Subjects

-الإهداء

-المقدمة

-كلمة قبل البدء

-مقدمتان

-المقدمة الأولى: النهي عن تكذيب الروايات وإسقاطها

-المقدمة الثانية: تحديد المنهج المتبع

الحوار القصصي

-الحلقة الأولى: عمر وحزبه يرفض وصية رسول الله محمد ص

-الحلقة الثانية: توضيح لفظي اليماني والسفياني

-الحلقة الثالثة: في توضيح لفظي المهدي والقائم

-الحلقة الرابعة: اتحاد لفظ القائم والمهدي واليماني في شخص واحد

-الحلقة الخامسة: دراسة رواية اليماني

-الحلقة السادسة: اليماني عصاحب الرايات المشرقية

-الحلقة السابعة: صاحب الأمر هو القائم

-الحلقة الثامنة: ذرية الإمام المهدي ع

-الحلقة التاسعة: تمهيد لذكر روايات المهديين ص

-الحلقة العاشرة: في بيان روايات المهديين ص


Text

إصدارات أنصار الإمام المهـدي ع / العدد (94) حـوار قصصي مبسط في الدعوة اليمانية المباركة ( القسم الأول ) الشيخ عبد العالي المنصوري الطبعة الأولى 1431 هـ - 2010 م لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن ع يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي : www.almahdyoon.org -الإهداء إلى علة الوجود، الذي لولاه لما خلق الله الأفلاك، محمد بن عبد الله ص. إلى سيد الموحدين، ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين، علي بن أبي طالب ع. إلى سيدة نساء العالمين، قرينة أمير المؤمنين، فاطمة الزهراء ص. إلى سيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسن عليهما السلام. إلى الذرية الطاهرة، وسادة الخلق من الأولين والآخرين، علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي ص. إلى صاحب الوصيات الحافظ لما استودع محمد بن الحسن المهدي ع. وإلى ولده مجمع البحرين، وصاحب الراية السوداء، والعبد الحكيم ؛ الإمام أحمد الحسن اليمانيع . أقدّم هذا الجهد المتواضع والبضاعة المزجاة راجياً من كرمهم التفضل عليّ بالقبول. -المقدمـة الحمد لله الأول قبل الإنشاء والآخر بعد فناء الأشياء، العليم الذي لا ينسى من ذكره، ولا ينقص من شكره، ولا يخيب من دعاه، ولا يقطع رجاء من رجاه. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، ونبي الرحمة محمد وعلى آله الأئمة والمهديين، مصابيح الدجى والعروة الوثقى. أجد نفسي عاجزاً عن شكر نعم الله تعالى وتوفيقه، أن جعلني أكتب شيئاً بسيطاً يساهم في نصرة ولي الله سيدي ومولاي قائم آل محمد ص واليماني الموعود أحمد الحسن ع. وفي الحقيقة أجد ذلك توفيقاً عظيماً ليس باستحقاق منّي، بل الله تعالى ألطافه بعباده لا تنتهي، ويفيض عطائه على عباده بلا استحقاق منهم، ويعطي الكثير بالقليل، فسبحانه من رب رحيم كلت الألسن عن أداء شكره، وتحضرني هنا كلمات مولاي زين العابدين ع في مناجاة المتوسلين: (إلهي ليس لي وسيلة إليك إلاّ عواطف رأفتك، ولا لي ذريعة إليك إلاّ عوارف رحمتك وشفاعة نبيك، نبي الرحمة، ومنقذ الأمة من الغمة فاجعلهما لي سببا إلى نيل غفرانك، وصيرهما لي وصلة إلى الفوز برضوانك، وقد حل رجائي بحرم كرمك، وحط طمعي بفناء جودك، فحقق فيك أملي، واختم بالخير عملي، واجعلني من صفوتك الذين أحللتهم بحبوحة جنتك، وبوأتهم دار كرامتك، وأقررت أعينهم بالنظر إليك يوم لقائك، وأورثتهم منازل الصدق في جوارك. يا من لا يفد الوافدون على أكرم منه، ولا يجد القاصدون أرحم منه، يا خير من خلا به وحيد، ويا أعطف من آوى إليه طريد. إلى سعة عفوك مددت يدي، وبذيل كرمك أعلقت كفي، فلا تولني الحرمان، ولا تبلني بالخيبة والخسران، يا سميع الدعاء يا أرحم الراحمين). وبعد: فغير خفي على أهل البصائر أنّ البشرية اليوم تمر بمنحدر خطير، وهاوية عميقة، وفتن مظلمة، لا يكاد ينجو منها إلاّ من جعل الثقلين هاديان له في مسيرته، واتبع كلمات آل محمد ص، وجعلها هي الميزان لقبوله الحقائق ونفيها، لأنهم تكفلوا العاقبة الحسنة والفوز والنجاة لمن اتبع كلماتهم. يقول الإمام الصادق ع: (تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم) ([1]) أي: كفيل. وفي هذا الوقت الذي أصبح القرآن والعترة منفيين طريدين لا يؤيهما مؤٍ، جاء آل محمد ص الذين تزعم الأمة أنها تنتظر قدوم قائمهم ع بشوق ولهفة، ولكن ما إن جاءوهم كذبوهم واتهموهم كما أتهم الأنبياء السابقين أقوامهم، بل وحاربوهم. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ﴾([2]). ﴿فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([3]). ﴿فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾([4]). ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً﴾([5]). ﴿فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾([6]). ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([7]). ومن المؤسف جدّاً أن تحذوا هذه الأمة حذوا من كان قبلها حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل، مع وضوح الدليل وقيام الحجة، وتنكرّت هذه الأمة لكل الحجج والأدلة كما تنكرّت الأمم السابقة. وتمسكت بالشبهات وجعلتها عاذراً لسقطاتها وتبريراً لعدم إتباعها الحق الواضح الجلي لداعي الله أحمد الحسن اليماني الموعود ع، الذي لم يتركوا آل محمد ص شيئاً راجعاً لتحديد شخصيته إلاّ وضحوّه، ونصّوا عليه بنصوص متعددة، وببيان متعدد، مما يزيل كل الشبهات عن معالم شخصيته المباركة، تارة بقانون معرفة الحجة، من الوصية والعلم وراية البيعة لله، وأخرى بالنص عليه باسمه، وأخرى ببيان صفاته الجسدية، وغير ذلك مما يجده القارئ في هذا الحوار المفترض. يقول يماني آل محمد السيد أحمد الحسن ع: (والله ما أبقى رسول الله ص، وآبائي الأئمة ص شيئاً من أمري إلا بيّنوه، فوصفوني بدقة، وسمّوني، وبيّنوا مسكني، فلم يبق لبس في أمري، ولا شبهة في حالي، بعد هذا البيان. وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وأني: أول المهديين واليماني الموعود). ولكن شاءت الحكمة أن يُكذّب الرجل من أهل الطينة الخبيثة. قال الإمام الصادق ع وهو يحكي امتحان الأمة في زمن نبي الله نوح ع، في حديث طويل إلى أن يقول: (وكذلك القائم فإنه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم ع) ([8]). وهكذا ابتلي اليماني ع اليوم بقوم يجعلون أصابعهم في آذانهم ويهربوا ممن يريد نجاتهم، ويتبعون من أغواه الشيطان وجعله آله بيده يغوي بها عباد الله تعالى، كما ابتلى جدّه علياً ع من قبل. ولقد أشار إلى ذلك السيد أحمد الحسن ع بقوله: (لقد ابتلي أمير المؤمنين علي ع بمعاوية بن هند (لعنه الله)، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، وقد ابتليت اليوم كما ابتلي أبي علي بن أبي طالب ع، ولكن بسبعين معاوية (لعنه الله)، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون) ([9]). وهكذا ابتلي صاحب الراية السوداء ع بأصنام تتأول عليه القرآن، وتصد الناس عن الإيمان، كالفراعنة في كل عصر وزمان. ولقد كتب أنصار الإمام المهدي ع وفقهم الله جميعاً كتباً تبين للأمة أحقية داعي الله أحمد الحسن ع وكونه القائم واليماني الموعود، في شتى المجالات، فارتأيت أن أكتب حواراً قصصياً مفترضاً بين أبٍ وأبنائه، وحافظت على صفوة الأبوة للأب، وبينت أسماء الأولاد وهم ثلاثة: واثق وهو أكبرهم، ثم محمود، ثم أحمد. فجاء القسم الأول من ذلك الحوار في ضمن حلقات عشرة، وسيأتي بعده القسم الثاني إن شاء الله تعالى. وأسأل من الكريم سبحانه أن يجعل هذا الكتاب البسيط مساهماً في بيان دعوة الحق المباركة، ويكون من بين تلك الكتب التي ساهمت في كشف الحقيقة للناس. وبعد هذا أجدني قاصراً ولا أجد لفظاً أستطيع أن أشكر الله تعالى به على هذه النعمة التي يخرس لساني عن وصفها. كما وأعتذر من سيدي ومولاي يماني آل محمد ص من تقصيري بين يديه. وأساله تعالى أن يحفظه روحي فداه و يمكّن له في الأرض وينجز له وعده إنه لا يخلف الميعاد. ولا أنسى أن أشكر إخوتي الأنصار الذين كتبوا في بيان دعوة الحق، مما سهّل عليّ الكثير في كتابة هذا الحوار، فأسأله تعالى أن يحفظهم ويرعاهم ويسدد خطاهم. والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته * * * -كلمة قبل البدء: لكي تفلح الأمة لابد لها من الرجوع إلى حجج الله سبحانه الذين نصبهم أدلاء على طاعته، وتتنجنب التخرّصات التي فرضتها العلوم الغريبة عن الدين والتي لا تمت إليه بصلة، مما أدى إلى انقلاب الموازين واختلافها من حال إلى حال، وكأن الله سبحانه جعلهم قوّاماً على دينه، فينظّرون لهذا الدين ويجعلون القواعد الغريبة الموروثة من اليونان باباً لفهم دين الله سبحانه، بل يقيمون كلام الثقلين بهذه الموازين التي تعد نتاج الذهن البشري القاصر عن إدراك العلل والحكم من التشريعات الإلهية، مما أدى إلى استغنائهم عن الثقلين، فبقوا حيارى في المقدمات التي ادعوا توقف فهم الدين عليها، ولم يلجوا حقيقة الدين المتقوّم بالثقلين، فأصبح الثقلان مهجورين لا يُعرف منهما إلاّ الاسم والرسم. ولعمري لهو التيه الذي كان يراه أمير المؤمنين ع من نافذة الغيب، والذي وصفه بقوله: (.....، لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [بن عمران] ع ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل) ([10]). ولعل الله سبحانه وتعالى يفتح على نفوس عبادة، ويرجعوا إلى أصالتهم وفطرتهم وكلمات سادات الخلق محمد وآله الكرام عليهم أفضل التحية والسلام، بعد ذلك الهجران الطويل إرتأيت أن أسطّر خطبة من خطب أمير المؤمنين ع علها ينتفع بها أهلها في بداية هذا البحث البسيط. قال ع: (إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله تعالى ورسوله ص، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه، وليس في العباد ولا في البلاد شيء هو أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر وليس فيها فاحشة أنكر ولا عقوبة أنكى من الهدى عند الضلال، في ذلك الزمان فقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته حتى تمالت بهم الأهواء وتوارثوا ذلك من الآباء وعملوا بتحريف الكتاب كذباً وتكذيباً فباعوه بالبخس وكانوا فيه من الزاهدين، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يأويهما مؤو، فحبذا ذانك الصاحبان واهاً لهما ولما يعملان له، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم ومعهم وليسوا معهم وذلك لإن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا، وقد اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، قد ولوا أمرهم وأمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر والمنكر والرشا والقتل كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، لم يبق عندهم من الحق إلاّ اسمه ولم يعرفوا من الكتاب إلاّ خطه وزبره، يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالساً حتى يخرج من الدين ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون وإن كيده متين بالأمل والرجاء حتى توالدوا في المعصية ودانوا بالجور والكتاب، لم يضرب عن شيء منه صفحاً ضلالاً تائهين، قد دانوا بغير دين الله عز وجل وأدانوا لغير الله. مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة، خربة من الهدى [قد بدل فيها من الهدى] فقراؤها وعمارها أخائب خلق الله وخليقته، من عندهم جرت الضلالة وإليهم تعود، فحضور مساجدهم والمشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى عامرة من الضلالة، قد بدلت سنة الله وتعديت حدوده ولا يدعون إلى الهدى ولا يقسمون الفيء ولا يوفون بذمة. يدعون القتيل منهم على ذلك شهيداً قد أتوا الله بالافتراء والجحود واستغنوا بالجهل عن العلم ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة وسموا صدقهم على الله فرية وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة وقد بعث الله عز وجل إليكم رسولاً من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنزل عليه كتاباً عزيزاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، قرآناً عربياً غير ذي عوج لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فلا يلهينكم الأمل ولا يطولن عليكم الأجل، فإنما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم وتغطية الآجال عنهم حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة وترفع عنه التوبة وتحل معه القارعة والنقمة، وقد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد وفصل لكم القول وعلمكم السنة وشرح لكم المناهج ليزيح العلة، وحثّ على الذكر ودل على النجاة وإنه من انتصح لله واتخذ قوله دليلاً هداه للتي هي أقوم ووفقه للرشاد وسدده ويسره للحسنى، فإن جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مغرور، فاحترسوا من الله عز وجل بكثرة الذكر واخشوا منه بالتقى وتقربوا إليه بالطاعة فإنه قريب مجيب. قال الله عز وجل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾([11])، فاستجيبوا لله وآمنوا به وعظموا الله الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا له، وعز الذين يعلمون ما جلال الله أن يذلوا له، وسلامة الذين يعلمون ما قدره الله أن يستسلموا له، فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة ولا يضلون بعد الهدى، فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب والبارئ من ذي السقم. واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ولم تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، ولن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله وعلى رسوله والتحريف لكتابه ورأيتم كيف هدى الله من هدى فلا يجهلنكم الذين لا يعلمون. إن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله وبصر به عماه وسمع به صممه وأدرك به علم ما فات وحيي به بعد إذ مات وأثبت عند الله عز ذكره الحسنات ومحى به السيئات وأدرك به رضواناً من الله تبارك وتعالى، فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم وهم عيش العلم وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم وصمتهم عن منطقهم وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق، فهم من شأنهم شهداء بالحق ومخبر صادق لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، قد خلت لهم من الله السابقة ومضى فيهم من الله عز وجل حكم صادق وفي ذلك ذكرى للذاكرين، فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية، فإن رواة الكتاب كثير ورعاته قليل والله المستعان) ([12]). فطوبى لمن جعل كلام سادة الخلق ميزانه، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. * * * -مقدمتان -المقدمة الأولى: النهي عن تكذيب الروايات وإسقاطها من الأمور التي أكد عليها آل محمد ص، بشتى الألفاظ مسألة تكذيب الأحاديث الواردة عنهم ص. عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن حمزة بن بزيع، عن علي السائي، عن أبي الحسن ع أنه كتب إليه في رسالة: (ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلنا، وعلى أي وجه وصفة) ([13]). وعن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر ع، قال: سمعته يقول: (أما والله إنّ أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه، اشمأز منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، و إلينا أسند، فيكون بذلك خارجا من ولايتنا) ([14]). وعن سفيان بن السمط، قال: قلت لأبي عبد الله ع: جعلت فداك، إنّ الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر، فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه، قال: فقال أبو عبد اللهع: (أليس عني يحدثكم ؟) قال: قلت: بلى، قال: (فيقول لليل: إنه نهار، وللنهار: إنه ليل ؟) قال: فقلت له: لا، قال: فقال: (رده إلينا، فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا) ([15]). قال النبي ص: (من رد حديثا بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة، فإذا بلغكم عني حديث لم تعرفوا فقولوا: الله أعلم) ([16]). والسر في ذلك - كما بينوه ص - بأنّ لكلامهم سبعين وجهاً. روى الصفار في بصائر الدرجات: حدثنا محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل، عن أيوب أخي أديم، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله ع، قال: (قال إني أتكلم على سبعين وجهاً لي من كلها المخرج) ([17]). وروى أيضاً: حدثنا عبد الله، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن علي بن أبي حمزة، قال: دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله ع فبينا نحن قعود إذ تكلم أبو عبد الله ع بحرف، فقلت أنا في نفسي: هذا مما أحمله إلى الشيعة هذا والله حديث لم أسمع مثله قط، قال: فنظر في وجهي، ثم قال: (إني لأتكلم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجهاً إن شئت أخذت كذا وإن شئت أخذت كذا) ([18]). وروى أيضاً: حدثنا محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله ع، قال: (إنّا لنتكلم بالكلمة بها سبعون وجها لنا من كلها المخرج) ([19]). حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول عن أبي عبد الله ع: (قال أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا إنّ كلامنا لينصرف على سبعين وجهاً) ([20]). وغيرها من الروايات التي تبين هذه الحقيقة. وبطبيعة الحال لا يستطيع الإنسان مهما بلغ أن يعرف جميع تلك الوجوه، إذ لو أمكن لأحد الوصول إلى كل هذه الوجوه لما احتجنا إلى العترة الطاهرة، وبالتالي يلزم لغوية كلام النبي ص - وحاشاه -؛ لأنه جعل الهداية بالتمسك بالقرآن والعترة، وجعلهما العاصمين من الضلال، فلو يمكن الوصول لأحد بدون العترة لما وجدت ضرورة لجعل العترة الثقل الثاني. ومن هنا خصهم الله بعلم القرآن وتأويله وتفسيره، وغير ذلك. قال الله (: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾([21]). عن أبي جعفر ع: (نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله) ([22]). وعن أبي عبد الله ع، قال: (الراسخون في العلم أمير المؤمنين ع والأئمة من ولده بعده ص) ([23]). وعن أبي جعفر في قوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾([24])، قال: (هم الأئمة المعصومون ص) ([25]). عن هرول بن حمزة، عن أبي عبد الله ع، قال: سمعته يقول: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ قال: هم الأئمة خاصة) ([26]). عن شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله ع، قال: كنت عند أبي عبد الله ع إذ دخل عليه غلام كندة فاستفتاه في مسألة فأفتاه فيها، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة فدخلت على أبي حنيفة، فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله ع، فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة إني كنت العام حاجاً فأتيت أبا عبد الله ع مسلماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته. فقال: وما يعلم جعفر بن محمد أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي، فقلت في نفسي: والله لأحجن ولو حبواً، قال: فكنت في طلب حجة فجاءتني حجة فحججت فأتيت أبا عبد الله ع فحكيت له الكلام فضحك، ثم قال: عليه لعنة الله، أمّا في قوله: إني رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف إبراهيم وموسى، فقلت له: ومن له بمثل تلك الصحف ؟ قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه فقال للغلام: انظر من ذا ؟ فرجع الغلام فقال: أبو حنيفة. قال: أدخله، فدخل فسلم على أبي عبد الله ع فرد ع، ثم قال: أصلحك الله، أتأذن لي في القعود، فأقبل على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت إليه. ثم قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه، فجلس أبو حنيفة من غير إذنه، فلما علم أنه قد جلس التفت إليه فقال: أين أبو حنيفة ؟ فقال: هو ذا أصلحك الله، فقال: أنت فقيه أهل العراق ؟ قال: نعم. قال: فبما تفتيهم ؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه، قال: يا أبا حنيفة، تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال: نعم، قال: يا أبا حنيفة، ولقد إدعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلاّ عند الخاص من ذرية نبينا ص، وما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول - ولست كما تقول - فأخبرني عن قول الله ع: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾ أين ذلك من الأرض ؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله ع إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون ؟ قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة، أخبرني عن قول الله ع: ﴿مَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ أين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال: أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها ؟ قال: فسكت، ثم قال: يا أبا حنيفة، إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع ؟ فقال: أصلحك الله، أقيس وأعمل فيه برأيي. قال: يا أبا حنيفة، إنّ أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فسكت أبو حنيفة. فقال: يا أبا حنيفة، أيّما أرجس البول أو الجنابة ؟ فقال: البول. فقال: الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول، فسكت، فقال: يا أبا حنيفة، أيهما أفضل الصلاة أم الصوم ؟ قال الصلاة. فقال: فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؟ فسكت ....) الحديث ([27]). وجعل الله عز وجل القرآن والعترة لا يفترقان، لتوقف أحدهما على الآخر، كما جعل في كل زمان حجة لله على الخلق وتهديهم إلى صراط الله المستقيم. روى الكليني: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (إنّ الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل) ([28]). وروى أيضاً: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أسامة. وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أسامة وهشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق، عمن يثق به من أصحاب أمير المؤمنين ع، أن أمير المؤمنين ع قال: (اللهم إنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك) ([29]). ولكن الذين في قلوبهم مرض حسدوا آل محمد ص بسبب اختصاصهم بالعلم الإلهي وجعلهم ميزاناً يوزن به الخلق، فمنهم الفاروق في كل زمان يفرق بين الحق والباطل، ويميز الخبيث من الطيب، يقول يماني آل محمد ص في جواب سؤال وجه إليه: (إذا وجدتم حب علي في قلوبكم فاحمدوا الله على أوائل النعم وهي طيب المولد، وما كان ولن يكون عليع مجرد اسم أو شخص جاء إلى هذه الدنيا وعاش بين أهلها قبل أكثر من ألف عام، بل كان ولا يزال وسيبقى علي ع حقاً قارع الباطل، علي ع هو المصداق الأمثل لقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾([30]). فطوبى لمن وجدوا حب علي ع في قلوبهم فنهضوا يحملون الحق المر الثقيل ويقارعون الباطل ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ثم لا يبالون بكثرة عدوهم وعدته، فإنّ أثخنتهم الجراح في طريق ذات الشوكة حمدوا الله سبحانه وهم يتمثلون قوله: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾([31]). فطوبى لمن نذروا أنفسهم لله في سبيل الله فكانوا مع أنبياء الله ورسله ص...). ومن هنا أدخلت الرجال آراءها في حكمتهم اليمانية التي خصهم الله بها، فكانت النتيجة تحريف الدين وإبعاد الناس عن أئمتهم ص، وجعلوا جل اهتمامهم بعلوم لا تؤدي بهم إلاّ لمحاربة كلمات حجج الله وهجرانها، مما جعل الدين عندهم اسماً والقرآن عندهم رسماً. يقول أمير المؤمنين ع: (يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه، مساجدهم يومئذٍ عامرة من البنى خراب من الهدى، سكانها وعمارها شر أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة وإليهم تأوي الخطيئة يردون من شذ عنها فيها، ويسوقون من تأخر عنها إليها، يقول الله تعالى: فبي حلفت لأبعثن على أولئك فتنة أترك الحليم فيها حيران)([32]). وفي هذا الواقع المرير منّ الله على البشر بمنقذ موعود ينتشلهم مما هم فيه من الضياع والحيرة، وإعادتهم إلى فطرتهم، إلاّ أنّ هذه الأمة وقفت - ويا للأسف - كما وقف أسلافها من قبل، وتنكّرت كما تنكّروا، بل قد فاقت هذه الأمة أسلافها من قبل، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. * * * -المقدمة الثانية: تحديد المنهج المتبع مما لا إشكال فيه أنّ كلام آل محمد ص كالقرآن يفسر بعضه بعضاً؛ لأنّ كلامهم ص كلام واحد، ومن هنا توجد قاعدة مقررة عندهم في علم أصول الحديث، هي أنّ الحديث يفسر بعضه بعضاً، وهذه القاعدة نجد الكثير من المحققين يستندون إليها في تفسير الأحاديث المجملة، فيرتفع إجمالها بحديث آخر، يقول محمدي الريشهري: (والنقطة الثانية التي استرعت انتباهي خلال بحوثي هي أنّ القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً، لذلك يستطيع من أحاط بنصوصه كاملة تفسير آياته بعضها ببعض. وكذلك الأمر بالنسبة للأحاديث والروايات..) ([33]). وعندما نقول بأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً لا يعني هذا أن يقال: (حسبنا كتاب الله)، بل من غير الممكن أن يصل أي أحد لهذا النوع من التفسير إلاّ عن طريق آل محمد ص، فهم الذين خصهم الله بعلم القرآن وتفسيره وتأويله ومعرفة محكمه من متشابهه، فهم الذين عندهم علم الكتاب. روى العياشي في تفسيره: عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقه بشدة، قال: رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة، قال: قلت له ولم ذاك ؟ قال: لما كان من هذا الأسود أبا جعفر محمد بن علي بن موسى - أي الإمام الجوادع - اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم، قال: قلت له: وكيف كان ذلك ؟ قال: إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن عليع ، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع ؟ قال: فقلت من الكرسوع ([34])، قال: وما الحجة في ذلك ؟ قال: قلت: لأنّ اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع، لقول الله في التيمم: ﴿فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾، واتفق معي على ذلك قوم. وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك ؟ قالوا: لأنّ الله لما قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ في الغسل دل ذلك على أنّ حد اليد هو المرفق، قال: فالتفت إلى محمد بن علي ع فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني مما تكلموا به أي شيء عندك ؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه، فقال: أمّا إذا أقسمت عليّ بالله إني أقول إنهم أخطئوا فيه السنة، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف. قال: وما الحجة في ذلك ؟ قال: قول رسول الله صالسجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾ وما كان لله لم يقطع. قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. قال ابن أبي داود: قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حياً ....) ([35]). فبالرغم من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً كما فسّر الإمام الجواد ع القصاص بكونه من الأصابع من القرآن لكن لا تصل إليها عقول الرجال، كما روي ذلك. عن المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله ع: (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب الله ع ولكن لا تبلغه عقول الرجال) ([36]). وعن أبي جعفر ع، قال: (ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إنّ الآية ينزل أولها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء) ([37]). ولهذا جاء النهي عن تفسير القرآن بالرأي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: (من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ خر أبعد من السماء) ([38]). وعن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله ع، قال: سئل عن الحكومة فقال: (من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسر آية من كتاب الله فقد كفر) ([39]). والغريب أننا نجد اليوم الاختلاف في الآراء في تفسير القرآن، بل حتى التفسير الخاطئ لا يعتبروه خطأً ويعدون قائله مذنباً، بل يعتبرون الخاطئ له أجر بينما المصيب له أجران؟! وهنا تساوى الشيعة والسنة في هذا القول، فالسنة برّروا أخطاء الصحابة بالاجتهاد، وكذلك الشيعة اليوم، يبررون أخطاء علمائهم في التفسير والفتوى بالاجتهاد، علماً أنّ الاجتهاد نفسه لا دليل عليه!! فكلامهم ص يفسّر بعضه بعضاً، وهذا ما نجده في كثير من الشواهد، وإليكم بعضاً منها: الشاهد الأول: جاء في الحديث: (الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم) ([40]). وجاء في لفظ آخر: (ثلاثة ما كفروا بالله قط: مؤمن آل ياسين، وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون) ([41]). وقد أورد الحافظ السيوطي في الدر المنثور اللفظين المذكورين عن عدّة من المصادر، بتفسير الآية من سورة يس، وأورد قبلهما هذا الحديث، عن ابن عباس، عن النبي ص، قال: (السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب) ([42]). فمما تقدم يستفاد اتحاد المضمون بين الأحاديث وان اختلفت الألفاظ، وعليه فيكون لقب الصديق لعلي بن أبي طالب ع؛ لأنه لم يكفر بالله طرفة عين، ولأنّه السابق إلى رسول الله ص. وأمّا أبو بكر فقد قضى أكثر عمره في الكفر وأسلم بعد خمسين رجل سبقوه، فكيف يلقب بالصديق دون علي ع؟! الشاهد الثاني: حديث الغدير الذي جاء بهذا اللفظ: (من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه)([43]). ورواه الطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بهذا اللفظ: (من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) ([44]). وهذا اللفظ الذي جاء في الحديثين المتقدمين صريح في دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة، ومن خلالهما يعلم المراد من قوله ص: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فيتعين أن يكون المراد من المولى في هذا الحديث عين المراد به في الحديثين الأولين، أي: الولي. لا غيره من المعاني الأخرى التي ذكرت للفظ المولى؛ لأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً. قال السيد علي الميلاني: (هناك قاعدة في علم الحديث يعبرون عنها بقاعدة الحديث يفسر بعضه بعضاً، إنّ الحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضاً، ونحن في هذين اللفظين المذكورين المرويين بسندين صحيحين، نرى أحدهما يقول: (من كنت مولاه فإن علياً مولاه)، والآخر يقول: (من كنت وليه فهذا وليه)، فلو كان هناك إبهام في معنى كلمة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى الولي، ومجيء هذه الكلمة بمعنى الأولى، لو كان هناك إبهام، فإن اللفظ الثاني يفسّر اللفظ الأول. وكم من شواهد من هذا القبيل عندنا في الحديث، هذه الشواهد الكثيرة الصحيحة سندا تأتي مفسرة للفظ المولى لو كان هناك حاجة إلى تفسير هذه الكلمة) ([45]). الشاهد الثالث: قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث عائشة الآتي: (استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله ص فعرف استيذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: اللهم هالة. قالت - أي عائشة -: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها). فقال: (قوله: قد أبدلك الله خيراً منها. قال ابن التين: في سكوت النبي ص على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة، إلاّ أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن. انتهى. قال ابن حجر: ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق أنه ص رد عليها عدم ذلك، بل الواقع أنه صدر منه رد لهذه المقالة. ففي رواية أبي نجيح عن عائشة عند أحمد والطبراني في هذه القصة، قالت عائشة: فقلت: قد أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن، فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير. وهذا يؤيد ما تأوله ابن التين في الخيرية المذكورة. والحديث يفسر بعضه بعضاً) ([46]). الشاهد الرابع: روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا وشبك أصابعه وادخل بعضها في بعض؟! فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال ع: الخير كله عند ذلك، يقوم قائمنا فيقدم عليه سبعون فيقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، فيجمع الله الناس على أمر واحد) ([47]). وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله ع ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة فننظر فيها ؟ قال: (لا، أما إنّك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله ع)([48]). وعن أبي عبد الله ع، قال: قال أمير المؤمنين ع: (قال رسول الله ص: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه، يسمعون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([49]). فلو أردنا التعرّف على الذين يكذبون على الله تعالى في الحديث الأول يمكننا ذلك من خلال الحديث الثاني، حيث إنّ الحديث الثاني ينص على أنّ الذين يكذبون على الله هم الذين يفتون برأيهم واستنباطاتهم المبنية على الحدس والتخمين ؛ ولهذا نهى الإمام الصادق ع أبا بصير من ذلك. كما أنّ الحديث الثالث يشرح ويفسر العبارة الأخيرة من الحديث الأول وهي قوله ع: (فيجمع الله الناس على أمر واحد)، فالظاهر إنّ هؤلاء هم سبب الفرقة والفتنة، فبقلتهم تجتمع الناس على أمر واحد، فالحديث يبن أنّ سبب الفرقة والفتنة هم فقهاء آخر الزمان بقوله ع: (فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود). ولقد اعتمدنا هذا النوع من الدراسة في هذا الحوار القصصي، فيشاهد القارئ روايات أهل البيت ص عندما تتعرّض لشخصية اليماني ع، كل رواية أو روايتين أو ثلاثة تبيّن شيئاً من معالم تلك الشخصية، وهكذا تجد روايات أخرى تفسّر المراد من تلك الروايات، فمن هنا نجد الروايات التي تدل على تحديد شخصية المهدي الأول واليماني الموعود ع متنوعة في عناوينها، إلاّ أنّها تدل على شخص واحد طبقاً للمنهج التفسيري الموجود بين روايات أهل البيت ص. وفي الحقيقة إنّ هذا التنوع في العناوين واختلاف ألسن الروايات من جهة، والاتحاد في الدلالة على شخص واحد من جهة أخرى، يعطي قوّة لدليل الدعوة المباركة، إذ من غير الممكن تصور الوضع في هذه الروايات أبداً، وإلاّ لتضاربت فيما بينها على الرغم من كثرتها واختلاف ألسنتها، مضافاً إلى أنّها لم تصدر في زمن واحد، بل في أزمان مختلفة، فمنها ما جاء عن النبي ص، ومنها ما جاء عن الإمام الصادق ع، ومنها ما جاء عن الإمام الرضا ع، وعلى الرغم من ذلك لا تجد فيها تضارباً وتهافتاً، وهذا يدل على حكمة قائلها وكأنها صدرت من شخص واحد، بل حتى الذي يصدر من شخص واحد تراه قد يتناقض في كثير من الأحيان، إلاّ أن يكون القائل إنساناً غير عاديّاً، بل معصوماً فلا يمكن تصور التناقض في كلامه مع كلام غيره ممن تقدمه من المعصومين ص، كما لا يُتصور التناقض في كلامه نفسه. فطريقة البيان في روايات الدعوة اليمانية المباركة تجعل المنصف يقطع بأنها صادرة عن آل محمد ص، بل لا يمكن لغيرهم أن يبيّن الحق بهذا الشكل الواضح في عين إرادتهم إخفاء هذا الكنز العظيم لحين مجيء صاحبه. قال ع: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾([50]). * * * -الحلقة الأولى: عمر وحزبه يرفض وصية رسول الله محمد ص دار حوار بين واثق وأخويه محمود وأحمد وأبيهما، وكان الحوار قد بدأ بسؤال سأله واثق، قائلاً لأبيه: يا والدي دار حوار بيني وبين زملائي في الجامعة عن سبب تشيعي وانتمائي لمذهب الشيعة، وأجبتهم في وقتها وأريد أن أسمع منك يا أبي جواب ذلك السؤال. الأب: نعم يا بني، وكان في ودّي أن أتكلم معكما في موضوع هام جدّاً، وبما أنّك سألتني، فسأجيبك ومن ثم أتكلم في الموضوع الذي أردت التحدّث به معكم. سأبدأ جوابي لك من اختلاف الأمة بعد رسول الله ص ورفضهم لكتابة الوصية، وهذه الحقيقة - رفض وصية النبي ص - بينتها الكثير من الروايات ومن طرق الفريقين، من طرق السنة ومن طرق الشيعة، فقد روى الفريقان ما جرى يوم طلب النبي ص أن يكتب لهم كتاباً لا يضلون من بعده، ورفض القوم لذلك، ولكي تكونا على بصيرة سأنقل لكما بعضاً من تلك الروايات التي تعرضت لذكر الحادثة. روي عن عبد الله بن عباس، قال: (لما اشتد بالنبي ص وجعه، قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي ص غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط. قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين كتابه ..) ([51]). وعن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: (لما حضر رسول الله ص وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي ص: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي ص قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله..) ([52]). وبسند آخر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: (لما حضر رسول الله ص وفي البيت رجال فقال النبي ص: هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال بعضهم: إنّ رسول الله ص قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله..)([53]). وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، أنه قال: (يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله ص وجعه يوم الخمي، فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا هجر رسول الله ص) ([54]). وفي صحيح البخاري: سمع سعيد بن جبير سمع ابن عباس (رضي الله عنهما) يقول: (يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى، قلت: يا ابن عباس ما يوم الخميس، قال: اشتد برسول الله ص وجعه، فقال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه، فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ...) ([55]). وقد روى البخاري في باب مرض النبي ص ووفاته روايتين: عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: (يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله ص وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا فلا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه، فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ..) ([56]). وفي مسند أحمد بن حنبل: عن جابر، أن النبي ص دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده، قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها ([57]). وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر في مادة هجر، ومنه حديث مرض النبي ص: (قالوا ما شأنه أهجر ؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به المرض ؟ وهذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل إخباراً، فيكون إما من الفحش أو الهذيان، والقائل كان عمر، ولا يظن به ذلك) ([58]). الأب: فلقد سمعتم ما قال عمر لرسول الله ص، حيث أتهمه بالهذيان والهجر، وهو ص الذي أمرنا الله بطاعته بنص الكتاب الكريم، فقال: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([59])، وقال: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾([60])، وبين الله تعالى بأن طاعة الرسول من طاعته بقوله تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾([61])، وما ذلك إلاّ أن الله تعالى ائتمنه على دينه، فهو أمين الله على دينه، ولذا قال: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾([62]). فكيف يقال عنه بأنه يهجر ؟! وغلبه الوجع ؟! فعمر يريد أن يقول لا تأخذوا بكلام رسول الله ص؛ لأنه غلبه الوجع!! والحال أنّ القرآن يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([63]). وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾([64])، ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً﴾([65]). وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾([66]). ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾([67]). ومن الواضح يا أبنائي أن هذه الآيات المباركات تنص على حقائق مختلفة لكن نأخذ من جميعها أن الرسول ص أمين على الوحي ويجب طاعته فيما يقول، فكيف لعمر أن يقول: غلبه الوجع، يهجر!! أليس الهجر يتنافى مع صريح الآية التي تأمر بالأخذ بقوله ؟!! فلو كان يهجر في آن ما فكيف يقول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾. ثم لو كان يهجر فكيف يقول عنه الله تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾؟!! فلاحظوا يا أبنائي ظلامة عمر ومن سار على منواله لرسول الله ص. فلقد آلموا قلب النبي ص حتى قال لهم (قوموا عني)، وهو ص المعروف بخلقه السامي حتى أنّه إذا جلس عنده أحد لا يقوم حتى يقوم الذي جلس عنده، وكان لا يترك يد من صافحه حتى يتركها صاحبها يد الرسول ص، وهو الممدوح في القرآن بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾([68])، فمع عظم هذه الأخلاق قال لهم: (قوموا عني) !! فكم كانت المرارة التي يقاسيها منهم !! قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([69]). وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾([70]). واثق: يا لها من مآسي مرّت على النبي ص!! محمود: إنّ الهدف من بعثة الرسل والأنبياء وإنزال الكتب السماوية معرفة الله تعالى وصون الإنسان من الضلال وقوده إلى الهدى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾([71])، ونحن المسلمون ندعو ليلاً ونهاراً ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾([72])، والرسول ص أراد بكتابة الكتاب صيانة الأمة من الضلال، فقال: (أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، فلماذا يقال له ما قيل ؟!! الأب: إن الرسول كان يرى الفتن مقبلة من بعده، ولشفقته على الأمة أراد كتابة تلك الوصية وذلك الكتاب، لكن حال عمر وجماعته دون كتابته في ذلك المجلس، وهذا لا ينافي أنّه كتبها في وقت آخر، فانتبهوا يا أولادي. أحمد: إنّ النبي ص قال: (أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، ومعنى ذلك أنّ الكتاب عاصم من الضلال لمن أخذ به، وكلامك يا أبي يُشعر بأنّ النبي ص كتب وصيته في وقت آخر، فهل كتب الرسول ص الكتاب بعد ذلك أم لا ؟ الأب: نعم يا بُني كتب الكتاب، وهو وصيته التي أوصى بها ليلة وفاته، وسأتكلم لكم عنها في الوقت المناسب. محمود: لأول مرّة أسمع أن النبي ص أوصى قُبيل وفاته ؟!! الأب: نعم يا بُني لقد أوصى ليلة وفاته لعلي بن أبي طالب ع، وأشهد على وصيته ثلاثة أشخاص هم سلمان وأبو ذر والمقداد، وسأتكلم لكم عن هذه الوصية بالتفصيل، وأُجيب عن استغرابكم عندما سمعتموني قلت أنّ الرسول ص أوصى. واثق: يا أبي، كيف يقولون حسبنا كتاب الله وكتاب الله يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾؟ ثم لو كان كتاب الله كافياً فما فائدة أحاديث الرسول ص التي اعتنى بتدوينها الكثير ؟؟ الأب: أحسنت يا واثق ها أنت أجبت عن هذه المقولة بجواب شافي ووافي، فمن هنا جاء حديث الثقلين الذي رواه العام والخاص بألفاظ مختلفة، وهو قول النبي ص: (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تلحقوا بي فيهما) ([73]). فالتمسك بالثقلين معاً هو العاصم من الضلال، ومن قال حسبنا كتاب الله ضل وزاغ عن الصراط الحق، ولذا تجد النبي ص أراد أن يبين للناس أن العصمة من الضلال تكون بأتباع الثقلين معاً. والثقل الأول هو القرآن الكريم كتاب الله تعالى، والثقل الثاني هم عترة النبي ص. والآن اتضحت الإجابة عن سؤالك يا واثق، وهي أنني أصبحت شيعياً؛ لأنّ النبي ص أمرني أن أتبع مذهب أهل البيت ص. وبهذا ننهي كلامنا في هذه الليلة ونلتقي غداً في نفس الوقت. والحمد لله رب العالمين، وأفضل التحية والسلام على خير الأنام محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثانية: توضيح لفظي اليماني والسفياني اجتمع الأب وأولاده بعد العشاء، فابتدأ واثق قائلاً: أبي لقد نقلت مضمون الحوار الذي دار بيينا ليلة البارحة إلى زملائي في الجامعة الذين بعضهم على غير مذهب أهل البيت ص ففرحوا كثيراً، وأصرّوا على مقابلتك والاستفادة أكثر من كلامك، فماذا تقول يا أبتي ؟ الأب: إن شاء الله نجلس إن أراد الله ذلك فيما بعد؛ لأني أريد التحدث معكم بالتحديد لكي أشرح لكم معالم الدعوة اليمانية، ونؤخر اجتماعنا بزملائك إلى وقت آخر؛ لأنّ طبيعة الكلام معهم تختلف عن طبيعة كلامنا بيننا، فأخّر لقائنا بهم إلى وقت آخر. واثق: إن شاء الله أخبرهم بأننا سنلتقي لكن في وقت غير محدد، وأخبرهم في الموعد الذي نلتقي فيه بحسب رأيك يا أبي. الأب: أبدأ كلامي لكم حول الدعوة اليمانية، ببسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. واثق: تفضل يا أبي. الأب: سأذكر لكم روايات فيها أسماء نريد التعرّف عليها في هذه الليلة، فيوجد في تلك الروايات لفظي: (اليماني)، (السفياني). أنتم يا أبنائي هل قرأتم شيئاً عن اليماني ؟ واثق: نعم قرأت وأنّه سيظهر قبل الإمام المهدي ع. محمود: وإني أعرف أنه سيظهر قبل الإمام المهدي ع، وجَعلته الروايات من علامات ظهور الإمام المهدي ع. أحمد: نعم يا أبي، اليماني سيظهر قبل الإمام المهدي ع، وأتذكر أني قرأت روايات في ذلك، وأتمنى أن تعيد بعض تلك الروايات علينا. الأب: نعم، سأعرض عليكم روايات تخص اليماني، لكي تتعرّفوا على كون اليماني يظهر قبل الإمام المهدي ع. الرواية الأولى: عن أبي عبد الله ع قال:(خمس قبل قيام القائم من العلامات: الصيحة، والسفياني، والخسف بالبيداء، وخروج اليماني، وقتل النفس الزكية) ([74]). الرواية الثانية: عن أبي عبد الله ع أنه قال: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم، قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها) ([75]). الرواية الثالثة: عن أبي الحسن الرضا ع أنّه قال: (قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا وهذا) ([76]). الأب: لاحظوا يا أبنائي الرواية الأولى، فهي تبين خمس علامات، وهذه العلامات التي تسمّى بالعلامات المحتومة، أي التي لا بد أن تقع، لكن يمكن أن يحصل البَداء - أي التغيير - في بعض التفاصيل، لكن أصل السفياني من المحتوم، وكذا غيره. ثم أنها تذكر من العلامات الحتمية قبل قيام القائم محمد بن الحسن العسكري ع خروج اليماني، فاليماني يكون خروجه قبل خروج القائم ع. وكذلك يا أحبائي في الرواية الثانية تجدون نفس المعنى، فهي تبين أنّ اليماني من المحتوم الذي يكون قبل الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع. لكن في الرواية الثالثة لم يأتي لفظ المحتوم، وإنما فقط أثبتت أنّ قبل هذا الأمر - أي الظهور للإمام الغائب محمد بن الحسن العسكري ع - السفياني واليماني، وغيرهما، ولا أريد تشويش أذهانكم يا أبنائي في ذكر غيرهما ممن ذكرتهم الرواية. الأب: من فيكم يا أولادي يبين لي جامعاً في كل الروايات الثلاث ؟ أحمد: في جميع الروايات الثلاث يا أبي يوجد سفياني ويماني، أي جبهتين: جبهة الحق، وتتمثل باليماني، وجبهة الباطل، وتتمثل بالسفياني. وكلاهما من المحتوم. الأب: كيف علمت أنّ جبهة الحق يمثلها اليماني، وجبهة الباطل يمثلها السفياني يا أحمد ؟ أحمد: لقد قرأت يا أبي رواية عن الإمام الباقرع يصف فيها الإمام راية اليماني بأنها أهدى راية، ويصف فيها اليماني بأنه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، كما ويصفه فيها بأنه يدعو للإمام المهديع. الأب: أحسنت يا أحمد، وسنتعرّض لهذه الرواية التي ذكرتها في وقتها. بعد ما قاله أخوكم أحمد، هل يوجد عندكم سؤال حول هذه الروايات ؟ محمود: أبي، لماذا سمي ممثل جبهة الباطل سفياني، ولماذا سمي ممثل جبهة الحق يماني ؟ الأب: اليماني إنما لقب بهذا اللقب؛ لأنّه من آل محمد ص، وهم كلهم يمانية؛ لأنّ مكة تابعة لليمن لا للحجاز؛ لأنها في صحراء تهامة، وتهامة من اليمن، فلذا جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي: وقال المدائني: تهامة من اليمن وهو ما أصحر منها إلى حد في باديتها ومكة من تهامة ([77]). وجاء في كتاب إعانة الطالبين للبكري الدمياطي قوله: اليمن، وهي اسم للأرض المنخفضة، ويقابلها نجد، فإن معناه الأرض المرتفعة، واليمن الذي هو إقليم معروف، مشتمل على نجد وتهامة ([78]). وجاء في كتاب كشف القناع: ومكة من تهامة. سميت تهامة من التهم - بفتح التاء والهاء - وهو شدّة الحر، وركود الريح ([79]). فمكة من تهامة، وتهامة من اليمن، ولذا جاء على ألسنة بعضهم قوله: ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، المبعوث من تهامة، المظلل بالغمامة، الخ ([80]). وأنقل لكم يا أبنائي قصة تنفع في المقام رواها الشيخ الكليني في الكافي: عن أبي جعفر ع، قال: (خرج رسول الله ص لعرض الخيل، فمر بقبر أبي أُحيحة، فقال أبو بكر: لعن الله صاحب هذا القبر، فو الله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول الله ص فقال خالد ابنه: بل لعن الله أبا قحافة فو الله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل العدو، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا، فألفى رسول الله ص خطام راحلته على غاربها، ثم قال: إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا فيغضب ولده، ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن: إنّ من أمر هذا الفرس كيت وكيت، فقال رسول الله ص: ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك، فقال: عيينة وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول الله ص حتى ظهر الدم في وجهه، فقال له: فأي الرجال أفضل ؟ فقال عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم ثم يضربون بها قدماً قدماً، فقال رسول الله ص: كذبت، بل رجال أهل اليمن أفضل؛ الإيمان يماني، والحكمة يمانية، ولولا الهجرة لكنت إمرءاً من أهل اليمن) ([81]). ولهذا سمّى العلامة المجلسي كلام أهل البيت ص بـ (الحكمة اليمانية)، فقال في بحار الأنوار: (.....، و مهد أراضي قلوب المؤمنين لبساتين الحكمة اليمانية فدحاها،... الخ) ([82]). ونقل العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن الجزري، فقال: (وقال الجزري: في الحديث الإيمان يمان، والحكمة يمانية، إنما قال ص ذلك؛ لأن الأيمان بدأ من مكة وهي من تهامة، وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يقال: الكعبة اليمانية) ([83]). وعنه ص: (خير الرجال أهل اليمن والإيمان يمان وأنا يماني) ([84]). ومن هنا نعرف أنّ الرسول ص وأهل بيته صكلهم يمانية، بمعنى أنهم يرجعون إلى اليمن، أو قل أصلهم من اليمن وإن ولدوا في أماكن أخرى، فالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع يماني وأن ولد في العراق في مدينة سامراء. وبما أنّ اليماني من أهل هذا البيت ص أعطوه هذه اللقب، أي لقبّوه باليماني؛ لأنّ أصله من اليمن، وهذا لا ينافي أن يكون مولوداً في منطقة أخرى؛ لأنّ اللقب إنّما جاء بلحاظ الأصل، وهو أصله من اليمن. وهذا واضح حتى في كلماتنا فلو سافر أحد إلى أوربا وتزوج ورزقه الله الذرية، فيبقى أبنه عراقياً وإن ولد في بلاد الغرب. ولهذا نشاهد ألقاب أولاد العلماء الذين ولدوا في النجف تابع للقب أبيهم، فمثلاً أولاد السيد الخوئي الذين ولدوا في النجف يلقبون أنفسهم بـ (الخوئي)، وربما هم لا يعرفون أين تقع مدينة أبيهم. وقد ورد في كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي، عن شريح بن عبيد، عن كعب، قال: (ما المهدي إلاّ من قريش، وما الخلافة إلاّ فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن) ([85]). فماذا تقولون يا أولادي، فهل وصلتكم الفكرة ؟ واثق: نعم يا أبي، لكن المفهوم عرفاً من لفظ اليماني أنّه من اليمن، فكيف يكون من البصرة كما سمعت منك في بعض حديثك معنا ؟ الأب: لو سلمت معك يا واثق أن المفهوم عرفاً ذلك، لكن إذا جاء النص وفسر اللفظ بخلاف المفهوم العرفي هل نأخذ به أم لا ؟ واثق: نأخذ به يا والدي، إذ المدار هو النص. الأب: التفت يا ولدي، هناك خلاف بين السنة والشيعة في مسألة خمس الغنيمة، فقال السنة الغنيمة هي ما حازه العسكر في الحرب، إذ هذا هو المفهوم عرفاً من لفظ الغنيمة. لكن الشيعة فسّروا الغنيمة بمطلق الفائدة التي يحصل عليها الإنسان، وجعلوا واحداً من مصاديق لفظ الغنيمة هي غنيمة الحرب. السؤال: لماذا فسّر الشيعة لفظ الغنيمة بذلك ؟ الجواب: هو أنّ أهل البيت ص فسّروا الغنيمة بمطلق الفائدة، ولذا ذهب الشيعة إلى خلاف المفهوم العرفي من لفظ الغنيمة بسبب النص، وفي محل كلامنا كذلك، إذ النص المتقدّم يبيّن المراد فيقول: (ما المهدي إلاّ من قريش، وما الخلافة إلاّ فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن). ففسّر لنا النص بأنّ المهدي من قريش لكن له أصل في اليمن. واثق: لكن يا أبي بما أننا سمعنا منك أنّ لفظ المهدي يطلق على شخصين، فلعله المقصود هنا الإمام المنتظر المهدي ع لا اليماني ؟ الأب: لنفرض أنّ المراد بالمهدي هنا الإمام محمد بن الحسن ع، لكن الإمام ولد في العراق في مدينة سامراء، فما معنى هذه الرواية إذن ؟ فالمهدي محمد بن الحسن ع حتى وأن ولد في العراق لكن له أصل في اليمن، وعليه فاليماني يكون كذلك، أي: حتى وأن ولد في العراق لكن يكون له أصل في اليمن، ولهذا سمي يماني. بل هذا جارٍ في كل الأئمة ص أينما ولدوا فهم يمانيون، لأنّ لهم أصلاً في اليمن. وهناك نقطة أُريد أن أبينها لكم يا أولادي، وهي أنّ لفظ اليماني يُطلق في الروايات ويراد منه غير اليماني الذي عبر عنه الإمام الباقرع بقوله: (الملتوي عليه من أهل النار)، بل تشير إلى يماني آخر، فاليماني متعدّد، فلفظ اليماني تارة يأتي مطلقاً، ومرّة أُخرى يأتي مضافاً إلى مدينة معينه، فإذا جاء مطلقاً فهو يشير إلى اليماني الذي يكون الملتوي عليه من أهل النار، وإذا جاء مضافاً إلى مدينة معينه فليس المقصود به اليماني الذي يكون الملتوي عليه من أهل النار، بل غيره. ونعرف ذلك من خلال تشخص شخصية اليماني عندنا من خلال الروايات، فسيأتي أنّ اليماني وصي الإمام المهدي ع، وهو المهدي الأول ع من المهديين الإثني عشر، كما وسيأتي أنّ أول أنصار الإمام المهدي ع من البصرة، وبما أنه سيثبت عندنا من خلال الروايات أنّ اليماني هو أول المؤمنين بحركة الإمام المهدي ع،كما تنص على ذلك وصية الرسول ص فسيكون من البصرة وليس من اليمن. أحمد: لكن يا أبي لماذا سمّي هؤلاء باليماني ؟ الأب: نسبة لقائدهم، فالنسبة تارة تكون للوطن فيقال لمن يسكن العراق: عراقي، وتارة تكون النسبة للمهنة فيقال لمن عمله الخبز: خباز، وتارة تكون النسبة للعشيرة فيقال لمن ينتمي إلى بني هاشم: هاشمي، وبما أنّ هؤلاء قائدهم اليماني فنسبوا لقائدهم. وسأذكر لكم روايتان بالجمع بينهما يستفاد كون اليماني أكثر من واحد: الرواية الأولى: روى الطوسي في الغيبة عن محمد بن مسلم: (يخرج قبل السفياني مصري ويماني) ([86]). وهذا معناه أنّ اليماني يخرج قبل السفياني، لكن اسمعوا الرواية الثانية: الرواية الثانية: روى الشيخ النعماني في كتابه الغيبة رواية طويلة عن الإمام الباقرع إلى أن قال (...خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه ...) ([87]). فلاحظوا هذه الرواية تقول خروج السفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، فهي تعارض الرواية الأولى التي تقول بخروج مصري ويماني قبل السفياني! في الحقيقة إنّ المراد باليماني في الرواية الأولى ليس نفسه المراد به في الرواية الثانية، وبهذا يرتفع التعارض بين الروايتين. وكذا الأمر نفسه يقال بالنسبة لرواية عبيد بن زرارة، قال: ذكر عند أبي عبد الله السفياني، فقال: (أنى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه في صنعاء) ([88]). أي يخرج في صنعاء اليمن، وهو قبل خروج السفياني كما تُبين الرواية ([89]). وقد علّق الشيخ الكوراني على هذه الرواية قائلاً: (ويحتمل أن يكون هذا الذي يظهر قبل السفياني يمانياً ممهداً لليماني الموعود) ([90]). فتعدد اليماني كما قدّمت لكم يا أبنائي الكرام. أمّا السفياني، فهو رمز لجبهة الباطل التي تقف ضد اليماني وتحاربه، ويشمل عدّة أشخاص، وليس شخصاً واحداً، وهذا ما نجده في روايات أهل البيت ص، وسأنقل لكم بعضاً من هذه الروايات: الرواية الأولى: روي عن الباقر ع في وصف متابعة الزحف المقدّس للإمام المهديع: (ثم يسير - أي القائم - حتى يأتي العذراء، هو ومن معه وقد الحق به ناس كثير، والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة. حتى إذا التقوا يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد، ويخرج أناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني فهم من شيعته حتى يلتقوا بهم، ويخرج كل أناس إلى رايتهم، وهو يوم الأبدال. ويقتل يومئذٍ السفياني ومن معه حتى لا يدرك منهم مخبر. والخائب يومئذٍ من خاب من غنيمة كلب، ثم يقبل إلى الكوفة فيكون منزله فيها) ([91]). الرواية الثانية: في كلام للمفضل مع الإمام الصادق ع، قال المفضل: ثم ماذا يفعل المهدي سيدي ؟ فقال ع: (يثور سرايا على السفياني إلى دمشق، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة...) ([92]). الأب: ماذا فهمتهم من هاتين الروايتين ؟ محمود: فهمت منهما أنّ السفياني يقتل في دمشق الشام. الأب: أحسنت يا محمود ؟ وسأنقل لكم الرواية الثالثة. الرواية الثالثة: عن أبي جعفر ع: (ثم يدخل - أي القائم ع - الكوفة فلا يبقى مؤمن إلاّ كان فيها ...، ثم يقول لأصحابه سيروا إلى هذا الطاغية، فيدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه ص، فيعطيه السفياني من البيعة سلماً، فيقول له كلب وهم أخواله: ما هذا ؟ ما صنعت ؟ والله ما نبايعك على هذا أبداً، فيقول: ما أصنع ؟ فيقولون: استقبله، فيستقبله ثم يقول له القائم صلوات الله عليه: خذ حذرك ... فيمنحهم الله أكتافهم ويأخذ السفياني أسيراً فينطلق به ويذبحه بيده ...) ([93]). الأب: ماذا فهمتم من هذه الرواية ؟ واثق: فهمت أنّ السفياني في الكوفة. الأب: أحسنت يا واثق. وهذا معناه أنّه عندنا أثنين من السفيانيين، أحدهما يقتل في دمشق والآخر يقتل في الكوفة. وسأنقل لكم رواية رابعة. الرواية الرابعة: عن أبي جعفر ع: (إذا بلغ السفياني أنّ القائم قد توجّه إليه من ناحية الكوفة، فيتجرّد بخيله حتى يلقى القائم ع، فيخرج فيقول اخرجوا لي ابن عمي ...) ([94]). الأب: ماذا تفهمون من هذه الرواية يا أبنائي ؟ أحمد: أبي إنّ هذه الرواية تقول إنّ السفياني ابن عم القائم ع، وهذا معناه أنّ السفياني هاشمي. الأب: نعم أحسنت يا أحمد، وسأنقل لكم الرواية الخامسة. الرواية الخامسة: وعن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين ع: صف لي خروج المهدي ع، وعرفني دلائله وعلاماته، فقال: (يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ع، ثم يخرج بعد ذلك) ([95]). الأب: ماذا تفهمون يا أبنائي في هذه الرواية ؟ واثق: الواضح من الرواية أنّ السفياني من ولد عتبة ابن أبي سفيان، وليس هاشمي، أي ابن عم القائم ع كما مرّ في الرواية الرابعة. الأب: نعم أحسنت يا ولدي. محمود: لكن يا أبي لفت نظري شيء في الرواية، وهو قوله ع: (اختفى المهدي ع)، فكيف يختفي المهدي ع والحال أنّ السفياني من علامات ظهور الإمام المهدي ع، ومقتضى ذلك أن يكون السفياني قبل الإمام المهدي ع، بينما الظاهر من هذه الرواية أنّ المهدي ع ظاهراً قبل السفياني ومن ثم يختفي عند ظهور السفياني، لأنّ الرواية تقول: (إذا ظهر السفياني اختفى المهدي ع). ثم كيف يكون كذلك والحال أنّ الروايات التي سمعت بها أو قرأتها تؤكّد أنّ للإمام المهديع غيبتين، الأولى: هي الغيبة الصغرى، وفيها نوّاب الإمام الأربعة، والثانية: هي الغيبة الكبرى وهي ما زالت موجودة لليوم، والإمام ع فيها مخفي ولم يظهر إلاّ الظهور الذي وعد الله به أهل الأرض، وهو الظهور الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً علي يد الإمام المهديع. ومعنى ذلك أنّ للإمام ع غيبتين فقط، لكن ظاهر الرواية التي نقلتها يا أبي أنّ للإمام للمهدي ع ثلاث غيبات وليس اثنين؛ لأنّه سيكون خروج للإمام ع بعد الغيبة الكبرى وعند ظهور السفياني يختفي، وهذا معناه أنّ له غيبة ثالثة. الأب: أحسنت يا محمود، وسأجيبك عن هذا السؤال عندما أتعرّض للفظ المهدي ع الذي ذكرته لكم قبل قليل. ولكن بشيء موجز أقول لك أن هذه الرواية لا تقصد الإمام محمد ابن الحسن العسكري المهدي ع، بل تقصد مهدي آخر سيأتيكم التفصيل حول تحديد شخصيته. وبعد هذا يا أبنائي الأعزاء الرواية السادسة والسابعة لتقارنوا بينهما. الرواية السادسة: عن أمير المؤمنين ع: (وخروج السفياني براية حمراء وأميرها رجل من بني كلب) ([96]). الرواية السابعة: عن أمير المؤمنين ع: (وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب) ([97]). فماذا تفهمون من هاتين الروايتين ؟ أحمد: يُفهم منهما أنّ السفياني ليس واحد؛ لأنّ الرواية السادسة تصف رايته بأنها حمراء، والرواية السابعة تصف رايته بأنها خضراء، وهذا معناه أنهما إثنين راية أحدهما تختلف عن راية الآخر. واثق: لكن يا أبي يوجد احتمال أن تكون الرواية السادسة والسابعة يشيران لشخص واحد. الأب: وما هو يا ولدي ؟ واثق: يحتمل أن كلمة (حمراء) صُحفت وصارت (خضراء)، كما ويحتمل العكس أيضاً. الأب: التفاته جميلة منك يا واثق، لكن إن جاء هذا الاحتمال في الرواية السادسة والسابعة، لا يأتي في الروايات السابقة. واثق: نعم يا أبي. الأب: إذن لنفرض احتمال التصحيف، فتكون هاتان الروايتان تشيران إلى واحد من السفيانيَين، وإن لم نفرض هذا الاحتمال فكل رواية منهما تشير إلى واحد، خصوصاً إذا ضممنا هاتين الروايتين لما تقدم من الروايات السابقة التي تؤكد وجود سفيانيَين وليس سفيانياً واحداً، فهنا يضعف احتمال التصحيف، لكن ما تقدّم يكفي في الإثبات. واثق: نعم يا أبي. الأب: وما هي النتيجة مما تقدّم يا أولادي ؟ واثق، محمود، أحمد: النتيجة أنّ السفياني أكثر من واحد. الأب: وهذا ما أردت أن أُبينه لكم يا أبنائي الأعزاء، وسأذكر لكم خبرين صريحين في كون السفياني متعدداً، بل قد نُصّ على السفياني الثاني، فقد نقل أبن حماد المروزي: (حدثنا الوليد بن مسلم، عن شيخ، عن الزهري، قال: في ولاية السفياني الثاني ترى علامة في السماء)([98]). وذكر السيد ابن طاووس (رحمه الله) في كتابه الملاحم والفتن، قال فيما ذكره نعيم: قال: حدثنا الحكم بن نافع، عن جراح، عن أرطأة، قال: (في زمان السفياني الثاني تكون الهدّة حتى يظن كل قوم أنّه ضرب ما يليهم) ([99]). وإذا جاز أن يتعدّد إلى أثنين يمكن أن يتعدّد إلى أكثر، مع الأخذ بما قلناه سابقاً من أنّ السفياني يمثل جبهة الباطل التي تقف ضد اليماني، ومن هنا كل من يقف ضد اليماني سيكون سفيانياً، وإن أصبحوا أكثر من إثنين. إلى هنا يا أبنائي ننهي كلامنا في هذه الليلة، ونلتقي غداً بإذن الله ومشيئته سبحانه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثالثة: في توضيح لفظي المهدي والقائم جاء الأب فوجد أبنائه منتظرين مجيئه بشوق ولهفة، فسلم عليهم بتحية الإسلام، فردّوا عليه السلام بأدب واحترام. فقال لهم: هل يوجد سؤال فيما تقدم في حوارنا في الليلة السابقة ؟ فأجابوه: بعدم وجود سؤال حول ما قاله لهم في الليلة السابقة. الأب: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. في هذه الليلة سأعرض لكم لفظين نريد التعرّف على المقصود منهما، وهما لفظي: (المهدي) و(القائم). فماذا تقولون ؟ واثق: وهل المقصود منهما غير الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، فهو القائم وهو المهدي ع. الأب: الآن لنعرض الروايات ونرى هل هذان اللفظان يكون المقصود منهما دائماً الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، أم قد يكون المقصود منهما شخص آخر ؟ الرواية الأولى: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي ع أنّه قال: (السفياني والقائم في سنة واحدة) ([100]). الأب: ما تفهمون من هذه الرواية يا أولادي ؟ واثق: المفهوم من الرواية يا أبي إنّ ظهور أو خروج القائم ع والسفياني في سنة واحدة، بمعنى أنهما يخرجان في نفس السنة. أحمد: أبي في الحقيقة لم أفهم شيئاً؛ لأنّ المفروض أنّ خروج السفياني من علامات ظهور القائم ع، فهل أستطيع أن أفهم أنّ السفياني الذي هو من علامات ظهور القائم ع لا تمضي على ظهوره سنة ثم يظهر القائم ع حتى يقول الإمام الباقر ع: (السفياني والقائم في سنة واحدة) ؟ الأب: لا يا ولدي، ليس المراد ما فهمته، بل المراد متوقف على تشخيص المراد بلفظ القائمع من هو ؟ محمود: وهل يوجد عندنا قائمان يا أبي ؟ الأب: نعم يا أولادي، وهذا ما سأذكره لكم فيما بعد إن شاء الله تعالى. الرواية الثانية: عن أبي هريرة قال: (يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان فيغلب السفياني على ما يليه والمهدي على ما يليه) ([101]). الأب: ماذا تفهمون من هذه الرواية ؟ واثق: يُفهم منها أنّ المهدي ع يخرج، كما أنّ السفياني يخرج، ويتسابق المهدي ع والسفياني كل منهما إلى ما يليه. ولكن يا أبي نفس السؤال الذي ذكره أحمد أيضاً يأتي هنا، وهو أنّ السفياني من علامات ظهور المهدي ع، فكيف يتسابق السفياني مع المهدي ع، خصوصاً وأني قرأت رواية تقول: (لا يخرج المهدي حتى يقوم السفياني على أعوادها) ([102]). والرواية تنفي خروج المهدي ع إلاّ أن يقوم السفياني ويستولي على الحكم! بينما الرواية السابقة تقول يخرج المهدي ع والسفياني كفرسي رهان. هذا في الحقيقة لم أستطع فهمه !! الأب: لك الحق يا ولدي، لكن نفس الجواب الذي أجبت به محمود حينما قال هل يعني عندنا قائمان ؟ يأتي هنا أيضاً، والجواب في الحقيقة هو أنّ المقصود بلفظ المهدي ع في الرواية الأولى غير المقصود منه في الرواية الثانية. واثق: وهذا يعني أننا عندنا مهديان !! الأب: نعم يا ولدي عندنا مهديان، بل عندنا إثنا عشر مهدياً يأتون بعد الإمام المهدي ع، وهم من ذريته يحكمون الأرض بعد أبيهم الإمام المهدي ع، وهذا ما جاءت به الروايات التي سأبينها لكم في المستقبل إن شاء الله تعالى. وهذا نفس السؤال الذي سألني إياه محمود في الليلة الماضية، وقلت له أجيبك فيما يأتي عند تعرضي للفظ المهدي. التفتوا يا أبنائي، أنّ لفظ المهدي إذا جاء في الروايات تارة يراد به الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، وتارة يراد به المهدي الأول ع، وهو أول المهديين الإثني عشر الذين يحكمون بعد الإمام المهدي ع، وهو وصيه كما سيأتينا إن شاء الله تعالى، وتارة ثالثة يراد بلفظ المهدي غيرهما. الآن لا علاقة لنا إلاّ بالأولين، أي الإمام محمد بن الحسن المهدي ع، والمهدي الأول ع الذي يأتي بعده. فالرواية الثانية تشير إلى المهدي الأول ع، إذ هو الذي يكون موجوداً في زمن الظهور وهو الذي يتسابق مع السفياني ويقاتله ويقتله، وهو المقصود بهاتين الروايتين. الرواية الأولى: عن نعيم بن حماد المروزي: حدثنا عبد الله بن مروان، عن سعيد بن زيد التنوخي، عن الزهري، قال: (إذا التقى السفياني والمهدي للقتال يومئذٍ يسمع صوت من السماء: ألا إنّ أولياء الله أصحاب فلان، يعني: المهدي) ([103]). الأب: فالذي يلتقي مع السفياني للقتال هو المهدي الأول ع، وليس المقصود منه محمد بن الحسن المهدي ع. الرواية الثانية: عن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين ع: صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: (يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند. ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) ([104]). الأب: لاحظوا هذه الفقرة من الرواية: (فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك). جميعكم يعلم أنّ السفياني من علامات ظهور الإمام المهدي ع، فكيف تقول الرواية (إذا ظهر السفياني اختفى المهدي)! فهل إنّ المهدي ع ظاهراً قبل السفياني ؟ الجواب: كلا؛ لأنّ من المقطوع به أنّ للإمام المهدي ع غيبتين وظهوره من الغيبة الكبرى قد جعلوا أهل البيت ع له علامات حتمية كما تقدّم، وإحدى هذه العلامات هي خروج السفياني، فيكون خروج السفياني سابقاً لظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ع، بينما قول الإمام زين العابدين ع: (إذا ظهر السفياني اختفى المهدي) يدل وبصراحة على أنّ هناك مهدياً ظاهراً قبل السفياني، وعندما يظهر السفياني يختفي ذلك المهدي، ولا يمكن أن يكون هو الإمام محمد بن الحسن المهدي ع، لما تقدم من أنّ خروج السفياني يسبق ظهور الإمام المهدي ع، مضافاً إلى أنّه سيكون للإمام المهدي محمد بن الحسن ع ثلاث غيبات، الثالثة تكون بعد ظهور السفياني، وهذا لا يمكن، لما ثبت من أنّ للإمام المهدي غيبتين لا ثلاث غيبات، ثم أنّه يلزم أن يكون الإمام المهدي ع ظاهراً قبل ظهور السفياني وهذا لا يمكن، بل ومنفي بنفس كلام الإمام المهدي ع في توقيع السمري الذي هو نائبه الرابع، حيث جاء في التوقيع: (...ألا من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم) ([105]). فمن هنا يا أبنائي قلت لكم أنّ المقصود بلفظ المهدي ع في بعض الروايات ليس هو الإمام محمد بن الحسن ع، بل المقصود به المهدي الأول الذي يكون موجوداً في زمن ظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن ع. بينما تلك الرواية التي نقلها واثق والتي تقول: (لا يخرج المهدي حتى يقوم السفياني على أعوادها)، لعلها ناظرة للإمام محمد بن الحسن العسكري المهدي ع فلا تعارض بين الروايات؛ لأنّ المقصود بالمهدي في هذه الرواية غير المقصود منه في الروايات الأخرى. ومما يؤكد مفاد الرواية التي ذكرها واثق - وهو أنّ السفياني يملك - هي هذه الرواية، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إنّ السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة، ثم قال أستغفر الله حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم، الذي لا بد منه،....) ([106]). محمود: الآن فهمت يا أبي أنّ عندنا إثنا عشر مهدياً والروايات ذكرت ذلك، وأن لفظ المهدي تارة يقصد به الإمام محمد بن الحسن ع، وتارة يقصد به المهدي الأول، وثالثة غيرهما. لكن وعدتني أن تجيبني عن سؤالي، وهو كيف عندنا قائمان ؟ الأب: نعم يا ولدي، سأجيبك عن ذلك، وقبل أن أعرض لكم الروايات التي تعرفون الحقيقة من خلالها، أذكر لكم هذه الرواية: عن أبي جعفر وأبي عبد الله ع في ذكر الكوفة، قال: (... فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلاّ وصلّى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين) ([107]). فالرواية يا أبنائي تنصّ على وجود قوّام بعد القائم محمد بن الحسن العسكري ع، وهؤلاء قوّام بأمر أبيهم الإمام المهدي ع، فكل إمام في زمانه هو القائم بالأمر، لكن هناك قائم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهذا المعنى الذي بينه لنا الإمام الكاظم ع. فعن يونس بن عبد الرحمن، قال: (دخلت على موسى بن جعفر ع فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحق ؟ فقال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله عز وجل ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون. ثم قال: طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة) ([108]). فكل إمام قائم بأمر الإمام الذي قبله، لكن القائم الذي يملأ الأرض عدلاً هو شخص مخصوص من القوّام ص. فالرواية تقول إنّ بعد الإمام المهدي ع قوّام يأتون بعده، ومن هنا تارة تقصد يكون المقصود بلفظ القائم هو الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، وتارة تقصد غيره. بعد هذه المقدّمة، سأعرض لكم الروايات التي تبيّن هذه الحقيقة، وهي أنّ لفظ القائم يقصد به شخصين: الرواية الأولى: محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم، قلت: وكيف النداء ؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون، قال: وينادي مناد [في] آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون) ([109]). الرواية الثانية: عن أبي عبد الله ع، قال: (خروج القائم من المحتوم. قلت: وكيف يكون النداء ؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إنّ الحق في علي وشيعته. ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إنّ الحق في عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون)([110]). الرواية الثالثة: عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله ع: إنّ أبا جعفر عكان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم. فقال أبو عبد الله ع: (واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم وخروج القائم من المحتوم. قلت: وكيف يكون النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم: ألا إن الحق في علي وشيعته. ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إنّ الحق في عثمان وشيعته فعند ذلك يرتاب المبطلون) ([111]). الأب: ماذا تفهمون من هذه الروايات بخصوص تشخيص لفظ القائم ؟ واثق: الذي أفهمه من هذه الروايات أنّ لفظ القائم غير مقصود به الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، وذلك لأنّ هذه الروايات جاءت تبيّن العلامات التي تسبق ظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، وذكرت القائم وعدّته من علامات الظهور للإمام المهدي ع، فليس المقصود بالقائم هو الإمام محمد بن الحسن ع، بل المقصود شخص آخر، وإلاّ لأصبح من علامات ظهور القائم هو ظهور القائم، ولا يقرّه عاقل. الأب: أحسنت يا واثق، لكن ماذا تفهم من هذه الرواية الآتية: الرواية الرابعة: عن أبي عبد الله ع، قال: (خمس قبل قيام القائم من العلامات: الصيحة، والسفياني، والخسف بالبيداء، وخروج اليماني، وقتل النفس الزكية) ([112]). واثق: المفهوم من هذه الرواية أنّ لفظ القائم يُقصد به الإمام المهدي ع، و العلامات المذكورة هي لظهوره المبارك، ولا يرد الإشكال السابق على هذه الرواية، وهو كيف يكون القائم من علامات ظهور القائم ع هنا. الأب: أحسنت يا واثق، لكن لدي سؤال، هو ما الفرق بين هذه الرواية والروايات السابقة ؟ واثق: الفارق: هو أنّ في هذه الرواية جاء بدل لفظ القائم ع لفظ اليماني، وفي تلك الروايات الثلاثة السابقة جاء لفظ القائم ع ولم يأتي لفظ اليماني. الأب: أحسنت يا واثق. لكن لدي سؤال آخر، وهو ألم يكن اليماني من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي ع فكيف تلك الروايات لم تذكر اليماني، وذكرت القائم ع، فهل يعني أنّ القائم واليماني في تلك الروايات لفظان يشيران إلى شيء واحد ؟ واثق: نعم يا أبي. الأب: أحسنت يا واثق، فقد انتهيت إلى النتيجة الصحيحة والتي من خلالها تستطيع فهم الروايات. وهل اتضح الجواب عن سؤالك يا محمود، بأنّه كيف يوجد عندنا قائمان ؟ محمود: نعم أحسنت يا أبي. الأب: وبعد أن عرفتم أنّ عندنا قائمين في زمن الظهور وكلامنا يدور حولهما، اسمعوا هذه الرواية: عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه صقال: قال أمير المؤمنين ع - وهو على المنبر -: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان: شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي ص، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأمّا الذي يخفى فأحمد، وأمّا الذي يعلن فمحمد، .....) ([113]). ماذا تفهمون من هذه الرواية ؟ محمود: إنّ علي بن أبي طالب ع يصف رجلاً من ولده يظهر في آخر الزمان، ثم يبين تلك الأوصاف التي هي متعلقة ببدن الرجل الذي يخرج في آخر الزمان، ثم قال لذلك الرجل - الذي لم يصرّح باسمه في الرواية - اسمان أحدهما مخفي والآخر مُعلن ومعلوم، أمّا المعلوم فهو محمد، وأمّا المخفي فهو أحمد. الأب: لاحظوا يا أبنائي، أنّ محمد بن الحسن العسكري ع هو قائم، كما أنّ أحمد أيضاً قائم، لكن أحمد هو القائم المخفي الاسم الذي تحفظ أهل البيت ص عن ذكر اسمه، كل ذلك لأهمية هذه الشخصية في الظهور المقدّس. ومن هنا يا أولادي تعرفون لماذا أهل البيت ص نهوا الناس عن تسمية القائم، بل في بعضها الذي يسميه كافر، على الرغم من أنهم أنفسهم سمّوه في روايات كثيرة، ولقد احتار من تعرّض لهذه الروايات بطريقة الجمع بينها، وحصل فيها تخبط كثير، وحملوها على محامل غير مرادة لأهل البيت ص، كل ذلك لأنّهم لم يكونوا ملتفتين إلى أنّ لفظ المهدي والقائم يطلق على شخصين. وفي الحقيقة لا يمكنهم أن يصلوا إلى هذه الحقيقة إلاّ إذا جاء صاحبها وكشفها، فهذه الحقيقة كنـز مذخور لصاحبه كالكنز الذي حفظه الله تعالى للغلامين اليتيمين في قصة موسى والعبد الصالح (عليهما السلام)، فلم يصل إلى هذا الكنز إلاّ صاحبه، وهذا المعنى ما بينته روايات الطاهرين ص، فعن رسول الله ص: (... له علم إذا حان وقته انتشر ذلك العلم من نفسه) ([114]). وعن مالك الجهني، قال: (قلت لأبي جعفر ع إنّا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس. فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك، ويدعوكم إليه) ([115]). وبعد ذلك أنقل لكم بعض الروايات التي احتار فيها كل من تعرّض لها: الرواية الأولى: عن محمد بن زياد الأزدي، عن موسى بن جعفر ع أنه قال عند ذكر القائمع: (تخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره عزّ وجل فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) ([116]). الأب: لاحظوا يا أولادي كيف يقول الإمام ع لا يحل لهم تسميته. أحمد: أبي لعل عدم الحلية للناس لذا يقول الإمام (لا يحل لهم) أي للناس. الأب: بل حتى أهل البيت ص امتنعوا من تسميته للشيعة، لذا اسمع هذه الرواية: الرواية الثانية: عن أبي خالد الكابلي قال: (لما مضى علي بن الحسين ع دخلت على محمد بن علي الباقر ع فقلت: جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس. قال: صدقت يا أبا خالد، تريد ماذا ؟ قلت: جعلت فداك، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده، قال: فتريد ماذا يا أبا خالد ؟ قال: أريد أن تسميه لي حتى اعرفه باسمه. فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ولقد سألتني بأمر ما كنت محدّثاً به أحداً لحدثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة) ([117]). الأب: فلاحظوا يا أولادي كيف الإمام يمتنع عن تسميته، وكيف يصف سؤال أبي خالد بأنّه سؤال مجهد، وهم ص يعلمون بحقيقة الأمر وأحدهم يعطي سرّه ووصيته للإمام الذي يليه، لكنهم امتنعوا من تسمية صاحب الأمر. نعم، هم وصفوه لكن لم يسمّوه، كما وصفه الإمام الباقرع في هذه الرواية: عن حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر الباقرع: جعلت فداك، إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً أو تجيبني فيما أسألك عنه، فقال: يا حمران، سل تجب ولا تنفقن دنانيرك، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله ص أنت صاحب هذا الأمر والقائم به ؟ قال: لا. قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي ؟ فقال: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز وبوجهه أثر، رحم الله موسى) ([118]). الأب: فلاحظوا يا أولادي لم يعطِ الإمام الباقر ع لحمران بن أعين الاسم، بل أعطاه الوصف الجسدي لصاحب الأمر والقائم ع، فلو كان المراد السؤال عن الإمام المهدي ع، فلماذا يمتنع الباقر ع من إعطاء أسمه، وقد سماه رسول الله ص وغيره من أهل البيت ص ؟! الرواية الثالثة: عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله ع، قال: (صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلاّ كافر) ([119])، ([120]). فلاحظوا شدّة النهي عن التسمية بالاسم، بحيث وصفوا من سمّاه بالكفر. محمود: لكن يا أبي أنّهم ص سمّوه، فقالوا: (أحمد)، فكيف يقال أنهم لم يسموه ؟ الأب: أحسنت يا محمود، لكن لو تأملت في الأمر لوجدت أنّ التصريح بإسم المهدي الأول والقائم الذي هو أحمد ع إنّما وقع في زمن رسول الله ص، فقد ذكر أسمه وأثبت بنوته للإمام المهدي محمد بن الحسن ع، وجاء ذلك في وصية رسول الله ليلة وفاته التي سأنقل لكم منها موضع الحاجة الآن وأترك التفصيل فيها لوقته، قال ص: (.... فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ص. فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين) ([121]). ولهذا حتى أمير المؤمنين ع يقول: (.. أمّا اسمه فإنّ حبيبي عهد إلي أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله). عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: (سائر عمر بن الخطاب أمير المؤمنينع فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ فقال: أمّا اسمه فإن حبيبي عهد إلي أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله، قال: فأخبرني عن صفته، قال: هو شاب مربوع حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء) ([122]). فعلي ع يقول عدم تسميته عهد من رسول الله ص. نعم جاء ذكر أحمد ع منهم ص لا بعنوان أنّه المهدي الأول، أو القائم، أو اليماني، أو صاحب الأمر، بل جاء بعنوان أنّه من أنصار الإمام المهدي ع، كما في قولهم ص: (ومن البصرة ... أحمد ..). أو بعنوان آخر يتوهّمه القارئ له أو السامع أنّ المقصود به الإمام المهدي ع، كل ذلك للحفاظ على هذا السر العظيم ([123]). أحمد: لكن يا أبي توجد روايات تشير إلى حرمة تسمية الإمام محمد بن الحسن ع، كهذه الرواية: عن محمد بن عثمان العمري، قال: خرج توقيع بخط اعرفه: (من سماني في مجمع من الناس فعليه لعنة الله) ([124]). الأب: نعم يا ولدي لقد جاءت روايات تنهى عن تسمية الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، لكنّها مختصة في وقت محدّد، وهو من حين ولادته حتى بداية الغيبة الكبرى، بخلاف تلك الروايات الناظرة للقائم والمهدي الأول والتي تنص على حرمة التسمية إلى أن يبعثه الله ([125]). وإلى هنا يا أبنائي، عرفنا أنّ لفظ المهدي يطلق على غير الإمام المهدي محمد بن الحسن ع في الروايات، كما وعرفنا أنّ لفظ القائم كذلك. وننهي كلامنا في هذه الليلة على أمل أن نلتقي غداً بتوفيق الله ومشيئته سبحانه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الرابعة: اتحاد لفظ القائم والمهدي واليماني في شخص واحد ما أن جاء وقت الحوار بين الأب وأولاده حتى اجتمع الأولاد في مكتب أبيهم وهم ينتظرون قدومه إليهم، فجاء الأب وتعلوه الابتسامة، لما يرى من اهتمام أولاده بالحوار حول دعوة الحق وإثبات أحقيتها بالدليل والبرهان. وبدأ الحوار بعد تبادل التحية والسلام بين الأب وأولاده. فبادر الأب قائلاً: هل يوجد عندكم سؤال فيما ذكرناه في ليلتنا السابقة ؟ واثق،محمود، أحمد: كلا يا أبي. الأب: موضوع حلقتنا لهذه الليلة هو الكشف عن وجود علاقة بين ألفاظ ثلاثة تقدّمت علينا في الليالي السابقة، وهذه الألفاظ هي (المهدي، اليماني، القائم)، فهل يوجد بينهما علاقة أم لا ؟ وإذا كانت علاقة موجودة فما هي ؟ وما الدليل عليها ؟ هذا ما نريد التحدث به في هذه الليلة يا أولادي الكرام. واثق،محمود، أحمد: تفضل يا أبي كلنا أذن صاغية. الأب: تقدّم فيما سبق أنّ لفظ المهدي قد يطلق ويراد منه غير الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، بل يراد منه المهدي الأول ع من المهديين الاثني عشر ص، كما وتقدّم أنّ لفظ القائم كذلك. الآن أُريد عرض الروايات وكشف دلالتها، لكي نرى هل هناك علاقة بين المهدي الأول وبين القائم وبين اليماني أم لا، وأطلب منكم أن تشاركوني في بيان المستفاد من الروايات لكي أرى مدى ما فهمتموه من الليالي السابقة ؟ أولاً: الروايات التي جاء فيها ذكر المهدي ع: الرواية الأولى: عن أبي هريرة، قال: (يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان فيغلب السفياني على ما يليه والمهدي على ما يليه) ([126]). الرواية الثانية: عن نعيم بن حماد المروزي، بسنده عن الزهري، قال: (إذا التقى السفياني والمهدي للقتال يومئذٍ يسمع صوت من السماء: ألا إنّ أولياء الله أصحاب فلان، يعني المهدي)([127]). الرواية الثالثة: عن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين ع: (صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند. ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك) ([128]). لقد عرفنا في الحلقات السابقة أنّ لفظ المهدي في هذه الروايات لا يمكن المقصود منه الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، وقد برهنا على ذلك فلا داعي للإعادة، فمن هنا يأتي السؤال: إذن من المقصود بلفظ المهدي في هذه الروايات ؟ والجواب عن هذا السؤال يتوقف على المقارنة بين الروايات، فالروايات يفسر بعضها بعضاً، ومن هنا سأنقل لكم عدد من الروايات في النقطة الثانية. ثانياً: الروايات التي جاء فيها لفظ اليماني: الرواية الأولى: روى الشيخ النعماني في كتابه الغيبة رواية طويلة عن الإمام الباقر ع إلى أن قال: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنّ رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([129]). الرواية الثانية: روى الشيخ الطوسي، بسنده عن أبي عبد الله ع، قال: (خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق) ([130]). الرواية الثالثة: روى الشيخ الطوسي: بسنده عن محمد بن مسلم، قال: (يخرج قبل السفياني مصري ويماني) ([131]). الرواية الرابعة: عن أبي عبد الله الصادق ع، قال: (خمس قبل قيام القائم ع: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية) ([132]). الرواية الخامسة: عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء)([133]). مقارنة بين روايات النقطة الأولى والثانية: جاء في روايات النقطة الأولى هذه التعابير: (يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان)، (إذا التقى السفياني والمهدي للقتال)، (صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل ....... ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك). الأب: أسألكم سؤالاً. واثق، محمود، أحمد: تفضل يا أبي. الأب: ما المراد من لفظ المهدي في هذه العبارات ؟ واثق: من المعلوم يا أبي ليس المراد به الإمام محمد بن الحسن العسكري ع؛ لأنّه لا يظهر مع السفياني، بل السفياني يظهر قبله؛ لأنّ ظهوره - أي السفياني - من علامات ظهور المهدي المنتظر ع. وهذا ما نصّت عليه روايات النقطة الثانية؛ حيث جاء في الرواية الرابعة :(خمس قبل قيام القائم ع: اليماني ، والسفياني ....). وجاء في الرواية الخامسة: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني،....). فالروايتان تبينان أنّ السفياني من علامات ظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكريع، ويكون في خروجه - لا في ظهوره - في نفس السنة التي يخرج فيها اليماني، بل في نفس الشهر ونفس اليوم، كما جاء في الرواية الأولى من النقطة الثانية: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه ....). فلا يمكن أن نقول أن المراد بالمهدي هو الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، بل لابد أن نقول هو شخص آخر يطلق عليه لفظ المهدي؛ لأننا عرفنا في الحلقات السابقة أنّ المهدي يطلق على أكثر من شخص، فقد يطلق ويراد منه المهدي الأول من المهديين الإثني عشر ص. خصوصاً يا أبي أنّ الرواية الثانية من النقطة الأولى قد جاءت فيها هذه العبارة: (صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل ....... ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك). فالرواية في بدايتها تصف خروج المهدي، وأجاب الإمام السجاد ع بأنّ قبل خروجه خروج رجل .... إلى أن يقول: ثم يخرج السفياني، وهذا معناه أنّ السفياني قبل الإمام المهديع، لكن في آخر الرواية قال الإمام ع عبارة ذكر فيها المهدي، لكن ليس نفس المهدي المقصود في أول الرواية، والعبارة هي: (فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك)، فلو فُسر لفظ المهدي هنا بنفس ما فُسر به في أول الرواية تكون الرواية متناقضة. الأب: كيف تكون متناقضة ؟ واثق: حيث إنّ أول الرواية يقول قبل المهدي ع خروج السفياني، وآخر الرواية يقول المهدي ع ظاهر قبل السفياني، وإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ع، فصدر الرواية يقول السفياني قبل المهدي ع، وآخر الرواية يقول المهدي ع قبل السفياني ، فحصل التناقض في متن الرواية. الأب: وما هو الأمر الذي يرفع التناقض يا واثق ؟ واثق: الذي يرفع التناقض هو أن نفسّر لفظ المهدي الذي جاء في آخر الرواية بغير الإمام المهدي محمد بن الحسن ع بعد أن عرفنا بأنّ لفظ المهدي يطلق ويراد منه غير الإمام المهديع. الأب: لماذا يا واثق فسّرت لفظ المهدي الوارد في آخر الرواية بغير الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، فلماذا لم تفسر لفظ المهدي الوارد في أول الرواية بغير الإمام المهدي ؟ واثق: لأنه من الأمور الثابتة في الروايات تقدّم خروج السفياني واليماني وغيرهما من العلامات على ظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، وهذا ما جاءت به روايات النقطة الثانية، فيكون تفسير لفظ المهدي بالإمام محمد بن الحسن العسكري ع موافقاً لتلك الروايات، بينما تفسير لفظ المهدي الوارد في آخر الرواية بالإمام المهدي محمد بن الحسن ع يلزم منه محذورين: الأول: يلزم أن يكون للإمام المهدي ثلاث غيبات لا اثنتين، حيث تكون له غيبة ثالثة بعد ظهوره من الغيبة الكبرى وبعد ظهور السفياني؛ لأنّ الرواية تقول: (إذا ظهر السفياني اختفى المهدي)، ومعنى هذا أن الإمام ظاهراً قبل خروج السفياني، ثم يختفي فتكون غيباته ثلاثة لا اثنين، وهذا مخالف للروايات التي تقول أن للإمام المهدي غيبتين. الثاني: تفسير لفظ المهدي الوارد في آخر الرواية بالإمام محمد بن الحسن ع يلزم منه أن يكون الإمام المهدي محمد بن الحسن ع ظاهراً قبل السفياني، وبهذا يتعارض مع الروايات التي ذكرتها يا أبي في النقطة الثانية، والتي تثبت تقدّم السفياني وكونه من علامات الإمام محمد بن الحسن ع. الأب: أحسنت يا واثق على هذا البيان الجميل. وهل لديك بعد شيء تضيفه ؟ واثق: نعم يا أبي، في الحقيقة يا أبي إني أجد روايات النقطة الأولى تنسجم تماماً مع روايات النقطة الثانية. الأب: كيف يا واثق، هل يمكنك أن تبين لنا ذلك الانسجام ؟ واثق: نعم يا أبي، لكن هذا الانسجام متوقف على إثبات كون المراد بالمهدي في هذه الروايات هو اليماني. الأب: بين لنا كيف يكون الانسجام ؟ واثق: روايات النقطة الأولى جاء فيها لفظ المهدي، وقد تقدّم بأنّ المقصود منه في بعض الروايات غير الإمام محمد بن الحسن ع، وروايات النقطة الثانية لو قارنّا متنها بروايات النقطة الأولى، لفهمنا أنّ المراد بالمهدي هو اليماني، لأنّ جميع ما أثبتته روايات النقطة الأولى للمهدي أثبتته روايات النقطة الثانية لليماني ؟ الأب: كيف يمكنك إثبات ذلك ؟ واثق: جاء في روايات النقطة الأولى هذه التعابير: (يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان)، (إذا التقى السفياني والمهدي للقتال)، ويقابلهما في روايات النقطة الثانية الرواية الأولى، والرواية الثانية: أمّا الأولى: (.... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم،.....)، فمجريات الأحداث التي تبينها هذه العبارات الثلاثة واحد، سوى أنّ العبارتين الأولتين ذكرتا لفظ المهدي ع، والعبارة الثالثة ذكرت لفظ اليماني. ومع علمنا بأنّ لفظ المهدي قد يطلق على غير الإمام محمد بن الحسن ع فيكون المقصود بلفظ المهدي في هاتين العبارتين هو اليماني، بقرينة وحدة مجريات الأحداث، إذ المتفق عليه أنّ الذي يتسابق مع السفياني كفرسي رهان ويقاتل السفياني هو اليماني، لذا جاء في العبارة الأولى: (كفرسي رهان)، وجاء في العبارة الثالثة التأكيد على تقارب خروجهما: (في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً)، فالتعبير وإن اختلف لكنه يشير إلى شيء واحد، وهو قرب المسايرة بين راية السفياني وراية اليماني، وكل واحدة تقصد مقصدها كفرسي الرهان القاصدان لمقصدهما المتسابقان للوصول إليه. وأمّا الثانية: (خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق)، وأيضاً هي نفس مضمون الأولى، فيأتي فيها ما تقدم. وأمّا هذه الرواية من النقطة الأولى المتقدمة: (صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل ....... ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك). فتقابلها الرواية الثالثة من النقطة الثانية والتي جاء فيها: (يخرج قبل السفياني مصري ويماني)، وهي صريحة بأنّ اليماني يخرج قبل السفياني، فإذا خرج السفياني يختفي اليماني ثم يخرج، وبهذا تكون منسجمة مع هذه العبارة: (فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك). وعليه فيكون المراد بالمهدي في هذه الروايات هو اليماني. الأب: أحسنت يا واثق، وأساله تعالى لكم جميعاً التوفيق. محمود: كما يكون المراد بالمهدي هو المهدي الأول من المهديين الإثني عشر ص، ويكون هو نفسه اليماني. الأب: أحسنت يا محمود، وفقكم الله لكل خير. وهذه النقطة التي لم يستطع العلماء فهمها فوقعوا في اشتباه كبير، فمن جهة أنّ الروايات تقول (إذا خرج السفياني اختفى المهدي)، ومن جهة ثانية أنّ السفياني من علامات ظهور الإمام المهدي ع ويكون خروجه مقارناً لخروج اليماني، فكيف يجمعون بين الأمرين ؟! لهذا تجدون السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله) في موسوعته يقول: (إن ظاهر بعض الأخبار التي سمعناها كون الإمام المهدي ع قبل ظهوره معروفاً للسفياني، ويبدو أن الهدف الرئيسي للجيش الذاهب إلى الحجاز هو قتل المهدي ع ومن هنا يخاف الإمام ع ويهرب من المدينة إلى مكة على سنّة موسى بن عمران ع حين هرب إلى مدين … ويفهم السفياني بهرب المهدي ع فيرسل خلفه جيشاً فيخسف به …) ([134]). فلو علم السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله) بأن المراد من المهدي ع في هذه الروايات ليس الإمام محمد بن الحسن ع، بل المراد به اليماني لانحل الأمر وباتت الصورة واضحة عنده. بقي شيء يا أبنائي الكرام، وهو أن نعرض الروايات التي جاء فيها لفظ القائم، لنرى إلى أين نصل في دراستنا لهذه الروايات: ثالثاً: الروايات التي تذكر القائم وأنّه من المحتوم: الرواية الأولى: محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم، قلت: وكيف النداء ؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إنّ علياً وشيعته هم الفائزون، قال: وينادي مناد [في] آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون) ([135]). الرواية الثانية: عن أبي عبد الله ع، قال: (خروج القائم من المحتوم. قلت: وكيف يكون النداء ؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إنّ الحق في علي وشيعته. ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إنّ الحق في عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون)([136]). الرواية الثالثة: عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله ع: إنّ أبا جعفر عكان يقول: (خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم. فقال أبو عبد الله ع: واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم. قلت: وكيف يكون النداء ؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم: ألا إن الحق في علي وشيعته. ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إنّ الحق في عثمان، وشيعته فعند ذلك يرتاب المبطلون) ([137]). مقارنة بين روايات النقاط الثلاثة: الأب: لنقارن بين هذه الروايات، وبين ما تقدم في النقطة الأولى والثانية. وقبل المقارنة أوضح شيئاً، وهو أنّ لفظ القائم قد جاء في هذه الروايات من علامات الظهور ،حيث إنّ الروايات في مقام بيان العلامات الحتمية لظهور الإمام المنتظر محمد بن الحسن ع، فجاء من بين تلك العلامات خروج القائم معطوفاً على قتل النفس الزكية واختلاف بني فلان، ومن المعلوم أنّ اختلاف بني فلان وقتل النفس الزكية من علامات ظهور الإمام محمد بن الحسن المهدي ع، فكذلك يكون خروج القائم أيضاً، فمن هنا يأتي هذا السؤال: كيف يكون من علامات ظهور القائم ع ظهور القائم نفسه ؟ هل اتضح لديكم السؤال ؟ أحمد: نعم يا أبي، حقاً ما تقول: كيف يُعد القائم من علامات ظهور القائم ؟ هذا لا يمكن؛ إذ الروايات في صدد بيان العلامات التي تسبق ظهور القائم المنتظر محمد بن الحسنع، فكيف تذكر القائم وتعدّه من علامات الظهور ؟ الأب: ماذا تقول يا محمود ؟ محمود: الجواب واضح يا أبي، لأننا بعد أن عرفنا أنّ لفظ القائم يطلق على غير الإمام محمد بن الحسن ع فيكون المقصود منه غير الإمام محمد بن الحسن ع، بل هو شخص آخر. الأب: نعم صدقت يا محمود، الآن سأعرض لكم روايات لتقارنوا بينها وبين الروايات المتقدمة: عن أبي عبد الله الصادق ع، قال: (خمس قبل قيام القائم ع: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية) ([138]). عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء) ([139]). الأب: تلاحظون يا أبنائي الكرام في هاتين الروايتين جاء لفظ القائم، فمن المقصود بلفظ القائم ؟ أحمد: من الواضح يا أبي أنّ المراد به الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، وذكرت الروايتان علامات ظهوره المبارك ع. الأب: بعد ذلك لنقارن بين ما تقدم من الروايات وبين الرواية الآتية. روى الشيخ النعماني في كتابه الغيبة، عن أبي عبد الله ع أنه قال: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم، قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها) ([140]). فما هو الفارق بين هذه الرواية وبين الروايات المتقدمة ؟ محمود: أنّ هذه الرواية تذكر علامات ظهور الإمام المهدي ع، وتعد منها خروج اليماني. والفارق الوحيد بينها وبين روايات النقطة الثالثة أنّ روايات النقطة الثالثة تجعل القائم من المحتوم، هذه الرواية تجعل اليماني من المحتوم وتستبدل لفظ القائم باليماني، وقد ثبت فيما تقدم أنّ لفظ القائم ليس المراد به الإمام محمد بن الحسن ع في بعض الروايات، فيكون المقصود بالقائم المذكور في سياق علامات الظهور هو اليماني، والذي يفسّر ويؤكد ذلك الرواية المتقدمة التي جعلت اليماني من المحتوم، فاستبدلت لفظ القائم بلفظ اليماني، وهذا يعني أنّ لفظ القائم يطلق ويراد به اليماني. الأب: ومما يؤكد ذلك ما سأبينه لكم أولادي الأعزاء، فسأنقل لكم رواية تدبروا فيها. فقد روى الكليني في الكافي، والنعماني في الغيبة، وهذا نص ما جاء في غيبة النعماني ([141]): عن مالك بن أعين الجهني، قال: سمعت أبا جعفر الباقر ع يقول: (كل راية ترفع - أو قال: تخرج - قبل قيام القائم ع صاحبها طاغوت) ([142]). لاحظوا يا أبنائي هذه الرواية التي تقول: كل راية ترفع أو تخرج قبل القائم ع فصاحبها طاغوت. قال المازندراني في شرحه لهذه الرواية: (الشرح: (كل راية ترفع قبل قيام القائمع) وإن كان رافعها يدعو إلى الحق (فصاحبها طاغوت يعبدون من دون الله) الطاغوت: الشيطان والأصنام وكل ما يعبد من دون الله ويطلق على الواحد والجمع ويعبدون بالضم وصف له)([143]). وروى الصفار، عن الإمام الصادق ع أنّه قال للمفضل: قال المفضل: (يا مفضل، كل بيعة قبل ظهور القائم ع فبيعة كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها والمبايع له،.....)([144]). فلنقف عند لفظ القائم في الروايتين ونحدّد المراد منه، فهل المراد منه الإمام القائم محمد بن الحسن العسكري ع، أم المراد به شخص آخر ؟ واثق: المراد بلفظ القائم هنا ليس الإمام المهدي ع. الأب: كيف علمت بذلك ؟ واثق: أبي لو فسرنا لفظ القائم بالإمام المهدي المنتظر ع يلزم كل راية قبل رايته يكون صاحبها طاغوت يعبد من دون الله تعالى. وعليه فتكون راية اليماني من تلك الرايات التي يكون صاحبها طاغوت، والحال أن راية اليماني وصفها الإمام الباقر ع بأنها أهدى الرايات، والملتوي عليه من أهل النار. وعليه فيتعين أن يكون المراد بلفظ القائم هو اليماني. الأب: نعم أحسنت يا واثق. وكذلك الأمر في الرواية الثانية، فالذي يبايع اليماني لا تكون بيعته كفر ونفاق وصاحبها ملعون، إذ يكيف يكون ذلك والرواية تجعل الملتوي عليه والذي يخذله ولا يبايعه يكون من أهل النار ؟! ثم أنّ الرواية تلعن المبايع والمبايع له، فمن المستحيل أن تكون ناظرة هذه الرواية للقائم محمد بن الحسن ع، بل ناظرة لليماني القائم أحمد ع؛ إذ يلزم منها أحد محذورين: إمّا أن يكون اليماني ورايته معلونين، وهذا لا يمكن لأحد أن يقول به. وإمّا أن ترد الروايتان المتقدمتان، أو رواية اليماني، وهذا أيضاً لا يمكن الالتزام به أبداً ؛ للنهي عن تكذيب الروايات عنهم ص، ولإمكان الجمع بين الروايات. وإلى هنا تنجلي لكم الحقيقة بكل وضوح، بأنّ لفظ القائم يطلق ويراد به اليماني. وبهذا انتهينا إلى أنّ لفظي المهدي والقائم في بعض الروايات يطلقان على اليماني. وإلى هنا ننهي كلامنا في هذه الليلة على أمل أن التقي بكم في الليلة القادمة بمشيئة الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الخامسة: دراسة رواية اليماني وكما في كل ليلة يستمع الأولاد إلى أبيهم وهو يبين لهم الدعوة اليمانية المباركة، وهم يستمعون إليه ويصغون لما يقول، بتوجهٍ تام، جلس الأب وقال لهم: في هذه الليلة أعرض لكم رواية اليماني، لكي نقف على مداليلها. الأولاد: كما تشاء يا أبي، ونحن منصتون إليك. الأب: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. لقد أخبر أهل البيت ص بظهور شخص يمهّد للإمام المهدي ع، وذكروا لهذا الممهد أسماءً كثيرة، سيأتي التعرّف عليها بالتفصيل، ومن جملة أسمائه (اليماني). وقد جاء هذا الاسم عن الإمام الباقرع، فقد روى الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم النعماني المتوفي سنة (380 هـ)([145])، وهو تلميذ الشيخ الكليني (رحمهما الله) في كتابه المعروف بـ (غيبة النعماني) الذي هو من الآثار الثمينة ([146]). حيث روى عن الإمام الباقر ع رواية طويلة إلى أن قال ع: (.... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)([147]). ولنقف عند هذه الرواية ونشرح بعض مداليلها: أولاً: يوجد فرق بين مفهومين لابد من معرفتهما ومعرفة الفرق بينهما: المفهوم الأول: الظهور. المفهوم الثاني: الخروج. إنّ الرواية عبّرت بالخروج ولم تعبّر بالظهور، والظهور هو مرحلة تكون قبل الخروج، فالخروج يسبقه ظهور؛ لتهيئة مقدمات الخروج (فهو البداية وتكون ذات طابع إعلامي سلمي الغرض منه الاحتجاج وإلقاء الحجة بالأدلة والبراهين والتحدّي بالمناظرة كما جرت سنة الله في الأولين والآخرين من الأنبياء والمرسلين والأئمة والصالحين) ([148]). خصوصاً والرواية في مقام بيان القتال الذي سيحصل بين راية السفياني واليماني، فلابد من وجود مرحلة إعدادية لجيش اليماني، وكذلك لجيش السفياني، وفي هذه المرحلة كل واحد منهما يقوم بجمع أنصاره، وتهيئة مقدمات الخروج ؟ ومن هنا نعلم أنّ الخروج هو الذي قالت عنه الرواية بأنّه (نظام كنظام الخرز)، بمعنى أنّ التزامن في الخروج لا في الظهور. بل يمكن القول بأنّ المراد بالتزامن في الخروج وكونه كنظام الخرز، المقصود منه الخروج للقتال باتجاه الكوفة لا مطلق الخروج للقتال، فتتسابق الرايات القاصدة للكوفة. ولا ينافي ذلك أن يكون أحدهما ظاهراً قبل الآخر، بل جاء في الروايات أنّ اليماني يظهر قبل السفياني، كما تشير إليه هذه الرواية. فعن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين ع: صف لي خروج المهدي ع، وعرفني دلائله وعلاماته، فقال: (يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ع، ثم يخرج بعد ذلك) ([149]). فالرواية الأولى تصرّح بأسبقية اليماني في الظهور، ثم يختفي عند ظهور السفياني ويخرج بعد ذلك. ولا تنسوا يا أبنائي أنّه ثبت لنا في الليالي السابقة أنّ المراد من المهدي في هذه الرواية هو اليماني ، فلا داعي للإعادة. ثانياً: إنّ الإمام الباقر ع في هذه الفقرات المتقدّمة من الرواية في مقام بيان القتال الذي يحصل في زمن ظهور الإمام المهدي ع، فهذا الخروج هو خروج للقتال، وفي هذا الزمان تكون هناك ثلاث رايات، وبطبيعة الحال أنّ أهل البيت ص حريصوا كل الحرص على هداية الناس، فمن هنا بيّن الإمام الباقر ع الصفات التي تتصف بها راية الحق؛ لكي يبعدوا الناس عن الضلال والتيه، وليدفعوا عنهم الحيرة، فوصف الإمام صاحب راية الهدى وصفاً يفرده عن غيره ويزيل اللبس عنه، فقال : (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى)، ثم يعلل الإمام الباقر ع سبب ذلك، فيقول: (لأنه يدعو إلى صاحبكم ... لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). وهذه الهداية من اليماني للحق والصراط المستقيم ليست وقتية، بل هو يهدي للحق دائماً وأبداً، ولهذا جاءت الرواية مطلقة، فلم تبين أنه يهدي للحق في وقت دون آخر. وإذا كان شخص دائماً يهدي للحق والصراط المستقيم فيكون معصوماً لا يخرج الناس من حق ولا يدخلهم في باطل يكون معصوماً، وعليه فتكون هذه الرواية دالة على عصمة اليماني ع. واثق: إنّ القرآن يعبر عن كثير من الأشخاص أنهم يهدون إلى الحق، لكنهم ليسوا معصومين، فمثلاً يقول عن مؤمن آل فرعون : ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾([150])، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([151]). فكثير ممن يهدون للحق لكنهم غير معصومين. فليس كل من يهدي للحق يكون معصوماً، نعم المعصوم ع دائماً لابد أن يهدي للحق. الأب: أحسنت يا ولدي، لكن لاحظ يا بُني، هل كل من يلتوي على مؤمن آل فرعون يكون من أهل النار ؟ واثق: لا يا أبي. الأب: لكن الإمام الباقر ع يقول في اليماني: (الملتوي عليه من أهل النار)، فيتعين أن يكون اليماني معصوماً. ولهذا عبّرت الرواية وقالت: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار)، فالالتواء عليه يوجب صيرورة الشخص الملتوي من أهل النار، وهذا لا يكون إلاّ للحجج وأصحاب الولاية الإلهية، فالذي يلتوي عليهم يكون من أهل النار، حتى وإن صلى وصام. محمود: أبي أنّ الرواية تقول: (إذا خرج اليماني فانهض إليه)، ومعنى ذلك أنّ قبل خروج اليماني لا يجب النهوض إليه. الأب: اعلم يا ولدي إنّ راية اليماني راية هدى وحق، ومن لا يتبعه سيتبع غيره بلا شك، وعليه فيكون متبعاً للباطل سواء خرج اليماني أم لا، والأمر بالنهوض إليه كيف يكون بدون معرفة مسبقة به ؟ إذن لابد أن تكون الناس تعرفه لكي تنهض إليه عند خروجه، وإلاّ كيف ستنهض إليه ؟ فالأمر بالنهوض إليه يكون تأكيداً على إتباعه ونصرته والذب دونه، وليس معنى العبارة أنّ النصرة تكون بعد خروجه، بل لتأكيد النصرة له والذب دونه في خروجه. ثالثاً: إنّ اليماني يدعو إلى صاحبنا - أي إلى الإمام المهدي - ، ومن هنا قال الشيخ الكوراني في كتابه عصر الظهور: ولكن المرجح أن يكون السبب الأساسي في أنّ ثورة اليماني أهدى أنها تحضى بشرف التوجيه المباشر من المهدي ع، وأنها جزء مباشر من خطة حركته ع، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه. ويؤيد ذلك أن أحاديث ثورة اليمانيين تركز على مدح شخص اليماني قائد الثورة وأنه (يهدي إلى الحق)، (ويدعو إلى صاحبكم) وأنّه (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو إلى النار) ([152]). وعلى الرغم من قوله هذا إلاّ أنه وقع في خطأ كبير، حيث توهم أنّ اليماني يخرج من اليمن، والحال أنّ الأمر كما بينت لكم، بأنّ له أصل في اليمن لا أنه يخرج من اليمن، بل الروايات تصرّح على أنّ أول أنصار الإمام المهدي ع يكون من البصرة. يقول الإصبع بن نباتة، قال: خطب أمير المؤمنين علي ع خطبة، فذكر المهدي وخروج من يخرج معه وأسماءهم، .. إلى أن يقول ع: (سمعت رسول الله ص، قال : أولهم من البصرة ، وآخرهم من اليمامة) ([153]). وفي رواية ثانية عن الإمام الصادق ع: (ألا وإن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال) ([154]). كما أنّ الروايات تبين أيضاً أنّ أول المؤمنين هو اليماني كما سنعرف من خلال دراستنا لوصية رسول الله ص. رابعاً: حرمة بيع السلاح على الناس عموماً، وعلى المسلمين على وجه الخصوص، فقال ع: (فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم)، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ اليماني ليس مختصاً بالمسلمين، بل يشمل اليهود والنصارى، فلذا حرمت بيع السلاح على الناس مطلقاً، وخصّت المسلمين بالذكر لمزيد من التأكيد، أو من باب عطف الخاص على العام كما هو وارد في كثير من التعابير. فعملية بيع وشراء السلاح محرّمة، لكي لا يقع السلاح في يد أعداءه ويحاربونه به. والمعني بالحرمة هنا الحرمة التكليفية كحرمة ترك الصلاة والصيام، لا كما يقول بعض السفهاء من أنّ أحمد الحسن لو كان اليماني لما حصل بيع وشراء للسلاح ؟! فتصور أنّ الحرمة هنا حرمة تكوينية كتحريم المراضع على موسى بن عمران ع، بقوله تعالى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾([155]). والحال هذا جهل محض أعاذنا الله منه. خامساً: أوجبت الرواية النهوض إليه، لذا قال الإمام الباقرع: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه). فأوجبت النهوض إليه ونصرته، وبالتالي حرمت التخاذل عنه وعدم نصرته. محمود: لقد ذكرت يا أبي في ليلتنا الأولى حديث الثقلين، وهما القرآن وعترة النبي ص، حيث أخبر النبي ص بأنّ العاصم من الضلال هو التمسك بهما، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهذا معناه أنّ الهداية منحصرة في القرآن والعترة، وعليه فكل ما لم يكن من العترة لا يكون هادياً والتمسك به وإتباعه ليس عاصماً من الضلال. وعليه يفترض أن يكون اليماني من العترة الطاهرة التي من تمسك بها وبالقرآن عصم من الضلال. الأب: نعم أحسنت يا ولدي فاليماني من العترة الطاهرة، وهو أول المهديين الذين يحكمون الأرض بعد وفاة الإمام محمد بن الحسن العسكري ع ، واليماني من ذرية الإمام المهدي ع، فهو من العترة الهادية. سادساً: إنّ اليماني المذكور في رواية الإمام الباقر ع له أهمية عظيمة في زمن الظهور حيث هو الممهد الوحيد للإمام المهدي ع، فلابد أن يبيّن أهل البيت ع شخصيته ويحددوا معالمها ويرفعوا عنها اللبس، وفي رواية الإمام الباقر ع لم تتضح شخصية اليماني، نعم اتضح هو حجّة إلهية الملتوي عليها يكون من أهل النار، لكن لم تتعرّض الرواية لاسمه، وإنما ذكرت لقبه وهو اليماني. فمن هنا أنّ أهل البيت ص بينوا شخصية اليماني بياناً لم يبينه غيرهم ص، حيث أنهم حددوا شخصيته وبينوا معالمها بما لا شبهة فيه ولا لبس معه، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى اخفوا هذا الأمر لكي لا يدعيه كل أحد، بل إنهم مطمئنين إلى أنّ هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه، والسبب في ذلك أنّه سينفرد بقانون مختص بالحجج ص، كما سيأتي تفصيل ذلك. إلى هنا ننهي كلامنا في هذه الليلة، ونلتقي ليلة غدٍ بإذن الله ومشيئته سبحانه، وأسأل الله لكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة السادسة: اليماني عصاحب الرايات المشرقية جلس الأولاد يتحاورون بينهم فقال أحمد لأخيه واثق: لقد قرأت اليوم كتاباً جاء فيه ذكر رجل يخرج قبل الإمام المهدي ع وهو من أهل بيت الإمام ع، فمن هذا الرجل الذي يكون من أهل بيت الإمام المهدي ع ؟ فجاء الأب فوجد أولاده يتحاورون، فسلم عليهم وتبادلوا السلام والتحية، فسكتوا فقال لهم أكملوا حواركم يا أولادي. فقال واثق: أبي إنّ أحمد سألني سؤالاً عن رجل ذكروه في الروايات، بأنه يخرج قبل الإمام المهدي ع وهو من أهل بيت الإمام ع، فمن يكون هذا الرجل ؟ الأب: نعم سيكون كلامنا في هذه الليلة عن هذه الروايات التي صرّحت بوجود رجل من أهل بيت الإمام المهدي ع يخرج في المشرق. قلت لكم في الليلة الماضية أن رواية اليماني لم تبين اسمه، وإنما بينت أنه حجة إلهية، وبما أنّه حجة إلهية لابد أن يكون عنده قانون يعرف به الحجة، وسأترك بيان القانون الكاشف عن الحجج فيما يأتينا من حلقات في الليالي المقبلة إن شاء الله تعالى. أمّا الليلة فأريد أن أبين لكم كيف أنّ أهل البيت ص ذكروا اليماني بأنواع من العناوين التي كلها تشير إليه. وسأبين لكم بعضاً من تلك الروايات التي تعرّضت لبيان شخصية اليمانيع: الرواية الأولى: عن النبي ص: (... ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه. قال رسول الله ص: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنّه خليفة الله المهدي) ([156]). فتدبروا يا أولادي إنّ الرواية تتكلم عن شخص معين، لكن الراوي يقول: (ثم ذكر شيئاً لا أحفظه)، وبعدها قالت الرواية: (فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنّه خليفة الله المهدي)، فلاحظوا التفريع في الرواية في قوله: (فإذا رأيتموه .....)، هذا يدل على أن النبي ص كان يتكلّم عن شخص معين، فجاء بضمير المفرد ،ممّا يدلل على أنّ الكلام المحذوف هو بصدد بيان شخص، ولذا جاء بلفظ المفرد: (رأيتموه)، (فبايعوه)، فإمّا أن يكون المحذوف اسم شخص، وإمّا أن يكون الكلام الثاني رواية ثانية دمجها الراوي مع النص الذي سبقها. لكن القول بأنّ المحذوف هو اسم أقرب للصحّة. ثم عينه ص في آخر الرواية بقوله: (خليفة الله المهدي). الرواية الثانية: عن عبد الله بن مسعود، قال: (كنا جلوساً عن النبي ص ذات يوم، إذ أقبل فتية من بني عبد المطلب، فلما نظر إليهم رسول الله ص أغرورقت عيناه، فقلنا: يا رسول الله، لا نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه ؟ قال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً، حتى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه - حتى أعادها ثلاثاً - فيقاتلون فينصرون، ولا يزالون كذلك حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً على الثلج) ([157]). الرواية الثالثة: روى السيد ابن طاووس في الملاحم والفتن: عن رسول الله ص، قال: (خرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يمكثون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق، ويؤدون الطاعة للمهدي)([158]). الرواية الرابعة: قال رسول الله ص: (ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلوهم قتالاً لا يقاتله قوم ثم ذكر شاباً فقال إذا رأيتموه فبايعوه فانه خليفة [الله] المهدي) ([159]). الرواية الخامسة ([160]): (.... فيخرج الله على السفياني من أهل المشرق وزير المهدي فيهزم السفياني إلى الشام ) ([161]). الرواية السادسة: عن رسول الله ص، قال: (تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد فمن سمع بهم فليأتهم فبايعهم ولو حبوا على الثلج) ([162]). الرواية السابعة: عن النبي ص، قال: (... ثم تجئ الرايات السود فيقتلونهم قتلاً لم يقتله قوم ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي) ([163]). الرواية الثامنة: عن عبد اللّه بن عمر، قال: (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً) ([164]). ويمكن أن نستفيد من عرضنا لهذه الروايات عدّة أمور: الأمر الأول: إنّ جميع الروايات تشترك في الدلالة على معنى واحد؛ وهو خروج قوم في جهة المشرق. وهذه الرايات المشرقية تمهد للإمام محمد بن الحسن المهدي ع، كما جاء ذلك عن رسول الله ص قال: (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي، يعني سلطانه) ([165]). الأمر الثاني: نصّت الرواية الثامنة والتاسعة على أن الخارج في المشرق من ولد الحسين ع، لكن الرواية الثامنة ذكرت اسم الشخص الذي يخرج في المشرق، وهو المهدي ع، والمقصود به المهدي الأول المذكور في وصية رسول الله ص بأنّه أول المؤمنين بحركة الإمام المهدي ع، وأول أنصار أبيه ع، فهو صاحب رايات المشرق، ورايات المشرق تظهر قبل الإمام محمد بن الحسن العسكري ع كما هو معلوم. الأمر الثالث: إنّ قائد هذه الرايات التي تأتي من جهة المشرق رجل من أهل البيت ص بل من أهل بيت الإمام المهدي ع، ولكي تتضح الفكرة ونحدد الدلالات المشتركة في هذه الروايات، أقول: الرواية الأولى: عن أمير المؤمنين ع: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس، فلا يبلغه حتى يموت) ([166]). الرواية الثانية: وخطب أمير المؤمنين ع بعد حرب النهروان خطبة طويلة جاء فيها: (إنّ الله تعالى يفرج الفتن برجل منا أهل البيت كتفريج الأديم، بأبي ابن خيرة الإماء يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبرّة، فلا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، ودت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها لو يروني مقاماً واحداً قدر حلب شاة أو جزر جزور لأقبل منهم بعض الذي يرد عليهم حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فيغريه الله ببني أمية فيجعلهم ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾([167])) ([168]). الرواية الثالثة: عن الإمام الباقرع: (في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء: سنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنّة موسى ؟ قال: خائف يترقب. قلت: وما سنّة عيسى ؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنّة يوسف ؟ قال: السجن والغيبة. قلت: وما سنّة محمد ص؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله ص إلا أنه يبين آثار محمد، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً، حتى يرضي الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله ؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة)([169]). الرواية الرابعة: عن عيسى الخشاب، قال: قلت للحسين بن علي ع: أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال: (لا، ولكن صاحب هذا الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر) ([170]). الرواية الخامسة: عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله ع: (لا يخرج القائم ع حتى يكون تكملة الحلقة، قلت: وكم تكملة الحلقة ؟ قال: عشرة آلاف جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ثم يهز الراية و يسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلاّ لعنها، وهي راية رسول الله ص نزل بها جبرئيل يوم بدر، ثم قال: يا أبا محمد، ما هي والله قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير. قلت: فمن أي شي‏ء هي ؟ قال: من ورق الجنة نشرها رسول الله ص يوم بدر ثم لفها و دفعها إلى علي ع فلم تزل عند علي ع حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين ع ففتح الله عليه ثم لفها، وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلاّ لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً ووراءها شهراً وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً. ثم قال: يا أبا محمد، إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص رسول الله ص الذي عليه يوم أحد وعمامته السحاب ودرعه درع رسول الله ص السابغة وسيفه سيف رسول الله ص ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة وينادي مناديه هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف، ولا يخرج القائم ع حتى يقرأ كتابان كتاب بالبصرة وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي) ([171]). والدلالة المشتركة التي نأخذها من روايات الأمر الثالث، هي: الأولى: وجود رجل يحمل السيف على عاتقة ثمانية أشهر. الثانية: دلت الرواية الأولى على أنّ الرجل يكون خروجه قبل المهدي ع وهو من أهل بيته، ويكون خروجه بالمشرق. الثالثة: دلت الرواية الثانية بأنّ الله تعالى يفرج الفتن برجل من أهل البيت ص، وقال عنه أمير المؤمنين ع، (بأبي ابن خيرة الإماء يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبرّة ، فلا يعطيهم إلاّ السيف هرجاً هرجاً). الرابعة: دلت الرواية الثالثة على أنّ في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء ص، ثم ذكرت تلك السنن، وبعدها قالت الرواية: (ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا هرجاً). ومن هنا تشترك الرواية الثالثة مع جميع الروايات في أمر، وتختلف في آخر، أمّا الأمر المشترك فهو بيان أن فترة حمل السيف ثمانية أشهر. وأمّا الأمر الذي تختلف فيه؛ فهو أنّ من يحمل السيف ثمانية أشهر هو صاحب الأمر، ومن هنا يأتي سؤال حاصله: من المقصود بصاحب الأمر ؟ الخامسة: تتحد الرواية الرابعة مع جميع الروايات في كون فترة حمل السيف ثمانية أشهر، كما أنها تتحد مع الرواية الثالثة بالأمر الذي انفردت به عن الروايتين السابقتين وهو: أنّ الذي يحمل السيف هو صاحب الأمر، ومن هنا يعاد السؤال مرّة ثانية: من هو صاحب الأمر ؟ خصوصاً وأنّ الرواية الرابعة بينت أنّ صاحب الأمر هو: شريد، طريد، موتور بأبيه ، مكنى بعمّه! السادسة: دلت الرواية الخامسة على أنّ الذي يحمل السيف ثمانية أشهر هو القائم، وبهذا تنفرد عن الروايات المتقدمة بدلالة خاصة، وهي نسبة حمل السيف في الفترة المذكورة للقائمع. كما أنّ الرواية الأولى تنص على خروج رجل في المشرق من أهل بيت المهدي ع يمهد للإمام المهدي ع. إذن نستنتج من كل النقاط المتقدمة إنّ الذي يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر هو رجل من أهل بيت الإمام المهدي ع، ويسمى بصاحب الأمر، كما ويسمى القائم أيضاً، والقرينة على ذلك نسبة فترة حمل السيف إلى الجميع مع تغاير العناوين الواردة في الروايات، فتارة تنسب الروايات حمل السيف ثمانية أشهر لرجل من أهل البيت ص، وثانية لرجل من أهل بيت الإمام المهدي ع، وثالثة لرجل يخرج في المشرق، ورابعة لصاحب الأمر، وخامسة للقائم ع، فلو لم نقل بوحدة الشخص المراد في الجميع للزم التعارض بين الروايات، والحال أنّ الروايات واضحة في كون أحدها تفسر الأخرى، حيث كل رواية جاءت بلسان التفسير للثانية ومكملة لدلالتها. ولا يستطيع أي أحد أن يبيّن هذا البيان التفسيري الذي جاء في الروايات، وفي الوقت نفسه لا يطرأ على كلامه التناقض خصوصاً مع اختلاف المتكلمين. ومن هنا تعرفوا الحكمة التي تتفجر من ألسنة الطاهرين آل محمد ص، ومن هنا تتجلى أقوالهم بأنّ لكلماتهم سبعين وجهاً، كما ولهم ص لكل وجه مخرج. كما ويتجلّى لنا بكل وضوح لماذا أنّهم ص نهوا عن رد الروايات. عن سفيان بن السمط، قال: قلت لأبي عبد الله ع: (جعلت فداك، إنّ الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر، فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه، قال: فقال أبو عبد اللهع: أليس عني يحدثكم ؟ قال: قلت: بلى، قال: فيقول لليل إنه نهار، وللنهار إنه ليل ؟ قال: فقلت له: لا، قال: فقال: رده إلينا، فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا) ([172]). إلى هنا ننهي حوارنا لهذه الليلة يا أولادي الأعزاء ونكمل ليلة غدٍ بإذن الله وتوفيقه سبحانه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة السابعة: صاحب الأمر هو القائم بعد أن انتهى الحوار في الليلة السابقة بقيت في ذهن أحمد وأخويه عدّة أسئلة، وكان هدفهم في هذه الليلة أن يسألوا أباهم عنها، فجاء الأب وسلم عليهم فحيوه بالسلام والتحيات، فقال أرى في وجوكم أسئلة، فاسألوا إن أحببتم. أحمد: لقد أثرت سؤالاً ليلة البارحة عن صاحب الأمر، فمن هو صاحب الأمر يا أبي ؟ الأب: صاحب الأمر وصفته الرواية الرابعة بأنّه شريد طريد موتور بأبيه مكنى بعمه، وهناك روايات بينت هذه الأوصاف له أيضاً، وإليكم هاتين الروايتين: الرواية الأولى: عن عبد الأعلى بن حصين الثعلبي، عن أبيه، قال: (لقيت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) في حج أو عمرة، فقلت له: كبرت سني، ودق عظمي فلست أدرى يقضى لي لقاؤك أم لا فاعهد إلي عهداً وأخبرني متى الفرج ؟ فقال: إنّ الشريد الطريد الفريد الوحيد، المفرد من أهله، الموتور بوالده، المكنى بعمه هو صاحب الرايات، واسمه اسم نبي)([173]). الرواية الثانية: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه قال: (صاحب هذا الأمر هو الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنى بعمه، المفرد من أهله، اسمه اسم نبي) ([174]). والمستفاد من هذين الروايتين: أولاً: إنّ صاحب الأمر الذي وصفته الروايات الثلاثة بأنّه مكنّى بعمه وموتور بأبيه، هو صاحب الرايات، أي الرايات السود المشرقية، إذ لا ينصرف الذهن إلاّ إليها، بل لعدم أطلاق لفظ الرايات إلاّ عليها كما هو مشاهد في الروايات. ثانياً: إنّ المراد بصاحب الأمر في هذه الروايات هو القائم، وقد تقدّم أنّ لفظ القائم يطلق على شخصين، بل أشخاص، لكن ما يهمنا الآن أنّ صاحب الأمر في هذه الروايات هو القائمع. وليس المراد من لفظي صاحب الأمر والقائم هنا الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، بل المراد شخص آخر يكون ممهداً للإمام المهدي محمد بن الحسن ع ، وهو الموصوف بأنّه من أهل بيت الإمام المهدي ع، كما تقدم في الحلقة الثالثة، سيتضح لكم أكثر فيما يأتي. واثق: ما معنى مكنّى بعمه ؟ الأب: المقصود بعمّه؛ هو أبو الفضل العباس ع، وهذا ما بينه أمير المؤمنين ع في خطبة خطبها في الكوفة ونقلها الشيعة والسنة، قال ع: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله بديع السموات وفاطرها،... ثم قال: لو شئت لأوقرت من تفسير فاتحة الكتاب سبعين بعيراً،... سبحان القديم، يفتح الكتاب ويقرأ الجواب: يا أبا العباس أنت إمام الناس، سبحان من يحيي الأرض بعد موتها وترد الولايات إلى بيوتها. يا منصور تقدم إلى بناء السور ذلك تقدير العزيز العليم) ([175]). فكنية صاحب الأمر هي أبا العباس، والعباس هو عمّه؛ لأنّ صاحب الأمر من ذرية الحسينع، فيكون العباس ع عمّه؛ لذا فهو مكنى بعمّه. واثق: كم هي بعيدة هذه الكنية، فلا تخطر ببال أحد أن يكون المراد بالمكنى بعمه أي العباس بن علي ع. أحمد: كيف يكون صاحب الأمر اسمه اسم نبي يا أبي ؟ الأب: نعم اسمه اسم نبي، فاسمه أحمد الذي سيأتينا الكلام عنه في وصية رسول الله ليلة وفاته، وهو اسم رسول الله ص؛ فقد جاء في الرواية: عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله ص: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً) ([176]). وليس المقصود في هذه الرواية الإمام محمد بن الحسن العسكري ع؛ إذ أنّ أباه ليس كأب رسول الله ص، بل المقصود بها أحمد الحسن ع، وسيأتي توضيح أكثر لهذا الحديث إن شاء الله تعالى. محمود: ما المراد بأنّه موتور بأبيه ؟ الأب: الموتور، هو الذي يقتل له قتيل فلم يُدرك دمه، والمقصود بأبيه - على ما أفهم - هو الحسين ع. والذي يساعد على هذا الفهم أمور: الأول: إنّ الحسين ع هو الوتر الموتور كما جاء في زيارته: (السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره و الوتر الموتور) ([177]). فصاحب الأمر هو الموتور بأبيه الحسين ع. الثاني: توجد قرينة في الرواية تدل على أنّ المقصود بأبيه الحسين ع، والقرينة هي قولهع: (المكنى بعمه)، وقد جاء تفسير المراد بعمه في خطبة أمير المؤمنين ع، بأنّه العباسع، فقال ع: (يا أبا العباس أنت إمام الناس)، فبقرينة تفسير عمه بالعباس، يكون المراد من أبيه هو الحسين ع؛ لأنّ صاحب الأمر هو من ذرية الحسين ع. الثالث: قد نصّت الرواية على أنّ القائم أو صاحب رايات المشرق من ولد الحسين ع: وعن عبد اللّه بن عمر، قال: (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً) ([178]). وعن أبي جعفر عأنه قال: (وأشهد على رجل من ولد الحسين لا يسمى ولا يكنى حتى يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً ...) ([179]). وقد تقدم أن المراد بها ليس الإمام المهدي ع، بل المهدي الأول والقائم وصاحب الأمر وصاحب رايات المشرق. وعنه ع، قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد ص فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء فالزم هؤلاء أبداًًً وإياك ومن ذكرت لك ...) ([180]). محمود: أبي قد اتضح لي من كل ما تقدم عدّة أمور سأعرضها بين يديك، فهل ما فهمته صحيحاً ؟ أولاً: يخرج رجل في المشرق وهو صاحب الرايات السود التي تأتي من المشرق، ويحمل السف على عاتقه ثمانية أشهر. ثانياً: أنّ هذا الرجل من ولد الحسين ع، بل من أهل بيت الإمام المهدي ع، ويكون شاباً عند ظهوره. ثالثاً: أنّ اسمه المهدي ع، وبما أنه ليس المراد منه الإمام المهدي ع؛ إذ رايات المشرق تكون قبل ظهور الإمام المهدي ع، فيكون المراد من لفظ المهدي هو المهدي الأول ع الذي جاء ذكره في وصية رسول الله ص ليلة وفاته. رابعاً: إنّه خليفة المهدي ع، أو خليفة الله المهدي ع، على اختلاف الروايتين، فعلى التعبيرين يكون المقصود هو المهدي الأول واليماني الموعود. خامساً: أنّ المهدي الأول ع صاحب رايات المشرق، يُعرف بالوصية وبعهد رسول الله ص. سادساً: إنّ جميع هذه الألفاظ، أعني: خليفة المهدي، أو خليفة الله المهدي، أو وزير المهدي، أو من ولد الحسين ع، أو من أهل بيت الإمام المهدي ع، والمكنى بعمه، كل ذلك يشير إلى اليماني، كما وسمّاه جدّه علي بن أبي طالب ع بـ (طالع المشرق)، فقال في إحدى خطبه: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ الرَّسُولِ ص فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ، وَلَا يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلَّا مَنْ أَبَى وَظَلَمَ وَاعْتَسَفَ وَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ([181]). سابعاً: إنّ صاحب الرايات وهو اليماني، يقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان (ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق، ويؤدون الطاعة للمهدي) - أي السفياني كما تقدم - وقد بينّا فيما سبق أنّ الذي يقاتل السفياني هو اليماني. ثامناً: أمرت الروايات بإتباع صاحب رايات المشرق وبيعته، فقالت: (تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد فمن سمع بهم فليأتهم فبايعهم ولو حبوا على الثلج). الأب: هنا عندي تعليق يا أولادي، وهو: أنّ الروايات أوجبت النهوض والبيعة لرايات المشرق، وليس ذلك إلاّ لوجود الحجّة فيهم، كما نصّت الروايات المتقدمة، والخليفة والحجة هو اليماني، وإلاّ فلا تأمر ببيعتهم والمبادرة إليهم ولو بمشقة الحبو على الثلج، مع الأخذ بنظر الاعتبار الرواية التي نقلتها لكم فيما تقدم والتي تقول: (كل راية ترفع - أو قال: تخرج - قبل قيام القائم ع صاحبها طاغوت) ([182]). فيتعين أن يكون صاحب هذه الرايات هو القائم اليماني؛ لأنّ الروايات أمرت بالالتحاق برايات المشرق، (فليأتهم فبايعهم ولو حبواً على الثلج)، ووصفتهم بأنهم يطلبون الحق: (يسألون الحق فلا يعطونه - حتى أعادها ثلاثاً - فيقاتلون فينصرون، ولا يزالون كذلك حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي)، ووصفتهم بأنهم لا يدعون لأنفسهم وإنّما يدعون لآل محمد ص، بل إلى رجل من أهل بيت النبي ص يملأها قسطاً وعدلاً، يدفعونها إلى الإمام المهدي ع، وهذا نفس معنى رواية اليماني التي جاء فيها يدعو إلى الحق، يدعو إلى صاحبكم، فمن ذلك يُعرف أنّ قائد رايات المشرق هو اليماني، وهو القائم. واثق: ما المقصود بالمشرق يا أبي ؟ الأب: سأذكر لكم رواية تبين لكم المراد من المشرق، عن رسول الله ص: (إذا رأيتم الرايات السود قد اقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فأن فيها خليفة الله المهدي)([183]). لاحظوا يا أحبائي إنّ هذه الرواية فيها مشتركات كثيرة مع الروايات السابقة ما خلا شيء واحد، وهو بدل أن تذكر المشرق ذكرت خراسان، فماذا تفهموا من ذلك يا أولادي ؟ أحمد: نفهم أنّ المشرق هي خراسان، باعتبار أنّ الروايات يفسر بعضها الآخر. الأب: نعم يا ولدي. ولكي أزيدكم أكثر أذكر لكم هذه الروايات: الرواية الأولى: روى أحمد في مسنده، عن رسول الله ص: (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فائتوها فان فيها خليفة الله المهدي) ([184]). الرواية الثانية: وروى المقريزي في إمتاع الأسماع، والمتقي الهندي في كنز العمال عنه عن النبي ص، قال: (تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء) ([185]). الرواية الثالثة: روى السيد بن طاووس في كتابه الملاحم والفتن، عن النبي ص، قال: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي) ([186]). الرواية الرابعة: عن الإمام الباقر ع، قال: (إنّ لله تعالى كنزا بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم (أحمد أحمد) يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات. فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبوا على الثلج) ([187]). لاحظوا يا أحبائي هذه الروايات وقارنوها بالروايات السابقة فستجدونها تتطابق معها بعض الشيء، فذكرت الشاب الذي من أهل بيت الإمام المهدي ع وعبّرت عنه: (شاب من بني هاشم)، وذكرت الرواية أيضاً وجوب المسارعة إليه فقالت: (فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبوا على الثلج)، وذكرت جهة الشرق التي هي خراسان فقالت: (اثنا عشر ألفا بخراسان)، وذكرت: (خليفة الله المهدي)، فجميع هذا تقدم في الروايات السابقة. وذكرت أنّه يعبر الفرات متجهاً إلى العراق (كأني أنظر إليه عابر الفرات). ثم بينت بعض الأشياء التي انفردت به عن الروايات السابقة، فبينت جهة الشرق التي يأتي منها ذلك الشاب الذي من أهل بيت المهدي ع، وهي خراسان، فذكرت الروايات كلمة خراسان بدل كلمة الشرق، ومن هنا تتشخص جهة الشرق. ويظهر أنّ خراسان عنوان مشير إلى مطلق الشرق لا إلى المنطقة المعروفة في إيران. محمود: المستفاد من بعض الروايات المتقدمة أنّ هناك ذرية للإمام المهدي ع، حيث وصفت الذي يخرج من المشرق بأنّه من أهل بيت الإمام المهدي ع. الأب: نعم يا ولدي إنّ للإمام المهدي ذرية، وهذا ما نصت عليه الروايات التي سأذكرها لكم في الليلة القادمة إن شاء الله تعالى. لكن سأذكر لكم شيئاً يعود لطالع المشرق وصاحب الرايات السود واليماني، وهو كونه خامل الأصل، وإليكم هذه الرواية: عن الإمام الباقر ع في رواية طويلة إلى أن يقول: (لا بد من رحى تطحن فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله، يكون النصر معه أصحابه الطويلة شعورهم، أصحاب السبال، سود ثيابهم، أصحاب رايات سود، ويل لمن ناواهم، يقتلونهم هرجاً، والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم، وما يلقى الفجار منهم والأعراب الجفاة يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية، جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد) ([188]). ومعنى خامل الأصل أنّ نسبه مجهول للناس ولا يستطيعون الوصول إلى الكشف عن سلسلة نسبه؛ والسبب في ذلك هو رجوع نسبه إلى الإمام المهدي ع، لذا عبّرت الرواية: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته)، وكما هو معلوم أنّ ذرية الإمام المهدي ع مجهولة بسبب الغيبة وما يطرأ عليها من ظروف تقتضي خفاء نسب الذرية العائدة إليه ع. وإلى هنا ينتهي كلامنا في هذه الليلة، ونلتقي غداً بتوفيق الله، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة الثامنة: ذرية الإمام المهدي ع جاء الأب فوجد أبنائه يتداولون بينهم ما ذكره أبوهم في الليلة الماضية، فقال لهم: هل يوجد عندكم سؤال يا أبنائي ؟ محمود: يا أبي، لقد وعدتنا البارحة بأن يكون كلامنا الليلة حول ذرية الإمام المهدي ع، فهل للإمام المهدي ع زوجة ؟ وهل له ذرية ؟ وكيف يمكن الاستدلال على ذلك ؟ الأب: نعم يا ولدي سأبين لكم إن شاء الله تعالى. أمّا بالنسبة لثبوت زواجه ع، فهو أمر ممكن إثباته، وسأبين بعد ذلك كيف يثبت، إلاّ أنّ معرفة تفاصيل الزواج لا يمكن لأحد معرفتها، ومن طلب معرفة التفاصيل فهو جاهل بحقيقة غيبة الإمام ع وما يعتريها من ظروف وملابسات. ثم إنّ هذه الأمور الشخصية ليس لها دخل في ثبوت ما نريد إثباته، وهي الذرية، لأنّ كلامنا فيها وهي محل ابتلاءنا الآن، حيث كما أسلفت أنّ المهدي الأول هو من ذرية الإمام المهدي ع، وهو اليماني الذي يعد الملتوي عليه من أهل النار، وابتلاءنا هنا لا في تفاصيل زواج الإمام المهدي ع التي حصلت في غيبته. أمّا بالنسبة لأصل الزواج، فيمكن إثباته بطريقين: الطريق الأول: وهو مبني على كلام ذكره الأصوليون، حيث قالوا إنّ الإمام لا يترك المستحب، ومن الواضح أنّ الزواج مستحب في الشرع الإسلامي، فكيف يُعرض الإمام المهديع عنه ؟ عن النبي ص، أنه قال: (النكاح من سنتي، فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي) ([189]). وعن أبي عبد الله ع، قال: قال رسول الله ص: (من تزوج أحرز نصف دينه وفي حديث آخر فليتق الله في النصف الآخر أو الباقي) ([190]). وعن أبي عبد الله ع، قال: قال أمير المؤمنين ع: (تزوجوا فإنّ رسول الله ص قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج) ([191]). وعن أبي عبد الله ع: (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب)([192]). ومع وجود هذا التأكيد على التزويج، فكيف يترك الإمام المهدي ع أفضل بناء في الإسلام، ويترك سنة جدّة النبي المصطفى ص ؟! نعم، يمكن ذلك أن ورد دليل يستثني الإمام المهدي ع، إلاّ أنّه مفقود في المقام، وعليه فتكون تلك الروايات التي بينت فضيلة الزواج شاملة للإمام المهدي ع، خصوصاً مع ما قرّروه في علم الأصول بأنّ الإمام لا يترك المستحب. الطريق الثاني: وهو مبني على الروايات التي نصّت على ثبوت الذرية له ع، فمن الواضح أنّ الذرية لا تأتي إلاّ بالزواج، ولم يرد دليل يخرج الإمام المهدي ع عن هذه القاعدة كما ورد في قصة مريم ص التي ولدت عيسى ع بلا زواج، أو آدم ع الذي خلقه الله ابتداءً، وعليه فيكون ثبوت الذرية كاشفاً عن زواجه ع. بل يوجد كلام عند بعضهم يقول برجوع نسب المتنبي الشاعر المعروف إلى الإمام المهديع ([193]). وأمّا بالنسبة لذرية الإمام ع، فيمكن إثباتها بالروايات التي وردت بأنّ له ذرية، وهذه الروايات على قسمين: القسم الأول: ما يبين الذرية له ع؛ وهي روايات عديدة: الرواية الأولى: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة، حيث روى الصلوات المعروفة بصلاة أبي الحسن الضرّاب، وهي صلاة طويلة، ولها فضيلة عظيمة، وإليكم الفقرات التي جاءت في هذه الصلاة: (.... اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه، وتسر به نفسه، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير .....) ([194]). وجاء فيها أيضاً هذه العبارة: (... اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، (و) الحسن الرضا، والحسين المصطفى، وجميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصل على وليك وولاة عهده، والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وأزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم [ديناً]، دنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير..) ([195]). وقد رواها السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع، وقال عنها: (إذا تركت تعقيب عصر يوم الجمعة لعذر فلا تتركها أبداً، لأمر أطلعنا الله عليه) ([196]). وعلّق على هذه العبارة ميرزا محمد تقي الأصفهاني في كتابه مكيال المكارم بقوله: (ويستفاد من قوله (: فلا تتركها أبداً لأمر أطلعنا الله جل جلاله عليه، صدور أمر إليه من مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه في ذلك، فهو دليل لصحة الرواية، والله ولي النعمة والهداية) ([197]). الرواية الثانية: روى الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، في أعمال اليوم الثالث من شهر شعبان، الذي هو يوم ولادة الحسين الشهيد ع هذا الدعاء: (اللهم إني أسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها، ولما يطأ لابتيها قتيل العبرة وسيد الأسرة الممدود بالنصرة يوم الكرة المعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبار ويكونوا خير أنصار صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار، اللهم فبحقهم إليك أتوسل وأسأل سؤال مقترف معترف مسيء إلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه، يسألك العصمة إلى محل رمسه، اللهم فصل على محمد وعترته واحشرنا في زمرته، وبوئنا معه دار الكرامة ومحل الإقامة) ([198]). الرواية الثالثة: جاء في زيارة الإمام المهدي ع التي تقرأ في يوم الجمعة، وذكرها السيد ابن طاووس في كتاب جمال الأسبوع، فجاءت فيها هذه الفقرتان: (صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين)، وتكررت هذه الفقرة في ثلاث مواضع، وفي أخرها قال: (صلوات الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين) ([199]). الرواية الرابعة: عن الإمام الصادق ع أنه قال لأبي بصير: (كأني أرى نزول القائم ع في مسجد السهلة بأهله وعياله …) ([200]). فقد بينت الروايات المتقدمة ذرية الإمام المهدي ع، وأهل بيته، وآل بيته. ثم أنّ الروايات تعطي ذرية الإمام المهدي ع أوصافاً عظيمة وجليلة، فلاحظوا هذه العبارة التي جاءت في الرواية الثانية: (وصل على وليك وولاة عهده، والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وأزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم [ديناً]، دنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير)، فوصفتهم الرواية بأنهم ولاة عهد الإمام المهدي ع، وأنهم الأئمة من ولده ع. كما بينت الرواية الثانية بأنهم أوصياء المهدي ع (والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته)، وبينت أيضاً أنهم يدركوا الأوتار، ويكونوا خير أنصار (حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبار ويكونوا خير أنصار)، ولعظيم شأنهم يصلي عليهم الداعي ويتوسل بهم (صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار، اللهم فبحقهم إليك أتوسل وأسأل سؤال مقترف معترف مسيء إلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه). القسم الثاني: الروايات التي تُفرد بالذِكر إبناً للإمام المهدي ع. الرواية الأولى: ذكر الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد في الدعاء المروي عن الإمام الرضاع لصاحب الزمان ع، فجاء في أحد فقراته: (اللهم أعطه في نفسه وأهله ووَلَدِه وذريته و أمته وجميع رعيته ما تقربه عينه وتسربه نفسه …) ([201]). الرواية الثانية: روى الشيخ النعماني في الغيبة: عن أبي عبد الله الصادق ع، قال: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلاّ المولى الذي يلي أمره) ([202]). وروى ذلك الشيخ الطوسي في الغيبة، بهذا السند وبهذا اللفظ، قال أحمد بن إدريس، عن علي بن محمد، عن الفضل بن شاذان، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن المستنير، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلاّ المولى الذي يلي أمره) ([203]). الرواية الثالثة: روى الشيخ الطوسي، عن الإمام الصادق ع خبراً ذكر فيه بعض من وصية رسول الله ص لأمير المؤمنين ع في الليلة التي كانت فيها وفاته، ومنها أنه ص قال: (فإذا حضرته الوفاة - أي الإمام المهدي ع - فليسلمها إلى إبنه أول المقربين … الخ)([204]). الرواية الرابعة: عن أبي الحسن الرضا ع: (كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([205]). الرواية الخامسة: جاء في بشارة الإسلام نقلاً عن بحار الأنوار، عن سطيح الكاهن في خبر طويل جاء في أحد فقراته بعدما يذكر بعض الوقائع التي تسبق قيام الإمام المهدي ع: (…فعندها يظهر ابن المهدي ع …) ([206]). فلاحظوا يا أحبائي الرواية الأولى خصّت ابن المهدي في الدعاء على الرغم من أنّها دعت للذرية أيضاً، لكن خصّت ولداً من أولاده بالذِكر، كما أنّ في الرواية الثانية التي نقلها الشيخ النعماني خصّت المولى الذي يلي أمر أبيه الإمام المهدي ع، وكذلك التي نقلها الشيخ الطوسي أيضاً، بفارق بسيط أن في رواية النعماني جاء لفظ (ولي) وفي رواية الطوسي جاء لفظ (ولده). لكن في الروايتين تثبت أنّ الذي يطلع عليه في غيبته هو المولي الذي يلي أمره. وهو نفسه الوارد في الرواية الثالثة: (فليسلمها إلى ابنه أول المقربين)، وهو أيضاً في الرواية الرابعة: (فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات)، أي ابن الإمام المهدي ع. وفي الرواية الخامسة أيضاً ذكرت ابن المهدي ع. واثق: لكن يا أبي إني قرأت نصّ هذه الرواية في أحد المصادر، لكن ورد فيها لفظ النبي، (أي ابن النبي المهدي)، وعليه فتكون هذه الرواية ناظرة للإمام المهدي محمد بن الحسن ع، لا إلى ولده، وبما أننا لم نكن نقطع أي لفظي الرواية هو الثابت؛ بسبب اختلاف النسخ، فلا يمكن الاستدلال بها على ما أردت إثباته. الأب: سأجيبك يا ولدي بجواب ذكره أحد الأنصار بخصوص هذه الرواية، خلاصته على القراءتين أنّ الرواية لا تنطبق على الإمام المهدي ع؛ وذلك بقرينة تسلسل الأحداث الواردة في الخبر، وإليكم نص الجواب: لا يمكن حمل اللفظ على الإمام المهدي ع في ذلك الخبر أصلاً، إذا لاحظنا تسلسل الأحداث في نفس الخبر، وهي: أ- خروج السفياني بقوله: (فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرمات، ويترك النساء بالثدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة، فرب بيضاء الساق مكشوفة على الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قتل زوجها، وكثر عجزها ، واستحل فرجها). ب- ثم ذكر خروج ابن المهدي أو على الطبعة الأخرى (ابن النبي المهدي) فقال: (فعندها يظهر ابن المهدي) وهذا موافق للروايات التي تنص على إنّ خروج أو قيام اليماني والسفياني في وقت واحد. ج- خروج ملك من صنعاء بقوله: (ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن، أبيض كالقطن اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن)، وهذا الملك لا يمكن لأحد أن يقول إنه يخرج بعد قيام الإمام المهدي ع، وبذلك لا يمكن حمل قوله (ابن المهدي) على إنها تقصد الإمام المهديع، فحتى لو تنزلنا وقلنا بان اللفظ هو (ابن النبي المهدي) فهو أيضاً لا يصدق على الإمام المهدي ع ولاسيما عند ملاحظة قوله: (ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن) وثم تدل على التراخي كما هو معلوم؛ لأن ملك صنعاء يخرج قبل قيام الإمام المهدي ع وليس بعده. د- وبعد ذلك ذكر قيام الإمام المهدي ع بقوله: (فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهدياً، وسيداً علوياً فيفرج الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء، ويفرق الأموال في الناس بالسواء، ويغمه السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذاء ويرد الحق على أهل القرى، ويكثر في الناس الضيافة والقرى، ويرفع بعدله الغواية والعمى، كأنه كان غبار فانجلى، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً والأيام حباء، وهو علم للساعة بلا امتراء)، وهذا يدل على إنّ قوله السابق: (ابن المهدي) أو حتى لو قلنا: (ابن النبي المهدي) لا يصدق على الإمام المهدي ع، فلا يكون له مصداق غير المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي ع وهو اليماني الموعود، وهو أيضاً ابن النبي؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي ع ([207]). الأب: النتيجة المستخلصة من كل ما تقدم هي، وجود الذرية للإمام المهدي ع بشكل عام، ويوجد له ولد واحد اهتمت به الروايات وبينت أنه تُهدى له الرايات، وأنه هو فقط الذي يطّلع على الإمام المهدي ع في غيبته؛ لأنّه المولى الذي يلي أمره، ويسلمها له أبيه عند حضور وفاته، وبهذا تُسد جميع الأبواب للإمام المهدي إلاّ عن طريق ولده الذي يطّلع عليه في غيبته وهو وصيه ورسوله إلى الناس، وبهذا شابه هذا الابن جدّه أمير المؤمنين ع الذي كان هو الباب الوحيد لرسول الله ص، فمن أراد إتباع رسول الله ص عليه أن يأتي من بابه، وهو علي بن أبي طالب ع، فكذلك من أراد إتباع الإمام المهدي ع، فعليه أن يأتي من بابه وهو وصيه ورسوله إلى الناس؛ وهو المهدي الأول واليماني الموعود. وبهذا يكون الشيعة والسنة على حدٍ سواء، فالسنة يؤمنون برسول الله ص كما يزعمون لكنهم لم يتبعوه ويأتوا إليه من بابه؛ وهو علي ع، وكذلك الشيعة يؤمنون بالإمام المهديع، ولكنهم لا يأتون من الباب الذي أردهم أن يأتوه منه، وهو وصيه ورسوله المهدي الأول واليماني الموعود أحمد الحسن ع، فالاثنان سقطا في فخ واحد. محمود: كيف يا أبي يكون المهدي الأول هو اليماني ؟ الأب: سؤال مهم، لكن سأترك الإجابة عنه لحين التعرّض للوصية الشريفة لرسول الله ص ليلة وفاته فانتظر يا ولدي. أحمد: أبي، لقد دار حديثاً بيني وبين بعض أصدقائي، فقلت له: أنّ للإمام المهدي ع ذرية، فنفى ذلك وقال: كلا ليس له ذرية، وذكر لي حديثاً يدل على أنّ المهدي ليس له ذرية، ولقد دونت هذا الحديث، وهو ما رواه الشيخ النعماني في كتاب الغيبة: محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز، قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ع فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الإمام إلاّ وله عقب. فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت ؟ ليس هكذا قال جعفر ع، إنما قال جعفر ع: لا يكون الإمام إلاّ وله عقب إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك، هكذا سمعت جدك يقول)([208]). فقال: كيف تقول بثبوت الذرية للإمام المهدي ع والحال أنّ هذه الرواية تنفي ذلك، إذ الحسين ع يخرج بعد الإمام المهدي ع، وتبدأ الرجعة. الأب: التفت يا ولدي، إنّ المقصود بالإمام الذي ليس له عقب هو المهدي الثاني عشر ع من أولاد الإمام المهدي ع، وهو الذي يخرج عليه الحسين ع، وهذا الموضوع سأبينه بالتفصيل إن شاء الله عند دراستنا لروايات المهديين ص، بل هذا الحديث يدل على كون المهديين أئمة، بخلاف من توهم خلاف ذلك وسيأتينا التفصيل في وقته إن شاء الله تعالى. ثم التفتوا يا أولادي إلى ما أقوله لكم: أولاً: لو غاب عنا شخص وكان عمره وقت غيابة عشرين سنة، ومضت على غيابه عشرين أُخرى، وكانت أخباره منقطعة عن أهله، فلا يعلمون عنه شيئاً، في هذا الفرض هل يمكن لأهله نفي أو إثبات الذرية له ؟ محمود: كلا يا أبي، لا يستطيعون إثبات الذرية له كما لا يستطيعون نفيها. واثق: لماذا يا أبي يمكنهم نفي الذرية بالاستصحاب، بأن يستصحبون الحالة السابقة، وهو ذهب منهم ولم يتزوج، فيستصحبون عدم الزواج وبالتالي تنتفي الذرية. الأب: هذا الذي ذكرته يا واثق هو ما يسمى بعلم أُصول الفقه عندهم بالاستصحاب، وهو أصل عملي، والأصل العملي لا يؤخذ به إلاّ مع عدم وجود دليل روائي على خلافه، أمّا مع وجود الدليل الروائي فيقدم الدليل الروائي عليه، وفي مسألتنا هذه لا يجري الاستصحاب لكي ينفي وجود الزواج وبالتالي ينفي وجود الذرية للإمام ع، وذلك لوجود الأدلة الروائية الكثيرة التي تثبت أنّ للإمام المهدي ع ذرية، وقد تقدّم بعضها. محمود: الآن ثبت أنّ للإمام المهدي ع ذرية، لكن كيف نعرف هذه الذرية ؟ الأب: إنّ ذرية الإمام المهدي ع لا نعرفها إلاّ بإخبار منهع ، والسبب في ذلك هو غيبة الإمام وكون شخصيته مجهولةً للناس، فحتى عائلته قد لا تعرفه بأنّه الإمام المهدي ع، وعليه فلا تعرف ذريته إلاّ بإخباره. أحمد: كنت أتكلم مع صديقي بخصوص دعوة السيد أحمد الحسن ع، وأنّه ابن الإمام المهدي ع، فطلب مني سلسلة النسب، فقلت له: لا أعرفها، فقال: كيف تؤمن بشخص لا تعرف نسبه، فقط أنه يدعي ابن الإمام المهدي ع، أليس من الأولى أن يثبت نسبه ثم بعد ذلك تتبعه ؟ الأب: سأوضح لكم يا أبنائي هذه المسألة: أولاً: نبي الله يوسف ع كان في مصر وأعلن دعوته، وقبل البعض دعوته وهو في السجن، ولم يكونوا يعرفوا نسبه. فهل من آمن بيوسف مع عدم معرفته بنسبه كان مخطئاً ؟! الجواب: كلا لم يكن مخطئاً، فلو كان الإيمان متوقفاً على النسب لكان كل من آمن بيوسف قبل معرفته بنسبه مخطئاً، والحال أنهم لم يكونوا مخطئين، ومعنى ذلك عدم توقف الإيمان على معرفة سلسلة النسب، بل يعد نبي الله يوسف مقصراً لعدم بيانه لنسبه مع توقف إيمان القوم عليه. ثانياً: إنّ السيد أحمد الحسن ع نسبه معلوم عنده وأخبره به الإمام المهدي ع، لكن لو بين الآن سيد أحمد الحسن نسبه للناس، هل تصدّق الناس بسلسلة النسب التي أتى بها ؟ الجواب: كلا، إذ سيتعللون بعد صحة هذه السلسلة، لكن لو ثبت لهم أنه حجة وجاء بنسبه، بطبيعة الحال سيقبلون بعد أن أقروا بحجية قوله. ثالثاً: إنّ أهل البيت ص بينوا الموازين التي يعرف بها صاحب هذا الأمر في روايات عديدة، وينبغي للإنسان أن لا يحيد عن موازين الثقلين، وإلاّ سيهلك. ولو رجعنا إلى موازين الثقلين لوجدنا أهل البيت ص الذين هم الثقل الثاني العاصم للأمة من الضلال بينوا كل تلك الموازين التي يعرف بها صاحب الأمر، وإليك بعضاً من تلك الروايات: الرواية الأولى: عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: قلت لأبي عبد الله ع: بم يعرف صاحب هذا الأمر ؟ قال: (بالسكينة والوقار، والعلم، والوصية) ([209]). الرواية الثانية: وعن أبي عبد الله عفي حديث طويل قال: ( ... يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله ص، ووصيته ...) ([210]). الرواية الثالثة: عن الباقر ع، قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد ص فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين ع معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداًًً وإياك ومن ذكرت لك...)([211]). الرواية الرابعة: فعن الباقر ع، قال: (... ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه ...) ([212]). الرواية الخامسة: عن أبي الجارود، قال: قلت لأبي جعفر ع: إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت، فبأي شيء يعرف من يجئ بعده ؟ قال: (بالهدى، والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يسأل عن شيء بين صدفيها إلا أجاب) ([213]). فهذه الموازين التي يُعرف بها داعي الله، وصاحب هذا الأمر، أمّا النسب فلا تتوقف عليه معرفة الحجج ص. وكذلك المعجزة أيضاً فلا تتوقف معرفة صاحب الحق عليها، و دونكم هذه الموازين هل ذُكِر فيها لفظ المعجزة ؟ الجواب: كلا. إلى هنا ننهي حوارنا في هذه الليلة على أمل أن نلتقي ليلة غدٍ بتوفيق الله ومشيئته سبحانه، والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة التاسعة: تمهيد لذكر روايات المهديين ص جاء وقت الحوار وتكلم الأخوة فيما بينهم حول ما ذكره أبوهم في الليلة الماضية، فقال أحمد لأخويه: إنّ الصورة بدت عندي واضحة ما خلا شيء واحد، وهو أن أبي قال بوجود إثني عشر مهدياً يأتون بعد الإمام المهدي ع، وأنّ اليماني هو أول المهديين ع، فما رأيكم أن نطلب من والدنا اليوم يتكلّم لنا حول المهديين الاثني عشر ص ؟ واثق: نعم جيد. و بينما هم كذلك دخل أبوهم، فسلّم عليهم وتبادلوا معه السلام، وسألهم عن أحوالهم وما استفادوه من حوار الليالي الماضية، فأجابوه بأنّهم استفادوا الكثير، فقال لهم: هل يوجد عندكم سؤال حول ما ذكرناه الليلة الماضية ؟ أحمد: يا أبي عندنا الكثير من الأسئلة لكن بما أنّ حوارنا لم ينتهي فلعل أسئلتنا ستجيب عليها في الليالي المقبلة. الأب: سأتكلم لكم الليلة عن المهديين الاثني عشر ص الذين يحكمون الأرض بعد أبيهم الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، والذين جاء ذكرهم في روايات آل محمد ص. وقبل أنّ أعرض لكم روايات المهديين الإثني عشر الذين يأتون بعد الإمام المهدي ع، أُبين نقطتين: النقطة الأولى: إنّ لفظ المهديين يطلق في روايات أهل البيت ص فيراد منه الأئمة الإثني عشر الذين أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، وآخرهم الإمام محمد بن الحسن العسكري ع، وتارة أُخرى يطلق لفظ المهديين ويراد به المهديين الإثني عشر الذين هم من ذرية الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ع، والذين أولهم أحمد المذكور في وصية رسول الله ص ليلة وفاته، وآخرهم المهدي الذي وصفته الرواية بأنه لا عقب له. فقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ع فقال له: أنت إمام ؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الإمام إلاّ وله عقب. فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت ؟ ليس هكذا قال جعفر ع، إنما قال جعفر ع: لا يكون الإمام إلاّ وله عقب إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول)([214]). إذن فالروايات قد تعبّر بلفظ المهديين ويُقصد بهم الأئمة الإثني عشر، وإليكم هذه الرواية: عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ص: (لما عرج بي إلى ربي جل جلاله..... فأوحى الله إلي: يا محمد، اخترتك من خلقي واخترت لك وصياً من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدك، وألقيت محبته في قلبك وجعلته أباً لولدك فحقه بعدك على أمتك كحقك عليهم في حياتك، فمن جحد حقه فقد جحد حقك، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة، فخررت لله عز وجل ساجداً شكراً لما أنعم عليّ، فإذا منادياً ينادى: ارفع يا محمد رأسك، وسلني أعطك، فقلت: إلهي أجمع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا جميعاً عليّ حوضي يوم القيامة، فأوحى الله تعالى إلي: يا محمد، إني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم، وقضائي ماض فيهم، لأهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء. وقد آتيته علمك من بعدك وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأمتك، عزيمة مني (لأدخل الجنة من أحبه) ولا ادخل الجنة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك، فمن أبغضه أبغضك، ومن أبغضك أبغضني، ومن عاداه فقد عاداك، ومن عاداك فقد عاداني، ومن أحبه فقد أحبك، ومن أحبك فقد أحبني، وقد جعلت له هذه الفضيلة، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلهم من ذريتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلماً وجوراً،....) ([215]). فعبّرت هذه الرواية عن الأئمة ص بلفظ المهديين، وكذلك غيرها أيضاً. أمّا الروايات التي سأتعرض لها فيما يأتي فليس المقصود بلفظ المهديين هم الأئمة الإثني عشر، بل المراد به المهديين الإثني عشر الذين هم من ذرية الإمام المهدي ع. واثق: أبي، ما هو الفارق بين الأئمة والمهديين ص ؟ الأب: إنّ المهديين من حيث الحجية فهم كالأئمة ص، فكما أنّ الأئمة حجج فكذلك المهديين، وكذا الأنبياء والرسل جميعهم حجج لله تعالى على خلقه، لكن التفضيل بينهم في المقام، قال عزّ وجل: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾([216]). ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً﴾([217]). فمن جهة الحجة على الخلق جميعهم حجج، لكنهم يتفاوتون في المقام والمنزلة، ولذا انقسم الأنبياء على قسمين بلحاظ المنزلة والمقام إلى أنبياء أولي عزم، وغير أولي عزم ([218]). أمّا أهل البيت ص فمقامهم أعلى من كل الأنبياء سوى جدّهم محمد ص، لذا ورد عن أبي عبد الله ع، قال: (إنّ الله فضّل أولي العزم من الرسل بالعلم على الأنبياء. وورثنا علمهم، وفضلنا عليهم في فضلهم، وعلم رسول الله ص ما لا يعلمون، وعلمنا علم رسول الله ص فروينا لشيعتنا. فمن قبل منهم فهو أفضلهم، وأينما نكون فشيعتنا معنا) ([219]). أمّا آل محمد ص فأيضاً يتفاوتون في المقام، فالمقام الأول للرسول محمد ص فلا يدانيه في الفضل والمقام أحد أبداً، وكذلك أهل الكساء فهم أفضل من جميع الأئمة ص، وأفضل أهل الكساء علي وفاطمة ص ([220])، والإمام المهدي محمد بن الحسن ع أفضل الأئمة غير أهل الكساء؛ لذا يسمّى (طاووس الأئمة)([221])، ولاحظوا هذه الرواية يا أبنائي التي تصف المهدي محمد بن الحسن ع بأنه كوكب درّي بين بقية الأئمة ص. روى الشيخ النعماني في الغيبة، عن رسول الله ص: (إنّ الله ع أوحى إليّ ليلة أسري بي: يا محمد، من خلفت في الأرض في أمتك - وهو أعلم بذلك - ؟ قلت: يا رب، أخي. قال: يا محمد، علي بن أبي طالب ؟ قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد، إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فلا أذكر حتى تذكر معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة أخرى فاخترت منها علي بن أبي طالب فجعلته وصيك، فأنت سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء، ثم شققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي. يا محمد، إني خلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من نور واحد، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان من المقربين، ومن جحدها كان من الكافرين. يا محمد، لو أن عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع ثم لقيني جاحدا لولايتهم أدخلته ناري. ثم قال: يا محمد، أتحب أن تراهم ؟ فقلت: نعم. فقال: تقدم أمامك، فتقدمت أمامي فإذا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم كأنه الكوكب الدري في وسطهم، فقلت: يا رب، من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم، محلل حلالي، ومحرم حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمد، أحببه فإني أحبه وأحب من يحبه) ([222]). فالمهديون هم على العموم مقامهم أقل من مقام الأئمة الإثني عشر ص، والمهدي الأول منهم مقامه أفضل من مقام جميع المهديين، بل لعظم منزلته عدّوه أهل البيت في عداد الأئمة ص فيصبح الأئمة ثلاثة عشر، وهذا ما لم يصل إلى تفسيره أحد إلاّ صاحبه، وهو اليماني والمهدي الأول أحمد ع، وقد نصّت الرواية على ذلك، فروى سليم حديثاً طويلاً جاء فيه: (قالت فاطمة ص: يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟ فقال رسول الله ص: أخي علي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول الله ص بيده إلى الحسين ع - منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه والآخر وصي الأول...) ([223]). والشاهد هذه العبارة: (منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه والآخر وصي الأول ...). والمراد بالمهدي، هو المهدي الأول، والمراد بالذي قبله؛ هو الإمام محمد بن الحسن العسكريع فهو أفضل من المهدي الأول ع، وقوله: (الأول خير من الآخر؛ لأنه - أي الأول - إمامه والآخر وصي الأول ...). والمراد من الأول هو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عالذي هو خير من الآخر، والآخر هو المهدي الأول ع، وسبب ذلك لأنّ الإمام محمد بن الحسن العسكري ع إمام المهدي الأول ع، وقوله: (والآخر وصي الأول) المقصود بالآخر المهدي الأول ع، والمقصود بالأول هو الإمام محمد بن الحسن العسكري ع فيكون المعنى: (والآخر)، أي المهدي الأول ع (وصي الأول)، أي: المهدي الأول وصي الإمام المهدي محمد بن الحسن ع،الذي هو المقصود بلفظ الأول. وعن رسول الله ص قال: (يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه، للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به) ([224]). الشاهد في الرواية هذا المقطع: (أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم لأن الله هداهم به). فأيضاً هذه الرواية لفظ المهدي فيها يقصد به المهدي الأول ع، والمراد من أبيه الذي يليه هو الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، وإلاّ مَن من الأئمة ص أبوه يليه ويأتي بعده ؟! ثم إنّ سلمان يسأل النبي ص عن الأفضل، فيقول ص: (أبوه أفضل منه)، والمراد من أبوه هو الإمام محمد بن الحسن ع، فهو أفضل من ولده المهدي الأول ع، لكن المهدي الأول أفضل المهديين ص، لذا قالت الرواية: (للأول - أي المهدي الأول ع - مثل أجورهم كلهم؛ لأنّ الله هداهم به). فإذن يا أبنائي التفاوت بين حجج الله سبحانه من جهة المقام والمنزلة، لا من جهة كونهم حجج، فكما أنّ الأئمة ع حجج، كذلك المهديين ع، وكما أنّ الملتوي على الأئمة ع يوجب دخول النار، فكذلك الملتوي على المهديين ع؛ ولذا قال الإمام الباقر ع عن اليمانيع: (الملتوي عليه من أهل النار)، وما ذلك إلاّ لكونه حجة إلهية. ولأجل أنّ المهديين الاثني عشر على العموم أقل مقاماً من الأئمة ص، عبر أهل البيت عنهم، بأنهم قوم من شيعتنا ([225])، مما جعل الكثير يتوهم أنهم ليسوا أئمة قد فرض الله طاعتهم، والحال أنّ الروايات تعبّر عنهم بأنّهم أئمة، وسيأتي توضيح ذلك قريباً. النقطة الثانية: لو درسنا روايات أهل البيت ص لوجدناها تنقسم بلحاظ عدد الأئمة والمهديين ص إلى خمسة أقسام: الأول: الروايات التي دلت على أنّ الأئمة ص عددهم اثنا عشر، وجاءت بألفاظ مختلفة، (اثنا عشر خليفة)([226])، (اثنا عشر أميراً) ([227]). (اثنا عشر إماماً)([228])، (اثنا عشر محدثاً)([229])، (اثنا عشر رجلاً)([230])، بل عبر بلفظ المهديين وأُريد منه الأئمة الإثني عشر ([231])، فكل هذه التعابير تشير إلى عدد الأئمة الإثني عشرص. الثاني: الروايات التي دلت على أنّ الأئمة ص ثلاثة عشر. الثالث: الروايات التي دلت على أنّ المهديين الذين يحكمون الأرض بعد الإمام المهدي ع اثنا عشر. الرابع: الروايات التي دلت على أنّ المهديين ص أحد عشر. وهي رواية واحدة. الخامس: الروايات التي دلت على أنّ الأئمة اثنا عشر، والمهديين اثنا عشر. وهي رواية الوصية. يوجد هناك تقابل بين القسم الثاني والقسم الرابع، ونشأ ذلك من خلال عدّ المهدي الأولع تارة مع الأئمة، فيكون عددهم ثلاثة عشر، فيكون المهديون أحد عشر، وتارة يعد مع المهديين فيكونوا اثني عشر، كما ويكون الأئمة اثني عشر لا ثلاثة عشر. ويرجع سبب عدّه مع الأئمة ص لعلو مقامه ع كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك في النقطة السابقة. وسأتعرض لهذه الروايات في وقت آخر، لكن ما أُريد بيانه الآن أنّه توجد رواية تقول بأنّ المهديين أحد عشر ص، فقد عرفتم الجواب عنها. والرواية هي: عن أبي عبد الله ع، في حديث طويل أنه قال: (يا أبا حمزة، إنّ منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع) ([232]). ومن هنا أؤكد لكم يا أبنائي أنّ الرواية الوحيدة التي جمعت الجميع هي رواية الوصية المباركة، فهي الأم التي يُرجع إليها. وإلى هنا ننهي كلامنا في هذه الليلة ونكمل ليلة غدٍ بتوفيق الله مشيئته سبحانه، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * * -الحلقة العاشرة: في بيان روايات المهديين ص وجاءت ليلة الغد، فالتقى الأب بأولاده، وتبادلوا التحية والسلام، فقال الأب: الآن يا أبنائي سأعرض لكم روايات المهديين ص. فلقد عبّرت عنهم الروايات بألفاظ مختلفة، فتارة عبّرت عنهم بلفظ المهديين، وتارة بلفظ القوّام، وثالثة بكونهم ولاة عهد الإمام المهدي ع والأئمة من بعده، ورابعة: بلفظ أنهم من شيعة الأئمة ص، وسأعرض لكم الروايات بحسب العناوين التي ذُكر بها هؤلاء الطاهرون ص. أولاً: روايات المهديين: الرواية الأولى: جاء في وصية رسول الله ص ليلة وفاته والتي سأتكلم لكم عنها فيما بعد هذه الفقرة: (... يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً...) ([233]). الرواية الثانية: عن الإمام السجاد ع، قال: (يقوم القائم منا ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً) ([234]). الرواية الثالثة: عن الصادق ع: (إنّ منا بعد القائم ع اثنا عشر مهدياً من ولد الحسينع) ([235]). الرواية الرابعة: عن عمر، عن رسول الله ص أنه قال: (ابشروا، فيوشك أيام الجبارين أن تنقطع، ثم يكون بعدهم الجابر الذي يجبر الله به أمة محمد ص، المهدي، ثم المنصور، ثم عدد أئمة مهديين)([236]). أي: هناك مهديون بعد الإمام المهدي ع،وعددهم كعدد الأئمة الاثني عشر ص. ثانياً: في كونهم قوّاماً بعد أبيهم ع: عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في ذكر الكوفة، قال: (... فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلاّ وصلّى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين) ([237]). ثالثاً: في كونهم أئمة وولاة عهد الإمام المهدي ع: الرواية الأولى: جاء في الدعاء لصاحب الأمر ع المروي عن الرضا ع: روى يونس بن عبد الرحمن: أنّ الرضا عكان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا - وهو دعاء طويل نقلت منه موضع الحاجة - : (.... اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم، وأعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم، وثبت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك، وخزان علمك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأولياؤك وسلائل أوليائك، وصفوة أولاد نبيك، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته) ([238]). الرواية الثانية: عن حبّة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين ع إلى الحيرة فقال: (لتصلن هذه بهذه - وأومى بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم عجل الله تعالى فرجه؛ لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه إثنا عشر إماماً عدلاً،....) ([239]). ومن الواضح أنّ الرواية تتكلم عن زمن ظهور الإمام المهدي ع، لذا قالت: (يصلي فيه خليفة القائم)، ثم من هم (الإثنا عشر إماماً عدلاً) غير المهديين الاثني عشر، الذين أولهم خليفة الإمام محمد بن الحسن ع، والذي جاء ذِكرُ اسمه في وصية رسول الله ليلة وفاته. رابعاً: في كونهم أوصياء الإمام المهدي ع: روى الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، في أعمال اليوم الثالث من شهر شعبان، الذي هو يوم ولادة الحسين الشهيد ع هذا الدعاء: (اللهم إني أسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها، ولما يطأ لابتيها، قتيل العبرة، وسيد الأسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرة، المعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبار ويكونوا خير أنصار، صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار، اللهم فبحقهم إليك أتوسل وأسأل سؤال مقترف معترف مسيء إلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه، يسألك العصمة إلى محل رمسه، اللهم فصل على محمد وعترته واحشرنا في زمرته، وبوئنا معه دار الكرامة ومحل الإقامة) ([240]). خامساً: في كونهم من شيعة أهل البيت ص: عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد ع: يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك ع أنه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً، فقال الصادق ع: إنما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثني عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([241]). فجميع هذه التعابير تشير إلى أبناء الإمام محمد بن الحسن ع وخلفائه الذين يحكمون الأرض من بعده، وتكون دولتهم هي دولته ع وهم خلفائه وأوصيائه فيها. فلاحظوا يا أبنائي هذه الروايات التي تنص على وجود اثنا عشر إماماً، واثنا عشر مهدياً، وينتهي الأئمة ص بالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ع، ثم يأتي بعدهم اثنا عشر مهدياً يكون دورهم بعد الإمام المهدي ع، وهؤلاء هم حجج الله على الخلق يحكمون الأرض بعد الإمام المهدي ع. أحمد: لكن يا أبي الرواية الأخيرة عبّرت عنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس لولايتنا ومعرفة حقنا، ألا يلزم من ذلك أنّهم أُناس عاديين ؟ الأب: لا يا ولدي لا يلزم ذلك بعد أن عرفت الروايات التي سمتهم أوصياء وولاة عهد الإمام المهدي ع وكونهم الأئمة والقوّام من بعده، وأمّا بخصوص هذا التعبير الذي ذكرته الرواية، وهو أنهم قوم من شيعة آل البيت ص يدعون الناس لولايتهم ومعرفة حقهم، فهو يجري مجرى تعبير القرآن عن نبي الله ابراهيم ع حيث قال فيه: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾([242])، وسأنقل لكم هذه الرواية عن رسول الله ص، لتتضح لكم الأية المباركة: (لما خلق الله تعالى إبراهيم الخليل، كشف عن بصره، فرأى نوراً إلى جنب العرش، فقال: إلهي ما هذا النور ؟ قال: يا إبراهيم، هذا نور محمد صفوتي من خلقي - إلى أن ذكر أنوار الأئمة صثم قال - فقال إبراهيم: إني أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلاّ أنت، فقال: يا إبراهيم، هذه أنوار شيعتهم، شيعة علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ع، قال إبراهيم: فبما تعرف شيعة علي بن أبي طالب ع ؟ قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، وتعفير الجبين، والتختم باليمين، فقال إبراهيم: اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبع ، قال تبارك وتعالى: قد جعلتك منهم، فلهذا أنزل الله تعالى فيه في كتابه: ﴿وَإِنَّ من شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾) ([243]). فالإمام الصادق ع لا يريد نفي مطلق الإمامة عن ذرية الإمام المهدي ع، بل بصدد تصحيح خطأ الناقل، من جهة، والتنبيه على أنّ المهديين ص ليسوا أئمة كإمامة آبائهم الاثني عشر ص، بل بمرتبة أدنى من جهة ثانية، وإلاّ فهم أئمة يقودون الناس بعد أبيهم الإمام المهديع، كما تقدّم ما يدل على ذلك قبل قليل. فهؤلاء المهديون الذين هم عدد الأئمة ص هم المهديين الاثني عشر ص. واثق: أبي، لقد قرأت في كتاب بحار الأنوار بعضاً من هذه الروايات، ورأيت أنّ الشيخ المجلسي يحمل هذه الروايات على الرجعة، وقد دونت ما ذكره الشيخ المجلسي، فقال بعد أن ذكر بعضاً من هذه الروايات: (هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين: الأول: أن يكون المراد بالاثني عشر مهدياً النبي صلى الله عليه وآله وسائر الأئمة سوى القائم ع؛ بأن يكون ملكهم بعد القائم ع وقد سبق أنّ الحسن بن سليمان أولها بجميع الأئمة، وقال برجعة القائم ع بعد موته، وبه أيضاً يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدّة ملكه ع. والثاني: أن يكون هؤلاء المهديون من أوصياء القائم هادين للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا لئلا يخلو الزمان من حجة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمة أيضاً حججاً، والله تعالى يعلم) ([244]). فكيف يا أبي مخالفتها للمشهور، وهل تأويله صحيحاً ؟ الأب: لأن المشهور يعتقدون بالرجعة بعد الإمام المهدي ع، بينما هذه الروايات لا تثبت ذلك، بل تثبت أنّ بعد الإمام المهدي مهديون إثني عشر، فمن هنا حاول الشيخ المجلسي أن يؤلها بما يوافق المشهور، وفي الحقيقة تأويلها أخف من أن يردها ويسقطها عن الحجية كما هو ديدن فقهاء اليوم ؟ وينبغي الالتفات إلى نقطة هامّة جداً، وهي: أنّ الشيخ المجلسي وغيره يتصورون أنّ روايات المهديين ص تتعارض مع الروايات التي دلت على الرجعة، والحال ليس كذلك؛ إذ لا توجد معارضة بين روايات المهديين ص وروايات الرجعة. بل المهديون يأتون بعد الإمام المهدي ع، ويحكمون الأرض إلى المهدي الثاني عشر ع فعندما يتوفاه الله يخرج عليه الحسين ع، وتبدأ مرحلة الرجعة. ولعل سبب التوهم هي هذه الرواية: عن علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ع، فقال له: (أنت إمام ؟ فقال: نعم. فقال له: إني سمعت جدّك جعفر بن محمد ع يقول: لا يكون الإمام إلاّ وله عقب. فقال له: نسيت - يا شيخ - أم تناسيت ؟ ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر ع: لا يكون الإمام إلاّ وله ولد، إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي ع، فإنه لا عقب له. فقال: صدقت، جعلني الله فداك، هكذا سمعت جدّك يقول). كما أشار لذلك الحر العاملي، حيث حمل لفظ الإمام في الرواية على الإمام المهدي ع، فقال: (وقد تقدم في الحديث السادس والتسعين من الباب السابق ما هو صريح في أنّ المهديع ليس له عقب) ([245]). فإن كان سبب التوهم هي هذه الرواية، فيقال: إنّ المقصود بالمهدي فيها ليس الإمام محمد بن الحسن ع، إذ كيف يمكن أن يكون المقصود بها الإمام محمد بن الحسن ع، وهي تنفي الذرية والعقب له، والحال توجد روايات كثيرة تُثبت الذرية للإمام محمد بن الحسنع ، وطبقاً لقواعدهم يحصل التعارض بين هذه الرواية التي تنفي العقب، وتلك الروايات التي تثبت العقب والذرية. ومن هنا يأتي السؤال: في التعارض إمّا يختار الإنسان - طبقاً لمبانيهم - التساقط للدليلين المتعارضين، وعليه فلا يقدم دليل على آخر، أو يختار الترجيح لأحدهما على الأخر، وبناء على القول بالترجيح، ما هو الوجه في ترجيح هذه الرواية النافية للذرية على تلك الروايات التي تثبت الذرية! بل ترجيح الروايات التي تثبت الذرية هو المتعين، لكثرتها. وفي الحقيقة لا يوجد تعارض بين الرواية النافية للذرية، وبين الروايات المثبتة لها، إذ الرواية النافية لا تنفي الذرية عن الإمام المهدي محمد بن الحسن ع، بل تنفيها عن المهدي الثاني عشرع من المهديين الذين يأتون بعد الإمام المهدي محمد بن الحسن ع. بل غاية ما يمكن أن يقال أنّ الشيخ المجلسي (رحمه الله) وغيره لم يكونوا يعتقدون بوجود مهديين بعد الإمام محمد بن الحسن ع، ولذا فكل روايات المهديين حاولوا إمّا اسقاطها، أو تأويلها فلذا أوّلها المجلسي (رحمه الله). وقد ناقش السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله) وجهي التأويل اللذين ذكرهما الشيخ المجلسي (رحمه الله)، قال بعد أن ذكر كلام الشيخ المجلسي المتقدّم: (ونود أن نعلق أولاً على كلام المجلسي: أنه اعترف سلفاً أنّ كلا الوجهين نحو من أنحاء التأويل، والتأويل دائماً خلاف الظاهر، فلا يصار إليه إلاّ عند الضرورة، ولا يكفي مجرد الإمكان أو الاحتمال لإثباته. وعلى أي حال، فالوجه الأول: حاول فيه المجلسي على أن يقول: أنّ الأولياء الأثني عشر بعد المهدي ع هم الأئمة المعصومون الاثنا عشر أنفسهم، فترتفع المعارضة بين روايات الأولياء وروايات الرجعة، ويكون المراد منهما معاً الأئمة المعصومين أنفسهم. إلاّ أنّ هذا الوجه قابل للمناقشة من وجوه، نذكر منها اثنين: الوجه الأول: إنّ عدداً من روايات الأولياء - يقصد المهديين - التي سمعناها، تنص على أنّ الأولياء الأثني من ولد الإمام المهدي ع .... إلى أن يقول .... مع أنّ الأئمة المعصومين السابقين هم آباء الإمام المهدي ع بكل وضوح. الوجه الثاني: إننا لم نجد - كما عرفنا - دليلاً كافياً على عودة الأئمة الاثنا عشر كلهم، لا بشكل عكسي ولا بشكل مشوش، وإنما نص فقط - بعد النبي ص - على أمير المؤمنين ع وابنه الحسين ع. وإذا لم يثبت رجوع الأئمة الإثنا عشر جميعاً كيف يمكن حمل هذه الأخبار عليه. وأمّا الوجه الثاني: الذي ذكره المجلسي، فيتلخص في الاعتراف بوجود الأئمة المعصومين ص والأولياء الصالحين في مجتمع ما بعد المهدي ع متعاصرين، ولكن الحكم العام سيكون للمعصومين ص. وإمّا الأولياء فسيكونون هداة عاملين في العالم من الدرجة الثانية. وبذلك يرتفع العارض بين الروايات. وأوضح ما يرد على هذا الوجه هو: أنّ روايات الأولياء - يقصد المهديين - صريحة بمباشرتهم للحكم على أعلى مستوى، بحيث يكون التنازل عن هذه الدلالة تأويلاً باطلاً، كقوله: (ليملكن منا أهل البيت رجل)، وقوله: (فإذا حضرته الوفاة فليسلمها - يعني الإمامة أو الخلافة - إلى ابنه أول المهديين)، وقوله: (اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده) ونحوه في الدعاء الأخر، ....إلى أن يقول: وبعد هذه المناقشات وقبل إعطاء الفهم الكامل لحكم الأولياء الصالحين، لابد لنا أن نجيب على هذا السؤال الذي يخطر في ذهن القارئ. وهو أننا كيف استطعنا أن نعتبر روايات الأولياء كافية للإثبات التاريخي على حين لم نعتبر روايات الرجعة كافية للإثبات، مع أنها أكثر عدداً وأغزر مادة ..... إلى أن يقول: وأمّا من زاوية كفاية روايات الأولياء للإثبات التاريخي فهو واضح طبقاً لمنهجنا في هذا التاريخ؛ لأنها متكثرة ومتعاضدة وذات مدلول متشابه إلى حد بعيد. وأمّا من زاوية معارضتها لأخبار الرجعة، فهو واضح بعد فشل الوجهين اللذين ذكرهما المجلسي للجمع بين الأخبار؛ إذ يدور الأمر عندئذٍ بين أن يكون الحكم بعد المهدي ع موكولاً إلى المعصومين ص أو إلى الأولياء الصالحين. ونحن حين نجد أنّ أخبار الرجعة غير قابلة للإثبات - كما عرفنا - ونجد أنّ أخبار الأولياء قابلة للإثبات - كما سمعنا - لا محيص لنا على الأخذ بمدلول أخبار الأولياء بطبيعة الحال. وبالرغم من أنّ مجرد ذلك كاف في السير البرهاني، إلاّ أننا نود أن نوضح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً. إنّ نقطة القوة الرئيسية في أخبار الأولياء المفقودة في أخبار الرجعة، هي أنّ أخبار الأولياء ذات مضمون مشترك تتسالم عليه بخلاف أخبار الرجعة، فإنها ذات عشرة مداليل على الأقل، ليس لكل مدلول إلاّ عدد ضئيل من الأخبار قد لا يزيد أحياناً على خبر واحد.ومن هنا نقول لمن يفضل أخبار الرجعة: هل أنت تفضل أخباراً منها ذات مدلول معين ،كرجوع الإمام الحسينع مثلاً، أو تفضل تقديم مجموع أخبار الرجعة. فإن رأيت تفضيل قسم معين من أخبار الرجعة، فهي لا شك أقل عدداً وأضعف سنداً من أخبار الأولياء، بل وأقل شهرة أيضاً، وكل قسم معين منها يصدق عليه ذلك بكل تأكيد، غير ما دل على رجوع الإمام علي بن أبي طالب ع الذي سوف نشير إليه. وإن رأيت تفضيل مجموع أخبار الرجعة على أخبار الأولياء، إذاً فستصبح أخبار الرجعة بهذا النظر متعارضة ومختلفة المدلول كما عرفنا،.....). انتهى كلامه (رحمه الله). ولي على كلامه (رحمه الله) ملاحظتان: الأولى: إنّ الشهيد الصدر (رحمه الله) أيضاً توهم التعارض بين أخبار الرجعة وبين روايات الأولياء الصالحين كما سمّاهم (رحمه الله)، وقد تقدّم عدم وجود التعارض، وإنما نشأ التعارض من تصور أنّ الرجعة تأتي مباشرة بعد وفاة الإمام محمد بن الحسن ع، وهذا ما أثبتت روايات المهديين خلافه. الثانية: قوله: (إذ يدور الأمر عندئذٍ بين أن يكون الحكم بعد المهدي ع موكولاً إلى المعصومين ص أو إلى الأولياء الصالحين). أقول: إنّ الحكم بعد الإمام المهدي ع أيضاً سيكون للمعصومين، حيث أنّ الأولياء الصالحين - كما يسميهم (رحمه الله) - أيضاً حجج وأوصياء للإمام المهدي ع، فهم معصومون أيضاً، ولا يوجد دليل على حصر المعصومين بالأئمة الاثني عشر حتى يقال بنفيها عن الأولياء الصالحين. وإلى هنا ننهي جلستنا هذه الليلة يا أولادي الأعزاء، على أمل أن نلتقي غداً بإذن الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على حبيب أله العالمين محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. * * *
Footers

[1] - الكافي: ج2 ص 186.

[2] - البقرة: 89.

[3] - يونس: 76.

[4] - القصص: 48.

[5] - فاطر: 42.

[6] - الزخرف: 47.

[7] - الصف: 6.

[8] - كمال الدين وتمام النعمة: ص 356، غيبة الطوسي: ص172، بحار الأنوار: ج51 ص222.

[9] - الفقرتين وردتا في بيان اليماني في كتاب المتشابهات: ج4 للسيد أحمد الحسن (.

[10] - الكافي: ج8 ص66.

[11] - البقرة: 186.

[12] - الكافي: ج8 ص387، بحار الأنوار: 74 ص366.

[13] - بصائر الدرجات: ص558، بحار الأنوار: ج2 ص186.

[14] - بصائر الدرجات: ص557، بحار الأنوار: ج2 ص186.

[15] - بصائر الدرجات: ص557، بحار الأنوار: ج2 ص187.

[16] - منية المريد: ص372، بحار الأنوار: ج2 ص212.

[17] - بصائر الدرجات: ص 349.

[18] - بصائر الدرجات: ص 349.

[19] - بصائر الدرجات: ص 349.

[20] - بصائر الدرجات: ص 349.

[21] - آل عمران:7.

[22] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص179.

[23] - الكافي : ج1 ص315.

[24] - النساء:83.

[25] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص200.

[26] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص180.

[27] - بحار الأنوار: ج2 ص292.

[28] - الكافي: ج1 ص 178.

[29] - الكافي: ج1 ص 178.

[30] - الأنبياء: 18.

[31] - النساء: 104.

[32] - نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص87.

[33] - ميزان الحكمة: ج1 ص8.

[34] - وهو طرف الزند الذي يلي الخنصر.

[35] - تفسير العياشي: ج1 ص319.

[36] - الكافي: ج1 ص 60

[37] - المحاسن:ج2 ص300، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص192.

[38] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص203، بحار الأنوار: ج89 ص110.

[39] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص60، بحار الأنوار: ج89 ص110.

[40] - الدر المنثور للسيوطي: ج5 ص262، كنز العمال: ج11 ص601.

[41] - تاريخ دمشق: ج42 ص313، الدر المنثور للسيوطي: ج5 ص262.

[42] - الدر المنثور للسيوطي: ج5 ص262.

[43] - مجمع الزوائد للهيثمي: ج9 ص164.

[44] - المعجم الكبير للطبراني: ج5 ص167، كنز العمال: ج1 ص188.

[45] - حديث الغدير: ص14.

[46] - فتح الباري: ج7 ص106،عمدة القاري للعيني: ج16 ص282.

[47] - غيبة النعماني: ص214، بحار الأنوار: ج52 ص115، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص30.

[48] - الكافي: ج1 ص56، المجاسن: ج1 ص213، وسائل الشيعة: ج27 ص40.

[49] - الكافي: ج8 ص307.

[50] - الكهف: 82.

[51] - صحيح البخاري: كتاب العلم، باب كتابة العلم: ج1 ص37.

[52] - صحيح البخاري: باب قول المريض قوموا عني: ج7ص9، وباب كراهية الخلاف: ج8 ص161.

[53] - صحيح البخاري، باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله) ج5 ص137. وقد ورد هذا الحديث - بمضمون غلبة الوجع - في مصادرهم الأخرى، منها: مسند أحمد: ج1 ص325 و 326، صحيح مسلم: ج5 ص76، مجمع الزوائد: ج4 ص214، السنن الكبرى للنسائي: ج3ص433 إلى 435، صحيح ابن حبان: ج14ص562، المعجم الأوسط: ج5 ص288، الطبقات الكبرى: ج2 ص242 و 244، المصنف لعبد الرزاق: ج5 ص438.

[54] - صحيح البخاري، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم: ج4 ص31.

[55] - صحيح البخاري، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب: ج4 ص65.

[56] - صحيح البخاري، باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله): ج5 ص137.

[57] - مسند أحمد بن حنبل: ج3 ص346.

[58] - النهاية في غريب الحديث والآثار: ج5 ص245.

[59] - آل عمران: 132.

[60] - المائدة: 92.

[61] - النساء:80.

[62] - الشعراء: 107.

[63] - الحشر: 7.

[64] - الأحزاب: 36.

[65] - الجن: 23.

[66] - الأحزاب: 36.

[67] - النجم: 2 – 3.

[68] - القلم: 4.

[69] - التوبة: 61.

[70] - الأحزاب: 57.

[71] - التوبة: 33.

[72] - الفاتحة: 5 – 6.

[73] - ذخائر العقبى: ص16.

[74] - رواها الشيخ الطوسي في الغيبة فقال: بهذا الإسناد، عن ابن فضال، عن حماد، عن إبراهيم بن عمر، عن عمر بن نظلة، راجع غيبة الطوسي:436.

[75] - رواها الشيخ النعماني في الغيبة بهذا السند: أخبرنا علي بن أحمد البندنيجي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد بن مروان، عن عبد الله بن سنان، راجع: ص261.

[76] - رواها الشيخ النعماني في الغيبة بهذا السند: أخبرنا محمد بن همام، قال: حدثني جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثني علي بن عاصم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، راجع: ص262.

[77] - معجم البلدان: ج2 ص63.

[78] - إعانة الطالبين للبكري الدمياطي: ج2 ص342.

[79] - كشاف القناع للبهوتي: ج3 ص154.

[80] - جواهر العقود للمنهاجي الأسيوطي: ج1 ص260.

[81] - الكافي للشيخ الكليني: ج8 ص70.

[82]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج1 ص1.

[83] - بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج22 ص137. وسماها الكعبة اليمانية أبو طالب ( في دعائه، فقال: (اللهم رب الكعبة اليمانية والأرض المدحية، والجبال المرسية ..الخ) بحار الأنوار: ج15 ص310.

[84] - الأصول الستة عشر: ص81، بحار الأنوار: ج57 ص232.

[85] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص231.

[86] - غيبة الطوسي: ص447.

[87] - غيبة النعماني: ص264، بحار الأنوار: 52 ص232.

[88] - غيبة النعماني: ص277.

[89] - لم تبين الروايات وجه تسميته بهذا الاسم (كاسر عينه)، كما لم تبين هل أنه يكون مع اليماني أم مع السفياني، وإنما قلت أنه يماني يخرج من صنعاء اليمن باعتبار نسبته إلى مكان الخروج، إلاّ أنّه من غير المعلوم بلحاظ السلوك والفعل فهل يكون في صف اليماني أم يكون في صف السفياني، هذا غير معلوم من خلال الروايات، وعليه فيمكن أن يكون كاسر عينه سفياني بلحاظ سلوكه فيتعدد السفياني، ويمكن أن يكون يماني بلحاظ السلوك والنسبة إلى الأرض التي ينتمي إليها فيتعدد اليماني، نعم قد يحتمل قوياً أنه عدو للسفياني، ويبدو أنه إنما سمي (كاسر عينه)، أي كاسر عيني السفياني (لعنه الله)، والله أعلم وأحكم.

[90] - عصر الظهور: ص 115.

[91] - بحار الأنوار: ج52 ص224.

[92] - الرجعة للاسترآبادي: ص100.

[93] - بشارة الإسلام: ص305.

[94] - بشارة الإسلام: ص335.

[95] - غيبة الطوسي: ص294 .

[96] - بحار الأنوار: ج52 ص272. وبني كلب هي إحدى قبائل العرب.

[97] - بحار الأنوار: ج53 ص81.

[98] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص205.

[99] - الملاحم والفتن لابن طاووس: ص50.

[100] - رواها الشيخ النعماني في الغيبة: ص275، بهذا السند: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسن ابن حازم، قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الله بن جبلة، عن محمد بن سليمان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، الخ. بحار الأنوار: ج52 ص239، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص273.

[101] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص205، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص424.

قال الكوراني: ملاحظة: معنى الحديث أن المهدي ( والسفياني يتسابقان في السيطرة على المنطقة كل من جهته كما يتسابق فرسا السباق. وقد ورد هذا المضمون بتعبير فرسي رهان عن السفياني والخراساني وليس المهدي، وسوف يأتي في أحاديث الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، ويظهر أنه هو الأصل لهذه الرواية غير المسندة إلى النبي (صلى الله عليه وآله).

[102] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص205.

[103] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص209، الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص133، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص36.

[104] - غيبة الشيخ الطوسي: ص443، بحار الأنوار: ج52 ص213.

[105] - رواها الشيخ الطبرسي في الاحتجاج: ج2ص296، غيبة الطوسي: ص395، بحار الأنوار: ج52 ص318 .

[106] - غيبة الشيخ الطوسي: ص449، بحار الأنوار: ج52 ص215.

[107] - تهذيب الأحكام:ج6 ص31، كامل الزيارات: ص76، مختصر بصائر الدرجات: ص178.

[108] - كمال الدين وتمام النعمة: ص361، كفاية الأثر: ص269، بحار الأنوار: ج51 ص151.

[109] - الكافي: ج8 ص310، بحار الأنوار: ج52 ص305، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص458.

[110] - غيبة الشيخ الطوسي: ص454، بحار الأنوار: ج52 ص290.

[111] - غيبة الشيخ الطوسي: ص435، بحار الأنوار: ج52 ص288.

[112] - غيبة الشيخ الطوسي: ص436، الإمامة والتبصرة: ص128،الخصال: ص303.

[113] - كمال الدين وتمام النعمة: ص653، الخرائج والجرائح: ج3 ص1150، بحار الأنوار: ج51 ص35.

[114] - كمال الدين: ص268، بحار الأنوار: ج36 ص208، الأنوار البهية: ص367.

[115] - غيبة النعماني: ص337، بحار الأنوار: ج52 ص366.

[116] - كمال الدين: ص368، بحار الأنوار: ج51 ص32، مستدرك الوسائل: ج12 ص282.

[117] - غيبة النعماني: ص299، بحار الأنوار: ج51 ص31.

[118] - غيبة النعماني: ص215، بحار الأنوار: ج51 ص40، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص237 .

[119] - لا يخفى أنّ الرواية مطلقة وغير مقيدة بزمان معين، فلا يمكن أن تحمل على الإمام المهدي ( بهذا اللحاظ؛ لأنّ الإمام المهدي ( قد سُمي قبل زمن الإمام الصادق ( وفي زمنه وبعده .. نعم، قد تصدق على الإمام المهدي ( في بداية غيبته وعند بحث وتتبع الظالمين له مع كون ذكر الاسم مما يسبب الكشف عنه والوصول إليه، كما نصت روايات على ذلك، ولكن الإمام المهدي ( نطقت روايات كثيرة باسمه أي انه يسمى ويكنى وغير منهي عن تسميته مطلقاً .. وقد روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنهم يتكلمون على عدّة وجوه بل على سبعين وجهاً، فقد تكون هذه الرواية وأمثالها تشمل الإمام المهدي ( ووصيه المهدي الأول، ولكن انطباقها على الإمام المهدي ( يكون جزئياً أو قل في فترة زمنية معينة.. أي إنها في الحقيقة يكون القصد منها هو المهدي الأول (أحمد)؛ لأنّ النهي فيها مطلق وغير محدد بزمن معين، ولعدم وضوح هذا الأمر عند العلماء توهموا بأن جميع الروايات هذه لا يوجد لها إلاّ مصداق واحد وهو الإمام محمد بن الحسن العسكري (؛ ولذلك أفتى بعض المتقدمين بحرمة تسمية الإمام المهدي (، والبعض عندما يكتب الروايات التي تنص على اسم الإمام المهدي ( يحتاط فيذكر الاسم بحروف مفرقة هكذا: (م ح م د).

[120] - الكافي:ج1 ص333، الإمامة والتبصرة: ص117، كمال الدين: ص648.

[121] - غيبة الطوسي: ص150.

[122] - الإرشاد: ج2 ص382، غيبة الشيخ الطوسي: ص470، بحار الأنوار: ج51 ص36، كشف الغمة: ج3 ص263، الإمامة والتبصرة: ص117 باختلاف يسير.

[123] - وهذا المعنى أشار إليه الشيخ ناظم العقيلي حفظه الله تعالى.

[124] - كمال الدين: ص438، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص242.

[125] - جاء هذا المعنى في كتاب موجز أدلة دعوة السيد أحمد الحسن للدكتور أبي محمد الأنصاري حفظه الله تعالى.

[126] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص205، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج1 ص424.

[127] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص209، الملاحم والفتن لابن طاووس: ص133، معجم أحاديث الإمام المهدي(: ج3 ص36.

[128] - غيبة الشيخ الطوسي: ص443، بحار الأنوار: ج52 ص213.

[129] - غيبة النعماني: ص262، بحار الأنوار: ج52 ص232، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص255.

[130] - غيبة الشيخ الطوسي: ص445 – 447.

[131] - الغيبة للطوسي: ص447. ذكرت هذه الرواية هنا علماً أنه تقدم أن حملنا فيها لفظ اليماني على غير اليماني الموعود؛ وذلك لأنّ اليماني الموعود يخرج مع السفياني لا قبله كما تقدم، واستفدنا منها تعدد اليماني، لكن ذكرتها هنا على نحو آخر من الفهم وهو كون اليماني يخرج، ومن ثم يظهر السفياني، فيختفي اليماني ثم يظهر مرّة ثانية، وبعد ذلك يكون الخروج الوارد في رواية الإمام الباقر ( وأنه نظام كنظام الخرز.

[132] - كمال الدين: ص649.

[133] - كمال الدين: ص650.

[134] - تاريخ ما بعد الظهور: ص167.

[135] - الكافي: ج8 ص310، بحار الأنوار: ج52 ص305، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص458.

[136] - غيبة الشيخ الطوسي: ص454، بحار الأنوار: ج52 ص290.

[137] - غيبة الشيخ الطوسي: ص435، بحار الأنوار: ج52 ص288 – 289.

[138] - كمال الدين: ص 649.

[139] - كمال الدين: ص650.

[140] - غيبة النعماني: ص262، بحار الأنوار: ج2 ص233.

[141] - رواه الكليني بهذا السند عن الإمام الصادق (، قال: عنه ـ أي محمد بن يحيى ـ عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (.

ورواه الشيخ النعماني بهذا السند عن أبي جعفر (، فقال: وأخبرنا عبد الواحد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رباح الزهري، قال: حدثنا محمد بن العباس بن عيسى الحسيني، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن مالك بن أعين الجهني، عن أبي جعفر الباقر(.

[142] - الكافي: ج8 ص295، غيبة النعماني: ص115، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج15 ص52، الفصول المهمة في أصول الأئمة: ج1 ص451، بحار الأنوار: ج52 ص143، جامع أحاديث الشيعة: ج13 ص66، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص431.

[143] - شرح أصول الكافي: ج12 ص411.

[144] - مختصر بصائر الدرجات: ص183.

[145] - قال فيه النجاشي: (شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث) رجال النجاشي: 383.

[146] - قال فيه الشيخ المفيد (رحمه الله) في كتابه الإرشاد بعد أن ذكر النصوص على إمامة الحجة (، قال: (والروايات في ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم المصنفة، فممن أثبتها على الشرح والتفصيل محمد بن إبراهيم المكنى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنفه في الغيبة ...) الإرشاد - الشيخ المفيد: ج2 ص350.

[147] - غيبة النعماني: ص264، بحار الأنوار: ج52 ص232، مستدرك سفينة البحار: ج10 ص603، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص255.

[148] - كتاب طالع المشرق للاستاذ أحمد حطاب: ص55.

[149] - غيبة الطوسي: ص294 .

[150] - غافر: 38.

[151] - النحل: 76.

[152] - عصر الظهور: ص147.

[153] - الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص288، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص104.

[154] - مجمع النورين: ص331.

[155] - القصص: 12.

[156] - بحار الأنوار: ج51 ص87، تاريخ ابن خلدون: ج1 ص320. وقال الحاكم في المستدرك بعد ذكره لهذا الحديث: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. مستدرك الحاكم النيسابوري: ج4 ص463. ولم ترد في رواية الحاكم (لا أحفظه).

[157] - دلائل الإمامة: ص442.

[158] - الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص122.

[159] - بشارة الإسلام : ص37.

[160] - جاءت من ضمن عدة روايات ذكرها مؤلف شرح إحقاق الحق، بالمعنى.

[161] - شرح إحقاق الحق: ج29 ص62.

[162] - بحار الأنوار: ج51 ص84.

[163] - بحار الأنوار: ج51 ص83.

[164] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص229، الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص179.

[165] - بحار الأنوار: ج51 ص87.

[166] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص198، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص119، كنز العمال: ج14 ص589. وفي رواية السيد ابن طاووس في الملاحم والفتن: ص139: (.. بأهل الشرق ..).

[167] - الأحزاب: 62.

[168] - الغارات: ج1 ص12، عصر الظهور: ص341. قال ابن أبي الحديد ـ بعد نقله للخطبة التي أوردتها في المتن ـ : فإن قيل من هذا الرجل الموعود ؟ قيل أمّا الامامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس، وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن. فإن قيل: فمن يكون من بني أمية في ذلك الوقت موجوداً حتى يقول ( في أمرهم ما قال من انتقام هذا الرجل منهم ؟ قيل أما الامامية فيقولون بالرجعة ويزعمون أنه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية وغيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر وأنه يقطع أيدي أقوام وأرجلهم ويسمل عيون بعضهم ويصلب قوما آخرين وينتقم من أعداء آل محمد (عليهم السلام) المتقدمين والمتأخرين. وأما أصحابنا فيزعمون أنه سيخلق الله تعالى في آخر الزمان رجلاً من ولد فاطمة عليها السلام ليس موجودا الآن وينتقم (به) وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من الظالمين وينكل بهم أشد النكال، وأنه لأم ولد كما قد ورد في هذا الأثر وفي غيره من الآثار وأن اسمه كاسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه يظهر بعد أن يستولي على كثير من الإسلام ملك من أعقاب بني أمية وهو السفياني الموعود به في الصحيح من ولد أبي سفيان بن حرب بن أمية وأن الإمام الفاطمي يقتله وأشياعه من بني أمية وغيرهم وحينئذٍ ينزل المسيح ( من السماء وتبدو اشراط الساعة و تظهر دابة الأرض ويبطل التكليف ويتحقق قيام الأجساد عند نفخ الصور كما نطق به الكتاب العزيز. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج7 ص59، بحار الأنوار: ج51 ص121.

[169] - غيبة النعماني: ص168، بحار الأنوار: ج52 ص347.

[170] - الإمامة والتبصرة: ص115، كمال الدين: ص318.

[171] - غيبة النعماني: ص19، بحار الأنوار: ج52 ص360.

[172] - بصائر الدرجات: ص557، بحار الأنوار: ج2 ص187.

[173] - غيبة النعماني: ص178.

[174] - غيبة النعماني: ص179.

[175] - إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج2 ص209.

[176] - غيبة الشيخ الطوسي: ص180.

[177] - المزار لمحمد بن المشهدي: ص430.

[178] - كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص229، الملاحم والفتن لابن طاووس: ص179، معجم أحاديث الإمام المهدي(: ج1 ص393.

[179] - غيبة النعماني: ص68، دلائل الإمامة: ص176، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص238.

[180] - تفسير العياشي: ج1 ص65، بحار الأنوار: ج52 ص223، إلزام الناصب: ج2 ص101.

[181] - الكافي: ج8 ص66.

[182] - الكافي: ج8 ص295، غيبة النعماني: ص115، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج15 ص52، الفصول المهمة في أصول الأئمة: ج1 ص451، بحار الأنوار: ج52 ص143، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص431.

[183] - كشف الغمة: ج2 ص472.

[184] - مسند أحمد بن حنبل: ج5 ص277، الجامع الصغير للسيوطي: ج1 ص100 ، كنز العمال: ج14 ص261 ، كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص188. وأورد الرواية السابقة الحاكم في المستدرك: وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفيه: خرجت بدل؛ جاءت. ج4 ص502.

[185] - إمتاع الأسماع للمقريزي: ج12 ص297، كنز العمال: ج14 ص261.

[186] - الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص119، بحار الأنوار: ج51 ص82.

[187] - منتخب الأنوار المضيئة: ص343.

[188] - غيبة النعماني: ص265، بحار الأنوار: ج52 ص232، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج2 ص141، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص255.

[189] - مستدرك الوسائل: ج14 ص152.

[190] - الكافي: ج5 ص329.

[191] - الكافي: ج5 ص329.

[192] - الكافي: ج5 ص328.

[193] - قال الشيخ فاضل المالكي في كتابه الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة: ص64 (زواج المهدي المنتظر: مسألة زواج المهدي المنتظر ( مسألة هامشية كما تعلمون، يعني هي مسألة مثارة، ولكن مما يهون الخطب أنها مسألة هامشية، يعني ليست في خطر تلك المسائل الأخرى أو المسألة السابقة، على العموم للإمام (سلام الله عليه) ظروفه الخاصة كما تعلمون، مسألة زواجه وعدم زواجه مرهونة بظروفه. وموضوع الزواج فيه ذيول كثيرة للحديث يرتبط بعضها بقضية الجزيرة الخضراء، ويرتبط بعضها بنسب المتنبي، فإن بعضهم حاول أن يقول بأن المتنبي الشاعر المعروف أحد ذرية الإمام المهدي (، يعني فيما يقرنون من بعض القرائن ومن نفسه. هذا عالم في ذاته، عالم ظريف طريف ولطيف، لكن فيه مزالق كثيرة، ولسنا مسؤولين عنه، يعني هل تزوج ؟ أين يعيش ؟ كم له ذرية ؟ هذه مسائل هامشية لسنا مسؤولين عنها وفيها مزالق، فلهذا مثل هذه المطالب ربما يقال إن الأحرى التوقف فيها والسكوت عنها).

[194] - مصباح المتهجد: ص408.

[195] - غيبة الشيخ الطوسي: ص277.

[196] - جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس: ص301.

[197] - مكيال المكارم : ج2 ص68.

[198] - مصباح المتهجد: ص826.

[199] - جمال الأسبوع: ص42، الصحيفة الهادية والتحفة المهدية: ص200، آداب عصر الغيبة: ص69.

[200] - مستدرك الوسائل: ج3 ص414، المزار للمشهدي: ص134، بحار الأنوار: ج52 ص317.

[201] - مصباح المتهجد: ص410، جمال الاسبوع: ص309، مصباح الكفعمي: ص550، بحار الأنوار: ج92 ص332، معجم أحاديث الامام المهدي (: ج4 ص173.

[202] - رواه النعماني بهذا السند: وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسن بن حازم من كتابه، قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الله بن جبلة، عن إبراهيم بن المستنير، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن الإمام الصادق (. وعلق عليه بقوله: ولو لم يكن يروى في الغيبة إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية لمن تأمله. غيبة النعماني: ص176.

[203] - غيبة الشيخ الطوسي: ص161.

[204] - غيبة الطوسي: ص151.

[205] - بشارة الإسلام: ص158.

[206] - بشارة الإسلام: ص186، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، سنة 1963 م – 1382 هـ ، وقد رأينا في طبعات متأخرة لبشارة الإسلام انه قد أضيف بعد [ابن] كلمة [النبي] فصارت العبارة هكذا [ابن النبي المهدي]، وعلى أي حال كلا العبارتين لا تنطبق على الإمام المهدي ( بل على وصيه المهدي الأول، كما سيأتي بيانه.

[207] - هذا الجواب للأخ الدكتور أبي محمد الأنصاري وفقه الله تعالى، في ردّه على المقال الثالث العائد لمركز الأبحاث التخصصية التابع للسيستاني.

[208] - غيبة الشيخ الطوسي: ص224، دلائل الإمامة: ص435.

[209] - الخصال - للشيخ الصدوق: ص200.

[210] - إثبات الهداة: ج1 ص88 ، الكافي: ج1 ص428.

[211] - بحار الأنوار: ج52 ص223، إلزام الناصب: ج2 ص101.

[212] - بحار الأنوار: ج52 ص223، إلزام الناصب: ج2 ص101.

[213] - الإمامة والتبصرة: ص137، الخصال: ص200، غيبة النعماني: ص250.

[214] - غيبة الشيخ الطوسي: ص224، دلائل الإمامة: ص435.

[215] - كمال الدين: ص250.

[216] - البقرة :253.

[217] - الإسراء: 55.

[218] - عن سماعة بن مهران، قال: قلت لأبي عبد الله ( قول الله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾، فقال: (نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد (صلى الله عليه وآله)، وعلى جميع أنبياءه ورسله. قلت: كيف صاروا أولى العزم ؟ قال: لأنّ نوحاً بعث بكتاب وشريعة، فكل من جاء بعد نوح ( أخذ بكتابه وشريعته ومنهاجه، حتى جاء إبراهيم ( بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح ( لا كفراً به. وكل نبي جاء بعد إبراهيم جاء بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف، حتى جاء موسى ( بالتوراة وشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصحف، فكل نبي جاء بعد موسى أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه، حتى جاء المسيح ( بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه، حتى جاء محمد (صلى الله عليه وآله) فجاء بالقرآن وشريعته ومنهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولوا العزم من الرسل) المحاسن: ج1 ص269.

وعن جابر، عن أبي جعفر ( في قول الله (: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾، قال: (عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده، فترك ولم يكن له عزم أنهم هكذا، وإنما سمي أولوا العزم أولي العزم؛ لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به) الكافي: ج1 ص416.

[219] - الإمامة والتبصرة: ص139، الخرائج والجرائح: ج2 ص796، بحار الأنوار: ج2 ص205.

[220] - عن أبي عبد الله ( قال: (إن الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته، فمر به النبي (صلى الله عليه وآله) وهو متكئ على علي ( وفاطمة صلوات الله عليها تتلوهما والحسن والحسين (عليهما السلام) يتلوان فاطمة، فقال الله: يا آدم إياك أن تنظر إليه بحسد أهبطك من جواري، فلما أسكنه الله الجنة مثل له النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم فنظر إليهم بحسد، ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم غفر الله له، وذلك قوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ الآية) بحار الأنوار: ج11 ص187.

وعن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (: (فلما أسكن الله ( آدم وزوجته الجنة قال لهما: " وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ - يعني شجرة الحنطة - فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ" فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم فوجداها أشرف منازل أهل الجنة، فقالا: يا ربنا لمن هذه المنزلة ؟ فقال الله (: ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي، فرفعا رؤوسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار (، فقالا: يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك، وما أحبهم إليك، وما أشرفهم لديك ! فقال الله (: لولا هم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي، وأمنائي على سري، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين ! قالا: ربنا ومن الظالمون ؟ قال: المدعون لمنزلتهم بغير حق. ... إلى أن قال: يا آدم ويا حواء، لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري واحل بكما هواني.....) معاني الأخبار: ص108.

[221] - لقد بيّن السيد أحمد الحسن اليماني ( وجه كون أفضلية الرسول /، وعلي والإمام المهدي (عليهما السلام) في كتابه المتشابهات: الجزء الأول، جواب السؤال الثاني، فراجع.

[222] - غيبة النعماني: ص94، بحار الأنوار : ج36 ص281،غاية المرام: ج2 ص241.

[223] - كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص135.

[224] - كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص429.

[225] - عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (: (يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك ( أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً، فقال الصادق (: إنما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثني عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) مختصر بصائر الدرجات: ص211.

[226] - عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة (رضي الله عنه)، قال: (كنت مع أبي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة، ثم أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي [قال في] أخفى صوته ؟ قال: قال: كلهم من بني هاشم. ينابيع المودة لذوي القربى: ج2 ص315.

[227] - أخرج أحمد بن حنبل في المسند: ج5 ص97 و 101 ط الميمنية بمصر، قال: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت جابر بن سمرة السوائي يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال هذا الأمر ماضياً حتى يقوم اثنا عشر أميراً، ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي ما قال ؟ قال: كلهم من قريش).

[228] - قال النبي (صلى الله عليه وآله): (يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً ..) غيبة الشيخ الطوسي: ص150.

[229] - قال الإمام الباقر (: (منا اثنا عشر محدَّثاً) الإمامة والتبصرة: ص2.

[230] - أخرج الحافظ مسلم بن حجاج القشيري في صحيحه: ج6 ص3 ط محمد علي صبيح بمصر، قال: حدثنا ابن أبي عمير، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً، ثم تكلم النبي (صلى الله عليه وآله) بكلمة خفيت علي، فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كلهم من قريش).

[231] - قال الإمام الحسين (: (منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق) الإمامة والتبصرة: ص2.

[232] - مختصر بصائر الدرجات: ص38.

[233] - غيبة الشيخ الطوسي: ص151.

[234] - شرح الأخبار: ج3 ص400، علق عليه القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار، فقال: (يعني من الأئمة من ذريته).

[235] - بحار الأنوار: ج53 ص148.

[236] - شرح الأخبار: ج3 ص400.

[237] - وسائل الشيعة الإسلامية: ج3 ص524.

[238] - مصباح المتهجد: ص409، مختصر بصائر الدرجات: ص192، جمال الأسبوع: ص309. يقول السيد ابن طاووس ـ بعد أن أورد هذا الدعاء ـ : وقد تضمن هذا الدعاء قوله (: (اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده)، ولعل المراد بذلك أن الصلاة على الأئمة يرتبهم في أيامه للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمة في الأحكام في تلك الأيام، وأن الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه صلوات الله عليه بدليل قوله: (ولاة عهده)؛ لأن ولاة العهود يكونون في الحياة، فكأن المراد: اللهم صل بعد الصلاة عليه على ولاة عهده والأئمة من بعده. وقد تقدم في الرواية عن مولانا الرضا (: (والأئمة من ولده)، ولعل هذه قد كانت: (صل على ولاة عهده والأئمة من ولده)، فقد وجدت ذلك كما ذكرناه في نسخة غير ما رويناه، وقد روى أنهم من أبرار العباد في حياته ووجدت رواية متصلة الإسناد بأن للمهدي صلوات الله عليه أولاد جماعة ولاة في أطراف بلاد البحار على غاية عظيمة من صفات الأبرار، وروى تأويل غير ذلك مذكور في الأخبار. ووجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل وما ذكرها لأنها أتم في التفصيل، وهي ما حدث به الشريف الجليل أبو الحسين زيد بن جعفر العلوي المحمدي، قال: حدثنا أبو الحسين إسحاق بن الحسن العفراني، قال: حدثنا محمد بن همام بن سهيل الكاتب ومحمد بن شعيب بن أحمد المالكي، جميعاً عن شعيب بن أحمد المالكي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام): أنه كان يأمر بالدعاء للحجة صاحب الزمان ( فكان من دعائه له صلوات الله عليهما: (اللهم صل على محمد وآل محمد، وادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك، ..... إلى أن يقول: اللهم فصل عليه وعلى آبائه، وأعطه في نفسه وولده وأهله وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وتجمع له ملك المملكات كلها، .... إلى أن يقول: اللهم وصل على ولاة عهوده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وانصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم أمر دينك، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً وصل على آبائه الطاهرين الأئمة الراشدين، .....).

وقال أيضاً بعد هذه الرواية: فهذه الرواية قد اشتملت على ما لم تشتمل عليه الرواية الأولى من الرواية فادع إن شئت أن تكون من أهل السعود، وأحفظ فيها جانب المعبود، وتأدب بين يديه كما كنا قدمناه وأشرنا إليه.

[239] - تهذيب الأحكام : ج3 ص253، بحار الأنوار: ج52 ص374، معجم أحاديث الإمام المهدي (: ج3 ص112.

[240] - مصباح المتهجد: ص826.

[241] - كمال الدين: ص358، مختصر بصائر الدرجات: ص212، بحار الأنوار: ج53 ص115.

[242] - الصافات: 83.

[243] - مستدرك الوسائل: ج4 ص398.

[244] - بحار الأنوار: ج53 ص148.

[245] - الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ص368.