر الاسم واختلاف الكنية

-الحلقة العاشرة: لماذا تُلعن راية الحق؟

-الملاحق

-الملحق رقم (1): احتجاج الإمام الرضا ع على علماء اليهود والنصارى

-الملحق رقم (2): بيان اليماني للسيد أحمد الحسن ع

-الملحق رقم (3): احتجاج الرسول ص على المشركين

-الملحق رقم (4): رواية عن تفسير القمي

-الملحق رقم (5): رواية علي بن مهزيار


Text

إصدارات أنصار الإمام المهـدي ع / العدد (104) حوار قصصي مبسط في الدعوة اليمانية المباركة (القسم الثاني) الشيخ عبد العالي المنصوري الطبعة الأولى 1431 هـ - 2010 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهـداء إلى الإمام العظيم إلى بقية الله في الأرض إلى المدخر لتجديد الفرائض والسنن إلى سيدي ومولاي محمد بن الحسن العسكري ع ﴿ يا أيها العزيز، مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل، وتصدق علينا، إنّ الله يجزي المتصدقين﴾ -المقـدمـــة نحمدك اللهم على ما مننت علينا من نور الهدى وانجيتنا من الردى، بمحمد سيد المرسلين ص، وأنعمت علينا بولاية أمير المؤمنين وعترته الأنوار الباهرة الطاهرين الأئمة والمهديين صلواتك عليهم أجمعين، وألهمتنا البراءة من أعدائهم بالحجج القاهرة إلى يوم الدين. يجد الباحث في دعوة السيد أحمد الحسن اليماني ع إنّ دعوته سرّ أراد أهل البيت ص إخفاءه في عين إرادتهم الدلالة عليه ببيان لا يشوبه شك. فالطريقة التي بينوا فيها صاحب الدعوة طريقة ذكية حكيمة فلم يعهد طريقة بيان بهذه الطريقة، حيث إنّها تحتاج إلى عناء كثير لكي يصل الإنسان لمعرفتها، ويرجع ذلك لأنّ مفرداتها ومفاهيمها مبثوثة في كم كبير من الروايات. ففيها خفاء واضح، كما وفيها بيان واضح، ولا يمكن لأحد يخفي شيئاً في عين كون أدلته واضحة إلاّ الحكيم الذي يعرف كيف يبين كلماته، بل تعد طريقة بيان أدلة الدعوة اليمانية دليلاً على صحتها، إذ من غير الممكن أن يقال بوضع هذه الروايات، وخصوصاً هي لم تكن في زمن واحد، بل بعضها عن الرسول ص والآخر عن الإمام علي ع، والثالث عن الأئمة ص وفي أزمان مختلفة، مع تناسقها وعدم التعارض بينها، فهذا النظام في تنسيق المفاهيم وطريقة تفسير وشرح أحدها للآخر يعد من أقوى الأدلة على أحقية صاحبها ع. وهذه المفاهيم المبثوثة في الروايات أحدها ناظر إلى الآخر وشارحاً وموضحاً له، مما جعل طريقة بيان الدعوة عميقة جداً، لا يمكن أن يصل إليها إلاّ صاحبها. ولو بقيت الناس سنين لما اكتشفت هذه الحقيقة، كما لم يكتشفوها بتفاصيلها من قبل. وحقاً وصدقاً كما قال أبو جعفر الباقرع: (لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه)([1])، في جوابه لمالك الجهني الذي قال له ع: (إنا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس). فلم يستطع أحد كشف هذه الحقيقة إلاّ صاحبها، ولازالت كثير من الأمور غامضة نسأل الله أن يعلمنا من علمهم صلوات ربي عليهم. وأقول وبكل صراحة لم تخطر هذه الطريقة في ذهن أحد، فلم يخطر في ذهن أحد يوماً أنّ اليماني هو نفسه المهدي الأول ع، ونفسه هو القائم وصاحب الأمر ع في بعض الروايات، ونفسه دابة الأرض ونفسه طالع المشرق، وهو شبيه موسى وعيسى (عليهما السلام)، وهو أحمد الذي ترفعه كنوز الطالقان شعاراً لها، فصلوات الله على أحمد اليماني ذي المقام الكبير الذي بدأ حقه واضحاً وضوحاً لا يعتريه غموض إلاّ عند مرضى القلوب الذين اعتادوا الجدال والتشكيك في كل شيء. قال المفضل للإمام الصادق ع: يا مولاي، فكيف بدؤ ظهور المهدي ع وإليه التسليم ؟ قال ع: (يا مفضل، يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره، ويظهر أمره، وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به على أنه قد قصصنا ودللنا عليه، ونسبناه وسميناه وكنيناه، وقلنا سمي جدّه رسول الله ص وكنيه لئلا يقول الناس: ما عرفنا له اسماً ولا كنية ولا نسباً. والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه ونسبه وكنيته على ألسنتهم، حتى ليسميه بعضهم لبعض، كل ذلك للزوم الحجة عليهم، ثم يظهره الله كما وعد به جده صفي قوله (: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾) ([2]). فها قد علا ذكرك يا مولاي أحمد بين الناس كما قال جدّك الصادق ع، والجميع يمهد لك رغم أنفه شاء أم لم يشأ، ويجري ذكرك على ألسنة المحقين والمبطلين كلٍ لتلزمهم الحجة بمعرفتهم بك، فطوبى لمن لم يعثر بك كما قلت يابن الطاهرين وأبا المهديين صلوات ربي عليك وعلى آبائك وأبنائك أجمعين ([3]). وأساله تعالى أن لا يفرق بيننا وبينكم يا كرام، فأنتم أهل الكرم الذين تقبلون شيعتكم على الرغم من أنهم سودوا وجوههم بالمعاصي، وأنتم من تتحملون عنهم الخطيئة، ففاز من والاكم وهلك من عاداكم. وفي الختام أقدم بين يدي القارئ الكريم القسم الثاني من الحوار القصصي المبسط في الدعوة اليمانية المباركة، راجياً أن يكون مفيداً نافعاً يقرّب المطالب العلمية. ويحتوي على عشرة حلقات كما كان القسم الأول كذلك، وجعلت في نهاية هذه القسم ملحقات حفاظاً على ذهن القارئ من التشويش، وللفائدة الموجودة في هذه الملاحق. أسال الله أن يعفو عن تقصيري في نصرة أوليائه، فهو الغفور الرحيم. * * * -الحلقة الأولى: قانون معرفة الحجج جاء الأب فوجد أبناءه ينتظرون قدومه بشوق ولهفة، كي يسمعوا منه حديثه الذي اعتادوا على سماعه منه كل ليلة من الليالي التي مرّت، فسلم الأب، وأجابوا الأبناء بالتحية والبركات، فقال الأب: هل عندكم شيء أم أدخل في الموضوع الذي أريد التحدث عنه الليلة. فقال الأبناء: تفضل يا أبي كلنا أذن صاغية. الأب: لقد مرّت البشرية بحجج كثيرين، من أنبياء وأوصياء لأنبياء، فكان لكل هؤلاء حجج يُعرفون بها، وحاشا لله تعالى أن يرسل نبياً أو رسولاً أو ينصب وصياً لنبي من دون أن تكون حجّة عند ذلك النبي أو الرسول أو الوصي، ومن هنا يطرح سؤال مفاده: كيف يُعرّف الله تعالى حججه للناس ؟ لكي تكون لله تعالى الحجة البالغة بعد الرسل. والجواب: هو أنّ الحجج الطاهرين لهم قانون يُعرفون به، بل قد انفردوا بهذا القانون الذي يكشف عنهم، ويرفع أي تشكيك في أحقيتهم. وهذا الأمر الذي ينفرد به الحجج هو قانون معرفة الحجة، وهو يتكون من ثلاثة أمور: الأول: النص، أو الوصية. الثاني: العلم والحكمة. الثالث: حاكمية الله. وسأبين لكم هذه الأمور الثلاثة تباعاً بتوفيق الله سبحانه. الأمر الأول: النص، أو الوصية. أريد أن أتحدث لكم في هذه الليلة عن تأريخ الوصية التي هي مفردة من مفردات ذلك القانون الإلهي، وسأذكر لكم تاريخ الوصية، فتوجهوا لي يا أبنائي. إنّ خلفاء الله سبحانه تثبت خلافتهم بالنص الإلهي، سواء كانوا أنبياء أم أوصياء للأنبياء كالأئمة ص الذين هم أوصياء محمد ص. القرآن الكريم حينما يتعرّض لقصة نبي الله آدم ع يبيّن إنّ آدم ع خليفة الله في الأرض، ونص الله عليه بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾([4]). وسأقف عند نقاط متعددة يا أبنائي الأعزاء: النقطة الأولى: في معنى الخليفة. قال ابن منظور في لسان العرب: والخليفة: الذي يستخلف ممن قبله، والجمع خلائف، جاؤوا به على الأصل مثل كريمة وكرائم، وهو الخليف والجمع خلفاء، وأما سيبويه فقال خليفة وخلفاء، كسروه تكسير فعيل؛ لأنّه لا يكون إلاّ للمذكر، هذا نقل ابن سيده. وقال غيره: فعيلة بالهاء لا تجمع على فعلاء، قال ابن سيده: وأما خلائف فعلى لفظ خليفة ولم يعرف خليفاً، وقد حكاه أبو حاتم، وأنشد لأوس بن حجر: إن من الحي موجودا خليفته، وما خليف أبي وهب بموجود والخلافة: الإمارة وهي الخليفى. وإنه لخليفة بين الخلافة والخليفى. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لولا الخليفى لأذنت، وفي رواية: لو أطقت الأذان مع الخليفى، بالكسر والتشديد والقصر، الخلافة، وهو وأمثاله من الأبنية كالرميا والدليلى مصدر يدل على معنى الكثرة، يريد به كثرة اجتهاده في ضبط أمور الخلافة وتصريف أعنتها. ابن سيده: قال الزجاج جاز أن يقال للأئمة خلفاء الله في أرضه بقوله عز وجل: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض. وقال غيره: الخليفة السلطان الأعظم. وقد يؤنث ([5]). وقال قبل العبارة المتقدمة: واستخلف فلانا من فلان: جعله مكانه. وخلف فلان فلاناً إذا كان خليفته. يقال: خلفه في قومه خلافة. وفي التنزيل العزيز: وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي. وخلفته أيضا إذا جئت بعده. ويقال: خلفت فلانا أخلفه تخليفاً واستخلفته أنا جعلته خليفتي. واستخلفه: جعله خليفة ([6]). النقطة الثانية: في معنى الجعل. جاعل هو أسم فاعل، أي على وزن فاعل، واسم الفاعل وضع للذات المتصفة بالمبدأ من حيث وقوعه وصدوره منه ([7]). لكي تتضح الفكرة أضرب لكم مثالاً: تارة أقول: (ضرب زيد عمراً)، وثانية أقول: (يضرب زيد عمراً)، وثالثة أقول: (اضرب عمراً)، ورابعة أقول: (زيد ضارب عمرو)، فما الفرق في هذه الجمل الأربعة ؟ الجواب: الجملة الأولى تدل على تحقق الضرب في الزمن الماضي، وذلك بدلالة الفعل الماضي (ضرب)، والثانية تدل على الزمن الحال بدلالة الفعل المضارع (يضرب)، والثالثة تدل على الزمن الأتي بدلالة فعل الأمر(اضرب). ففي جميع هذه الجمل الثلاثة هناك زمن، إمّا ماضي، أو حالي، أو استقبالي، وجاء الزمن من دلالة الفعل عليه، فالزمن مستفاد من الفعل؛ لأنّ الزمن أخذ في هذه الأفعال الثلاثة. لكن في الجملة الرابعة (زيد ضارب عمرو)، لم يؤخذ في لفظ (ضارب) قيد الزمن، بل الزمن جاء من خلال تشخص الضرب في الواقع الخارجي، أمّا مفهوم اسم الفاعل فهو خالي عن الزمن بحسب المفهوم الذهني له، ومن هنا إن أرادوا الدلالة على الزمن يضيفون قيداً للجملة كأن يقال: (زيد ضارب عمرو الآن، أو أمس). وما ذلك إلاّ لعدم دخالة الزمن في اسم الفاعل، بل اسم الفاعل وضع للدلالة على الذات المتصفة بالمبدأ من حيث وقوعه وصدوره منه، وهي في المثال زيد. فزيد هو الذات التي اتصفت بالضرب الذي هو المبدأ، وهو الذي صدر منه الضرب ووقع على عمرو. واثق: لكن يا أبي يستفاد من اسم الفاعل الحال، أي حال قولي زيد ضارب عمرو، الضرب متحقق فعلاً. الأب: الجواب صحيح، لكن هناك فرق بين: الحال الزماني، الذي هو أحد الأزمنة الثلاثة (الماضي، الحال، الاستقبال)، وبين حال التلبس، أي حال تلبس زيد في الضرب لعمرو، أو قل زيد متلبس بالمبدأ حال وجود المبدأ. واستفيد الحال بحسب العالم الخارجي لا أنّ الحال أخذ قيداً في وضع اسم الفاعل. والتفتوا إلى نقطة: إنّ اسم الفاعل مطلق - أي غير مقيد بزمن - ويدل بإطلاقه على الاستمرار، أي استمرار صدور الضرب من زيد على عمرو كما في المثال ([8]). بعد ذلك أقول: إنّ جاعل في الآية اسم فاعل وهو يدل على الاستمرار، أي استمرار جعل الخليفة في الأرض، فالجعل مستمر ومتجدد بمقتضى الآية الشريفة. فمن هنا من يدعي أن الجعل متوقف ومختوم يجب عليه أن يأتي بدليل يخصص الآية. ولو بحثنا عن مخصص يخصص الآية لما وجدنا ما يخصصها، وعليه فيبقى الجعل مستمّراً وغير متوقف؛ لعدم الدليل على التوقّف. واثق: كيف يكون الجعل مطلقاً وغير مخصص والنبوة قد ختمت بالنبي محمد ص، أليس دليل ختم النبوة يقيد هذا الجعل المطلق في الآية ؟ الأب: إنّ الذي ختم هو إرسال النبوة من الله سبحانه، لا جعل الخليفة، ففرق بين ختم النبوة وبين ختم الاستخلاف، فالاستخلاف لم يختم بخلاف الإرسال من الله تعالى فإنّه ختم بمحمد ص. النقطة الثالثة: من هو المستخلف ؟ إنّ الآية تنص على الاستخلاف، وفي الاستخلاف يوجد خليفة ويوجد مستخلف، فمن هو المستخلف الذي جعل آدم ع خليفة له. هنا ذكروا أقوالاً: الأول: سمّى الله تعالى آدم خليفة؛ لأنه جعل آدم وذريته خلفاء الملائكة؛ لأنّ الملائكة كانوا سكان الأرض. الثاني: قال ابن عباس: إنه كان في الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، فاهلكوا، فجعل الله آدم وذريته بدلهم. الثالث: قال الحسن البصري: إنما أراد بذلك قوماً يخلف بعضهم بعضاً من ولد آدم الذين يخلفون أباهم آدم في إقامة الحق وعمارة الأرض. الرابع: قال ابن مسعود: أراد أني جاعل في الأرض خليفة يخلفني في الحكم بين الخلق، وهو آدم، ومن قام مقامه من ولده ([9]). فالمستخلف هو الله تعالى، وهذا ما أشار إليه السيد الطباطبائي في الميزان، قال: (... وهذا السياق: يشعر أولاً: بأن الخلافة المذكورة إنما كانت خلافة الله تعالى، لا خلافة نوع من الموجود الأرضي كانوا في الأرض قبل الإنسان وانقرضوا ثم أراد الله تعالى أن يخلفهم بالإنسان كما احتمله بعض المفسرين، وذلك لأنّ الجواب الذي أجاب سبحانه به عنهم وهو تعليم آدم الأسماء لا يناسب ذلك،...) ([10]). ولا أريد مناقشة هذه الأقوال، بل سأبين ما هو الحق منها فقط في النقطة التالية. النقطة الرابعة: من هو خليفة الله ؟ إنّ القول الرابع المتقدم هو الموافق للأدلة، أي أنّ آدم ع ومن قام مقامه من ولده خلفاء الله تعالى في الأرض، وليس المراد أن الخليفة هو النوع الإنساني، ولذا يقول القرطبي: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة ([11]). والذي يدل على أنّ الحق هو القول الرابع هو: أولاً: إنّ سياق الآيات يدل على أن الحجر الأساس للخلافة الإلهية هو الإحاطة العلمية كما يبينه قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾([12]). وقوله تعالى في قصة طالوت: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾([13]). فالواضح أنّ الخليفة لابد أن تكون عنده إحاطة علمية، ومن المعلوم ليس هذه الإحاطة موجودة عند جميع بني آدم ع كي يقال إنّ الخلافة تكون للنوع الإنساني. ثانياً: آية الاصطفاء. قال جل وعلا: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([14]). حيث إنها تدل على اصطفاء أُناس خاصين وليس كل بني آدم ع، وما هذا الاصطفاء إلاّ لخلافة الله تعالى في الأرض. ثالثاً: قول النبي ص رحم الله خلفائي. روى العام والخاص عن النبي ص أنه قال: (رحم الله خلفائي. فقيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك ؟ قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله) ([15]). فخلفاء الرسول ص هم الذين يحيون السنّة ويعلمونها للناس، وإحياء السنة بفهمها لا بروايتها فقط، والذين يفهمون سنة النبي ص هم عترته وأهل بيته ص؛ ولذا قرنهم بكتاب الله في حديث الثقلين ([16]). ومن هنا خلفاء الرسول ص ليس هم كل البشر بل أُناس مخصوصين عندهم إحاطة وعلم بالقرآن الذي هو رسالة النبي ص. رابعاً: استشهاد الأئمة ص بهذه الآية عند سؤالهم عن الإمام الذي يخلف السابق منهمص. روى الكليني بسنده: عن محمد بن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن الأول - أي الإمام الكاظم - ع: ألا تدلني إلى من آخذ عنه ديني ؟ فقال: (هذا ابني علي، إنّ أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر سول الله ص، فقال: يا بني، إنّ الله ( قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وإنّ الله ( إذا قال قولاً وفى به) ([17]). ويؤكد ما تقدّم ما سيأتي في النقطة اللاحقة. وإلى هنا ننهي حوارنا لهذه الليلة، ونلتقي ليلة غدٍ بتوفيق الله سبحانه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثانية: قانون التنصيص في الروايات وجاء الأولاد وهم يتحاورون بينهم فيما قاله لهم أبيهم، فجلسوا ومن ثم جاء أبوهم وسلم عليهم وتبادلوا التحية، فقال لهم: كيف حالكم يا أولادي ؟ الأولاد: بخير يا أبي. الأب: هل أتعبكم الحوار ؟ الأولاد: لا يا أبي نحن مستأنسين بما تتفضل به، ولك خالص شكرنا ودعائنا. الأب: وفقكم الله يا أبنائي الأعزاء، سأبدأ لكم من النقطة الخامسة التي انتهينا إليها ليلة البارحة. النقطة الخامسة: فقد نص الله تعالى على خليفته آدم ع، وهكذا نص الله تعالى على خلفائه على لسان الحجج ص، فنص آدم ع على خليفته، وهكذا كل حجة ينص ويوصي بالحجة الذي يليه، وإليكم بعضاً من الشواهد الروائية التي تبين لكم هذه الحقيقة: الرواية الأولى: عن أبي عبد الله ع، قال: (… ثم أوحى الله إلى آدم أن يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه إلى هابيل، ففعل ذلك فلما علم قابيل غضب وقال لأبيه: ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به ؟ فقال: يا بني، إنّ الأمر بيد الله وأن الله خصّه بما فعلت فإن لم تصدقني فقربا قرباناً فأيكما قبل قربانه فهو أولى بالفضل، وكان القربان في ذلك الوقت تنزل النار فتأكله. وكان قابيل صاحب زرع فقرّب قمحا ًرديئاً وكان هابيل صاحب غنم فقرّب كبشاً سميناً فأكلت النار قربان هابيل، فأتاه إبليس فقال: يا قابيل، لو ولد لكما وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وإنك إن قتلته لم يجد أبوك بدّاً من أن يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل إلى هابيل فقتله ...) ([18]). الرواية الثانية: وعنه ع، قال: (لما انقضت نبّوة آدم وانقطع أكله أوحى الله إليه: يا آدم، أنّه قد انقضت نبوتك وانقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد ما بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر) ([19]). فالوصية من الله تعالى والنبي أو الوصي للنبي أو الوصي للإمام يوصل ذلك من باب التبليغ، ولذا حينما نصب الله تعالى علي بن أبي طالب ع أمر الله تعالى، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾([20]). فالتنصيب والتعيين من الله تعالى ولا دخل للنبي أو الإمام في ذلك إلاّ من باب التبليغ لأمر الله تعالى وإيصاله للناس، فكل إمام مفترض الطاعة على الناس لابدّ أن يكون موصى به من قبل الله تعالى عن طريق أنبيائه ورسله ص؛ لأنّ الإمام والحجّة لابدّ أن يكون معصوماً، والمعصوم لا يعرفه إلاّ الله تعالى فلا يُعرف إلاّ بنص من الله تعالى، فالكاشف عن عصمته وكونه حجّة هو النصّ والوصية. عن أبي عبد الله ع، قال: (أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ؟! لا والله، ولكن عهد من الله ورسوله ص لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) ([21]). وعنه أيضاً ع، قال: (... إنّ الإمامة عهد من الله ( معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده، إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود ع أن اتخذ وصيّاً من أهلك فإنّه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيّاًً إلاّ وله وصي من أهله، وكان لداودع أولاد عدّة وفيهم غلام كانت أمّه عند داود وكان لها محبّاً، فدخل داود ع عليها حين أتاه الوحي فقال لها: إنّ الله ( أوحى إليّّّّّّّّّ يأمرني أن أتخذ وصياًً من أهلي، فقالت له امرأته: فليكن ابني، قال: ذلك أريد. وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنّه سليمان، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري ...) ([22]). لذا ذهب علماء الشيعة إلى أنّ الإمامة إنما تثبت بالنص. قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) في وصف الأئمة ص: (... لا يضرهم قطع من قطعهم ولا إدبار من أدبر عنهم إذ كانوا من قبل الله منصوصاً عليهم على لسان نبي الله ص) ([23]). وقال أيضاً: (... دللنا على أن الإمام لا يكون إلاّ معصوماً وأرينا أنه إذا وجبت العصمة في الإمام لم يكن بد من أن ينص النبي ص؛ لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينص عليها علاّم الغيوب تبارك وتعالى على لسان نبيه ص، وذلك لأنّ الإمام لا يكون إلاّ منصوصاً عليه. وقد صح لنا النص بما بيناه من الحجج وبما رويناه من الأخبار الصحيحة... ) ([24]). وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (... ويجب أن يكون منصوصاً عليه لما قدمناه من وجوب عصمته. ولما كانت العصمة لا تدرك حسّاً ولا مشاهدة ولا استدلالاً ولا تجربة ولا يعلمها إلاّ الله تعالى وجب أن ينص عليه ويبينه من غيره على لسان نبي...) ([25]). وقال الشريف الرضي (رحمه الله): (... لأنّا نعلم ضرورة أن كل عالم من علماء الإمامية يذهب إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوماً منصوصاً عليه ...) ([26]). ويقول الشيخ المظفر: (إنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان النبي أو لسان الإمام الذي قبله. وليست هي بالاختيار والانتخاب من الناس، فليس لهم إذا شاءوا أن ينصبوا أحداً نصبوه، وإذا شاءوا أن يعينوا إماما لهم عينوه، ومتى شاءوا أن يتركوا تعيينه تركوه، ليصح لهم البقاء بلا إمام، بل (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) على ما ثبت ذلك عن الرسول الأعظم بالحديث المستفيض. وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، سواء أبى البشر أم لم يأبوا، وسواء ناصروه أم لم يناصروه، أطاعوه أم لم يطيعوه، وسواء كان حاضرا أم غائبا عن أعين الناس، إذ كما يصح أن يغيب النبي كغيبته في الغار والشعب صح أن يغيب الإمام، ولا فرق في حكم العقل بين طول الغيبة وقصرها. قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾([27])، وقال: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾([28])) ([29]). وهذه الحقيقة باتت واضحة لكل من قرأ حياة أهل البيت ص، فكل إمام ينصّ على الإمام الذي يليه، ولذا نجد هذا الأمر حتى في وصية رسول الله ص التي سأذكرها لكم فيما يأتي من ليالي، حيث يأمر كل إمام بتسليم الإمامة أو الخلافة إلى الإمام الذي يأتي بعده. فالوصية قانون الله تعالى الذي يثبت به حججه سبحانه، ومن هنا أنفرد بالوصية الحجج الإلهيين، فلا تجد حجة إلاّ وكان موصى به من قبل الحجج السابقين، بخلاف غيرهم من المدعين، فإنهم ليس عندهم الوصية، لأنها قانون الله الذي جعله لمعرفة حججه ص، ومن هنا كان محمد ص نبياً بخلاف من أدعى النبوّة، لأنّه كان موصى به ومذكور على لسان الحجج السابقين، فقد بيَّن حجج الله أوصاف محمد ص وما يتعلق بمعرفته. واثق: أبي، إنّ الوصية التي تشير إليها صدرت من النبي ص، ولم تصدر من الإمام المهديع، فلماذا لم تصدر الوصية من الإمام المهدي ع، كما في الأئمة السابقين حيث إنّ كل إمام يوصي بالذي بعده ؟ الأب: انتبهوا يا أبنائي إلى أمر مهم، وهو أنّ الروايات قالت بأنّ القائم أو المهدي ع يأتيكم محتجّاً عليكم بوصية رسول الله ص، وإليكم هذه الروايات التي تؤكد هذه الحقيقة: الرواية الأولى: عن أبي عبد الله ع، قال:(أترون الأمر إلينا أن نضعه فيمن شئنا، كلا والله إنّه عهد من رسول الله ص إلى علي بن أبي طالب ع رجل فرجل إلى أن ينتهى إلى صاحب هذا الأمر) ([30]). فلعل المراد بصاحب الأمر اليماني القائم ع، بقرينة قوله ع: (عهد من رسول اللهص)، وهذا العهد قد ذكرته روايات أخرى وأمرت بإتباع من أتى به، وكان المقصود من صاحب العهد في تلك الروايات هو اليماني، كما تقدّم ذلك، وسيأتي أيضاً في الرواية الثانية التي تصرّح بكون صاحب العهد هو رجلاً من ولد الحسين ع، وهو الذي تنتهي إليه الوصية بعد أبيهع، وهذا فيه إشارة إلى كون صاحب الأمر مذكور في وصية رسول الله ص، وهذا ما مر عليكم، كما وستأتي الإشارة إليه. الرواية الثانية: عن الإمام الباقر ع، قال: (وإياك وشذاذ من آل محمد ص، فإنّ لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإنّ عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء) ([31]). وهذه الرواية تدل على أنّ الآتي معه عهد نبي محمد ص، ويقول ع في نفس الرواية الثانية: (ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ص ورايته وسلاحه) ([32]). والسر في ذلك هو إتيانه قبل ظهور الإمام المهدي ع، لكون المراد بالقائم أو المهدي الذي يحتج بوصية رسول الله ص،هو اليماني الذي جعل ظهوره من الحتميات التي تسبق ظهور الإمام المهدي ع. فالأصل هو وصية رسول الله ص، والأئمة ص إنّما هم مظهرين ومبلغين لها. ولأجل كون الوصية قانون الله الذي يميز به حججه، فلا يسمح تعالى أن يدعي الوصية غير صاحبها الحقيقي، ومن يدعيها كاذباً سينتقم الله منه، وسأنقل لكم روايات في ذلك: الرواية الأولى: فقد روى الوليد بن صبيح قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (إنّ هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلاّ تبر الله عمره) ([33]). فلاحظوا يا أولادي إنّ من يدعي الوصية كاذباً فالله تعالى لا يمهله، بل يبتر عمره، حفاظاً منه تعالى عن قانونه الذي يثبت به حججه للناس. ومن هنا لو جاء شخص وادعى الوصية وامتد هذا الادعاء سنين طويلة، فبحسب هذا القانون يكون هو صاحب الحق، وإلاّ لما أمهله الله تعالى ولبتر عمره. قال المازندراني: كل من ادعى أنّه صاحب الأمر ولم يكن هو صاحبه بتر الله عمره وقطعه كما وقع في كثير ([34]). الرواية الثانية: عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله ع، وزرارة عن أبي جعفر ع، قال: (لما قتل الحسين أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين ع فخلا به ثم قال له: يا بن أخي، قد علمت أن رسول الله ص كان قد جعل الوصية والإمامة من بعده إلى علي بن أبي طالبع ثم إلى الحسن ع ثم إلى الحسين ع، وقد قتل أبوك ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي وأنا في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك فلا تنازعني الوصية والإمامة ولا تجانبني، فقال له علي بن الحسين: يا عم، اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين. يا عم، إن أبي صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله ص عندي فلا تتعرض لهذا فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، تعال حتى نتحاكم إلى الحجر الأسود ونسأله عن ذلك. قال أبو جعفر ع: وكان الكلام بينهما بمكة فانطلقا حتى إذا أتيا الحجر فقال علي لمحمد: إبدأ وابتهل إلى الله وسله أن ينطق لك، فسأله محمد وابتهل في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال له علي بن الحسين ع: أما إنك يا عم لو كنت وصياً وإمام لأجابك، فقال له محمد: فادع أنت يا بن أخي وسله، فدعا الله علي بن الحسين بما أراد ثم قال أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء والأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي ع، فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين فقال: اللهم إنّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي ع إلى علي بن الحسين بن علي ع ابن فاطمة ص بنت رسول الله ص صلوات الله عليهم، فانصرف محمد بن الحنفية وهو يتولى علي بن الحسين) ([35]). فلاحظوا يا أبنائي هذه العبارة: (أخشى عليك نقص العمر وتشتت الحال). وعلّق المازندراني في شرح أُصول الكافي على هذه الرواية بقوله: أشار ع إلى أنه أحق بالإمامة منه لأمرين معتبرين في الإمام أحدهما الوصية، والثاني وجود سلاح النبي ص عنده وأنهما له ([36]). كما لاحظوا يا أبنائي هذه العبارة: (قد جعل الوصية والإمامة)، إنّ عطف الإمامة على الوصية معناه أنّ الإمامة متقومة بالوصية؛ ولذا محمد بن الحنفية نازع الإمام السجاد في الإمامة، ولأنه يعلم أنّ الإمامة متقومة بالوصية، فأدعى أنّ الحسين لم يوص، فأثبت له الإمام السجاد ع بأنّه هو وصي الحسين ع وهو الإمام المفترض الطاعة. الرواية الثالثة: روي عن الصادق عأنّه قال لابنه موسى الكاظم ع: (يا بني، إنّ أخاك سيجلس مجلسي ويدعي الإمامة بعدي فلا تنازعه بكلمة فإنه أول أهلي لحوقاً بي) ([37])، ([38]). والسبب في كونه أول أهل بيته لحوقاً به، هو جلوسه مجلس أبيه الذي هو، وصي محمد ص وإماماً مفترض الطاعة. وبقي بعد أبيه الصادق ع سبعين أو تسعين يوماً ومات. ومن هنا نعرف أنّ الوصية عهد الله تعالى لحججه الذي يتميزون به، وهذا ما بينه الإمام الرضا ع مع جاثليق النصارى ورأس الجالوت التي رواها الكثير من مؤلفي الشيعة، وهي طويلة أنقل لكم بعضاً منها، وسأنقل لكم نص ما جاء في بحار الأنوار للشيخ المجلسي (رحمه الله): (... إنّ الرضا التفت إلى الجاثليق فقال: هل دل الإنجيل على نبوة محمد ص ؟ قال: لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه، ... إلى أن يقول: قال الرضا ع: فإن قررتك أنه اسم محمد وذكره وأقر عيسى به وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقر به ولا تنكره ؟ قال الجاثليق: إن فعلت أقررت فاني لا أرد الإنجيل ولا أجحد، قال الرضا ع: فخذ عليّ السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد وبشارة عيسى بمحمد. قال الجاثليق: هات! فأقبل الرضا ع يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتى بلغ ذكر محمد فقال: يا جاثليق، من هذا الموصوف ؟ قال الجاثليق: صفه، قال: لا أصفه إلاّ بما وصفه الله، هو صاحب الناقة والعصا والكساء، النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم. سألتك يا جاثليق: بحق عيسى روح الله وكلمته، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجاثليق مليّاً وعلم أنه إن جحد الإنجيل كفر، فقال: نعم، هذه الصفة من الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم، فقال الرضا ع: أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل وأقررت بما فيه من صفة محمد، فخذ عليّ في السفر الثاني فإني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة، وذكر الحسن والحسين. فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا ع عالم بالتوراة والإنجيل، فقالا: والله قد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلاّ بجحود التوراة والإنجيل والزبور، ولقد بشر به موسى وعيسى جميعاً ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا، فأمّا اسمه فمحمد فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنه محمدكم أو غيره، فقال الرضا ع: احتججتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد ؟ أو تجدونه في شيء من الكتب الذي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد ؟ فأحجموا عن جوابه، وقالوا: لا يجوز لنا أن نقر لك بأنّ محمداً هو محمدكم؛ لأنّا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرهاً .....) ([39]). لاحظوا يا أحبائي، الإمام الرضا ع أحتج عليهم بأمور: الأول: إنّ محمداً موصى به، ومذكور أسمه في الكتب الإلهية السابقة، ونص عليه الحجج السابقون ص. الثاني: إنّ الشخص المذكور والموصوف على لسان موسى وعيسى ص في التوراة والإنجيل جاء موصوفاً بنفس تلك الصفات المذكورة، وبيّن ع صفاته من التوراة والإنجيل والزبور. الثالث: من جحده مع وجود هذه الأوصاف فقد جحد بما موجود في الكتب الإلهية، وجحد ما جاء به موسى وعيسى ع. الرابع: لم يبعث الله قبل أو بعد من ولد آدمع إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد ص، وموصى به في الكتب السابقة غير محمد ص. النتيجة الأخيرة هم أذعنوا لكنهم لم يؤمنوا لوجود مصالح منعتهم من الإيمان. فمحمد ص منصوص عليه ومبينة معالم شخصيته من حجج الله السابقين ص، وجاء محمد ص، وقال: إنني أنا صاحب تلك الصفات المذكورة والمنصوص عليّ في التوراة والإنجيل والزبور. واثق: ومعنى ذلك يا أبي إنّ الوصية لا يدعيها إلاّ صاحبها الحق، وإلاّ للزم أن تكون الصفات المذكورة ليس ميزاناً يعرف بها صاحبها، فيكون ذِكرها لغواً لا فائدة فيه. الأب: نعم أحسنت يا واثق، فالميزان يا أولادي هو الوصية. وإذا صح احتجاج الإمام الرضاع - وهو صحيح قطعاً - فيصح استدلال غيره ع، وهذا ما نريد إثباته، وهو كما أنّ الإمام الرضا ع أحتج على اليهود والنصارى بأنّ محمداً ص مذكور اسمه ووصفه في كتبهم ويجب عليهم الإذعان له، كذلك اليوم أحمد الحسن ع مذكور اسمه ووصفه في كتب المسلمين وغيرهم، فيجب عليهم الإذعان له. واثق: نعم يا والدي فلم نسمع أنّ مسيلمة أو العنسي أو سجاح، رفع أحدهم وصية تثبت أنه نبي واحتج بها، وكذا غيره ممن أدعوا أنهم خلفاء للرسول ص، كأبي بكر وعمر وعثمان، فلم ينص عليهم رسول الله ص. أحمد: لكن يا أبي إن فرعون ادعى أنه رب الناس الأعلى كما يقول القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى ( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾([40]). الأب: هناك دعاوى باطلة من أصلها ولا تنطلي على ذوي العقول، وذلك لفسادها في نفسها، ومنها دعوى المخلوق أنّه رب للناس كما ادعى فرعون، فهذه لا تحتاج دليلاً على بطلانها، بل ادعائها مساوٍ لبطلانها، فكل من يدعي أنّه رب أعلى للناس لا يمكن تصديقه في دعواه هذه. أمّا ادعاء كون الإنسان نبياً أو وصي نبي ليس كالدعوة الأولى التي هي باطلة في نفسها، إذ ليس كل من ادعى النبوة والوصية يكون كاذباً، فنفس الإدعاء لا يوجب تكذيب شخص المدعي، بل لابد على المدعي أن يظهر البينة على دعواه، والبينة التي تثبت دعوى الحجج ص هي النص والوصية. ولذا ورد الدليل بخصوص دعوى الوصية، بأنّها لا يدعيها إلاّ صاحبها، ومن ادعاها كذباً وزوراً بتر الله عمره. أحمد: أبي، يعني كم يبقى ويبتر الله عمره ؟ فقد يقول شخص ربما كان عمره بدون الإدعاء سبعين سنة فبعد الإدعاء يكون خمسين سنة ؟ الأب: لا يا ولدي ليس كذلك، قبل قليل مرّ علينا كيف أنّ عبد الله الأفطح بعد أن جلس مجلس أبيه الصادق ع، بقي بعده سبعين أو تسعين يوماً ومات. والظاهر من بتر العمر هو عدم بقاء المدعي الكاذب فترة طويلة بعد دعوة الوصية والإمامة، بحيث يُرى فعل الله فيه، - أي بتر العمر - في فترة قصيرة. وإلاّ لبقي المدعي الكاذب يحرّف دين الله بقانون الله الذي خص الله به حججه، وهذا لا يمكن أن يكون. محمود: أبي هل أن الوصية والنص يثبت النبي فقط أم الإمام أيضاً ؟ الأب: الوصية قانون لكل الحجج سواء أنبياء أم أوصياء للأنبياء، ومن هنا يوجد اتحاد في القانون بين النبوة والإمامة، وهناك تشاكل ومشابهة بين الأنبياء والأئمة ص، وهذا ما بينه الشيخ الصدوق في رده على من قال بعدم المشاكلة. قال: (... أن الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبينا ص كان أوصياؤهم أنبياء، فكل وصي قام بوصية حجة تقدمه من وقت وفاة آدم ع إلى عصر نبينا ص كان نبياً، وذلك مثل وصي آدم كان شيث ابنه، وهو هبة الله في علم آل محمد ص وكان نبياً، ومثل وصي نوح ع كان سام ابنه وكان نبياً، ومثل إبراهيم ع كان وصيه إسماعيل ابنه و كان نبياً، ومثل موسى ع كان وصيه يوشع بن نون وكان نبياً، ومثل عيسى ع كان وصيه شمعون الصفا وكان نبياً، ومثل داود ع كان وصيه سليمان ع ابنه وكان نبياً. وأوصياء نبينا ص لم يكونوا أنبياء؛ لأنّ الله ( جعل محمداً خاتماً لهذه الأمم كرامة له وتفضيلاً، فقد تشاكلت الأئمة والأنبياء بالوصية كما تشاكلوا فيما قدمنا ذكره من تشاكلهم فالنبي وصي والإمام وصي، والوصي إمام والنبي إمام، والنبي حجة والإمام حجة، فليس في الإشكال أشبه من تشاكل الأئمة والأنبياء. وكذلك أخبرنا رسول الله ص بتشاكل أفعال الأوصياء فيمن تقدم وتأخر من قصة يوشع بن نون وصي موسى ع مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى وقصة أمير المؤمنين ع وصى رسول الله ص مع عائشة بنت أبي بكر، وإيجاب غسل الأنبياء أوصيائهم بعد وفاتهم) ([41]). أحمد: لماذا النص الإلهي يا أبي ؟ الأب: سأنقل لكم هاتين الروايتين تبين لكم ما ذكره أحمد: الرواية الأولى: عن الإمام علي بن الحسين ع، قال: (الإمام منّا لا يكون إلاّ معصوماً وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله (:﴿إنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾([42])) ([43]). الرواية الثانية: عن سعد بن عبد الله القمي في حديث طويل أنه سأل الإمام المهدي ع، وهو غلام صغير في حياة أبيه الحسن العسكري ع، فقال: (اخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم ؟ قال ع: مصلح أم مفسد ؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت: بلى، قال: فهي العلّة التي أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك، اخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل موسى وعيسى (عليهما السلام) هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت: لا، قال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله (: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾([44])، إلى قوله: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾([45])، بظلمهم، فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه أصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلاّ ممن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتنصرف عليه السرائر، وإن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء ص على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الإصلاح) ([46]). ونقف يا أبنائي الأعزاء إلى هنا، ونكمل ليلة غدٍ إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثالثة: قانون معرفة الحجج اجتمع الأولاد مع أبيهم في مكانهم الذي يتحاورون فيه يومياً، فقال لهم أبوهم: اليوم بعد حمد الله تعالى والصلاة على نبيه آله الطاهرين الأئمة والمهديين نبدأ في الأمر الثاني من قانون معرفة الحجج ص، وهو العلم والحكمة، فلابد للحجة أن يكون عالماً بالشرع الذي جعله الله قيّماً عليه، ذا حكمة إلهية، وهذا هو مقتضى الحكمة الإلهية أيضاً، وسأنقل لكم نصّاً يقرّب هذه الفكرة لكم: (وباختصار شديد لو كان إنسان يملك سفينة أو مصنعاً أو أي شيء يعمل فيه مجموعة من الناس أليس من المفروض أن يعين رباناً للسفينة أو مديراً للمصنع أو قائداً لهؤلاء الناس ؟ ثم إن ترك هذا وغرقت السفينة أو تلف المصنع أو حدث ضرر ما ألا يوصف عمله هذا بالسفه أو عدم الحكمة ؟ ([47]). ثم إن عيّن رباناً للسفينة أو مديراً للمصنع أو قائداً لهؤلاء الناس ولكنه لم يكن أعلمهم في قيادة السفينة أو إدارة المصنع أو قيادة هؤلاء الناس، وحصل نقص في إنتاج المصنع أو حدث طارئ ما تسبب في ضرر معين كغرق السفينة بسبب جهل هذا القائد بقانون تشغيل المصنع أو معالجة الطارئ، ألا يوصف عمله هذا بالسفه أو مجانبة الحكمة ؟ أليس من المفروض ومقتضى الحكمة اختيار أعلم الموجودين أو تزويد المختار بالعلم اللازم ليكون الأكفأ والأقدر على قيادة السفينة وإيصالها إلى بر الأمان وإدارة المصنع وتحقيق أفضل إنتاج ....، وكون هذا الخليفة هو الأعلم في قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾([48])) ([49]). وهذا يعني أن يكون الحجة المختار من قبل الله تعالى لابد أن يكون أعلم الموجودين، ويكون قوله هو الفيصل بين الأقوال المختلفة، وهذا هو الأمر الثاني من قانون معرفة الحجج الطاهرينص. قال رسول الله ص: (ما ولّت الأمة رجلاً وفيهم من هو أعلم منه، إلاّ لم يزل أمرهم في سفال، حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل، فقد ترك بنو إسرائيل هارون وعكفوا على العجل، وهم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى عليهما السلام) ([50]). ولقد نص القرآن الكريم على هذا الأمر في كثير من الآيات المباركة: قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين﴾([51]). فأدم ع علمه الله تعالى الأسماء كلها فأصبح هو معلم الملائكة، ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾([52]). وقد وردت آيات كثيرة تدل على هذا المعنى. قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾([53]). فطالوت ع زاده الله بسطة في العلم، مما أهله أن يكون قائداً حكيماً قادراً على إدارة أمور الجيش. وقال تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾([54]). وقال تعالى: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾([55]). وقال حاكياً دعاء نبيه إبراهيم ع: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾([56]). وقال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾([57]). وقال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾([58]). وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾([59]). وقال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾([60]). عن بريد العجلي، عن أبي جعفر ع في قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، (فجعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرّون في آل إبراهيم وينكرون في آل محمد ص؟ قلت: فما معنى قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم) ([61]). قال تعالى: ﴿وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾([62]). وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([63]). وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾([64]). وقال تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾([65]). وقال تعالى: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾([66]). فتشاهدون يا أبنائي الأعزاء الآيات تؤكد على العلم والحكمة الذي أعطاه الله لخلفائه في الأرض، وكذا الروايات التي تبين أنّ العلم سبعة وعشرون حرفاً قد خصّها الله بخلفائه في الأرض، وقد فضّل الله تعالى الأنبياء ص ببعض الأحرف. عن الإمام الصادق ع، قال: (كان مع عيسى بن مريم حرفان يعمل بهما، وكان مع موسى أربعة أحرف، وكان مع إبراهيم ستة، وكان مع آدم خمسة وعشرين حرفاً، وكان مع نوح ثمانية، وجمع ذلك كله لرسول الله، إنّ اسم الله الأعظم ثلاث وسبعون حرفاً، وحجب عنه واحد) ([67]). وعن جابر، عن أبي جعفر ع، قال: (إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما عند آصف منها حرف واحد، فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس، ثم تناول السرير بيده، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنين وسبعين حرفاً، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده) ([68]). وعن الصادق ع، قال: (إنّ الله ( جعل اسمه الأعظم على ثلاثاً وسبعين حرفاً، فأعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفاً، وأعطى إبراهيم منها ثمانية أحرف، وأعطى نوحاً منها خمسة وعشرين حرفاً، وأعطى موسى منها أربعة أحرف، وأعطى عيسى منها حرفين، وكان يحيي بهما الموتى ويبرئ بهما الأكمه والأبرص، وأعطى محمداً ص اثنين وسبعين حرفاً، وأحجب حرفاً لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما في نفس العباد) ([69]). وفضّل الله قائم آل محمد ص ببثها كلها بين الناس. عن أبان، عن أبي عبد الله ع: (قال العلم: سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام القائم ع أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً) ([70]). ومن هنا أصبح رسول الله ص مدينة العلم التي تحوي كل علوم التوحيد والشرائع الإلهية، وأصبح علي بن أبي طالب ع باب تلك المدينة. عن أبي عبد الله ع، قال: (علّم رسول الله ص علياً ع حرفاً يفتح ألف حرف، كل حرف منها يفتح ألف حرف) ([71]). وعنه الصادق ع، قال: (كان في ذؤابة سيف النبي ص صحيفة صغيرة هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف، فما خرج منها إلاّ حرفان حتى الساعة) ([72]). وروي أنّ المفضل سأل الإمام الصادق ع عن منتهى علم العالم، فقال ع:(.... أنّ السماوات والأرضين وغيرها في علم الإمام ع مثل مد من خردل دققته فتضربه بالماء حتى إذا اختلط ورغا أخذت منه لعقة بإصبعك، ولا علم العالم في علم الله إلاّ مثل مد من خردل دققته وضربته بالماء حتى إذا رغا أخذت منه رأس إبرة) ([73]). ولذا نشاهد علي بن أبي طالب ع باب مدينة العلم يقول: (لو شئت لأوقرت من تفسير فاتحة الكتاب سبعين بعيراً) ([74]). فلو اجتمع علماء الدنيا كلها على أن يفسّروا الفاتحة كلٌ بتفسيره، وبغض النظر عن صحة وخطأ التفسير لا يبلغ مجموعها ما يوقر عشرين بعيراً !! ومن هنا أصبح علي بن أبي طالب ع هو الفاتح للعلم والذي يختمه ولده القائم ع. قال أمير المؤمنين ع: (يا كميل، ما من علم إلاّ وأنا أفتحه، وما من شيء إلاّ والقائم يختمه) ([75]). كان ع يقول: (فاسألوني قبل أن تفقدوني. فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلا، ويموت منهم موتا. ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور وحوازب الخطوب لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين) ([76]). فلذا كان علي خليفة النبي ص وكان يقول في حقه: (أقضاكم علي)([77])، ويقول عمر بن الخطاب: (لو لا علي لهلك عمر) ([78]). وعلى الرغم من وضوح حق علي ع نجد الأمة قدمت غيره، من الجهلة الذين لا يعرفون أبسط بدائيات الدين الإسلامي، وأحدثوا في الإسلام الكثير بسبب جهلهم، وهذا واضح لمن طالع التاريخ وكان له أدنى إنصاف. وإلى هنا ننهي حوارنا هذه الليلة يا أولادي الأعزاء، ونلتقي غداً بتوفيق الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الرابعة: قانون معرفة الحجج وهكذا يجتمع الأبناء في كل ليلة ليسمعوا من أبيهم ويتحاوروا معه في الدعوة اليمانية المباركة، فجاء الأب ووجد أبناءه ينتظرون قدومه، فسلم عليهم فحيوه بأفضل تحية، فاخذ مكانه بين أولاده، وقال: هل عندكم سؤال فيما مرّ سابقاًً ؟ الأولاد: لا يا أبي تفضل. الأب: وصل حديثنا إلى الأمر الثالث من قانون معرفة الحجج ص، وكان عبارة عن حاكمية الله، أو قولوا وجوب طاعة من نصبه الله تعالى. فبعد أن تقدم علينا الأمر الأول، وهو التنصيب لخلفاء الله بالنص من الله عليهم، كما وتقدم الأمر الثاني، وهو كون الخليفة الإلهي متصف بالعلم والحكمة، ندخل في بيان وتفصيل الأمر الثالث، وهو حاكمية الله، أي إطاعة من نصبه الله تعالى خليفة له في هذه الأرض. فالخليفة الإلهي يدعو لحاكمية الله وتنصيبه، ولا يدعو لغيرها من القوانين والنظم التي جعلها البشر لاختيار الحاكم والقائد. وسأذكر لكم تتميماً للمثال الذي تقدم عليكم ليلة البارحة، أقول: (ولو فرضنا أنّ هذا الإنسان عين رباناً للسفينة أو مديراً للمصنع أو قائداً لهؤلاء الناس وكان أعلمهم وأقدرهم على قيادة السفينة وإدارة المصنع، ولكنه لم يأمر الناس بطاعة هذا الربان أو المدير أو القائد، وتصرف الناس كل بحسب هواه ورغبته؛ لأنهم غير مأمورين بطاعة القائد المعين، وحصلت فوضى أو أضرار بسبب عدم أمره للناس بطاعة الربان أو القائد، ألا يوصف بأنه جانب الحكمة إلى السفه ثم ما فائدة تعيينه للقائد الأقدر إن لم يأمر الناس بطاعته ؟! لا أظن أنّ عاقلاً حكيماً سيقول غير هذا (يجب تعيين قائد ويجب أن يكون لديه أو أن يزود بكل ما يحتاج من العلم ويجب أن يُأمر الذين يقودهم بطاعته)، وهذا موجود في القرآن فمع أول خليفة لله سبحانه في أرضه وضع هذا القانون، وهو قانون معرفة خليفة الله وحجته على عباده، بل هو قانون معرفة الله؛ لأنّ بمعرفة خليفة الله يعرف الله، فتعيين الإمام والقائد وخليفة الله في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾) ([79]). وبعد أن اتضح المراد بالمثال المتقدم الذي ساقه يماني آل محمد السيد أحمد الحسن ع، أذكر الأدلة على حاكمية الله من القرآن والسنة. أمّا القرآن: فقد بيّن القرآن في آيات كثيرة، رجوع الحاكمية واختيار الخلفاء لله سبحانه وفرض طاعتهم وجعلها طاعته سبحانه. أولاً: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ( فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ( إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾([80]). فالآية تأمر الملائكة بالسجود لخليفة الله آدم ع، فسجدوا، إلاّ إبليس أبى واستكبر من السجود والطاعة لأمر الله تعالى في خليفته سبحانه. ثانياً: قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([81]). ثالثاً: قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَـارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([82]). فالآيتان واضحتان بأنّ الله هو الذي يختار وليس للناس تنصيب ملك لهم باختيارهم. رابعاً: قوله تعالى في قصة طالوت: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾([83]). فهذه الفئة المؤمنة بحاكمية الله تعالى لم تنصب لها ملكاً، لعلمها أن لا صلاحية لها في التنصيب، بل التنصيب بيد الله تعالى، فهو من ينصب الخليفة، وبعد تنصيبه تجب على الأمة طاعته، وإلاّ يكون تنصيبه لغواً لا فائدة فيه. خامساً: قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون﴾([84]). وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾([85]). وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([86]). وبما أنّ الله تعالى له في كل واقعة حكم، مهما تطور الزمن، فلابد من خليفة له يقيم تلك الأحكام بين الناس. قال سبحانه لرسوله الكريم ص: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾([87]). عن الفضيل، قال: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله (: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، فقال:(كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم) ([88]). عن بريد العجلي، عن أبي جعفر ع في قول الله (: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، فقال: (رسول الله ص المنذر، ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله ص، ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد) ([89]). وعن أبي بصير، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ ؟ فقال: رسول الله ص المنذر وعلي الهادي. يا أبا محمد هل، من هاد اليوم ؟ قلت: بلى جعلت فداك، ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك، فقال: رحمك الله يا أبا محمد، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل، ماتت الآية، مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى) ([90]). ولهذا نجد الرسول ص يوصي بالعترة ويقول: (بأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)([91]). وأمّا السنة: فعن هشام بن الحكم، قال: (قلت لأبي عبد الله ع: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾([92]). ما ذلك الملك العظيم ؟ قال: فرض الطاعة، ومن ذلك طاعة جهنم لهم يوم القيمة يا هشام) ([93]). وعن أبي بصير، عن أبي جعفر ع في قول الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، قال: (الطاعة المفروضة) ([94]). وعن بريد العجلي، عن أبي جعفر ع: (في قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، فجعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة، فكيف يقرون في آل إبراهيم وينكرون في آل محمد ص ؟ قلت: فما معنى قوله واتيناهم ملكاً عظيماً ؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم) ([95]). فعصيان آل محمد ص عصيان لله تعالى، وطاعتهم طاعة لله سبحانه وتعالى، لأنهم خلفائه الذين نص عليهم يستخلف أحدهم الآخر، وهكذا إلى يوم القيامة، ومن هنا خصّهم الله بليلة القدر. قال رسول الله ص لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر إنها تكون لعلي بن أبي طالب ولولده الأحد عشر من بعدي) ([96]). عن أبي جعفر الثاني ع: أن أمير المؤمنين ع قال لابن عباس: (إنّ ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله ص، فقال ابن عباس: من هم ؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون) ([97]). فتتنزل الملائكة في ليلة القدر على آل محمد ص، ففي كل زمان منهم هادٍ يهدي الأمة إلى طريق الحق الذي جاء به محمد ص، ومنهم طالع المشرق الذي يصفه أمير المؤمنين ع بأنّه يسير بالناس بسيرة الرسول ص. قال ع: (واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص فتداويتم من العمى والصم والبكم، وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق، ولا يبعد الله إلاّ من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾) ([98]). وقد عرفتم يا أولادي بأنّ المقصود بطالع المشرق هو اليماني الموعود ع. واثق: فحاكمية الله تعني إطاعة من نصّبه الله تعالى ونص عليه ؟ الأب: نعم يا واثق، فيكون القانون باختيار الله لا بيد البشر، كما ويكون المطبق لقانون الله شخص قد اختاره الله تعالى. أحمد: ما هو امتياز الدستور الإلهي عن بقية الدساتير والقوانين الموضوعة ؟ الأب: إنّ الله تعالى هو الخالق وهو الأعلم بما ينسجم مع طبيعة خلقه، ومن هنا يكون القانون منسجماً مع كل ما تتطلبه الحياة والكائنات التي خلقها، بخلاف القوانين الوضعية التي يضعها البشر، فهي مهما بُذل من الجهد لجعلها تنسجم مع تمام مخلوقات الله لا يمكنها الانسجام التام أبداً، ومن هنا تجد القوانين الوضعية تختلف من بلد لآخر بسبب الموروث الذي ينعكس على طريقة تفكير واضع القانون، فقد ينسجم قانون وضعي في بلد معين بنسبة ما وان كانت ضعيفة، لكن قد لا يحقق النجاح بتلك النسبة فيما لو جُعل هذا القانون لبلد آخر. فالقانون البشري ناقص ولا يستطيع أن يسد جميع احتياجات المخلوقين، وهذا يعني أن في القانون خطأ. بينما القانون الإلهي قانون واقعي ينسجم مع الجميع؛ لأنّ واضع القانون هو الخالق وهو أعلم بما يحتاجه الخلق. ومن هنا يكون في حاكمية الله القانون معصوماً، والمطبق للقانون معصوم أيضاً، وهذان مفقودان في القوانين الوضعية. ومن هنا يا أبنائي يتضح لكم بطلان الانتخابات؛ لأنها في الحقيقة سقيفة كالسقيفة التي عقدت بعد وفاة رسول الله ص، فأنّى لعوام الناس أن تكون مصيبة في اختيارها، ولم ينجح من هو أفضل منهم في الاختيار، ويكفي لبطلان اختيار الناس ما جاء في قصة موسى ع والذي يشير إليها قوله تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾([99]). قال السيد ابن طاووس (رحمه الله): قيل اختار من اثني عشر سبطاً من كل سبط ستة، حتى تنادوا اثنين وسبعين، فقال يتخلف منكم رجلان فتشاحوا، فقال لهم: إنّ لمن قعد منكم مثل أجر من خرج فقعد كالب ويوشع، وروى أنه لم يصب إلاّ ستين شيخاً فأوحى الله إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخاً، وقيل كانوا أبناء ما عدا العشرين ولم يتجاوزوا الأربعين قد ذهب الجهل والصبي فأمرهم موسى ع أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ثم خرج بهم إلى (طور سيناء) لميقات ربه وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل، فلما دنى موسى عن الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى ع ودخل فيه، فقال للقوم ادنوا فدنوا حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجداً فسمعوه وهو ويكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، فلما انكشف الغمام أقبلوا إليه وطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾([100]). وهنا يعلق السيد ابن طاووس بقوله: (يقول علي بن موسى بن طاووس: كيف يبقى اعتماد على الاختيار في الأمور الكلية وأماته ([101]) البرية وهذا اختيار نبي عظيم الشأن ليصلح قومه فظهر منهم خلاف الإيمان وقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وشهد الله عليهم بالفسق واستحقاق التيه أربعين سنة، فقال تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾([102])، وشهد عليهم موسى إنهم سفهاء بقوله: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا﴾([103])، وهو أمر جزئي يسير من جملة شريعته ونبوته وما فضل من الاختيار إلاّ العدم وسوء عاقبته، وهذا سيد الخلايق محمد ص يختار برأيه رجلاً مولانا علياً ع عوضه([104]) فأي حجة في اختيار من هو دون هاذين العظمي الشأن وقد ظهر فيه ما لا يخفى على العيان ([105]). وعن سعد القمي وهو يسأل الإمام المهدي ع يقول: فقلت: (أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم ؟ قال: مصلح أو مفسد ؟ فقلت: مصلح. قال: هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد. قلت: بلى. قال: فهي العلة أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك. قلت: نعم. قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله، وأنزل عليهم الكتب، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، فأهدى إلى ثبت الاختيار ومنهم موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما على المنافق بالاختيار أن يقع خيرتهما، وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت: لا. قال: فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله، وكمال علمه، ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لم يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقع خيرته على المنافقين. قال الله (: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾، فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر، وينصرف عنه السرائر. وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح) ([106]). وننهي حديثنا لهذه الليلة يا أبنائي الكرام على أمل اللقاء بكم ليلة غدٍ بتوفيق الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الخامسة: اليماني يُعرف بقانون معرفة الحجة جاء الأولاد كما في كل ليلة ليستمعوا لأبيهم وهو يبيّن لهم معالم الدعوة اليمانية المباركة، فبينما هم جلوس إذ دخل أبوهم وسلم عليهم فحيوّه بأفضل التحية فجلس، ثم التفت إلى أبنائه وقال: هل عندكم سؤال ؟ واثق: نعم يا أبي، يخطر ببالي سؤال، وهو: كيف لنا التعرّف على اليماني ؟ الأب: نعم، سؤال جاء في وقته، حيث أني بعد أن بينت القانون الذي يُعرف به الحجّة، وقد تقدّم في القسم الأول بأنّ اليماني حجّة، فمن هنا لابد أن يكون اليماني عنده قانون معرفة الحجّة؛ لكي يتميّز عن غيره من المدّعين. ومن هنا انظروا يا أولادي إلى هذه الروايات: الرواية الأولى: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع، قال: قلت له: جعلت فداك، إذا مضى عالمكم أهل البيت، فبأي شيء يعرفون من يجئ بعده ؟ قال: (بالهدى، والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يسأل عن شيء مما بين صدفيها، إلاّ أجاب فيه) ([107]). وهذه الرواية جاء السؤال فيها عن الميزان في معرفة الذي يلي الإمام ع من أهل البيت ص، بأي شيء يُعرف ؟ والجواب يبينه الإمام الباقر ع، بأنّه يُعرف بالأخلاق والسيرة الحسنة؛ إذ الإطراق هو السكوت والوقار وسكون النفس. وإقرار آل محمد ص له بالفضل، وهذا عبارة أخرى عن النص عليه، فإنّ النص عليه منهمص إقرار له بالفضل الذي به استحق أن يلي الذي قبله، خصوصاً وأن الإمام بصدد بيان الميزان الكاشف عن الحجة، لا أنّه في بيان مدح لشخص ما، كي يقال الكثير شهدوا لهم آل محمد ص بالفضل لكنهم ليسوا حجج، فهذا مندفع بقرينة مورد السؤال وكون الإمام في مقام بيان الميزان لمعرفة العالم من آل محمد ص، لا من سائر الناس، أي في بيان تعريف الحجة الذي يلي الحجة السابق. والشيء الثالث الذي بينه الإمام ع العلم، حيث قال ع: (ولا يسأل عن شيء مما بين صدفيها، إلاّ أجاب فيه). ومعنى هذا أنّه عنده علم وإحاطة فلا يرد عليه سؤال إلاّ وله فيه جواب. فمن هنا ذكرت الرواية ثلاثة أمور: الأول: الأخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة. الثاني: إقرار آل محمد ص له ونصّهم عليه. الثالث: العلم والحكمة. ومن هنا يتعيّن لمن يخلف الحجة أن يكون فيه الميزان المتقدّم. الرواية الثانية: عن الحرث بن المغيرة، قال: قلت لأبي عبد الله ع: بم يعرف صاحب هذا الأمر ؟ قال: (بالسكينة والوقار والعلم والوصية) ([108]). والسؤال في هذه الرواية عن معرفة صاحب الأمر، وليس المراد من صاحب الأمر شخص بعينة، بل المقصود الحجة، فيكون السؤال عن معرفة الحجة، وإن جاء لفظ صاحب الأمر. فلا ينصرف لذهن القارئ أن صاحب الأمر المراد به الإمام المهدي ع، فهذا وإن كان صحيحاً لكن المراد بالرواية ليس الإمام المهدي ع، فكل إمام منهم ص هو صاحب الأمر في زمانه، وهو القائم في زمانه، وهو الهادي في زمانه، والذي يدلنا على أنّ المراد هو الحجة لا شخص الإمام المهدي ع هي الرواية الثالثة الآتية حيث يقول فيها الإمام الصادق ع: (ثلاثة من الحجة لم يجتمعن في رجل إلاّ كان صاحب هذا الأمر). فالإمام المهدي ع هو صاحب أمر قطعاً وجزماً، وكذا اليماني، وسيأتينا أنّ المراد بلفظ صاحب الأمر هو اليماني في بعض الروايات. لكن الرواية إنّما جاءت لبيان الضابطة والميزان الذي ينفرد به الحجة أو قل صاحب الأمر. الرواية الثالثة: عن عبد الأعلى، قال: قلت لأبي عبد الله ع: ما الحجة على المدعي لهذا الأمر بغير حق ؟ قال: (ثلاثة من الحجة لم يجتمعن في رجل إلاّ كان صاحب هذا الأمر: أن يكون أولى الناس بمن قبله، ويكون عنده سلاح رسول الله ص، ويكون صاحب الوصية الظاهرة، الذي إذا قدمت المدينة سألت العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان) ([109]). وهذه الرواية واضحة في بيان الميزان الذي ينفرد به الحجة، بمعنى عدم إمكان تخلفه، فكلما وجد هذه الميزان يكون من وجد عنده هو الحجة، وقد صرّح الإمام الصادق ع بذلك، فلاحظوا قوله: (ثلاثة من الحجة لم يجتمعن في رجل إلاّ كان صاحب هذا الأمر)، فكلما وجدت هذه الثلاثة في شخص كان ذلك الشخص صاحب أمر وحجة. وقد ذكرت الرواية أموراً ثلاثة: الأول: أولى الناس بالذي قبله. الثاني: عنده سلاح رسول الله ص، والمراد به العلم، بقرينة الآيات و الروايات التي نصت على اشتراط العلم والحكمة في الحجة. الثالث: أن تكون فيه الوصية. ثم يبين الإمام الصادق ع، أنّ الناس تعرفه بالوصية، يقولع: (ويكون صاحب الوصية الظاهر، الذي إذا قدمت المدينة سألت العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان ؟ فيقولون: إلى فلان). فمن الواضح جدّاً دلالة الوصية وكونها هي القانون الكاشف للجميع عن صاحب الأمر والحجة. وفي معنى الرواية المتقدمة هذه الرواية عن أبي عبد الله ع أيضاً في حديث طويل قال: (... يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله ص، ووصيته ...) ([110]). فالرواية تبيّن أموراً ثلاثة وتنفيها عن غير صاحب الأمر، بمعنى أنها موجودة عند صاحب الأمر حصراً، فلاحظوا أنها بينت أنّ صاحب الأمر أولى الناس بالذي قبله ووصيه وعنده سلاح رسول الله، ووصيته.... ومن المعلوم أنّ وصية رسول الله ص غير وصية الإمام السابق، فوصية الإمام السابق على اللاحق ما هي إلاّ تأكيداً لوصية الرسول ص، وامتثالاً لإمره لأنه أمر جميع الأئمة ص أن يوصلوا المواريث إلى من بعدهم. ومن هنا أنّ صاحب الأمر لابد أن ينفرد بوصية رسول الله ص، وهذا ما تحقق فعلاً فقد أحتج السيد أحمد الحسن ع بوصية رسول الله ص وانفرد بها. الرواية الرابعة: عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر ع في رواية طويلة إلى أن يقول: (... ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ص ورايته وسلاحه ...... وإياك وشذّاذ من آل محمد ص فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء. فألزم هؤلاء أبداً، وإياك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله ص.......) ([111]). فتلاحظون يا أبنائي أن الرواية حددت ثلاثة أشياء، وجعلتها الميزان، في التعرّف عن صاحب الحق، فيقول الإمام الباقر ع: (ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ص ورايته وسلاحه)، والمراد من عهد نبي الله ص هي الوصية، ثم ذكر رايته وسلاحه، وقد تقدم في الليالي السابقة أن الحجة يُعرف بثلاث أمور: أولاً: النص أوالوصية. ثانياً: العلم والحكمة. ثالثاً: حاكمية الله سبحانه. والثلاثة ذكرها الإمام الباقر ع في هذه الرواية. وعبر الإمام الباقر ع عن الوصية بعهد نبي الله ص. ولقد أضاف الإمام الباقر ع، العهد لنبي الله محمد ص، مما يدل على أنّ الشخص الذي سيأتي يحتج بوصية رسول الله ص، فقال: (عهد نبي الله). ومن هنا يأتي سؤال، وهو أنّ الإمام الباقر ع في هذه الرواية بصدد الكلام عن آخر الزمان، فلماذا قيد العهد وخصصه بعهد نبي الله محمد ص؟ وفي مقام الإجابة أقول: إنّ المعروف من سيرة الأئمة ص أنّ أحدهم ينص على الآخر؛ حيث أنّ أحدهم يأتي بعد الآخر، لكن بما أنّ الطريقة التي سيأتي بها صاحب الحق اليماني والمهدي الأول تختلف عمّا كان عليه الأئمة سابقاً؛ حيث إنه يأتي قبل أبيه الإمام المهدي ع؛ فلذا عبّرت الرواية بأنّه - أي المهدي الأول واليماني ع- يُعرف بعهد نبي الله محمد ص. وهذا ما تحقق فعلاً، فاليوم جاء اليماني والمهدي الأول محتجاً بعهد نبي الله ص الذي ذكره باسمه فيه، كما سأبين لكم ذلك يا أولادي. فلله درّكم يا آل محمد لا تخطأ رميتكم صاحبها أبداً، فما أدق كلامكم، فرحم الله من سمع الحكمة من أهلها آل محمد ص فوعاها!! ثم يؤكد الإمام ع هذا المعنى بعبارة أخرى في نفس الرواية، فيقول ع: (حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه). وفي هذه العبارة لم يبيّن الإمام الباقر ع اسم الشخص الذي يأتي ومعه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، بل يُعرّفه بأنّه من ولد الحسين ع فقط. ومعنى ذلك أنّ العهد الذي معه يكشف للناس معالم شخصيته ويرفع اللبس عنها. وبل ويستفاد من ذلك أنّ اسم الرجل أيضاً موجود في عهد نبي الله ص، وهذا يدلنا عليه سياق الكلام والدلالات المستفادة منه؛ إذ معنى العهد هو الوصية وهي لابد أن تكون بإسم الشخص الموصى به، ومن هنا يكون أسم الشخص مذكوراً في وصية وعهد نبي الله ص، ولو رجعنا لوصية الرسول ص لوجدنا فيها اسم الرجل الذي لم يسمه الإمام الباقر ع، فقد جاء في عهد الرسول ص الذي عهده لعلي ع هذه العبارة: (فإذا حضرته الوفاة - أي الإمام محمد بن الحسن ع- فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو: عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين) ([112]). فمن هنا نعرف المقصود بالرجل الذي من ولد الحسين ع هو: أحمد؛ لأنّ كلام آل محمد ص بعضه يفسر بعضاً. فالخلاصة: هي أنّ الرجل الذي وصفة الإمام الباقر ع بأنه من ولد الحسين ع سيأتي ومعه قانون يُعرف به الحجج ص؛ وما ذلك إلاّ لكونه حجة، ولو بحثنا عن الشخصيات التي نصّت على وجودها الروايات في زمن الظهور المبارك لا نجد شخصية يمكن أن تتصف بكونها حجّة سوى شخصية اليماني، كما هو المنصوص عليه في رواية الإمام الباقر ع التي يبين فيها حدود شخصية اليماني ع ([113]). واثق: أبي هل هذا هو الميزان الكاشف عن الحجة فقط ؟ الأب: نعم يا ولدي كما عرضت أمامكم الروايات، وفي بعضها حصر بأمور ثلاثة، كالرواية الثالثة التي تقول: (ثلاثة من الحجّة لم يجتمعن في رجل إلاّ كان صاحب هذا الأمر). يعني ثلاثة أمور أن توفرت كان من توفرت فيه حجة وصاحب أمر. محمود: يا أبي لكن بناء على هذه الروايات نعرف أنّ الكثير من الأمور التي كنّا نظن اشتراطها غير مشترطة ؟ الأب: نعم يا ولدي، ومن تلك الأمور التي أصبحت عقبة وهمية أمام الكثير هي ما يتعلق بعلم النحو، فالكثير يظن أنّ الحجة لابد أن يكون كلامه مطابقاً لقواعد علم النحو الموضوعة من علماء ذلك العلم، وهذا في الحقيقة اشتراط اجتهادي لا ربط له بالميزان الذي يُعرف به الحجج، وإلاّ لاشترطه أهل البيت ص، بل نجد الأمر بالعكس أنهم ص يذمون التصنع في الكلام ومتابعة الألفاظ وهجران المعاني، وليس الألفاظ إلاّ وسيلة من خلالها يبين الإنسان المعنى، فكيف ينشغل عن المعنى بالألفاظ ؟! ينشغل بالقشور ويترك اللب ؟! لاحظوا يا أبنائي هذه الرواية قبل أن أنقل لكم روايات أهل البيت ص وتقييمهم لعلم النحو، ولنأخذ الحكمة من سيدها علي بن أبي طالب ع. يروى أنّه جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ بلالاً كان يناظر اليوم فلاناً، فجعل يلحن في كلامه، وفلان يعرب ويضحك من فلان، فقال أمير المؤمنين ع: (إنما يراد إعراب الكلام وتقويمه، ليقوم الأعمال ويهذبها، ما ينفع فلاناً إعرابه وتقويمه، إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن، وما ذا يضر بلالاً لحنه، إذا كانت أفعاله مقومة أحسن تقويم، ومهذبة أحسن تهذيب) ([114]). فالظاهر أنّ علم النحو وظّفه البعض في بداية الإسلام للسخرية ببلال وأمثال بلال من الناس الذين يعتبرهم ملأ قريش بأنّهم أراذل - وحاشاهم -. ومما يؤكد على وجود ظاهرة الاستهزاء عند العرب والتي وقف ضدّها الرسول ص، قوله ص: (إنّ الرجل الأعجمي ليقرأ القرآن على أعجميته، فترفعه الملائكة على عربيته) ([115]). وهذا يدلنا على وجود استهزاء بغير العرب الذين انغروا بفصاحتهم فأخذوا يستهزؤون بالموالي والعبيد غير العرب، وسبحان الله نجد اليوم نفس الظاهرة !! بعد ذلك اسمعوا هذه الروايات التي جاءت بخصوص علم النحو: الرواية الأولى: عن حويزة بن أسماء، قال: قلت لأبي عبد الله ع: إنك رجل لك فضل، لو نظرت في هذه العربية فقال: (لا حاجة لي في سهككم هذا) ([116]). الرواية الثانية: وروي عنه ع أنه قال: (من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع). الرواية الثالثة: عن محمد بن مسلم، قال: (قرأ أبو عبد الله ع: ولقد نادينا نوحاً، قلت: نوح! ثم قلت: جعلت فداك، لو نظرت في هذا أعني العربية، فقال: دعني من سهككم). الرواية الرابعة: عن عبد الأعلى، قال: قال أبو عبد الله ع: (أصحاب العربية يحرفون الكلم عن مواضعه). الرواية الخامسة: وعن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: كان أبو عبد الله ع يكره الهمزة ([117]). فمع وجود الروايات التي تحصر قانون معرفة الحجة بأمور ثلاثة ليس منها النحو، مضافاً إلى الروايات التي دلت على عدم اعتناء الأئمة ص بالنحو بل وذمه، كيف يمكن القول باشتراط علم النحو في حجية الحجة ؟! ليس هذا في الحقيقة إلاّ تشريع واشتراط لا يمت إلى آل محمد ص بصلة أبداً، بل يكون هذا من قبيل الاجتهاد مقابل النص، وهو غير جائز بأي وجه من الوجوه. ثم علاوة على ذلك كله إنّ النحو هو عبارة عن قواعد سماعية مختلف فيها، فلتميم لغة ولطي لغة ولحمير لغة وللحجاز لغة، فكيف تجعل هذه القواعد السماعية المختلف فيها في نفسها مقياساً للحجج الطاهرين ص ؟! ثم إننا نجد القرآن في موارد خالف قواعد النحو، فلاحظوا يا أبنائي هذه الآية. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. هذه الآية الثانية والستون في سورة البقرة، جاء فيها لفظ (الصابئين)، بينما في الآية التاسعة والستون من سورة المائدة جاءت نفس الآية وجاء فيها لفظ (الصابئون). قال تعالى في سورة المائدة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. ثم لاحظوا تفسير قوله تعالى: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾([118]). جاء في تفسير القمي: (ثم حكى قول فرعون وأصحابه لموسى ع فقال: (وقالوا يا أيها الساحر) أي يا أيها العالم (ادع لنا ربك بما عهد عندك أننا لمهتدون)، ثم قال فرعون: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) يعني موسى (ولا يكاد يبين) فقال لم يبين الكلام) ([119]). وجاء في مجمع البيان للطبرسي: (ولا يكاد يُبين) أي: ولا يكاد يفصح بكلامه وحججه للعقدة التي في لسانه ([120]). فلا أعتقد بعد هذا بقاء حجة لمحتج في اشتراط النحو والتكلم طبقاً للقواعد النحوية. وأختم كلامي بكلام لسيدي يماني آل محمد ص السيد أحمد الحسن ع في جوابه لسؤال وجه إليه: (بأنها قواعد استقرائية تحتمل الخطأ في بعض الأحيان فلا يمكن اعتبارها قانوناً يحاكم القرآن وكلام الأنبياء والأوصياء وإلاّ فإنهم يقرون للنصارى نقضهم على القرآن بواسطة قواعد اللغة العربية الوضعية، وإن كنت مطلعاً على اللغة العربية ستجد أن هناك أكثر من مدرسة نحوية ولكل مدرسة قواعدها التي تختلف عن الأخرى، فأيها الحقيقة وأيها الوهم والباطل حتى أن بعض علماء الشيعة رجح تحريف القرآن بسبب مخالفته لبعض القواعد النحوية والبلاغية الموضوعة وبإمكانك الاطلاع على كفاية الأصول للأخوند الخراساني وتعليق المشكيني عليها، حيث علّق المشكيني على ترجيح الأخوند تحريف القرآن بما معنا: (كما يدل عليه الاعتبار وكثير من الأخبار) والاعتبار يقصد به مخالفة القرآن الذي بين أيدي الناس للقواعد النحوية والبلاغية والكلام طويل في قواعد اللغة العربية. واعلم إنّ العرب كانوا يتكلمون بأكثر من لغة فصحى منها لغة تعامل الأفعال الخمسة في حال النصب والجزم والرفع بخلاف ما عليه قواعد اللغة الموضوعة تماماً، أما إنّ أمير المؤمنين ع أمر بكتابة قواعد اللغة العربية فهذا الكلام غير صحيح ولا علاقة له بالحقيقة وإن كنتم تعتقدون إنّ هذا مدح لعلي ع فعلي في غنى عن هذا) ([121]). إلى هنا ننهي كلامنا في هذه الليلة على أمل أن نلتقي غداً بإذن الله تعالى ومشيئته سبحانه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة السادسة : تتميم لأسئلة الأولاد جلس الأبناء ينتظرون أبيهم، وأخذوا يتحاورون بينهم فيما ذكره أبوهم، ومن هنا تولدت عندهم عدّة أسئلة، فاتفقوا أن يخبروا أباهم بها، فجاء الأب وسلّم على أولاده بتحية الإسلام، فردّوا السلام والتحية، فقال الأب: أراكم تتحدثون فهل يوجد سؤال ؟ واثق: نعم يا أبي توجد عدّة أسئلة. الأب: تفضل يا واثق. واثق: أبي، كيف يتعرّف الإنسان على اليماني والمهدي الأول ع في الوقت الذي كثرت الدعاوى الكاذبة، وحتى أهل البيت ص قالوا: تظهر إثنا عشر راية كاذبة. فعن المفضل بن عمر، قال: (كنت عند أبي عبد الله ع في مجلسه ومعي غيري فقال لنا: إياكم والتنويه يعني باسم القائم ع. وكنت أراه يريد غيري فقال لي: يا أبا عبد الله، إياكم والتنويه والله ليغيبن سنيناً من الدهر وليخملن حتى يقال: مات، هلك، بأي واد سلك، ولتفيضن عليه أعين المؤمنين، وليكفأن كتكفؤ السفينة في أمواج البحر حتى لا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيده بروح منه، ولترفعن اثنا عشر رأيه مشتبهة لا يعرف أي من أي. قال: فبكيت، فقال لي: ما يبكيك ؟ قلت: جعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنا عشر راية مشتبهة لا يعرف أي من أي، قال: فنظر إلى كوة ([122]) في البيت التي تطلع فيها الشمس في مجلسه فقال ع: أهذه الشمس مضيئة ؟ قلت: نعم، قال: والله لأمرنا أضوء منها) ([123]) فكيف يمكن التعرّف على صاحب الحق مع وجود هذه الرايات المشتبهة، والتي وصفها أهل البيت ص: (لا يعرف أي من أي)، وهذا تعبير عن شدّة الاشتباه، ومعه فكيف يمكن التعرّف على راية الحق ؟ الأب: نعم سأبين لك يا ولدي كيفية الوصول إلى الحق والتعرّف على راية الحق. الوصول إنّما يكون عبر الطريق، والطريق لمعرفة اليماني هو انفراده بقانون معرفة الحجة، فيكون أمره أوضح من شمس في رابعة النهار، ومن هنا تعرف السر في تعبير الإمام ع في العبارة التي تأتي بعد ذكره للرايات الاثني عشر المنحرفة، والعبارة هي: ( قال - أي المفضل -: فبكيت فقال لي: ما يبكيك ؟ قلت: جعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنا عشر راية مشتبهة لا يعرف أي من أي، قال: فنظر إلى كوة في البيت التي تطلع فيها الشمس في مجلسه، فقال ع: أهذه الشمس مضيئة ؟ قلت: نعم، قال: والله لأمرنا أضوء منها). والسر في أنّ أمرهم أضوء من الشمس هو إنفراد رايتهم بقانون الحجة، بحيث لا يشاركها أحد، فيكون الحجة واضحاً ومعلوماً؛ لانفراده بقانون الحجج ص الذي اختص الله به حججه، ومن هنا يكون كالشمس في رابعة النهار. كما جاء أيضاً هذا المعنى في رواية أخرى: عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله ع: (أما والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم، وليمحصن حتى يقال: مات أو قتل وهلك، بأي واد سلك ؟ ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه ولترفعن اثنا عشر راية مشتبهة لا يدري أي من أي. قال: فبكيت ثم قلت: فكيف نصنع ؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة، قال: يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس ؟ قلت: نعم، فقال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس) ([124]). ولكي تتجلى لكم الفكرة تلاحظون أنّ جميع البشرية أجمعت على الديمقراطية، وهي التي تعني حاكمية الناس وتنصيبهم لمن يقودهم ويدبر أمورهم، والديمقراطية تعني حكم الأكثرية على الأقلية، وهذه هي أفضل طريق للحكم وصله البشر اليوم، وتراهم يفتخرون بها، وهو افتخار وهمي؛ إذ هي دكتاتورية بثوب آخر، ويمكنكم مراجعة ما كتبه السيد أحمد الحسن ع في كتابه حاكمية الله. فالجميع اليوم ينادي بالديمقراطية والانتخابات والشورى إلاّ أحمد الحسن ع الوحيد الذي انفرد بنداء حاكمية الله وتنصيبه، فأنفرد الحق بصورة واضحة وجلية لكل من له قلب يفقه به ويعي الحقائق. هل اتضحت الفكرة يا واثق ؟ واثق: نعم يا أبي. محمود: أبي، لماذا ليس من حق الناس أن تنصب الحجّة، بل التنصيب محصور بيد الله تعالى، ينص على الحجّة ؟ الأب: سأجيبك يا محمود بهاتين الروايتين لكي تتضح لك حقيقة الأمر: الرواية الأولى: عن عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا ع في حديث طويل قال: (هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم ؟ إنّ الإمامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن تبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم، فمن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين ص، إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره ؟ هيهات هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وخسئت العيون عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ؟ لا، كيف وأنى وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين وأين الاختيار من هذا وأين العقول من هذا وأين يوجد مثل هذا ؟ راموا إقامة الإمام بعقول حايرة بايرة ناقصة وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلاّ بعداّ، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([125]). وقال (: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾([126]). فكيف لهم باختيار الإمام ؟! والإمام عالم لا يجهل، راع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة) ([127]). الرواية الثانية: عن سعد بن عبد الله القمي في حديث طويل، أنه سأل الإمام المهدي ع وهو غلام صغير في حياة أبيه الحسن العسكري ع فقال: (أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم ؟ قال ع: مصلح أم مفسد ؟ قلت: مصلح. قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت: بلى. قال: فهي العلّة التي أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك، أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل موسى وعيسى (عليهما السلام) هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت: لا، قال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله (: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾([128])، إلى قوله: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾([129])، فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلاّ ممن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر ...) ([130]). ولقد اعترضت قريش على اختيار الله للرسول ص، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾([131]). والمقصود بالقريتين مكة والطائف، والرجلان هما: أمية ابن أبي الصلت، وأبي مسعود الثقفي([132]). وإنما قالوا ذلك؛ لأنّ الرجلين كانا عظيمي قومهما وذوي أموال كثيرة. فكانوا يرون أنّ المقوّم للاختيار هو كثرة المال، كما اعترض ملأ بني إسرائيل على نبيهم اشموئيل حينما أمره الله تعالى أن ينصب عليهم طالوت ملكاً، فاعترضوا عليه بأنّ طالوت لم يكن من أهل الأموال. قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾([133])، فردّهم الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. فالله سبحانه أبطل اختيار قريش بقوله بعد هذه الآية: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾([134])،([135]). فلو فوض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي؛ إذ كانا عندهم أفضل من محمد ص. وقال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([136]). وسيأتينا يا أبنائي في تاريخ الوصية، كلام مرتبط بهذا الموضوع. أحمد: أبي، إذا كان الاختيار بيد الله تعالى، ويستكشف اختيار الله من النص، فكيف يقول القرآن الكريم: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾([137])، ويقول سبحانه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾([138]). الأب: سأجيبك يا ولدي بما قاله السيد اليماني أحمد الحسن ع، في جواب سؤال وجهه إليه بعض الأنصار، وهو يسأله عن الآية الأولى؛ وهي قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، وهل هذه الآية تتناقض مع القول بحاكمية الله تعالى وكون التنصيب للحجج بيده سبحانه ؟ فأجابه السيد أحمد الحسن ع: (بسم الله الرحمن الرحيم ... والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ نزلت على محمد ص وفي حياة محمد ص، فلو كانت في الحكم والحاكم لكان للمسلمين أن يختاروا غير محمد ص وينصبوه عليهم!! ولو كانت في الحكم والحاكم لشاور محمد ص المسلمين في الأمر قبل أن يعلن تنصيب علي بن أبي طالب ع بعده في غدير خم!! ولو كانت حتى في تنصيب أمير على جيش يخرج لقتال الكفار، لشاور رسول الله المسلمين قبل أن ينصب أسامة بن زيد، بل كان كثير منهم غير راضين بهذا التنصيب، فلماذا لم يقبل رسول الله مشورتهم واعتراضهم على صغر سن أسامة بن زيد إذا كان مأموراً بأخذ مشورتهم في أمور الحكم ؟؟!! أتراه ص يخالف القرآن وحاشاه ؟؟!!!! إنّ للقرآن أهله فرحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه وسمع حقاً فأذعن) ([139]). فاختيار الإمام والتنصيب له ليس من أمرهم، بل من أمر الله تعالى. قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾([140]). وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾([141]). ومن هنا يكون الاختيار خارجاً عن صلاحياتهم؛ إذ لو كان الأمر راجعاً لهم ومن صلاحياتهم لما عبّرت عنه الآيتان بلفظ (أمرنا)، بينما آية الشورى تقول (أمرهم)، أي لا أمر الله تعالى؛ ولذا نجد الرسول ص لا يأخذ باعتراضهم على تنصيبه. بل الآية ناظرة لأمور أخرى لا ترتبط بالتنصيب الإلهي بصلة أبداً، بل ناظرة إلى أمور المسلمين الحياتية اليومية شريطة أن تكون ضمن حدود الدين والشرع. وأمّا الآية الثانية؛ وهي قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، فبعد معرفة كون تنصيب الحجج ليس من أمرهم فأتضح الجواب عنها، فهي غير ناظرة لتنصيب الحجج والخلفاء الذين يأتون بعد الرسول محمد ص، بل هذه واردة في أمور الحرب، ومن هنا وجّهت هذه الآية بتوجيهات متعددة. قال الشيخ الطوسي: (وقيل في وجه مشاورة النبي ص إياهم مع استغنائه بالوحي عن تعرف صواب الرأي من العباد ثلاثة أقوال: أحدها: قال قتادة، والربيع، وابن إسحاق أن ذلك على وجه التطييب لنفوسهم، والتأليف لهم، والرفع من أقدارهم إذ كانوا ممن يوثق بقوله: (ويرجع إلى رأيه). والثاني: قال سفيان بن عيينة: وجه ذلك لتقتدي به أمته في المشاورة ولا يرونها منزلة نقيصة كما مدحوا بأن أمرهم شورى بينهم. الثالث: قال الحسن والضحاك: إنّه للأمرين، لإجلال الصحابة واقتداء الأمة به في ذلك. وأجاز أبو علي الجبائي: أن يستعين برأيهم في بعض أمور الدنيا. وقال قوم: وجه ذلك أن يمتحنهم فيتميز الناصح في مشورته من الغاش النية. وقوله: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ﴾ فالتوكل على الله هو تفويض الأمر إليه للثقة بحسن تدبيره، وأصله الاتكال، وهو الاكتفاء في فعل ما يحتاج إليه بمن يسند إليه) ([142]). ونقل ابن عبد البر في الاستذكار قول أبو عمر: قال: وكان رسول الله ص يشاور أصحابه في الحروب ليقتدى به ([143]). فهذه الآية أيضاً ناظرة لمشورتهم في الحرب، علماً أنّ القرار الأخير والنهائي بيده ص: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ﴾. محمود: لقد سمعت يا أبي أنّ الأنبياء والأئمة ص عندهم معاجز تثبت دعوتهم، وأنت لم تذكر هذا الطريق، أليس المعجزة طريقاً لإثبات نبوة النبي أو إمامة الإمام ؟ الأب: بخدمتك يا ولدي، لكن أرجو الانتباه لما سأقوله، وسأبين ما أريد قوله لكم في نقطتين: النقطة الأولى: إنّ المعجزة لم تكن هي دليل النبوة أبداً، وإلاّ فالقرآن لم يتحدّث عن معجزة جاء بها نبي الله نوح ع، وكذلك لم يتحدّث عن معجزة لإبراهيم ع، لكي يثبتا من خلالها صدقهما؛ والسر في ذلك هو أنّ المعجزة إنّما دورها دور التأييد لصحة الدعوة التي جاء بها الأنبياء ص، وليس دورها دور الدلالة على صحة الدعوى. روى الصدوق في العلل بسنده: عن أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله ع لأي علة أعطى الله ( أنبيائه ورسله وأعطاكم المعجزة ؟ فقال: ليكون دليلاً على صدق من أتى به، والمعجزة علامة لله لا يعطيها إلاّ أنبيائه ورسله وحججه ليعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب) ([144]). فالمعجزة علامة وشاهد صدق، ولا ينحصر صدق المدعي بها، بل يمكن أن يثبت كونه صادقاً بأمور أخرى، ومن هنا تجدون الكثير من أصحاب الأئمة ص آمنوا بالإمام اللاحق بنص الإمام السابق عليه - وهو الحق - لا بالمعجزات. ومن هنا قال العلامة الحلي في كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للخواجة نصير الدين الطوسي: (فالحاصل إنّ المعجزة لا تدل على النبوّة ابتداء، بل تدل على صدق الدعوى فإن تضمنت الدعوى النبوة دلت المعجزة على تصديق المدعي في دعواه ويستلزم ذلك ثبوت النبوة)([145]). وقال أيضاً: (أقول: ذهبت الإمامية خاصة إلى أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه. وقالت العباسية: إنّ الطريق إلى تعيين الإمام النص أو الميراث. وقالت الزيدية: تعيين الإمام بالنص أو بالدعوة إلى نفسه. وقال باقي المسلمين: الطريق أنما هو النص أو اختيار أهل الحل والعقد. والدليل على ما ذهبنا إليه وجهان: الأول: أنا قد بينا أنه يجب أن يكون الإمام معصوما والعصمة أمر خفي لا يعلمها إلا الله تعالى، فيجب أن يكون نَصْبُهُ من قِبَلِه تعالى؛ لأنه العالم بالشرط دون غيره. الثاني: إنّ النبي ص كان أشفق على الناس من الوالد على ولده، حتى أنه ع أرشدهم إلى أشياء لا نسبة لها إلى الخليفة بعده كما أرشدهم في قضاء الحاجة إلى أمور كثيرة مندوبة وغيرها من الوقائع، وكان ع إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين، ومن هذه حاله كيف ينسب إليه إهمال أمته وعدم إرشادهم في أجل الأشياء وأسناها وأعظمها قدراً وأكثرها فائدة وأشدهم حاجة إليها، وهو المتولي لأمورهم بعده فوجب من سيرتهع نصب إمام بعده والنص عليه وتعريفهم إياه، ......) ([146]). وقال الشيخ كاشف الغطاء: (الإمامة؛ قد أنبأناك أنّ هذا هو الأصل الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين، وهو فرق جوهري أصلي، وما عداه من الفروق فرعية عرضية كالفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم كالحنفي والشافعي وغيرهما. وعرفت أنّ مرادهم بالإمامة: كونها منصباً إلهيا يختاره الله بسابق علمه بعباده، كما يختار النبي، ويأمر النبي بأن يدل الأمة عليه، ويأمرهم بإتباعه. ويعتقدون: أن الله سبحانه أمر نبيه بأن ينص على علي ع وينصبه علماً للناس من بعده) ([147]). ومن هنا تجد أنّ بعض الأنبياء ص ليس لهم معاجز، وهذا لا يعني أنّهم ليسوا بأنبياء، فنبوة النبي غير متوقفة على الإتيان بالمعجزة. بل يُعرف الأنبياء بقانون معرفة الحجة الذي تقدم الكلام عنه. وسأذكر لكم هذا النص الذي جاء في كتاب الإضاءات للسيد أحمد الحسن اليماني الموعودع، قال: (ولعل أهم مائز لدعوات المرسلين هو العلم والحكمة وحسن التدبير ولكن أكثر الناس لا يميزون بين الحكمة الإلهية التي ينطق بها المرسلون وبين السفسطة التي يعارضهم بها علماء الضلالة قطاع طريق الله سبحانه وتعالى. وعدم التمييز ليس بسبب صعوبة تمييز الحكمة كما يدعي أو يتوهم بعض الناس بل إن أهم أسباب هذا الخلط هو أنّ الناس لوثوا فطرتهم وأصبحوا كالأعمى لا يميزون بين الخمر واللبن أو بين سفه الشيطان وحكمة الله سبحانه وتعالى ويا للأسف فهذا حال معظم الناس في كل زمان وكمثال لتوضيح الحال التي وصل إليها المسلمون أن محمداً ص جاء بالقران كمعجزة والمسلمون جميعاً على هذا القول ولكن من الذي يميز أن القرآن آية معجزة؟ فلو جاء اليوم محمد بن عبد الله ص ونزل إلى الأرض ومعه سورة قرآنية جديدة جاء بها من الله سبحانه وتعالى فهل يستطيع المسلمون أن يميزوا هذه السورة ويقطعون أنها من الله سبحانه وتعالى وبالتالي يثبت عندهم أنّ هذا الشخص الذي جاء بها هو محمد ص؟ أقول وبلا تردد أنّ معظم المسلمين غير قادرين على التمييز وسواء منهم العلماء أم الجهلاء بلا إذا كان هناك مسلمون لم يلوثوا فطرتهم يستطيعون أن يميزوا هذه السورة ويعرفون أنها آية من الله سبحانه وبالتالي فان الذي جاء بها ليس شخصاً اعتادياً. إذن فالنتيجة المتحصلة: إنّ محمداً بن عبد الله ص لو جاء بالقرآن اليوم لكفر به معظم المسلمين ولم يؤمنوا به ولقالوا ساحر وكذّاب) ([148]). النقطة الثانية: الملاحظ في من طلب المعاجز من الأنبياء ص هم الكفار بهم، فتجد الكفار بأنبياء الله ص، يؤكدون على طلب المعاجز المادية؛ وهذا ناتج من كونهم مجبولين على التصديق بالمادة فقط، ولا يوجد في نفوسهم شيء من الإيمان بالغيب، والله تعالى يريد الإيمان به عن طريق الغيب. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾([149]). وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجرٍ كَرِيمٍ﴾([150]). وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾([151]). فالإيمان عن طريق الغيب لا عن طريق المعجزة المادية القاهرة على الإيمان، ولذا رفض الله تعالى إيمان فرعون بعد نزول المعجزة القاهرة، ولأنقل لكم كلام اليماني في هذا الصدد للتوضيح وللوقوف على الموضوع بدّقة. قال السيد أحمد الحسن اليماني ع: (أمّا المعجزة المادية فهي لا يمكن أن تكون وحدها طريقاً لإيمان الناس، بل الله لا يرضى بهكذا إيمان مادي محض، ولو كان يَقبل لقَبل إيمان فرعون بعد أن رأى معجزة مادية قاهرة لا تؤول، وهي انشقاق البحر، ورأى كل شق كالطود العظيم، ولمسه بيده فقال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([152]). ولكن الله لا يرضى هذا الإيمان: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾([153]). وقد ترك الله بدن فرعون آية للناس ليتفكروا: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾([154]). ولكن قليل من انتفعوا بهذه الآية و ﴿كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾. كما أن المعجزة لا يمكن أن تكون لكل من يطلبها، و إلا لآمن الناس جميعاً إيماناً قهرياً اجبروا عليه بما يرون من قدرة قاهرة لا طاقة لهم على مواجهتها، ولن يكون هذا إلا استسلاماً للأمر الواقع وليس إسلاماً وتسليماً للغيب، والله سبحانه هو الغيب، ولعل من تدبر في معجزات الأنبياء يجدها جميعاً جاءت مشابهة لما انتشر في زمانهم، فموسى يأتي بالعصا التي تصبح أفعى في زمن فيه عشرات يلقون عصيهم فإذا هي أفعى كما يخيل للناس، وكذا عيسى جاء ليشفي المرضى في زمن انتشر فيه الطب، ومحمد ص يأتي بالقرآن لقوم اشتهروا بالكلام والشعر، فالأمر وما فيه أنها جاءت كذلك للَّبس، قال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾([155]). وما هذا اللبس والمشابهة إلا لتكون هناك مساحة لتأول المتأولين الذين لا يؤمنون بالغيب، ولتبقى مساحة للإيمان بالغيب، و إلا فالإيمان المادي المحض ليس إيماناً، ولا إسلاماً، ولا يقبله الله. قال تعالى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾([156]). فالإيمان الكامل هو الإيمان بالغيب مائة بالمائة، وهو إيمان الأنبياء والأوصياء، وكلما كان الإيمان مشوباً بآية أو إشارة أو كرامة أو معجزة مادية، كان أدنى وأقل، حتى إذا كانت المعجزة قاهرة وتامة ولا يمكن تأويلها، عندها لا يقبل الإيمان والإسلام، كما لم يقبل إيمان وإسلام فرعون؛ لأن هكذا إيمان هو إيمان مادي مائة بالمائة. والله وصف المؤمنين بأنهم: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾([157]). ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾([158]). ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾([159]). ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾([160]). ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾([161]). ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([162]). ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾)([163]). وإلى هنا ننهي كلامنا في هذه الليلة أولادي الأعزاء، على أمل اللقاء بكم في ليلة غدٍ إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة السابعة: كيف يُعرف صاحب الأمر؟ وهكذا بدأت الإشكالات ترد على أذهان الأولاد، فمن هنا أخذوا يسألون أباهم عما يدور في خلدهم، وجاء الأب فوجد أولاده ينتظرون قدومه، فسلم عليهم وتبادلوا معه السلام، فسألهم قائلاً: هل يوجد عندكم سؤال ؟ واثق: نعم يا والدي، إني قرأت روايات تتعلق بصاحب الأمر لكني في الحقيقة أريد الوقوف عند هذا الموضوع لكي أفهمه، فلقد قرأت روايات تتعلق بصاحب الأمر لكني لم أفهم المقصود بها، خصوصاً بعد أن فهمت منك يا أبي أن صاحب الأمر يطلق على كل الأئمة ص فيما تقدّم، كما يطلق ويراد منه الإمام المهدي ع ويراد به شخصاً آخر أيضاً. الأب: نعم يا واثق فهمتك يا ولدي، وسيقع كلامنا في هذه الليلة عن تحديد المراد بصاحب الأمر، وبما أننا لا نريد إثبات أنّ هذا اللفظ يطلق على كل الأئمة ص؛ لأنّ ذلك تقدم فيما سبق، فمن هنا سيكون كلامنا في لفظ صاحب الأمر وتحديد المراد منه في زمن الظهور. وأبدأ بتقديم روايات لندرس دلالتها واحدة تلو الأخرى، إلى أن ننتهي إلى ما نريد الوصول إليه. الرواية الأولى: روى الشيخ الكليني بسنده: عن علي بن أبي حمزة، قال: (دخلت على أبي عبد الله ع فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا، فقلت: فولدك ؟ فقال: لا، فقلت: فولد ولدك هو ؟ قال: لا، فقلت: فولد ولد ولدك ؟ فقال: لا، قلت: من هو ؟ قال: الذي يملاها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، على فترة من الأئمة، كما أنّ رسول الله ص بعث على فترة من الرسل) ([164]). إنّ السؤال في الرواية ليس عن مطلق صاحب الأمر، وإلاّ فالإمام الصادق صاحب أمر، أي: إمام مفترض الطاعة، فقد تقدم عن الإمام الصادق ع أيضاً في رواية عن عبد الأعلى، قال: قلت لأبي عبد الله ع: (ما الحجة على المدعي لهذا الأمر بغير حق ؟ قال: ثلاثة من الحجة لم يجتمعن في رجل إلاّ كان صاحب هذا الأمر .....) ([165])، فلو كان السؤال في الرواية الأولى عن مطلق صاحب الأمر لأجاب الإمام بنعم، لكن بما أنّ السؤال ليس كذلك كما فهم الإمام ع ذلك فأجاب السائل بالمعنى الذي فهمه الإمام ع من المقصود بصاحب الأمر في سؤال السائل. فقال ع: (لا، فقلت - السائل -: فولدك ؟ فقال: لا، فقلت: فولد ولدك هو ؟ قال: لا، فقلت: فولد ولد ولدك ؟ فقال: لا، قلت: من هو ؟ قال: الذي يملاها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، على فترة من الأئمة، كما أنّ رسول الله ص بعث على فترة من الرسل). والملفت للنظر في هذه الرواية هذه الفقرة: (على فترة من الأئمة، كما أنّ رسول الله صبعث على فترة من الرسل). ولكي يتضح الأمر أقول: أولاً: قوله ع: (على فترة من الأئمة) لا ينطبق على الإمام محمد بن الحسن العسكريع؛ لأنّه ليس على فترة من الأئمة، بل هو استلم الإمامة من أبيه مباشرةً. ثانياً: القرآن يبيّن مجيء رسول في أمة النبي ص، وسأذكر لكما موردين: المورد الأول: في سورة الجمعة بقوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الأَْرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾([166]). فالآية بعد أن تبيّن الرسول الذي بعثه الله سبحانه في الأميين، أي في أم القرى في زمانه ص، قال: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾، أي وآخرين من الأميين سيبعث الله تعالى فيهم رسولاً أيضاً، فهذا الرسول هو الموصوف بأنّه على فترة من الرسل. فمن هنا يأتي سؤال: من هو الرسول الذي سيبعث في الأميين بعد الرسول محمد ص؟ ومن هي أم القرى في زمن ذلك الرسول، فهل هي مكة أم غيرها ؟ المورد الثاني: قال تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ( يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ ( رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ( أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ( ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ( إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾([167]). فهل مرّت البشرية بهذا الدخان الذي يصفه القرآن بأنه عذاب، أم ستمر البشرية في قابل أيامها ؟ لو رجعنا إلى الروايات لو جدنا أنّ الدخان المذكور في الآية يكون قبيل قيام القائم ع، فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن أمير المؤمنين ع، قال: قال رسول الله ص: (عشر قبل الساعة لابد منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ع، وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر) ([168]). والمراد من الساعة، هي القيامة الصغرى التي يحكم فيها الله تعالى بواسطة حجته على الأرض، ويكون الحاكم هو القائم ع. فالدخان لم تمر به البشرية، بل ستمر به في قابل أيامها، ويغشاها الدخان بسبب تكذيبها لهذا الرسول، إذ أنّه تعالى لا يعذب إلاّ بعد إلقاء الحجة وبعث الرسول الذي ينذر الناس. قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾([169]). ومن هنا الذي يأتي على فترة من الرسل إنما هو رسول، ومن هنا يأتي السؤال: من هو هذا الرسول ؟ ومن الذي أرسله ؟ واثق: لكن كيف يا أبي رسول يأتي غير النبي محمد ص، والنبوة قد ختمت بنبوته ص؟ الأب: أمّا بالنسبة للإرسال من الله تعالى فقد ختم بمحمد ص، لكن بدأ الإرسال من محمد ص، وهذا ما نصّت عليه الروايات: جاء في زيارة الإمام الصادق ع لجده أمير المؤمنين ع: (.... وتقول: السلام من الله على محمد أمين الله على رسالته وعزايم أمره ومعدن الوحي والتنزيل، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله، الشاهد على الخلق، السراج المنير، والسلام عليه و رحمة الله وبركاته) ([170]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (... فإذا استقبلت قبر الحسين ع فقل: السلام على رسول الله ص، أمين الله على رسله وعزائم أمره، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) ([171]). وقال أمير المؤمنين علي ع: (.... وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، شهادة يؤدي الإسلام ذاكرها ويؤمن من العذاب يوم الحساب ذاخرها، وأشهد أنّ محمداً عبده الخاتم لما سبق من الرسالة وفاخرها، ورسوله الفاتح لما استقبل من الدعوة وناشرها ....) ([172]). ومن هنا يكون الإرسال الإلهي مختوماً بمحمد ص، وباب الإرسال من محمد مفتوحاً، وليس محمد ص إلاّ خليفة الله في أرضه، ومن هنا صار محمد صخاتماً لما سبق، وفاتحا لما استقبل. واثق: هل أفهم من كلامك يا أبي أنّ إرسال محمد ص هو إرسال الله تعالى لكن بواسطة نبيه محمد ص؟ الأب: نعم يا ولدي، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَاضرِِب لَهُم مَّثَلاً أَصحَابَ القَرْيَةِ إذْ جَآءَهَا المُرْسَلُونَ ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾([173]).فلو رجعنا إلى الروايات لوجدنا المُرسل لهؤلاء الثلاثة هو عيسى ع، فقد أرسلهم إلى أنطاكية ([174]). يقول الشيخ الطوسي: (وقال قوم: كانا رسولي عيسى من حواريه) ([175]). والحال أنه تعالى ينسب الإرسال إليه سبحانه، وليس ذلك إلاّ لكون عيسى ع ممثلاً لله تعالى في خلقه، ومن عباده الذين ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾([176]). محمود: وهل أفهم من كلامك يا أبي أنّ جميع الأئمة ص هم رسل من محمد ص؟ الأب: نعم يا ولدي، بل توجد رواية تصرّح بأنّ علي بن ابي طالب رسول من رسول الله محمد ص. روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده: عن جميل بن صالح، عن ذريح قال: سمعت أبا عبد اللهع يعوذ بعض ولده ويقول: (عزمت عليك يا ريح ويا وجع، كائناً ما كنت، بالعزيمة التي عزم بها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ع رسول رسول الله ص على جن وادي الصبرة فأجابوا وأطاعوا لما أجبت وأطعت وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة، الساعة الساعة)([177]). فجميع أوصياء محمد ص هم رسل منه ص. الآن من هو الذي يرسل رسولاً في آخر الزمان ؟ الجواب: ينحصر في كون المُرسل هو الإمام المهدي ع حسب الفهم الشيعي، كما أنّ هناك نصوصا عن عيسى ع تدل على أنّه سيرسل لقومه رسولاً ([178]). ومن هنا قال الشيخ علي الكوراني في كتابه عصر الظهور: ولكن المرجح أن يكون السبب الأساسي في أنّ ثورة اليماني أهدى أنها تحضى بشرف التوجيه المباشر من المهدي ع، وأنها جزء مباشر من خطة حركته ع، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه. ويؤيد ذلك أن أحاديث ثورة اليمانيين تركز على مدح شخص اليماني قائد الثورة وأنه (يهدي إلى الحق)، (ويدعو إلى صاحبكم) وأنّه (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو إلى النار) ([179]). فمعنى ذلك أنّ اليماني رسول من الإمام المهدي ع ويحضى بالتوجيه المباشر من الإمامع، ويلتقي به، كما يؤكد ذلك ما رواه الشيخ النعماني في الغيبة: عن أبي عبد الله الصادق ع، قال: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلاّ المولى الذي يلي أمره)([180]). وروى ذلك الشيخ الطوسي في الغيبة، بهذا السند وبهذا اللفظ، قال أحمد بن إدريس، عن علي بن محمد، عن الفضل بن شاذان، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن المستنير، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قتل، ويقول بعضهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلاّ المولى الذي يلي أمره) ([181]). فإذا كان اليماني يحضى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي ع فيتعين أن يكون هو المولى الذي يلي أمره، إذ الرواية تنفي الاطلاع على الإمام محمد بن الحسن ع من كل أحد وتثبته للمولى الذي يلي أمره، ومن هنا يتعين على الكوراني القول بوحدة شخصية اليماني وشخصية المولى الذي يلي البيعة ، وليس المولى الذي يلي البيعة، إلاّ أحمد المذكور في وصية رسول الله ص. فالمولى الذي يلي البيعة هو الذي يكون رسوله للناس، وإلاّ ما فائدة الاطلاع على الإمام المهدي ع في زمن الغيبة وحصره بهذا المولى الذي يلي أمره. ثم مما يؤكد ذلك ما روي عن أبي الحسن الرضا ع: (كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([182]). وصاحب الوصيات هو الإمام المهدي ع كما يدل على ذلك بعض العبائر التي جاءت في الروايات. روى السيد ابن طاووس في كتاب الإقبال: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع قال: (قال: الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل، قال: قلت له: جعلت فداك، فأخبرني بما أستريح إليه، قال: يا أبا محمد، ليس يرى أمة محمد ص فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد رجلاً منا أهل البيت، يشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لا عرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين، القائم العادل الحافظ لما استودع يملأها قسطاً وعدلاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) ([183]). فوصف الإمام الصادق ع الإمام المهدي ع بأنّه الحافظ لما استودع، أي هو روحي فداه مستودع للوصيات. كما ويؤكد كون صاحب الوصيات هو الإمام المهدي ع ما جاء في رواية الوصية. قالص: (.... فإذا حضرته الوفاة - أي الحسن العسكري ع - فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص. فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً....). فوصفته الرواية بأنه حافظ لما استودع، أي هو صاحب الودائع والوصايا. ومن هنا يتجلّى بكل وضوح أنّ ابن صاحب الوصيات والذي تهدى له الرايات هو عين المولى الذي يلي البيعة، وهو ابن الإمام في الوصية المباركة، وهو اليماني كما تقدم في القسم الأول. فهذه الشخصية هي المقصودة بصاحب الأمر والتي تُبعث ويكون بعثها على فترة من الأئمةص كما تقدّم في الرواية. الرواية الثانية: روى الصدوق في كمال الدين بسنده: عن عيسى الخشاب، قال: قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال: (لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنّى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر) ([184]). فهذه الرواية أيضاً السؤال فيها عن صاحب الأمر، وليس المقصود به الإمام المهدي محمد بن الحسن ع؛ إذ هو ليس مكنى بعمه، ولا أنه يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر. بل الإمام المهدي ع كني رسول الله ص، روى الصدوق في كمال الدين بسنده: عن هشام بن سالم عن الصادق جعفر بن محمد ع عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ص: (القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي. يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى الكتاب الله، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني. إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره والجاحدين لقولي في شأنه والمضلين لأمتي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ([185]). أحمد: من المقصود بعمه يا أبي ؟ الأب: المراد بعمه هو أبو الفضل العباس ع، وهذا ما بينه أمير المؤمنين ع في خطبة طويلة خطبها في الكوفة فقال ع: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله بديع السموات وفاطرها ............. ثم قال: لو شئت لأوقرت من تفسير فاتحة الكتاب سبعين بعيراً .....، سبحان القديم، يفتح الكتاب ويقرأ الجواب، يا أبا العباس أنت إمام الناس، سبحان من يحيي الأرض بعد موتها وترد الولايات إلى بيوتها. يا منصور تقدم إلى بناء الصور ذلك تقدير العزيز العليم) ([186]). فبيّن أمير المؤمنين ع كنية صاحب الأمر بأنّه يكنّى بأبي العباس، والعباس يكون عمّه؛ لأنّ صاحب الأمر من ذرية الحسين ع، فيكون المقصود من كونه موتوراً بأبيه أي الحسينع، بقرينة المقابلة بين المقصود بعمه - وهو العباس بن علي ع - وأبيه، فيكون المقصود بأبيه هو الحسين ع. وقد مر ذلك في الحلقة السابعة من القسم الأول. ولقد جاء معنى الرواية الثانية المتقدمة في روايات أُخرى، منها: أ- عن عبد الأعلى بن حصين الثعلبي، عن أبيه، قال: لقيت أبا جعفر محمد بن علي ع في حج أو عمرة، فقلت له: كبرت سني، ودق عظمي فلست أدرى يقضى لي لقاؤك أم لا فاعهد إلي عهداً وأخبرني متى الفرج ؟ فقال: (إنّ الشريد الطريد الفريد الوحيد، المفرد من أهله، الموتور بوالده، المكنّى بعمه هو صاحب الرايات، واسمه اسم نبي) ([187]). ب- وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي ع أنه قال: (صاحب هذا الأمر هو الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنى بعمه، المفرد من أهله ، اسمه اسم نبي) ([188]). فلو تأملنا في هذه الروايات لوجدناها تقول: (يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر)، وقد تقدّم أنّ الذي يحمل السيف ثمانية أشهر ليس هو الإمام محمد بن الحسن ع، بل هو الرجل الممهد له في المشرق، وهو صاحب الرايات السود المشرقية، كما تبين ذلك الرواية المتقدمة التي جاء فيها: (المكنى بعمه هو صاحب الرايات)، كما وقد ثبت فيما تقدم أنّ صاحب الرايات المشرقية وطالع المشرق هو اليماني، وثبت أيضاً أنّ اليماني رسول الإمام المهدي محمد بن الحسنع، ومن هنا تعرفون يا أبنائي لماذا عبّرت الرواية الأولى (على فترة من الرسل)، فصاحب هذا الأمر المكنى بعمه هو اليماني الموعود وهو رسول الإمام المهدي ع، فجاءت الرواية بلفظ الرسول لتشير إلى رسول الإمام المهدي ع، الذي هو اليماني كما تقدم. الرواية الثالثة: روى النعماني بسنده عن حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر الباقر ع: (جعلت فداك، إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً، أو تجيبني فيما أسألك عنه. فقال: يا حمران، سل تجب، ولا تنفقن دنانيرك. فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله ص أنت صاحب هذا الأمر والقائم به ؟ قال: لا. قلت: فمن هو، بأبي أنت وأمي ؟ فقال: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى) ([189]). وهنا الإمام الباقر ع لا يعطي اسماً لصاحب الأمر، بل يصفه بأوصاف جسدية، وهذا ما يؤكد ما تقدم سابقاً من أنّ أهل البيت ص أخفوا اسم المهدي الأولع ، وهذا ما مرّ علينا بروايات حرمة تسميته ع. ثم إنّ الأوصاف التي يصف الإمام الباقر ع صاحب الأمر لا تنطبق على الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، فقد مر علينا في الرواية التي ينقلها السيد ابن طاووس في الإقبال أنّ أوصاف الإمام تختلف عما في هذه الرواية، وسيأتينا في دراستنا لأخبار الأوصاف أنّ الأوصاف المذكورة عائدة للمهدي الأول أحمد اليماني ع. وننهي حديثنا في هذه الليلة على أمل أن نلتقي بكم ليلة غدٍ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. -الحلقة الثامنة: الأوصاف الفارقة وأقبل الأولاد كما في كل ليلة ليسمعوا من أبيهم حواراً مفيداً يتعرفوا من خلاله على صاحب الدعوة اليمانية المباركة، وجاء الأب فوجد أبناءه ينتظرون قدومه، فسلم عليهم فتبادلوا معه التحية والسلام، فقال لهم: هل أصبح عندكم ملل من الحوار يا أولادي ؟ الأولاد: كلا يا أبي نحن مستأنسون بحوارك معنا، وقد استفدنا كثيراً ولله الحمد. الأب: إذن نكمل حوارنا على بركة الله سبحانه داعين منه التوفيق للجميع. سأتحدث لكم الليلة يا أولادي عن روايات الأوصاف الفارقة التي جاءت عن أهل البيتص، والتي تميز الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، كما وتميز المهدي الأول واليماني الموعودع. وأود أن أنبهكم على شيء قبل عرض روايات الأوصاف. اعلموا يا أولادي أنّ روايات الأوصاف، إنما تذكر المهدي ع، وتارة أخرى تذكر القائم ع، وثالثة تذكر صاحب الأمر، وبما أننا تقدم عندنا أنّ هذه الألفاظ تطلق ويراد بها الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، وتارة أخرى يراد بها المهدي الأول واليماني الموعود. فمن هنا احتجنا لفرز الصفات وبيان الراجع منها للإمام المهدي ع، والراجع منها للمهدي الأول ع. واثق: وهل أنّ أخبار الصفات تمتنع الانطباق على شخص واحد حتى نرجع كل صفة إلى صاحبها ؟ الأب: نعم يا ولدي يمتنع انطباقها على شخص واحد، وذلك للزوم التناقض فيها والاضطراب، وهو غير ممكن بكلام أهل البيت ص، فكلامهم متقن؛ لأنّهم سادة الحكمة. محمود: ولماذا لا نقول بالتعارض بينها يا أبي، ثم نرد علمها إليهم ص؟ الأب: لا يمكننا ذلك يا ولدي، لأنّ الروايات غير متعارضة فكيف نجعلها متعارضة ؟ والتعارض غير متصور فيما بينوه أهل البيت ص وكانوا يريدونه جداً، بخلاف الأخبار التي صدرت منهم على وجه التقية، فهذه الأخبار إذا علم منها أنها صدرت بداعي التقية منهم ص، فهي لا تعارض الروايات الصادرة منهم ومرادة لهم، فلا يمكن التعارض بين ما أرادوه جداً، كما لا يمكن التعارض بين ما أرادوه جداً وبين ما صدر منهم على وجه التقية، والسبب في ذلك امتناع التعارض في كلمات المعصومين ص، كما أنّ التعارض لا يكون في حالة صدور الخبر عنهم للتقية، بل يقدم الخبر الذي على خلافه، أي خلاف الخبر الذي صدر للتقية، بعد إحراز كون الخبر صدر منهم بداعي التقية. فمن هنا القول بالتعارض هو توهم محض ناشئ من الفهم الشخصي لكل فرد من روايات أهل البيت ص، ومن هنا قد يقول شخص بالتعارض في مورد ما بينما لا يقول آخر به، وما ذلك إلاّ أن التعارض ليس ناشئاً من كلماتهم ص، بل من فهم الناس لكلامهم. ولكي تتضح الفكرة أضرب لكم مثالاً: توهم المشهور أنّ روايات المهديين تتعارض مع روايات الرجعة. والحال أنّها لا تعارض بينها أصلاً، بل بدون روايات المهديين يحصل كثير من الاضطراب في فهم روايات أهل البيت ص، ولأجل توهمهم التعارض نجد روايات المهديين تؤول بتأويلات بعيدة لا يمكن قبولها، كل ذلك لكي يجعلوها متوافقة مع روايات الرجعة، وسوف نتعرّض لهذه التأويلات إن شاء الله تعالى. فمنشأ التعارض هو الارتكاز في الفهم الذي عند جمهور علماء الشيعة، لا أنّ الروايات متعارضة. ومما ينبغي الالتفات إليه أنّ الروايات قد تذكر صفات ترجع للإمام المهدي ع في ضمن ذكرها لصفات المهدي الأول ع، وكذا العكس. وبعد هذه المقدمة اعرض لكم روايات الأوصاف لكي ندرسها ونخرج منها بنتائج جيدة إن شاء الله تعالى، وسأذكر الروايات في ضمن موارد لكي تسهل المقارنة بينها، وفي كل مورد أذكر رواية أو روايتين أو أكثر لنقارن بينها مع شواهد من روايات أخرى لكي تتضح الصورة لكم يا أولادي الأعزاء. المورد الأول: وسنقارن في هذا المورد أربع صفات فقط. الرواية الأولى: علي بن مهزيار ([190])، عندما التقى الإمام المهدي ع قال: (.... وإذا هو كغصن بان ([191]) أو قضيب ريحان، سمح سخي تقي نقي، ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدور الهامة، صلت الجبين ([192])، أزج الحاجبين ،أدعج العينين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتات مسك على رضراضة عنبر) ([193]). هذه الرواية وردت فيها هذه الصفات: ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق بل مربوع القامة ([194]). وعن أمير المؤمنينع: (إنه شاب مربوع القامة حسن الوجه، والشعر يسيل على منكبيه، أقنى الأنف، أجلى الجبهة)([195]). أزج الحاجبين، أي تقوس في طرف الحاجب مع طول في طرفه وامتداد، أو قل حاجباه مقرونان. وفي خبر إبراهيم بن مهزيار: (ناصع اللون واضح الجبين أبلج الحاجب مسنون الخد)([196]). أدعج العينين،مقرون الجاجبين ([197])، الدعج هو سواد العين، وقيل: شدة سواد العين مع شدّة بياضها. أقنى الأنف؛ أي طويل محدّب الأنف مع رقّة أرنبته. وعن أمير المؤمنين ع: (أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم البطن، ...، بفخذه اليمنى شامة أفلج الثنايا) ([198]). سهل الخدين ([199])، أي خديه ليس فيهما لحم كثير فتكونا غير مرتفعتان. على خدّه الأيمن خال ([200])، وهي الشامة. عن النبي ص: (وجهه كالدينار، على خدّه الأيمن خال كأنه كوكب دري) ([201]). أبيض الوجه مشرب حمرة، فعن علي ع: (أبيض مشرب حمرة) ([202]). أفلج الثنايا وشعره يسيل على منكبيه، كما روي عن أمير المؤمنين ع: (أفلج الثنايا حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه) ([203]). على رأسه فرق، كما جاء في خبر سعد بن عبد الله: (وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين) ([204]). ولو تأملنا في الأوصاف التي ذكرها ابن مهزيار لوجدناها نفس الأوصاف التي وصف بها النبي الأكرم محمد ص، كما تصرّح الروايات بذلك. روى الصدوق في الخصال خبراً طويلاً إلى أن يقول: قال له: (يا شاب، صف لي محمداً كأني أنظر إليه حتى أو من به الساعة، فبكى أمير المؤمنين ع ثم قال: يا يهودي، هيجت أحزاني، كان حبيبي رسول الله ص صلت الجبين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى الأنف، دقيق المسربة، كث اللحية براق الثنايا، كان عنقه إبريق فضة، كان له شعيرات من لبته إلى سرته، ملفوفة كأنه قضيب كافور، لم يكن في بدنه شعيرات غيرها، لم يكن بالطويل الذاهب ولا بالقصير النزر، كان إذا مشى مع الناس غمرهم نوره، وكان إذا مشى كأنه يتقلع من صخر أو ينحدر من صبب، كان مدور الكعبين، لطيف القدمين دقيق الخصر عمامته السحاب، وسيفه ذو الفقار، وبغلته دلدل، وحماره اليعفور، وناقته العضباء، وفرسه لزاز، وقضيبه الممشوق، وكان ع أشفق الناس على الناس، وأرأف الناس بالناس، كان بين كتفيه خاتم النبوة مكتوب على الخاتم سطران أما أول سطر فلا إله إلا الله وأما الثاني فمحمد رسول الله ص هذه صفته يا يهودي) ([205]). ومن هنا كان الإمام المهدي ع شمائله كشمائل جدّه رسول الله محمد ص. روى الصدوق في كمال الدين بسنده: عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمدع، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله ص: (القائم من ولدى اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي. يقيم الناس على ملتي و شريعتي ويدعوهم إلى الكتاب الله، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني. إلى الله اشكوا المكذبين لي في أمره والجاحدين لقولي في شأنه والمضلين لأمتي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ([206]). وعن أمير المؤمنين ع: (أنه يشبه نبيكم في الخلق والخلق. على خدّه الأيمن خال كأنه كوكب دري) ([207]). الرواية الثانية: عن حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر الباقرع: (جعلت فداك، إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار و قد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً أو تجيبني فيما أسألك عنه، فقال: يا حمران، سل تجب ولا تنفقن دنانيرك. فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله ص أنت صاحب هذا الأمر والقائم به ؟ قال: لا، قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي ؟ فقال: ذاك المشرب حمرة الغائر العينين المشرف الحاجبين العريض ما بين المنكبين برأسه حزاز و بوجهه أثر رحم الله موسى) ([208]). وهذه الرواية قد مرّت بنا سابقاً لكن ما يهمنا الآن منها الأوصاف المذكورة لصاحب الأمر، بعد أن عرفتم أنّ صاحب الأمر يطلق على كل الأئمة، ويطلق على اليماني أيضاً. والأوصاف التي جاءت في هذه الرواية بعد أن رفض الإمام تسمية صاحب الأمر للسائل، هي: مشرب حمرة. غائر العينين؛ بمعنى أن عينه داخلة وحاجباه خارجان. مشرف الحاجبين؛ أي عالي الحاجبين، فحواجبه مرتفعة عن عينيه، وهذا ملازم لكونه غائر العينين، فكلما كانت العينان غائرتان في الرأس يكون الحاجبان مرتفعان عنهما ومشرفان عليهما، بخلاف ما لو كانت العينان جاحظتان طافحتان فيكون الحاجب قريباً منهما وغير مشرف عليهما. وهذا واضح إذا رجعنا الى معنى مشرف الذي هو مشتق من المصدر (شرف) الدال على العلو والارتفاع فيقال جبل مشرف أي عال. عريض ما بين المنكبين. وعن الباقر ع: (واسع الصدر مترسل المنكبين عريض ما بينهما) ([209])، وعن الصادق ع: (بعيد ما بين المنكبين) ([210])، ([211]). برأسه حزاز. وهو ما يتعلق بالشعر ويكون أبيض كالنخالة، أو قل هو قشرة الرأس التي تسقط عند الحك بسبب داء في فروة الرأس. بوجهه أثر، وهو غير الخال. فالأثر؛ هو ما يبقى من الجروح والقروح بعد برئها، وفي الوجه عادة ما يكون كحفر في البشرة، أي منخفض عن مستوى الجلد ولو قليلاً، بينما الخال هو ما كان ناتئاً عن البشرة، أي: مرتفعاً. والشامة ما كانت بمستوى البشرة، أي: إنها مجرّد لون لا تشخص له، كما أفاده ابن منظور في لسان العرب. فالأثر غير الخال جزماً وغير الشامة كذلك، بل المتعارف إنّ الأثر هو ما بقي في الجسم أو الجماد كالأرض وما شابه بعد تأثير شيء معين فيها، وعادة ما يكون هذا الأثر كمنخفض في الأجساد، فهو أكيد خلاف الخال الذي يكون بارزاً ومتشخصاً فوق الجسم. شبيه موسى بن عمران ع. أي شبيهه في الصفات الجسدية، ولذا ورد أن: (لونه لون عربي، وجسمه جسم إسرائيلي وجسم إسرائيلي)([212])، وعن الصادق ع: (أسمر يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل) ([213]). مقارنـة: ومن هنا لنقارن بين بعض ما جاء في الروايتين وملحقاتهما من الروايات الأخرى. النقطة الأولى: أنّ الرواية الأولى تصف المهدي بأنّه شبيه رسول الله ص، بينما الرواية الثانية تصف صاحب الأمر بأنّه شبيه موسى بن عمران ع، فرسول الله ص معتدل القامة ليس بالطويل ولا بالقصير بل مربوع، بينما موسى ع طويل. ومن هنا كيف يتصف شخص واحد بأنه شبيه رسول الله ص، فيكون مربوعاً ليس طويلاً ولا قصيراً، وهو عينه يكون شبيه موسى ع، المعروف عنه أنّه طويل، إذ هذا المعروف عن أجسام بني إسرائيل، لذا جاء في الروايات: (وجسمه جسم إسرائيلي وجسم إسرائيلي) ؟! وهنا حصل التعارض إن حملت الروايتان على شخص واحد، إذ معنى ذلك أن يكون رجل واحد طويل و ليس طويلاً، ويكون معتدل القامة وليس معتدل القامة!! فمن هنا لابد أن يكون الوصف عائداً لشخصين، ومما يؤكد ذلك الأوصاف البقية الآتية حيث إنّها أيضاً لا يمكن أن تنطبق على شخص واحد. وأود أن أنبهكم على شيء بأنّ كون المهدي جسمه جسم إسرائيلي جاء في روايات تصف الإمام المهدي ع كما في دلائل الإمامة. عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله ص: (المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدري، واللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء والطير في الجو، ويملك عشرين سنة) ([214]). ومن هنا قد يكون المقصود بهذه الرواية التي تصف المهدي ع بكون جسمه جسم إسرائيلي الإمام المهدي ع لا المهدي الأولع، إلاّ أنه في نفس الوقت لا يوجد قطع بأنّ الوصف بكونه ذا جسم إسرائيلي في هذه الرواية ناظرة للإمام المهدي ع، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الروايات التي ذكرت الأوصاف قد جاء في الرواية الواحدة أوصافاً راجعة للإمام المهدي ع ومنها ما هو راجع للمهدي الأول ع. ولا إشكال في ذلك بمراجعتنا للروايات التي تقول: إذا قلنا لكم في الرجل منّا شيء ولم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تكذبوا، فقد ذكر الشيخ الكليني باباً في ذلك وأورد فيه عدّة روايات. منها: عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ع قال: (إنّ الله تعالى أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكراً سوياً، مباركاً، يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وجاعله رسولاً إلى بني إسرائيل، فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم، فلما حملت كان حملها بها عند نفسها غلام، فلما وضعتها قالت: رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى، أي لا يكون البنت رسولاً، يقول الله ( والله أعلم بما وضعت، فلما وهب الله تعالى لمريم عيسى كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه، فإذا قلنا في الرجل منا شيئاً وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك). ومنها: عن أبي عبد الله ع قال: (إذا قلنا في رجل قولاً، فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ، فإن الله تعالى يفعل ما يشاء). ومنها: عن أبي خديجة، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (قد يقوم الرجل بعدل أو يجور وينسب إليه ولم يكن قام به، فيكون ذلك ابنه أو ابن ابنه من بعده، فهو هو) ([215]). وقد علق المازندراني على الروايات المتقدمة في شرح اصول الكافي قائلاً: (يعني لا تكذبونا ولا تنسبوا الخطأ إلينا، وذكر الآية أولا والتفريع بعده للإشعار بأنه إذا جاز ذلك في كلام الخالق جاز ذلك في كلام الخلق بطريق أولى) ([216]). النقطة الثانية: الرواية الأولى تقول في خده خال، بينما الرواية الثانية تقول بخده أثر، ومن الواضح أنّ الخال غير الأثر، فمن هنا يكون الخال راجعاً لشخص والأثر راجعاً لشخص آخر. واثق: لماذا لا يكون كلاهما راجع لشخص واحد، فقد يكون شخص واحد في خده خال وأثر ؟ الأب: يمكن ذلك، لكن لو كنا نحن وهذه الصفة لقلنا ذلك، لكن حتى لو قلنا بما قلت يا واثق، لا يرتفع التعارض الموجود فيما لو حملت كل الأوصاف على شخص واحد، فبقرينة كون الأوصاف الأخرى راجعة لشخصين وإلاّ يقع التعارض نقول: إنّ الأثر راجع لشخص، والخال راجع لشخص آخر. ثم لا يوجد شيء أقوى دلالة على صحة الرواية أو التوجيه من وقوع مفادهما وتحققهما في الخارج، فالسيد أحمد الحسن ع بخده الأيمن أثر وليس خالاً، كما وهو أيضاً شبيه موسى بن عمران في بنية الجسم. النقطة الثالثة: جاء في الروايات الملحقة بالرواية الأولى إنه: أبيض الوجه، مشرب حمرة، بينما جاء في الروايات الملحقة بالرواية الثانية: إنّه أسمر تعلوه صفره، وهذا اللون الأسمر هو اللون العربي الذي ذكرته الروايات المتقدمة. ومن هنا كيف يتصف شخص واحد بأنّه أبيض مشرب حمرة، وأسمر تعلوه صفره ؟! النقطة الرابعة: تصف الرواية الأولى رجلاً بكونه أزج الحاجبين، أي تقوس في طرف الحاجب مع طول في طرفه وامتداد ودقة، أو قل حاجباه مقرونان. بينما تصف الرواية الثانية شخصاً يكون مشرف الحاجبين، وهما المرتفعان عن العينين المشرفان عليهما. فكيف يتصف رجل واحد بكونه أزج الحاجبين، ومشرف الحاجبين ؟! إلى هنا نكتفي بهذه الأربعة نقاط في المقارنة، وأتضح من خلالها فروق ثمانية، وهي بمجموعها لا يمكن أن يتصف بها رجل واحد. ومن هنا لابد أن تكون ناظرة لشخصين، والشخصان هما الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع، وصفاته هي: شبيه رسول الله ص، بخده خال، أبيض اللون، أزج الحاجبين، وغيرها مما لم نقارنها مع الرواية الثانية. والشخص الثاني هو: المهدي الأول واليماني الموعود ع، وصفاته هي: شبيه موسى بن عمران ع في بنية الجسم في كون جسمه جسم إسرائيلي، وبخده أثر، ولونه أسمر تعتريه صفره، مشرف الحاجبين. المورد الثاني: صاحب الأمر أبن أمة سوداء. عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (إنّ صاحب هذا الأمر فيه سنّة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله أمره في ليلة واحدة) ([217]). فالمقصود من صاحب الأمر في الرواية ليس الإمام محمد بن الحسن ع، بقرينة قوله ع: (ابن أمة سوداء)، فالمعروف الذي لا شبهة فيه أنّ أم الإمام المهدي ع هي السيدة نرجسص بنت ملك الروم، وهي من سلالة شمعون وصي عيسى (عليهما السلام)، ومن المعروف أنّ الروم لون بشرتهم ليست سوداء، ومن هنا يأتي السؤال عمن المقصود بصاحب الأمر في الرواية ؟ والجواب: هو المهدي الأول أحمد اليماني ع. محمود: وهل أم المهدي الأول ع مملوكة يا أبي، حيث أن تعبير الأمة ينصرف للمملوكة ؟ الأب: ليست مملوكة بمعنى أنها رق عند أحد، بل هي مملوكة لله وأمة من إمائه سبحانه، وجيء بهذا اللفظ من قبلهم ص؛ لأجل التمويه بينها وبين أم الإمام المهدي محمد بن الحسنع، باعتبارها أمة أشتراها الإمام الهادي ع لولده الإمام أبي محمد الحسن العسكريع، ويدخل هذا التمويه في الأساس العام الذي بُنيت عليه شخصية المهدي الأولع؛ حيث إنّها شخصية مخفية لا يفصح أهل البيت ص عنها كما عهد إليهم رسول اللهص. ثم إنّ لفظ الأمة يطلق في كثير من الموارد على المملوكة لله تعالى، كما في صلاة الميت؛ حيث يقول المصلي: (اللهم إنّ هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك ....)، ويقول المصلي فيما لو كان الميت امرأة: (اللهم هذه المسجاة قدامنا أمتك وابنة عبدك وابنة أمتك ...)، ففي هذا المورد عبّر المصلي عنها بالأمة وهي غير مملوكة لأحد من الناس. وكذا من المعروف أنهم سابقاً يخاطبون المرأة بـ (أمة الله). يقول الإمام السجاد عفي دعائه: (اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من مظالم كثيرة لعبادك عندي، فأيما عبد من عبادك، أو أمة من إمائك، كانت له قبلي مظلمة ظلمته إياها، في ماله أو بدنه أو عرضه، لا أستطيع أداء ذلك إليه، ولا أتحللها منه، فصل على محمد وآل محمد وأرضه أنت عني بما شئت، وكيف شئت، وهبها لي) ([218]). وعليه فدعوى الانصراف ممنوعة يا محمود. أحمد: وهل أن أم يوسف ع أمة سوداء كي تكون فيه سنة من يوسف ع ؟ الأب: لو رجعنا لروايات أهل البيت ص لوجدناها تبين تلك السنة وتنص عليها. فعن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء؛ سنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين. فقلت: ما سنّة موسى ؟ قال: خائف يترقب. قلت: وما سنّة عيسى ؟ فقال: يقال فيه ما يقال في عيسى. قلت: وما سنّة يوسف ؟ قال: السجن والغيبة...) ([219]). فالرواية تنص على أنّ سنة يوسف التي في صاحب هذا الأمر هي السجن والغيبة، ومن المعلوم أنّ السجن إنما يفترض في شخصية المهدي الأول ع دون أبيه الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، حيث إنه لم يذكر التاريخ أنّه سجن في الماضي، وافتراض أن يسجن في زمن الغيبة الكبرى بعيد جداً، بل غير متعقل. ومن هنا تكون كلمة: (ابن أمة سوداء) جملة مستأنفة وليس لبيان السنّة التي في يوسفع، والسنة التي بينتها هذه الرواية هي السجن والغيبة. كما ويحتمل أيضاً أنّ في القائم ع سنّة أخرى مضافاً إلى السجن والغيبة وهي كونه ابن أمة سوداء، ويبدو أنّ أم نبي الله يوسف كانت سمراء اللون. وبناءً على هذا الاحتمال لا تكون (ابن أمة سوداء) جملة مستأنفة، بل تكون لبيان سنّة في القائم ع من نبي الله يوسف ع علاوة على السجن والغيبة، وهي كونه ابن أمة سوداء. كما أنّ الغيبة قد أشارت لها الروايات ، أذكر لكم روايتين: الرواية الأولى: رواية الأصبغ عن أمير المؤمنين ع. عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين ع فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكراً تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟ قال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط، ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملاها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. قلت: يا مولاي، فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين. فقلت: وإنّ هذا الأمر لكائن ؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة، قال: قلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ قال: ثم يفعل الله ما يشاء فإنّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات) ([220])، ([221]). فقوله ع في تحديد فترة الغيبة: (ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين) لا ينطبق على الإمام المهدي محمد بن الحسن ع بالضرورة. الرواية الثانية: عن الثقفي الطحان، قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد ص، فقال لي مبتدئاً: (يا محمد بن مسلم، إنّ في القائم من آل محمد ص شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلوات الله عليهم. فأمّا شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن، و أمّا شبهه من يوسف بن يعقوب (عليهما السلام): فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب (عليهما السلام) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته. وأمّا شبهه من موسى ع فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله ( في ظهوره ونصره وأيده على عدوه. وأما شبهه من عيسى ع: فاختلاف من اختلف فيه، حتى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قتل وصلب. وأما شبهه من جده المصطفى ص فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله ص، والجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية. وإنّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني (من اليمن) وصحية من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي من السماء باسمه و اسم أبيه) ([222]). فقوله ع: (فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من إخوته) لا ينطبق على الإمام المهديع كما هو واضح، بل هذا يلتقي مع الروايات التي تعبر عنه بالشريد الطريد المفرد من أهله الموتور بأبيه، وهذه الروايات كما تقدم - وسيأتي أيضاً في الليلة الآتية - أنها ناظرة للمهدي الأول ع. وإلى هنا ينتهي حديثنا لهذه الليلة يا أولادي الأعزاء، ونكمل ما تبقى ليلة غدٍ إن شاء الله تعالى بإذنه وتوفيقه. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة التاسعة: روايات حرمة ذكر الاسم واختلاف الكنية وجاء وقت الحوار فسبق الأولاد أباهم إلى مكتبه كما هو دأبهم وأدبهم في كل ليلة، وجاء الأب فوجد أبنائه ينتظرونه، فسلم عليهم فحيوه بأفضل التحية، فقال: كيف حالكم يا أولادي الكرام ؟ الأولاد: بحمد الله سبحانه. الأب: هل أبدأ أم عندكم سؤال ؟ الأولاد: تفضل يا أبانا. الأب: انتهينا ليلة البارحة من المورد الثاني الذي ميّزنا فيه بين الأوصاف الراجعة للإمام الثاني عشر ع، وبين الراجعة للمهدي الأول ع، والليلة أذكر المورد الثالث ونكمل كلامنا. المورد الثالث: روايات حرمة التسمية. جاءت الروايات بتحريم تسمية صاحب الأمر، وعدّت من سمّاه كافراً، كما يصرّح أمير المؤمنين ع أنّ عدم تسميته عهد عهده إليه رسول الله ص، حتى قال الشيخ مكارم الشيرازي في كتابه القواعد الفقهية: (المشهور بين جمع من المحدثين حرمة تسميته أرواحنا الفداء باسمه الخاص، دون ألقابه المعروفة، فهل هذا حكم يختص بزمان غيبته الصغرى دون الكبرى كما نقله العلامة المجلسي في المجلد الثالث عشر من بحار الأنوار عن بعض ؟ أو أنّه عام لكل زمان ومكان إلى أن يظهر ويملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ؟ أو أنّ حرمتها دائرة مدار التقية والخوف، فعند عدم الخوف جائز وعند وجوده حرام، بل لا يختص ذلك به أرواحنا فداه، ويجرى في غيره من الأئمة ص، اختار ذلك شيخنا الشيخ الحر العاملي في الوسائل في مفتتح هذا الباب وصرّح به أيضاً في ختامه) ([223]). ومن هنا احتار الكثير في توجيه هذه الروايات التي تدل على تسميته والتي تدل على حرمة التسمية. ويظهر من صاحب الوسائل هو القول بجواز التسمية. قال في آخر الباب (33) من أبواب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: (والأحاديث في التصريح باسم المهدي محمد بن الحسن ع وفي الأمر بتسميته عموماً وخصوصاً تصريحاً وتلويحاً، فعلاً وتقريراً في النصوص والزيارات والدعوات والتعقيبات والتلقين وغير ذلك كثيرة جدّاً)([224])، وقال في موضع آخر: (قد صرح باسمهع جماعة من علمائنا في كتب الحديث والأصول والكلام وغيرها منهم العلامة والمحقق والمقداد والمرتضى وابن طاووس وغير هم، والمنع نادر وقد حققناه في رسالة مفردة) ([225]). وقال المجلسي بحرمة التسمية مطلقاً في الغيبة الصغرى وغيرها من باب التعبّد، حيث صرّح بذلك فقال: (هذا التحديدات مصرحة في نفي قول من خص ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهمية) ([226]). وقال أخر: بأنّ الجواز وعدمه يدور مدار وجود التقية وعدمها، معللاً ذلك بأنه مقتضى الجمع بين الأخبار. ولكي تكونوا على دراية بالموضوع يا أولادي الكرام سأعرض لكم هذه الروايات، وهي على أقسام: القسم الأول: ما يحرّم التسمية باسمه مطلقاً ولم يلاحظ فيه الزمان ولا المكان. الرواية الأولى: روى الكليني عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله ع، قال: (صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلاّ كافر) ([227]). الرواية الثانية: وروى أيضاً عن الريان بن الصلت، قال: سئلت أبا الحسن الرضا ع وسئل عن القائم ع، قال: (لا يرى جسمه ولا يسمّى اسمه) ([228]). الرواية الثالثة: روى الصدوق عن صفوان بن مهران، عن الصادق ع أنّه قيل له: من المهدي من ولدك ؟ قال: (الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته)([229]). الرواية الرابعة: وروى أيضاً عن محمد بن عثمان العمري، قال: خرج توقيع بخط اعرفه: (من سماني في مجمع من الناس فعليه لعنة الله) ([230]). والرواية ليس فيها تحديد لزمان معين. الرواية الخامسة: وروى أيضاً عن عبد العظيم الحسني، عن محمد بن علي بن موسى ع في ذكر القائم ع، قال: (يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه وتحرم عليهم تسميته وهو سمي رسول الله وكنيه) ([231]). توجيه روايات القسم الأول: بأن يقال إنّ حرمة التسمية للإمام المهدي محمد بن الحسن ع إنّما كانت في وقت خاص وزمن معين، وهو زمن الخوف عليه، وهذا ما صرّحت به بعض روايات القسم الثالث، فتكون هذه الروايات محمولة على الخوف والقسم الثالث قرينة على هذا الحمل، هذا بشكل إجمالي لروايات هذا القسم، أمّا التفصيل فيمكن أن يقال: أمّا الرواية الأولى والثانية، فيمكن أن تكون ناظرة للإمام محمد بن الحسن في زمن معين بقرينة الروايات التي تنهى عن تسميته ع في فترة معينة، ويمكن أن يكون المقصود بهما المهدي الأول ع. وأمّا الرواية الثالثة، فهي ناظرة للإمام المهدي محمد بن الحسن ع، فتحمل على الخوف كما في القسم الثالث، وتكون داخلة تحت ما بيناه بالإجمال قبل قليل. وأمّا الرابعة، فهي واضحة في المقصود بها، حيث أنه ع يصرّح بعدم جواز ذكر اسمه في محفل من الناس، فتكون أيضاً ناظرة للإمام المهدي ع وتحرم التسمية له في المحافل من دون تحديد للوقت والزمان، فتكون هذه الرواية خاصة من جهة المكان؛ حيث خصصت المنع بالمحافل فقط، وعامة من جهة الزمان؛ إذ لم تحدد المنع في زمن خاص. ومن هنا يمكن أن يجري فيها البيان الإجمالي المتقدّم، أي: تكون محمولة على الخوف عليهع ، فتكون بمفاد روايات القسم الثالث الآتي. وأمّا الخامسة، فهي ناظرة للإمام محمد بن الحسن ع؛ بقرينة الكنية حيث أنّه سمي رسول الله ص وكنيه. والقول فيها عين ما قيل في الرابعة. القسم الثاني: ما ورد فيه التصريح بترك تسمية إلى أن يقوم ويملا الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجوراً. الرواية الأولى: روى الكليني بسنده عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفرع في حديث أنه قال: (واشهد على رجل من ولد الحسن لا يسمّى ولا يكنّى حتى يظهر أمره فيملاها عدلاً كما ملئت جوراً، أنّه القائم بأمر الحسن بن علي) ([232]). الرواية الثانية: روى الصدوق بسنده عن عبد العظيم الحسنى، عن سيدنا علي بن محمد ع إنه عرض عليه اعتقاده وإقراره بالأئمة ص - إلى أن قال - : ثم أنت يا مولاي، فقال لهع : (ومن بعدي ابني الحسن، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قلت: فكيف ذلك ؟ قال: لأنه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً - إلى أن قال- : هذا ديني ودين آبائي) ([233]). الرواية الثالثة: روى العلامة المجلسي عن محمد بن زياد الأزدي، عن موسى بن جعفر ع أنه قال عند ذكر القائم: (تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره ( فيملا به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) ([234]). الرواية الرابعة: روى أيضاً عن عبد العظيم الحسنى، عن أبي الحسن الثالث ع أنه قال في القائم ع: (لا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً) ([235]). توجيه روايات القسم الثاني: أمّا الرواية الأولى؛ فهي لم تكن ناظرة للإمام محمد بن الحسن العسكري ع، وإلاّ للزم التعارض بينها وبين روايات القسم الأول طبقاً لما بيناه بالإجمال، حيث إنّ الرواية تحرّم ذكر الاسم والكنية لحين ظهوره، أي: سواء وجدت تقية أم لم توجد فالحرمة ثابتة لحين ظهوره، فتكون معارضة لروايات القسم الثالث فضلاً عن غيره من الأقسام. ومن هنا يتعين أن تكون هذه الرواية ناظرة للمهدي الأول ع الذي تقصّد أهل البيت إخفاء شخصيته حتى يظهر الله أمره. وأمّا الرواية الثانية؛ فأيضاً ناظرة للمهدي الأول ع، وهو الذي يأتي بعد الإمام الحسن العسكري ع. وهذا يدل عليه ما رواه سليم بن قيس: عن رسول اللهص، قال: (يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم لأن الله هداهم به) ([236]). فقوله ص: (أبوه الذي يليه)، فضمير الهاء يعود إلى المهدي الأول ع، فالإمام المهدي محمد بن الحسن ع هو الذي يليه، وابنه المهدي الأول يأتي قبله بإرسال منه ع. فمن هنا يصدق على المهدي الأول أنّه الخلف من بعد الإمام العسكري ع، كما ويؤيد هذا المعنى نفس تعبير الرواية حيث ذكر الإمام علي بن محمد الهادي ع: (ومن بعدي ابني الحسن)، بينما بعد الحسن ع لم يقل أبنه الخلف بل قال: (فكيف للناس بالخلف من بعده). وهذا يصدق على المهدي الأول ع. روى سليم حديثاً طويلاً جاء فيه: (قالت فاطمة ص: يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟..... إلى أن يقول: منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه والآخر وصي الأول...) ([237]). فالمراد من المهدي هو المهدي الأول ع كما أنّ المراد بالذي قبله هو الإمام محمد بن الحسن ع، وليس الأمام الحسن العسكري ع، لكون الرواية تصرح بأنّ الذي قبله أفضل منه، ولم يثبت أن الإمام العسكري ع أفضل من ولده الإمام المهدي ع، بل ثبت أنّ الإمام المهدي أفضل. روى الشيخ النعماني في الغيبة:عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه ص، قال: (قال رسول الله ص: إن الله ( اختار من كل شيء شيئاً، اختار من الأرض مكة، واختار من مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة، واختار من الأنعام إناثها، ومن الغنم الضأن، واختار من الأيام يوم الجمعة، واختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعليا من بني هاشم، واختار مني ومن علي الحسن والحسين، وتكملة اثني عشر إماما من ولد الحسين تاسعهم باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو أفضلهم، وهو قائمهم)([238])، تاسعهم أي الإمام المهدي ع وهو أفضلهم، أي أفضل حتى من أبيه وعليه يكون المهدي ع الذي يكون قبله أفضل منه هو المهدي الأول ع؛ إذ الذي قبله أبوه الإمام محمد بن الحسن وهو أفضل منه بلا إشكال. وعليه فيكون تفسير الرواية بهذه الصورة: (والذي قبله أفضل منه)، أي الذي قبل المهدي الأول أفضل منه، والذي قبله هو الإمام المهدي ع فهو قبله في الإمامة وفي المقام وفي الترتيب. (الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه)، المراد بالأول هو الإمام المهدي ع، والمراد من الآخر هو المهدي الأول، ووجه كون الأول أفضل من الآخر أن الأول إمام الآخر. (والآخر وصي الأول...)، الآخر هو المهدي الأول ع والأول هو الإمام المهدي ع، فالمهدي الأول هو وصي الإمام المهدي ع. ومن هنا يمكن القول بأنّ الرواية ناظرة للمهدي الأول ع. وأمّا الرواية الثالثة، فهي كالرواية السابقة ناظرة إلى المهدي الأول ع بقرينة حرمة التسمية حتى يظهره الله تعالى، وهذا لا يمكن حمله على الإمام المهدي ع، لوقوع التسمية له قبل أن يظهره الله سبحانه. وأمّا الرواية الرابعة، فيقال فيها عين ما قيل في الثالثة. محمود: ومن هنا يا أبي أنّ الروايات التي تقول بحرمة ذكر الاسم وتقول لحين ظهوره أو خروجه تكون ناظرة إلى المهدي الأول ع. الأب: نعم يا ولدي. القسم الثالث: ما دل على عدم جواز التسمية معللا بالخوف. الرواية الأولى: عن علي بن محمد، عن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضى أبى محمد ع أن اسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: (إن دللتم على الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلوا عليه) ([239]). قال الشيخ الحر العاملي بعد نقل هذا الحديث: هذا دال على اختصاص النهى بالخوف وترتب المفسدة. الرواية الثانية: وروى أيضاً عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عثمان العمري، أنه قال له: (أنت رأيت الخلف ؟ قال: أي والله - إلى أن قال - : فالاسم ؟ قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ولا أقول ذلك من عندي فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه ع فإنّ الأمر عند السلطان إن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً - إلى أن قال - : وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك) ([240]). وقال الشيخ الحر العاملي بعد نقل الحديث: هذا أوضح دلالة في أن وجه النهي التقية والخوف. الرواية الثالثة: روى الصدوق عن علي بن عاصم الكوفي يقول: خرج في توقيعات صاحب الزمان:(ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس) ([241]). الرواية الرابعة: وروى أيضاً عن محمد بن همام، عن محمد بن عثمان العمري، قال: خرج توقيع بخط اعرفه: (من سماني في مجمع من الناس فعليه لعنة الله) ([242]). الرواية الخامسة: روى العلامة المجلسي عن أبي خالد الكابلي، قال: (لما مضى علي بن الحسينع، دخلت على محمد بن علي الباقر ع فقلت: جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس. قال: صدقت يا أبا خالد، تريد ماذا ؟ قلت: جعلت فداك، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده، قال: فتريد ماذا يا أبا خالد ؟ قال: أريد أن تسميه لي حتى اعرفه باسمه. فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني بأمر ما كنت محدثاً به أحداً لحدثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة) ([243]). توجيه روايات القسم الثالث: وهذا القسم منصرف إلى الإمام المهدي ع، والنهي عن التسمية معلل بالخوف عليه، فمتى زال الخوف يزول النهي عن التسمية. نعم، الرواية الأخيرة ناظرة إلى المهدي الأول ع، حيث إنّ الإمام الباقر امتنع من التسمية مطلقاً، وهذا يكون من قبيل ما تقدم من أنّ التسمية محظورة إلى أن يظهره أو يخرجه الله تعالى. ثم ما علاقة بني فاطمة بالإمام المهدي ع ؟! فبني فاطمة يعرفون الإمام المهدي وقد أخبر به رسول الله، فما معنى قول الإمام الباقر ع المتقدم ؟! فالرواية تكون ناظرة للمهدي الأول ع، وقد تقدم سابقاً أن لفظ صاحب الأمر يطلق ويراد منه المهدي الأول ع، فهذه الرواية من هذا القبيل. القسم الرابع: ما يدل على وقوع التسمية منهم ص أو من أصحابهم في موارد عديدة بلا نهي منهم. الرواية الأولى: روى الصدوق بسنده عن محمد بن إبراهيم الكوفي، إنّ أبا محمد الحسن بن علي العسكري ع بعث إلى بعض من سمّاه شاة مذبوحة، وقال: (هذه من عقيقة بني محمد)([244]). الرواية الثانية: وروى أيضاً عن أبي غانم الخادم، قال: ولد لأبي محمد ع مولود فسمّاه محمداً وعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: (هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم) ([245]). الرواية الثالثة: عن بعض أصحابنا، أنه لما حملت جارية أبى محمد ع قال: (ستحملين ولداً واسمه محمد وهو القائم من بعدي) ([246]). الرواية الرابعة: روى الطبرسي في إعلام الورى عن محمد بن عثمان العمرى، عن أبيه، عن أبي محمد الحسن بن علي ع في الخبر الذي روى عن آبائه ص: (إنّ الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال: إنّ هذا حق كما أنّ النهار حق. فقيل: يا بن رسول الله، فمن الحجة والإمام بعدك ؟ فقال: ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية) ([247]). الرواية الخامسة: عن أبي نصرة، عن أبي جعفر ع، عن جابر بن عبد الله، عن فاطمةص: (إنه وجد معها صحيفة من درّة فيها أسماء الأئمة من ولدها فقرأه - إلى أن قال - : أبو القاسم محمد بن الحسن حجة الله على خلقه القائم، أمه جارية اسمها نرجس) ([248]). الرواية السادسة: عن المفضل بن عمر، قال: دخلت على الصادق ع فقلت: لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك. فقال: (الإمام بعدي ابني موسى والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى) ([249]). بيان مفاد روايات القسم الرابع: وهذه الروايات تدل على وقوع التسمية للإمام المهدي منهم ص، أو من أصحابهم، فلو كان النهي مطلقاً لما سموّه هم ص كما لم يسم الإمام الباقر صاحب الأمر في الرواية الأخير من القسم السابق. ومن هنا عرفتم الفرق يا أبنائي، وهو أنّ حرمة التسمية المغياة بالظهور والخروج ناظرة إلى المهدي الأول ع، وحرمة التسمية في ظرف الخوف على الإمام ع ناظرة إلى الإمام محمد بن الحسن ع، وهي كانت في زمن خاص. ومن هنا جاءت هذه الرواية عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده ص قال: قال أمير المؤمنين ع - وهو على المنبر -: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان: شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي ص، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأمّا الذي يعلن فمحمد ...) ([250]). وقد علق على هذه الرواية الشيخ حيدر الزيادي (حفظه الله فقال): (أقول: الاسم وليس الشخص بجسمه، فقوله: اسم يعلن أي اسم الإمام محمد بن الحسن العسكري وهو اسم معلوم للجميع وقد أشار إليه أهل البيت ص ولم يخفوه، أما الذي يخفى فهو الاسم الذي يظهر به في أول ظهوره، وهو اسم وصيه، أي إنّ الإمام يظهر بوصيه في أول أمر ظهوره، وهو أحمد كما مر في وصية رسول الله ص، (وهو أول المؤمنين)، أي أحمد ابن الإمام المهدي ع، علماً إنّ أهل البيت أشاروا إلى أن الأمر يظهر في الرجل أو في ولده فلا ينبغي إنكار ذلك) ([251]). المورد الرابع: الاختلاف في الكنية. من الأمور التي يفترق فيها الإمام المهدي ع عن ولده المهدي الأول ع هو الكنية، وهذه تعد من العلامات الفارقة بين الشخصيتين في روايات أهل البيت ص، فالإمام المهدي أسمه اسم رسول الله ص وكنيته كنيته، وجاءت في ذلك الروايات، بينما المهدي الأول ع كنيته ليس ككنية رسول الله ص، وإليكم الروايات التي تبين لكم هذا الأمر. الرواية الأولى: عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمد، عن آبائه ص، قال: (قال رسول الله ص: المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) ([252]). الرواية الثانية: روى الصدوق بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله ص: (المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً و خلقا، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) ([253]). الرواية الثالثة: روى الصدوق بسنده عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده ص، قال: قال رسول الله ص: (القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي (، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني، إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلين لأمتي عن طريقته ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾) ([254]). فتلاحظون يا أبنائي في جميع الروايات أنّ الرسول ص ينص على أنّ كنيه الإمام المهديع، بينما تقدم عندنا أنّ صاحب الأمر مكنى بعمه، وإليكم هذه الروايات التي مرّت بنا أعرضها لتذكيركم بها. الرواية الأولى: عن عيسى الخشاب، قال: قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: (لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنّى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر) ([255]). الرواية الثانية: عن عبد الأعلى بن حصين الثعلبي، عن أبيه، قال: لقيت أبا جعفر محمد بن علي ع في حج أو عمرة، فقلت له: كبرت سني، ودق عظمي فلست أدرى يقضى لي لقاؤك أم لا فاعهد إلي عهداً وأخبرني متى الفرج ؟ فقال: (إنّ الشريد الطريد الفريد الوحيد، المفرد من أهله، الموتور بوالده، المكنّى بعمه هو صاحب الرايات، واسمه اسم نبي) ([256]). الرواية الثالثة: وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي ع أنه قال: (صاحب هذا الأمر هو الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنى بعمه، المفرد من أهله، اسمه اسم نبي) ([257]). وقد أتضح لكم سابقاً بأنّ المراد من عمّه هو العباس ع كما نص على ذلك الإمام أمير المؤمنين ع في خطبة طويلة خطبها في الكوفة فقال ع: (بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله بديع السموات وفاطرها..... ثم قال: لو شئت لأوقرت من تفسير فاتحة الكتاب سبعين بعيراً .....، سبحان القديم، يفتح الكتاب ويقرأ الجواب، يا أبا العباس أنت إمام الناس، سبحان من يحيي الأرض بعد موتها وترد الولايات إلى بيوتها. يا منصور تقدم إلى بناء الصور ذلك تقدير العزيز العليم) ([258]). وننهي كلامنا عند هذه النقطة في هذه الليلة يا أولادي الأعزاء، ونكمل ليلة غدٍ بتوفيق الله تعالى، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة العاشرة: لماذا تُلعن راية الحق؟ لقد قرأ واثق رواية شغلت ذهنه، فجاء بها ليعرضها على والده، فاجتمع الأخوة جميعاً ثم جاء أبوهم، فسلم على أولاده وردّوا سلامة بالرحمة والبركات، ونظر في وجوهم، فالتفت إلى واثق وقال: أرى واثق عنده كلام ؟ واثق: لقد قرأت يا أبي روايتين اليوم تفاجئت منهما واحترت كثيراً فلم أفهمهما، فأرجو أن تبينهما لنا دمت من أبٍ كريم. جاء في كتاب غيبة النعماني هاتان الروايتان: الرواية الأولى: عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ع يقول: (إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب، أتدري لم ذلك ؟ قلت: لا. قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه) ([259]). الرواية الثانية: عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله ع أنه قال: (إذا رفعت راية الحق لعنها أهل المشرق والمغرب. قلت له: ممَّ ذلك ؟ قال: مما يلقون من بني هاشم) ([260]). والسؤال يا أبي: لماذا يلعنها أهل المشرق وأهل المغرب مع كونها راية حق ؟ الأب: نعم يا واثق فهمت كلامك يا ولدي، اعلموا يا أبنائي أنّ الناس أعداء ما جهلوا، وكل ذلك من الجهل، ولطالما عانوا سادة الخلق محمد وآله من جهل الجاهلين، فالجاهل قد يبلغ به جهله ويجعله يعتقد بنفسه أنه عالم، وهو في الحقيقة جاهل، ويجهل أنه جاهل، بل يعتقد أنّه عالم، وهذه طامة كبرى. ولذا يقول الإمام المهدي ع في بداية أحد التواقيع الذي صدرت منه: (لا لأمره تعقلون، ولا من أوليائه تقبلون، حكمة بالغة فما تغن النذر عن قوم لا يؤمنون) ([261]). وبعد هذه المقدّمة يا أولادي أبين لكم نقاط: النقطة الأولى: سأذكر لكم شيئاً وأريدكم أن تقضوا فيه، لو اعتدى إنسان علينا واغتصب منا القرآن أيكون القرآن له ؟ الأولاد: لا يا أبي. الأب: كرهنا لهذا الغاصب هل ينتقل للقرآن الذي غصبه منا ؟ الأولاد: لا يا أبي. الأب: الآن وعلى مستوى الحقيقة إننا نبرأ من صدام وأفعاله، لكن واحدة من أفعاله أنه كتب كلمة عظيمة على العلم العراقي، وهي كلمة (الله أكبر)، فهل يحق لنا أن نكره هذه الكلمة؛ لأنّ صدام كتبها على العلم العراقي ؟ الأولاد: بطبيعة الحال لا يحق لنا ذلك ؟ الأب: لو جاء الصهاينة الغاصبون واغتصبوا قبلة المسلمين الأولى، فلا يوجد عاقل يكره القبلة الأولى بسبب اغتصاب الصهاينة لها. ومن الأمور التي اغتصبها الصهاينة هي النجمة التي وضعوها على علمهم، وهي النجمة السداسية. وهذه النجمة لها منزلة عظيمة وجليلة تتضح لكم عظمتها مما سيأتي، لكن السؤال هل من المنطقي أن نُحارب هذه النجمة؛ لأنّ الصهاينة رفعوها شعاراً لهم ؟ كلا وألف كلا. وواحدة من الشبهات التي يسوقها المهرجون هي لماذا اليماني يرفع نجمة الصهاينة شعاراً وختماً له، متناسين أنّ هذه النجمة ليست للصهاينة بل هي نجمة نبي الله داوّد عثم انتقلت لنبي الله سليمان ع، يقول الشيخ جهاد الأسدي حفظه الله في كتابه الرد الودود: (هي رمز إلهي يسمى بنجمة داوّد ع وتسمى أيضاً بخاتم سليمان، وهذا ما ورد عن رواية المعصومين ص، وتسمى بالعبرية (ماجين داويد) وتعني بالعربية (درع داوّد)، وتعتبر من أهم الرموز الربانية التي كان يحملها نبي الله داوّد ع. وهناك الكثير من الجدل حول قِدم هذا الرمز فهناك تيار من الشيعة الإمامية مقتنع بأنّ هذا الشعار الذي اتخذه اليهود رمزاً لهم يعود أصله إلى النبي داوّد ع ولديهم الأدلة الشرعية والتاريخية التي تشير إلى أنّ هذا الرمز أستخدم كذلك قبل الديانة اليهودية كرمز للعلوم الخفية التي كانت تشمل الفلك والروحانيات. وهناك البعض ممن يعتقد أنّ نجمة داوّد ع أصبحت رمزاً للشعب اليهودي في القرون الوسطى وإن هذا الرمز حديث مقارنة بالشمعدان السباعي الذي يعتبر من أقدم رموز بني إسرائيل. في عام 1948، ومع إنشاء دولة إسرائيل تم اختيار نجمة داوّد ع لتكون الشعار الأساسي على العلم الإسرائيلي) ([262]). فهذه النجمة من مواريث الأنبياء ص وقد اختارها الله تعالى شعاراً وختماً للقائم ع، وقد سئُل السيد أحمد الحسن ع بهذا الخصوص فأجاب: (هي اختيار الله وليس اختياري، والنجمة السداسية هي نجمة داود ع، وهو نبي مرسل من الله ونحن ورثة الأنبياء) ([263]). وقال ع: (أمّا النجمة السداسية: فهي من مواريث الأنبياء التي ورثها القائم محمد بن الحسن المهدي ع، وهي ترمز إليه (عليه صلوات ربي) وتعني: المنتصر والمنصور. واليهود الصهاينة سرقوا هذه النجمة، واتخذوها شعاراً لهم ورمزاً لانتظارهم للمصلح العالمي الموعود، وهو عندهم كما قدمت إيليا النبي ع. والذي يهين هذه النجمة ويلعنها يكون كمن يلعن كلمة (الله أكبر) التي وضعها صدام لعنه الله في علم العراق، ويكون ممن يلعن مواريث الأنبياء ص. فهذه النجمة هي نجمة المهدي ع، وقد ورد عنهم ص: إن راية الحق إذا ظهرت لعنها أهل المشرق وأهل المغرب. فاحذروا أيها المؤمنون فاللعنة إذا لم تجد لها موضعاً عادت إلى صاحبها، كما ورد عن رسول الله ص. وداود ع داودنا، وسليمان ع سليماننا، والهيكل هيكلنا نحن المسلمون، لا هيكل اليهود الصهاينة قتلة الأنبياء، والأرض المقدسة أرضنا، ولابد من تحريرها وفتحها، ورفع راية لا إله إلاّ الله محمد رسول الله علي ولي الله عليها. ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبيُّ وَالَّذِينَ آمَنوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾([264]))([265]). النقطة الثانية: ما جاء عن أهل البيت ص في أنّ القائم ع عنده مواريث الأنبياء. الرواية الأولى: روى الشيخ الصدوق في كمال الدين بسنده: عن النزال بن سبرة في حديث طويل، عن أمير المؤمنين ع إلى أن يقول: (خروج دابة (من) الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى ص، يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقاً، ويضعه على وجه كل كافر فينكتب هذا كافر حقاً، حتى أن المؤمن لينادي: الويل لك يا كافر، وإن الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أني اليوم كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما. ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جل جلاله وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع: ﴿لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾. ثم قال ع: لا تسألوني عما يكون بعد هذا فإنه عهد عهده إلي حبيبي رسول الله ص أن لا أخبر به غير عترتي). قال النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة بن صوحان: يا صعصعة، ما عنى أمير المؤمنين ع بهذا ؟ فقال صعصعة: يا ابن سبرة، إن الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم ع هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي (عليهما السلام)، وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحد أحداً ([266]). فالرواية تنص على أنّ القائم ع معه خاتم سليمان بن داودع. الرواية الثانية: روی الشيخ الطوسي ملاقاة الإمام المهدي ع لعلي بن إبراهيم بن المازيار، قال ابن المازيار للإمام في حديث طويل: (.. يا سيدي، متى يكون هذا الأمر - أي وقت الخروج- ؟ فقال ع: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم، فقلت: متى يا بن رسول الله ؟ فقال لي: في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق الناس إلى المحشر) ([267]). الرواية الثالثة: عن أمير المؤمنين ع في كتاب الجفر في كلامه عن المهدي ع في حديث طويل إلى أن يصل إلى قوله: (ويُعلي الله شأن محمد، يظهر بلال ومن تحنف في نجوم خمسين ليست في السماء، إنّما هي بالأرض العظيمة، لكن نجمة بني إسرائيل المرسومة في خطوط الدرع تبلعهم جميعاً زمان وعد الآخرة لهم، الذي يسوؤن فيه وجوه كل العرب، وتبكي أمة خالف رسولها وأطفأت بيدها مصباحها) ([268]). محمود: أبي، أنّ الروايتين الأولى والثانية لا تتكلم عن القائم ع، بل تتكلم عن دابة الأرض، وهي معها خاتم سليمان بن داود ع. الأب: أحسنت يا محمود، من هنا سينفتح باباً لمعرفة المقصود بدابة الأرض أقول بشكل موجز: إنّ دابة الأرض تارة تطلق على علي بن أبي طالب ع، وتارة أخرى تطلق ويراد بها القائم ع، أو لنقل دابة الأرض في الرجعة ويقصد بها الإمام علي بن أبي طالب ع، ودابة الأرض في زمن الظهور وقبيل القيامة الصغرى، فيكون المقصود بها القائم ع. ولكي تتضح الفكرة أبين لكم روايات في المقام ببيان بسيط: الرواية الأولى: عن أبي عبد الله ع: (أتى رسول الله ص إلى أمير المؤمنين ع وهو نائم في المسجد وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله، ثم قال: يا دابة الله, فقال رجل من صحبه: يا رسول الله، أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم, فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو دابة الأرض الذي ذكر الله في كتابه ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾، ثم قال: إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعدائك ....، فقال الرجل لأبي عبد الله ع: إنّ العامة تزعم إنّ قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً﴾ عنى في القيامة. فقال أبو عبد الله ع: يحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع منهم الباقين ؟ لا، ولكنه في الرجعة، وأمّا آية القيامة: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾) ([269]). والرواية بما أنها تتكلم عن الرجعة، فيكون المقصود بدابة الأرض علي بن أبي طالب ع. الرواية الثانية: عن أبي عبد الله ع في حديث طويل: (.... وأنجز لوليك والداعي إليك... قال أحد الجالسين: متى يكون خروجه جعلني الله فداك ؟ قال ع: إذا شاء من له الخلق والأمر. قال: فله علامة قبل ذلك ؟ قال ع: نعم علامات شتى، خروج دابة الأرض من المشرق ودابة من المغرب، وفتنة تضل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت، ويفعل الله ما يشاء) ([270]). فالرواية تتكلم عن زمن الظهور ونصّت على خروج دابة الأرض قبل الإمام المهدي ع، والمقصود بدابة الأرض هنا هو اليماني القائم ع ([271]). النقطة الثالثة: من أسرار نجمة داود وخاتم سليمان (عليهما السلام). لهذه النجمة كثير من الأسرار لا يسعنا البحث عنها الآن، ونحيل دراستها إلى كتاب (الرد الودود في إثبات نجمة داود)، وكتاب (شيء من أسرار نجمة قائم آل محمد). سأذكر لكم ما جاء في كتاب المتشابهات للسيد أحمد الحسن ع، حيث سئل عن الظلمات الثلاثة في هذه الآية: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾([272]). فأجاب ع: (بسم الله الرحمن الرحيم ،والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين. وهي (ظلمة الذر)، و(ظلمة الدنيا) و(ظلمة الرجعة)، وهي عوالم قوس النزول. وعوالم قوس الصعود: هي الأنوار الثلاثة وهي (قبل الفناء) و(الفناء) و(العودة بعد الفناء)، وهي مراتب محمد ص الثلاثة قبل (فتح الحجاب) و (بعد فتح الحجاب) و(بعد عودة الحجاب)، فهو يخفق بين الفناء في الذات الإلهية فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، وبين عودته إلى الأنا والشخصية. وهذه المراتب الستة في قوس الصعود والنزول تمثل كل الوجود، وتجلي النور في الظلمة، وظهور الموجودات بالنور في الظلمات، وهي واو النزول، و واو الصعود تشير إلى الستة أيام والست مراتب: ( ) واو النزول ،(و) واو الصعود. والدائرة في رأس الواو تدل على الحيرة؛ في قوس الصعود هي الحيرة في النور لعدم إدراك ومعرفة النور التام، الذي لا ظلمة فيه، وهو: الله سبحانه وتعالى معرفة تامة وكامل. فتكون مراتب قوس الصعود هي: (قبل الفتح) و(بعد الفتح) و(الفناء) والثالثة هي: (العودة إلى الأنا والشخصية بعد الفناء). أمّا الحيرة في الظلمة: لأنها في أدنى مراتبها لا تُدرك ولا يُحصَّل منها شيء، بل هي ظلمة وعدم ليس لها حظ من الوجود، إلا قابليتها للوجود. وهذه هي حقيقة المادة: ظلمة وعدم، لا يُحصَّل منها شيء، ولا يُعرف منها شيء، لولا تجلي الصورة الملكوتية فيها، وإظهارها لها. فتكون مراتب قوس النزول: هي عالم الذر ثم النزول إلى ظلمة المادة ثم الصعود في قيامه القائم حتى الوصول إلى الرجعة، وهي المرتبة الثالثة، وهذه هي صورة قوس النزول والصعود. وباجتماعهما وتداخلهما يتحصَّل كل الوجود من بدايته إلى نهايته، وهو محمد ص). انتهى كلامه ع ([273]). ومن هنا تكون النجمة السداسية تشير إلى محمد ص، لاحظوا هذا الرسم كيف يكون اسم النبي ص واضحاً. ومن أحب التعرف أكثر فعليه بمراجعة كتاب (شيء من أسرار نجمة قائم آل محمد ص) حيث ذكر مؤلف الكتاب رموزاً كثيرة ترمز إليها النجمة السداسية. وإلى هنا ينتهي حوارنا في هذه الليلة على أمل اللقاء ليلة غدٍ إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الملاحق -الملحق رقم (1): احتجاج الإمام الرضا ع على علماء اليهود والنصارى (روى الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج: ج2 ص199-230): روي عن الحسن بن محمد النوفلي أنه قال: (لما قدم علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه على المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات، مثل: الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين، والهربذ الأكبر، وأصحاب زردشت ونسطاس الرومي، والمتكلمين، ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم عليّ ففعل، فرحب بهم المأمون، ثم قال لهم: إنما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم عليّ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليّ ولا يتخلف منكم أحد. فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، نحن مبكرون إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا ع إذ دخل علينا ياسر الخادم - وكان يتولى أمر أبي الحسن ع - فقال: يا سيدي، أن أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول: فداك أخوك، أنه اجتمع إلينا أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع أهل الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم، وإن كرهت ذلك فلا تتجشم، وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا . فقال أبو الحسن ع: (أبلغه السلام وقل: قد علمت ما أردت، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله). قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي: (يا نوفلي، أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة، فما عندك في جمع ابن عمي علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات ؟) فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان، ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان، وبئس والله ما بنى. فقال لي: (وما بناؤه في هذا الباب ؟) قلت: إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء، وذلك: أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: أن محمداً ص رسول ، قالوا: ثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل - وهو مبطل عليهم بحجته - ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك! قال: فتبسم ثم قال لي: (يا نوفلي، أتخاف أن يقطعوا علي حجتي ؟!) قلت: لا. والله ما خفته عليك قط، وأني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله. فقال لي: (يا نوفلي، أتحب أن تعلم متى يندم المأمون ؟ قلت: نعم. قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزبور بزبورهم، وعلى الصابئين بعبرانيتهم، وعلى الهرابذة بفارسيتهم، وعلى أهل الروم بروميتهم، وعلى أهل المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف، ودحضت حجته، وترك مقالته، ورجع إلى قولي، علم المأمون أن الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك، أن ابن عمك ينتظرك، اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه ؟ فقال له الرضا ع: (تقدمني، فإني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله)، ثم توضأ وضوء الصلاة، وشرب شربة سويق وسقانا، ثم خرج وخرجنا معه، حتى دخل على المأمون، وإذا المجلس غاص بأهله، ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقواد حضور. فلما دخل الرضا ع قام المأمون وقام محمد بن جعفر وجمع بني هاشم، فما زالوا وقوفاً والرضا ع جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس، فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلاً عليه يحدثه ساعة، ثم التفت إلى الجاثليق فقال: يا جاثليق! هذا ابن عمي علي بن موسى بن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا ص، وابن علي بن أبي طالب ع، فأحب أن تكلمه وتحاجه وتنصفه. فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين، كيف أحاج رجلاً يحاج علي بكتاب أنا منكره، ونبي لا أؤمن بت ؟ فقال الرضا ع: (يا نصراني، فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟) قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله أقر به على رغم أنفي. فقال له الرضا ع: (سل عما بدا لك واسمع الجواب). قال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى وكتابه هل تنكر منهما شيئاً؟ قال الرضا ع: (أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه، وما بشر به أمته، وأقرت به الحواريون، وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد وكتابه، ولم يبشر به أمته!) قال الجاثليق: أليس إنما تقطع الأحكام بشاهدي عدل ؟ قال: بلى. قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد، ممن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا. قال الرضا ع: (الآن جئت بالنصفة يا نصراني! ألا تقبل مني العدل والمقدم عند المسيح عيسى بن مريم ع ؟) قال الجاثليق: ومن هذا العدل سمه لي ؟ قال: (ما تقول في (يوحنا) الديلمي ؟) قال: بخ بخ، ذكرت أحب الناس إلى المسيح. قال: (أقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال: أن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون من بعدي، فبشرت به الحواريين فآمنوا به ؟) قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح، وبشر بنبوة رجل وأهل بيته ووصيه وأهل بيته، ولم يلخص متى يكون ذلك، ولم يسم لنا القوم فنعرفهم. قال الرضا ع: (فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته وأمته أتؤمن به ؟) قال: أمر سديد. قال الرضا لفسطاس الرومي: (كيف يكون حفظك للسفر الثالث من الإنجيل ؟) قال: ما أحفظني له، ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال ع: (ألست تقرأ الإنجيل ؟) قال: بلى لعمري. قال: (فخذ عليً السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي). ثم قرأ السفر الثالث حتى بلغ ذكر النبي ص وقف ثم قال: (يا نصراني، أني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل ؟) قال: نعم. ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وأمته، ثم قال: (ما تقول يا نصراني ؟ هذا قول عيسى بن مريم، فإن كذبت ما نطق به الإنجيل فقد كذبت موسى وعيسى (عليهما السلام)، ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل؛ لأنك تكون قد كفرت بربك ونبيك وبكتابك). قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي من الإنجيل، وأني لمقر به. قال الرضا ع: (اشهدوا على إقراره)، ثم قال: (يا جاثليق، سل عما بدا لك)، قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم، كم كان عدتهم، وعن علماء الإنجيل كم كانوا ؟ قال الرضاع: (على الخبير سقطت. أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلاً، وكان أفضلهم وأعلمهم (لوقا) وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال (يوحنا) الأكبر - يا حي - و(يوحنا) بقرقيسيا و(يوحنا) الديلمي بزخار وعنده كان ذكر النبي ص وذكر أهل بيته، وهو الذي بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به). ثم قال: (يا نصراني، والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد ص. وما ننقم على عيسى شيئاً إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته). قال الجاثليق: أفسدت والله علمك، وضعفت أمرك، وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الإسلام. قال الرضا ع: (وكيف ذلك ؟!) قال الجاثليق: من قولك أن عيسى كان ضعيفاً، قليل الصيام والصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قط، وما نام بليل قط، وما زال صائم الدهر قائم الليل. قال الرضا ع: (فلمن كان يصوم ويصلي ؟) فخرس الجاثليق وانقطع. قال الرضا ع: (يا نصراني، أني أسألك عن مسألة)، قال: سل، فإن كان عندي علمها أجبتك. قال الرضا ع: (ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله). قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، أن من أحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو (رب) مستحق؛ لأن يعبد. قال الرضا صلوات الله عليه: (فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى ع، مشى على الماء، وأحيى الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم لا تتخذه أمته رب ولم يعبده أحد من دون الله (، ولقد صنع حزقيل النبي مثل ما صنع عيسى ابن مريم، فأحيى خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة). ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال: (يا رأس الجالوت، أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة، اختارهم (بخت نصر) من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس، ثم انصرف بهم إلى بابل، فأرسله الله ( إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم ؟) قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه. قال: (صدقت). ثم قال: (يا يهودي، خذ عليّ هذا السفر من التوراة)، فتلا عليه من التوراة آيات، فأقبل اليهودي يترجح لقراءته، ويتعجب ثم أقبل على النصراني فقال: (يا نصراني، أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم ؟) قال: بل كانوا قبله. قال الرضاع : (لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب ع فقال له: (اذهب إلى الجبانة، فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك، يا فلان، ويا فلان، ويا فلان يقول لكم رسول الله محمد قوموا بإذن الله) فناداهم، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم، ثم أخبروهم أن محمداً قد بعث نبياً فقالوا: وددنا أن أدركناه فنؤمن به، ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين، وكلمته البهائم والطير والجن والشياطين، ولم نتخذه رباً من دون الله، ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فإن اتخذتم عيسى رباً جاز لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربين؛ لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى بن مريم من إحياء الموتى وغيره، ثم إن قوماً من بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل القرية فحظروا عليهم حظيرة، فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميماً، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحى الله إليه أتحب أن أحييهم لك فتنذرهم ؟ قال: نعم. فأوحى الله إليه أن نادهم فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله ! فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم. ثم إبراهيم خليل الله ع حين اتخذ الطير فقطعهن قطعاً، ثم وضع على كل جبل منهن جزءاً، ثم ناداهن فأقبلن سعياً إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنك قد رأيت الله فأرناه! فقال لهم: إني لم أره. فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم فبقي موسى وحيداً. فقال: يا رب اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم، فأرجع أنا وحدي، فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ فأحياهم الله ع من بعد موتهم، وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه؛ لأن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، والمجانين يتخذ رباً من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أرباباً! ما تقول يا نصراني ؟!) فقال الجاثليق: القول قولك، ولا إله إلا الله. ثم التفت إلى رأس الجالوت، فقال: (يا يهودي، أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران، هل تجد في التوراة مكتوباً نبأ محمد ص وأمته إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير، يسبحون الرب جداً جداً، تسبيحاً جديداً، في الكنايس الجدد فليفزع بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئن قلوبهم فإن بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض، هكذا هو في التوراة مكتوب؟) قال رأس الجالوت: نعم، أنا لنجد ذلك كذلك. ثم قال للجاثليق: (يا نصراني، كيف علمك بكتاب شعيا ؟) قال: أعرفه حرفاً حرفاً. قال لهما: (أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم أني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوءه ضوء القمر ؟) فقالا: قد قال ذلك شعيا. قال الرضا ع: (يا نصراني، أهل تعرف في الإنجيل قول عيسى: أني ذاهب إلى ربكم وربي، و(الفارقليطا) جائي هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له، وهو الذي يفسر لكم كل شيء، وهو الذي يبدي فضايح الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر ؟) فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً من الإنجيل إلا ونحن مقرون به. فقال: (أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً ؟) قال: نعم. قال الرضا ع: (يا جاثليق، ألا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه عند من وجدتموه ؟ ومن وضع لكم هذا الإنجيل ؟) قال له: ما افتقدنا الإنجيل إلا يوماً واحداً حتى وجدناه غضاً طرياً فأخرجه إلينا يوحنا ومتى. فقال الرضا ع: (ما أقل معرفتك بسنن الإنجيل وعلمائه، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل ؟ وإنما الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم، فإن كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، إعلم: أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى ابن مريم وافتقدنا الإنجيل، وأنتم العلماء فما عندكم ؟ فقال لهم ألوقا ومرقانوس ويوحنا ومتى: أن الإنجيل في صدورنا نخرجه إليكم سفراً سفراً، في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنايس، فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفراً سفراً حتى نجمعه كله). فقال الرضا ع: (أن ألوقا ومرقانوس ويوحنا ومتى وضعوا لكم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول، وإنما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأولين. أعلمت ذلك ؟) قال الجاثليق: أما قبل هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وقد سمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق، واستزدت كثيراً من الفهم. فقال الرضا ع: (فكيف شهادة هؤلاء عندك ؟) قال: جائزة. هؤلاء علماء الإنجيل، وكل ما شهدوا به فهو حق. قال الرضا ع - للمأمون ومن حضره من أهل بيته وغيرهم - : (اشهدوا عليه)، قالوا: شهدنا. ثم قال للجاثليق: (بحق الابن وأمه، هل تعلم أن (متى) قال في نسبة عيسى: أن المسيح بن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهود بن خضرون ؟ وقال (مرقانوس) في نسبة عيسى ع: أنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت إنساناً ؟ وقال (ألوقا): أن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس ؟ ثم إنك تقول في شهادة عيسى على نفسه حقاً أقول لكم أنه لا يصعد إلى السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الأنبياء، فإنه يصعد إلى السماء وينزل فما تقول في هذا القول ؟) قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره. قال الرضا ع: (فما تقول في شهادة ألوقا ومرقانوس ومتى على عيسى وما نسبوا إليه ؟) قال الجاثليق: كذبوا على عيسى. قال الرضا ع: (يا قوم أليس قد زكاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حق). فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين، أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء. قال الرضا ع: (قد فعلنا. سل يا نصراني عما بدا لك!) قال الجاثليق: ليسألك غيري، فو الله ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك. فالتفت الرضا ع إلى رأس الجالوت، فقال له: (تسألني أو أسألك ؟) قال: بل أسألك. ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة، أو من الإنجيل أو من زبور داود، أو ما في صحف إبراهيم وموسى. قال الرضا ع: (لا تقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران ع، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم ع، والزبور على لسان داود ع). قال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوة محمد ؟ قال الرضا ع: (شهد بنبوته موسى بن عمران، وعيسى بن مريم، وداود خليفة الله في الأرض). فقال له: ثبت قول موسى بن عمران! قال الرضاع: (تعلم يا يهودي، أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: أنه سيأتيكم نبي من إخوانكم فيه فصدقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل أخوة غير ولد إسماعيل، إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيم ع ؟) فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه. فقال له الرضا ع: (هل جاءكم من أخوة بني إسرائيل غير محمد ص؟) قال: لا. وفي العيون فقال الرضا ع: (أفليس قد صح هذا عندكم ؟) قال: نعم. ولكني أحب أن تصححه لي من التوراة. فقال له الرضا ع: (هل تنكرون التوراة تقول لكم: جاء النور من قبل طور سيناء، وأضاء للناس من جبل ساعير، واستعلن علينا من جبل فاران ؟) قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها. قال الرضا ع: (أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النور من قبل طور سيناء: فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء للناس في جبل ساعير، فهو: الجبل الذي أوحى الله ( إلى عيسى بن مريم ع وهو عليه، وأما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران: فذاك جبل من جبال مكة، وبينه وبينها يومان أو يوم. قال شعيا النبي - فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة - رأيت راكبين أضاء لهما الأرض، أحدهما على حمار، والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل ؟) قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبرني بهما! قال: (أما راكب الحمار فعيسى، وأما راكب الجمل فمحمد ص، أتنكر هذا من التوراة؟) قال: لا ما أنكره. قال الرضا ع: (هل تعرف حيقوق النبيع ؟ قال: نعم، أني به لعارف! قال: فإنه قال - وكتابكم ينطق به - : جاء الله تعالى بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس، يعني بالكتاب: القرآن. أتعرف هذا وتؤمن به ؟) قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق النبي ع ولا ننكر قوله. قال الرضا ع: (فقد قال داود ع في زبوره - وأنت تقرأه - : اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد ص ؟) قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى وأمامه هي الفترة. قال الرضا ع: (جهلت، أن عيسى لم يخالف السنة، وكان موافقاً لسنة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: أن ابن البرة ذاهب و(الفارقليطا) جائي من بعدي، هو يخفف الآصار، ويفسر لكم كل شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل، أتؤمن بهذا في الإنجيل ؟) قال: نعم، لا أنكره. قال الرضا ع: (أسألك عن نبيك موسى بن عمران ع). فقال: سل، قال: (ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته ؟) قال اليهودي: أنه جاء بما لم يجئ أحد من الأنبياء قبله. قال لهع: (مثل ماذا ؟) قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حية تسعى، وضربه الحجر فانفجر منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين، وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها. قال له الرضا ع: (صدقت في أنها كانت حجته على نبوته، إنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله، أفليس كل من ادعى أنه نبي وجاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه ؟) قال: لا؛ لأن موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربه وقربه منه، ولا يجب علينا الإقرار بنبوة من ادعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء. قال الرضا ع: (فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى، ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشر عينا، ولم يخرجوا أيديهم مثل إخراج موسى يده بيضاء، ولم يقلبوا العصا حية تسعى ؟!) قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاءوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بمثل ما لم يجئ به موسى، أو كانوا على ما جاء به موسى وجب تصديقهم. قال الرضا ع: (يا رأس الجالوت، فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم، وكان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طائراً بإذن الله ؟!) قال رأس الجالوت: يقال أنه فعل ذلك، ولم نشهده. قال الرضا ع: (أرأيت ما جاء به موسى من الآيات وشاهدته! أليس إنما جاء الأخبار من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك؟) قال: بلى. قال: (كذلك أيضاً أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم. فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى ؟!) فلم يحر جواباً. فقال الرضا ع: (وكذلك أمر محمد ص وما جاء به، وأمر كل نبي بعثه الله، ومن آياته أنه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً، ولم يتعلم، ولم يختلف إلى معلم. ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء ص وأخبارهم حرفاً حرفاً، وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، بآيات كثيرة لا تحصى). قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى، ولا خبر محمد، ولا يجوز لنا أن نقر لهما بما لا يصح عندنا. قال الرضا ع: (فالشاهد الذي يشهد لعيسى ومحمد ص شاهد زور ؟) فلم يحر جواباً. ثم دعا بالهربذ الأكبر. فقال له الرضا ع: (أخبرني عن زردشت الذي تزعم أنه نبي، ما حجتك على نبوته ؟) قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله، ولم نشهده. ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه: أحل لنا ما لم يحله لنا غيره فاتبعناه. قال: (أفليس إنما أتتكم الأخبار فاتبعتموه ؟) قال: بلى. قال: (فكذلك سائر الأمم السالفة، أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون، وأتى به موسى وعيسى ومحمد ص، فما عذركم في ترك الإقرار بهم، إذ كنتم إنما أقررتم بزردشت من قبل الأخبار الواردة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره ؟) فانقطع الهربذ مكانه. فقال الرضا ع: (يا قوم، إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم). فقام إليه عمران الصابي - وكان واحداً من المتكلمين - فقال: يا عالم الناس، لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة، ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيته، أفتأذن أن أسألك ؟ قال الرضا ع: (إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو! قال: أنا هو. قال: سل يا عمران وعليك بالنصفة، إياك والخطل والجور!) قال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئاً أتعلق به. فلا أجوزه! قال: (سل عما بدا لك)، فازدحم الناس وضم بعضهم إلى بعض. فقال: أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق ؟ قال: (سألت فافهم الجواب، أما الواحد فلم يزل كائناً واحداً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك. ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة، لا في شئ أقامه، ولا في شيء حده، ولا على شيء حذاه ومثله، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة لله، واختلافاً وايتلافاً وألواناً وذوقاً وطعماً، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا، تعقل هذا يا عمران ؟) قال: نعم والله يا سيدي. قال: (واعلم يا عمران، أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة، لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق؛ لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى). ثم طال السؤال والجواب بين الرضا ع وبين عمران الصابي، وألزمه ع في أكثر مسائله، حتى انتهت الحال إلى أن قال: أشهد أنه يا سيدي كما وصفت، ولكن بقيت مسألة، قال: (سل عما أردت)، قال: أسألك عن (الحكيم) في أي شيء، وهل يحيط به شيء، وهل يتحول من شيء إلى شيء، أو هل به حاجة إلى شيء ؟ قال الرضا ع: (أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه المتقارب عقله العازب حلمه، ولا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون. أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك، ولكنه ( لم يخلق شيئاً لحاجة، ولم يزل ثابتاً لا في شيء، إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضاً، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه. والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شيء، ولا يخرج منه ولا يؤده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله (، ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره، والمستحفظين لأمره، وخزانه القائمين بشريعته، وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئاً فإنما يقول له: (كن) فيكون بمشيته وإرادته، وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء، ولا شيء أبعد منه من شيء، أفهمت يا عمران ؟) قال: نعم يا سيدي فهمت، وأشهد أن الله على ما وصفت ووحدت، وأن محمداً عبده المبعوث بالهدى ودين الحق، ثم خر ساجداً نحو القبلة وأسلم. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي - وكان جدلاً لم يقطعه عن حجته أحد قط - لم يدن من الرضا ع أحد، ولم يسألوه عن شيء، وأمسينا فنهض المأمون والرضا ع فدخلا وانصرف الناس. ثم قال الرضا ع - بعد أن عاد إلى منزله - : (يا غلام، صر إلى عمران الصابي فأتني بت)، فقلت: جعلت فداك، أنا أعرف موضعه هو عند بعض إخواننا من الشيعة. قال: (فلا بأس قربوا إليه دابة). فصرت إلى عمران فأتيته به، فرحب به، ودعا بكسوة فخلعها عليه، ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله به. قلت: جعلت فداك، حكيت فعل جدك أمير المؤمنين ع. قال: (هكذا يجب). ثم دعا ع بالعشاء فأجلسني عن يمينه، وأجلس عمران عن يساره، حتى إذا فرغنا قال لعمران: (انصرف مصاحباً وبكر علينا نطعمك طعام المدينة). فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل عليهم أمرهم حتى اجتنبوه. ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، وأعطاه الفضل مالاً جزيلاً، وولاه الرضا ع صدقات البلخ فأصاب الرغائب. وروي عن علي بن الجهم أنه قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا ع فقال له المأمون: يا بن رسول الله، أليس من قولك: (أن الأنبياء معصومون). قال: (بلى)، قال: فما معنى قول الله (: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾؟ فقال: (إن الله تبارك وتعالى قال لآدم ع: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة، ولا مما كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة، وإنما أكلا من غيرها إذ وسوس الشيطان إليهما وقال: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ﴾ وإنما نهاكما أن تقربا غيرها، ولم ينهكما عن الأكل منها: ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾. ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً، ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾ فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق دخول النار، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبياً كان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال الله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾. وقال (: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾). قال المصنف (رحمه الله): لعل الرضا صلوات الله عليه أراد (بالصغائر الموهوبة): ترك المندوب وارتكاب المكروه من الفعل، دون الفعل القبيح الصغير بالإضافة إلى ما هو أعظم منه؛ لاقتضاء أدلة العقول والأثر المنقول لذلك، ورجعنا إلى سياق الحديث. ثم قال المأمون: فما معنى قول الله(: ﴿َلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا﴾. فقال الرضا ع: (أن حوا ولدت خمسمائة بطن، في كل بطن ذكر وأنثى، وأن آدم وحوا عاهدا الله ودعواه قالا: ﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾، فلما آتاهما صالحين من النسل، خلقاً سوياً بريئاً من الزمانة والعاهة، كان ما آتاهما صنفين: صنفاً ذكراناً وصنفاً إناثاً، جعل الصنفان لله تعالى شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه شكر أبويهما له (. قال الله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾). فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله ص حقاً، فأخبرني عن قول الله ( في إبراهيم: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي﴾. فقال الرضا ع: (إن إبراهيم وقع على ثلاثة أصناف: صنف يعبد (الزهرة)، وصنف يعبد (القمر)، وصنف يعبد (الشمس) ذلك حين خرج من السرب الذي أخفى فيه. فلما جن عليه الليل رأى (الزهرة) قال: (هذا ربي ؟!) على الإنكار والاستخبار. (فلما أفل (الكوكب) قال لا أحب الآفلين)؛ لأن الأفول من صفات المحدث ولا من صفات القديم. (فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي ؟!) على الإنكار والاستخبار. ﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين. ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾ من الزهر والقمر ؟! على الإنكار والاستخبار، لا على سبيل الإخبار والإقرار. (فلما أفلت قال - للأصناف الثلاثة من: عبدة الزهرة، والقمر، والشمس - ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ فإنما أراد إبراهيم ع بما قال: أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم: أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها خالق السماوات والأرض. وكان مما احتج به على قومه مما ألهمه الله ( وآتاه، كما قال الله (: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ﴾). فقال المأمون: لله درك يا بن رسول الله، فأخبرني عن قول إبراهيم: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾. قال الرضا ع: (إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم ع: (إني متخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أحييت له (فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ على الخلة: ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً﴾ فأخذ إبراهيم نسراً وبطاًَ وطاووساً وديكاً، فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله - وكانت عشرة - منهن جزءاً، وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن، ووضع عنده حباً وماء، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم ع عن مناقيرهن، فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب ، وقلن: يا نبي الله، أحييتنا أحياك الله. فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير). فقال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾. قال الرضا ع: (إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها - وذلك بين المغرب والعشاء - ﴿وَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ فقضى موسى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فمات. قال: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى من قتله إياه (أنه - يعني: الشيطان - عدو مضل مبين). قال المأمون فما معنى قول موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾؟ قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها، بدخولي هذه المدينة، فاغفر لي، أي: استرني من أعدائك. لئلا يظفروا بي فيقتلوني (فغفر له) أي: ستره من عدوه، ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. قال: ﴿رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة، ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى. ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ قاتلت رجلاً بالأمس، وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ظن الذي هو من شيعته أنه يريده (قال:- يا موسى - ﴿أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾). قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن، فما معنى قول موسى لفرعون: ﴿فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾؟ قال الرضا ع: (إن فرعون قال لموسى لما أتاه: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾. ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك، ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وقد قال الله لنبيه محمد ص: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى﴾ يقول: ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس ؟ ﴿وَوَجَدَكَ ضَالّاً﴾ يعني: عند قومك ﴿فَهَدَى﴾ أي: هداهم إلى معرفتك. ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾ يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً). قال المأمون: بارك الله فيك يا بن رسول الله، فما معنى قول الله: ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي﴾ الآية، كيف يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟! فقال الرضا ع: (إن كليم الله موسى بن عمران علم أن الله جل عن أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجياً، رجع إلى قومه فأخبرهم: أن الله ( كلمه وقربه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفاً، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور، وسأل الله ( أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال، ووراء وأمام؛ لأن الله ( أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه. فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا. فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم؛ لأنك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته. فقال موسى: يا قوم، إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بعلاماته. فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله. فقال موسى: رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا موسى، سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى: (رب أرني أنظر إليك)، (قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه - وهو يهوى - فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل - بآية من آياته - جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك) يقول: رجعت إلى معرفتي بك ؟ عن جهل قومي، (وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى). فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله (: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾؟ فقال الرضا ع: (همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوماً والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه، ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق أنه قال: همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل). فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله (: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾؟ فقال الرضا ع: (ذلك يونس بن متى، ذهب مغاضباً لقومه، فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه، أي: نضيق عليه رزقه، ومنه قوله (: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ أي: ضيق وقتر، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، ﴿أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ بتركي العبادة التي قد قرت عيني بها في بطن الحوت. فاستجاب الله له. وقال (: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾). فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، أخبرني عن قول الله (: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا﴾؟ قال الرضا ع: (يقول الله: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا). فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله( : ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾؟ قال الرضا ع: (لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله ص؛ لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ فلما فتح الله ( على نبيه مكة قال له: يا محمد ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ عند مشركي أهل مكة بدعائك إياهم إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر؛ لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لا يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعى الناس إليه، فصار ذنبه عندهم مغفورا بظهوره عليهم). فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله (: ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾. فقال الرضا ع: (هذا مما نزل (بإياك أعني واسمعي يا جارة) خاطب الله بذلك نبيه ص وأراد به أمته. وكذلك قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. وقوله (: ﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾). قال المأمون: صدقت يا بن رسول الله، فأخبرني عن قول الله (: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾. قال الرضا ع: (أن رسول الله ص قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده، فرأى امرأته تغتسل فقال لها: (سبحان الذي خلقك) وإنما أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم: أن الملائكة بنات الله، فقال الله (: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيما﴾ فقال النبي ص لما رآها تغتسل: (سبحان الذي خلقك) أن يتخذ ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله ص، وقوله لها سبحان الذي خلقك، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبي ص فقال: يا رسول الله، إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها. فقال له النبي: (أمسك عليك زوجك واتق الله) وقد كان الله عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد، وخشي الناس أن يقولوا: أن محمداً يقول لمولاه أن امرأتك ستكون لي زوجة، فيعيبوه بذلك، فأنزل الله (: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ يعني: بالإسلام (وأنعمت عليه) يعني: بالعتق ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾. ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه فزوجها الله ( من نبيه محمد ص، وأنزل بذلك قرآنا فقال (: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً﴾ ثم علم ( أن المنافقين سيعيبوه بتزويجها فأنزل الله: ﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ﴾). فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا بن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبساً فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيراً. قال علي بن الجهم: فقام المأمون إلى الصلاة، وأخذ بيد محمد بن جعفر ابن محمد - وكان حاضر المجلس - وتبعتهما فقال له المأمون: كيف رأيت ابن أخيك ؟ فقال: عالم. ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم. فقال المأمون: إن ابن أخيك من أهل بيت النبوة الذين قال فيهم النبي ص: (ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلالة). وانصرف الرضا ع إلى منزله، فلما كان من الغد غدوت إليه، وأعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له، فضحك الرضا ع ثم قال: (يا بن الجهم، لا يغرنك ما سمعته منه، فإنه سيغتالني والله ينتقم لي منه). احتجاجه صلوات الله عليه فيما يتعلق بالإمامة وصفات من خصه الله تعالى بها وبيان الطريق إلى من كان عليها وذم من يجوز اختيار الإمام ولؤم من غلا فيه وأمر الشيعة بالتورية والتقية عند الحاجة إليهما وحسن التأدب. أبو يعقوب البغدادي قال: إن ابن السكيت قال - لأبي الحسن الرضا ع -: لماذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء، وبآية السحر، وبعث عيسى بآية الطلب، وبعث محمدا ص بالكلام والخطب ؟ فقال له أبو الحسن ع: (أن الله لما بعث موسى ع كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسع القوم مثله، وبما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم. وأن الله بعث عيسى ع في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطلب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم. وأن الله بعث محمداً ص في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال والشعر- فأتاهم من عند الله من مواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم). قال: فما زال ابن السكيت يقول له: والله ما رأيت مثلك قط، فما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال ع: (العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه). فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب، قد ضمن الرضا ع في كلامه هذا أن العالم لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل يلتجئ المكلف إليه فيما اشتبه عليه من أمر الشريعة، صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى، يتوصل المكلف إلى معرفته بالعقل، ولولاه لما عرف الصادق من الكاذب، فهو حجة الله تعالى على الخلق أولا. وعن القسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا في أيام علي بن موسى الرضا ع بمرو، فاجتمعنا في جامعها في يوم جمعة في بدو قدومنا، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عفأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسم ثم قال: (يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه ص حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شئ، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه كملا. فقال (: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ وأنزل في حجة الوداع وهو آخر عمره: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ فأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض ص حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبيله، وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم علياً ع علماً وإماماً وما ترك شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله ( لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله (، ومن رد كتاب الله فهو كافر. هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم. إن الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم، فيقيموها باختيارهم. إن الإمامة خص الله ( بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة، مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه الله بها، فأشاد بها ذكره فقال (: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ فقال الخليل - سروراً بها -: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾، قال الله (: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله ( بأن جعل في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ فلم: تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً، حتى ورثها النبي ص فقال الله (: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فكانت له خاصة، فقلدها النبي ص علياً ع بأمر الله على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله (: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ فهي في ولد علي ع خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد ص، فمن أين يختار هؤلاء الجهال ؟ إن الإمامة منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء. إن الإمامة خلافة الله (، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين. إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين. إن الإمامة رأس الإسلام النامي، وفرعه السامي. بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام، والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف. الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة. الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأفق، بحيث لا تناله الأيدي والأبصار. الإمام: البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء القفار ولجج البحار. الإمام: الماء العذب على الظلماء، والدال على الهدى، والمنجي من الردى. الإمام: النار على البقاع الحارة لمن اصطلى، والدليل على المسالك، من فارقه فهالك. الإمام: السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة والعين الغزيرة، والغدير والروضة. الإمام: الأمين الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، ومفزع العباد في الداهية. الإمام: أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حريم الله. الإمام: المطهر من الذنوب، المبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم، موسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المارقين، وبوار الكافرين. الإمام: واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عدل، ولا يوجد له بديل ولا له مثيل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المتفضل الوهاب فمن ذا يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره ؟ هيهات هيهات! ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباب وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعيت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه، لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين، ووصف الواصفين! فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا، وأين يوجد مثل هذا، ظنوا أن دخل يوجد في غير آل رسول الله ص؟ كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل، فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلا بعداً. قاتلهم الله أنى يؤفكون! لقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً، وضلوا ضلالاً بعيداً ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام من غير بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل، وكانوا مستبصرين، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله، إلى اختيارهم والقرآن يناديهم: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. وقال (: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾. وقال (: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ( أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ( سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾. وقال (: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾. ﴿أم طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾. ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾. وقالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. فكيف لهم باختيار الإمام ؟! والإمام عالم لا يجهل، راع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، ومخصوص بدعوة الرسول وهم نسل مطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسول، والرضا من الله، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله. إن الأنبياء والأئمة يوفقهم الله، ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله (: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾. وقوله (: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾. وقوله ( - في طالوت -: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. وقال ( لنبيه: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾. وقال (- في الأئمة من أهل بيته وعترته -: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ( فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً﴾. وأن العبد إذا اختاره الله لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده الجواب، ولا يحير فيه عن الصواب وهو معصوم مؤيد، موفق مسدد، قد أمن الخطايا والزلل والعثار، فخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فهل يقدرون على مثل هذا، فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله فنبذوه وراء ظهورهم واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم أنفسهم فقال (: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقال (: ﴿فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾. وقال (: ﴿َكبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾). * * * -الملحق رقم (2): بيان اليماني للسيد أحمد الحسن ع س / السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي ع: من هو اليماني ؟ وهل هناك حدود لهذه الشخصية يعرف بها صاحبها ؟ وهل هو من اليمن ؟ وهل هو معصوم بحيث لا يدخل الناس في باطل ولا يخرجهم من حق وكما ورد في الرواية عن الباقر ع: (إن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ؟ ج / بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين يجب أولاً: معرفة أن مكة من تهامة، وتهامة من اليمن. فمحمد وآل محمد ص (كلهم يمانية). فمحمد ص (يماني)، وعلي ع (يماني) والإمام المهدي ع (يماني)، والمهديون الإثنا عشر (يمانية)، والمهدي الأول (يماني)، وهذا ما كان يعرفه العلماء العاملون الأوائل (رحمهم الله) ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾([274])، وقد سمى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار كلام أهل البيت ص (بالحكمة اليمانية)([275])، بل ورد هذا عن رسول الله ص، كما وسمى عبد المطلب ع البيت الحرام بالكعبة اليمانية ([276]). أمّا بالنسبة لحدود شخصية اليماني: فقد ورد في الرواية عن الباقر ع: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([277]). وفيها: أولاً: (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار): وهذا يعني أن اليماني: (صاحب ولاية إلهية)، فلا يكون شخص حجة على الناس، بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم، وإن صلوا وصاموا، إلا إذا كان من: (خلفاء الله في أرضه)، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين. ثانياً: (أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق، والطريق المستقيم، أو الصراط المستقيم تعني: (أن هذا الشخص لا يخطأ فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق)، أي إنه: (معصوم منصوص العصمة)، وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني، أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) فانه يجعل هذا الكلام منهم ص بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني وحاشاهم ص من ذلك. النتيجة مما تقدم في أولاً وثانياً: إنّ اليماني: (حجة من حجج الله في أرضه ومعصوم منصوص العصمة)، وقد ثبت بالروايات المتواترة والنصوص القطعية الدلالة إن الحجج بعد الرسول محمد ص هم: الأئمة الإثني عشر ص وبعدهم المهديين الإثني عشر، ولا حجة لله في الأرض معصوم غيرهم، وبهم تمام النعمة، وكمال الدين، وختم رسالات السماء. وقد مضى منهم ص أحد عشر إماماً، وبقي الإمام المهدي ع والإثنا عشر مهدياً، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي ع فلابد أن يكون اليماني أول المهديين، لأن الأحد عشر مهدياً بعده هم من ولده: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([278])، ويأتون متأخرين عن زمن ظهور الإمام المهدي ع، بل هم في دولة العدل الإلهي، والثابت أن أول المهديين هو: (الموجود في زمن ظهور الإمام المهدي ع، وهو أول المؤمنين بالإمام المهديع في بداية ظهوره وتحركه، لتهيئة القاعدة للقيام)، كما ورد في وصية رسول الله ص. ومن هنا ينحصر شخص اليماني بالمهدي الأول من الإثني عشر مهدياً. والمهدي الأول بيَّنت روايات أهل البيت ص اسمه وصفاته ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد وكنيته عبد الله - أي إسرائيل - أي أن الناس يقولون عنه إسرائيلي قهراً عليهم، ورغم أنوفهم. وقال رسول الله ص: (أسمي أحمد وأنا عبد الله أسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني) ([279]). والمهدي الأول هو أول الثلاث مائة وثلاثة عشر، وهو: (من البصرة) و (في خده الأيمن اثر) و(في رأسه حزاز) و (جسمه كجسم موسى بن عمران ع) و ( في ظهره ختم النبوة) و (فيه وصية رسول الله ص) و (هو أعلم الخلق بعد الأئمة بالقرآن والتوراة والإنجيل) و (عند أول ظهوره يكون شاباً) قال رسول الله ص: (… ثم ذكر شاباً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة المهدي) ([280]). عن أبي عبد الله ع، عن آبائه، عن أمير المؤمنين ع، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة، فأملى رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، وساق الحديث إلى آن قال: وليسلمها الحسن ع إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد ص فذلك اثنا عشر إماماً ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين)([281]). وعن الصادق ع أنه قال: (إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([282]). وعن الصادق ع، قال: (إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([283]). وفي هذه الرواية القائم هو المهدي الأول وليس الإمام المهدي ع؛ لأن الإمام ع بعده إثنى عشر مهدياً، وقال الباقر ع في وصف المهدي الأول: (… ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين المشرف الحاجبين العريض ما بين المنكبين برأسه حزاز و بوجهه أثر رحم الله موسى)([284]). وعن أمير المؤمنين ع في خبر طويل: (… فقال ع: ألا وإن أولهم من البصرة وأخرهم من الأبدال …) ([285]). وعن الصادق ع في خبر طويل سمى به أصحاب القائم ع: (… ومن البصرة … أحمد …) ([286]). وعن الإمام الباقر ع أنه قال: (له - أي للقائم - اسمان اسم يخفى واسم يعلن فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد) ([287]). وأحمد هو اسم المهدي الأول ومحمد اسم الإمام المهدي ع كما تبين من وصية رسول الله ص. وعن الباقر ع: (إنّ لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: (أحمد أحمد) يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات. فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبوا على الثلج)([288])، وأحمد هو اسم المهدي الأول ([289])، وفي كتاب الملاحم والفتن: قال: (أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني) ([290]). وفي الملاحم والفتن للسيد بن طاووس الحسني: (فيجتمعون وينظرون لمن يبايعونه فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قال إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني)، وروى الشيخ علي الكوراني في كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي ع: (ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن) ([291]). وبما أن المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع فلابد أن يكون مقطوع النسب؛ لأن ذرية الإمام المهدي ع مجهولون، وهذه الصفات هي صفات اليماني المنصور وصفات المهدي الأول لأنه شخص واحد كما تبين مما سبق. وإن أردتَ المزيد فأقول: إن اليماني ممهد في زمن الظهور المقدس ومن الثلاث مائة وثلاثة عشر ويسلم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدس وأول مؤمن بالإمام المهدي ع في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلا بد أن يكون أحدهما حجة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديين حجج الله على جميع الخلق والمهدي الأول منهم فهو حجة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد فيصبح دور اليماني ثانوي بل مساعد للقائد وهذا غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدس، فتحتم أن يكون المهدي الأول هو اليماني واليماني هو المهدي الأول. وبهذا يكون اليماني (اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خده الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شاباً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة، ومقطوع النسب، ويلقب بالمهدي، وهو إمام مفترض الطاعة من الله، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ويدعو إلى الإمام المهدي ع و … و …) وكل ما ورد من أوصاف المهدي الأول في روايات محمد وآل محمد ص فراجع الروايات في كتاب غيبة النعماني وغيبة الطوسي وإكمال الدين والبحار ([292])، وغيرها من كتب الحديث. ويبقى أن كل (أتباع اليماني) من الثلاث مائة والثلاثة عشر أصحاب الإمام ع: (هم يمانيون)، باعتبار انتسابهم (لقائدِهم اليماني)، ومنهم (يماني صنعاء) و(يماني العراق). ﴿كَلاَّ وَالْقَمَرِ (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ( إِنَّها لإَِحْدَى الْكُبَرِ ( نَذِيراً لِلْبَشَرِ (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ( إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ( عَنِ الْمُجْرِمِينَ ( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ( وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ( حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ( فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ( كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الآْخِرَةَ( كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ( وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾([293]). والقمر: (الوصي)، والليل: (دولة الظالمين)، والصبح: (فجر الإمام المهدي) ع، وبداية ظهوره بوصيه كبداية شروق الشمس؛ لأنه هو الشمس، ﴿إِنَّها لإَِحْدَى الْكُبَرِ﴾: أي (القيامة الصغرى). والوقعات الإلهية الكبرى ثلاث هي: القيامة الصغرى. والرجعة. والقيامة الكبرى. ﴿نَذِيراً لِلْبَشَرِ﴾: أي (منذر وهو الوصي والمهدي الأول) (اليماني) يرسله الإمام المهديع بشيراً ونذيراً بين يدي عذاب شديد، ليتقدم من شاء أن يتقدم، ويتأخر من شاء أن يتأخر عن: (ركب الإمام المهدي ع)، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾. وهذا واضح فكل إنسان يحاسب على عمله ﴿إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ﴾، وهؤلاء مستثنون من الحساب وهم: (المقربون وهم أصحاب اليماني الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي ع)، يدخلون الجنة بغير حساب. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾([294]). ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (عَنِ الْمُجْرِمِينَ( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين﴾ أي لم نك من الموالين لولي الله، وخليفته ووصي الإمام المهدي ع والمهدي الأول (اليماني الموعود)، فاليماني (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار) فحسبي الله، ونعم الوكيل. لقد أبتلي أمير المؤمنين علي ع بمعاوية بن هند (لعنه الله)، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، وقد أبتليت اليوم كما ابتلي أبي (علي بن أبي طالب ع)، ولكن بسبعين معاوية (لعنه الله)، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون. والله ما أبقى رسول الله ص، وآبائي الأئمة ص شيئاً من أمري إلا بينوه، فوصفوني بدقة، وسموني، وبينوا مسكني ، فلم يبق لبس في أمري، ولا شبهة في حالي، بعد هذا البيان. وأمري أبين من شمس في رابعة النهار وأني أول المهديين واليماني الموعود. المتشابهات: ج4 ص43 -الملحق رقم (3): احتجاج الرسول ص على المشركين روى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج، احتجاج النبي ص على جماعة من المشركين. عن أبي محمد الحسن العسكري (عليهما السلام) أنه قال: (قلت لأبي علي بن محمد ع: هل كان رسول الله ص يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم ؟ قال: بلى مراراً كثيرة، منها ما حكى الله من قولهم: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ إلى قوله: ﴿رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾، وقالوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾. وقوله (: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً﴾ إلى قوله: ﴿كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ﴾، ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبياً كموسى أنزلت علينا كسفاً من السماء ونزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك، لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى ع. قال: وذلك أن رسول الله ص كان قاعداً ذات يوم بمكة بفناء الكعبة، إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري ابن هشام وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي أمية المخزومي، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله ص في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر. قال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي: أنا إلى ذلك، أفما ترضاني له قرناً حسيباً ومجادلاً كفياً ؟ قال أبو جهل: بلى، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي، فقال: يا محمد، لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالاً هائلاً، زعمت أنك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده، ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا، ما أنت يا محمد إلا رجل مسحوراً ولست بنبي. فقال رسول الله ص: هل بقي من كلامك شيء ؟ قال: بلى، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالاً وأحسنه حالاً، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولاً على رجل من القريتين عظيم أما الوليد بن المغيرة بمكة وأمّا عروة بن مسعود الثقفي بالطائف. فقال رسول الله ص: هل بقي من كلامك شيء يا عبد الله ؟ فقال: بلى، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه، فإنها ذات أحجار وعروة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها وتجرى فيها العيون، فإننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيراً، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً فإنك قلت لنا: ﴿وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ﴾ فلعلنا نقول ذلك. ثم قال: أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى، وأنك قلت لنا: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ( أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾. ثم قال: أو ترقى في السماء أي تصعد في السماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقالة أنه من عندي، ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا. فقال رسول الله ص: يا عبد الله، أبقي شيء من كلامك ؟ قال: يا محمد، أوليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ، ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة وأتنا بما سألناك به. فقال رسول الله ص: اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك، فأنزل الله عليه: يا محمد ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ إلى قوله: ﴿رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾، ثم قال الله تعالى: ﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ ثم قال: يا محمد ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾، وأنزل عليه: يا محمد ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ الآية، وأنزل الله عليه: يا محمد ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾. فقال له رسول الله ص: يا عبد الله، أما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولاً فإنما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف، ألا ترى أن الله كيف أفقر بعضاً وأغنى بعضاً وأعز بعضاً وأذل بعضاً وأصح بعضاً وأسقم بعضاً وشرف بعضاً ووضع بعضاً، وكلهم ممن يأكل الطعام، ثم ليس للفقراء أن يقولوا "لم أفقرتنا وأغنيتهم" ولا للوضعاء أن يقولوا "لم وضعتنا وشرفتهم" ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا "لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم" ولا للأذلاء أن يقولوا "لم أذللتنا وأعززتهم" ولا لقباح الصور أن يقولوا "لم قبحتنا وجملتهم" بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين، ولكان جوابه لهم: أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي، فإن سلمتم كنتم عباداً مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين. ثم أنزل الله عليه: يا محمد ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ يعني آكل الطعام ﴿يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة [دونكم]. ثم قال رسول الله ص: وأما قولك "هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده" فإن الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود. يا عبد الله، إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ، أو ما ترى الملوك إذا احتجوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون. يا عبد الله، إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون على قتله ولا منعه في رسالاته، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلاً وأسراً، ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم. ثم قال رسول الله ص: وأما قولك لي: "لو كنت نبياً لكان معك ملك صدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنما يبعث ملكاً لا بشراً مثلنا" فالملك لا تشاهده حواسكم؛ لأنه من جنس هذا الهواء لأعيان منه، ولو شاهدتموه - بأن يزاد في قوى أبصاركم - لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر؛ لأنه إنما كان يظهر لكم صورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق، بل إنما بعث الله بشرا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما [تعجزون عنه و] يعجز عنه [جميع] البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزاً، ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز؛ لأن لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدمياً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً، فإن الله ( سهل عليكم الأمر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه. ثم قال رسول الله ص: وأما قولك "ما أنت إلاّ رجل مسحور" فكيف أكون كذلك وقد تعلمون أني في صحة التميز والعقل فوقكم، فهل جربتم علي منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خزية أو زلة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأي، أتظنون أن رجلاً يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته، وذلك ما قال الله ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها. ثم قال رسول الله ص: وأما قولك" لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة [بن مسعود الثقفي] بالطائف"، فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافراً به مخالفاً له شربة ماء وليس قسمة الله إليك، بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه وليس هو ( ممن يخاف أحد كما تخافه أنت لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحداً محبة الهواء كما تحب أنت فتقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته بالعدل، فلا يؤثر إلا بالعدل لأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الأفضل في طاعته والأجد في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطأ عن طاعته، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب، فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلاً؛ لأنه تفضل قبله بنعمه. ألا تري يا عبد الله كيف أغني واحداً وقبح صورته، وكيف حسن صورة واحد وأفقره، وكيف شرف واحداً وأفقره، وكيف أغنى واحداً ووضعه. ثم ليس لهذا الغني أن يقول "هلا أضيف إلى يساري جمال فلان" ولا للجميل أن يقول "هلا أضيف إلى جمالي مال فلان"، ولا للشريف أن يقول "هلا أضيف إلى شرفي مال فلان" ولا للوضيع أن يقول "هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان"، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾. قال الله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾، يا محمد ﴿َحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فأحوجنا بعضاً إلى بعض، أحوج هذا إلى مال ذلك، وأحوج ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته. فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجاً إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته. ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير، ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع على رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني. ثم قال الله: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً﴾ ثم قال: يا محمد قل لهم ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا. ثم قال رسول الله ص: وأما قولك "لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً" إلى آخر قلته، فإنك قد اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوته ورسول الله ص يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك، وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها، فإنما اقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون، ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص، ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه. فأما قولك يا عبد الله "لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه فإنها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون" فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله. يا عبد الله، أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبيا ؟ قال: لا. قال رسول الله: أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال: بلى. قال: وهل لك في هذا نظراء ؟ قال: بلى. قال: فصرت أنت وهم بذلك أنبياء ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته، فما هو إلا كقولك: لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض كما يمشي الناس أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس. وأما قولك يا عبد الله "أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الأنهار خلالها تفجيراً" أوليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيراً، أفصرتم أنبياء بهذا ؟ قال: لا. قال: فما بال اقتراحكم على رسول الله ص أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيها على كذبه؛ لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا. ثم قال رسول الله ص: يا عبد الله، وأما قولك "أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً" فإنك قلت وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم، فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم، فإنما تريد بهذا من رسول الله ص أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده؛ لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه، والله ( طبيبكم لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال. ثم قال رسول الله ص: وهل رأيت يا عبد الله طبيباً كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم، وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضى والله طبيبكم، فإن انقدتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم. وبعد فمتى رأيت يا عبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه، إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولاحق، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق. ثم قال رسول الله: يا عبد الله، وأما قولك "أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم" فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به، وأن ربنا ( ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئاً حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئاً ولا عن أحد. يا عبد الله، أوليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها ؟ قال: بلى. قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال: بسفراء. قال: أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال: لا. قال: فما الذي يجب على سفرائك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم ؟ قال: بلى. قال: يا عبد الله، أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال لك قم معي فإنهم قد اقترحوا على مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفاً وتقول له إنما أنت رسول لا مشير ولا آمر ؟ قال: بلى. قال: فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم، وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى ربه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك، هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله. وأما قولك يا عبد الله "أو يكون لك بيت من زخرف - وهو الذهب - " أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف ؟ قال: بلى. قال: أفصار بذلك نبياً ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب لمحمد ص نبوة لو كان له بيوت، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله. وأما قولك يا عبد الله "أو ترقى في السماء" ثم قلت "ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه" يا عبد الله، الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت "حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه من بعد ذلك ثم لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك" فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلا تأديبه لك على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية، وقد أنزل الله عليّ حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته فقال (: "قل" يا محمد ﴿سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز، وهل كنت إلا بشراً رسولاً لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه. فقال أبو جهل: يا محمد، هاهنا واحدة ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة ؟ قال: بلى. قال: فلو كنت نبياً لاحترقنا نحن أيضاً، فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى؛ لأنهم كما زعمت قالوا: ﴿أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً﴾ ونحن نقول: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً نعاينهم. فقال رسول الله ص: يا أبا جهل، أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي. "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين" قوي الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين، فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه: يا إبراهيم، اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا يضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا مهيمن علي ولا عبادي، وعبادي معي بين خلال ثلاث: إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين وأتأني بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي، وإن لم يكن هذا ولا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي. يا إبراهيم، خل بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك، وخل بيني وبين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري. ثم قال رسول الله ص: يا أبا جهل، إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة عكرمة ابنك، وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله ورسوله فيه كان عند الله جليلا وإلا فالعذاب نازل عليك، وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا إنما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة، فهو لا يقطعه عن تلك السعادة ولا يبخل بها عليه، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلى السعادة، ولولا ذلك لنزل العذاب بكافتكم. فانظر إلى السماء، فنظر فإذا أبوابها مفتحة وإذا النيران نازلة منها مسامتة لرؤوس القوم تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم، فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة، فقال رسول الله ص: لاتروعنكم، فإن الله لا يهلككم بها وإنما أظهرها عبرة. ثم نظروا إلى السماء وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها، فقال رسول الله ص: إن بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد، وبعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن وهم يؤمنون).الاحتجاج: ج1 ص26. * * * -الملحق رقم (4): رواية عن تفسير القمي جاء في تفسير القمي: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر ع، قال: (سألته عن تفسير هذه الآية، فقال: بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية فجاءهم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام، فبعث الله الثالث فدخل المدينة، فقال: أرشدوني إلى باب الملك، قال: فلما وقف على باب الملك، قال: أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الأرض وقد أحببت أن أعبد إله الملك فأبلغوا كلامه الملك، فقال: أدخلوه إلى بيت الآلهة، فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه، فقال: بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالحذق أفلا رفقتما، ثم قال لهما: لا تقران بمعرفتي ثم أدخل على الملك، فقال له الملك: بلغني أنك كنت تعبد إلهي فلم أزل وأنت أخي فاسألني حاجتك، قال: ما لي حاجة أيها الملك ولكن رأيت رجلين في بيت الآلهة فما بالهما ؟ قال الملك: هذان رجلان آتياني ببطلان ديني ويدعواني إلى إله سماوي، فقال: أيها الملك، فمناظرة جميلة فإن يكن الحق لهما اتبعناهما وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا، فكان لهما ما لنا وما عليهما ما علينا. قال: فبعث الملك إليهما فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما: ما الذي جئتما به ؟ قالا: جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والأرض ويخلق في الأرحام ما يشاء ويصور كيف يشاء وأنبت الأشجار والأثمار وأنزل القطر من السماء. قال: فقال لهما: أإلهكما هذا الذي تدعوان إليه والى عبادته إن جئنا بأعمى يقدر أن يرده صحيحاً ؟ قالا: إن سألناه أن يفعل فعل إن شاء، قال: أيها الملك، عليّ بأعمى لم يبصر قط، قال: فأتي به، فقال لهما: ادعوا إلهكما أن يرد بصر هذا، فقاما وصليا ركعتين فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء، فقال: أيها الملك، علي بأعمى آخر، قال: فأتي به، قال: فسجد سجدة ثم رفع رأسه فإذا الأعمى الآخر بصير، فقال: أيها الملك، حجة بحجة علي بمقعد، فأتي به، فقال لهما مثل ذلك فصليا ودعوا الله فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه وقام يمشي، فقال: أيها الملك، علي بمقعد آخر فأتي به فصنع به كما صنع أول مرة فانطلق المقعد، فقال: أيها الملك، قد أوتينا بحجتين وأتينا بمثله ولكن بقي شيء واحد فإن هما فعلاه دخلت معهما في دينهما، ثم قال: أيها الملك، بلغني أنه كان للملك ابن واحد ومات فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا أيضاً معك، ثم قال لهما: قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما فيحييه، قال فخرا إلى الأرض ساجدين لله وأطالا السجود ثم رفعا رأسيهما وقالا للملك: ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله، قال: فخرج الناس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب، قال: فأتي به الملك فعرف أنه ابنه، فقال له: ما حالك يا بني ؟ قال: كنت ميتاً فرأيت رجلين من بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه أن يحييني فأحياني، قال: تعرفهما إذا رأيتهما ؟ قال: نعم، قال: فأخرج الناس جملة إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه: انظر، فيقول: لا، لا. ثم مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير، فقال: هذا أحدهما، وأشار بيده إليه ثم مروا أيضاً بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر فقال: وهذا الآخر، قال: فقال النبي صاحب الرجلين: أما أنا فقد آمنت بإلهكما وعلمت أن ما جئتما به هو الحق، قال: فقال الملك: وأنا أيضاً آمنت بإلهكما ذلك وآمن أهل مملكته كلهم). تفسير القمي: ج2 ص212 – 214. * * * -الملحق رقم (5): رواية علي بن مهزيار روى الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة ص465-470: حدثنا أبو الحسن علي بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ص، قال: وجدت في كتاب أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أحمد الطوال، عن أبيه، عن الحسن بن - علي الطبري، عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن مهزيار، قال: سمعت أبي يقول: سمعت جدي علي بن إبراهيم بن مهزيار، يقول: كنت نائماً في مرقدي إذ رأيت في ما يرى النائم قائلاً يقول لي: حج، فإنك تلقى صاحب زمانك. قال علي ابن إبراهيم: فانتبهت وأنا فرح مسرور، فما زلت في الصلاة حتى انفجر عمود الصبح وفرغت من صلاتي وخرجت أسأل عن الحاج فوجدت فرقة تريد الخروج، فبادرت مع أول من خرج، فما زلت كذلك حتى خرجوا وخرجت بخروجهم أريد الكوفة، فلما وافيتها نزلت عن راحلتي وسلمت متاعي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن آل أبي محمد ع، فما زلت كذلك فلم أجد أثراً، ولا سمعت خبراً، وخرجت في أول من خرج أريد المدينة، فلما دخلتها لم أتمالك أن نزلت عن راحلتي وسلمت رحلي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن الخبر وأقفوا الأثر، فلا خبراً سمعت، ولا أثراً وجدت، فلم أزل كذلك إلى أن نفر الناس إلى مكة، وخرجت مع من خرج، حتى وافيت مكة، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت أسأل عن آل أبي محمد ع فلم أسمع خبراً ولا وجدت أثراً، فما زلت بين الإياس والرجاء متفكراً في أمري وعائباً على نفسي، وقد جن الليل. فقلت: أرقب إلى أن يخلو لي وجه الكعبة لأطوف بها وأسأل الله ( أن يعرفني أملي فيها، فبينما أنا كذلك وقد خلالي وجه الكعبة إذ قمت إلى الطواف، فإذا أنا بفتى مليح الوجه، طيب الرائحة، متزر ببردة، متشح بأخرى، وقد عطف بردائه على عاتقه فرعته، فالتفت إلي فقال: ممن الرجل ؟ فقلت: من الأهواز، فقال: أتعرف بها ابن الخصيب! فقلت: رحمه الله دعي فأجاب، فقال: رحمه الله لقد كان بالنهار صائماً وبالليل قائماً وللقرآن تالياً ولنا موالياً، فقال: أتعرف بها علي بن إبراهيم بن مهزيار ؟ فقلت: أنا علي، فقال: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن. أتعرف الصريحين ؟ قلت: نعم، قال: ومن هما ؟ قلت: محمد وموسى. ثم قال: ما فعلت العلامة التي بينك وبين أبي محمد ع ؟ فقلت: معي، فقال: أخرجها إلي، فأخرجتها إليه خاتماً حسناً على فصه "محمد وعلي" فلما رأى ذلك بكى (ملياً ورن شجياً، فأقبل يبكي بكاء) طويلاً وهو يقول: رحمك الله يا أبا محمد، فلقد كنت إماماً عادلاً، ابن أئمة وأبا إمام، أسكنك الله الفردوس الأعلى مع آبائك ص. ثم قال: يا أبا الحسن، صر إلى رحلك وكن على أهبة من كفايتك حتى إذا ذهب الثلث من الليل وبقي الثلثان فالحق بنا فإنك ترى مناك (إن شاء الله). قال ابن مهزيار: فصرت إلى رحلي أطيل التفكر حتى إذا هجم الوقت، فقمت إلى رحلي وأصلحته، وقدمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتى لحقت الشعب فإذا أنا بالفتى هناك يقول: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن طوبى لك فقد أذن لك، فسار وسرت بسيره حتى جاز بي عرفات ومنى، وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف، فقال لي: يا أبا الحسن، أنزل وخذ في أهبة الصلاة، فنزل ونزلت حتى فرغ وفرغت، ثم قال لي: خذ في صلاة الفجر وأوجز، فأوجزت فيها وسلم وعفر وجهه في التراب، ثم ركب وأمرني بالركوب فركبت، ثم سار وسرت بسيره حتى علا الذروة فقال: ألمح هل ترى شيئاً ؟ فلمحت فرأيت بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقلت: يا سيدي، أرى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقال لي: هل ترى في أعلاها شيئاً ؟ فلمحت فإذا أنا بكثيب من رمل فوق بيت من شعر يتوقد نوراً، فقال لي: هل رأيت شيئاً ؟ فقلت: أرى كذا وكذا، فقال لي: يا ابن مهزيار، طب نفساً وقر عيناً فإن هناك أمل كل مؤمل، ثم قال لي: انطلق بنا، فسار وسرت حتى صار في أسفل الذروة. ثم قال: انزل، فههنا يذل لك كل صعب، فنزل ونزلت حتى قال لي: يا ابن مهزيار، خل عن زمام الراحلة، فقلت: على من أخلفها وليس ههنا أحد ؟ فقال: إن هذا حرم لا يدخله إلا ولي، ولا يخرج منه إلا ولي، فخليت عن الراحلة، فسار وسرت فلما دنا من الخباء سبقني وقال لي: قف هناك إلى أن يؤذن لك، فما كان إلا هنيئة فخرج إليّ وهو يقول: طوبى لك قد أعطيت سؤلك، قال: فدخلت عليه صلوات الله عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم أحمر متكئ على مسورة أديم، فسلمت عليه ورد عليّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر، لا بالخرق ولا بالبزق، ولا بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللاصق، ممدود القامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أدعج العينين، أقنى الأنف سهل الخدين، على خده الأيمن خال. فلما أن بصرت به حار عقلي في نعته وصفته، فقال لي: (يا ابن مهزيار، كيف خلفت إخوانك في العراق ؟) قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان فقال: (قاتلهم الله أنى يؤفكون، كأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً)، فقلت: متى يكون ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال: (إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لاخلاق لهم والله ورسوله منهم براء، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نوراً، ويخرج السروسي من إرمينية وأذربيجان يريد وراء الري الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر، لزيق جبل طالقان، فيكون بينه وبين المروزي وقعة صيلمانية، يشيب فيها الصغير، ويهرم منها الكبير، ويظهر القتل بينهما. فعندها توقعوا خروجه إلى الزوراء، فلا يلبث بها حتى يوافي بآهات، ثم يوافي واسط العراق، فيقيم بها سنة أو دونها، ثم يخرج إلى كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغري وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون بوار الفئتين، وعلى الله حصاد الباقين). ثم تلا قوله تعالى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾، فقلت: سيدي يا ابن رسول الله، ما الأمر ؟ قال: (نحن أمر الله وجنوده)، قلت: سيدي يا ابن رسول الله حان الوقت ؟ قال: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾. * * *
Footers

[1] - غيبة النعماني: ص337، بحار الأنوار: ج52 ص366.

[2] - مختصر بصائر الدرجات: ص179، بحار الأنوار: ج53 ص3، إلزام الناصب: ج2 ص221.

[3] - قال (: (طوبى لمن لا يعثر بي) خطابه لطلبة الحوزات العلمية.

[4] - البقرة:30 – 34.

[5] - لسان العرب: ج9 ص83.

[6] - لسان العرب: ج9 ص83.

[7] - تعليقة على معالم الأصول للسيد علي الموسوي القزويني: ج2 ص249.

[8] - ولكي يتضح الأمر بصورة أوضح للقارئ الكريم أقول: إنّ اسم الفاعل يدل على الاستمرار التجددي، قال العلامة الطباطبائي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ غافر: 3. الإتيان بصيغة اسم الفاعل في (غافر الذنب وقابل التوب) - لعله - للدلالة على الاستمرار التجددي فإنّ المغفرة وقبول التوب من صفاته الفعلية ولا يزال تعالى يغفر الذنب ثم يغفر ويقبل التوب ثم يقبل . تفسير الميزان: ج17 ص303.

أي: هو دائم الغفران، وقابل التوبة دائماً.

فكذا يقال بالنسبة لجاعل،أي: إنّ الجعل مستمر ولا ينقطع.

وقد عُلل ذلك في القرآن بقوله تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ النساء: 165.

فبما أنّ الإرسال مستمر فلا حجة للناس على الله سبحانه بحيث يقولوا: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى﴾ طه: 134.

والغريب في الأمر أن الآية المتقدمة من سورة النساء على الرغم من وضوح دلالتها على استمرار الإرسال إلاّ أن أبناء العامة جعلوها دالة على ختم الإرسال، فقلبوا معنى الآية، فأصبح هكذا (لئلا يكون لله على الناس حجة بعد الرسل)، ومن هنا قالوا بعدم وجود الحجج بعد الرسل والأنبياء، وهذا أمر واضح البطلان.

وكذلك يقال بالنسبة لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ الأنعام: 95.

فـ [مخرج] أيضاً اسم فاعل لكن ليس على وزن غافر، فإنّ [غافر] اسم فاعل متكون من ثلاث حروف، و[مخرج] اسم فاعل متكون من أكثر من ثلاثة أحرف، فمن هنا اختلفا في الميزان والصيغة التي يأتي عليها اسم الفاعل الثلاثي - أي المتكون من ثلاثة أحرف - والصيغة الأخرى التي يأتي عليها أسم الفاعل الرباعي - أي المتكون من أربعة أحرف - .

لكن الاثنان يدلان على الاستمرار والتجدد، فـ [مخرج] اسم فاعل يدل على الاستمرار، أي أن نظام ظهور الحي من الميت وظهور الميت من الحي نظام دائم وعام في عالم الخلق.

فكذلك الأمر يقال بالنسبة لـ [جاعل]، فهو اسم فاعل دال على تجدد الجعل للخليفة الإلهي في كل زمان، ومن هنا قال أمير المؤمنين (: (اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة. إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص37.

وعن زياد العطار، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (إنّ الأرض لا تكون إلاّ وفيها حجة، إنه لا يصلح الناس إلاّ ذلك، ولا يصلح الأرض إلاّ ذلك) المحاسن: ج1 ص234.

وعن النعمان الرازي، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (لما انقضت نبوة آدم وانقطع أكله أوحى الله إليه: يا آدم، إنه قد انقضت نبوتك وانقطع أكلك فانظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد ما بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر) المحاسن: ج1 ص235.

وعن أبي جعفر (، قال: (لن تخلو الأرض من رجل يعرف الحق فإذا زاد الناس فيه قال: قد زادوا، وإذا نقصوا عنه قال: قد نقصوا، وإذا جاءوا به صدقهم، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يعرف الحق من الباطل) المحاسن: ج1 ص235.

[9] - تفسير التبيان: ج1 ص131.

[10] - تفسير الميزان: ج1 ص115.

[11] - عقائد السنة وعقائد الشيعة التقارب والتباعد لصالح الورداني: ص120.

[12] - البقرة: 31.

[13] - البقرة: 247.

[14] - آل عمران:33 – 34.

[15] - عوالي اللئالي: ج4 ص59، منية المريد: ص101، بحار الأنوار: ج2 ص25. وفي كنز العمال: رحمة الله على خلفائي. قيل: ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال: (الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس) ج10 ص229.

[16] - حديث الثقلين حديث مشهور، وقد رواه الكثير من علماء العامة وبصيغ مختلفة، فممن رواه: المقريزي في إمتاع الإسماع:ج5 ص378، والقندوزي في ينابيع المودة: ج1 ص109، الحاكم في المستدرك: ج3 ص110، الهيثمي في مجمع الزوائد: ج9 ص164، الطبراني في المعجم الكبير: ج3 ص66، وغيرها.

[17] - الكافي: ج1 ص312، الإرشاد: ج2 ص249، كشف الغمة: ج3 ص64.

[18] - قصص الأنبياء للجزائري: ص65.

[19] - الكافي: ج8 ص114، علل الشرائع: ج1 ص195، كمال الدين: ص214.

[20] - المائدة: 67.

[21] - الكافي: ج1 ص278، مختصر بصائر الدرجات: ص490، بحار الأنوار: ج23 ص70.

[22] - الكافي: ج1 ص278، تفسير نور الثقلين: ج3 ص442، قصص الأنبياء للجزائري: ص430.

[23] - كمال الدين: ص247.

[24] - معاني الأخبار: ص136.

[25] - الاقتصاد: ص194.

[26] - رسائل المرتضى: ج2 ص368.

[27] - الرعد: 8.

[28] - فاطر: 22.

[29] - عقائد الإمامية: ص66.

[30] - بصائر الدرجات: ص 491.

[31] - بحار الأنوار: ج52 ص224.

[32] - بحار الأنوار: ج52 ص223.

[33] - الكافي: ج1 ص373، الإمامة والتبصرة: ص136، مناقب آل أبي طالب: ج1 ص221، بحارالأنوار: ج25 ص112.

[34] - شرح أصول الكافي: ج6 ص346.

[35] - بصائر الدرجات: ص522، الكافي: ج1 ص348، الإمامة والتبصرة: ص62، بحار الأنوار: ج46 ص112.

[36] - شرح أصول الكافي: ج6 ص290.

[37] - من لا يحضره الفقيه: ج4 ص542، بحار الأنوار: ج47 ص261، تاريخ آل زرارة: ص87، اختيار معرفة الرجال: ج2 ص525، معجم رجال الحديث: ج11 ص154.

[38] - قال الشيخ الطوسي: (الفطحية: فرقة من الشيعة قالوا بإمامة علي أمير المؤمنين ( والأئمة من بعده إلى جعفر بن محمد /، ثم اعتقدوا إمامة عبد الله بن جعفر (، وتعللوا في ذلك بأنه كان أكبر ولد أبيه ( وأن أباه قال: الإمامة لا يكون إلاّ في الأكبر من ولد الإمام. وسمّوا بالفطحية؛ لأنّ عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين ـ أي عريضهما ـ أو كان أفطح الرأس، ... ، مع أنّ عبد الله بن جعفر ( مات بعد أبيه ( بسبعين أو تسعين يوماً) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص542.

[39] - بحار الأنوار: ج49 ص75. ومن أراد الاستفادة أكثر فليرجع الملحق رقم (1) يجد فيه احتجاج الإمام الرضا ( كاملاً.

[40] - النازعات: 24.

[41] - كمال الدين: ص26.

[42] - الإسراء: 9.

[43] - معاني الأخبار: ص123، بحار الأنوار: ج25 ص194.

[44] - الأعراف: 155.

[45] - البقرة: 55.

[46] - كمال الدين: ص461، دلائل الإمامة: ص515، بحار الأنوار: ص96.

[47] - إلى هنا يشير ( إلى مسألة النص على الخليفة التي تقدّمت في الأمر الأول، في الحلقة السابقة.

[48] - البقرة: 31.

[49] - هذا النص للسيد أحمد الحسن اليماني ( جاء في خطبة صلاة الجمعة العالمية لأنصار الإمام المهدي(، بتاريخ:21/ 3/ 2008 م.

[50] - الدر النظيم: ص501، العدد القوية: ص51.

[51] - البقرة: 31.

[52] - البقرة: 32.

[53] - البقرة: 247.

[54] - البقرة: 251.

[55] - الأنبياء: 74.

[56] - البقرة: 129.

[57] - البقرة: 151.

[58] - آل عمران: 48.

[59] - آل عمران: 164.

[60] - النساء: 54.

[61] - بصائر الدرجات: ص56.

[62] - النساء: 113.

[63] - المائدة:110 .

[64] - الجمعة: 2.

[65] - ص:20.

[66] - البقرة: 269.

[67] - بصائر الدرجات: ص229، بحار الأنوار: ج11 ص68.

[68] - الكافي: ج1 ص230، بصائر الدرجات: ص228، مستدرك سفينة البحار: ج2 ص257.

[69] - بحار الأنوار: ج11 ص68، مستدرك سفينة البحار: ج2 ص257.

[70] - مختصر بصائر الدرجات: ص117، بحار الأنوار: ج52 ص336، مستدرك سفينة البحار: ج2 ص257.

وربما يقال: إنّ الروايات مضطربة، فتارة تقول ثلاثاً وسبعون حرفاً، وأخرى تقول: سبعاً وعشرين حرفاً.

أقول: لقد بين قائم آل محمد السيد أحمد الحسن ( في كتابه التوحيد أنّ الثلاث وسبعين حرفاً إنما هي باطن الثمانية وعشرين حرفاً في مرتبة الذات، أو الإسم الأعظم الأعظم.(التوحيد: ص16 مقدمة الكتاب).

[71] - بصائر الدرجات: ص328، مستدرك سفينة البحار: ج2 ص256.

[72] - مناقب ابن شهر آشوب: ج1 ص315، مستدرك سفينة البحار: ج2 ص256.

[73] - بحار الأنوار: ج25 ص385، مستدرك سفينة البحار: ج7 ص341.

[74] - إلزام الناصب: ج2 ص209.

[75] - مكيال المكارم: ج1 ص86.

[76] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص182.

[77] - قال ابن أبي الحديد المعتزلي: (وقد روت العامة والخاصة قوله /: (أقضاكم علي)، والقضاء هو الفقه ، فهو إذا أفقههم . وروى الكل أيضاً أنه ( قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضيا: (اللهم اهد قلبه وثبت لسانه. قال: فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين) وهو ( الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر، وهو الذي أفتى في الحامل الزانية، وهو الذي قال في المنبرية: صار ثمنها تسعاً. وهذه المسألة لو فكر الفرضي فيها فكراً طويلاً لاستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب، فما ظنك بمن قاله بديهة، واقتضبه ارتجالاً. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص18. وقال عمر ـ كما يروي ابن عبد البر في الاستيعاب: ج3 ص1103ـ (أقضانا علي).

[78] - روى ابن عبد البر بسنده: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن، وقال في المجنونة التي أمر برجمها وفى التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها فقال له علي: (إن الله تعالى يقول وحملة وفصاله ثلاثون شهرا) الحديث. وقال له: (إن الله رفع القلم عن المجنون) الحديث. فكان عمر يقول: لولا على لهلك عمر. الاستيعاب: ج3 ص1102، ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي: عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس، وكلاهما أخذ عن علي (. أما ابن عباس فظاهر، وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وقوله غير مرة: (لولا على لهلك عمر)، وقوله: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) شرح نهج البلاغة: لابن أبي الحديد: ج1 ص18.

[79] - البقرة: 30. جاء هذا النص في خطبة الجمعة العالمية للسيد أحمد الحسن التي كانت بتاريخ:21/ 3/ 2008.

[80] - الحجر: 28 – 31.

[81] - آل عمران: 26.

[82] - القصص: 68.

[83] - البقرة: 246.

[84] - المائدة : 44.

[85] - المائدة: 45.

[86] - المائدة: 47.

[87] - الرعد: 7.

[88] - الكافي: ج1 ص191.

[89] - الكافي: ج1 ص191.

[90] - الكافي: ج1 ص191.

[91] - روى أحمد في المسند ج3 ص14:عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله /: (إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من المساء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)، وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص162: عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله /: (إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) رواه أحمد واسناده جيد.

[92] - النساء: 54.

[93] - بصائر الدرجات: ص55.

[94] - بصائر الدرجات: ص55.

[95] - بصائر الدرجات: ص56.

[96] - الكافي: ص533، الخصال: ص480.

[97] - الكافي: ج1 ص532، روضة الواعظين: ص261.

[98] - الكافي: ج8 ص66.

[99] - الأعراف: 155.

[100] - البقرة : 55.

[101] - كذا موجود في المصدر.

[102] - المائدة: 26.

[103] - الأعراف: 155.

[104] - كذا جاء في المصدر، والظاهر أنه تصحيف إلاّ أنّ المعنى يبدو واضحاً من سياق كلامه (رحمه الله). والمقصود: إذا لم يصح اختيار موسى ( ولم يصح اختيار محمد / فكيف يصح اختيار غيرهما الذي هو أدون منهما في المقام وسداد الرأي.

[105] - سعد السعود للسيد ابن طاووس: ص134.

[106] - الاحتجاج : ج2 ص273.

[107] - بصائر الدرجات: ص509، الخصال: ص200، الإمامة والتبصرة: ص137 باختلاف يسير.

[108] - بصائر الدرجات: ص509، الخصال: ص200، الإمامة والتبصرة: ص138.

[109] - الإمامة والتبصرة: ص138.

[110] - الكافي: ج1 ص428، إثبات الهداة: ج1 ص88.

[111] - تفسير العياشي: ج1 ص65، بحار الأنوار: ج52 ص222.

[112] - غيبة الطوسي: ص151.

[113] - روى الشيخ النعماني في كتابه الغيبة رواية طويلة عن الإمام الباقر ( إلى أن قال: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) غيبة النعماني: ص262 – 264. ولقد بيّن السيد أحمد الحسن ( بياناً لهذه الرواية في سؤال وجه إليه، فراجع الملحق رقم (2).

[114] - مستدرك الوسائل: ج4 ص279.

[115] - مستدرك الوسائل: ج4 ص279.

[116] - سهك: السهك: ريح كريهة تجدها من الإنسان إذا عرق، تقول: إنه لسهك الريح، وقد سهك سهكا، وهو سهك. لسان العرب: ج10 ص445.

[117] - راجع الروايات المتقدمة في مستدرك الوسائل: ج4 ص278 – 280، وجامع أحاديث الشيعة: ج15 ص34.

[118] - الزخرف:51 – 52.

[119] - تفسير القمي: ج2 ص285.

[120] - تفسير مجمع البيان: ج9 ص86.

[121] - الجواب المنير: ج3 ص45.

[122] - هي مخترق بين شيئين يصل من خلالها الضوء إلى الداخل.

[123] - غيبة النعماني: ص153، بحار الأنوار: ج51 ص147.

[124] - إلزام الناصب: ج1 ص241.

[125] - القصص: 68.

[126] - الأحزاب:36 .

[127] - الفصول المهمة في أصول الأئمة: ج1 ص384 .

[128] - الأعراف: 155.

[129] - البقرة: 55.

[130] - إثبات الهداة: ج1 ص115.

[131] - الزخرف: 30 – 31.

[132] - وقيل: الرجلان أحدهما المغيرة من مكة، وقيل: الوليد ابنه، وأبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف وقيل: حبيب بن عمر والثقفي من الطائف.

[133] - البقرة: 247.

[134] - الزخرف: 32.

[135] - لاحظ الملحق رقم (3)، حيث أوردت فيه احتجاجاً طويلاً بين رسول الله / وبين مشركي قريش، فيه الإجابات عما تقدّم وغيره بالتفصيل.

[136] - القصص: 68.

[137] - الشورى: 38.

[138] - آل عمران: 159.

[139] - الجواب المنير: ج2ص25 السؤال الخامس عشر.

[140] - الأنبياء: 73.

[141] - السجدة: 24.

[142] - تفسير التبيان: ج3 ص32.

[143] - الاستذكار :ج5 ص 18.

[144] - علل الشرائع: ج1 ص122.

[145] - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الزنجاني): ص379.

[146] - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي): ص495.

[147] - أصل الشيعة وأصولها: ص221.

[148] - الإضاءات: ج2 ص13 إضاءة من المعجزة والعذاب.

[149] - البقرة: 2 – 3.

[150] - يس: 11.

[151] - الملك: 12.

[152] - يونس: 90.

[153] - يونس: 91.

[154] - يونس: 92.

[155] - الأنعام: 9.

[156] - السجدة: 29.

[157] - البقرة: 3.

[158] - الأنبياء: 49.

[159] - فاطر: 18.

[160] - يّـس: 11.

[161] - قّ: 33.

[162] - الحديد: 25.

[163] - الملك: 12. الاضاءات: ج3 ق2 ص28.

[164] - الكافي: ج1 ص341، غيبة النعماني: ص192. ورواه الكليني والنعماني بهذا السند: أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن جعفر بن القاسم، عن محمد بن الوليد الخزاز، عن الوليد بن عقبة، عن الحارث بن زياد، عن شعيب، عن أبي حمزة.

[165] - الإمامة والتبصرة: ص138.

[166] - الجمعة: 2 – 4.

[167] - الدخان: 10 – 16.

[168] - غيبة الشيخ الطوسي: ص436.

[169] - الإسراء: 15.

[170] - من لا يحضره الفقيه: ج2 ص588، تهذيب الأحكام: ج6 ص25، مصباح الكفعمي: ص474، فرحة الغري: ص107، بحار الأنوار: ج97 ص148، المزار للمفيد : ص77 وص104، باختلاف مع وجود نفس العبارة محل الشاهد، وأعني: (الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل)، وجاء هذا التعبير باختلاف يسير عن أمير المؤمنين وهو يعلم الناس الصلاة على النبي /، حيث قال: (الخاتم لما سبق والفاتح لما انغلق) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص120، و بحار الأنوار: ج74 ص297.كما جاءت هذه العبارة في المزار للمشهدي: ص57 وجاءت العبارة الأولى في نفس الكتاب ص264.

[171] - كامل الزيارات: ص368 ، المزار للشهيد الأول: ص37.

[172] - ينابيع المودّة: ج3 ص206، إلزام الناصب: ج2 ص157، نفحات الأزهار: ج12 ص80.

[173] - يّـس: 13 – 14.

[174] - راجع الملحق رقم (3).

[175] - التبيان: ج8 ص448.

[176] - الأنبياء: 27

[177] - الكافي: ج8 ص85، طب الأئمة: ص40، بحار الأنوار: ج92 ص8.

[178] - قال عيسى (: (وأما الآن فأنا ماضي للذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي، ولكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم لكن أقول لكم الحق إنه خير لكم أن انطلق؛ لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أُرسله إليكم ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطيئة وعلى بر وعلى دينونة، أما على خطيئة فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين) إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر.

فينص عيسى ( بأنّه سيرسل المعزّي لهم، والمقصود بالمعزّي هو القائم (.

[179] - عصر الظهور: ص147.

[180] - رواه النعماني بهذا السند: وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسن بن حازم من كتابه، قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الله بن جبلة، عن إبراهيم بن المستنير، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن الإمام الصادق (. وعلق عليه بقوله: ولو لم يكن يروى في الغيبة إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية لمن تأمله. غيبة النعماني: ص176.

[181] - غيبة الشيخ الطوسي: ص161.

[182] - الإرشاد للمفيد: ص250، بشارة الإسلام: ص158.

[183] - إقبال الأعمال: ج3 ص116، بحار الأنوار: ج52 ص269، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص477.

[184] - كمال الدين وتمام النعمة: ص318، ورواها بهذا السند: حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثني حمدان بن منصور، عن سعد بن محمد، عن عيسى الخشاب، قال: قلت للحسين بن علي (عليهما السلام).

[185] - كمال الدين: ص411.

[186] - إلزام الناصب: ج2 ص209.

[187] - غيبة النعماني: ص178.

[188] - غيبة النعماني: ص179.

[189] - غيبة النعماني: ص223. رواها بهذا السند: حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدثنا عبد الله بن حماد الأنصاري، قال: حدثنا عبد الله بن بكير، عن حمران بن أعين.

[190] - لتتميم الفائدة تجد الرواية كاملة في الملحق رقم (5).

[191] - ألبان: شجر معتدل القوام لين.

[192] - صلت الجبين: أي الجبين الواسع الأبيض الواضح.لسان العرب: ج2 ص53.

[193] - غيبة الطوسي: 265.

[194] - غيبة الطوسي: ص266.

[195] - بحار الأنوار: ج51 ص44، أعيان الشيعة: ج2 ص44.

[196] - بحار الأنوار: ج52 ص34، إلزام الناصب: ج1 ص419.

[197] - الكافي: ج1 ص443.

[198] - بحار الأنوار: ج51 ص131.

[199] - كمال الدين: ص468.

[200] - كمال الدين: ص468.

[201] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[202] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[203] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[204] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[205] - الخصال: ص598.

[206] - كمال الدين: ص411.

[207] - أعيان الشيعة: ج2 ص44.

[208] - الغيبة للنعماني: ص215.

[209] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[210] - (عريض ما بين المنكبين) صفة تصدق على الإمام المهدي ( أيضاً كما تبينه روايات كثيرة، فليس كل رواية فيها هذه الصفة تنصرف إلى المهدي الأول ( ... بل يعرف ذلك من خلال القرائن الموجودة في متن الرواية.

[211] - إلزام الناصب: ج1 ص418.

[212] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[213] - إلزام الناصب: ج1 ص417.

[214] - دلائل الامامة: ص441.

[215] - الكافي: ج1 ص535، بحار الأنوار: ج52 ص119.

[216] - شرح أصول الكافي: ج7 ص383.

[217] - غيبة النعماني: ص163.

[218] - إقبال الأعمال: ج1 ص121.

[219] - غيبة النعماني: ص168.

[220] - الغيبة للشيخ الطوسي: ص165، الاختصاص للشيخ المفيد: ص209، نهج السعادة: ج7 ص464، مكيال المكارم: ج1 ص113.

[221] - وقد روى الشيخ الطوسي في ص336 من الغيبة بهذا المتن: عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين ( فوجدته متفكراً ينكت في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط، ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون).

وروى هذه الرواية الخصيبي في الهداية بهذا المتن: عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخلت على أمير المؤمنين ( فوجدته مفكرا ينكت في الأرض، قلت: يا مولاي، مالي أراك مفكراً ؟ قال: في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي وهو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، يكون له غيبة يضل بها أقواماً ويهدي بها آخرين، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ماذا ؟ قال: يفعل الله ما يشاء، من الرجعة البيضاء والكرة الزهراء، وإحضار الأنفس الشح والقصاص والأخذ بالحق والمجازاة بكل ما سلف ثم يغفر الله لمن يشاء) الهداية الكبرى: ص362.

كما ورواها في دلائل الإمامة بهذا المتن: عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فوجدته مفكراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكراً تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟ فقال: لا والله، ما رغبت في الدنيا قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر، هو المهدي، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها قوم، ويهتدي بها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون تلك الحيرة، وتلك الغيبة ؟ قال (: وأنى لك ذلك، وكيف لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ ! أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة) دلائل الامامة: ص529.

[222] - كمال الدين: ص327.

[223] - القواعد الفقهية: ج1 ص494.

[224] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص246.

[225] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 هامش ص246.

[226] - بحار الأنوار: ج51 ص32.

[227] - الكافي: ج1 ص333، كمال الدين: ص648، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص238.

[228] - الكافي: ج1 ص333، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص238.

[229] - كمال الدين: ص333، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص241.

[230] - كمال الدين: ص383، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص242.

[231] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص243.

[232] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص238.

[233] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص241.

[234]  كمال الدين: ص369.

[235] - بحار الأنوار: ج51 ص32.

[236] - كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص429.

[237] - كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص132.

[238] - غيبة النعماني: ص73.

[239] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص240.

[240] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص240.

[241] - كمال الدين: ص482.

[242] - كمال الدين: ص483.

[243] - غيبة النعماني: ص300.

[244] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص243.

[245] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص243.

[246] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص243.

[247] - إعلام الورى: ج2 ص253.

[248] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص244.

[249] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص245.

[250] - كمال الدين وتمام النعمة: ص653 .

[251] - اليماني حجة الله: ص80.

[252] - الإمامة والتبصرة: ص119.

[253] - كمال الدين: ص286.

[254] - كمال الدين: ص411.

[255] - كمال الدين: ص318، ورواها بهذا السند: حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثني حمدان بن منصور، عن سعد بن محمد، عن عيسى الخشاب قال: قلت للحسين بن علي (عليهما السلام).

[256] - غيبة النعماني: ص178.

[257] - غيبة النعماني: ص179.

[258] - إلزام الناصب: ج2 ص209.

[259] - غيبة النعماني: ص308.

[260] - غيبة النعماني: ص308.

[261] - بحار الأنوار: ج91 ص2.

[262] - الرد الودود في إثبات نجمة نبي الله داود للشيخ جهاد الأسدي: ص1.

[263] - الجواب المنير: ج2 ص86.

[264] - آل عمران: 68.

[265] - المتشابهات: ج1 ص123.

[266] - كمال الدين: ص527.

[267] - الغيبة للطوسي: ص266.

[268] - ماذا قال علي عن آخر الزمان : ص385. ويشير ( لقوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ الإسراء:4 – 5.

[269] - بحار الأنوار: ج39 ص243.

[270] - بحار الأنوار: ج83 ص62 .

[271] - راجع ما كتبه الأستاذ أحمد حطاب في كتابه طالع المشرق ودابة الأرض.

[272] - الزمر: 6.

[273] - المتشابهات: ج4 ص110.

[274] - مريم: 59.

[275] - راجع بحار الأنوار: ج1 ص1.

[276] - راجع بحار الأنوار: ج22 ص1.

[277] - غيبة النعماني: ص264.

[278] - آل عمران: 34.

[279] - تفسير العياشي: ج1 ص44، البرهان: ج1 ص95.

[280] - بشارة الإسلام: ص30.

[281] - بحار الأنوار: ج53 ص147، والغيبة للطوسي: ص150، غاية المرام: ج2 ص241.

[282] - بحار الأنوار: ج53 ص148، البرهان: ج3 ص310، الغيبة للطوسي: ص385.

[283] - بحار الأنوار: ج53 ص145.

[284] - غيبة النعماني: ص215.

[285] - بشارة الإسلام: ص148.

[286] - بشارة الإسلام: ص181.

[287] - كمال الدين : ج2 ص653.

[288] - منتخب الأنوار المضيئة: ص343.

[289] - الملاحم والفتن للسيد بن طاووس الحسني: ص27.

[290] - الملاحم والفتن: ص80.

[291] - كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص299 .

[292] - بحار الأنوار: ج52 ص53 .

[293] - المدثر.

[294] - الواقعة: 88 – 89.