Subjects

-الإهداء

-مقدمة البحث

-مدخل

-1/ العلة الغائية هي المقصودة في البحث

-2/ الإرسال المبحوث عنه

-3/ أهمية الرسل في حياة الناس

-4/ كيف يُعرف الرسل ؟

-5/ مؤهلات الرسل

-(1) ما يمكن أن يكون هدفاً للإرسال الإلهي

-1/ 1: غرض الإرسال - بحث قرآني

-1/ 2: غرض الإرسال عند العلماء

-1/ 2/ 1- قائمة الأقوال

-1/ 2/ 2- ملاحظتان على كلامهم

-1/ 3: قاعدة اللطف وغرض الإرسال عند علماء الشيعة

-1/ 3/ 1- بيان القاعدة

-1/ 3/ 2- بعض ما بُني عليها

-1/ 3/ 3- مناقشة قاعدة اللطف

-1/ 4 : عدم خلوّ الأرض من حجّة

-1/ 5 : أزمنة الفترات وغرض الإرسال الإلهي

-1/ 5/ 1- معنى الفترة

-1/ 5/ 2- أقوال العلماء في معنى (الفترات بين الرسل)

-1/ 5/ 3- هل بين (الفترة وهدف الإرسال) تناقض أو تهافت ؟

-(2) غرض الإرسال الحقيقي

-2/ 1: الغرض الحقيقي لإرسال الرسل

-2/ 1/ 1- (قطع العذر) غرض الإرسال

-2/ 1/ 2- قطع العذر لا يوجب الإرسال لكلِّ الناس

-2/ 1/ 3- شبهة وجواب

-2/ 1/ 4- إشارات روائية تنبّه إلى غرض الإرسال الحق

-2/ 2: هل إرسال الرسل ظاهرة شرق أوسطية ؟

-2/ 2/ 1- شبهة الملحدين على انحصار بعث الرسل بمنطقة محددة

-2/ 2/ 2- إجابة علماء الدين على الشبهة

-2/ 2/ 3- وقفة مع الأجوبة المقترحة

-2/ 2/ 4- القول الفصل في جواب شبهة الملحدين

-2/ 3: فهم علماء الدين الخاطئ للنصوص المرتبطة بالرسل

-2/ 3/ 1- نماذج من النصوص المرتبطة بالرسل

-2/ 3/ 2- لا يمكن قبول إفادتها جميعاً غرض الإرسال

-2/ 4: "قطع العذر" في أزمنة الفترات

-2/ 4/ 1- المعنى الصحيح للفترة وتوافقه مع غرض الإرسال

-2/ 4/ 2- غيبة الرسل فترات، والقائم (عليه السلام) نموذجاً

-2/ 4/ 3- حال الناس في زمن الفترة

-(3) ختم النبوة والإرسال الإلهي

-3/ 1: معنى "الختم" وأدلته عند العلماء

-3/ 1/ 1- معنى (خاتم) في الآية

-3/ 1/ 2- أدلة ختم النبوة لدى العلماء

3/ 1/ 3- كيف سرّى العلماء (ختم النبوة) إلى (ختم الإرسال) ؟

-3/ 2: وقفة مع أدلة العلماء وعرض أدلة مقابلة لفهمهم

-3/ 2/ 1- أدلة ترفض انتهاء النبوة والوحي

-3/ 2/ 2- أدلة ترفض انتهاء الإرسال

-3/ 3: سرُّ ختم النبوة بنظر العلماء ومناقشته

-3/ 3/ 1- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: حفظ القرآن ونفي التحريف عنه

-3/ 3/ 2- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: وحدة الدين المستقيم وهدف الأنبياء

-3/ 3/ 3- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: قدرة الإنسان على حفظ تراثه وتبليغه للناس بنفسه

-3/ 3/ 4- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: خلود الإسلام وأنه الدين الأكمل الموافق للفطرة

-3/ 4: إشكالات مثارة على ختم النبوة والإرسال

-3/ 4/ 1- الأول: انقطاع الاتصال بالغيب

-3/ 4/ 2- الثاني: ما هي الحكمة في ختم النبوة مع استمرار تكامل الإنسان ؟

-3/ 4/ 3- الثالث: كيف تتلاءم قوانين الدين الثابتة مع حاجات الإنسان المتغيرة ؟

-3/ 5: المعنى الصحيح لختم النبوة والإرسال

-(4) "إنسانيتي" في صميم غرض الإرسال

-4/ 1: الإنسان محور عوالم الخلق

-4/ 1/ 1- عوالم الخلق

-4/ 1/ 2- الإنسان أكرم المخلوقات وسيّدها في كل العوالم

-4/ 1/ 3- الإنسان خليفة الله، فمن هو الخليفة الكامل ؟

-4/ 1/ 4- الإنسان الكامل (صورة الله)

-4/ 2: رسل الله وعودة الإنسانية المفقودة

-4/ 2/ 1- التفاوت بين الرسل خسارة للأدنى مقاماً:

-4/ 2/ 2- جميع الخلق مدينون لمحمد وآل محمد في إنسانيتهم

-4/ 2/ 3- هل تحتاج الإنسانية إلى رسل لو اختارت أن تكون محمداً ؟

-4/ 3: البشرية بين رسولين

-4/ 3/ 1- متى ابتدأت البشرية عهدها على هذه الأرض، وكيف ؟

-4/ 3/ 2- بداية عهد البعث والإرسال الإلهي على الأرض

-الإنسانية بين رسولين ولا عذر للمتخلفين

-4/ 4: شيء من توصيات الرسل الإنسانية

-مصادر البحث


Text

معهد الدراسات العليا الدينية واللغوية النجف الأشرف علة إرسال الرسل بحث مقدم إلى معهد الدراسات العليا الدينية واللغوية وهو جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه في العلوم الدينية واللغوية علاء حسن عبيد السالم عام 1436 هـ 2015 م إقرار المقيّم العلمي: نشهد (أشهد) أننا اطلعنا على الأطروحة الموسومة ( علة إرسال الرسل ) التي قدمها الطالب ( علاء حسن عبيد السالم ) وقد ناقشنا الطالب في محتوياتها وفيما له علاقة بها ونعتقد أنها جديرة بالقبول لنيل شهادة دكتوراه في العلوم الدينية واللغوية بتقدير ( جيد جداً ). التوقيع: الدكتور: عبدالرزاق هاشم محمد الديراوي التاريخ: 22/ 1/ 2015 تمت مصادقة عميد معهد الدراسات العليا الدينية واللغوية في النجف الأشرف على التقييم. التوقيع: نيابة عنه/ معاون العميد لشؤون الطلبة: الشيخ أحمد كاظم عليوي البوشيخ عبدالله التاريخ: 22/ 1/ 2015 -الإهداء كلُّ من تُسلمه قيادك يُفقدك إنسانيتك وما فُطرت عليه من تأهيلٍ إلهي عظيم، إلا "رسل الله" .. فإنهم يضمنون بقاءك إنساناً حقيقياً، ونسمة من نسيم الجنان، يطيبُ كلُّ شيءٍ بمرورك عليه. فإليكم .. أيها الرسل الطيّبون، أهدي ما جاء من حق في هذا البحث المتواضع، وكلّي رجاء أيها السادة الكرام أن تتفضّلوا عليَّ بالقبول. خادمكم - علاء -مقدمة البحث : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً كثيراً. عنوان البحث: "علّة إرسال الرسل"، لماذا ؟ لأن الرسل - وبكل بساطة - رسل الله عز وجل. الرب الذي لا تتحقق معرفتنا به إلا من خلالهم، وإن كنتُ اخترت أن لا أكون واحداً منهم لتقصيري، وإن كنتُ قد فرّطت وسمحت لنفسي أن تُلحق بي تلك الخسارة الكبرى التي لا تنجبر أبداً، فلا أقل لا أمنحها هذه المرة فرصة حرماني من اتباع نهج "رسل الله" خصوصاً بعد معرفة الهدف من إرسالهم. لماذا أرسل الرب الرحيم رسله إلى بني البشر؟ المفروض يطرح كل إنسان على نفسه هذا السؤال، فربما كان هدف الإرسال تحقيق "إنسانية" كل فرد منا، وقطع العذر من أمامنا في عدم تحصيل ذلك، فالغرض إذن "إنساني" ولا شيء آخر ! وربما كان الهدف من بعثهم امتحان الناس بهم وإطاعتهم لهم ! وربما كان الغرض شيئاً ثالثاً أو رابعاً ... وهكذا كما سنرى. أقول "ربما" باعتبار أنّ محاور البحث الآتية كفيلة بإثبات الحقيقة، ولكن أياً يكن الهدف من بعثهم فهو هدف عظيم دون أدنى شك. فالبحث إذن (ديني، إنساني) في وقت واحد، أو لنقل: إنه بحث ديني لكنّ إنسانيتنا تتجذّر في قاعه وتنبع من صميمه، كما سيتضح من خلال مطالعة محاوره. هدف البحث: يتلخص هدف البحث بتحديد العلّة الحقيقية للإرسال الإلهي، واذا ما انتهينا إلى أنّ إنسانيتنا تقع في صميم ذلك الهدف السامي، فسنكون في الحقيقة أمام بحث يسهم ولو بشيء بسيط في حث الناس على اتباع منهج الرسل وسلوك دربهم الإلهي لتحقيق إنسانيتهم المضيعة، ولا درب آخر مهما شرّقوا أو غرّبوا يحقق لهم ذلك. هيكلة البحث: لأجل تحقيق هذه الغاية، فقد ضم البحث أربعة محاور رئيسية: المحور الأول: خصص لبحث ما يمكن أن يكون هدفاً للإرسال، وفيه تم استعراض أغلب ما يمكن أن يكون هدفاً للإرسال مما تضمنته بعض النصوص الدينية التي فهم منها علماء المسلمين غرض الإرسال، ولكن لم يكن تحديدهم صحيحاً، ولأجل بيان ذلك (وخصوصاً بالنسبة لعلماء الشيعة) تم عرض غرضهم الذي انتهوا إليه على "قاعدة اللطف" التي أسسوها هم وبنوا الكثير من عقائدهم عليها، وعلى "زمن الفترة"، و"عدم خلو الأرض من حجة"، ولوحظ الاضطراب وعدم الاستقامة في الجمع بينها وبين غرض الإرسال المحدد من قبلهم. ومن ثمَّ ضمّ المحور الأول نقاطاً عدة، هي: 1. بحث قرآني في غرض الإرسال. 2. بيان غرض الإرسال عند العلماء. 3. قاعدة اللطف وغرض الإرسال عند علماء الشيعة. 4. عدم خلوّ الأرض من حجّة. 5. أزمنة الفترات وغرض الإرسال الإلهي. المحور الثاني: بعد توضيح خطأ العلماء في بيان غرض الإرسال واصطدامه مع بعض الثوابت العقائدية الأخرى في المحور الأول، يبحث المحور الثاني غرض الإرسال الحقيقي وتحديده بدقة، ولكي يتجلى أكثر كان من الضروري إجابة واحدة من أكبر شبهات الملحدين التي تصور الإرسال الإلهي بأنه ظاهرة مناطقية فئوية تتنافى وعدالة الرب الذي يعتقد به أتباع الرسل، وكان من الضروري أيضاً بيان الفهم الصحيح للنصوص الدينية التي توهم علماء المسلمين إشارتها لغرض الإرسال، إضافة إلى محاولة التوفيق بين غرض الإرسال المختار وبين أزمنة الفترات. وعند إجابة هذه الأمور الثلاثة يتضح غرض الإرسال الحقيقي بشكل أكبر بكل تأكيد. وعلى هذا، فقد ضم المحور الثاني من البحث النقاط التالية: 1. تحديد غرض الإرسال الحقيقي. 2. هل إرسال الرسل ظاهرة شرق أوسطية ؟ 3. فهم علماء الدين الخاطئ للنصوص الدينية المرتبطة بهدف الإرسال. 4. غرض الإرسال الحقيقي وأزمنة الفترات. 5. ختم النبوة والإرسال الإلهي. ونظراً لأهمية الموضوع الأخير "ختم النبوة والإرسال"، فقد تم التفصيل فيه والتعرض إلى معنى الختم عند العلماء، وكيف أنهم سرّوا أدلة ختم النبوة التي توهموها إلى ختم الإرسال أيضاً، حتى إنّ المسألة باتت عندهم من الضروريات التي راحوا يبحثون عن سرّها، ولكن ذلك كله تمت مناقشته وتم عرض أدلة دينية تبين خلاف ما فهمه العلماء في ختم النبوة والإرسال، وأخيراً بيان المعنى الصحيح لختم النبوة والإرسال الذي جهله علماء المسلمين. ولأجل ذلك كان من المناسب جداً فصله محوراً برأسه وكان هو المحور الثالث من محاور البحث. وأما المباحث المطروحة فيه، فهي: أ- معنى الختم وأدلته عند العلماء. ب- عرض أدلة ونصوص مقابلة لفهم العلماء. ج- سرّ ختم النبوة والإرسال بنظر العلماء ومناقشته. د- إشكالات مثارة على ختم النبوة والإرسال. ه- المعنى الصحيح للختم. المحور الرابع: بعد معرفتنا غرض الإرسال الحقيقي، نحاول هذه المرة الغوص في أعماقه، وإنه لأمر خطير أن نكتشف أنّ إنسانيتنا تكمن في صميم ذلك الهدف الإلهي وقطع العذر من أمامنا في عدم تحصيلها، وأنّ تعاليم الرسل الإلهية لو سمح لها بالتطبيق فإنها كفيلة بصنع الإنسان الحقيقي، لذلك كانت الإنسانية المكلفة محصورة بين رسولين من حيث المبدأ والمنتهى مع توسط آلاف الرسل الإلهيين بينهما أيضاً على طول المسير الإنساني. وللوصول إلى النتيجة المشار إليها كان لزاماً الإشارة إلى المباحث التالية في هذا المحور: 1. الإنسان محور عالم الخلق. 2. رسل الله وعودة الإنسانية المفقودة. 3. البشرية بين رسولين. 4. شيء من توصيات الرسل الإنسانية. وبانتهاء هذه البحوث يكون "علة إرسال الرسل" قد انتهى، ولم يتبقَ سوى الإشارة إلى أمرين يختم بهما البحث، هما: أ- مصادره، التي آثرت أن تكون أصيلة عند المسلمين قدر الإمكان، ممزوجة ببعض المصادر المعاصرة أحياناً. ب- فهرسته، التي ضمّت عناوين البحث الرئيسية والفرعية. ولا يفوتني أن أقف وقفة شكر وعرفان للمعلم الإلهي السيد أحمد الحسن (عليه السلام) الذي أدين له بكل كلمة صدق وحق نطقت بها في هذا البحث، فلولاه ما كنت لأكتب واستنتج ما انتهيت إليه في بحثي هذا الذي أبتغي فيه رضاه سبحانه. والله سبحانه أسأل أن يتفضل عليّ بالقبول، وأن يكتبه برحمته وكرمه كمحاولة تسهم بالكشف عن أحقية منهج الرسل الإلهيين، وكذلك في بناء المجتمع الإنساني الذي ينشده رسل الله (صلوات الله عليهم أجمعين) بصبرهم وتضحياتهم بكل شيء، التضحيات التي يفترض بالبشرية جمعاء أن تنحني أمامها إجلالاً وتعظيماً لكبير عطائها. والحمد لله رب العالمين. -مدخل .. قبل الخوض في فقرات البحث الرئيسية، أجد من الضروري الإشارة إلى عدة أمور باختصار: -1/ العلة الغائية هي المقصودة في البحث: العلة: تعني المؤثر في غيره، ويسمى ذلك الغير معلولاً. وعلماء الفلسفة والكلام عادة ما يقسمونها - من حيث مساهمتها في إيجاد المعلول - إلى أربعة أقسام ([1]): - العلة الفاعلية: هي التي تفيض وجود المعلول وتفعله. - العلة المادية: هي الجزء المادي الذي يتركب المعلول منه ومن الصورة. - العلة الصورية: هي الجزء الشكلي الذي يتركب المعلول منه ومن المادة. - العلة الغائية: هي الغرض المتوخى من وجود المعلول. ويذكرون (الكرسي المصنوع من الخشب) كمثال لتطبيق هذه الأقسام، فالعلة الفاعلية هي النجّار الذي صنع الكرسي، والعلة المادية هي الخشب الذي صُنع الكرسي منه، والعلة الصورية هي هيئة الكرسي التي تشكلت مادة الخشب على طبقها، والعلة الغائية هي الجلوس عليه فهو الغرض المرجو من صنعه. وبخصوص العلّتين الفاعلية والغائية فيعتبرون الفاعلية: ما منها يكون الوجود، أي التي تخرج الشيء من العدم. والغائية: ما لأجلها يكون الوجود، أي التي تجعل وجود الشيء متصفاً بالحكمة وبعيداً عن العبث والسفه. نفس هذه الفكرة إذا ما أردنا تطبيقها في محل بحثنا فبوسعنا أن نقول: إنّ "إرسال الرسل" له علة فاعلية، منها يكون وجود الإرسال، ولا يشك موحد في أنّ المرسِل هو الله سبحانه سواء كان الإرسال منه مباشرة أو عبر توسّط رسل آخرين يقومون بالإرسال بأمره عز وجل. وله - أي إرسال الرسل - أيضاً علة غائية، أي الأمر الذي كان الإرسال لأجله. وما نبحث عنه هنا هو الثاني، وبالتالي فـالمقصود من "علة إرسال الرسل" هو العلة الغائية، بمعنى ما لأجلها كان البعث والإرسال الإلهي، وبعبارة أخرى: ما نبحث عنه هو الهدف والغرض من إرسال الرسل. ففي هذه النقطة بالذات وقع الخلاف بين علماء الدين وتعددت آراؤهم التي كانت سبباً مهماً في فهم دعوات الرسل بشكل مغلوط من قبل غير الموحدين كعلماء الإلحاد بل وحتى من قبل بعض الموحدين أنفسهم، كما سنرى في طيّات البحوث القادمة. -2/ الإرسال المبحوث عنه: الإرسال الذي نعنيه في بحثنا هذا هو معناه اللغوي لا غير، أي: البعث والتوجيه. قال ابن منظور: (والإرسال: التوجيه ....... والرسول: معناه في اللغة الذي يتابع أخبار الذي بعثه ...) ([2]). فلما نطلق على محمد وآل محمد وعيسى وموسى وإبراهيم ونوح وآدم (صلوات الله عليهم) - مثلاً - في بحثنا ونقول عنهم أنهم رسل الله، فالمقصود أنهم مبعوثون منه سبحانه سواء كان البعث بشكل مباشر أو بشكل ينتهي إليه عبر توسّط رسل أذِنَ سبحانه لهم بالإرسال، كما سيأتي بالتفصيل. وبكلمة ثانية: إنّ الإرسال المبحوث عنه، هو مطلق البعث من الله، سواء كان المبعوث نبياً أو رسولاً أو إماماً. تنبيه: إنّ اختلاف مقام المبعوث الإلهي يرجع إلى طبيعة المهمة الملقاة على عاتقه والمطلوب منه تأديتها، والذي يعود بدوره إلى نسبة التأهيل المعرفي الذي يتحلّى به المبعوث الإلهي نفسه وشدة قربه من مرتبة "الإنسان الكامل"، وعليه فإنّ أعلى هذه المقامات الإلهية ستكون الإمامة، كما سيتضح خلال البحوث الآتية إن شاء الله تعالى. -3/ أهمية الرسل في حياة الناس: لا يشك موحّد بأهمية "رسل الله" في حياة الناس، يتضح ذلك إذا عرفنا الهدف الذي أرسلوا من أجله، والوظائف التي يؤدونها عند بعثتهم وإرسالهم مثل: هداية الناس وتعليمهم وتزكيتهم وإقامة القسط بينهم ورفع الاختلاف عنهم، وغير ذلك ممّا أوضحته النصوص الدينية التي سيأتي بيانها. والملفت في الأمر أكثر أن نعرف أنّ معاناة الرسل وتضحياتهم والجهود الكبيرة التي قدموها في سبيل نشر دعواتهم الإلهية ما كانت لأجل مُرسلِهم - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً -، ولا كانت لأجل أنفسهم فالرسول الإلهي معلم رباني مهتدٍ زكي عدل ... إلخ من صفات الكمال الإنساني، ولا ينقص إعراض الناس عنه قدره عند ربه رأس شعرة، وبالتالي فمعاناة الرسل (عليهم السلام) وعطاؤهم الإلهي المتوّج بدماء القتل والصلب وآهات السجن والتشريد وسائر سبل التعذيب التي مورست ضدهم إن كانت فهي لأجل إنقاذ الناس أنفسهم من الانغماس في الجانب الحيواني البهيمي الذي يلبي متطلبات جسد الإنسان فحسب وسحبه باتجاه التأهيل المعرفي الذي فُطر عليه الإنسان، باتجاه السلوك الإنساني الراقي الذي به يمسي قبلة تطوف حوله ملائكة الله المسبّحون. إنها حقيقة مرة بالفعل، أن نعرف أننا في إنسانيتنا سواء كان على مستوى أصل تحصيلها أو على مستوى الحفاظ على المتبقي منها مدينون لرسل الله الكرام، ثم بدل أن نشكر الرب الذي أرسلهم أو نقابل تضحياتهم وصبرهم بكلمة شكر وعرفان بالجميل كحد أدنى من جزاء الإحسان، بدل هذا يقوم أغلب الناس في كل جيل برفع حراب الذبح وأعواد الصلب وسلاسل التقييد وسكاكين التعذيب بوجوههم، بل تمارس لقتلهم طرقاً لم يأذن الله تعالى بممارستها مع بقية مخلوقاته الأخرى ! وسأترك هذه المرارة لفصول البحوث القادمة لتكشف عنها بالتفصيل إن شاء الله. -4/ كيف يُعرف الرسل ؟ إنّ أهمية الطريق الذي به يُعرَف رسل الله تتضح من خلال أهمية الرسول الإلهي نفسه، وإذا عرفنا أنّ كل رسول إلهي في زمانه يمثل الدين كله وأنّ من قبله قبل الله ودينه ومن رده رد الله ودينه، نعرف أهمية الطريق والقانون المعرِّف بهم. عن المفضل بن عمر أنه كتب إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) كتاباً، وجاء في جوابه له: (..... فأصل الدين معرفة الرسل وولايتهم. وأن الله عز وجل أحل حلالاً وحرم حراماً فجعل حلاله حلالاً إلى يوم القيامة، وجعل حرامه حراماً إلى يوم القيامة، فمعرفة الرسل وولايتهم وطاعتهم هي الحلال، فالمحلل ما حللوا، والمحرم ما حرموا، وهم أصله ومنهم الفروع الحلال ...... ثم أخبرك أن أصل الدين هو رجل، وذلك الرجل هو اليقين، وهو الإيمان، وهو إمام أهل زمانه، فمن عرفه عرف الله ودينه وشرائعه، ومن أنكره أنكر الله ودينه، ومن جهله جهل الله ودينه وشرائعه، ولا يعرف الله ودينه بغير ذلك الإمام، كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله ..) ([3]). إنّ قانون معرفة الرسل بكل بساطة يتألف من ثلاث فقرات: 1. الوصية أو النص. 2. العلم والحكمة. 3. راية البيعة لله أو الدعوة إلى حاكمية الله. وهو السبيل الذي يمارسه كل حكيم بل ومن يتحلى بأدنى مراتب الحكمة، فلو أنّ صاحب سفينة تحمل ركاباً أراد أن يوكل أحداً لإدارتها فأكيد أنه سيختار شخصاً وينص عليه، ومن يختاره لابد أن يكون الأعلم بينهم وإلا لكان قد جانب الحكمة فيما لو اختار غيره، ثم بعد ذلك يأمر جميع الركاب بطاعة من نصّبه والأخذ منه. والآن، لو راجع الباحثون الكتب السماوية والنصوص الدينية فهل يجدون الرسل أوصوا لمن يخلفهم أو يأتي بعدهم، أم لا ؟ ولينظروا أيضاً هل استدل الرسل بعلمهم وكونهم ينطقون بالحكمة، أم لا ؟ ثم هل طالبوا بحاكمية الله في التوراة والإنجيل والقرآن، أم لا ؟ إذن، المسألة محسومة وهي لا تتعدّى القانون الثابت بالعقل والنقل من الأديان الإلهية الثلاثة، ولهذا أكد القرآن على هذه الأمور الثلاثة عند ذكر الأنبياء والمرسلين: فعن الوصية، قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾([4]). بل الوصية عند الوفاة جعلها الله فرضاً واجباً وحقاً على جميع المتقين، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([5]). وقال تعالى حاكياً قول عيسى (عليه السلام) وبشارته ونصه على مَن يليه: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾([6]). وفي التوراة: (14 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: هُوَذَا أَيَّامُكَ قَدْ قَرُبَتْ لِكَيْ تَمُوتَ. اُدْعُ يَشُوعَ، وَقِفَا فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ أُوصِيَهُ. فَانْطَلَقَ مُوسَى وَيَشُوعُ وَوَقَفَا فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ ..) ([7]). وفيها: (1 وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ وَفَاةِ دَاوُدَ أَوْصَى سُلَيْمَانَ ابْنَهُ قَائِلاً: 2 أَنَا ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الأَرْضِ كُلِّهَا، فَتَشَدَّدْ وَكُنْ رَجُلاً. 3 اِحْفَظْ شَعَائِرَ الرَّبِّ إِلهِكَ، إِذْ تَسِيرُ فِي طُرُقِهِ، وَتَحْفَظُ فَرَائِضَهُ، وَصَايَاهُ وَأَحْكَامَهُ وَشَهَادَاتِهِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، لِكَيْ تُفْلِحَ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ)([8]). فموسى (عليه السلام) يعهد عند موته بوصية لخليفته يوشع (عليه السلام) وبها يُعرف، وكذا داود (عليه السلام) يخص عند وفاته خليفته سليمان (عليه السلام) بوصية بها يُعرف، تماماً كما سمعناه في القرآن قبل قليل. وفي الإنجيل قال عيسى: (18 وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. 19 وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ..)([9]). وقال لسمعان بطرس: (15 .. يَاسِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَارَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ: ارْعَ خِرَافِي ..)، وأعادها عليه ثلاثاً ([10]). واضح أنّ عيسى (عليه السلام) يُعطي بطرس مفاتيح ملكوت السماء دون غيره، لماذا؟ ولماذا يوصيه برعاية غنمه (أتباعه) ثلاث مرات دون غيره ؟ الجواب أنه وصيه من بعده، إذن فهو التنصيص والإيصاء به أمام تلاميذه ليعرفوا أنه الواجب الإتباع من بعده. وأيضاً تبشيره بالمعزي في آخر الزمان وجميع ما قاله في صفاته وأيامه ما كان إلا عملاً منه بهذه السنّة الإلهية. وبالعلم، عُرف موسى (عليه السلام): ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾([11])، وعيسى (عليه السلام): ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾([12])، ومحمد (صلى الله عليه آله): ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾([13]). وهكذا جميع رسل الله. هذا في القرآن، ومن راجع التوراة والإنجيل أيضاً يجد فيهما حكمة الرسل وعلمهم الذي خصهم الله سبحانه به واضحاً جلياً. وأما دعوتهم إلى حاكمية الله وترك حاكمية الناس، فإنّ كتب الأديان جميعها مشحونة بذلك أيضاً. -5/ مؤهلات الرسل: جميع الناس متساوون في نسبتهم إلى ربهم، فهم كلهم عباده وخلقه. روى الكليني بسنده: (... عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً) ([14]). ومن مظاهر رحمته سبحانه بخلقه وعباده إرسال الرسل لهم، وبالرغم من أنه سبحانه لا يُسأل عما يفعل، قال تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾([15])، وبالرغم منه أنه سبحانه عالم بكل شيء ولا يعزب عنه علمه مثقال ذرة، قال تعالى: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾([16])، وكذلك بالرغم من أنّ فائدة الإرسال تعود على الخلق أنفسهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾([17])، لكن أبداً لم يكن اختياره لرسله من بين خلقه دون حكمة أوضحها لخلقه. الله سبحانه عادل في كل شيء بل محسن مع خلقه غاية الإحسان، وبالنسبة للإنسان بالخصوص فقد فطر جميع الناس بمستوى واحد وأهّلهم بتأهيل واحد وهو معرفة جميع أسمائه سبحانه، وأودع فيهم قابلية الوصول إلى مرتبة "الإنسان الكامل"، لكن القليل من الناس للأسف من شكر ربه واستفاد من التأهيل المعرفي فعلاً ولم يتركه مجرد قابلية مودعة فيه يحاسب ويعاتب عليها، والكثير منهم فرّطوا بذلك التأهيل المعرفي وابتعدوا عن مرتبة "الإنسان الكامل" كثيراً، ومثل هؤلاء سيلازمهم قوله تعالى: ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَي علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾([18])، بل ربما الأكثر منهم رفض حتى إنسانيته واختار له صورة أخرى يحشر عليها. عن سدير الصيرفي، قال: (كنت مع الصادق عليه السلام في عرفات، فرأيت الحجيج، وسمعت الضجيج، فتوسمت وقلت في نفسي أترى هؤلاء كلهم على الضلال؟ فناداني الصادق عليه السلام فقال: تأمل، فتأملتهم فإذا هم قردة وخنازير) ([19]). وعلى أي حال، إنّ اصطفاء الله سبحانه لرسله عموماً كان نتيجة جِدّهم واجتهادهم في تحصيل أكبر نسبة ممكنة مما فُطروا عليه من تأهيل معرفي يقرّبهم من مرتبة "الإنسان الكامل"، كما سيتضح لاحقاً، والمعرفة كلما كانت أكبر كانت أبواب الإخلاص والصبر واليقين التي تستتبعها أكبر بكل تأكيد، لذا قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾([20]). فمسألة اصطفاء الرسل الإلهيين إذن لم تكن هبة مجانية منه سبحانه لرسله بقدر ما لها علاقة بمعرفة العبد التي تستتبع درجة من الإخلاص الصاعد للرب والذي يقابله بطبيعة الحال توفيق نازل من الرب سبحانه على العبد، والعصمة التي يتصف بها جميع رسل الله ما هي إلا تعبير آخر عن هذه العلاقة المتبادلة بين الإخلاص والتوفيق، العلاقة التي تنشأ من المعرفة التي ينطوي عليها صدر الرسول الإلهي. روى الشيخ الصدوق بسنده: (... حدثنا حسين الأشقر، قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: "إن الإمام لا يكون إلا معصوماً"؟ فقال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالى: "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم") ([21]). وهذا يعني أنّ المعصوم لا يُخرج الناس من حق ولا يدخلهم في باطل أبداً، ولما كان رسل الله معصومين فهذا يعني أن اتباعهم يضمن للإنسان النجاة وبقائه إنساناً حقيقياً. وهو ما سنقف عليه بالتفصيل في قادم البحوث إن شاء الله تعالى. والآن، نشرع في أولى نقاط البحث المخصص لمعرفة العلة الحقيقة لإرسال الرسل، وهي بحث ما يمكن أن يكون غرضاً للإرسال. -(1) ما يمكن أن يكون هدفاً للإرسال الإلهي إحدى المسائل العقائدية التي تخبط فيها علماء المسلمين عموماً، وكثرت فيها الأقوال، هي العلة والغرض من إرسال الرسل الإلهيين. فما هو الغرض الحقيقي للإرسال؟ بالتأكيد ليس مهماً أن يُبدي عالمٌ ما رأياً في المسألة، ويأتي آخر ويبدي رأياً آخر ... وهكذا، ولكن المهم أن يكون الغرض المطروح للإرسال غرضاً حقيقياً مثبتاً بأدلة محكمة موافقة للقرآن (المحكم وليس المتشابه) والحكمة والعقل القطعي، وهو اشتراط منطقي بعد كون المسألة عقائدية كما هو واضح. وما سيتم عرضه في هذا المحور من البحث مسائل عدة: 1. بحث قرآني في غرض الإرسال. 2. بيان غرض الإرسال عند العلماء. 3. قاعدة اللطف وغرض الإرسال عند علماء الشيعة. 4. عدم خلو الأرض من حجة. 5. أزمنة الفترات وغرض الإرسال الإلهي. لنبتدئ أولاً بعرض بعض الآيات الكريمة التي يمكن أن يفهم منها الإشارة إلى غرض الإرسال، كما فهم ذلك بالفعل مفسرو المسلمين - وسيتضح عند عرض أقوالهم - بمختلف اتجاهاتهم: -1/ 1: غرض الإرسال - بحث قرآني: قد يقال: هناك عدة أغراض وأهداف يتوخاها المرسِل من الإرسال، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الأغراض عبر آياته المتعددة. - فممكن أن يكون الغرض التبشير والإنذار، قال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([22]). - أو التبليغ عموماً، قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ﴾([23]). - وممكن أن يكون التعليم والتزكية، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾([24]). وقال: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾([25]). - وممكن أن يكون عبادة الله، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([26]). وقال: ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾([27]). - وممكن أن يكون الغرض من الإرسال هو طاعة الرسل أنفسهم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾([28]). - وممكن أن يكون الغرض من الإرسال اختبار الخلق وامتحانهم بالرسل لنيل الدرجات وتكفير السيئات ودخول الجنة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾([29]). وقال: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾([30]). - وممكن أن يكون الرحمة بالخلق، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾([31]). - وممكن أن يكون قيام الناس بالقسط، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([32]). - وممكن أن يكون رفع الاختلاف، قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([33]). - وممكن أن يكون هداية الخلق، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾([34]). وقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾([35]). - وممكن أن يكون الغرض هو قطع العذر على الناس، قال تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾([36]). وربما يجد المتتبع في النصوص القرآنية وغيرها أموراً أخرى. ولكن السؤال المهم: هل تشير جميع الآيات المتقدمة - بالفعل - إلى الغرض الحقيقي للإرسال، بحيث يكون لدينا في المحصلة عدة أغراض لإرسال الرسل كما اعتقد ذلك علماء المسلمين، أم أنّ هناك غرضاً حقيقياً واحداً أشار إليه نص قرآني بعينه، وتكون باقي النصوص متكفلة لبيان أمور أخرى لا ربط لها بعلة الإرسال وغرضه ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأيّ نصٍ من بين النصوص القرآنية المتقدمة هو المتكفل لبيان غرض الإرسال، ولأيِّ سببٍ تم اختياره من بين بقية النصوص ؟ هذا ما سيتم إيضاحه في البحوث القادمة إن شاء الله. -1/ 2: غرض الإرسال عند العلماء: إنّ آراء العلماء في بيان غرض الإرسال، مستندة بمجملها إلى ما تقدم من نصوص القرآن الكريم، كما سنلاحظ، وهذه أهم الآراء التي توضح غرض الإرسال. -1/ 2/ 1- قائمة الأقوال: فيما يلي قائمة بأهم أقوالهم في المسألة، مكتفياً بذكر بعض الشواهد من كلامهم: 1. عبادة الله تعالى: - «أن غاية الغايات هي عبادة الله تعالى، وهي الغرض الأصلي من التكاليف، بل من إرسال الرسل وانزال الكتب، بل من خلق العالم» ([37]). - «والآيات الدالة على أن إرسال الرسل وانزال الكتب لأجل أن يعبد الله وحده كثيرة جداً، كقوله: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت".. إلى غير ذلك من الآيات» ([38]). 2. توحيد الله عز وجل: - «إن القرآن يلخص أهداف بعثة الأنبياء في الأمور التالية: 1. تقوية أسس التوحيد ومكافحة كل نوع من أنواع الانحراف في هذا الصعيد، كما يقول القرآن: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت". ..........» ([39]). - «ومن تأمل في القرآن المجيد وتفكر في كيفية دعوة الأنبياء عليهم السلام علم أن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب صرف الخلق إلى الإقرار بالتوحيد وبالمبدأ والمعاد، وإن ما وراء ذلك عبث» ([40]). 3. إطاعة جميع الناس لهم (أي الرسل): - «... أن الهدف من إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو إطاعة جميع الناس لهم، فإذا أساء بعض الناس استخدام حريتهم ولم يطيعوا الأنبياء كان اللوم متوجهاً إلى أنفسهم لا إلى أحد»([41]). - « قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله". المنشود في هذه الآية أن الغاية من إرسال الرسل هي إطاعتهم والانقياد لهم» ([42]). - «وأن الغاية من إرسال الرسل، أن يكونوا مطاعين، ينقاد لهم المرسل إليهم في جميع ما أمروا به، ونهوا عنه، وأن يكونوا معظمين، تعظيم المطاع من المطيع» ([43]). 4. امتحان الخلق بهم: - «أنه خفيت عليهم حكمة إرسال الرسل وهي امتحان الخلق وتعبدهم بتصديق الرسل ليكون إيمانهم عن نظر واستدلال فيحصل الثواب لمن فعل ذلك ويحصل العقاب لمن أعرض عنه..»([44]). - «قال بعضهم: ما بعث الله رسله إلى أعدائه، وإنما بعث الرسل ليميز أولياءه من أعدائه»([45]). 5. الرحمة بالعباد: - «والمعنى: إنا أنزلنا القرآن لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم، ...» ([46]). - « أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم» ([47]). 6. التبشير والإنذار: - «"فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ...." فإنه ظاهر في أن الله سبحانه إنما بعثهم بالتبشير والإنذار وانزال الكتاب (وهذا هو الوحي) ليبينوا للناس الحق في الاعتقاد والحق في العمل، وبعبارة أخرى لهداية الناس إلى حق الاعتقاد وحق العمل، وهذا هو غرضه سبحانه في بعثهم»([48]). - «واعلم أن المقصود من إرسال الرسل إنذار المذنبين وبشارة المطيعين» ([49]). - «"وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين" كلام مبتدأ لبيان الغرض من إرسال الرسل: أي مبشرين لمن أطاعهم بما أعد الله له من الجزاء العظيم. ومنذرين لمن عصاهم بما له عند الله من العذاب الوبيل، وقيل مبشرين في الدنيا بسعة الرزق وفى الآخرة بالثواب» ([50]). 7. هداية الناس إلى الحق وإيمانهم: - «الستون: قوله تعالى: "وإذ آتينا موسى الكتب والفرقان لعلكم تهتدون" عرفنا بهذه الآية وبما يشابهها من الآيات أن غرض الله تعالى من إرسال الرسل والخطاب على لسان الرسول ووضع الكتاب والآيات هداية الأمة إلى الحق»([51]). - « أن إرسال الرسل وإيتاء بينات الآيات للدعوة إلى الحق لغرض الحصول على إيمان القلوب، ...» ([52]). - «إن الغاية القصوى من إرسال الرسل وإنزال الكتب هداية الإنسان وصيانته عن الضلال "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق"» ([53]). 8. قيام عامة الناس بالعدل والقسط: - «ذكر أن الغرض الإلهي من إرسال الرسل وإنزال الكتاب والميزان معهم أن يقوم الناس بالقسط، وأن يعيشوا في مجتمع عادل، ...» ([54]). - « 4. قيام عامة الناس بالعدل والقسط، الذي هو الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"» ([55]). - «إن الهدف من إرسال الرسل ونزول الكتب السماوية والقوانين المحكمة الإلهية، بنيته الآية الشريفة "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات .." فهو إذن أن تقوم أمور الناس على القسط» ([56]). 9. رفع الاختلاف والخصومات بين العباد: - «والدليل السادس: أن العقل والنقل قاضيان بأن المصلحة في بعث الرسل وإنزال الكتب رفع الاختلاف والخصومات بين العباد ليتم نظام معاشهم ومعادهم» ([57]). - «إن القرآن يلخص أهداف بعثة الأنبياء في الأمور التالية: ........... 4- الفصل في الخصومات وحل الخلافات، كما يقول: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه"........» ([58]). 10. التزكية والتهذيب: - «إن القرآن يلخص أهداف بعثة الأنبياء في الأمور التالية: ......... 2- إيقاف الناس على المعارف والرسالات الإلهية وعلى طريق التزكية والتهذيب كما يقول: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة"....» ([59]). 11. التعليم والتقريب للطاعة: - «الثالث: إن العلة الداعية إلى إرسال الرسل هو إعلام خطاب الله تعالى فيقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية، ويعلم الكتاب ومعانيه ويهدي إلى مجملاته، ومتأولاته ومجازاته ومشتركاته، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون»([60]). - «ولأن بعث الرسل لبيان ما بالناس حاجة إلى بيانه» ([61]). - «فإن إرسال الرسل وإنزال الكتب لبيان ما لا يعرف إلا من جهة الشرع كوجوب الصلوات الخمس والإرشاد إلى ما يستقل العقل بإدراكه كوجود الصانع القديم جل جلاله وعم نواله» ([62]). 12. إرشاد الناس نحو المصالح والمفاسد الواقعية ونيل سعادة الدارين: - « أن المقصود من إرسال الرسل وبعث الأنبياء كما عرفت، هو إرشاد الناس نحو المصالح والمفاسد الواقعية، وإعداد مقدمات معها يمكن تربيتهم وتزكيتهم على ما هو الكمال اللائق بمقام الإنسانية وسعادة الدارين » ([63]). - «والفائدة في إرسال الرسل، هو تحصيل سعادة العباد، في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وإزالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم» ([64]). 13. التبليغ: - «الحادي والستون: قوله تعالى: "هو الذي بعث في الأمين رسولاً منهم" الآية وجه الاستدلال أن المراد من بعث الرسل التبليغ وإليه أشار بقوله تعالى: "يتلوا عليهم آياته ويزكيهم"» ([65]). - «أن بعث الرسل لأجل كونها واسطة في التبليغ» ([66]). 14. التذكير بنعم الله: - «هدف بعثة الأنبياء على مر العصور التاريخية إذن هو تذكير البشر بنعم الله سبحانه، ودعوتهم إلى الالتزام بميثاق الفطرة، وإحياء دعوات الأنبياء السابقين» ([67]). 15. قيادة المجتمع نحو التكامل: «الحياة الاجتماعية للبشر في الدنيا لا يمكن أن تنفصل عن القيادة أو أن تستغني عنها، لأن تحديد مسير مجموعة معينة يحتاج دائماً إلى قيادة، وعادة لا يمكن سلوك طريق التكامل بدون وجود قيادة، وهذا هو سر إرسال الأنبياء وانتخاب الأوصياء لهم» ([68]). كانت هذه بعض الآراء المطروحة في بيان الغرض من إرسال الرسل. -1/ 2/ 2- ملاحظتان على كلامهم: بعد مطالعة الأغراض المتقدمة في كلمات العلماء، يمكننا تسجيل ملاحظتين: الأولى: إنّ ما تم ذكره، كان مبنياً على الاستقراء الناقص، وبالتالي فبوسع الباحث في كتب علماء التفسير والعقائد لدى المسلمين - بفرقهم المختلفة - العثور على أقوال أخرى، ترفع قائمة الآراء. الثانية: لا يمكن بحال اعتبار جميع ما ذكر من غرض للإرسال صحيحاً، على الرغم من أنّ قائليها يستدلون بآيات قرآنية تبيّن - بحسبهم - غرض الإرسال؛ وذلك بسبب التقاطع الملحوظ فيما بينها، وعليه فيكون ما استشهدوا به من آيات على أقوالهم هو استدلال بالمتشابه، وهو منهي عنه في العقيدة كما هو معلوم، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾([69]). وكمثال على التقاطع الموجود بين بعض الأقوال المتقدمة، أقول: كم هو الفرق كبير بين أن تكون (الهداية والإيمان) غرض الإرسال، وبين أن يكون الغرض هو (امتحان الخلق بالرسل) أو (اتمام الحجة عليهم)، سواء اهتدى الناس أو لم يهتدوا، آمنوا أو لم يؤمنوا !! وكم هو الفرق كبير بين أن يكون الهدف من الإرسال (التعليم والتزكية)، وبين أن يكون الهدف (تبليغ الناس) أو (تبشيرهم وإنذارهم)، سواء تعلّم الناس أو لم يتعلموا، حصلت لهم التزكية أو لم تحصل !! وهكذا، فإنّ التقاطع بين الأهداف والأغراض التي ذكرت لا يكاد ينكر من قبل منصف. ومن ثم، كيف يعقل أن يكون لأمر واحد (إرسال الرسل) عدة أغراض متقاطعة، خصوصاً بعد الالتفات إلى أنهم رسل إلهيون، أي مرسلين من الله سبحانه، سواء كان إرسالهم منه بالمباشرة أو بتوسط رسل آخرين !! إنّه أمر غير صحيح، ولا يمكن لموحّد الاعتقاد به. وسيأتي مزيد من التوضيح في بطلان ما بيّنوه ([70]). -1/ 3: قاعدة اللطف وغرض الإرسال عند علماء الشيعة: ما تقدم ذكره من آراء في تصوير غرض الإرسال لدى علماء الشيعة، مستنده العقلي في الحقيقة يرجع إلى "قاعدة اللطف"، التي بنى كثير من علماء (العقائد والأصول) الشيعة عدة مسائل دينية واعتقادية - ومنها مسألة تحديد غرض الإرسال الإلهي - عليها، وهي قاعدة عقلية كما هو معلوم ومقرّر عندهم. -1/ 3/ 1- بيان القاعدة: قال الشيخ الطوسي في تقريرها: «واللطف في عرف المتكلمين عبارة عما يدعو إلى فعل واجب أو يصرف عن قبيح» ([71]). وقال الشيخ جعفر السبحاني: «إن قاعدة اللطف لها دور في الكلام الشيعي وتترتب عليها قواعد وأحكام، وحاصلها أنه إذا كان الغرض المترتب على التكليف لا يحصل إلا بفعل يقرب العبد من الطاعة ويبعده عن المعصية، كان على الله سبحانه القيام بذلك» ([72]). -1/ 3/ 2- بعض ما بُني عليها: هذه بعض المسائل الدينية التي بُنيت على "قاعدة اللطف" كما يصوّرون: 1. جعل الثواب عند موافقة التكاليف والعقاب عند مخالفتها: «إن ما اقتضته قاعدة اللطف في جميع التكاليف من جعل الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة كافٍ في التقريب إلى الامتثال هنا ولا حاجة إلى شيء آخر» ([73]). 2. البعث نحو ما فيه صلاح العباد والزجر عمّا فيه فسادهم: « أن قاعدة اللطف كما تقتضي بعث الشارع نحو ما فيه صلاح العباد وزجره عما فيه الفساد، كذلك تقتضي جعل العقاب على ترك ما فيه الصلاح وفعل ما فيه الفساد، تحقيقاً للباعثية والزاجرية » ([74]). 3. حجية الإجماع للقطع بتضمّنه لقول المعصوم (عليه السلام)، بدعوى: «... الملازمة العقلية القطعية بين اتفاق جماعة على مسألة وكونها رأياً للإمام عليه السلام، بمعونة قاعدة اللطف، وبيانها أنه إذا اتفق العلماء على مسألة خلاف رأيه الشريف يجب عليه ردعهم عنها، فإذا لم يردع أو لم يعلم ردعه علمنا أن المسألة تكون موافقة لرأيه الشريف ...»([75]). 4. وجود الأحكام والقضاء بين الناس: «... فكما أن قاعدة اللطف تقضي بوجود أحكام بين الناس من قبل الله عز وجل، كذلك تقضي بوجود ولي يقضي بينهم في موارد الاختلاف حسماً للنزاع ودفعاً للخصومة، ...» ([76]). 5. نفي الحرج والمشقة: «.. قاعدة اللطف، فإنهم فسروها بما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية وأطلقوا القول بوجوبه في الحكمة. ولا شك أن الحرج والمشقة مما يقرب المكلف إلى المخالفة ويبعد عن الطاعة، فيكون منافياً لتلك القاعدة » ([77]). 6. إيجاب التعليم على العالم: «فبمقتضى قاعدة اللطف يجب على الشارع إيجاب التعليم على العالم أيضاً، ليكون محركاً إياه عليه لئلا يفوت الغرض المقصود من الجاهل ...» ([78]). كانت هذه بعض التطبيقات العامة لقاعدة اللطف عند علماء الشيعة. وأما بخصوص ابتناء (إرسال الرسل والحجج الإلهيين) عليها، فهذه بعض أقوالهم: - السيد الخوئي: «ما استند إليه الشيخ الطوسي (رحمه الله) من قاعدة اللطف، وهي أنه يجب على المولى سبحانه وتعالى اللطف بعباده، بإرشادهم إلى ما يقربهم إليه تعالى من مناهج السعادة والصلاح. وتحذيرهم عما يبعدهم عنه تعالى من مساقط الهلكة والفساد. وهذا هو الوجه في ارسال الرسل وانزال الكتب ونصب الإمام (عليه السلام) ......» ([79]). - الشيخ المفيد، في حديثه عن المعصوم، قال: «... أن كل زمان لابد فيه من إمام معصوم وإلا لخلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان» ([80]). - الشيخ الطوسي: «... الإمامة لطف، واللطف واجب على الله تعالى في كل وقت» ([81]). - الشيخ الطبرسي: «قد ثبت بالدلالة القاطعة وجوب الإمامة في كل زمان لكونها لطفاً في فعل الواجبات والامتناع عن المقبحات، فإنا نعلم ضرورة أن عند وجود الرئيس المهيب يكثر الصلاح من الناس ويقل الفساد ...» ([82]). - العلامة الحلي: «إنما وجب الإمام لكونه لطفاً مقرباً إلى الطاعة، ومبعداً عن المعصية»([83]). - السيد محسن الأمين: «وكما يجب على الله تعالى من باب اللطف بعباده أن يرسل إليهم رسولاً يعرفهم الحلال من الحرام ويحكم بينهم بالعدل ويحمي ثغورهم كذلك يجب أن ينصب لهم إماماً بعد النبي يقوم بذلك» ([84]). - السيد محمد باقر الصدر: «... فإنّ إرسال الرسول، أو نصب من يقوم مقامه واجب في هذه الصورة على الله تعالى لما أوجبه على نفسه من اللطف بعباده» ([85]). - الشيخ محمد حسين المظفر: «إن إرسال الرسل، وجعل الحجج، وإقامة البينات لطف منه جل شأنه»([86]). - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «وفي علوم العقائد والكلام، يستفاد أيضاً من (قاعدة اللطف) في إثبات لزوم بعث الأنبياء ولزوم وجود الإمام في كل زمان ...» ([87]). ويقول أيضاً في تفسير الآية "... حتى تأتيهم البينة": «هذه الآية تشير إلى قاعدة اللطف التي يتناولها علم الكلام وتقرر أن الله يبعث إلى كل قوم دلائل واضحة ليتم الحجة عليهم» ([88]). - الشيخ محمد رضا المظفر: «ونعتقد أن قاعدة اللطف توجب أن يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الإصلاحية وليكونوا سفراء الله وخلفاءه» ([89]). وتحت عنوان " 14- النبوة لطف" يقول الشيخ المظفر أيضاً: «فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفاً بهم "رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" وينذرهم عما فيه فسادهم ويبشرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم. إنما كان اللطف من الله تعالى واجباً، فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم، فإذا كان المحل قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف فإنه تعالى لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه» ([90]). إذن، فقاعدة اللطف عندهم لا توجب إرسال الرسل فقط، بل هي الموجب للنبوة والإمامة والبعث الإلهي عموماً، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إنها - أي قاعدة اللطف - تنطوي بنظرهم على حتمية التقريب نحو الطاعة والتبعيد عن المعصية كما عرفنا، وهذه الحتمية تفرض ضرورة وجود الحجة الإلهي (نبي أو رسول أو إمام) في كل زمان وبعثه لكل قوم، كما يقولون. وعلى ضوء فهمهم هذا، نشأت لدى المؤمنين بها - قاعدة اللطف - الأقوال المتقدمة في بيان غرض الإرسال، والتي يتساوى أمامها جميع البشر في مختلف أزمانهم، وإلا فإنّ أي مجال يفسح لقبول التفرقة أو التمييز بين الأقوام أو الأزمان من ناحية الإرسال والبعث فإنّ قاعدة اللطف تحول دون قبوله بنظرهم. -1/ 3/ 3- مناقشة قاعدة اللطف: إنّ (قاعدة اللطف) لا يمكن قبولها؛ لعدة أسباب: الأول: فقدانها الدليل القطعي، الشرعي أو العقلي، المتبع في إثبات مسائل الاعتقاد. وكمثال لحال أدلة القاعدة، هذا سؤال أجاب عنه السيد الخوئي: «سؤال 1403: قاعدة اللطف التي ناقشتموها في الأصول صغرى وكبرى، على ما في مصباح الأصول، في مناقشتكم لشيخ الطائفة التي استدل بها جمع من أصحابنا على وجوب الإمامة لأنها من صغرياتها، هل يمكن الاستدلال على هذه الكبرى، بما دل من (القرآن الكريم) على أنه لطيف بعباده، فتكون الإمامة من صغريات ما دلت على الكبرى المستفادة من الكتاب العزيز، أم أن اللطف المشار إليه في القرآن الكريم غير اللطف المصطلح الذي تكون مسألة وجوب الإمامة من صغرياته ؟ الخوئي: نعم هو كما كتب، لا يدل على صحة الاستدلال بالقاعدة، إن تمت القاعدة ولا دلالة للآية الشريفة في أدلة الأحكام كما زعمت» ([91]). الثاني: لا يشك أحد في أنّ هناك مجموعات من البشر لم يرسل لهم الله عز وجل، فهناك - مثلاً - هنود حمر عاشوا مئات أو آلاف السنين في أمريكا وكانوا يعبدون أخشاباً وأحجاراً وأصناماً وطيوراً، وهناك أقوام عاشوا في غابات أفريقيا آلاف السنين ولم يبعث الله إليهم رسولاً إلهياً، وهم وثنيون، ومسارهم - بطبيعة الحال - كان بحاجة إلى التصحيح والرجوع إلى عبادة الله وتوحيده أو الهداية والإيمان والتعليم والتزكية ..... الخ، من الأغراض التي تقررها قاعدة اللطف كما تقدم، فهل بنظر المؤمنين بالقاعدة أنّ الله تعالى خالف اللطف الواجب في عدم الإرسال لهم ؟! الحقيقة، إنّ هذا التساؤل لو كان وحده فقط لكفى في إبطال القاعدة المزعومة. الثالث: لو تتبّعنا بعض إخبارات رسل الله التي حصل فيها بداء ولم تقع كما أخبروا، فهي ربما قرّبت البعض - بحسب الظاهر - نحو العصيان والإنكار، فهل يرى المتمسكون بالقاعدة أنّ تلك الإخبارات منافية لقاعدة اللطف !! وهذا مثال منها: روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ... إلى أن يقول: (........ وأما إبطاء نوح (عليه السلام): فإنه لما استنزلت العقوبة على قومه من السماء بعث الله عز وجل الروح الأمين (عليه السلام) بسبع نويات، فقال: يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك: إن هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه وأغرس هذه النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين. فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزها التمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكد الحجة على قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاثمائة رجل وقالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقاً لما وقع في وعد ربه خلف. ثم إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة بأن يغرسها مرة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين، ترتد منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلاً، فأوحى الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه، وقال: يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه وصفى (الأمر والإيمان) من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة، فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض وأمكن لهم دينهم وأبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق، وسنوح الضلالة. فلو أنهم تسنموا مني الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم وتأبدت حبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب كلا "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا". قال الصادق (عليه السلام): وكذلك القائم فإنه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام) ([92]). الرابع: عدم قطعية القاعدة، وممّا يؤشر إلى ذلك، معرفة كثرة الرافضين لها: 1- رفض العلماء من بقية المذاهب الإسلامية قاعدة اللطف، فهم يرون أنّ أصل بعثة الرسل الإلهيين أمر ممكن وليس واجباً كما تقرره القاعدة المذكورة، وأنكروا أن يكون هناك أمر واجب على الله، وهذه جملة من أقوالهم: - القاضي الجرجاني في شرحه لمواقف الإيجي: « (المقصد الثالث) في إمكان البعثة وحجتنا فيه إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الدال على الوقوع دال على الإمكان) بلا اشتباه (وقالت الفلاسفة إنها واجبة عقلاً لما مر) من أن النظام الأكمل الذي تقتضيه العناية الأزلية لا يتم بدون وجود النبي الواضع لقوانين العدل (وقال بعض المعتزلة يجب على الله و) فصّل (بعضهم) فقال (إذا علم الله من أمته أنهم يؤمنون) وجب عليه إرسال النبي إليهم لما فيه من استصلاحهم (وإلا) أي وإن لم يعلم ذلك بل علم أنهم لا يؤمنون لم يجب الارسال بل (حسن) قطعاً لأعذارهم...» ([93]). - ابن حجر العسقلاني: «والأصل أنه لا يجب على الله شيء» ([94]). - بدر الدين العيني: «ولا يجب على الله شيء» ([95]). - الثعالبي: «والعقيدة أنه لا يجب على الله تعالى شيء عقلاً» ([96]). - النسفي: «"فقد وقع أجره على الله" أي حصل له الأجر بوعد الله وهو تأكيد للوعد، فلا شيء يجب على الله لأحد من خلقه» ([97]). 2- رفض كبار علماء الشيعة المتأخرين القاعدة أيضاً، ومنهم: - السيد الخوئي، ففي مناقشته لحجية الإجماع المستند إلى قاعدة اللطف، يقول: «وفيه أولاً- عدم تمامية القاعدة في نفسها، إذ لا يجب اللطف عليه تعالى بحيث يكون تركه قبيحاً يستحيل صدوره منه سبحانه، بل كل ما يصدر منه تعالى مجرد فضل ورحمة على عباده» ([98]). - الشيخ ضياء الدين العراقي، في حديثه عن الإجماعات المنقولة، يقول: «وأما ما كان منها مستنداً إلى قاعدة اللطف كالإجماعات الواردة في كلام الشيخ (قدس سره) ومن تبعه في هذا المسلك فللتوقف فيه مجال لضعف أصل المبنى» ([99]). - الشيخ رضا الهمداني في رفضه حجية الإجماع المستند إلى القاعدة، يقول: «... لإمكان اتكال جلهم على قاعدة اللطف التي لا نقول بها» ([100]). - السيد الشوشتري: «وبعد بطلان قاعدة اللطف لا تكون دعوى الإجماع من جهة المسبّب حجة»([101]). - السيد مصطفى الخميني: «أن قاعدة اللطف ليست تامة، لا في باب النبوة، ولا في باب الإمامة، والتفصيل في محل آخر..» ([102]). - الشيخ محمد طاهر آل راضي: «إن الاجماع لاعتقاد الملازمة عقلاً من باب قاعدة اللطف باطل لبطلان قاعدة اللطف» ([103]). وهناك غيرهم من علماء الشيعة والسنة أيضاً. ولا يمكن اتهام جميع هؤلاء العلماء بمخالفتهم الدليل العقلي القطعي على "قاعدة اللطف" لو كان ثمة دليل متصفاً بذلك ! أعتقد أنّ هذه المناقشات كافية لإبطال القاعدة المزعومة، وبالتالي بطلان جميع ما بني عليها، ومنه مسألة كون "اللطف" أصلاً تستند إليه الأغراض المتقدمة للإرسال في أقوال العلماء. -1/ 4 : عدم خلوّ الأرض من حجّة: يؤمن علماء الشيعة الإمامية بعدم خلوّ الأرض من حجة، ودليلهم على ذلك عقلي ونقلي. أما الدليل العقلي، فمستنده قاعدة اللطف المتقدمة. قال الشيخ المفيد عن وجود الإمام المهدي (عليه السلام) ما نصّه: «الدليل على ذلك أن كل زمان لابد فيه من إمام معصوم وإلا لخلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان» ([104]). وقال الشيخ الطوسي: «... أن كل زمان لابد فيه من إمام معصوم، مع أن الإمامة لطف، واللطف واجب على الله تعالى في كل وقت» ([105]). وقال الشيح كاشف الغطاء: «القول الفصل: إنه إذا قامت البراهين في مباحث الإمامة على وجوب وجود الإمام في كل عصر، وأن الأرض لا تخلو من حجة، وأن وجوده لطف، وتصرفه لطف آخر ...» ([106]). وأما الدليل النقلي، فقد خصّص الشيخ الكليني (رحمه الله) في كتاب الكافي باباً بعنوان "أن الأرض لا تخلو من حجة"، وضمّنه 13 رواية ([107])، كان منها: (4- أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: تبقى الأرض بغير امام؟ قال: لا. ................ 8- علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم (عليه السلام) إلا وفيها إمام يهتدي به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده). وروى الشيخ الصدوق بسنده: (عن الفضل شاذان، قال: سأل المأمون علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار، فكتب (عليه السلام): ............. وأن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان، وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدنيا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها)([108]). وسيتضح في البحث اللاحق مدى الارتباط الوثيق بين هذا الأمر الاعتقادي وتحديد غرض الإرسال. -1/ 5 : أزمنة الفترات وغرض الإرسال الإلهي: قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُوْلُوْا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيْرٍ وَلاَ نَذِيْرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيْرٌ وَنَذِيْرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ﴾([109]). لا شك في وقوع الفترات بين الرسل كما أشارت له الآية. وقد وقعت بين إدريس ونوح (عليهما السلام)، وبين نوح وهود (عليهما السلام)، وبين صالح وإبراهيم (عليهما السلام)، وبين عيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله) ([110]). -1/ 5/ 1- معنى الفترة: الفترة في اللغة تعني: الضعف والانكسار. قال ابن منظور: «فتر: الفترة: الانكسار والضعف. وفتر الشيء، والحر، وفلان يفتر ويفتر فتوراً وفتاراً: سكن بعد حدة ولان بعد شدة» ([111]). وبخصوص معناها الديني، فإنّ إجماع علماء السنة منعقد تقريباً على تفسير الفترة بانقطاع الحجة (الرسل والأنبياء) والوحي، وعند علماء الشيعة وقع الاختلاف في بيان هذا الانقطاع كما سيتضح الآن. -1/ 5/ 2- أقوال العلماء في معنى (الفترات بين الرسل): اختلفت أقوال العلماء في بيان معنى الفترة: منها: خلوّ الزمان من النبي فقط. قال الشيخ الطوسي: «... وتعلقهم بالفترات بين الرسل باطل، لأن الفترة عبارة عن خلو الزمان من نبي ونحن لا نوجب النبوة في كل حال، وليس في ذلك دلالة على خلو الزمان من إمام» ([112]). وإليه ربما يشير قوله في تفسيره، إذ يقول: «"على فترة من الرسل" يعني على انقطاع من الرسل. وفيه دلالة على أن زمان الفترة: لم يكن فيه نبي. والفترة انقطاع ما بين النبيين عند جميع المفسرين» ([113]). وقول الشيخ الطبرسي أيضاً، إذ يقول: «"على فترة من الرسل" أي على انقطاع من الرسل، ودروس من الدين والكتب، وفيه دلالة على أن زمان الفترة لم يكن فيه نبي، وكان الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت النبوة متصلة قبل ذلك في بني إسرائيل» ([114]). ومنها: خلوّ الزمان من الحجّة، سواء كان نبياً أو رسولاً أو إماماً. قال الشيخ محمد صالح المازندراني: «والفترة ما بين الرسولين من رسل الله من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة والوحي، والإمام العادل الحاكم بين الناس وتلك حالة انقطاع الخير وموت النفوس بداء الجهل» ([115]). وقال السيد ميرداماد الاسترابادي: «"الفترة": ما بين كل نبيين من زمان انقطاع الوحي» ([116]). وإلى نفس المعنى ربما يوحي كلام السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله)، لما فسّر الفترة بالفراغ، قال: «... ومن هنا لم يأت الإسلام إلا بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قروناً من الزمن» ([117]). فزمان الفترة بنظرهم هو الزمان الخالي من النبي والرسول والإمام. ومثلهم في تفسير "الفترة" بانقطاع الرسل والأنبياء والوحي عموماً علماء سنّة كثر ([118]). ومنها: خلوّ الزمان من الرسول فقط، ومن اختار هذا الرأي، تفرّعت أقوالهم بين قائل بـ : أ- خلوّ كلِّ زمان الفترة من مطلق الرسول. قال السيد المرتضى: «... أن الفترة تختص الرسل، وأنها عبارة عن الزمان الذي لا رسول فيه، وهذا إنما يلزم من ادعى أن في كل زمان حجة هو رسول فأما إذا لم يزد على ادعاء حجة وجواز أن يكون رسولاً وغير رسول فإن هذا الكلام لا يكون حجاجاً عليه، ....» ([119]). وقال السيد عبد الله شبر: «"على فترة من الرسل" على حين فتور من إرسال الرسل إذ ليس بينه وبين عيسى رسول بل أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي» ([120]). ب- خلوّ الزمان القريب من بعث "الرسول اللاحق" فقط من الرسل. قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «... إن القرآن الكريم حين يقول: على فترة من الرسل إنما ينفي وجود الرسل في تلك المدة، ولا يتنافى هذا الأمر مع القول بوجود أوصياء للرسل في ذلك الوقت» ([121]). ولا يقصد بـ (تلك المدة) مطلق زمان الفترة، بل الزمان القريب من بعث الرسول اللاحق، إذ يقول: «........ أما ما جاء في القرآن - في سورة يس الآية 14 - وما ذكره المفسرون، فيدلان على أن ثلاثة من الرسل - على الأقل - قد بعثوا في الفاصلة الزمنية بين النبي عيسى (عليه السلام) ونبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد ذكر البعض أن أربعة من الرسل بعثوا في تلك المدة، وعلى أي حال لابد أن تكون هناك فترة خلت من الرسل بين وفاة أولئك الرسل والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك عبر القرآن عن تلك الفترة الخالية من الرسل بقوله: "على فترة من الرسل"» ([122]). تعقيب: من يراهم الشيخ مكارم الشيرازي رسلاً، يراهم السيد عبد الله شبّر أنبياء، والحال أنّ كليهما يتحدث عن تفسير الفترة وخلوّ زمانها من الرسل ! جـ- خلوّ الزمان من أولي العزم من الرسل. قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «وإذا نظرنا إلى الفترة من عصر المسيح (عليه السلام) إلى قيام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نجدها لم تخل من الحجة الإلهية، بل إنها فترة من قيام أولي العزم» ([123]). والفرق بين هذا القول للشيرازي وسابقه واضح، فإنّ نظره في القول السابق كان منصبّاً على خلوّ الزمان القريب من بعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مطلق الرسل (سواء كانوا من أولي العزم أو غيرهم)، في حين أنّ قوله الأخير منصبٌ على كل زمان الفترة وخلوّه بكلّه من خصوص رسل أولي العزم. د- خلوّ الزمان من رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال السيد الطباطبائي: «أن معنى الفترة هو عدم انبعاث نبي له شريعة وكتاب، وأما الفترة عن مطلق النبوة فلا نسلم تحققها وخلو جميع الزمان وهو قريب من ستة قرون من النبي مطلقاً» ([124]). ويقول أيضاً حاكياً قول الراغب، ولم يعلّق عليه: «"على فترة من الرسل" أي سكون خال عن مجيء رسول الله» ([125]). -1/ 5/ 3- هل بين (الفترة وهدف الإرسال) تناقض أو تهافت ؟ ربما يقول أحد: إنّ أصل التساؤل المطروح خطأ؛ لسبب بسيط هو: إنّ الله تعالى وصف نفسه بالحكمة، وبكل تأكيد هناك هدف يستهدفه من البعث والإرسال، كما أنّ القرآن الكريم - وكذا الروايات الشريفة - أكدت وقوع الفترة بين الرسل، فكيف يمكن تعقّل حدوث التناقض أو التهافت بين الهدف الإلهي للإرسال والفترة التي نص عليها سبحانه في كتابه ؟! أقول: إنّ عدم التناقض والتهافت بين غرض الإرسال وأزمنة الفترات، أمر لا يشك فيه مؤمن بكتاب الله أبداً، والمتوقع ممّن تصدى لبيان هذه المسائل من علماء العقائد أن يقدم تصوراً متسقاً يحفظ البديهية المطروحة في الاعتراض، ولكن الغريب حقاً أن نجد أنّ محصلة الجمع بين أقوال كبار العلماء في البحوث المتقدمة يؤدي بالنهاية إلى التناقض أو الاضطراب والاختلاف !! توضيح ذلك: إننا عرفنا عند استعراض كلماتهم سابقاً عدة أمور، منها: 1- تحديد غرض الإرسال، وكان منه: توحيد الله، عبادته، الامتحان، الرحمة بالعباد، هدايتهم، تعليمهم، تبليغهم، تزكيتهم، تذكيرهم، قيادتهم نحو التكامل، إقامة العدل بينهم ..... الخ. 2- استناد تلك الأغراض إلى قاعدة اللطف العقلية. 3- تضمّن القاعدة إيجاب كل ما يُقرّب العبد نحو الطاعة ويبعده عن المعصية، ومن ذلك: إيجاب وجود الحجة الإلهي في كل زمان، ولكل قوم. والنتيجة بنظرهم هي: إنّ العقل يوجب - لطفاً - بعث الحجة الإلهي لكل الناس في كل الأزمان؛ لأجل تعليمهم وهدايتهم وتزكيتهم وتذكيرهم ... الخ من أغراض، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إننا سمعنا أقوالهم في بيان معنى الفترة، وإنها مرددة - إجمالاً - بين قائل بخلوّ الزمان من النبي فقط، وقائل بخلوّه من الحجة مطلقاً، وقائل بخلوّه من الرسول فقط. إذا اتضح هذا: فإنّ التناقض والتهافت سيكون في غاية الوضوح عند من فسّر "الفترة" بانقطاع الرسل والأنبياء (الحجة)؛ لسببين: الأول: كيف يمكن الجمع بين الاعتقاد بخلوّ زمانٍ ما - 600 عام تقريباً مثلاً، الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما - من الحجة، والذي يقتضي جزماً الإيمان بعدم ضرورة وجود الحجة في كل زمان، وبين الاعتقاد بوجوب وجود الحجة بين الناس في كل زمان، وإنّ خلوّه من الحجة ولو لحظة واحدة ينافي اللطف الإلهي !! وهل هذا إلا جمع بين نقيضين. الثاني: كيف ينسجم خلوّ الزمان من حجة، مع الإيمان بأنّ غرض إرسال الحجج الإلهيين هو هداية الخلق أو تزكيتهم أو تعليمهم أو تبليغهم أو تذكيرهم أو إقامة العدل بينهم ..... الخ من أغراض ذكروها، فأيّ من هذه الأغراض سيتحقق والحال أنّ الزمان خالٍ من الحجة الإلهي كما يفترضون !! وهل هذا إلا تهافت واضح ! اللهم إلا أن يقال: إنّ غرض الإرسال مُعطَّل بالنسبة لأهل الفترة وغير شامل لهم، وهو بحاجة إلى دليل قطعي كما هو معلوم. وأما من اعتقد بقاعدة اللطف، وفسّر الفترة بخلوّ الزمان من النبي، كالشيخ الطوسي والطبرسي وغيرهم ربما، فيرد عليه: أولاً: إنّ كلامهم مبني على حصر معنى "الرسل" في الآية ([126]) بالأنبياء فقط، دون المعنى العام الشامل لمطلق الحجج الإلهيين، وهو بحاجة إلى دليل قطعي كما هو واضح. وثانياً: إنّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) يعدّ رائداً في استعمال قاعدة اللطف في البحوث الكلامية الشيعية، وقاعدة اللطف - كما تقدم - تقتضي إيجاب كل ما يقرّب العبد نحو الطاعة ويبعده عن المعصية، ونفس هذه القاعدة كانت هي المحور الذي يدور حوله غرض الإرسال بأوجهه المتعددة كما عرفنا سابقاً. وعليه، فما هو وجه الحكمة في أن يخلو زمان الفترة من النبي فقط دون سواه من سائر الحجج والحال أنّ غرض بعث الأنبياء متوفر بنظرهم وفق ما تقرّره قاعدة اللطف ؟!! وثالثاً: مخالفته لنصوص دينية واضحة الدلالة على احتواء زمان الفترة بين عيسى (عليه السلام) ورسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) على أنبياء، ولا أقل النبي خالد بن سنان العبسي. روى الشيخ الصدوق: (عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (عليهما السلام) قالا: جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: مرحباً يا ابنة أخي وصافحها وأدناها وبسط لها رداءه، ثم أجلسها إلى جنبه، ثم قال: هذه ابنة نبي ضيّعه قومه خالد بن سنان العبسي وكان اسمها محياة ابنة خالد بن سنان) ([127]). ورابعاً: إنّ هذا القول على النقيض تماماً ممّا فهمه بعض كبار علماء الشيعة كالسيد المرتضى وغيره، لما فسّروا الفترة بخلوّ الزمان من الرسل بالمعنى الاصطلاحي دون خلوّه من الحجة الإلهي الشامل بطبيعة الحال للأنبياء. وأما من اعتقد بقاعدة اللطف، وفسّر "الفترة" بخلوّ زمنها من "الرسول" فقط دون خلوّه من مطلق الحجة المتمثل بالنبي أو الوصي، (ظناً منه أنه بهذا الاعتقاد يمكنه أن يحافظ على الإيمان بالفترة والإيمان بعدم خلو الأرض من حجة) ([128])، فكلامه متهافت أيضاً وغير صحيح؛ لعدة أسباب: الأول: هو بحاجة إلى إثبات أنّ المقصود بـ"الرسل" في الآية ([129]) المعنى الاصطلاحي الذي يكون فيه "الرسول" قسيماً لـ "النبي" و"الإمام"، وما لم يقم الدليل القطعي على ذلك فإنّ تفسيره للفترة بخلوّها من الرسول دون النبي أو الوصي يكون مجرد مصادرة على المطلوب لا غير، خصوصاً بعد تضمّن النصوص إطلاق لفظ "الرسول" على الأوصياء، كأوصياء نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله)، وكذلك أوصياء عيسى (عليه السلام). وكمثال على هذه النصوص: قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾([130]). أي: وآخرين منهم سيبعث الله فيهم رسولاً منهم أيضاً، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، تماماً كما بعث في الأميّين الأوّلين رسولاً منهم قام بهذا الدور. وإذا كان محمد (صلى الله عليه وآله) هو رسول الله إلى الأميّين الأوّلين، فمن يكون غير رجل من آله الكرام هو الرسول إلى الأميّين الآخرين ([131]) بعد وفاة النبي الأكرم ورجوعه إلى ربه الكريم ! وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُـولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾([132]). روى العياشي: (عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن تفسير هذه الآية: "لِكُلِّ أُمَّـةٍ رَسُـولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُـونَ"، قال: تفسيرها بالباطن، إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد، يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل، وأما قوله: "فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ" قال: معناه إنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله) ([133]). وقال تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾([134]). في تفسير القمي: (عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن تفسير هذه الآية فقال: بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية .....) ([135]). وقد ذكر بعض العلماء أنهم كانوا مرسلين من عيسى (عليه السلام)، منهم: - الشيخ علي الحائري: «والقرية أنطاكية، والمرسلون رسل عيسى إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان»([136]). - المازندراني: «... كما في قوله تعالى "إذ أرسلنا إليهم اثنين" مع أن الاثنين لم يكونا رسولين لله تعالى بل لعيسى (عليه السلام) ...» ([137]). - الشيخ جعفر السبحاني: «يذكر المفسرون أن الرسولين لم يكونا مبعوثين من الله مباشرة، وإنما بعثا من قبل المسيح (عليه السلام). مثل الرسول الثالث، ولما كان بعث المسيح بأمر من الله سبحانه، نسب فعل المسيح إليه سبحانه، وقال: "إذ أرسلنا إليهم اثنين"» ([138]). الثاني: إنّ الآية الأخيرة "إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ..."، إضافة إلى دلالتها على إطلاق لفظ "الرسول" على أوصياء الرسل، تؤكد كذلك على وجود رسل إلهيين في الفترة الكائنة بين عيسى ومحمد (صلوات الله عليهما)، والتي لا يختلف علماء المسلمين في كونها زمن فترة دامت ما يقرب من ستة قرون. نعم، ربما يختلفون في أن مرسِل الرسل الثلاثة هل هو الله عز وجل أم عيسى (عليه السلام)، ولكنهم على كل حال رسل إلهيين، ومن ثمَّ يتضح بطلان تفسير الفترة بخلوّ الزمان من الرسل كما رامه السيد المرتضى والسيد عبد الله شبّر والشيخ مكارم الشيرازي في أحد أقواله المتقدمة وغيرهم. وربما لأجل ذلك وجدنا للأخير قولاً آخر يفسّر الفترة بخلوّ الزمان من قيام أولي العزم من الرسل فقط دون غيرهم، وهو تقريباً نفس ما نقله السيد الطباطبائي عن الراغب الأصفهاني الذي فسر الفترة بخلوّها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو آخر أنبياء أولي العزم كما لا يخفى. ولكن مثل هذه الأقوال لا يمكن قبولها بحال أيضاً، لأنها: 1- مجردة عن الدليل تماماً، ولا تعدو أن تكون ظنوناً وتخرّصات ليس إلا. 2- إنها تحصر تفسير الفترة بخلوّ الزمان من أولي العزم من الرسل فقط، مع أنّ النص الديني دلّ على وقوع الفترة بين غيرهم. روى الكليني بسنده: (عن أبي حمزة، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا، فقلت: فولدك؟ فقال: لا، فقلت: فولد ولدك هو؟ قال: لا، فقلت: فولد ولد ولدك؟ فقال: لا، قلت: من هو؟ قال: الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، على فترة من الأئمة، كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث على فترة من الرسل) ([139]). فالرواية صريحة في دلالتها على وقوع الفترة بين الأئمة كوقوعها بين الرسل. كما أننا إذا ما عرفنا بأنّ هناك فترة بين (الأئمة) و(بعث صاحب الأمر)، وضممنا إليه قول الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية العياشي المتقدمة "إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد"، أي أنّ آل محمد (عليهم السلام) رسل، استطعنا أن نضيف دليلاً آخر على وجود رسل في زمن الفترة. الثالث: إنّ بعض من فسّر الفترة بخلوّها من الرسل، كالشيخ مكارم الشيرازي، اختار في بحث غرض الإرسال المتقدم ([140]) أن يكون الغرض هو إطاعة جميع الناس للرسل أو قيادة الناس نحو التكامل، هذا من جهة. ومن جهة أخرى سمعناه يبيّن الفترة في قوله الأخير بأنها المدة الواقعة بين موت آخر رسل عيسى (عليه السلام) وبعث رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) ([141])، فهل يرى أنّ هذه المدة الزمنية - طالت أم قصرت - ليست بحاجة إلى رسل تطيعهم الناس، أو أنّ الناس في هذه المدة الزمنية ليست بحاجة إلى قيادة مثلاً، ولماذا، وما هو فرقهم عن بقية الناس ؟! يبقى أنه قد يقال: إنّ هناك بعض الروايات فسّرت الفترة بـ"انقطاع الرسل" ([142])، وظاهرها يفيد خلوّ الزمان من الرسل ؟ وجواب ذلك: إنّ استظهار مثل هذا الفهم لا يمكن قبوله نهائياً؛ لأنه يصطدم بنصوص أخرى كثيرة عرضنا بعضها، ورأينا أنّ منها ما هو قطعي صدوراً ودلالة، ولا يخفى أنّ الظاهر لا يؤخذ به إن أدّى إلى مخالفة ما هو قطعي، بل يُصار إلى تأويله إن أمكن وإلا فيطرح باتفاق الجميع. ومن الممكن تأويلها بأن نقول: إنّ المقصود بالانقطاع فيها هو انقطاع نهج الظهور والاشتهار بين الناس الذي يسلكه الرسل في الظروف الطبيعية عادة إلى نهج الغمور والاستتار الذي تفرضه الناس في أزمنة الفترات، كما سيأتي بيانه بالتفصيل في بيان المعنى الصحيح للفترة، وبذلك نكون قد أخذنا بجميع النصوص الدينية آيات وروايات دون طرح أيٍّ منها. وفي ختام هذا المحور، أقول: إنّ الحقيقة التي تظهر بجلاء لمن يقرأ كلام العلماء الذي بيّنوا فيه غرض الإرسال من جانب، والفترة من جانب آخر، هي أنّ التناقض والتهافت والاضطراب ضارب فيها بشدة، وهو مؤشر على عدم وضوح القضيتين عندهم بشكل كبير. وسنعرض في المحور الثاني من البحث الغرض الصحيح للإرسال، وكذلك المعنى الصحيح للفترة، وسنرى أنّ بينهما تمام الاتساق والانسجام. -(2) غرض الإرسال الحقيقي في محور البحث هذا، سنلقي الضوء على بيان غرض الإرسال الحقيقي وتبنّي قولاً فصلاً في المسألة، آخذين بنظر الاعتبار الاستدلال عليه بأدلة قطعية غير قابلة للنقض، وتوافقه مع أزمنة الفترات والإيمان بعدم خلوّ الأرض من حجة من جهة، وكذلك توافقه مع النصوص الدينية التي فهم منها علماء العقائد والتفسير الأغراض المتقدمة للإرسال من جهة ثانية. كما سنحاول مناقشة أقوال علماء الدين، وإجابة بعض شبهات الملحدين، المتصلة بالموضوع محل البحث. ومن ثمَّ، فإنّ نظرنا سيتركز على البحوث الآتية: 1. غرض الإرسال الحقيقي. 2. هل إرسال الرسل ظاهرة شرق أوسطية ؟ 3. فهم علماء الدين الخاطئ للنصوص الدينية المرتبطة بالرسل وهدف الإرسال. 4. غرض الإرسال الحقيقي وأزمنة الفترات. 5. ختم النبوة والإرسال الإلهي. وهو ما سيتم بحثه تباعاً، بإذن الله تعالى. -2/ 1: الغرض الحقيقي لإرسال الرسل: بعد اتضاح بطلان تحديد غرض الإرسال من قبل العلماء، نشرع الآن في بيان الغرض الحقيقي لإرسال الرسل الإلهيين، صلوات الله عليهم أجمعين. -2/ 1/ 1- (قطع العذر) غرض الإرسال: قال تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾([143]). الله سبحانه يقول: إنّ علّة إرسال الرسل هو قطع العذر، وإن كان عذراً كاذباً من كذّاب،كما تبديه "لولا" في الآيات التالية: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى﴾([144]). ﴿وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([145]). وهو ما أكدته الروايات الشريفة أيضاً: روى الكليني بسنده: (عن جعفر بن محمد عن كرام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام. وقال: إن آخر من يموت الإمام، لئلا يحتج أحد على الله عز وجل أنه تركه بغير حجة لله عليه) ([146]). وروى الصدوق بسنده: (عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سأله رجل فقال: لأي شيء بعث الله الأنبياء والرسل إلى الناس؟ فقال: لئلا يكون للناس على الله حجة من بعد الرسل، ولئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، وليكون حجة الله عليهم، ألا تسمع الله عز وجل يقول حكاية عن خزنة جهنم واحتجاجهم على أهل النار بالأنبياء والرسل: "ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير") ([147]). قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد: (اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة. إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً؛ لئلّا تبطل حجج الله وبيناته...) ([148]). وعنه (عليه السلام) في خطبة له: (... الذي خلق خلقه لعبادته وأقدرهم على طاعته، بما جعل فيهم وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وبمنّه نجا من نجا ولله الفضل مبدئاً ومعيداً)([149]). جدير بالذكر، إنّ كون "قطع العذر" هو العلّة الحقيقية للإرسال لا يستوجب الإرسال إلى كل الأقوام البشرية في كل زمن كما اعتقد علماء المسلمين عموماً بذلك، بل إنّ الغرض الإلهي المذكور يتحقق حتى بالنسبة إلى مَنْ لم يتم إرسال الرسل الإلهيين لهم، كما سيتوضح لنا الآن. -2/ 1/ 2- قطع العذر لا يوجب الإرسال لكلِّ الناس مرّ بنا سابقاً، إنّ قاعدة اللطف التي يؤمن بها أغلب علماء الشيعة العقائديين، تقتضي إرسال الرسل لكل الأقوام في كل الأزمان، وقد نقلنا بعض كلماتهم التي تثبت ذلك فيما مضى. ولكن مثل هذا الاعتقاد لا يستقيم أبداً؛ لبطلان قاعدة اللطف في نفسها كما تقدم، ولأننا عندما نتتبّع حال جميع الناس في مختلف العصور والأزمان لا يمكننا القطع ببعث الرسل إلى بعض الأقوام البشرية، إن لم يكن القطع قائم على عدم الإرسال إليهم؛ لعدة أسباب ستأتي لاحقاً ([150])، وكمثال على تلك الأقوام: أ- الهنود الحمر، وهم أقوام سكنوا الأمريكيتين قبل آلاف السنين، ولا يوجد في ثقافتهم شيء اسمه "دين سماوي"، وإنما يعتمدون أنظمة قبلية معقدة، ولديهم تقاليد تؤمن بالروح والروح العظمى وتقدّس الكثير من الحيوانات كالطيور والثعابين والثعلب والجاموس والنسر وغيرها، كما أنّ تلك القبائل عادة ما تقوم بصناعة "طوطم" ([151]) لها تتقرّب من خلاله إلى أرواح الأسلاف !! ب- الأقوام المنتشرة في غابات أفريقيا منذ مئات بل آلاف السنين؛ ولا زالت بعض القبائل الوثنية موجودة في غربها كالإيفي (Ewe) في توغو، والأكان (Akan) في غانا، والمندي (Mende) في سيراليون، وسيرتها قائمة عادة على عبادة الأسلاف أيضاً، ولديها منظومة خاصة من المعتقدات والتقاليد المعقدة التي لا تمت إلى الدين والرسالات السماوية بصلة أبداً. وهناك غيرهم في مناطق أخرى. فمثل هؤلاء الناس وثنيون، وهم لا يؤمنون بدين إلهي مطلقاً، وعاشوا آلاف السنين في مناطق معينة على هذه الأرض، ولم يتم الإرسال لهم، فعلى مقتضى قاعدة اللطف؛ هل يكون الله تعالى قد خالف الواجب عليه (وحاشاه) بعدم الإرسال إلى مثل هذه الأقوام؟! تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وأما الاستدلال على الإرسال إلى جميع الأقوام البشرية دون استثناء - بما فيهم المذكورون أعلاه - بآيات قرآنية كما حاول ذلك علماء المسلمين، فلا يعدو الاستدلال بنصوص متشابهة ليس إلا، كما سيتضح ذلك لاحقاً ([152]). وعلى أي حال، فإنّ التناقض بين غرض الإرسال الذي حدّده علماء المسلمين وبين عدم الإرسال إلى بعض المجاميع البشرية لا يكاد يخفى؛ ذلك أنّ جميع ما ذكروه في تحديد غرض الإرسال هو متحقق بالنسبة لهم، فسواء كان الغرض توحيد الله، أو عبادته، أو سعادة الإنسان في الدنيا ودخوله الجنان في الآخرة، أو تعليم الإنسان وتزكيته وتهذيبه، أو حاجته للقيادة التي تأخذ بيده نحو الكمال ..... إلخ ممّا ذكروه، فإنّ المجاميع البشرية أعلاه فاقدة لها بأجمعها، وبالتالي فهي - وفقاً لما حدّدوه في غرض الإرسال - بأمس الحاجة إلى إرسال الرسل، فلِمَ لم يتم الإرسال لها ليتحقق الغرض المذكور إن كان هو الغرض حقاً ؟ الحقيقة، إنّ هذا المأزق ليس بوسعهم الخروج منه، إلا أن ينسبوا العبث أو الظلم إلى ساحة المُرسِل تعالى عن ذلك علواً كبيراً. أو يعترفوا بخطئهم في تحديد غرض الإرسال واختيار ما بيّناه في تحديد الغرض الحقيقي، وهو "قطع العذر". فإنّه - أي قطع عذر المعتذرين - متحقق دائماً، وفي كل الأزمان وبالنسبة إلى جميع الناس المكلّفين على هذه الأرض دون استثناء، سواء تم الإرسال إليهم بالفعل أو لم يتم. وبيان ذلك يتضح من خلال النقاط التالية: 1- إنّ الله سبحانه متصف بالعلم والعدل والحكمة، لا يشك موحّد بذلك، وأما الجهل والظلم والسفه فهو منفي عنه مطلقاً. 2- وبالنسبة للعلم، فهو سبحانه يعلم بكل شيء ومحيط به، بل لا يعزب عن علمه مثقال ذرة. قال تعالى: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾([153]). بل يعلم بالشيء قبل أن يكون فيما إذا كان كيف سيكون. روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسنده عن: (..... الحسين بن بشار، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، قال: سألته أيعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون، أو لا يعلم إلا ما يكون ؟ فقال: إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء، قال الله عز وجل: "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"، وقال لأهل النار: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون"، فقد علم الله عز وجل أنه لو ردهم لعادوا لما نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون"، فلم يزل الله عز وجل علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها، فتبارك ربنا تعالى علواً كبيراً، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك لم يزل ربنا عليماً سميعاً بصيراً) ([154]). 3- إنّ الإنسان - كل إنسان - لم يُخلق في هذه الدنيا عبثاً، قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾([155])، بل خُلق ليرجع إلى ربه بعد ابتلائه واختباره، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾([156]). 4- ليس عالمنا الذي نعيش فيه هو الوحيد الذي يجري فيه الإنسان الامتحان والاختبار، بل هناك عالم قد سبق هذا العالم، خاضت فيه جميع الأنفس دون استثناء الامتحان، وهو المعروف بعالم الذر أو الميثاق، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾([157]). وهو العالم الذي عناه محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) في روايات كثيرة، منها: روى الكليني بسنده: (... عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ..... وسألته عن قول الله عز وجل: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى - الآية" ؟ قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسة ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه...) ([158]). وروى القمي بسنده: (... عن الحسين بن نعيم الصحاف، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قوله: "فمنكم كافر ومنكم مؤمن"، فقال: عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق وهم في عالم الذر وفي صلب آدم عليه السلام) ([159]). وروى الصفار بسنده: (... عن علي بن معمر عن أبيه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: "هذا نذير من النذر الأولى" يعنى محمداً (صلى الله عليه وآله) حيث دعاهم بالإقرار بالله في الذر الأول) ([160]). وروى الشيخ النعماني بسنده: (... عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول) ([161]). وأيضاً: أخرج الطبري بسنده: (عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم" قال: إن الله خلق آدم، ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر، فقال لهم: من ربكم؟ قالوا: الله ربنا، ثم أعادهم في صلبه، حتى يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة) ([162]). إذن، جميع الأنفس الإنسانية امتُحنت من قبل الله سبحانه في عالم الذر والنشأة الأولى وأُخذ عليها الميثاق، ولكنها - وحتى يتحقق منها الامتحان الثاني - لما أتت هذا العالم نست وغفلت عمّا جرى عليها في عالم الذر والامتحان الأول في النشأة الأولى. 5- إنّ تعدد عوالم الخلق والامتحان لم يكن لسببٍ يعود إلى الله عز وجل بكل تأكيد، خصوصاً بعد معرفتنا بأنه سبحانه عالم بكل شيء قبل كينونته وبعدها، فينحصر السبب إذن بأمر يعود إلى الإنسان نفسه. عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر طويل، يقول: (..... وأما قوله: "وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء"، كذلك ربنا لا يعزب عنه شيء، وكيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق وهو الخلاق العليم ...) ([163]). 6- إنّ المُرسِل متصف بكونه حكيماً رحيماً عدلاً، ومن ثمَّ إن علم أنّ هناك أقواماً مستعدة لاستقبال رسوله في أزمان وأماكن مختلفة، فإنّ إرسال رسله لهم جميعاً وإسماعهم بالحق والهدى الإلهي موافق للحكمة تماماً. وأما إن علم يقيناً أنّ بعضهم لن يستقبل رسوله وأنّ حالهم سيكون الإعراض عنه وعن الحق والهدى الذي جاء به، فإنّ عدم الإرسال لهم - والحال هذه - لا ينافي حكمة المُرسِل ورحمته وعدله؛ خصوصاً إذا ما كان المُرسِل يعلم سلفاً بحالهم، بل وأخذ منهم نتيجة ذلك في امتحان سابق. وعليه، فيكون الإرسال لهم مجرد تحصيل حاصل لا غير. كما أنّ الإرسال إلى من يكون حاله كحال هؤلاء المعرضين عن الرسل في مناطق أخرى، لا يعدو أن يكون مجرد تفضّل من المُرسِل بدون استحقاق منهم، ولإتمام الحجة عليهم وعلى غيرهم وإسكاتهم وقطع عذرهم بأني لو أرسلت لكم لكان حالكم كحال هؤلاء دون أي فرق. وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾([164]). إذا اتضح هذا، فإنّ من عاش في مناطق بعيدة عن أرض الرسالات كغابات أفريقيا أو الأمريكيتين أو غيرهم ولم يتم الإرسال له في هذه الدنيا، فهو: - ممّن يعلم الله سبحانه حاله يقيناً حتى قبل أن يخلقه إلى أين سينتهي به المطاف. - بل ممّن خاض الامتحان في عالم الذر وعُلم حاله واستحقاقه ونتيجته فيه. - إنه لا عذر له بعدم الإرسال إليه واختياره الضلال على الهدى، لأنّ الله سبحانه لو علم فيه خيراً لأرسل إليه ولأسمعه الحق، ومع هذا - ولإتمام الحجة وقطع العذر عليه - فقد أرسل إلى من هم نظراء له في أماكن أخرى وكان موقفهم الإعراض واختيار الضلال، ومن ثمَّ فعذره غير مقبول على كل حال. ملاحظة: النقاط المذكورة إجمالاً مستوحاة من كلام السيد أحمد الحسن الآتي نصّه ([165]). وبهذا يتضح أنّ "قطع العذر" لا يقتضي إرسال الرسل إلى كافة البشر على هذه الأرض، كما أنه الغرض الوحيد الذي يستقيم مع عدم الإرسال إلى بعض الأقوام البشرية. وسيأتي مزيد من الكلام المتصل بهذا الموضوع في بحث قادم ([166]). -2/ 1/ 3- شبهة وجواب: قد يقال: إنّ ما ذكرتموه في بيان الغرض الحقيقي لإرسال الرسل "أي قطع العذر" قد تم ذكره من قبل بعض العلماء فيما سبق، كما ورد في كلام الشيخ جعفر السبحاني حيث يقول: «إنّ القرآن يلخص أهداف بعثة الأنبياء في الأمور التالية: ........... 5- إتمام الحجة على العباد كما يقول: "رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيما"» ([167]). ومن ثمَّ، فما هو الجديد الذي أضفتموه على ما ذكره هؤلاء العلماء ؟ والجواب على ذلك: إنّ هذا القول رغم صحته في نفسه إلا أنه لا يصح من قائله؛ لسببين: أولاً: إنّ قائله ذكره من بين أغراض متعددة للإرسال، وبالنسبة للشيخ السبحاني فقد جعله خامس الأغراض في كلامه، ولم يلتفت إلى أنه السبب الأصيل والوحيد للإرسال الإلهي. وثانياً: إنّ قائله من بين المعتقدين بقاعدة اللطف (التي تستوجب الإرسال لكل قوم وفي كل زمن كما عرفنا)، والقول بأنّ علّة إرسال الرسل هو "قطع العذر" لا يستوجب الإرسال لكل الأقوام كما أوضحنا، فكيف استطاع الجمع بين المعتقدين مع التناقض المشهود بينهما ؟! -2/ 1/ 4- إشارات روائية تنبّه إلى غرض الإرسال الحق: انتهينا إلى أن غرض الإرسال الحقيقي هو "قطع العذر"، وهذا الغرض يتحقق حتى مع عدم الإرسال إلى بعض الناس في أماكن معيّنة على هذه الأرض كما أوضحنا، وهذا يعني أنّ الامتحان الإلهي على هذه الأرض بالرغم من سريانه على الجميع إلا أن إرسال الرسل لإجراء الامتحان لا يستدعي بالضرورة إرسالهم لكل بني البشر، بل ربما يتم بأخذ عيّنة من الناس وإجراء الامتحان عليهم عبر إرسال رسل إليهم بالخصوص، ولكن نفس هذا الإرسال يقطع عذر نظرائهم ممّن لم يتم الإرسال لهم بالخصوص. وإلى هذا المعنى أشارت بعض الروايات، منها: روى العياشي (عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في قوله: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء"، ردوا على الله فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، وإنما قالوا ذلك بخلق مضى يعنى الجان بن الجن، "وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" فمنّوا على الله بعبادتهم إياه، فأعرض عنهم، ثم علم آدم الأسماء كلها ثم قال للملائكة: "أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء" قالوا: لا علم لنا، قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فأنبأهم، ثم قال لهم: اسجدوا لآدم، فسجدوا، وقالوا في سجودهم في أنفسهم: ما كنا نظن أن يخلق الله خلقاً أكرم عليه منا، نحن خزان الله وجيرانه وأقرب الخلق إليه، فلما رفعوا رؤوسهم قال: الله يعلم ما تبدون من ردكم عليّ وما كنتم تكتمون، ظناً أن لا يخلق الله خلقاً أكرم عليه منّا، فلما عرفت الملائكة أنها وقعت في خطيئة لاذوا بالعرش، وإنها كانت عصابة من الملائكة، وهم الذين كانوا حول العرش، لم يكن جميع الملائكة الذين قالوا ما ظننا أن يخلق خلقاً أكرم عليه منّا وهم الذين أمروا بالسجود: فلاذوا بالعرش وقالوا بأيديهم وأشار بإصبعه يديرها فهم يلوذون حول العرش إلى يوم القيامة.......)([168]). تعقيب: إنّ من كان من الملائكة في محضر تنصيب الخليفة لم يكن كلهم بل كان عصابة منهم وهم مَن كان حول العرش، أي عيّنة منهم، ومع هذا اعتبر قولهم وموقفهم قول وموقف جميع الملائكة، وهذا يعني أنّ اقامة الحجة على الخلق وقطع عذرهم لا يقتضي الإرسال لهم واستجوابهم فرداً فرداً في سوح الاختبار برسله، بل ربما جرى الامتحان على عيّنة، وبه يقطع عذر نظرائهم؛ لعلمه سبحانه بأنّ إقامتها على هذه العيّنة يعني إقامتها على الكل. وبهذا يقطع السؤال: لماذا يكون العذاب النازل على بقعةٍ ما من الأرض نتيجة تكذيب رسول إلهي شاملاً لجميع الناس أو الأغلب في حين أنّ البعض قد لا يكون سامعاً بدعوته أصلاً، ولكن الحقيقة إنّ جواب هذا البعض لو كان فلا يعدو جواب من أجاب بالرفض والتكبّر على الرسول !! وعلى أي حال، فإنّ إشارة الرواية إلى ما انتهينا إليه في بيان غرض الإرسال الحقيقي "أي قطع العذر" لا تكاد تخفى. روى النعماني بسنده: (..... عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): خبر تدريه خير من عشر ترويه، إن لكل حق حقيقة، ولكل صواب نوراً، ثم قال: إنا والله لا نعد الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يلحن له فيعرف اللحن، إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال على منبر الكوفة: إن من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلا النومة. قيل: يا أمير المؤمنين، وما النومة ؟ قال: الذي يعرف الناس ولا يعرفونه. واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله عز وجل، ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة لله لساخت بأهلها، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون، ثم تلا: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون") ([169]). تعقيب: الرواية تتحدّث عن زمان غيبة الحجة عن الناس، ولأنّ العبث يمتنع صدوره من الحكيم سبحانه فإنّ غرض الإرسال متحقق رغم غيبته وعدم معرفة الناس بشخصه "ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه". ولكن لا يمكن بحال قبول أي من الأغراض التي ذكرها العلماء كهدفٍ لإرسال الرسل، إذ كيف يُتوقّع حصول هداية الناس أو تعليمهم أو تزكيتهم أو تذكيرهم على يد الرسول الإلهي أو قيادته لهم أو دعوتهم إلى توحيد الله وعبادته ... الخ ممّا ذكروه، والحال أن الناس لا تعرف شخصه ! بل عموا عنه بسبب ظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، كما نصت الرواية !! فلم يبقى غير "قطع العذر" الغرض الحقيقي من بعثه وإرساله، وهو الحق الذي أوضحناه. -2/ 2: هل إرسال الرسل ظاهرة شرق أوسطية ؟ غير بعيد عمّا كنا نتحدث عنه في نقطة البحث السابقة، طرح الملحدون إشكالاً على الدين يتعلّق بتمركز الأديان السماوية وبعث الرسل في منطقة الشرق الأوسط بالتحديد، وهو بنظرهم يتنافى مع الاعتقاد بالرب الذي يدعو الرسل الإلهيون إلى الإيمان به. طبعاً، ساعدهم في ترسيخ الشبهة ما ذكره علماء الدين في تحديد غرض الإرسال، وكذلك الأجوبة التي قدّموها وظنّوا أنها تجيب إشكال الملحدين، ولكنها "زادت الطين بلّة" كما يقال. وهو ما سنراه الآن. -2/ 2/ 1- شبهة الملحدين على انحصار بعث الرسل بمنطقة محددة: يقول القائمون على صفحة "العلم ضد الأديان" الإلحادية على الانترنت: «التناقض الثالث: أنبياء الشرق الأوسط ما سبب عدم ظهور أنبياء في أوروبا والأمريكيتين واستراليا والصين، يدعون إلى السماوات الإبراهيمية التوحيدية، طبقاً لقول القرآن: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" النحل: 23. تخبرنا الآية بأن الله قد بعث لكل أمة من الأمم رسولاً ليرشدهم إلى طريق الله، وهو ما يتناقض ويصطدم بشكل جلي بعلوم التاريخ والحقائق الانثربولوجية .فلو كان ما تخبرنا به الآية صحيحاً فهذا يعني بوضوح أن الله قد بعث الأنبياء إلى الهنود الحمر ولقبائل الإنكا والإزتيك بأمريكا الشمالية والجنوبية ولسكان استراليا الأصليين الأبورجينز وللصينيين ولليابانيين وللفراعنة.. إلخ ! ولكن الحقيقة تتضح في شكل مناقض تماماً، فماذا عبد هؤلاء قديماً وبما كانوا يؤمنون في الماضي السحيق ؟ ................ لا نجد من قال بالأديان السماوية الإبراهيمية إلا .. في منطقتنا منطقة "الشرق الأوسط". فهل الأرض عند محمد وصديقه الخيالي هي فقط "الشرق الأوسط" ؟». -2/ 2/ 2- إجابة علماء الدين على الشبهة: سأعرض الآن نماذج من إجابات علماء المسلمين بمختلف فرقهم على الشبهة المطروحة: الأول: جواب مركز الأبحاث العقائدية التابع لمرجعية السيد السيستاني «السؤال: لماذا أكثر الأنبياء في منطقة الشرق الأوسط؟ لماذا لم يرسل الله سبحانه في الأمزون أنبياء أو في أماكن أخرى لا يوجد أنبياء، ولماذا أكثر الأنبياء كانوا في منطقة الشرق الأوسط، مع الشكر؟ الجواب: الأخ احسان المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لم يثبت أن الله سبحانه لم يبعث أنبياءاً إلى الأمم المختلفة سوى في منطقة الشرق كما تقولون، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "وَإِن مِن أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ" فاطر: 24، وكذا قوله تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً" الاسراء: 15، وكذا قوله تعالى: "وَلَقَد بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" النحل: 36. ولكن يمكن القول بأنّ النبوات كانت أكثر ظهوراً وأقوى تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط دون غيرها لاقتضاء الوجود البشري في هذه المنطقة وانتشاره فيها بكثافة وتحضّره وتمدّنه مع وجود الأسباب وعدم الموانع التي تحول بين الأنبياء وبين أداء مهمتهم الرسالية في المناطق التي كانوا يبعثون إليها، ومع هذا كلّه فيمكن استفادة بعث الأنبياء إلى كل الأمم بلحاظ ما تقدم من آيات وبلحاظ قوله تعالى عن الرسل الذين لم يخبر عنهم وأنّهم قد أرسلوا إلى أمم في الأرض كما في الآية "وَرُسُلاً قَد قَصَصنَاهُم عَلَيكَ مِن قَبلُ وَرُسُلاً لَم نَقصُصهُم عَلَيكَ" النساء: 164. ودمتم في رعاية الله» ([170]). الثاني: جواب الأزهر - مصر «بعثة الرسول في الشرق الأوسط المفتي / عطية صقر - مايو 1997 المبادئ / القرآن والسنة السؤال: ما الحكمة في بعثه الرسل كلهم في الشرق الأوسط من الأرض ؟ الجواب: ليكن معلوماً أن الله سبحانه أرسل رسلاً كثيرين كما قال تعالى: "ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك" غافر : 78، وقال تعالى: "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" فاطر: 24، وقال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً" النحل: 36، نعلم من هذه النصوص أنه يجوز أن يكون الله سبحانه قد أرسل رسلاً في غير منطقة الشرق الأوسط، على أن المختصين قالوا: إن العمران البشرى بدأ أول ما بدأ في هذه المنطقة، وذلك لاعتدال جوها وكثرة خيراتها المتاحة من المياه والنبات وغيرها، ووجود عوامل ساعدت على تجمع الناس وتكوين وحدات مستقرة، أو على الأقل متعاونة متحدة، والغالب أن يكون لهذه العلاقات الاجتماعية أثر كبير على الفكر والسلوك، الذى قد يشيع ويعم الوحدة الاجتماعية كلها، ومن هنا كانت الحاجة أمس لإرسال رسول يهدى الضالين في العقيدة والسلوك، فالرسول لا يأتي لأفراد متناثرة ولكن لوحدات مترابطة، حتى لا يكون للناس على الله حجة "رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" النساء : 165» ([171]). الثالث: جواب السلفيين في الموقع السلفي "الإسلام سؤال وجواب - بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد"، جاء التالي: « 138770: هل هناك أنبياء أرسلوا إلى أهل إفريقيا وأوربا ؟ السؤال لماذا ظهر الأنبياء جميعهم في منطقة واحدة من العالم، ولم يظهر نبي في مناطق أخرى، مثل أوروبا ؟. الجواب: الحمد لله أولاً: من المقرر في شريعتنا : أن الله تعالى أقام الحجة على العباد، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ولم يكن هذا الإرسال لأمة دون أخرى، ولا لقارة دون غيرها، بل كان إرسالاً للأمم كافةً، على اختلاف مكانها، وزمانها، كما قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر /24، وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/ 36 . ولذا كان من عدل الله تعالى أنه قضى أنه لا يعذِّب أحداً لم تبلغه دعوة الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/ 15، وقال تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) الأنعام/ 131. إلا أن الله تعالى لم يقص علينا خبر جميع الرسل، بل قص علينا خبر بعضهم، وأكثرهم لم يقص علينا خبره، كما قال الله تعالى: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ). وعليه؛ فالقول بأن الأنبياء لم يكونوا إلا في منطقة واحدة من العالَم: قول غير صحيح، بل أرسل الله الرسل إلى جميع أمم الأرض ........ ثانياً: من المعلوم أن أغلب الحضارات التي قامت على مر التاريخ: سكنت هذه البلاد، وهي ما يسمى بـ "منطقة حوض البحر المتوسط" وما قاربها، وهي: الشام، ومصر، والعراق، وجزيرة العرب، وبالتالي كانت الكثافة السكانية - في الأغلب - في تلك البلاد، وهذا مناسب جداً لكون أكثر الرسل أرسلوا إلى أهل هذه البلاد . وأما الحكمة من أن الله تعالى قص علينا قصص أنبياء ورسل هذه المناطق دون غيرها : 1. أن العبر والعظات في قصص أولئك الأنبياء والرسل الكرام أعظم من غيرها. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله : "وإنَّما ترك الله أن يقصّ على النّبي صلى الله عليه وسلم أسماء كثير من الرسل للاكتفاء بمن قصّهم عليه: لأنّ المذكورين هم أعظم الرسل، والأنبياء، قصصاً ذات عبر" انتهى. "التحرير والتنوير" (6/35). 2. أن هؤلاء الرسل بحكم وجودهم في منطقة العرب وما حولها كانت أخبارهم معروفة عند العرب، وعند أهل الكتاب المتواجدين في هذه المنطقة، وهذا يكون أقوى في إقامة الحجة على هؤلاء، وتأثير الموعظة والعبرة بما وقع لهؤلاء.  والله أعلم» ([172]). هذه كانت بعض أجوبة علماء المسلمين بمختلف اتجاهاتهم على الشبهة المطروحة. -2/ 2/ 3- وقفة مع الأجوبة المقترحة: إنّ شبهة الملحدين المتقدمة في الحقيقة منطلقة من فهمٍ مغلوط لآيات القرآن الكريم، وجهلٍ منهم بصفات المُرسِل أساساً وغرضه الذي يتوخّاه من إرساله للرسل بل من خلقه للخلق عموماً، ومع هذا فكل ما يهمهم هو ضرب الدين الإلهي بأي وسيلة كانت، لذا تراهم لا يعدمون القشة لأجل تحقيق غرضهم وحكمهم المسبق، في ذات الوقت الذي يتجاهلون فيه الجذع إن كان بخلاف مرامهم، ومن ثمَّ فلا أجد غرابة في الموضوع بالنسبة لهم. ولكن الغريب حقاً أنّ يجد القارئ لأجوبة علماء الدين الإذعان والتسليم المطلق للملحدين بالمعنى الذي فهموه من الآيات، فمعنى قوله تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً"، وقوله: "وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ"، عند الملحدين وعلماء الدين معاً هو: أنّ الله سبحانه قد أرسل رسله إلى كل بني البشر في جميع أماكنهم وفي كل أزمانهم. ولا يخفى أنّ هذا الفهم من قبل علماء الدين مرتبط بتحديدهم لغرض إرسال الرسل، ونحن إذ بيّنا - فيما سبق - عدم صحة الغرض الذي حدّدوه، فلا يمكن بحالٍ قبول الفهم المستند إلى غرضٍ هو غير صحيح أساساً، هذا من جهة. ومن جهة ثانية: إنّ من ضمن ما استدل به الملحدون في شبهتهم بانحصار الأديان في منطقة الشرق الأوسط وعدم بعث الرسل في المناطق المذكورة في الشبهة، هو: خلوّ الأدلة التاريخية والانثروبولوجية ([173]) من كل ما يتعلّق بالرسل ودعواتهم في تلك المناطق، وهو كلام صحيح علمياً. فهل يعقل أن يتجاهل التراث التاريخي والحضاري الإنساني حدثاً بضخامة بعثة رسول إلهي إلى الهنود الحمر وقبائل الازتيك والأنكا أو سكان غابات أفريقيا الوثنيين - مثلاً - في ذات الوقت الذي يحتفظ بأدلة على أحداث في نفس تلك المناطق تقل أهمية عن ذلك بكثير !! ثم إننا وجدنا أنّ آلاف السنين لم تكن كافية لإعدام أو تجاهل ألواح الحضارة السومرية ورقمها الطينية، التي تؤكد إيمان السومريين (أصحاب أول حضارة عرفتها الإنسانية) بالدين الإلهي ([174])، ببركة تعاليم أنبيائهم كنوح وإبراهيم (عليهما السلام) وإن طاله التحريف كما هي العادة بعد بعثة كل رسول إلهي، ولا زال علماء الأركيولوجيا ([175]) وحتى وقت قريب يرفدون المجتمع الإنساني بمثل تلك الألواح والرقم الطينية التي يعثرون ولا زالوا عليها، فما بالهم عجزوا هذه المرة عن أن يعثروا في غابات أفريقيا أو أمريكا الشمالية على شيء يؤكد وجود تعاليم تشبهها ! علماً، إنه لا يشترط أن تكون مثلها في العمق الزمني، بل يكفي ولو كانت متزامنة مع السيد المسيح (عليه السلام) أو قبله بقليل، "بناء على كون نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) آخر الأنبياء والمرسلين، ووجود الفترة بينه وبين عيسى (عليه السلام)"، ومثل هذا الزمن يُعدّ قريباً نسبياً إذا ما قيس بحضارة سومر وأكاد والأنبياء الذين بعثوا في بلاد الرافدين. ثم إن كان المؤرخون والانثروبولوجيون متواطئين مع الإلحاد في تجاهل تدوين وتسجيل مثل تلك الأدلة كما تفيده بعض كلمات علماء الدين وأتباعهم، فهل الأرض والطبيعة والآثار تواطئت هي الأخرى معهم، بحيث لا يمكن العثور في تلك المناطق على شيء - ولو بسيط - وفي طبقات الأرض - لا فوقها - يرفد إمكانية بعث رسل إلهيين فيها ؟!! إنه أمر تكاد تكون إمكانية قبوله - علمياً - قريبة من الصفر تقريباً، وبرغم ذلك نجد أنّ علماء الدين تجاهلوا ذلك والجواب عنه بالمرة، وكأنهم غير معنيين بما يسمعون، مع أنّ الكلام في أمر عقائدي خطير ويمس الدين الإلهي والرسالات السماوية بالصميم، بل يُعدّ من بين كبريات مقولات الملحدين في التنكر للدين القويم ! ومن جهة ثالثة: إنّ كون منطقة الشرق الأوسط مهد الحضارات وبالتالي احتوائها على الكثافة السكانية، كما أفادته أجوبة علماء الدين، ربما يبرّر كثرة الرسل فيها في أحسن الأحوال، ولكنه لا يبرر عدم وجود أدلة علمية على بعث الرسل في المناطق المذكورة في إشكال الملحدين، كما هو واضح. كما أنّ عدم ذكر القرآن الكريم بعض الرسل كما تفيده الآية الكريمة: "وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ"، والتي استشهد بها علماء الدين في إجاباتهم، لا يثبت إرسال الرسل غير المقصوصين في المناطق المذكورة في الإشكال، إذ لا ملازمة بين الأمرين بالمرة. وفي ذات الوقت لا ينفي العثور على آثار وأدلة تاريخية تفيد بعثتهم في تلك المناطق، لو كان هناك ثمة بعث قد حصل فيها. ومن جهة رابعة: إنّ النصوص القرآنية التي استشهد بها علماء الدين وفهموها بنفس الفهم الذي ساق الملحدين للإشكال على الدين الإلهي والطعن فيه، بيّنها محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ببيان آخر، يلتقي تمام الالتقاء مع غرض الإرسال الحقيقي، وهو ما سنعرفه الآن. -2/ 2/ 4- القول الفصل في جواب شبهة الملحدين: قلت: إنّ علماء الدين والملحدين فهموا من قوله تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً"، وقوله: "ولِكُلِّ أُمَّـةٍ رَسُـولٌ"، وقوله: "وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ"، أنّ الله سبحانه أرسل رسله إلى كل الناس في كل مكان في مختلف العصور. وقد أوضحنا فيما مضى أنّ مثل هذا الفهم - بالنسبة لعلماء الدين - يلتقي مع غرض الإرسال الخاطئ الذي حدّدوه، ولما كان ما قالوه غير صحيح، وأنّ الغرض الحقيقي للإرسال هو "قطع العذر"، فامتحان الناس على هذه الأرض وإتمام الحجة عليهم لا يلزم منه بعث الرسل إليهم في كل أماكنهم، بل قد يكون بأخذ عيّنة منهم وبعث الرسل إليهم، وبه يقطع عذر نظرائهم في أماكن أخرى، وقد بيّنا ذلك بالتفصيل في بحث "قطع العذر لا يوجب الإرسال لكل الناس" المتقدم. إذن، صار لزاماً أن تفهم الآيات أعلاه بشكل يلتقي مع هذا الغرض الصحيح، وهو بالضبط التفسير الذي أوضحه أئمة الدين الحقيقيون - أعني محمداً وآل محمد (صلوات الله عليهم) - لها، وكان يُفترض بعلماء الدين قبل الإذعان للملحدين في فهمهم للآيات، الرجوع إليهم (صلوت الله عليهم)، لأنهم عدل القرآن وترجمانه، لمعرفة المعنى المراد منها، فلنرى كيف بيّن آل محمد (عليهم السلام) المراد بالآيات: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (سألته عن تفسير هذه الآية: "لِكُلِّ أُمَّـةٍ رَسُـولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُـونَ"، قال: تفسيرها بالباطن، إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد، يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل،...)([176]). فالمقصود بـ"كل أمة" إذن هي الأمم المتعاقبة طولاً، زمناً بعد زمن، وقرناً بعد قرن، بحيث لا يخلو مقطع زمني ما في حياة الناس بالمطلق من وجود رسول إلهي في أمة بينهم، وبوجوده يُقطع عذر من بُعث فيهم، وكذلك عذر نظرائهم الموجودين في الأماكن الأخرى كغابات أفريقيا وأمريكا الشمالية والصين وأستراليا وغيرها. وليس المقصود بـ"كل أمة" جميع الأمم عرضاً، بمعنى أن يكون لكل مجموعة بشرية منتشرة على هذه الأرض رسول، كما فهمه الملحدون وعلماء الدين. وما أوضحته الرواية السابقة، أشارت إليه روايات أخرى أيضاً، منها: - عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحمل هذا الدين في كلِّ قرنٍ عدول، ينفون عنه تأويل المبطلين، وتحريف الغالين، وانتحال الجاهلين، كما ينفي الكير خبث الحديد) ([177]). - عن يعقوب بن شعيب، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، "يوم ندعو كل أناس بإمامهم" فقال: ندعو كلَّ قرنٍ من هذه الأمة بإمامهم، قلت: فيجئ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قرنه، وعلي (عليه السلام) في قرنه، والحسن (عليه السلام) في قرنه، والحسين (عليه السلام) في قرنه، وكل إمام في قرنه الذي هلك بين أظهرهم ؟ قال: نعم) ([178]). - وعن الإمام علي (عليه السلام): (إن الله اختص لنفسه بعد نبيه (صلى الله عليه وآله) من بريّته خاصة علاهم بتعليته، وسما بهم إلى رتبته، وجعلهم الدعاة بالحق إليه والأدلاء بالرشاد عليه، لقرنٍ قرن، وزمنٍ زمن) ([179]). - عن أبي البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (... فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كلِّ خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) ([180]). - وروى الكليني بسنده: (... عن الفضيل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: "ولكلِّ قومٍ هادٍ" فقال: كل إمام هادٍ للقرن الذي هو فيهم. ..... عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: "إنما أنت منذر ولكلِّ قومٍ هادِ" فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر، ولكل زمانٍ منّا هادٍ يهديهم إلى ما جاء به نبي الله (صلى الله عليه وآله)، ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد) ([181]). - وفي تفسير القمي: ("وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" قال: لكلِّ زمانٍ إمام) ([182]). لاحظ: "كل قرن"، "كل خلف"، "هادٍ للقرن"، "لكل زمان منّا"، "لكل قرن إمام"، لكل زمان إمام".. وليس لكل مكان إمام أو رسول، وجميع هذه التعبيرات تلتقي مع كون غرض الإرسال "قطع العذر" كما هو واضح. وليماني آل محمد، السيد أحمد الحسن، قول مفصّل في المسألة، أحكم فيه ما تشابه على علماء الدين وقطع ظنونهم، وكذلك تقوّلات الملحدين أيضاً: [ س217: ..... ما هو ذنب من لم يصله القرآن ؟ الجواب: أنت تقصد ما هو ذنب من لم يصله القرآن ومات كافراً بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ....، وهذا الأمر قد بيّنته في أحد الكتب، وهو "إضاءات من دعوات المرسلين"، وأنقل لك بعض الأسطر من هذا الكتاب: إضاءة من فاتحة سورة يوسف: قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ* قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [يوسف: 4 - 6]. في هذه الآيات تفتتح مسيرة يوسف (عليه السلام) إلى الله، إنها تذكير من الله العليم الحكيم ليوسف (عليه السلام) بحقيقته التي ارتقاها في عالم الذر وغفل عنها بسبب حجاب الجسد لما خلقه الله وأنزله إلى هذا العالم الظلماني (عالم الأجسام). قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ [الواقعة: 62]، أي إنكم كنتم في عالم الذر مخلوقين وأمتحنكم الله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172 - 173]. وهذه الآية فيها رد على من يقول: ما ذنب من لم يصل إليه الإسلام ولم يُبلّغ برسالات السماء كمن عاش في مجاهل أفريقيا أو في أطراف الأرض أو في أرض بعيدة عن أرض المرسلين (عليهم السلام). والرد: إنّ الآية الأولى تثبت أنّ الناس تم امتحانهم وكلٌّ أخذ مقامه وتبيّن حاله واستحقاقه، والآية الثانية تبيّن أنهم غير معذورين باتباع ضلال آبائهم في هذه الأرض أو أنهم عاشوا في أرض لم يطأها نبي ولم يصل لها الحق ولم يبلغهم به أحد؛ لأنّ الله يقول لهم: إني امتحنتكم في عالم الذر وعلمت حالكم واستحقاقكم، فلا تقولوا: ﴿إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾، أي إنّ الله يقول لهم: أنا أعلم أنه لو جاءكم الأنبياء والأوصياء والمرسلون وبلغكم برسالات السماء المبلغون لما آمنتم ولما صدقتم ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: 23]. أمّا من يقول: فلماذا لم يسوّوا مع الكفار في أرض الرسالات في إيصال البلاغ ؟ فالرد: إنّ تبليغ هؤلاء فضلٌ على من لا يقبل الفضل ولا يستحقه وأنت تعلم علماً مسبقاً أنه لا يقبله يقيناً، فعرضه عليه تحصيل حاصل، وبالتالي فلا يضر أن تعرضه على بعضهم لبيان أنّ الباقي كهؤلاء الذين عُرض عليهم الحق فلم يقبلوه، فالعرض على بعضهم لإتمام الحجة، وإنه لا عذر لمن يقول: ﴿إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ﴾؛ لأنّ نظراءهم عُرض عليهم الحق فاختاروا ضلال آبائهم على هدى المرسلين: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾، بل جعلوا ضلال آبائهم هو الهدى والحق ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ ] ([183]). هذا هو القول الفصل في إجابة شبهة الملحدين، ولا قيمة دينية أو علمية تذكر لما سواه، ممّا سمعناه في أقوال علماء الدين المتقدمة، وكذا غيرها مثل ما ورد عن: 1. السيد الطباطبائي، إذ يقول: «وقوله: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً" إشارة إلى أن بعث الرسول أمر لا يختص به أمة دون أمة بل هو سنّة إلهية جارية في جميع الناس بما أنهم في حاجة إليه وهو يدركهم أينما كانوا، كما أشار إلى عمومه في الآية السابقة إجمالاً بقوله: "كذلك فعل الذين من قبلهم"» ([184]). 2. الشيخ مكارم الشيرازي، إذ يقول: « 2- لكل أمة رسول: عند قوله عز وجل: "ولقد بعثنا في كل أمة رسول" يواجهنا السؤال التالي: لو كان لكل أمة رسول لظهر الأنبياء في جميع مناطق العالم، ولكن التأريخ لا يحكي لنا ذلك، فكيف التوجيه ؟! وتتضح الإجابة من خلال الالتفات إلى أن الهدف من بعث الأنبياء لإيصال الدعوة الإلهية إلى أسماع كل الأمم، فعلى سبيل المثال .. عندما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة أو المدينة لم يكن في بقية مدن الحجاز الأخرى نبي، ولكن رسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يصلون إليها وبوصولهم يصل صوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها أسماع الجميع، بالإضافة إلى كتبه ورسائله العديدة التي أرسلها إلى الدول المختلفة (إيران، الروم، الحبشة) ليبلغهم الرسالة الإلهية ...» ([185]). ويقول أيضاً: «إن معنى جملة: "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" هو أن كل أمة كان لها نذير، إلا أنه لا يلزم حضوره بنفسه في كل مكان، بل يكفي أن يصل صوت دعوة أنبياء الله العظام بواسطة أوصيائهم إلى أسماع كل البشر في العالم» ([186]). 3. في مركز الإشعاع الإسلامي - بإشراف الشيخ صالح الكرباسي، ورد: «هل أرسل الله رسلاً أو بعث أنبياءً إلى الصين، و من هم؟ .............. إذن، فالآيات القرآنية الكريمة تؤكد بكل صراحة أن الله عَزَّ و جَلَّ لم يدع أمةً من الأمم إلا و بعث إليهم الأنبياء و الرسل، والصين كغيرها من البلاد لم تخرج عن هذه القاعدة، خاصة وأنها بلد كبير و اللهُ جل جلاله لم يكن ليترك الناس في ذلك البلد الكبير هملاً من دون هداية و إرشاد، أما من هو النبي المبعوث إليهم، أو من هم الرُسل الذين أرسلهم الله إلى الصين بالأسم و المواصفات فهذا ما ليس لنا لمعرفته سبيل، وذلك لسكوت الاحاديث عن مثل هذه التفاصيل»([187]). ومثلها، أو قريبة، منها كلمات أخرى لعلماء دين آخرين. الرد: إنّ أصحاب هذه الأقوال يفترضون أنّ غرض البعثة هو إيصال الدعوة الإلهية لكل الأمم أو هدايتهم، وهو قول غير صحيح كما عرفنا. كما أنهم فهموا "كل أمة" بمعنى: جميع الأمم المنتشرة على ربوع الأرض في مقطع زمني واحد، وبذلك منحوا الملحدين فرصة ذهبية في الإشكال على القرآن والدين عموماً. ولو قيل لهم؛ وللشيرازي تحديداً: إنّ كثيراً من الرسل وأوصيائهم كانوا مشرّدين مسجونين مقتولين، فعيسى (عليه السلام) مثلاً إلى حين رفعه لم تتعدَ دعوته أرض فلسطين، وما جرى على أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) من قتل وتشريد وتغييب من قبل الأمة التي أرسلوا فيها وحكامها وعلمائها فضلاً عن غيرهم، لا يكاد يخفى على كلِّ حرٍّ منصف. كما أنّ رسل النبي (صلى الله عليه وآله) إنما وصلوا إلى أمم في أماكن محدودة جداً على هذه الأرض، ولم يصلوا إلى مناطق شاسعة منها كالأمم القاطنة في غابات أفريقيا والأمريكيتين والصين وغيرها، فهل من كان فيها من البشر مستثنون من الإيمان بالدعوة الإلهية، أو أنّ عالمية الرسالة أو العدالة الإلهية (وحاشاه سبحانه) وقفت وتلاشت عند أسوارهم مثلاً ؟ حقيقة، لا أعرف بماذا سيجيب. ومثل هذه الأقوال تماماً في عدم القيمة الدينية والعلمية والفهم السقيم: أ- ما أجهد بعض علماء الدين وأتباعهم به أنفسهم سعياً لإيجاد نقاط اشتراك بين ما هو موجود في الرسالات السماوية كالإسلام، وبين التقاليد والعادات المنتشرة بين قبائل الهنود الحمر وسكان غابات أفريقيا والأمازون واستراليا وغيرها؛ بغية إيجاد قشة تثبت الإرسال الإلهي إلى مناطقهم ! ب- بل ربما لوّح بعض الكتّاب المسلمين بنبوة بوذا أو كونفوشيوس ([188]) في الصين مثلاً. جـ- إنّ خلوّ تلك المناطق من الأدلة التاريخية والانثروبولوجية التي تثبت الإرسال، سببه أنّ المؤرخين كانوا يهتمون بالسلطان والأسر المالكة والحروب والاقتصاد، ولا يهتمون بالأنبياء والمرسلين ! وهي مجرد تخرّصات وأقوال عارية عن الدليل الديني والعلمي في نفس الوقت، وخفيفة في الميزانين معاً، وأقرب إلى قصص الخيال والأساطير الشعبية التي يتناقلها بعض المغيّب وعيهم مع الأسف الشديد، لذا أعرضت عن الوقوف عندها. -2/ 3: فهم علماء الدين الخاطئ للنصوص المرتبطة بالرسل: كما أوضحنا معنى آيات "كل أمة، وإن من أمة" المتعلقة بالرسل في البحث السابق، وأقمنا البرهان على التقائها مع غرض الإرسال الحقيقي "قطع العذر"، فإنّ معرفة المعنى الصحيح للنصوص الدينية المرتبطة بالرسل بوجهٍ عام - سواء كانت قرآنية أو روائية، والتي فهم منها علماء الدين أنها تشير إلى غرض بعثتهم، ومن ثمَّ تعدد الغرض بنظرهم كما عرفناه في المحور السابق - لا يمكن أن يكون دون وضع الإصبع على الغرض الحقيقي للإرسال ثم إعادة فهم باقي النصوص بشكل ينسجم مع ذلك الغرض الحقيقي. وبمثل هذا السير المعرفي فقط يمكن المحافظة على الاتساق والانسجام في منظومة الاعتقاد المرتبط بالرسل بشكل عام بما في ذلك الغرض من إرسالهم. إلا أنّ هذا الأمر بالذات هو ما تجاهله علماء الدين تماماً، فاضطربت أقوالهم بل وتناقضت فيما بينها أحياناً، كما رأيناه مراراً فيما سبق وسنظل نراه أيضاً في البحوث الآتية. -2/ 3/ 1- نماذج من النصوص المرتبطة بالرسل: تقدم في المحور الأول من البحث ذكر أهم النصوص الدينية التي استفاد منها العلماء بيان غرض الإرسال وعلّته، وأعيد التذكير بالمهم منها الآن لأجل التعقيب عليه: فمثلاً: من قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾([189])، فهم علماء الدين أنّ غرض الإرسال هو عبادة الله. ومن قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ...﴾([190])، وقوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ...﴾([191])، فهموا أنّ الغرض هو طاعة الناس للرسل، أو الامتحان بهم. ومن قوله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ...﴾([192])، وقوله: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ...﴾([193])، وقوله: ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾([194])، وقوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾([195])، وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾([196])، وقوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ...﴾([197])، وقوله: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ...﴾([198])، فهموا أن الغرض هو: تبشير الناس وإنذارهم، أو تبليغهم، أو هدايتهم، أو تعليمهم وتزكيتهم، أو الرحمة بهم، أو قيامهم بالقسط، أو رفع الاختلاف عنهم، وهكذا. -2/ 3/ 2- لا يمكن قبول إفادتها جميعاً غرض الإرسال: إنّ سؤالاً مهماً يطرح هنا، مفاده: هل من المعقول فعلاً أن تكون كل هذه النصوص مبيّنة لغرض الإرسال، وبالتالي يكون لدينا أغراض متعددة للإرسال بعدد النصوص، كما فهمه علماء الدين ؟ والجواب: إنّ نظرةً - ولو سريعة - على مثل هذا الفهم يكفي للجزم بالنفي؛ لعدة أسباب: أولاً: ماذا يعني تعدّد غرض الإرسال عند علماء الدين ؟ هل يعنون بذلك أنّ الغرض الذي يستهدفه الإرسال هو مجموع الأغراض التي ذكروها، أو يكفي أن يكون الهدف واحداً منها حتى وإن لم تتحقق البقية ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأيُّ غرضٍ منها بالتحديد هو الكافي، أو أنّ الكافي هو كل واحد منها لا على سبيل التعيين ؟ ولا يخفى أنّ أيَّ شقٍ سيقع اختيارهم عليه، يجب أن يكون مستدلاً بالقطع بعد كون المسألة عقائدية. وإلى أن يفعلوا ذلك، يكون إطلاق القول منهم في بيان أغراض متعددة للإرسال بمثابة إطلاق القول على عواهنه ليس إلا، وهو غير صحيح؛ خصوصاً في مسألة تخص رسل الله. وثانياً: وجود التضارب بين بعض الأغراض المذكورة، فمثلاً: كون غرض الإرسال (البلاغ) ([199]) يعني أنّ مجرد إيصال الرسالة للناس من قبل الرسول كافٍ في تحقق غرض الإرسال، ولكن كون (هداية الناس أو تزكيتهم أو تعليمهم) هي الغرض معناه أنّ مجرد إيصال الرسالة لهم غير كافٍ، ولابد للرسول من بذل جهد أكبر لأجل هدايتهم أو تزكيتهم وتعليمهم لكي يتحقق الغرض من إرساله. فكيف يمكن أن تكون جميع المذكورات غرضاً للإرسال الإلهي إذن ؟! وثالثاً: لا شك أنّ هناك أقواماً - كالهنود الحمر - عاشت على هذه الأرض، وظاهر حالهم يشهد بالحاجة إلى "التبشير والإنذار، أو التبليغ، أو الهداية، أو التعليم والتزكية، أو الرحمة، أو القيام بالقسط، أو رفع الاختلاف، أو عبادة الله"؛ وغيرها من أهداف الإرسال بنظر علماء الدين، فلو كانت هذه المذكورات هي الهدف والغرض الحقيقي للإرسال لتم الإرسال لهم كغيرهم ممّن أُرسل إليهم وفق مقتضى عدالته ورحمته سبحانه، ولكن الدليل القطعي بشقّيه الديني والعلمي أثبت عدم الإرسال لهم كما مرَّ بنا، وهذا كاشف قطعي عن أنّ غرض الإرسال شيء آخر غير ما قالوه. ورابعاً: إنّ كثيراً من النصوص المتقدمة هي بالحقيقة تشير إلى "بعض وظائف المُرسَل" وليس "الهدف من إرساله"، والفرق بين الأمرين كبير. ألا ترى الفرق بين تعليم الناس لما يكون وظيفتك مثلاً، وبين نيل رضا الله سبحانه لما يكون هدفك. فصحيح أنّ الوظيفة لابد أن تصبّ في الهدف، ولكن هذا لا يعني بحالٍ صيرورة الوظيفة والهدف شيئاً واحداً. والآن، لو جارينا علماء الدين في أقوالهم بأن يكون "تبشير الناس وإنذارهم وتبليغهم وهدايتهم وتعليمهم وتزكيتهم وتذكيرهم وقيامهم بالقسط ..... الخ، هو الهدف من الإرسال، فماذا سيبقى للرسول من وظيفة يؤديها بين الناس عند بعثه لهم ؟! إنهم حقيقة خلطوا بين وظيفة الرسول والهدف من إرساله، خذ مثالاً قرآنياً وروائياً على خلطهم: يقولون: إنّ قيام الناس بالقسط أحد الأغراض، لأنّ الله سبحانه يقول: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ...﴾، ولكنه في الحقيقة أحد وظائف الرسول الإلهي، وفي حالة خاصة وهي تمكين الناس إيّاه من حكمهم وإقامة القسط بينهم وليس مطلقاً، وأما الغرض من إرساله فهو حاصل على كل حال، مكّنه الناس من إقامة القسط بينهم أو لم يمكّنوه. عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (... وأما قوله: "فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ" قال: معناه إنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله) ([200]). "الرسل يقضون بالقسط": أي أنّ القضاء بالقسط هو دورهم ووظيفتهم وليس الغرض والهدف من إرسالهم وبعثتهم. ويقولون أيضاً: إنّ قول أمير المؤمنين (عليه السلام) مثلاً: (فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول) ([201]) يدل على أنّ التذكير بنعم الله هو هدف الإرسال. ولكنه واضح في الإشارة إلى أحد أدوار الرسول، وفي مرحلة معينة وليس مطلقاً، فالرسول في زمن الفترة - كما سيتضح بعد قليل - لا يقوم بمثل هذا الدور لأنه مستتر أصلاً، فلو كان التذكير هو غرض الإرسال فمعنى ذلك أن بعثة المرسلين في أزمنة الفترات ستكون خالية من الهدف ! وهكذا بالنسبة إلى بقية ما أشارت إليه النصوص، فإنها جميعاً تقع ضمن وظائف الرسول الإلهي، وكثير منها تكون وظيفته في حالات معينة لا مطلقاً، وأما الغرض من إرساله فهو متحقق دائماً لا محالة؛ اهتدى الناس أو لم يهتدوا، تعلّموا على يديه أو لم يتعلّموا، اتعظوا بإنذاره وتبليغه لهم أو لم يتعظوا، تذكّروا أو لم يتذكّروا. وخامساً: إنّ بعض الرسل الإلهيين يُبعثون في أزمنة الفترات - وسيأتي بعد قليل بيان المعنى الصحيح للفترة والتقائها مع غرض الإرسال الصحيح -، وبكل تأكيد فإنّ غرض الإرسال الإلهي متحقق فيها رغم كون الرسل متخفّين وغير معلنين عن أنفسهم للناس. وفي حالٍ كهذا، كيف ينتظر علماء الدين تحقق الأغراض المتقدمة، أو أنهم يتصوّرون أنّ بعث الرسل - والحال هذه - عبثٌ وخالٍ من الغرض والحكمة ! أعتقد أنّ هذه المناقشات كافية لإثبات أنّ ما فهمه علماء الدين في تحديد غرض الإرسال من النصوص الدينية المتقدمة غير صحيح تماماً. ولا زال "قطع العذر" منفرداً في ساحة البحث العلمي كغرض حقيقي للإرسال دون منافس يُذكر. -2/ 4: "قطع العذر" في أزمنة الفترات: عرضنا سابقاً المهم من كلمات علماء العقائد في بيان معنى "الفترة"، ورأينا أنّ جميع المعاني التي ذكروها لها لا تلتقي مع غرض الإرسال الذي حدّدوه هم، وهذا يؤشر إلى الخلل في أحد أمور: - إمّا أنّ تفسير "الفترة" الذي قدّموه غير صحيح. - وإمّا أنّ "علّة الإرسال" التي بيّنوها غير صحيحة. - أو الاثنين معاً. ونحن في البحوث السابقة عرفنا غرض الإرسال الحقيقي، ووقفنا بالتفصيل على عدم صحة الغرض الذي حدّده العلماء وبطلان استدلالهم عليه، والآن سنقف على عدم صحة تفسيرهم للفترة وبيان المعنى الصحيح لها، وسنرى أنّ الفترة بمعناها الحق تنسجم تماماً مع "قطع العذر" غرض الإرسال الحقيقي. -2/ 4/ 1- المعنى الصحيح للفترة وتوافقه مع غرض الإرسال: قبل بيان المعنى الصحيح للفترة، دعونا نستذكر أولاً ما قاله معظم العلماء سابقاً في بيان معناها، وإجمالاً: فإنّ أقوالهم توزّعت بين قائل بخلوّ الزمان من نبي، أو خلوّه من رسول، أو الاثنين معاً. وعلى أيِّ حالٍ، فإنّ المعنى الصحيح للفترة يتضح من خلال معرفتنا بالمقدمات التالية: الأولى- الفاعل والقابل: وأقصد بـ"الفاعل": ما منه يكون الوجود والفعل. وبـ "القابل": ما يكون مستقبلاً لذلك الوجود. وبما يرتبط ببحث الإرسال، فالفاعل أعني به الرسول الإلهي ([202])، لأنه من يكون سبباً في تعريف الناس بالرسالة الإلهية. ويكون القابل هو الإنسان الذي يُبعث فيه ذلك الرسول. الثانية- مقوّمات الرسالة الإلهية: كلُّ رسالة إلهية تتقوّم بأركان ثلاثة: "مُرسِل، ورسالة، ورسول". طبعاً، أعني بالرسول هنا معناه اللغوي أي مطلق الحجّة الإلهي، وبالتالي فإن كان المبعوث نبياً فستكون الأركان الثلاثة: "مُنبِئ، نبوة (أنباء)، نبي". وهكذا إن كان إماماً. بمعنى: أنّ مقام الخليفة الإلهي له ارتباط بطبيعة المهمة الإلهية الملقاة على عاتقه. وكيفما كان، فلا شك أنّ الخليفة الإلهي (سواء كان نبياً أو رسولاً أو إماماً) متصف بصفاتٍ تؤهله لأداء المهمة الإلهية، كالعصمة والعلم وسائر صفات الكمال التي تمكّنه من أداء تلك المهمة. ولا يتصور نقص أو قصور من جهته بنحوٍ يؤدي إلى الفشل في أداء تلك المهمة. الثالثة- تأثير القابل على طبيعة الإرسال الإلهي: لا شك بصحة الثابت العقائدي القائل بعدم خلوّ الأرض من حجّة ([203]). ولا شك أيضاً في أنّ الحجج الإلهيين (أنبياء، رسل، أئمة) كانوا بين: ظاهرٍ مشهور بين الناس، ومستورٍ خافٍ عنهم، كما أكدته روايات عديدة، منها: روى الشيخ الصدوق بسنده: (... عن كميل بن زياد، قال: أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيدي فأخرجني إلى ظهر الكوفة فلما أصحر تنفس، ثم قال: ............ كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة (إما) ظاهر مشهور أو خافٍ مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيّناته) ([204]). وروى بسنده أيضاً: (... عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: ...... ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها؛ ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب) ([205]). وروى الشيخ النعماني بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة خطبها بالكوفة طويلة ذكرها: (اللهم فلابد لك من حجج في أرضك حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم إلى دينك، ويعلمونهم علمك لكيلا يتفرق أتباع أوليائك ظاهر غير مطاع، أو مكتتم خائف يترقب، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، وهم بها عاملون، يأنسون بما يستوحش منه المكذبون، ويأباه المسرفون بالله، كلام يكال بلا ثمن لو كان من يسمعه بعقله فيعرفه ويؤمن به ويتبعه، وينهج نهجه فيفلح به...)([206]). هذه النصوص تفيد: 1- عدم خلوّ الأرض من حجّة إلهي مبعوث إلى الناس. 2- دوران أمره بين أن يكون: - (ظاهر مشهور ........... أو .................. خاف مغمور)، - (ظاهر مشهور ........... أو ................. غائب مستور)، - (ظاهر غير مطاع ....... أو .... مكتتم خائف يترقب)، اتجاهان للمبعوث الإلهي إذن لا ثالث بينهما؛ "إما وإما"، ولكنه على كل حال لم تخلُ الأرض منه. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة، رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم، من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله) ([207]). ولكن السؤال: ما السبب الذي أدّى إلى أن يكون المرسل والمبعوث من الله يتصف حاله مرة بالظهور والاشتهار، وأخرى بالغمور والاستتار والغيبة والترقب ؟ لا يخلو السبب من أن يكون عائداً إلى الرسول نفسه (الفاعل)، أو الناس (القابل). وإذا امتنع عودة السبب إلى الأول كما يعتقد جميع الموحدين بذلك، تعيّن أن يكون الثاني بلا خلاف. وقد أطبقت النصوص الدينية على أنّ ظلم الناس للمرسلين هو السبب في ابتعادهم عن أقوامهم وغيبتهم عنهم. قال تعالى عن رسوله محمد (صلى الله عليه وآله): ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ .....﴾([208])، وقال: ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([209])، وقال: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾([210])، بل كان الإبعاد أو التهديد به سنّة الظالمين مع جميع المرسلين، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾([211]). إذا اتضح هذا، أقول: إنّ الرسولَ الإلهي (الحجة)، (المبعوث والمنصّب من الله سبحانه، والمهيأ بصفات حمل الرسالة الإلهية من علم وسواه من صفات الكمال الإنساني)، موجودٌ في كلِّ زمن ([212]) "إلى أن تقوم الساعة" على حدِّ قول الإمام الصادق (عليه السلام)، لكن الناس هي من تجعل مساره يتجه إلى الظهور والاشتهار أو الغيبة والاستتار. وبمعنى آخر: إنّ موقف الناس من الرسل الإلهيين له تمام التأثير على الخط البياني لسير حركتهم الرسالية وانزياح طيفها إلى أحد الاتجاهين المذكورين. والفترة، ما هي إلا مقطع زمني يقع على ذلك الخط البياني لحركة رسل الله على هذه الأرض، وبكل تأكيد لا يمكن أن يكون طيف الرسالة حينها منزاحاً إلى الارتفاع والظهور والاشتهار، فبقي أن يكون منزاحاً إلى الاستتار والاكتتام والاختفاء والغمور والترقب؛ إذ لا خيار ثالث كما أفادت النصوص، بل هذا هو المناسب لمعناها اللغوي كما لا يخفى ([213]). والسبب في ذلك - كما عرفنا - هو الناس (القابل). ففي زمن الفترة يوجد مبعوث إلهي (سواء كان نبياً أو رسولاً أو إماماً) مهيّأ بجميع صفات البعث والإرسال، ولكنه مستتر مغمور مترقب، لم يشتهر أمره بين الناس ولم يأمره مرسِلُه بتبليغهم ولا تعريفهم بنفسه؛ لعدم وجود قابل لدعوته. روى الكليني بسنده: (عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ..... وكان من بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا كما سمي من استعلن من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وهو قول الله عز وجل: "ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك" يعني لم أُسمِّ المستخفين كما سميت المستعلنين من الأنبياء عليهم السلام) ([214]). وليست الفترة كما فهمها علماء الدين فتعدّدت آراؤهم فيها وخالفوا محكم النصوص الدينية والثوابت العقائدية، واصطدمت حتى بقاعدة اللطف التي اعتقدوا بها، بل بغرض الإرسال الذي حدّدوه ([215]). ثم إنّ معنى الفترة الذي تم إيضاحه، إضافة إلى توافقه مع "عدم خلوّ الأرض من حجة"، متوافق أيضاً مع غرض الإرسال الحقيقي تماماً. فربَّ سائلٍ يسأل: ما فائدة إرسال رسول لا يعرفه الناس ولا يقوم بتبليغهم أو هدايتهم أو تزكيتهم أو قيادتهم أو إقامة القسط بينهم، وما شابه ذلك من أدوار يؤديها الرسل عادة - أو لا أقل بعضها - في حال ظهور أمرهم ؟ والسائل - كما هو واضح - ينطلق من افتراض أنّ علة الإرسال تكمن في الأمور المذكورة، وقد بيّنا بطلان ذلك بالتفصيل، وأما إذا عرفنا الغرض الحقيقي وأن علّة إرسال الرسل في أزمنة الفترات هي قطع عذر الناس وإقامة الحجة عليهم " لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل"، فسنعرف أنّ غرض الإرسال في أزمنة الفترات وغيرها واحد لا غير، غاية الأمر أنّ "الفترة" تستدعي انحساراً في بعض وظائف الرسول بسبب عدم وجود القابل لدعوته، كما أنّ ظهور أمر الرسل لا يستدعي التطابق في الوظائف التي يؤدونها بين الناس، فدور الرسول الذي يمكّنه الناس من أمرهم وقيادتهم لا شك يتطلب وظائف إضافية قد لا تتطلّبه مرحلة ظهور أمره مع إعراض الناس عنه. ولا يفوتني أن أنبّه إلى أنّ المعنى الصحيح للفترة، التفت إليه الشيخ الصدوق (رحمه الله)، حيث قال: (..... مع أنا لا ندفع الأخبار التي رويت أنه كان بين عيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) فترة لم يكن فيها نبي ولا وصي ولا ننكرها ونقول: إنها أخبار صحيحة ولكن تأويلها غير ما ذهب إليه مخالفونا من انقطاع الأنبياء والأئمة والرسل (عليهم السلام). وإنما معنى الفترة أنه لم يكن بينهما رسول، ولا نبي. ولا وصي ظاهر مشهور كمن كان قبله، وعلى ذلك دل الكتاب المنزل أن الله عز وجل بعث محمد (صلى الله عليه وآله) على حين فترة من الرسل، لا من الأنبياء و الأوصياء، ولكن قد كان بينه وبين عيسى (عليهما السلام) أنبياء وأئمة مستورون خائفون، منهم خالد بن سنان العبسي نبي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر لتواطئ الأخبار بذلك عن الخاص والعام.......) ([216]). -2/ 4/ 2- غيبة الرسل فترات، والقائم (عليه السلام) نموذجاً: رغم أهمية رسل الله في حياة الناس، ورغم أنهم بكلِّ تضحياتهم الكبيرة التي قدّموها لا يرجون منفعة شخصية تعود عليهم بل على الناس أنفسهم، اضطرت الكثير من الأمم - بكل أسف - رسلها إلى الغيبة، حتى أضحت سنّة إلهية بالنسبة إلى الكثير منهم. وهذه نماذج من غيبات المرسلين، كما ينقلها الشيخ الصدوق (رحمه الله)، يقول: ["في غيبة إدريس النبي (عليه السلام)" فأول الغيبات غيبة إدريس النبي (عليه السلام) المشهورة حتى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيتهم، ثم ظهر (عليه السلام) فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده، وهو نوح (عليه السلام) ثم رفع الله عز وجل إدريس (عليه السلام) إليه، فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح (عليه السلام) قرناً بعد قرن، وخلفاً عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح (عليه السلام) ...]. ثم ذكر حديثاً طويلاً عن الإمام الباقر (عليه السلام) يفيد ذلك، وبعد انتهائه من الروايات التي تفيد ظهور نوح (عليه السلام)، قال: ["ذكر غيبة صالح النبي (عليه السلام)" ... عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً، وكان يوم غاب عنهم كهلاً مبدح البطن حسن الجسم، وافر اللحية، خميص البطن خفيف العارضين مجتمعاً، ربعة من الرجال فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات ....... قلت: هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟ قال: الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على الله عز وجل، ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماماً، غير أنهم على ما في أيديهم من دين الله عز وجل، كلمتهم واحدة، فلما ظهر صالح (عليه السلام) اجتمعوا عليه. وإنما مثل القائم (عليه السلام) مثل صالح. "في غيبة إبراهيم (عليه السلام)" .................. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (..... فلم يزل إبراهيم (عليه السلام) في الغيبة مخفياً لشخصه، كاتماً لأمره، حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه). ثم غاب (عليه السلام) الغيبة الثانية، وذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر فقال: "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً" .............. . "في غيبة يوسف (عليه السلام)" وأما غيبة يوسف (عليه السلام) فإنها كانت عشرين سنة لم يدّهن فيها ولم يكتحل ولم يتطيب لم يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيام في الجب، وفى السجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنيه. وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وكان بينهما مسيرة تسعة أيام فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثم إلقائهم إياه في غيابت الجب، ثم بيعهم إياه بثمن بخس دراهم معدودة، ثم بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثم بالسجن بضع سنين، ثم صار إليه بعد ذلك ملك مصر، وجمع الله - تعالى ذكره - شمله وأراده تأويل رؤياه. ................ "في غيبة موسى (عليه السلام)" ... عن سعيد بن جبير، عن سيد العابدين علي بن الحسين، ..... قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما حضرت يوسف (عليه السلام) الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طوال، ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدت عليهم البلوى، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه فقالوا: كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر، وكانت ليلة قمراء، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) وكان في ذلك الوقت حديث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما ثم قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكراً لله عز وجل، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجل الله فرجكم، ثم غاب بعد ذلك، وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى وكان نيفاً وخمسين سنة ................ . "ذكر مضي موسى (عليه السلام) ووقوع الغيبة بالأوصياء والحجج من بعده إلى أيام المسيح (عليه السلام)" ..... حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): أخبرني بوفاة موسى بن عمران (عليه السلام)، فقال: ............ ثم إنّ يوشع بن نون (عليه السلام) قام بالأمر بعد موسى (عليه السلام) صابراً من الطواغيت على اللأواء والضراء والجهد البلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت، فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى (عليه السلام) بصفراء بنت شعيب امرأة موسى (عليه السلام) في مائة ألف رجل. فقاتلوا يوشع بن نون (عليه السلام) فقتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره، وأسر صفراء بنت شعيب، وقال لها: قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن ألقى نبي الله موسى (عليه السلام) فأشكو إليه ما لقيت منك ومن قومك. فقالت صفراء: وا ويلاه، والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه، وخرجت على وصيه بعده، فاستتر الأئمة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود (عليه السلام) أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر وكان قوم كل واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثم ظهر (لهم) فبشرهم بداود (عليه السلام) وأخبرهم أن داود (عليه السلام) هو الذي يطهر الأرض من جالوت وجنوده، ويكون فرجهم في ظهوره فكانوا ينتظرونه، .......] ([217]). ثم إنّ القائم (عليه السلام) رسولٌ من رسل الله الكرام وخليفة إلهي مثلهم، وفيه سننٌ منهم، ومنها الغيبة، وهذه نماذج من الروايات التي تؤكد ذلك: روى النعماني بسنده: (... عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة يقول فيها: "ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين") ([218]). وروى الكليني بسنده: (... عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم، إنه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل. ..... عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): للقائم غيبتان؛ إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه) ([219]). وبخصوص استنان القائم (عليه السلام) بسنن المرسلين، فهناك روايات كثيرة، وقد مضى أنّ مثله مثل صالح (عليه السلام)، وأيضاً على سبيل المثال: روى الصدوق بسنده: (... عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ في القائم سنّة من يوسف، قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته ؟ فقال لي: وما تنكر هذه الأمة أشباه الخنازير أن إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه حتى قال لهم: "أنا يوسف وهذا أخي"، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته عنهم، لقد كان يوسف يوماً ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يعرفه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة إيام إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف (عليه السلام) ...) ([220]). وعنه أيضاً بسنده: (عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: في القائم (عليه السلام) سنّة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت: وما سنّته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال: ثماني وعشرين سنة) ([221]). والآن، من قرأ الروايات المتقدمة يمكنه معرفة التالي: 1. إنّ الغيبة سنّة إلهية حصلت مع الكثير من رسل الله، كإدريس وصالح وإبراهيم ويوسف وموسى وغيرهم من حجج الله صلوت الله عليهم أجمعين، ولم ينفرد بها القائم (عليه السلام). 2. وردت في النصوص مفردات: (ظهور، خروج) كمسار من مسارات الرسل، و(غيبة، فترة، خفاء، كتمان، استتار) كمسار آخر، وهما بالضبط المساران اللذان عرفناهما في البحث السابق في حركة الرسل. وعليه، فلا شك أنّ غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) تقع ضمن المسار الثاني، ولذا نجد أنّ المفردات التي استعملت في النصوص المتقدمة - التي تتحدث عن غيبة رسل الله السابقين، كالخفاء والكتمان والاستتار وما شابه - استعملت فيه (عليه السلام) أيضاً. فغيبته (عليه السلام) إذن فترة، وزمنها يعتبر أحد أزمنة الفترات. لذا روى الكليني بسنده: (... عن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا، فقلت: فولدك؟ فقال: لا، فقلت: فولد ولدك هو؟ قال: لا، فقلت: فولد ولد ولدك؟ فقال: لا، قلت: من هو؟ قال: الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، على فترة من الأئمة، كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث على فترة من الرسل) ([222]). الرواية واضحة في الإشارة إلى أنّ الغيبة فترة، وكذلك إلى وقوعها بين الأئمة، تماماً كما تحدث بين الرسل والأنبياء. ونحن إذ عرفنا سابقاً أنّ الناس (القابل) هم السبب في حدوثها، فهم من يضطرون الرسول الإلهي إلى انتهاج مسار الاستتار، صرنا ملزمين بالإذعان بحقيقة أنّ رسل الله في الفترة مغيَّبون وليس غائبين، مُنتظِرون وليس مُنتظَرين. ولمّا كان الإمام المهدي (عليه السلام) أحد رسل الفترات، وجدنا روايات كثيرة تشير إلى أنّ ظهوره مرتبط بتوفّر القابل المستعد لحمل رسالته الإلهية ونصرتها، ولا أقل لا يستطيع أحد إنكار ضرورة توفر العدة اللازمة (313 رجلاً) كشرط لظهور أمره وبداية قيام دولة العدل. عن أبي عبد الله (عليه السلام): (..... أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون ...) ([223]). وروى الصدوق بسنده: (... عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليهم السلام): إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم: ما منا إلا وهو قائم بأمر الله عز وجل، وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، [و] يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عز وجل: "أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير"، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل، ...) ([224]). الرواية صريحة في التأكيد على أنّ تحوّل مسار حركة الرسول الإلهي (الإمام المهدي) من (الخفاء والغيبة) إلى (الظهور والخروج) متوقف على توفر أصحابه (313 رجلاً) كشرط لظهور أمره بين الناس، وعلى عدّة قوامها (10,000 رجل) كشرط لخروجه. وبعبارة ثانية: إنّ ظهور أمره بين الناس مرهون بتوفر الرجال الـ 313 المستعدون لاستقباله، والعكس صحيح، أي أنّ عدم ظهور أمره سببه عدم وجود هذه العدة، أي لا يوجد قابل لدعوته !! حقيقة في غاية الخطورة، ولكن توضح الآن أنها تكشف السبب الحقيقي لغيبته الكبرى وامتدادها قرون متمادية. ومع علمه سبحانه المسبق بحال الناس في الفترات وإعراضهم عن رسله، لكن اقتضت حكمته عز وجل إرسال رسله؛ إتماماً للحجة عليهم وقطعاً لعذرهم "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل". يبقى السؤال: لماذا لم يأمر الله رسوله بالتبليغ في أزمنة الفترات ؟ الجواب: رحمة بهم، كما سيتضح الآن. -2/ 4/ 3- حال الناس في زمن الفترة: لا شك في أنه سبحانه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، بل عالم بحال خلقه حتى قبل أن يخلقهم، وبالتالي فهو يعلم أنه لا يوجد قابل مستعد لاستقبال الرسول الإلهي في زمن الفترة، بمعنى أنه يعلم بأنّ رسوله لو قام بتبليغ الناس بالدعوة الإلهية لكانت النتيجة رفضهم وعدم قبولهم، إلّا أنّ حكمته اقتضت وجود الرسول لقطع عذرهم، كما أنّ رحمته اقتضت أن لا يأمر رسوله بتبليغ الناس؛ لأنه لو بلّغهم ولم يقبلوه فستكون جهنم استحقاقهم ومصيرهم الذي يؤولون إليه قطعاً. وعليه، فعدم تبليغهم - والحال هذه - يجعلهم متروكين لرحمته سبحانه التي وسعت كل شيء؛ إن شاء عذبهم وإن شاء تاب عليهم وعفا عنهم. فبالرغم من عظم الذنب وشدة التقصير الناشئ من عدم قبولهم لرسل الله، لكن هذا لا يعني أنهم يخلدون في النار. ومن ثمَّ، فعدم تبليغ الرسول إيّاهم في زمن الفترة سببه إيكالهم إلى رحمة الله. وزيادة في التوضيح، لنقف ابتداءً على بعض النصوص التي تتعرّض إلى أصناف الناس بوجهٍ عام، ثم نرى حال أهل الفترة من بينهم ماذا سيكون: 1- قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾([225]). 2- وقال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾([226]). 3- وقال تعالى: ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * َأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾([227]). 4- روى الكليني بسنده: (... عن حمزة بن الطيار قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): الناس على ستة أصناف قال: قلت أتأذن لي أن أكتبها؟ قال: نعم قلت: ما أكتب؟ قال: اكتب أهل الوعيد من أهل الجنة وأهل النار، واكتب "وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا". قال: قلت: من هؤلاء قال: وحشي منهم. قال: واكتب "وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم". قال: واكتب "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا" لا يستطيعون حيلة إلى الكفر، ولا يهتدون سبيلاً إلى الإيمان فـ"أولئك عسى الله أن يعفو عنهم". قال: واكتب أصحاب الأعراف، قال قلت; وما أصحاب الأعراف؟ قال: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فإن أدخلهم النار فبذنوبهم وإن أدخلهم الجنة فبرحمته) ([228]). 5- وروى بسنده أيضاً: (... عن حمزة بن الطيار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الناس على ست فرق، يؤولون كلهم إلى ثلاث فرق: الإيمان والكفر والضلال، وهم أهل الوعدين الذين وعدهم الله الجنة والنار: المؤمنون، والكافرون، والمستضعفون، والمرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، والمعترفون بذنوبهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً، وأهل الأعراف) ([229]). وبعد قراءة هذه النصوص يمكننا استخلاص الآتي: أولاً: إنّ الناس على ستة أصناف لا غير، وهي: 1. الموعودون بالجنة، وهم المؤمنون. 2. الموعودون بالنار، وهم الكفار. 3. المعترفون بذنوبهم ممّن خلطوا عملاً صالحاً وسيئاً. 4. المرجون لأمر الله. 5. المستضعفون من الرجال والنساء والولدان ([230]) ممّن لا حيلة لهم إلى الكفر ولا سبيل إلى الإيمان. 6. أصحاب الأعراف، وهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم. وثانياً: إنّ هذه الأصناف الستة - من حيث المصير - يؤول حالهم إلى ثلاث فرق: 1. أهل الإيمان، وهو الموعودون بالجنة. 2. أهل الكفر، وهم الموعودون بالنار. 3. أهل الضلال، وهم بقية الأصناف المتقدمة. وثالثاً: إنّ أهل الوعدين (الجنة والنار) يذهب كلٌّ منهم إلى حيث ما وعده الله به، ولكن بالنسبة إلى بقية الأصناف فليس هناك وعد إلهي بحقهم، فلا وعد بدخولهم الجنة وكذلك لا وعد بدخولهم النار، بل هم: - "عسى الله أن يتوب عليهم"، بالنسبة إلى المعترفين بذنوبهم. - "إما يعذبهم وإما يتوب عليهم"، بالنسبة إلى المرجين لأمر الله. - "عسى الله أن يعفو عنهم"، بالنسبة إلى المستضعفين. - "إن أدخلهم النار فبذنوبهم وإن أدخلهم الجنة فبرحمته" بالنسبة إلى أهل الأعراف. واضح جداً أنّ هذه الأصناف الأربعة الأخيرة (أو قل أهل الفرقة الثالثة) يجمعها أمر واحد هو أنّهم موكلون إلى رحمته سبحانه، إن شاء رحمهم وعفا عنهم، وإن شاء عذّبهم. ونحن لمّا عرفنا أنّ أهل الفترة غير مستعدين لاستقبال الرسول الإلهي ولا يوجد بينهم قابل لدعوته، فلا يمكن إذن أن يكونوا من الموعودين بالجنة (الصنف الأول)، كما أنّ عدم أمره سبحانه للرسول في زمانهم بتبليغهم يُبعدهم (غير الكافر منهم) ([231]) بفضله عن كونهم من الموعودين بالنار (الصنف الثاني)، فينحصر أن يكون حال أهل الفترة - أؤكد غير الكفار منهم - حال الأصناف الأربعة، أي متروكين إلى رحمته سبحانه. وقد لاحظنا بوضوح أنّ السبب في إبعادهم عن (الصنف الثاني) وجعلهم موكولين إلى رحمته سبحانه، التي إن شاء شملهم بها، هو عدم قيام الرسول الإلهي بتبليغهم، وإلا فلو قام بتبليغهم - والحال أنه لا يوجد قابل لدعوته بينهم - لكانت النار وعداً ينتظرهم، والله لا يخلف وعده. تلك هي رحمته سبحانه، التي ليس بوسع القلم إلا أن يجف إن همَّ بوصفها. هذا هو الحق في بيان حال أهل الفترات. وبالنسبة إلى رأي علماء الدين في هذه المسألة، فإنّ الكثير ممّن تُحترم أقوالهم لم يتوفق لبيان المعنى الصحيح للفترة نفسها كما عرفنا سابقاً، فما بالك ببيان حال أهلها، ولكن برغم ذلك سأعرض بعض الأقوال مع التعليق عليها باختصار: 1. ذكر السيد الطباطبائي اثنا عشر قولاً في بيان أصحاب الأعراف، وأضاف إليها: «إنهم الذين لا تترجح أعمالهم من الحسنات أو السيئات على خلافها سواء كان ذلك لعدم تمام الحجة فيهم وتعلق التكليف بهم حتى يحاسبوا عليه كالأطفال والمجانين وأهل الفترة ونحوهم، أو لأجل استواء حسناتهم وسيئاتهم في القدر والوزن فحكم القسمين واحد» ([232]). الرد: هو افترض إنّ أهل الفترة من أمثلة من لم تتم الحجة عليهم، وهذا غير صحيح، فالحق إنّ حجة الله تامة على الناس أجمعين سواء كانوا أهل فترة أو لا وعذرهم مقطوع كما عرفناه في البحوث السابقة، وأيّ افتراضٍ غير ذلك يعني أنّ للناس على الله الحجة، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. 2. الاسترابادي: «أن أهل الفترة معذورون لغفلتهم عن ورود الشريعة» ([233]). الرد: عرفنا من خلال النصوص المتقدمة أنّ أهل الفترة أمرهم إلى الله إن شاء رحمهم بفضله وإن شاء عذبهم بذنوبهم، وأما القول بأنهم معذورون فهو يعني أنّ الحجة غير تامة عليهم، وهو باطل كما تقدم في سابقه. 3. السيد حسن بن علي السقاف: «وأهل الفترة ناجون لأنهم غير مكلفين بشريعة نبي لقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " الإسراء: 15، ولقوله تعالى: "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون" الأنعام: 131» ([234]). الرد: واضح أنَ حكمه بنجاة أهل الفترة مبني على تفسير الفترة بخلوها من الرسول، وهو معنى باطل، والصحيح أنه موجود ولكنه لم يؤمر بالتبليغ لعدم وجود القابل، كما تقدم بيانه. 4. الآلوسي: «الذي عليه الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء أن أهل الفترة لا يعذبون»([235]). الرد: القطع بعدم تعذيبهم لا دليل قطعي عليه، بل عرفنا من بعض النصوص الدينية المتقدمة أن أمرهم ومن شاكلهم متروك إلى رحمة الله وأمرهم موكول إليه إن شاء الله رحمهم وإن شاء عذّبهم بذنوبهم. 5. محمد صالح العثيمين: «السؤال: ما هو مصير أهل الفترة؟ الإجابة: الصحيح أن أهل الفترة قسمان: القسم الأول: من قامت عليه الحجة وعرف الحق، لكنه اتبع ما وجد عليه آباءه، وهذا لا عذر له فيكون من أهل النار. القسم الثاني: من لم تقم عليه الحجة فإن أمره لله عز وجل، ولا نعلم عن مصيره وهذا ما لم ينص الشرع عليه، أما من ثبت أنه في النار بمقتضى دليل صحيح فهو في النار» ([236]). الرد: لا وجه أبداً لمثل هذا التقسيم، فأهل الفترة وغيرهم حجة الله تامة عليهم جميعاً وعذرهم مقطوع "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل"، وهو - أي اتمام الحجة وقطع العذر - غرض الإرسال كما عرفنا. كانت هذه نماذج من كلمات علماء المسلمين من سائر الفرق، ولا يخفى أنّ الخلل الذي ضرب فيها منشؤه عدم المعرفة بغرض الإرسال الصحيح والفترة بمعناها الصحيح في آنٍ واحد. بقي أن أشير أخيراً إلى أنّ الناس في هذا العالم إنما تخوض الامتحان الثاني بعد عالم الذر الذي خاضت فيه جميع الأنفس - دون استثناء - الامتحان الأول، ونالت فيه استحقاقها ومقامها([237])، وكان على العلماء والباحثين الدينيين عدم إغفال هذه الحقيقة عند إرادتهم التعرف على حال أهل الفترة والأعراف والمرجين والمستضعفين من الناس بما فيهم الأطفال. كما أنّ الالتفات إلى هذه الحقيقة يحلُّ بعض الإشكالات التي تثار حول الأطفال وموتهم قبل وصولهم مرحلة التكليف على هذه الأرض. ملاحظة: كان من المفترض أن أبحث ضمن هذا المحور نقطة خامسة تتعلق بـ "ختم النبوة والإرسال"، ولكن نظراً لأهمية الموضوع وحساسيته وطوله أفردته محوراً برأسه، فكان محور البحث الثالث. -(3) ختم النبوة والإرسال الإلهي قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾([238]). أجمع علماء المسلمين بمختلف فرقهم المعروفة على أنّ رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) هو آخر الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده ومن ثمَّ لا رسول بعده بطريق أولى، كما يقولون. وأضحت المسألة ضرورية عندهم لا نقاش فيها نهائياً، بل وصلت إلى حد الحكم بارتداد منكرها، وصاروا يركّزون بحثهم على جوانب أخرى فيها كالبحث في سرّ ختم النبوة والإرسال ومغزاه بل وفوائده حتى، عند إجابة تساؤلات بعض الباحثين من الملحدين وغيرهم. ولم يخطر في بال واحد منهم مطلقاً احتمال أن يكون "الختم" له معنى آخر غير ما تصوروه. وعموماً، في محور البحث هذا سنقف على المهم في هذه المسألة الخطيرة، والمعنى الصحيح فيها، ممّا له صلة بغرض الإرسال. -3/ 1: معنى "الختم" وأدلته عند العلماء: لنستعرض ابتداءً معنى "الختم" ثم نستعرض أدلته بعده. -3/ 1/ 1- معنى (خاتم) في الآية: هذه بعض نصوص العلماء التي توضح المقصود من "خاتم" في الآية: - الشيخ الطبرسي: «وقرأ عاصم وحده: "وخاتم النبيين" بفتح التاء. والباقون بكسرها ...... ومن كسر التاء من "خاتم" فإنه ختمهم فهو خاتمهم. ومن فتح التاء فمعناه: آخر النبيين لا نبي بعده» ([239]). - السيد الطباطبائي: «وقوله: "ولكن رسول الله وخاتم النبيين" الخاتم بفتح التاء ما يختم به كالطابع والقالب بمعنى ما يطبع به وما يقلب به، والمراد بكونه خاتم النبيين أن النبوة اختتمت به صلى الله عليه وآله وسلم فلا نبي بعده» ([240]). - ابن جرير الطبري: «... ولكنه رسول الله وخاتم النبيين، الذي ختم النبوة فطبع عليها، فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة، ...» ([241]). - النحاس: «قال أبو جعفر: من قرأ "خاتم" بفتح التاء فمعناه عنده: آخرهم. ومن قرأ بالكسر "خاتم" فمعناه عندهم أنه ختمهم» ([242]). تعقيب: واضح أنّ بعض العلماء يرى أنّ معنى (خاتَم) بالفتح هو: آخر، وبالكسر (خاتِم) معناه: ما يختم به، وبعضهم عكس المسألة. -3/ 1/ 2- أدلة ختم النبوة لدى العلماء: وأما بخصوص أدلته، فهذه بعضها: يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «2- أدلة كون نبي الإسلام خاتماً للأنبياء: بالرغم من أن الآية المذكورة كافية لوحدها في إثبات هذا المطلب، إلا أن الدليل على كون نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) خاتماً للأنبياء لا ينحصر بها، ......... إضافة إلى أن إجماع علماء الإسلام من جهة، وكون هذه المسألة ضرورية لدى المسلمين من جانب آخر، والروايات الكثيرة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وباقي أئمة الهدى (عليهم السلام) من جانب ثالث توضح هذا المطلب، ونكتفي هنا بذكر بعضها من باب الشاهد والمثال: 1- ورد في الحديث المعروف عن النبي (صلى الله عليه وآله): "حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة". ... 2- حديث المنزلة المعروف، ... فإنه يوضح مسألة الخاتمية تماماً، لأنا نقرأ في هذا الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". 3- وثمة حديث مشهور أيضاً، ..."مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بنياناً .." ... ورد هذا الحديث في صحيح مسلم بعبارات مختلفة، وروي عن رواة عديدين، وقد وردت هذه الجملة "وأنا خاتم النبيين" في ذيل الحديث الآنف الذكر في أحد الموارد. ... 4- لقد ورد كون نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) خاتماً للنبيين صريحاً في كثير من خطب نهج البلاغة، ومن جملة ذلك ما نراه في الخطبة 173 في وصف نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)، حيث يقول (عليه السلام): "أمين وحيه، وخاتم رسله، وبشير رحمته، ونذير نقمته". وجاء في الخطبة 133: "أرسله على حين فترة من الرسل، وتنازع من الألسن. فقفى به الرسل، وختم به الوحي". وقال (عليه السلام) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة، بعد أن عدد تعليمات الأنبياء الماضين: "إلى أن بعث الله سبحانه محمداً رسول لإنجاز عدته، وإتمام نبوته". 5- وقد وردت مسألة الخاتمية في ختام خطبة الوداع، .. حيث قال: "ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم" ثم رفع يديه إلى السماء حتى بان بياض إبطيه، فقال: "اللهم اشهد أني قد بلغت". 6- وجاء في حديث آخر ورد في "الكافي" عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إن الله ختم بنبيكم النبيين فلا نبي بعده أبداً، وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبداً"» ([243]). وأضاف الشيخ السبحاني قائلاً: «وهذا علي أمير المؤمنين أول الأئمة الاثني عشر قال وهو يلي غسل رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم": "بأبي أنت وأمي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء". وفي كلام آخر له: "أما رسول الله فخاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول، وختم رسول الله الأنبياء إلى يوم القيامة". ونكتفي في هذه العجالة بهذا المقدار من النصوص فمن أراد أن يقف على نصوص الأئمة الاثني عشر على ختم النبوة وانقطاع الوحي وسد باب التشريع بعد رحلة الرسول، فعليه الرجوع إلى الجزء الثالث من كتابنا "مفاهيم القرآن" فقد جاء فيه قرابة (134) نصاً من النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين في ذلك المجال. إن فقهاء الشيعة حكموا بارتداد من أنكر عالمية الرسالة، أو خاتميتها، ولأجل ذلك فالبابية والبهائية وهكذا القاديانية مرتدون عندهم ارتدادا فطرياً أو ملياً أحياناً، وهذه كتبهم الفقهية في باب الحدود وأحكام المرتد وغير ذلك» ([244]). وبهذا يتضح أنّ معنى ختم النبوة عندهم هو انتهاؤها وانقطاع الوحي وأنّ النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هو آخر الأنبياء. -3/ 1/ 3- كيف سرّى العلماء (ختم النبوة) إلى (ختم الإرسال) ؟ قد يقال: إنّ الآية المتقدمة بيّنت ختم الأنبياء ولم تتطرّق إلى ختم الرسل، فبأي دليل قال العلماء بأنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) خاتم المرسلين أيضاً ؟ قال الشيخ الطوسي: «والدليل على أنه - صلى الله عليه وآله - خاتم الرسل: بدليل قوله عليه السلام "لا نبي بعدي" وقوله تعالى: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"» ([245]). أما كيف كانت أدلة "ختم النبوة" هي نفسها أدلة "ختم الرسل" ؟ يقول السيد الطباطبائي: «وقد عرفت فيما مر معنى الرسالة والنبوة، وأن الرسول هو الذي يحمل رسالة من الله إلى الناس، والنبي هو الذي يحمل نبأ الغيب الذي هو الدين وحقائقه، ولازم ذلك أن يرتفع الرسالة بارتفاع النبوة فإنّ الرسالة من أنباء الغيب، فإذا انقطعت هذه الأنباء انقطعت الرسالة. ومن هنا يظهر أن كونه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين يستلزم كونه خاتماً للرسل» ([246]). وفي كلامه عن النبوة والرسالة، قال: «... وربما اجتمع المقامان في واحد فاجتمعت الخاصتان، وربما كانت نبوة من غير رسالة، فيكون الرسالة أخص من النبوة مصداقاً لا مفهوماً ... فقد تبين ان كل رسول نبي ولا عكس، وبذلك يظهر الجواب عما اعترضه بعضهم على دلالة قوله تعالى: "ولكن رسول الله وخاتم النبيين" الأحزاب - 40، أنه إنما يدل على ختم النبوة دون ختم الرسالة مستدلاً بهذه الرواية ونظائرها. والجواب: إن النبوة أعم مصداقاً من الرسالة وارتفاع الأعم يستلزم ارتفاع الأخص، ولا دلالة في الروايات كما عرفت على العموم من وجه بين الرسالة والنبوة بل الروايات صريحة في العموم المطلق» ([247]). ويقول الشيخ مكارم الشيرازي: «وينبغي الالتفات إلى أن كونه "خاتم الأنبياء" يعني أيضاً أنه خاتم المرسلين، وما ألصقه بعض مبتدعي الأديان لخدش كون مسألة الخاتمية بهذا المعنى، من أن القرآن قد اعتبر النبي (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء لا خاتم المرسلين، إنما هو اشتباه كبير، لأن من كان خاتماً للأنبياء يكون خاتماً للرسل بطريق أولى، لأن مرحلة "الرسالة" أسمى من مرحلة "النبوة"- تأملوا ذلك - ...... بناء على هذا، فإنه تعالى لو كان قد سمى النبي خاتم المرسلين، فمن الممكن أن لا يكون خاتم الأنبياء، أما وقد سماه "خاتم الأنبياء" فمن المسلم أنه سيكون خاتم الرسل أيضاً، وبتعبير المصطلحات فإن النسبة بين النبي والرسول نسبة العموم والخصوص المطلق » ([248]). ومثل هذا تماماً، ورد في موقع "الإسلام سؤال وجواب" الذي يشرف عليه الشيخ السلفي محمد صالح المنجد، وهذا نص الكلام الذي جاء في الموقع المذكور: « برجاء توضيح أدلة أن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم الرسل والنبيين معاً. فإن جميع الأدلة تدل على ختم النبوة فقط، ولا تشير من قريب أو بعيد إلى ختم الرسالة . الحمد لله اختلف العلماء رحمهم الله في الفرق بين النبي والرسول، وجمهور العلماء على أن النبي هو من أوحي إليه من الله ولم يؤمر بالتبليغ، والرسول هو من أوحي إليه وأُمر بالتبليغ . ولكن .. مع هذا الاختلاف فإنهم اتفقوا على أن الرسول أفضل من النبي، وأن الرسول قد حاز شرف النبوة وزيادة، ولذلك قالوا: كل رسول فهو نبي، وليس كل نبي رسولاً. وبهذا يتضح أن كل ما ورد في أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده، أنه يدل على أنه لا رسول بعده أيضاً، لأنه لن يكون هناك رسول إلا وهو نبي . ولو جاء النص على أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل، لم يكن هذا النص نافياً لوجود نبي بعده، لأنه يحتمل أن يوجد نبي وليس برسول .لكن .. قد جاء النص بأن الرسول صلى الله عليه ومسلم هو خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده، فهذا ينفي وجود نبي بعده، وكذلك ينفي وجود رسول بعده. قال ابن كثير رحمه الله: "(ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ... فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس". "تفسير ابن كثير" (3/645). وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وإذا كان خاتم النبيين فهو خاتم الرسل قطعاً، إذ لا رسالة إلا بنبوة، ولهذا يقال: كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/250). والله أعلم» ([249]). والخلاصة التي يريدون قولها: إنّ النبي أقل مقاماً من الرسول، وأنّ الرسالة أخص من النبوة، والنبوة أعم، بمعنى: أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، فالرسول له مقام النبوة وزيادة. ومن ثم، فختم الأعم (النبوة) وانتهاؤه يعني ختم الأخص (الرسالة) وانتهاؤه من باب أولى. -3/ 2: وقفة مع أدلة العلماء وعرض أدلة مقابلة لفهمهم: علماء المسلمين عرضوا نصوصاً دينية فهموا منها ختم النبوة بمعنى انتهاء النبوة والوحي وتوقفه، ثم سحبوا فهمهم على الإرسال، فصار كلا الأمرين - النبوة والإرسال - منتهياً ومتوقفاً بعد محمد (صلى الله عليه وآله) بنظرهم. هذا، ولكن يمكن عرض نصوص دينية تفيد فهماً في الاتجاه الآخر. -3/ 2/ 1- أدلة ترفض انتهاء النبوة والوحي: توجد نصوص دينية تفيد أنّ طريقاً من طرق الوحي الإلهي بقي مفتوحاً بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وسيبقى كذلك، وهذا الطريق هو جزء من أجزاء النبوة بنص الروايات لدى الفريقين، وهذه نماذج منها: - روى الشيخ الصدوق بسنده: (... عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ..... ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رآني في منامه فقد رآني لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة واحدة من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة)([250]). - وروى البخاري بسنده: (... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة وما كان من النبوة فإنه لا يكذب) ([251]). - وروى مسلم بسنده: (... قال النبي صلى الله عليه وسلم: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ([252]). وروايات أهل السنة في هذا المجال كثيرة. وبالنسبة للشيعة بالخصوص، فإنّ هناك أبواباً كاملة في أهم المصادر الروائية عندهم أكدت على أنّ آل محمد (عليهم السلام) يتلقاهم روح القدس بالأخبار، وأنه معهم لا يفارقهم، وأن الملائكة والروح تتنزل عليهم. وهذه نماذج منها: روى الكليني بسنده: (... عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي (صلى الله عليه وآله) خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به) ([253]). الرواية واضحة في أنّ ما حمل به النبي (صلى الله عليه وآله) النبوة، أي روح القدس، انتقل إلى الإمام من بعده. وروى الكليني أيضاً في باب "الروح التي يسدد الله بها الأئمة (عليهم السلام)": (1- ... عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان" قال: خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده. 2- ... عن أسباط بن سالم قال: سأله رجل من أهل هيت - وأنا حاضر - عن قول الله عز وجل: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا" فقال: منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد، (صلى الله عليه وآله) ما صعد إلى السماء وإنه لفينا. 3- ... عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: "يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت. .......) ([254]). وقد عنون الشيخ الصفّار باباً في الأئمة (عليهم السلام) و "أن روح القدس يتلقاهم إذ احتاجوا إليه"، ذكر فيه (13) رواية، منها: (1- ... عن محمد بن عمران عن بعض أصحابه، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك تسألون عن الشيء فلا يكون عندكم علمه، فقال: ربما كان ذلك، قال: قلت كيف تصنعون ؟ قال: تتلقانا به روح القدس. 2- ... عن جعيد الهمداني، قال: سألت علي بن الحسين بأي حكم تحكمون ؟ قال: نحكم بحكم آل داود فإن عيينا شيئاً تلقانا به روح القدس. 3- ... عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما تحكمون إذا حكمتم ؟ فقال: بحكم الله وحكم داود فإذا ورد علينا شيء ليس عندنا تلقانا به روح القدس. 4- ... عن أسباط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت: تسألون عن الشيء فلا يكون عندكم علمه؟ قال: ربما كان ذلك قلت كيف تصنعون قال تلقانا به روح القدس......) ([255]). وأيضاً هناك روايات كثيرة تؤكد استمرار تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر على أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) بعد رحيله من الدنيا، وقد رواها الشيخ الكليني وغيره، هذا مثال منها: روى الكيلني بسنده: (... عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): ......... فإن قالوا لك فإن علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من القرآن، فقل: "حم والكتاب المبين، إنا أنزلناه في ليلة مباركة [إنا كنا منذرين فيها] - إلى قوله - : إنا كنا مرسلين"، فإن قالوا لك: لا يرسل الله عز وجل إلا إلى نبي، فقل: هذا الأمر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى أرض؟ فإن قالوا: من سماء إلى سماء، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية، فإن قالوا: من سماء إلى أرض - وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك - فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا: فإن الخليفة هو حكمهم، فقل: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور - إلى قوله - : خالدون"، لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا وهو مؤيد، ومن أيد لم يخط، وما في الأرض عدو لله عز ذكره إلا وهو مخذول، ومن خذل لم يصب، كما أن الأمر لابد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض، كذلك لابد من والٍ، فإن قالوا: لا نعرف هذا فقل: [لهم] قولوا ما أحببتم، أبى الله عز وجل بعد محمد (صلى الله عليه وآله) أن يترك العباد ولا حجة عليهم) ([256]). والآن، ماذا تعني كل هذه الروايات التي تحدّث بها أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) ؟ وهل تنسجم مع انتهاء الوحي وانقطاعه كما فهمه علماء المسلمين، أم مع بقائه مفتوحاً ؟ وإذا كان علماء الشيعة يصرّون على انتهاء الوحي وغلق بابه بالنسبة لعموم الناس، فلا أقل ليس بوسعهم التنكر لكل هذه النصوص - وهي كثيرة - التي تفيد بقاءه مفتوحاً للأئمة (عليهم السلام). ومن ثم، فلابد أن تكون حافزاً للعلماء للاعتراف بخطأ تفسيرهم لـ "ختم النبوة"؛ لأنّ فهماً يؤدي بالنهاية إلى طرح الكثير من النصوص كفيل للحكم على نفسه بالبطلان، لذا يصبح البحث عن تفسير آخر يمكن من خلاله الجمع بين كلا الطائفتين من النصوص ضرورة ملحة، أليس هذا هو عين الصواب وهو ما يقتضيه البحث العلمي الرصين ! -3/ 2/ 2- أدلة ترفض انتهاء الإرسال: وأما ختم الإرسال الذي فهمه العلماء من أدلة ختم النبوة نفسها، ببيان أنّ النبوة أعم وأقل مقاماً من الإرسال، فختمها يقتضي ختم الإرسال، فيمكننا أن ننقض نتيجتهم التي انتهوا إليها بالنقاط التالية: أولاً: ما انتهينا إليه قبل قليل من ضرورة البحث عن تفسير صحيح لـ (ختم النبوة) الذي أشارت إليه النصوص، فهم اعتبروا (ختم الرسل) لازماً له، وبعد بطلان (الملزوم) لأنه يؤدي إلى طرح نصوص كثيرة كما عرفنا، فاللازم باطل مثله. وثانياً: ورود النصوص القرآنية والروائية بوجود الرسل بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، منها على سبيل المثال: 1. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾([257]). أي: كما أنّ الله سبحانه بعث في الأميين الأولين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وقد كانوا قبله في ضلال، فكذلك سيكون حال الآخرين، بمعنى: وآخرين منهم أيضاً سيبعث الله فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وقد كانوا قبله في ضلال. ولا يمكن أن يكون محمد (صلى الله عليه وآله) هو الرسول الإلهي إلى الآخرين مرة أخرى بعد رجوعه إلى ربه. 2. قال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا﴾([258]). في تفسير القمي: (ثم ذكر عز وجل احتجاجاً على الجن والإنس يوم القيامة فقال: "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ...") ([259]). واضح أنّ الاحتجاج بالرسل يوم القيامة يكون على عموم معشر الجن والإنس، ولا وجه صحيح ومقبول لتخصيص ذلك بما قبل النبي محمد (صلى الله عليه وآله). 3. قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([260]). واضح أنّ الآية تتحدث عن جميع ولد آدم، ولا وجه مقبول أيضاً للقول إنها تتحدث عن بني آدم بعد هبوط آدم وحواء (عليهما السلام) فقط كما أراد الكثير من المفسرين فعله، ويكفي أن نعرف استمرار الرسل بعد الهبوط آلاف السنين بإقرار الجميع. 4. قال تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّـةٍ رَسُـولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُـونَ﴾([261]). روى العياشي: (عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن تفسير هذه الآية ... قال: تفسيرها بالباطن، إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد، يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل، وأما قوله: "فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ" قال: معناه إنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله) ([262]). إذن، آل محمد (عليهم السلام) رسل، ولذا ورد عن ابنهم المهدي (عليه السلام) أنه يبعث: روى الشيخ المفيد: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً) ([263]). وروى الشيخ الطوسي بسنده: (عن محمد بن مروان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رجل: جعلت فداك إنهم يروون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال بالكوفة على المنبر: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) ([264]). عن زر عن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) ([265]). وثالثاً: إنّ القرآن الكريم ذكر ثلاث مقامات إلهية لخلفاء الله، وهي: النبوة، الرسالة، والإمامة .. فمن هي الأعلى مقاماً يا ترى ؟ لا شك أنّ (الرسول) أعلى مقاماً من (النبي)، ولكن مَنْ الأعلى مقاماً (الرسول) أم (الإمام) ؟ الجواب: الثاني أعظم عند الله قدراً، وللتدليل على ذلك، أقول: إنّ إبراهيم (عليه السلام) قد أُوتي مقام الإمامة بعد أن كان نبياً ورسولاً وابتلاه ربه بكلمات فأتمهن، وبعد أن اجتاز ذلك الامتحان تفضّل الله سبحانه عليه بمقام الإمامة. قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([266]). ولا شك أنّ ذلك حدث مع إبراهيم (عليه السلام) بعد أن رزقه الله ذرية، لأنه طلب الإمامة لذريته، ومعلوم أنّ إبراهيم (عليه السلام) لم يرزق الذرية إلا في سنٍّ متأخرة. إنّ أفضلية مقام الإمامة أمر معروف لدى علماء الشيعة دون استثناء، وكمثال: لنقرأ ما أجاب به مركز الأبحاث العقائدية التابع لمرجعية السيد السيستاني: «السؤال: أيّ الرتب أرفع: الإمامة أم النبوّة ؟ الجواب: الأخ عبد الرسول المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنّ النبوّة هي رتبة لمن يتلقّى أخبار الغيب ليوصلها إلى الناس، والرسول هو: النبيّ الذي يأتي بشريعة خاصّة بوحي يوحى إليه؛ فهو أرفع مكانةً من النبيّ .. هذا عند أهل الاصطلاح، وقد يستعمل كلّ منهما في مقام الآخر تسامحاً ومجازاً. وأمّا الإمام فهو: من كانت له مهمّة التطبيق وقيادة المجتمع البشري وتنفيذ الوحي، فهو أعلى رتبةً من النبيّ والرسول، وممّا يدلّ عليه - على سبيل المثال لا الحصر - أنّ الإمامة أعطيت لإبراهيم (عليه السلام) بعد مدّة طويلة من نبوّته ورسالته، وبعد خضوعه (عليه السلام) لأوامر امتحانيّة صعبة: "وَإِذِ ابتَلَى إِبرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً" (البقرة: 124)، والمتيقّن: أنّه (عليه السلام) كان نبيّاً ورسولاً قبل هذه الامتحانات لتلقّيه الكلمات من ربّه وحياً. ودمتم في رعاية الله». «منير / السعودية تعليق على الجواب (1) نقول نحن الشيعة: بأنّ الإمام يكون أعلى رتبة من النبيّ، بدليل وصول النبيّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى مرتبة الإمامة بعد مرتبة النبوّة، ولكن كيف لا نجد الوحي مثلاً ينزل على أئمّة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. فقد يقول قائل: بأنّ هذا دليل على أنّ النبيّ أفضل من الإمام، فكيف نردّ عليه؟ الجواب: الأخ منير المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنّ هذا التساؤل ليس في محلّه؛ فإنّنا نقول بتقدّم رتبة الإمامة على النبوّة - بالأدلّة المقرّرة في محلّها - والوحي من خصائص النبوّة، فلا يرد علينا أنّه: لماذا لم تشتمل الإمامة على مختصّات النبوّة؟ وبعبارة أوضح: إنّ الاستدلال في المقام يبتني على تقديم الإمامة بكافّة مميزاتها على النبوّة بجميع مواصفاتها، ومنها: نزول الوحي، فلا معنى حينئذٍ - وبعد تمامية الأدلّة - أن نقول: لماذا لم يكن الإمام متّصفاً بصفة النبيّ، إذ لو كان كذلك كان الإمام نبيّاً، فلا يبقى مجال للبحث والاستدلال. هذا، والتحقيق: أنّ مجرّد قابلية نزول الوحي لا تدلّ على أفضلية النبيّ على الإمام، إذ أنّ الخلافة الإلهية على الأرض - والتي هي أعلى الرتب والمناصب وأقربها إلى الله عزّ وجلّ - تتمثّل في الإمامة، فالاستخلاف عن الله تبارك وتعالى أعلى درجة من تلقّي الوحي، ألا ترى أنّ الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) هم أرقى شأناً من جبرئيل (عليه السلام) الذي يأتي بالوحي؟! فيتّضح لنا، أنّ مجرّد الوسيط بين الخالق والمخلوق في إيصال الوحي لا يدلّ على تقديمه على الإمامة التي هي مقام النيابة عن الله عزّ وجلّ في قيادة المجتمع وهدايته. ودمتم في رعاية الله» ([267]). وإذا اتضح أفضلية مقام الإمامة على النبوة والرسالة، أقول: نحن نتكلم عن خلفاء الله ومقاماتهم الإلهية، ولا نتكلم عن أساتذة في علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات مثلاً، حتى نقول إنّ هذه الجهة من مختصات عالم الفيزياء دون غيره، فالتفاوت في المقامات الإلهية - كما هو معلوم - مردّه إلى عصمة الخلفاء أنفسهم ومرتبتهم المعرفية، فعلم الرسول أعلى من علم النبي، كما أنّ علم مَن لديه مقام الإمامة أعلى من علم من لديه مقام الرسالة والنبوة، وبهذا تكون الإمامة أرفع قدراً من النبوة والرسالة. ومن ثمَّ، فإنّ المقامات الإلهية هي أشبه ما تكون بالشهادات التي ينالها طالب العلوم، فمن لديه شهادة دكتوراه أكيد أنّ لديه ما لدى صاحب شهادة الماجستير وزيادة، وهكذا بالنسبة لمن لديه شهادة ماجستير فهو لديه ما لدى صاحب شهادة بكالوريوس وزيادة. وهذا الفهم هو ما يقرّه علماء المسلمين بالنسبة للرسول والنبي كما سمعنا كلماتهم سابقاً، إذ يقولون: إنّ الرسول لديه ما لدى النبي وزيادة، فالمفروض أن يقروا أيضاً بأنّ الإمام لديه ما لدى النبي والرسول وزيادة، حتى يصح بعد هذا قولهم بأنّ الإمام أعلى مقاماً منهما. وللسيد أحمد الحسن (عليه السلام) كلمة رائعة في رد من قال: "إنّ العبد الصالح أعلم من موسى (عليه السلام) بخصوص أمور الباطن دون الشريعة"، يقول: (.. فالعلم من الله سبحانه وتعالى في طرق السماوات والشرائع، والغيب يحدده مقام الإنسان فلا يمكن أن الله سبحانه وتعالى يفيض على عبدٍ في مقام أدنى علماً أعظم من علم يفاض على عبدٍ في مقام أعلى، ليس لأنه سبحانه غير قادر بل لأن الأمر واحد في حقيقته أي إفاضة العلم والمقام، فلا يمكن القول إنّ موسى أعلم في أشياء والعبد الصالح أعلم في أخرى، فالأعلم هنا أعلم في الأمور جميعاً، فلسنا نتكلم عن كتابي فيزياء وكيمياء بل نتكلم عن ملكوت السماوات والشريعة، نتكلم عن دين الله سبحانه الذي جاء به الأنبياء، ونسبة أمور الدين للنبي والوصي المرسل واحدة وليست متعددة أو متفاوتة، فمن يعلم منهم بنسبة ما في ملكوت السماوات يعلم بنفس النسبة في الشريعة، فإذا كان العبد الصالح أعلم بالأمور الغيبية وطرق السماوات من موسى فهو حتماً أعلم من موسى في الشريعة أيضاً. وإذا كان موسى أعلم من العبد الصالح في الشريعة فهو حتماً أعلم منه في الأمور الغيبية وطرق السماوات) ([268]). إذا اتضح هذا، فلا وجه أبداً لما قاله مركز السيد السيستاني وغيره في كون الوحي من مختصات النبي دون الإمام، فالوحي إن اعتبر من سبل تسديد النبي واتصاله بالغيب، والرسول متوفر على ذلك وزيادة كما هم يعترفون بذلك، فالمفروض بهم أن يقرّوا كذلك بأنّ الإمام متوفر على ما عند النبي والرسول وزيادة، بل هذا هو الحق، ولذا قرأنا في الروايات المتقدمة أنّ روح القدس الذي به حمل رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) النبوة كان مع الأئمة (عليهم السلام) أيضاً، بل كان لا يفارقهم ويتلقاهم متى ما أرادوا، وأن الملائكة والروح ما برحوا يتنزلون عليهم بعد انتقاله (صلى الله عليه وآله) إلى ربه. وبهذا يظهر أنّ أولوية ختم الرسل من ختم النبوة كما فهمها العلماء لو كان تاماً وصحيحاً فهو يقتضي - على فهمهم - ختم الإمامة أيضاً؛ لأنها تتضمن الرسالة والنبوة وزيادة، ولمّا لم يكن الأمر كذلك بدليل أنّ أوصياء النبي (صلى الله عليه وآله) من بعده كلهم أئمة، فيكون هذا كاشفاً قطعياً على أنّ "ختم النبوة" له معنى آخر غير ما فهمه العلماء. ثمَّ لا ينقضي عجبي من القائمين على مركز السيد السيستاني لما اعتبروا الخلافة الالهية؛ أعلى الرتب والمناصب - على حد تعبيرهم -، تتمثل في الإمامة فقط. مع أنّ الصحيح: إنّ الخلافة الإلهية ليست قسيماً للنبوة، بل هي عنوان جامع تنضوي تحته ثلاث شعب، فخلافة الله على الأرض تتحقق بوجود رجل منصّب من قبل الله سواء كان نبياً أو رسولاً أو إماماً، وهذا آدم (عليه السلام) يقول عنه ربه الذي اصطفاه إنه خليفة رغم أنه نبي، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ...﴾ ([269]). وأخيراً أقول: إننا لما نطرح أدلةً ونصوصاً دينية في الاتجاه الآخر لفهم العلماء، تثبت استمرار الوحي والإرسال بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فإننا لا نريد بذلك إثبات وجود شريعة ورسالة ودين جديد بعد شريعة سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) والعياذ بالله، بقدر ما نريد إلفات النظر إلى أن "ختم النبوة والإرسال" له معنى آخر غير ما فهمه العلماء، وهو ما سنوضحه لاحقاً إن شاء الله. -3/ 3: سرُّ ختم النبوة بنظر العلماء ومناقشته: أعود إلى خَتْم الأنبياء والرسل والوحي برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وأنه آخرهم كما فهمه علماء المسلمين، فإنهم لما كانوا يتصورون بأنّ المسألة بديهية ومنتهية صاروا بصدد بيان السرِّ في ذلك الختم. وكلماتهم في بيان ذلك كثيرة، ولكني سآخذ - في الغالب - نصوصاً من كتاب "ختم النبوة" للشيخ مرتضى مطهري أوضح فيها عدة أسرار - كما يحسب - لختم النبوة وانتهائها، ربما تُعدّ أكثر إحاطة من بين كلام العلماء، وبمعرفة ما فيها من خلل يتضح حال البقية. -3/ 3/ 1- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: حفظ القرآن ونفي التحريف عنه: يؤكد الشيخ مطهري على أنّ حفظ القرآن الكريم من التحريف - دون سواه من الكتب السماوية - ينفي الحاجة إلى نبي يُصحّح التحريف ويبرّر ختم النبوة بمحمد (صلى الله عليه وآله)، يقول: «من أسباب تجديد الرسالة وظهور الأنبياء الجدد التبديلات والتحريفات التي كانت تحدث لتعليمات الأنبياء وكتبهم المقدسة، ولهذا كانت تلك الكتب والتعليمات تفقد صلاحيتها في هداية الناس، فكان الأنبياء يحيون السنن المنسية ويصلحون التعليمات المحرفة لمن سبقهم ....» ([270]). أقول: إنّ ما يتحدث عنه الشيخ مطهري كسببٍ لاستمرار النبوة، لم ينقطع بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، والتحريف إن لم يكن قد طال نص الكتاب الكريم فهو قد طال تأويله بكل تأكيد. عن أبي البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (... فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه، فإنّ فينا أهل البيت في كلِّ خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) ([271]). ثم إنّ هداية الناس (وسواه من أغراض بعث الأنبياء والرسل بنظر العلماء) لا تتحقق بمجرد حفظ الكتاب من التحريف كما هو واضح، بل لابد من عِدْلٍ له يترجمه ويبيّنه، كما دلت الروايات الكثيرة على ذلك، منها: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يا معشر الشيعة خاصموا بسورة "إنا أنزلناه" تحلجوا، فو الله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا ب‍ "حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين" فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يا معشر الشيعة يقول الله تبارك وتعالى: "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" قيل: يا أبا جعفر نذيرها محمد (صلى الله عليه وآله) قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حي من البعثة في أقطار الأرض، فقال السائل: لا، قال أبو جعفر (عليه السلام): أرأيت بعيثه أليس نذيره، كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعثته من الله عز وجل نذير، فقال: بلى، قال: فكذلك لم يمت محمد إلا وله بعيث نذير قال: فإن قلت لا فقد ضيع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من في أصلاب الرجال من أمته، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى إن وجدوا له مفسراً، قال: وما فسره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: بلى قد فسره لرجل واحد، وفسر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال السائل: يا أبا جعفر كان هذا أمر خاص لا يحتمله العامة؟ قال: أبى الله أن يعبد إلا سراً حتى يأتي إبان أجله الذي يظهر فيه دينه، كما أنه كان رسول الله مع خديجة مستتراً حتى أمر بالإعلان، قال السائل: ينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم؟ قال: أوَ ما كتم علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى ظهر أمره؟ قال: بلى، قال: فكذلك أمرنا حتى يبلغ الكتاب أجله) ([272]). وإذا كان الكتاب وحده غير كافٍ في هداية الناس، ولابد من مفسر إلهي يكون عِدْلاً له، كما هو مقتضى حديث الثقلين، فحفظ نصّه من التحريف - والحال هذه - لا يمكن أن يكون سبباً كافياً في ختم النبوة والوحي (بمعنى الانتهاء) فضلاً عن أن يكون سرّها كما رامه الشيخ مطهري. -3/ 3/ 2- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: وحدة الدين المستقيم وهدف الأنبياء: يقول الشيخ مطهري: «... وحيث وضح القرآن أن طريق البشر مستقيم ومعلوم، وأنّ جميع الأنبياء يهدون إلى هدف واحد وطريق واحد بجميع اختلافاتهم في التوجيه وإعطاء التعاليم حسب وضعهم وموقعهم الزماني والمكاني، فقد عبّد طريق ختم النبوة وأوضح ركناً آخر من أركانه؛ لأن ختم النبوة معقول وقابل للتصور حين يكون خط سير هذا الإنسان المتغير المتكامل مستقيماً وقابلاً للتشخيص» ([273]). أقول: إنّ كون الطريق الذي يرشد إليه الأنبياء والمرسلون مستقيماً، هذا أمر لا غبار عليه، كما أنّ وحدة هدفهم كذلك أيضاً، ولكن هذا حاصل منذ بعثة أول أنبياء الله على هذه الأرض، أي آدم (عليه السلام)، ومع ذلك لم يمنع من بعث آلاف الأنبياء والمرسلين بعده. ثم إنّ مشكلة الإنسان لا تكمن في الطريق الإلهي نفسه فقط، لتكون استقامته مبرراً لختم النبوة، بل في أنّ الناس هي من تفرض حاجة الطريق إلى دليل ومرشد إلهي، فما لم يكن على الطريق دليلٌ يرشد الناس ويأخذ بأيديهم لا يكون الطريق وحده كافياً في هدايتهم ونجاتهم، تماماً كوجود الكتاب بلا قيّم يفسّره، بل إنّ تشخيص الطريق نفسه لا يكون إلا عبر ذلك القيّم والدليل. وإذا ثبت ضرورة وجود خلفاء إلهيين (سواء كانوا أنبياء أو مرسلين أو أئمة) قبل محمد (صلى الله عليه وآله) برغم استقامة طريقهم ووحدة هدفهم، إذن كيف كانت تلك الاستقامة ووحدة الهدف مبرراً لختم النبوة (بمعنى الانتهاء) بعده (صلى الله عليه وآله) ؟! -3/ 3/ 3- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: قدرة الإنسان على حفظ تراثه وتبليغه للناس بنفسه: يقول الشيخ مطهري: «والحقيقة إن من أركان الخاتمية: البلوغ الاجتماعي للبشر بدرجة تمكنهم من الحفاظ على ميراثهم العلمي والديني ويبادرون بأنفسهم إلى نشره وتبليغه وتعليمه وتفسيره» ([274]). وبعد أن قسّم النبوة إلى: تشريعية يمثّلها أنبياء أولي العزم، وتبليغية يمثلها سائر الأنبياء، قال: «وحاجة البشر إلى الوحي التبليغي باقية إلى وقت يبلغ فيه العقل والعلم والتمدن درجة يستطيع فيها أن يتعهد بنفسه الدعوة والتعليم والتبليغ والاجتهاد في أمر دينه، فظهور العلم والعقل وبعبارة أخرى: نمو الانسانية وبلوغها يختم بنفسه الوحي التبليغي فيحل العلماء محل هؤلاء الأنبياء "التبليغيون"» ([275]). أقول: إنّ هذا الكلام باطل جملة وتفصيلاً، من جهات عدة: الأولى: إنّ الشيخ يروم - في كل كتابه المعقود لبيان ختم النبوة - إلى بيان السرِّ في ختم النبوة بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بمعنى الانتهاء، وإذا كان السبب برأيه هو بلوغ البشر مرحلة من النضج العقلي والتمدن ... الخ ممّا جاء في كلامه، تمكّنهم من مباشرة ما كان يباشره الأنبياء بأنفسهم من فهم الدين وتعليمه وتبليغه ونشره، فماذا بقي لأوصياء محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) من وظيفة يؤدونها بين الناس ! تأملوا ذلك جيداً، تجدون أنّ ما اقترحه الشيخ مطهري كسببٍ لانتهاء النبوة بعد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، ما هو إلا عبارة ثانية عن الدعوة إلى ترك آل محمد (عليهم السلام)، وأكيد أنه (رحمه الله) لا يقصد ذلك، ولكنه معنى كلامه، عفا الله عنّي وعنه. الثانية: ليس الكلام عن ختم الإمامة بالإمام المهدي (عليه السلام)، كما أنه ليس عن بيان السر في غيبته المتمادية، ليبرَّر ختمها بفسح المجال للمجتهدين والعلماء لتأدية أدوار "محال معرفة الله"، أعني الأنبياء والأوصياء، وإن كان هذا باطل أيضاً، وليس الآن محل بحثه، أقول: ليس الكلام في هذا، بل في انتهاء النبوة بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، فكيف طاب للشيخ مطهري أن ينظّر لتعهّد الإنسان لدينه ويجتهد فيه ويتعلّمه وينشره ويبلّغه، كل ذلك يؤديه بنفسه، والحال أنّ هناك أوصياء من آل محمد (عليهم السلام) المفروض أنه مؤتم بهم ويأخذ كل معالم دينه منهم ؟! فهل يصح الاجتهاد مع وجودهم (عليهم السلام)، بمعنى أن يعتمد الإنسان الاجتهاد في دينه رغم وجود الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مثلاً قربه ! أيّ دين سوف يحصّله حينذاك. عن محمد بن حكيم قال: (قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما منَّ الله علينا بكم، فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به ؟ فقال: هيهات هيهات، في ذلك والله هلك من هلك يا ابن حكيم، ...) ([276]). ثم كيف يحلُّ العلماء والمجتهدون محل الأنبياء (من غير أولي العزم) أو (التبليغيين) على حدِّ تعبيره، والحال أنّ الأوصياء من آل محمد (عليهم السلام) موجودون، فهل صار المجتهدون بنظر الشيخ مطهري ورثة الأنبياء دون آل محمد (عليهم السلام) ؟! عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (سمعته يقول: نحن ورثة الأنبياء، وورثة كتاب الله، ونحن صفوته) ([277]). ثم منذ متى صار غير المعصومين (أصحاب الظنون والاحتمالات في دين الله غالباً) يحلّون محل المعصومين (أصحاب القطع واليقين) بحيث يكون وجود أولئك غاية لانتهاء دور هؤلاء الطاهرين ؟!! عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل ابن زياد قال: (.. يا كميل ! هي نبوة ورسالة وامامة، وليس بعد ذلك إلا موالين متبعين، أو مبتدعين، إنما يتقبل الله من المتقين) ([278]). الثالثة: المفروض أننا لو جارينا الشيخ في تفكيره (في أنّ بلوغ البشر حدٌّ يمكّنهم من الحفاظ على تراثهم العلمي والديني ومباشرة تفسير الدين ونشره وتبليغه يبرر انتهاء النبوة)، أن نجد مقطعاً زمنياً خالياً من الحجج الإلهيين. هذا، ولكن الدين نفسه يبطل مثل هذا التفكير، فإنّ نصوصه المتكاثرة تؤكد على عدم خلوّ الأرض من حجة ([279]) وقيّم يفسّر الدين ويشرف على نشره وتبليغه و... و... مما يتصل به من ألفه إلى يائه. الرابعة: ثمّ إن كان نمو الإنسانية مبرراً لختم النبوة، وقد ختمت فعلاً بنظر الشيخ مطهري، وهذا يعني - من وجهة نظره - بلوغها مرحلة الاستغناء بالعقل عن الوحي، فما بال البشرية تمتلئ في نهاية المطاف ظلماً وجوراً حتى النخاع، وبالتالي يقع على عاتق الرجل المحمدي (المهدي) مهمة إنقاذها وإرجاعها إلى إنسانيتها من جديد ! هل هذه هي ثمرة الاستغناء بالعقل عن الوحي التي يتم التنظير لها ! الخامسة: على أيِّ دليل اعتمد الشيخ مطهري في ذهابه إلى أنّ حاجة البشرية إلى الأنبياء (من غير أولي العزم) مؤقتة، وبقاؤها مرهون ببلوغ عقل الإنسان وتمدّنه درجة يتمكن بنفسه حينها من مباشرة ما كان يباشره الأنبياء ! حقيقة، ما كان ينبغي أن يقابل الأنبياء - روحي فداهم - بمثل هذا التفكير والتنظير، وهل يمكن اعتباره رد جميل لتضحياتهم وجهودهم وصبرهم في سبيل إنقاذنا من براثن أنفسنا وما حولنا من ظلم وجور وتيه ! إذا عرفنا هذا، صار بوسعنا تقييم بقية كلماته، إذ يقول: «ونحن نجد أن القرآن يتحدث في أول آية نزلت عن القراءة والكتابة والقلم والعلم: "اقرا باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم" العلق: 1- 5. وهذه الآيات تعلن أنّ عصر القرآن هو عصر القراءة والكتابة والتعليم والعلم والعقل، وهي تفهمنا بصورة تلميحية أن واجب التعليم والتبليغ وحفظ الآيات السماوية قد انتقل في عصر القرآن إلى العلماء فهم من هذه الناحية خلفاء الأنبياء، فهذه الآيات تمثل إعلاناً ببلوغ البشرية واستقلالها من هذه الناحية، والقرآن يدعو البشر - في جميع آياته - إلى التعقل والاستدلال ومشاهدة الطبيعة بشكل عيني وتجريبي ومطالعة التاريخ والتفقه والفهم العميق، وهذه جميعاً دلائل ختم النبوة وحلول العقل والعلم محل الوحي التبليغي...» ([280]). ويقول أيضاً: «إن طلوع العلم وظهوره وبلوغ البشر حداً يجعلهم قادرين وحدهم على حفظ دينهم السماوي والدعوة إليه وتبليغه قد ختمت النبوة التبليغية طوعاً أو كرهاً، ولهذا السبب يجعل النبي الأكرم علماء هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل أو أفضل منهم» ([281]). أقول : حاشى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقصد ما فهمه الشيخ مطهري وغيره، بجعل علماء الدين - مع كل الاحترام للعاملين منهم - مثل أنبياء الله وحججه الطاهرين فضلاً عن أن يكونوا أفضل منهم، وكيف يعقل أن يكون غير المعصوم أفضل من المعصوم، أو مثله حتى ! لكن المقصود بالعلماء الذين يرثون الأنبياء في الروايات هم آل محمد (عليهم السلام)، وقد خصص الشيخ الصفّار باباً بعنوان "أن الناس يغدون على ثلاثة: عالم ومتعلم وغثاء، وأن الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم هم العلماء وشيعتهم المتعلمون وسائر الناس غثاء" ذكر فيه عدة روايات ([282]). -3/ 3/ 4- من أسرار ختم النبوة بنظرهم: خلود الإسلام وأنه الدين الأكمل الموافق للفطرة: يقول الشيخ مطهري: «لقد أعلن الإسلام عن خلوده مع إعلان ختم النبوة: "حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة"» ([283]). ويقول الشيخ لطف الله الصافي: «والخاتمية سرها وباطنها وعلتها أكملية الدين، فالدين الخاتم يجب أن يكون أكمل الأديان، كما أن الأكمل لابد وأن يكون الخاتم لأنه نهاية الغرض والحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتب، فلا رسالة بعده» ([284]). وأما أسباب موافقة الإسلام للفطرة ومن ثمَّ خلوده وختم النبوة، كما فهم الشيخ مطهري وغيره، فهي ما يوضحها بقوله: «ويمكن معرفة استناد الإسلام واتباعه الفطرة من الصفات التالية: 1- قبول العقل وادخاله مجال الدين، فلم يكن لأي دين علاقة قوية بالعقل ولم يعطه هذا الحق كما فعل الاسلام، فأي دين يمكن أن نجده قد جعل العقل واحداً من مصادر أحكامه، وفقهاء الإسلام اعتبروا مصادر الأحكام ومستنداتها أربعة أشياء: الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وهم يرون بوجود علاقة لا تنفصل بين العقل والشرع ويسمونها قاعدة الملازمة، فهم يقولون: "كل ما حكم به العقل حكم به الشرع وكل ما حكم به الشرع حكم به العقل" ...» ([285]). طبعاً، هو يقصد عقول المجتهدين دون سواهم، إذ يقول: «الاجتهاد هو أهم واجبات علماء الأمة ومسؤولياتهم، فالاجتهاد يعني السعي بعلم وبطريقة صحيحة لإدراك مقررات الإسلام بالاستفادة من المصادر: الكتاب والسنة والإجماع والعقل ... وعلى الاجتهاد أو التفقه في مرحلة الخاتمية واجب حساس جداً وأساس، وهو من شروط بقاء الإسلام خالداً، وقد أسموه بحق الطاقة المحركة للإسلام ...» ([286]). أقول: لو تجاوزنا الآن قضية الاجتهاد المعمول به عندهم بمصادره المذكورة أعلاه، وإنتاجه للأحكام الظنية المنهي عن العمل بها في دين الله، وأيضاً: لو تجاوزنا تحقيق مسألة: هل أنّ الاجتهاد بالطريقة المعمول بها عندهم ساهم فعلاً بخلود الإسلام، أم أنه كان أحد أسباب غيبة رسل الله واستتارهم في أزمنة الفترات، ولا أقل فيما يتصل بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) بالخصوص، وأيضاً: لو تجاوزنا هل أنّ الاجتهاد الذي تعمل به فرق المسلمين اليوم طاقة محرّكة للإسلام والمسلمين فعلاً، أم وسيلة لتمزيق الأمة وتشتّتها وتفرّقها وتجهيلها وإضعافها وتغييب دينها الحقيقي، وكذلك لو تجاوزنا أنّ الكلام إنما هو في ختم النبوة فقط دون ختم مطلق الحجج الإلهيين، وبالتالي فكيف يؤسَّس للاجتهاد وخلود الإسلام به بنحوٍ يبرّر انقطاع النبوة ووحيها بطريقةٍ ولا كأنّ 12 إماماً و12 مهدياً من آل محمد (صلى الله عليه وآله) قد خلفوا جدهم فعلاً بنص وصيته المقدسة ([287])، لو تجاوزنا كل هذا، لكن السؤال: مَنْ أعطى العقل مثل هذا الدور، بحيث جعله مصدراً من مصادر التشريع كالكتاب والسنة ؟ وما هو الدليل الشرعي القطعي على الملازمة التي ذكرها الشيخ مطهري في كلامه؟ في الحقيقة، لم يفعل الدين مثل هذا الأمر، بل فعله علماء الدين (فقهاء الإسلام على حدِّ قوله) كما اعترف الشيخ نفسه بذلك، وواضح أنّ كل ما عدا خلفاء الله قوله "يُستدل له" ولا "يُستدل به"، ولو كان هذا الأمر وحده - أعني حاجة أقوال كلِّ ما عدا خلفاء الله إلى دليل - لكفى في رفض ما صوّره الشيخ مطهري قبل قليل من "إحلال عقول العلماء محل وحي الأنبياء" ! ثم إنّ مسألة العقل والأدلة العقلية المسموح بها في الدين، تحتاج بحق إلى رسالة منفردة، ولكن بنحو الإجمال أقول: إنّ شرط إرسال الرسل وفور العقل وكماله وتمامه([288])، ومن ثمَّ فمن لم يبعثه الله رسولاً فليعلم أنّ الذي في رأسه ليس عقلاً تاماً (وإلا لكان واحداً من الرسل) بل ناقص مشوب بهوىً وغيره من المؤثرات، لذا صار كل ما عدا خلفاء الله بحاجة إلى تعليمهم وتذكيرهم وتزكيتهم وهدايتهم وقيادتهم، ولا أقل هذا ما سمعناه من العلماء أنفسهم في تحديد غرض إرسال الرسل فيما سبق. إذا توضح هذا، أقول: من أين للعقول الناقصة أن تزاحم الثقلين في التشريع أو تكون في مصافّهم، ومن أين للفطرة السويّة أن تعتبر تشريع العقول الناقصة أحد أسباب خلود الإسلام ! روى الشيخ الصدوق بسنده: (... قال علي بن الحسين (عليهما السلام): إن دين الله عز وجل لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة، ولا يصاب إلا بالتسليم، فمن سلم لنا سلم، ومن اقتدى بنا هدى ...) ([289]). ثم أليس تشريع العقول الناقصة هو ما استحوذ على مسرح حياة المسلمين بالمطلق طيلة فترة الغيبة الكبرى لصاحب العقل التام؛ الإمام المهدي (عليه السلام)، فما بال الأرض كلها ملئت ظلماً وجوراً، بل أجزم أنّ أنين اليتامى وانتهاك حقوق الإنسان في بلدان تُحسب على الإسلام لا يكاد يقارن بأيّ مكان آخر ! حقيقة، إنّ الإسلام الخالد الذي يتحدث عنه الشيخ مطهري، إن رفعنا من صفحته آل محمد (عليهم السلام)، لم يبقَ غير ظنون ملأت الخافقين، وأمة (بل أمم) مشتتة ممزقة مجهلة منهكة، فاقدة لكل مقوّمات الحياة، تماماً كبقية أمم الأنبياء التي سبقتهم في الانحراف عن النهج القويم، وحينها لا نجد من الإسلام سوى اسم تتلفّظ به ألسنة ثلة من الانتهازيين والقتلة والذباحين، والإسلام وأهله الحقيقيون منهم برآء، وما أكثر هؤلاء اليوم أينما وليت وجهك، وليس الوهابيون الذباحون مثالهم الوحيد. على هذا الأساس، فإنّ مسألة كمال الدين وتمامه، لا يمكن النظر لها كاعتزازٍ منّا بكمال عقولنا وبلوغها النضج الذي تستقل به عن وحي الأنبياء وتبرّر انتهاءه وختم النبوة كما يتصور الشيخ مطهري وغيره، بقدر ما لها تمام الصلة بوجود ملائكة طُهرٍ يسيرون على هذه الأرض، كان مقدّراً لهم ضمن الخطة الإلهية أن يخلفوا محمداً (صلى الله عليه وآله)، وهو ما أوضحته الروايات الكثيرة، سأكتفي بدرّة منها: روى الكليني بسنده: (... عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا (عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم (عليه السلام) ثم قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عز وجل: "ما فرطنا في الكتاب من شيء "، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله): "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً"، وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمضِ (صلى الله عليه وآله) حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً (عليه السلام) علماً وإمام وما ترك [لهم] شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به. هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم، إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلا مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم. إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره، فقال: "إني جاعلك للناس إماماً"، فقال الخليل (عليه السلام) سروراً بها: "ومن ذريتي" قال الله تبارك وتعالى: "لا ينال عهدي الظالمين". فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين". فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال جل وتعالى: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين"، فكانت له خاصة فقلدها (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان، بقوله تعالى: "قال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث"، فهي في ولد علي (عليه السلام) خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله). فمن أين يختار هؤلاء الجهال. إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله) ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام) إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين. إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف. الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار. الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، وأجواز البلدان والقفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى، والمنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة. الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد. الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله. الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين. ..... فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام، أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف وأنى ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟! أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) كذبتهم والله أنفسهم، ومنتهم الأباطيل، فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً، تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الامام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلا بعداً، [قاتلهم الله أنى يؤفكون] ولقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً، وضلوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام عن بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين .......) ([290]). كان هذا مقطع من كلام الإمام الرضا (عليه السلام)، آثرت نقله لاحتوائه على فوائد جمّة، منها: 1. ارتباط تمام الدين وكماله بأمر إمامة آل محمد (عليهم السلام). 2. إنّ الإمامة مرتبة ثالثة خصّ الله عز وجل بها إبراهيم (عليه السلام) بعد النبوة والخلّة، وهو دليل على كون الإمامة أرفع قدراً من النبوة والرسالة اللتين كان يتصف بهما خليل الرحمن. 3. إنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) متصف بالإمامة، التي قلّدها علياً وولده (عليهم السلام). 4. إنّ "النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لا نبي بعده" من جهة، وإنّ "الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء وخلافة الله" من جهة أخرى. " الإمامة هي منزلة الأنبياء": يعني للإمام ما للنبي. "الإمامة .. إرث الأوصياء": يعني للإمام ما للنبي والرسول، فالأوصياء فيهم أنبياء ورسل. "الإمامة .. خلافة الله": يعني أنّ الإمامة تطوي بين جناحيها كل مراتب الخلافة الإلهية. فكأنّ الإمام الرضا (عليه السلام) يسير سيراً تصاعدياً في التعريف بالإمامة. تنويه: من يستطيع أن يجمع بين القولين أعلاه - أي بين كونه (صلى الله عليه وآله) لا نبي بعده، وبين أنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء - يستطيع أن يفهم المعنى الصحيح لختم النبوة، وهو ما سيتضح لاحقاً. 5. إن الإمام لا يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه. 6. الإشارة إلى العقول الناقصة التي كنّا نتحدث عنها قبل قليل. ثم إنّ الشيخ مطهري استمر في عرض بقية أسباب خلود الإسلام المبررة لختم النبوة بنظره، كان منها: شمول تعاليمه لمختلف جوانب الإنسان، وعدم توجّهه إلى شكل الحياة وصورتها، ووضع قوانين ثابتة ودائمة ([291]). أقول: ما ذكره الشيخ، هي أمور تشترك فيها تعاليم الأنبياء والمرسلين، وإن كانت تختلف شدة وضعفاً بحسب المتلقّي والزمان الذي يعيش فيه، ولكن لا يمكن أن تصلح كمبرّر لختم النبوة بمعنى انتهاء الوحي وانقطاعه. وبخصوص القوانين الثابتة والدائمة، التي ذكرها أخيراً، أقول: - إن كان يقصد بذلك أنّ بعض تشريعات الإسلام تتصف بالثبوت والدوام، فهو أمر موجود في غيره أيضاً، فالغسل مثلاً موجود إلى يوم الناس هذا ولم يتم نسخه. ورد في الوسائل: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - : .... وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة والعرب كانت تغتسل، والاغتسال من خالص شرايع الحنيفية،...) ([292]). - وإن كان يقصد جميع التشريعات، فهو غير صحيح؛ ولا يمكن قبول أنّ كل ما تمّ تشريعه في أول زمان الإسلام وعُمل به يعتبر قانوناً ثابتاً ودائماً، كيف وأنّ هناك بعض الأحكام التي تناسب ما في الجفر الأبيض الذي حكم على ضوئه الإمام علي (عليه السلام)، وبعضها تناسب ما في الجفر الأحمر الذي يحكم على ضوئه القائم (عليه السلام). روى الصفّار بسنده: (عن رفيد مولى أبي هبيرة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك يا ابن رسول الله يسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب في أهل السواد، فقال: لا يا رفيد، إن علي بن أبي طالب سار في أهل السواد بما في الجفر الأبيض، وإن القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر ...) ([293]). وأيضاً: من أسباب خلود الإسلام بنظره، هي ما أسماه بـ "قواعد حق الفيتو"، يقول: «6- الشيء الآخر الذي منح المقررات الإسلامية صفة الانعطاف والتحرك والتطابق ويحفظها خالدة وجود مجموعة من القواعد الضابطة التي تكمن في نص المقررات الإسلامية والتي أسماها الفقهاء اسماً جميلاً جداً حيث يسمونها القواعد "الحاكمة" يعني القواعد التي تتحكم بجميع الأحكام والمقررات الإسلامية وتتسلط عليها، ... فقاعدة "الحرج" وقاعدة "لا ضرر" من هذا النوع، وفي الحقيقة أعطى الإسلام لهذه القواعد حق "الفيتو".....»([294]). أقول: ينبغي أن نتذكّر أن الكلام في بيان سبب ختم النبوة بمعنى الانتهاء وانقطاع الوحي بمحمد (صلى الله عليه وآله) كما يرومه الشيخ مطهري وغيره، إلا أنّ وجود قواعد فقهية حاكمة (كما أسموها) لا يبرّر ذلك كما هو واضح، وهل نفي الحرج والضرر والتكليف بما لا يطاق - مثلاً - موجود بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فقط ؟! وهكذا، استمر التخبط إلى أن انتهى إلى التبرّع بمناصب خاصة برسل الله كالولاية على الأنفس ومنحها إلى غيرهم، وجعل الشيخ من تلك المنحة الشخصية سبباً لختم النبوة، يقول: «7- شيء آخر هو الصلاحيات التي منحها الإسلام للحكومة الإسلامية وبعبارة أخرى للمجتمع الإسلامي، وهذه الصلاحيات تختص بالدرجة الأولى بحكومة شخص النبي وتنتقل منه لحكومة الإمام ومنه لأية حكومة شرعية أخرى، يقول القرآن الكريم: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم"...»([295]). طيب، النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلي وولده المعصومون (عليهم السلام) أولياء أمور الخلق بنص القرآن وقول رسوله الكريم، وأدلة إمامتهم وولايتهم ملأت الخافقين، لكن ما وجه تحوّل هذا الحق إلى غيرهم بحيث تصبح حكومة ذلك الغير "حكومة شرعية أخرى" كما يقول الشيخ مطهري ! وإن كان يقصد أدلة ولاية الفقيه المطلقة، كما هو ظاهر كلامه، إذ يقول بعد الآية: «فعلماء الأمة الإسلامية وطبقاً للواجب والمسؤولية التي يتحملونها سوف يكونون أعلم الناس بزمانهم، لأن تشخيص مقتضيات الزمان الحقيقية من مقتضيات الانحرافات الأخلاقية والانحطاطات الروحية للناس، لا يمكن تحقيقه دون معرفة روح العصر والعوامل المؤثرة في تركيبه ووجهة سير تلك العوامل» ([296]). فإنّه قبل غيره يعرف أن تلك الولاية موضع خلاف كبير بين فقهاء الشيعة المتأخرين وأغلبهم يقول بعدم ثبوتها، بل "دون إقامة الدليل عليها خرط القتاد" على حد تعبير الشيخ مرتضى الأنصاري ([297])، (وليس هنا محل بحثها). ولكن من غير الإنصاف تماماً الاستدلال بآية "النبي أولى بالمؤمنين ..." وجعلها معطوفة على حكومة النبي والإمام والعلماء، كما فعل الشيخ، بل هو مصادرة على المطلوب كما هو واضح. ولا أعتقد أنّ منصفاً يقرأ ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل) ([298])، ثم يخطر على باله وجود حكومة شرعية مرضية عند الله ورسله قبل القائم (عليه السلام) ! عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل ابن زياد، قال: (.. يا كميل ! هي نبوة ورسالة وإمامة، وليس بعد ذلك إلا موالين متبعين، أو مبتدعين، إنما يتقبل الله من المتقين، يا كميل ! لا تأخذ إلا عنا تكن منا) ([299]). ثم ماذا يقصد الشيخ مطهري بالصلاحيات التي منحها الإسلام للمجتمع في الحكم كما جاء في كلامه ؟ هل فعلاً يريد أن ينتهي إلى الديمقراطية وحاكمية الناس، فتكون هي - وفق نظره - السر الأخير في ختم النبوة وانقطاع الوحي ! هذا بالضبط، ما انتهى إليه رفيقه، أي الشيخ منتظري، إذ يقول: «قد يعترض بأنه لو كانت الشورى والانتخاب من قبل الأمة مصدراً للولاية شرعاً كان على شارع الإسلام تثقيف الأمة وتنويرها بالنسبة إلى هذا الأمر المهم وبيان حدوده وشرائطه وكيفياته. ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن عدم التحديد للشورى والانتخاب بحسب الكيفية ومواصفات الناخب كماً وكيفاً وغير ذلك وعدم صوغهما في قالب معين يجب أن يعد من ميزات الشريعة السمحة السهلة ومن مزاياها البارزة، حيث أراد الشارع بقاءها إلى يوم القيامة وانطباقها على مختلف الأعصار والبلاد والظروف الاجتماعية والإمكانات الموجودة. فحال تعيين الوالي حال سائر شرائط الحياة والبقاء من الغذاء واللباس والدواء والسكنى ووسائل السفر والاستضاءة وغير ذلك من لوازم المعيشة، حيث لا تتقدر بقدر خاص وشكل معين لاقتضاء كل ظرف شكلاً معيناً. فأنت ترى أن الانتخاب للوالي الأعظم وأخذ الآراء له بالوضع الممكن فعلاً لم يكن متيسراً في تلك الأعصار، وكل يوم توجد إمكانيات جديدة. والأمة الإسلامية حيث جاءت في آخر الزمان فقد انتهت إليها تجارب الأمم السابقة وامتازت عن سائر الأمم بحسب التفكير والتعقل، فيجوز بيان الأصول لها وإحالة الخصوصيات إلى تشخيص المتشرعين أنفسهم. وطبع الشريعة الباقية الدائمة يقتضي بيان الأصول وإحالة الأشكال والقوالب والخصوصيات إلى المتشرعة المطلعين على الحاجات والإمكانات والظروف. وأصل الشورى قد ورد في الكتاب والسنة مؤكداً كما مر ..... ولا يخفى أن شورى أهل الحل والعقد تستعقب غالباً رضا جميع الأمة أو أكثرهم قهراً. ولعل هذا كان في صورة عدم إمكان تحصيل آراء الأمة مباشرة، وأما مع إمكان تحصيلها بمرحلة واحدة أو بمرحلتين كما في أعصارنا فالواجب تحصيلها لتكون الحكومة أقوى وأحكم. وكيف كان، فما هو الواجب على الشارع الحكيم بيان أصل الشورى والحث عليها؛ وقد بين. وأما الكيفيات والخصوصيات والشرائط فمفوضة إلى العقلاء وأهل العلم الواقفين على حاجات الزمان والظروف والإمكانيات» ([300]). بمثل هذا التنظير أُريد للوحي أن يُقطع فعلاً وللأنبياء أن يختموا وينتهوا، لتجري بعد ذلك عملية الإجهاز على الدين الحقيقي وتصفيته. إنّ المصيبة التي نحن فيها الآن لا تكمن فقط في التشريع لحاكمية الناس، بالرغم من كونها على النقيض من المنهج الإلهي القائم على التنصيب الإلهي، وأنّ زمان الإنسان المكلف منذ انطلاقته وحتى آخر لحظة على هذه الأرض لم يخلُ من رسول إلهي وحجة لله على خلقه كما تقدم بيانه بالتفصيل، أقول: ليست المصيبة في هذا فقط، ولكن في جعل الانتخابات واختيار الناس سراً من أسرار ختم النبوة وانتهائها وانقطاع وحيها !! ثم أقول: لأنّ بقية العلماء لا تخلو كلماتهم من الإشارة إلى بعض ما أشار إليه الشيخ مطهري في كلامه المتقدم، فلم أرَ حاجة إلى عرضها، ولكن بودي أن أعرض جواباً لأحد شيوخ السلفية على سؤال تقدم به رجل "لا ديني" على ما يبدو، وهو يتضمن الإشارة إلى أنّ ختم النبوة "أمر قدري" على حد تعبيره، أي حاصل بقضاء الله وقدره ولا يحق لأحد الاعتراض على ذلك، وهذا نص السؤال والجواب: «السؤال: من أغرب الأمور التي ينسبها الدينيون لله الخالق هي العدل والحكمة فهم في كل موقع يقولون بأن الله عادل حكيم، لكن دعنا نبحث في أمر يتفاخرون به أيضاً وهو أن محمداً هو آخر رسول أرسله الله للإنس والجن معاً، وأن الإسلام هو آخر الرسالات السماوية التي يراها الله ملاءمة لكل البشر والجن لكل الأزمنة القادمة ولكل البيئات الاجتماعية والمستويات الثقافية ولكل المشاكل التي ستواجه البشر والجن حتى قيام الساعة. وسأفترض فرضاً لا أقبله هو أن الإسلام فعلا هو آخر وبالتالي أرقى ما يستطيع الإله العادل الحكيم تقديمه لإسعاد البشر وبما أنه لن يستطيع تقديم أفضل من هذا فلا حاجة لتغيير الرسالة التي وهي الإسلام، السؤال البسيط الذي يفرض نفسه الآن: لماذا محمد هو آخر الرسل ؟ فأي إنسان يمتلك ذرة من التفكير لا يرى ما يمنع من بعث رسل أو أنبياء لتوضيح نفس الرسالة الإسلام في كل زمان ومكان. ما هو المانع المقنع الذي يراه العادل الحكيم في إرسال شخصية توضح الإعجاز القرآني و ما استغلق علينا فهمه من القرآن بدلاً من أن يتنازع البشر في فهم الآيات ويرمي كل طرف الآخر بأن القرآن لا يعلم تأويله إلا الله، وأن تفسير المفسرين قد يخطئ ويصيب لأنهم بشر غير معصومين؟ ................ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإننا ندعو هذا السائل أولاً إلى الإيمان بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته، والإيمان بصدقه فيما أخبر به عن نفسه أو أخبرت عنه به رسله عليهم الصلاة والسلام، ............... فالحاصل أن ختم الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم أمر قدري يجب الرضا به واعتقاد كمال حكمته ولا راد لقضاء الله، وأما ما يحتاجه الناس من إنذار الرسل فقد كلف وارثوهم بالقيام به، وعلى العاقل أن يستنير بالوحي ويتعلمه قبل التفرس بعقله القاصر، وأن يسعى في استخدام عقله في وقاية نفسه من سخط الله وعذابه في الدنيا والقبر والآخرة، وأن يسعى في رضا الله حتى يسعده في الدنيا ويدخله الجنة، ولا وسيلة لذلك إلا بالإيمان والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري. والله أعلم» ([301]). انتهاء النبوة والإرسال بمحمد (صلى الله عليه وآله) "أمر قدري، ولا راد لقضاء الله، وأنّ علماء الدين هم ورثة الأنبياء والرسل" والله أعلم ! بمثل هذه العقليات يسمّون هؤلاء أنفسهم علماء دين ! والحقيقة، إنّ هذا الإشكال - ومثله الكثير - ما كان ليحصل لولا التفسير الخاطئ لقضية "ختم النبوة والإرسال" الذي قال به علماء المسلمين، ولو كانوا قد سكتوا لكانت المصيبة على دين الله أهون بكثير. وحيث وصل الأمر إلى ما أثاره البعض من إشكالات على كون النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) آخر الأنبياء والرسل، فلنستعرض أهم ما أثير من إشكالات وكيف أجاب علماء الدين عليها. -3/ 4: إشكالات مثارة على ختم النبوة والإرسال: هناك عدة إشكالات أثيرت على القول بختم النبوة بالمعنى الذي قال به علماء المسلمين، ولأن كلمات العلماء في الجواب عليها واحدة تقريباً فسأعرض نموذجاً منها. وأما أهم الإشكالات، فهي: -3/ 4/ 1- الأول: انقطاع الاتصال بالغيب: ملخّص الإشكال: إنّ القول بانتهاء النبوة وانقطاع الوحي، يعني انقطاع الاتصال بالغيب والارتباط به، والمفروض أن الإنسان يحتاج إلى ذلك، ولا أقل يحتاج إلى رجل متصل بالغيب ليأخذ بيده. أجاب الشيخ مكارم الشيرازي وغيره عن هذا الإشكال، والكلام للشيرازي، فقال: «إنّ الإجابة على هذا السؤال تتضح بملاحظة النقطتين أدناه، وهما: الأولى: إن الوحي وارتباط بعالم الغيب وسيلة لإدراك الحقائق، ولما بينت كل الاحتياجات والحقائق إلى يوم القيامة في الأصول العامة والتعليمات الجامعة التي وضعها خاتم النبيين، ولذلك فإن قطع طريق الاتصال هذا لا يوجد مشكلة. الثانية: إن ما يقطع إلى الأبد بعد ختم النبوة هو الوحي لشريعة جديدة، أو لتكميل شريعة سابقة، لا كل أنواع الاتصال بما وراء عالم الطبيعة، لأن للأئمة ارتباطاً بعالم الغيب، وكذلك المؤمنون الحقيقيون الذين أزالوا الحجب عن قلوبهم ووصلوا إلى مقام المكاشفة والشهادة نتيجة تهذيبهم أنفسهم. يقول الفيلسوف الشهير "صدر المتألهين الشيرازي" في مفاتيح الغيب: "واعلم، أن الوحي إذا انقطع، وباب الرسالة إذا انسد استغنى الناس عن الرسل وإظهار الدعوة بعد تصحيح الحجة وإكمال الدين، كما قال الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم". وأما باب الإلهام فلا ينسد، ومدد نور الهداية لا ينقطع لاحتياج الناس لاستغراقهم في هذه الوساوس إلى التنبيه والتذكير، والله تعالى غلق باب الوحي وفتح باب الإلهام رحمة منه على عباده" ...» ([302]). وقال الشيخ مطهري: «فانقطاع النبوة يعني إذن انقطاع المهمة الإلهية للإرشاد والهداية، وليس انقطاع الفيض المعنوي تجاه السائرين والسالكين إلى الله» ([303]). فالمقطوع ليس مطلق الاتصال بالغيب، وإنما الوحي بشريعة جديدة بنظر الشيخ مكارم، والوحي كمهمة إلهية للإرشاد والهداية بنظر الشيخ مطهري. أقول: إنّ باب الارتباط بالغيب كان ولا زال وسيبقى مفتوحاً للجميع، ولم ولن يغلق لحظة أبداً. أما بالنسبة لآل محمد (عليهم السلام)، فقد تقدم أنهم تتنزّل عليهم الملائكة والروح، بل يتلقاهم روح القدس الذي به حمل الرسول (صلى الله عليه وآله) النبوة، وهو معهم يسددهم ولا يفارقهم، فماذا يمكن أن يسمّى هذا ؟ وأما بالنسبة لعموم الناس، فباب اتصالهم بالغيب مفتوح أيضاً، ليس عبر الإلهام فقط كما تصوره العلماء، بل عبر أجزاء من النبوة كالرؤيا وما شابه، خصوصاً في آخر الزمان الذي لا تكاد رؤيا المؤمن فيه أن تكذب كما نصّت الروايات، وإنها - أي الرؤى الصادقة - جزء من (70) أو (45) جزءاً من النبوة، بل اعتبرتها بمثابة الكلام الذي يكلم به الرب عبده. عن عبادة بن الصامت، عنه (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: "لهم البشرى في الحياة الدنيا"، قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له، وهو كلام يكلم به ربك عبده في المنام) ([304]). عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم به الرب عنده)([305]). أقول: إذا كانت الرؤى الصادقة كلمات الله، وجزء من أجزاء الوحي والنبوة، وعرفنا أنها كانت ولا زالت سبيلاً وباباً غيبياً ساهم بهداية الكثير من العباد، فهل يبقى لقول الشيخ مطهري بانقطاع وحي الهداية والإرشاد معنى ؟! وإن استحى العلماء عن تسمية ذلك وحياً أو ارتباطاً بالغيب لهدايتهم، واعتبروه نحوَ ارتباطٍ واتصالٍ بالغيب (بلا اسم)، فإنّ النصوص الشريفة لم تستحِ من بيان الحقيقة. وبالنسبة لمن اعتبر أنّ المقطوع هو الوحي بشريعة جديدة، فقوله لا يقطع الاشكال أصلاً، فالأنبياء بعد موسى (عليه السلام) مثلاً كان يوحى إليهم، ووحي الله للحواريين بعد عيسى (عليه السلام) كان مستمراً أيضاً، والحال أن هؤلاء الحجج الإلهيين (أعني بعد موسى وعيسى عليهما السلام) لم يأتوا بشريعة جديدة. كما أنّ الاعتقاد بكون شريعة النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) هي الباقية إلى يوم القيامة لم يمنع بقاء روح القدس مع أوصيائه (عليهم السلام) كما عرفنا. والعجب كل العجب ممّن يسمح لإلهام العرفاء والسالكين (بحسب تعبيرهم) بالاستمرار بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا يسمح لوحي الهداية والإرشاد بالاستمرار ! -3/ 4/ 2- الثاني: ما هي الحكمة في ختم النبوة مع استمرار تكامل الإنسان ؟ ملخص الإشكال: إنّ النبوة والوحي له دور في تكامل الإنسان، فما هي الحكمة التي فرضت انتهاء النبوة وانقطاع الوحي، والحال أنّ سير الإنسان نحو التكامل لا زال مستمراً؟ هنا عرض علماء الدين إجابتهم، وكمثال لها، يقول الشيخ مكارم الشيرازي في الجواب: «إن الإجابة عن هذا السؤال تتضح بالالتفات إلى مسألة واحدة، وهي أن الإنسان يصل أحياناً إلى مرتبة من النضج الفكري والثقافي بحيث يكون قادراً على الاستمرار في طريقه بالاستعانة المستمرة بالأصول والتعليمات التي تركها له النبي الخاتم بصورة جامعة، دون أن يحتاج إلى شريعة جديدة. وهذا الأمر يشبه تماماً أن يكون الإنسان محتاجاً لمعلم جديد ومرب آخر في كل مرحلة من مراحل الدراسة المختلفة، حتى يقضي المراحل المختلفة، أما إذا حصل على الدكتوراه، أو أصبح مجتهداً له رأيه في العلم أو العلوم المختلفة فإنه لا يحتاج في دراسته إلى أستاذ جديد، بل يباشر البحث والمطالعة والتحقيق استناداً إلى ما اكتسبه من الأساتذة السابقين، وخاصة أستاذه الأخير.....» ([306]). أقول: إنّ قصة النضوج العقلي والفكري هذه، والقوانين والأصول البتراء (أعني بذلك وجود القوانين والأصول بلا مفسّر ومنفذ إلهي)، وأيضاً الاجتهاد، كلها مرَّ ذكرها في كلام الشيخ مطهري، وقد تمت الإجابة عنها، وتبيّن مدى صلاحيتها لأن تكون سبباً في ختم النبوة بالمعنى الذي ذهب إليه العلماء. كما أنّ المعتقد الحق قائم على أنّ الأرض لا تخلو من حجة، وعليه فالمفروض أن يكون الأستاذ الأخير (بحسب تعبيره) هو آخر حجّة إلهي على هذه الأرض، وليس الحجة الذي يأتي بعده مليارات من الناس، ومعلوم أنهم محتاجون إلى ما احتاج إليه من سبقهم. -3/ 4/ 3- الثالث: كيف تتلاءم قوانين الدين الثابتة مع حاجات الإنسان المتغيرة ؟ ملخص الإشكال: إنّ القول بختم النبوة بمعنى انتهائها وانقطاع الوحي، يستلزم أن تكون الشريعة الأخيرة ذات قوانين ثابتة ودائمة، والحال أن الإنسان لديه حاجات متغيرة بحسب الزمان والمكان، فكيف يتم الانسجام بين الثابت والمتغير ؟ ولأجل التغلّب على هذا الإشكال، عرض الشيخ مطهري فكرته في إثبات خلود الإسلام وقدرته على مواكبة المتغيرات، وكانت خطته متضمنة لعدة نقاط؛ كان منها: (قبول العقل مصدراً للتشريع، الشمول، القوانين الثابتة، قواعد حق الفيتو، صلاحيات الحكومة الإسلامية، الاجتهاد)، وقد عرضنا ذلك في البحث السابق وتمت الإجابة عنه. وأما الشيخ مكارم الشيرازي، فيقول في إجابة الإشكال: «ويمكن الإجابة على هذا السؤال جيداً بملاحظة المسألة التالية، وهي: أنه لو كانت لكل قوانين الإسلام صفة الجزئية، وأنها قد عينت لكل موضوع حكماً جزئياً معيناً لكان هناك مجال لهذا السؤال، أما إذا عرفنا بأن في تعليمات الإسلام سلسلة من الأصول الكلية الواسعة جداً، والتي تقدر على أن تطابق الحاجات المتغيرة وتؤمنها، فلا يبقى مجال لهذا الإشكال» ([307]). أقول: إنّ الحقيقة التي أغفلها هؤلاء العلماء هي أنّ المشكلة لا تنحصر في القوانين والأصول الإسلامية، ليصبّوا كل جهدهم على إثبات قدرة القانون الإسلامي على الخلود ومواكبة متغيرات الإنسان، بل ليطمئنوا أنهم مهما سعوا في إضفاء صفات (كالكلية والفطرية والمرونة والابتعاد عن الشكليات وما شابه) على القانون فإنه يبقى مبتوراً وناقصاً، ولا يمكن جني الثمار المرجوّة من تشريعه. إنّ القانون الديني، إذا ما أُريد له المساهمة في تحقيق سعادة الإنسان، فما لم ينضم إليه المفسِّر والمبيّن والخبير الذي يكون بمستوى القانون نفسه، فلن يجني الإنسان ثمرة تذكر منه، بل على العكس تماماً، حيث سيتحول القانون نفسه إلى ذريعة يتحجج بها الجهلاء وأصحاب الأهواء. ولهذا لم يؤكد النبي (صلى الله عليه وآله) في وصاياه لأمته على كتاب الله (القانون) فقط، بل ضم إليه المفسِّر والترجمان، (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي)، إذن ثقلان (قانون، ومبيّن له)، ثم جعل التمسك بالاثنين معاً سبباً في النجاة من الضلال. حقيقة، لا أجد فرقاً بين من يقول: "حسبنا كتاب الله"، وبين من يريد أن يتجه إلى القانون الإسلامي ويسعى جاهداً لتصوير أوجه قدرته (وحده) على مواكبة الإنسان ومتغيراته إلى نهاية المطاف، حتى ولو كان عبر إدخال العقل الناقص مشرِّعاً، أو قبول الاجتهاد المستند إليه، أو اعتماد الظنون في الدين، أو القول بقطع الوحي والاتصال بالغيب، لا أعتقد أن ثمّة فرقٍ يُذكر بين التوجّهين ! والحق، إنّ الإسلام إن قُدّر لقوانينه البقاء حتى الأخير، وهو كذلك بحول الله وقوته، فما كان ذلك ليحصل لولا وجود أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله)، ولأنّ الزمان - حتى يرث الله الأرض ومن عليها - لا يخلو من إمام منهم (لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) كُتب للإسلام البقاء والخلود، ولأجل ذلك أيضاً قُدّر للقانون الإسلامي مواكبة متغيّر الإنسان عبر الزمن، فبعد وجود الخبير القانوني الإلهي في كل زمن لا تبقى مشكلة في المستجدات والمتغيرات التي تحتاج إلى ما يناسبها، فربما احتاجت إلى تفعيل قوانين وتشريعات سابقة كان قد عمل بها ولكنها منسية لأسباب لا أريد الخوض في تفاصيلها هنا، أو ربما احتاجت إلى تشريعات لم يعمل بها سابقاً ولكنها بالتأكيد موجودة في الدستور الإلهي، وجميع ذلك يتكفله خليفة الله، وقد ورد عن القائم (عليه السلام) - مثلاً - أنه يفعل كلا الأمرين. وعليه، فالخلاصة التي ننتهي إليها ممّا تقدم من بحوث هي: إنّ هناك طائفتين من النصوص الدينية - على مستوى القرآن والروايات - إحداهما تقول إنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء والرسل، وثانيهما تقول إنّ الوحي والنبوة (ولا أقل أجزاء منها) والإرسال مستمر بعده (صلى الله عليه وآله)، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، إنّ الوجوه التي ذكرها العلماء لبيان سر الختم بالمعنى الذي تصوروه غير صحيحة، كما أنّ الإشكالات التي أثيرت على ختم النبوة والإرسال بالمعنى الذي فهمه علماء الدين لم يتمكّنوا من دفعها والإجابة عنها. على هذا، يكون البحث عن معنىً صحيح لختم النبوة والإرسال تلتقي عنده نصوص الطائفتين، وكذلك تُدفع به الشبهات، أمراً لا محيص عنه، وهو ما سنعرفه الآن. -3/ 5: المعنى الصحيح لختم النبوة والإرسال: إنّ المعنى الصحيح للختم المذكور في النصوص الدينية لم يكن لنا سبيل للوصول إليه لولا ما أوضحه السيد أحمد الحسن (عليه السلام) في كتاب "النبوة الخاتمة"، يقول: [معنى كلمة نبي "الديني"؛ هو الشخص الذي يَعرف الأخبار من السماء ... وأخبار السماء تصل إلى الإنسان بسبل متعدّدة - وإن كان يجمعها طريق واحد في الأصل - فيمكن أن يكلّم الله الإنسان مباشرة من وراء حجاب، أو يوحي له ما شاء، أي يكتب في صفحة وجود الإنسان ما شاء سبحانه وتعالى، أو يرسل ملائكة يكلمون الإنسان مباشرة، أو يكتبون في صفحة وجوده ما شاء الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51]. أمّا طريقة هذا الكلام والوحي والكتابة؛ فهي ربما كانت بالرؤيا في المنام، أو بالكشف في اليقظة ... وليس ضرورياً أن يكون كل نبي ([308]) هو مرسل من الله سبحانه وتعالى، بل ربما كان هناك أكثر من نبي في زمن واحد، ولكن الله سبحانه وتعالى يرسل أحدهم ويكون حجّة عليهم وعلى غيرهم من الناس. وبالطبع هذا الشخص الذي اصطفاه الله من بينهم هو أفضلهم، ويَعصمه الله سبحانه وتعالى، ويُطلعه على ما يحتاج إليه من الغيب بفضل منه سبحانه وتعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ [الجن: 26 - 27] ....... أمّا أولئك الأنبياء أو الذين حصلوا على مقام النبوّة في فترة من الزمن، أي إنّهم اطلعوا على أخبار السماء بإذن الله سبحانه وتعالى بعد طاعتهم وعبادتهم له سبحانه وارتقائهم في ملكوت السماوات في فترة من الزمن، فهم أيضاً داخلون في الامتحان بهذا النبي الـمُرسل لهم ولغيرهم، والمفروض أن يكون الأمر أسهل عليهم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يطلعهم وبمرتبة عالية على إرساله الرسول، ........]. وهو بيان واضح فرَّق فيه السيد أحمد الحسن (عليه السلام) بين النبوة كإرسال من الله سبحانه، وبين مقام النبوة والاطلاع على أخبار السماء. ثم في فقرة "خاتم النبيين" من الكتاب، يقول تعليقاً على آية "خاتم النبيين": [تبيَّن مما تقدّم أنّ ختم النبوّة، وأقصد بالختم هنا (الانتهاء)، أي انتهاء النبوّة وتوقّفها أمرٌ غير صحيح إذا كان المراد بالنبوّة هي الوصول إلى مقام النبوّة، وبالتالي معرفة بعض أخبار السماء من الحق والغيب؛ لأنّ طريق الارتقاء إلى ملكوت السماوات مفتوح، ولم يغلق ولن يغلق. كما أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أكد في أكثر من رواية رواها الشيعة والسنة، وكذا أهل بيته (عليهم السلام) أنّ طريقاً من طرق الوحي الإلهي سيبقى مفتوحاً، ولن يغلق وهو (الرؤيا الصادقة) من الله سبحانه وتعالى ...]. وبعد أن ذكر روايات عديدة عن الرؤيا وقدرها وأنها من أجزاء النبوة وكلمات الله لعباده، قال: [إذن، فالرؤيا طريق لوحي الله سبحانه، وهو مفتوح بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، والذي تأكّد بالروايات وبالواقع الملموس أنّه لا يزال مفتوحاً للناس .. ولا يوجد مانع أن يصل بعض المؤمنين المخلصين في عبادتهم لله سبحانه إلى مقام النبوّة، ويمكن أن يوحي لهم الله سبحانه وتعالى بهذا الطريق (الرؤيا)، فيطلعهم الله على بعض الحق والغيب بفضل منه سبحانه وتعالى. والمؤكّد أنّ الأئمة (عليهم السلام) قد وصلوا إلى مقام النبوّة، وكان الحق والغيب يصلهم بالرؤيا والكشف، والروايات التي تؤكّد ذلك كثيرة جدّاً، .... إذن، فوجود مؤمنين مخلصين وصلوا إلى مقام النبوّة، وأوحى لهم الله سبحانه وتعالى بطريق الرؤيا أمرٌ ممكن، بل هو حاصل مع الأئمة (عليهم السلام) على أقل تقدير. أمّا ما ورد عنهم (عليهم السلام) ويُفهم منه نفيهم أنهم أنبياء، فالمراد منه نفي أنهم أنبياء مُرسَلون من الله سبحانه وتعالى، وإلا فما معنى أن يتلقاهم روح القدس بالأخبار، وما معنى أنّه معهم لا يفارقهم ؟ وإذا كان الأمر كذلك: فما المراد من كون الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) خاتِم النبيين، (أي آخرهم) ؟ وكذا ما المراد من كونه (صلى الله عليه وآله) خاتَم النبيين (أي أوسطهم) ؟ فكلاهما أي (خاتِم وخاتَم) من أسماء النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ...]. وبعد أن بيَّن شيئاً عن مقام جدّه (صلى الله عليه وآله)، قال في فقرة "محمد خاتِم النبيين وخاتَمهم" من كتاب "النبوة الخاتمة": [والآن نعود إلى كون محمد (صلى الله عليه وآله) خاتِـم النبيين وخاتـَمهم، فهو صلوات ربي عليه آخر الأنبياء والمرسلين من الله سبحانه وتعـالى، ورسالته وكتابه القرآن وشريعته باقية إلى يوم القيامة، فلا يوجد بعد الإسلام دين: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ آل عمران: 81. ولكن بقي مقام النبوّة مفتوحاً لبني آدم، فمن أخلص من المؤمنين لله سبحانه وتعالى في عبادته وعمله يمكن أن يصل إلى مقام النبوّة، كما بقي طريق وحي الله سبحانه وتعالى لبني آدم بـ (الرؤيا الصادقة) مفتوحاً وموجوداً وملموساً في الواقع المعاش. أمّا إرسال أنبياء ممن وصلوا إلى مقام النبوّة من الله سبحانه وتعالى، سواء كانوا يحافظون على شريعة محمد (صلى الله عليه وآله) الإسلام، أم إنّهم يجدّدون ديناً جديداً، فهو غير موجود وهو الذي ختمه الله سبحانه وتعالى ببعثه محمداً (صلى الله عليه وآله). ولكن تجدّد بعد بَعث النبي محمد (صلى الله عليه وآله) (الإنسان الكامل وخليفة الله حقاً، وظهور الله في فاران وصورة اللاهوت) أمر الإرسال من محمد (صلى الله عليه وآله)، فجميع الأئمة (عليهم السلام) هم مرسلون إلى هذه الأمة، ولكن من محمد (صلى الله عليه وآله) .. قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: 47]. عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن تفسير هذه الآية، قال (عليه السلام): (تفسيرها بالباطن؛ إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل، وأمّا قوله: ﴿فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾، قال: معناه إنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله). وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7] ... عَنْ أَبِي جَعْـفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَـالَ: (رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) الْمُنْذِرُ، وَلِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)، ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ) ..... وهذا الأمر الذي تجدّد يقرأه - سواء كان يفقهه أم لا يفقهه - كل من يزور أوّل رسول من محمد (صلى الله عليه وآله) وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بل لا يدخل إلى الحرم المطهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلا بعد قراءته، وهو بمثابة زيارة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله). في زيارة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن الصادق (عليه السلام): ".. وتقول: السلام من الله على محمد أمين الله على رسالته وعزايم أمره ومعدن الوحي والتنزيل، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله، الشاهد على الخلق السراج المنير، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته". ووردت نفس العبارة في زيارة الحسين (عليه السلام): عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ".. فإذا استقبلت قبر الحسين (عليه السلام) فقل: السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أمين الله على رسله وعزائم أمره، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته" ... فمحمد (صلى الله عليه وآله) ختم الإرسال من الله سبحانه وتعالى، وفتح الإرسال منه (صلى الله عليه وآله) "الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل". وبهذا تبيّن كونه (صلى الله عليه وآله) (الخاتَم) أي الوسط بين أمرين، وكذا كونه (الخاتِم) أي الأخـير. وتبيّن أيضاً أنّه (خاتَم النبيـين) بمعنى أنّه ما تُختم به رسالاتهم، أي إن رسالاتهم موقعة ومختومة باسمه (صلى الله عليه وآله)؛ وذلك لأنّ إرسال الأنبياء السابقين وإن كان من الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضاً محمـد (صلى الله عليه وآله) هو الحجاب بين الله سبحانه وبين الأنبياء، فالرسالات منه تترشح، ومن خلاله تتنـزل إلى الأنبياء. فمحمد (صلى الله عليه وآله) هو صاحب رسالات الأنبياء السابقين، كونها تنـزلت من خلاله، وهو الحجاب الأقرب إلى الله سبحانه، فالإرسال السابق من الله ومن خلال محمد (صلى الله عليه وآله) (الحجاب الأقرب)؛ لكونه لم يُبعث (صلى الله عليه وآله)، والإرسال اللاحق من محمـد (صلى الله عليه وآله) وبأمر الله كونه بُعث (صلى الله عليه وآله). واسم من أسماء علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو : (رسول رسول الله صلى الله عليه وآله)، عن جميل بن صالح، عن ذريح، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يعوذ بعض ولده، ويقول: "عزمت عليك يا ريح ويا وجع، كائناً ما كنت، بالعزيمة التي عزم بها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جن وادي الصبرة فأجابوا وأطاعوا لما أجبت وأطعت وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة، الساعة الساعة" ...] انتهى كلامه. إنّ كلامه (عليه السلام) تضمّن عدة أمور مهمة، منها: 1. إيضاح معنى النبي الديني، وليس بالضرورة أن يكون كل نبي مرسلاً من الله سبحانه. 2. إنّ انتهاء النبوّة وتوقّفها أمرٌ غير صحيح إذا كان المراد بالنبوّة هي الوصول إلى مقام النبوّة. 3. الرؤيا طريق لوحي الله سبحانه، وهو مفتوح بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد تأكّد بالروايات وبالواقع الملموس أنّه لا يزال مفتوحاً للناس. 4. إنّ وصول مؤمنين إلى مقام النبوّة أمرٌ ممكن، بل هو حاصل مع الأئمة (عليهم السلام) على أقل تقدير، وهذا يعني أنهم (عليهم السلام) لهم مقام النبوة، وأما ورد عنهم (عليهم السلام) مما يفهم منه نفيهم أنهم أنبياء، المراد منه نفي أنهم أنبياء مُرسَلون من الله سبحانه. 5. إنّ (خاتِم وخاتَم) كلاهما من أسماء النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فهو آخر الأنبياء والمرسلين من الله سبحانه وتعـالى، ولكنه فتح الإرسال منه، فهو إذن: "خاتم لما سبق وفاتح لما استقبل". 6. إنه (صلى الله عليه وآله) (الخاتَم) أي الوسط بين أمرين "خاتم لما سبق، وفاتح لما استقبل"، وهو (الخاتِم) أي الأخـير، وهو أيضاً (خاتَم النبيـين) بمعنى أنّه ما تُختم به رسالاتهم، أي إن رسالاتهم موقعة ومختومة باسمه (صلى الله عليه وآله). 7. إنّ الأئمة (عليهم السلام) رسل، ولكنهم رسل من محمد (صلى الله عليه وآله) إلى هذه الأمة. وبهذا يتضح المعنى الصحيح لختم النبوة والإرسال الإلهي، الذي تخبّط فيه علماء المسلمين العشواء كما رأينا، ولا أعتقد أنّ بعد هذا القول الفصل قول. إنّ هذا البيان، إضافة إلى أنه تلتقي عنده النصوص الدينية من كلا الطائفتين المتقدمتين، فإنه يمكن أن تدفع به الشبهات المتقدمة كما هو واضح؛ لأنها كانت مبنية على انتهاء النبوة والإرسال بالمطلق. وأخيراً، أقول: إنّ ما تقدّم عرضه من أقوال علماء الدين في تحديد غرض الإرسال لا يكاد يلتقي مع المعنى الذي ذهبوا إليه في معنى ختم النبوة والإرسال؛ ذلك أنّ تعليم الخلق أو هدايتهم أو تزكيتهم أو تذكيرهم أو قيادتهم ... إلخ ممّا ذكروه من غرض لبعث الرسل الإلهيين لم تنتفِ الحاجة إليه بعد شهادة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، والمفروض أنّ بعث الرسل يستمر بعده لتحقيق تلك الأغراض والغايات، وبالتالي فالجمع بين القولين ([309]) من قبل العلماء لا يكاد يستقيم أبداً. وفي نفس الوقت نجد أنّ غرض الإرسال الحقيقي "قطع العذر" ينسجم تمام الانسجام مع المعنى الصحيح لختم النبوة والإرسال فقطع عذر المعتذرين يتحقق سواء كان الإرسال من الله سبحانه أو من الرسل كما لا يخفى. -(4) "إنسانيتي" في صميم غرض الإرسال عرفنا فيما سبق الغرض الحقيقي لإرسال الرسل الإلهيين، وهو قطع عذر الناس جميعاً ولو كان عذراً من كذّاب، لتبقى بالنهاية الحجّة لله سبحانه على الناس ولا يكون لواحد منهم حجة على ربه أبداً بعد إرسال رسله وبعثهم، صلوات الله عليهم أجمعين. وما يهمّنا في فقرة البحث هذه، هو أن نغوص في أعماق ذلك الهدف الإلهي، لنقف على شيء من الخطة الإلهية التي رُسمت للإنسان كمخلوقٍ من مخلوقات الله عزّ وجلّ، وسنرى في نهاية المطاف أنّ إنسانيتنا أو عودتها والحفاظ عليها تقع في عمق غرض الإرسال. ولغرض استجلاء هذه الحقيقة المهمة سيتم التعرض إلى المباحث التالية: 1. الإنسان .. محور عوالم الخلق. 2. رسل الله .. وعودة الإنسانية المفقودة. 3. البشرية بين رسولين. 4. شيء من وصايا الرسل الإنسانية. -4/ 1: الإنسان محور عوالم الخلق: لم يكن عالمنا الذي نحن فيه الآن بأوّل العوالم ولا آخرها، ولا أنه العالم المخلوق الوحيد، بل هناك عوالم عدة، لذلك قال سبحانه: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([310])، العالمين: جمع "عالَم" بفتح اللام. فلنلقي نظرة سريعة على تلك العوالم ومن ثمَّ على موقع الإنسان فيها. -4/ 1/ 1- عوالم الخلق: عوالم الخلق ثلاثة ([311]): أ- عالم الملك: وهو عالمنا الجسماني الذي نعيش فيه الآن، والذي تتكوّن فيه الموجودات - بما فيها الإنسان - من مادة وصورة. يقول السيد الطباطبائي: «... فتبين أن الجسم جوهر مركب من جزئين جوهريين: المادة التي إنيتها قبول الصور المتعلقة نوع تعلق بالجسم والأعراض المتعلقة بها، والصورة الجسمية» ([312]). بمعنى أنّ المادة هي عدم قابل للوجود. وأما الصورة فهي الجزء الذي يشخّص المادة ويعيّنها. ولتقريب الفكرة أقول: إننا لو نظرنا إلى الأجسام في هذا العالم لوجدناها جميعاً تشترك في أنها من التراب، ولكن بعد عروض الصورة (صورة الإنسان وصورة البرتقال وصورة الطير، ... إلخ) عليه تتشخّص الأجسام وتتعيّن، بل إنّ التراب نفسه ما هو إلا صورة تعرض على المادة وتشخّصها بتلك الهيئة. ب- عالم الملكوت: وهو عالم مثالي مجرد عن المادة، شبيه بما يراه النائم، وهو أشرف من عالم الملك ومهيمن عليه. جـ- عالم العقل: وهو عالم كلي، لا تنافي بين الموجودات فيه كما في عالمي الملك والملكوت، وهو أشرف منهما. وغاية الإنسان هي الوصول إلى هذا العالم الذي يستطيع فيه معرفة الله بدرجة عالية. ولهذا، ورد عن هشام بن الحكم عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (... يا هشام، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة)([313]). ثم إنّ عموم الناس دون استثناء فطروا من قبل ربهم الكريم على الوصول إلى عالم العقل، وتوحيد الله سبحانه بتلك المرتبة، ولكن أكثرهم ضيّعوا حظهم، وقليل منهم من وصلوا فتمّت عقولهم وكان لهم نصيب فيه، فبعثوا إلى الخلق بعد تمام عقولهم حيث عرفنا سابقاً أنّ تمام العقل أحد شروط الإرسال. -4/ 1/ 2- الإنسان أكرم المخلوقات وسيّدها في كل العوالم: حقيقة واضحة لا تكاد تخفى، تلك هي تفضيل الإنسان على بقية المخلوقات. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾([314]). روى الشيخ الطوسي بسنده: (... عن زيد بن علي، عن أبيه (عليه السلام)، في قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم" يقول: فضلنا بني آدم على سائر الخلق ...) ([315]). وقال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾([316]). يقول السيد أحمد الحسن (عليه السلام): [إنّ الموجودات المخلوقة؛ إما نور مشوب بالظلمة، وإما ظلمة مشوبة بالنور، بحسب الغالب عليها، الظلمة أو النور. ولكل موجود مخلوق مقام ثابت لا يتغير، إلا المكلفين كالإنس والجن فلكل واحد منهم الاختيار أن يقترب من النور بالطاعة لله سبحانه حتى يصبح نوراً مشوباً بالظلمة وكلٌ بحسبه. أو أن يقترب من الظلمة بمعصية الله سبحانه حتى يصبح ظلمة مشوبة بالنور، وكلٌ بحسبه. ويتميز الإنسان بأن له قابلية الارتقاء في النور حتى لا يدانيه ملك مقرب ويصبح فوق الملائكة، وأيضاً له قابلية التسافل في الظلمات حتى لا يدانيه إبليس (لعنه الله) وجنده الأرجاس: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ"] ([317])، انتهى. روى الشيخ الصدوق بسنده عن: (عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني، قال: علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (عليه السلام): يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك فإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ..... ثمّ إن الله تعالى خلق آدم (عليه السلام) وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون. وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال: تقدم يا محمد، فقلت: يا جبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم لأن الله تبارك وتعالى اسمه فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين وفضلك خاصة، فتقدمت وصليت بهم ولا فخر، فلما انتهينا إلى حجب النور قال لي جبرئيل (عليه السلام): تقدم يا محمد وتخلف عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمد إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله عز وجل لي في هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله، فزخ بي زخة في النور حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله عز وجل من ملكوته ...) ([318]). وروى بسنده أيضاً: (... عن ابن ظبيان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): اجتمع ولد آدم في بيت فتشاجروا، فقال بعضهم: خير خلق الله أبونا آدم، وقال بعضهم: الملائكة المقربون وقال بعضهم: حملة العرش، إذ دخل عليهم هبة الله فقال بعضهم: لقد جاءكم من يفرج عنكم فسلم ثم جلس فقال: في أي شيء كنتم؟ فقالوا: كنا نفكر في خير خلق الله فأخبروه، فقال: اصبروا لي قليلاً حتى أرجع إليكم، فأتى أباه فقال: يا أبت إني دخلت على إخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله فسألوني فلم يكن عندي ما اخبرهم، فقلت: اصبروا حتى أرجع إليكم فقال آدم (عليه السلام): يا بني وقفت بين يدي الله جل جلاله فنظرت إلى سطر على وجه العرش مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم محمد وآل محمد خير من برأ الله) ([319]). إذن، خير من خلق الله هو من جنس الإنسان، وليس من مخلوق آخر. وقال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([320]). يقول السيد أحمد الحسن (عليه السلام) في بيان الأجنحة: [الجناح المتعارف عندنا يستعمله الطائر ليرتفع ويرتقي في جو السماء، وكذلك الملائكة (عليهم السلام)، فهم بالأجنحة يرتقون في السماوات، وكلما زادت هذه الأجنحة زاد ارتقاؤهم وارتفعت مقاماتهم، وكل جناح بالنسبة للملائكة هو: اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى. فالملائكة مفطورون على معرفة بعض أسماء الله لا جميعها، كما هو حال الإنسان. فالملك الذي يعرف اسماً واحداً له جناح واحد يرتقي به، والذي يعرف اسمين جناحان، والذي يعرف ثلاثة أسماء له ثلاثة أجنحة، وهكذا] ([321])، انتهى. روى الكليني بسنده: (... عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: "فطرة الله التي فطر الناس عليها"؟ قال: التوحيد) ([322]). فالله سبحانه فطر الناس جميعاً على التوحيد كله، بمراتبه كلها، لا على شيء منه. إذا عرفنا هذا، صار بوسعنا معرفة السبب في اختيار الله سبحانه من جنس "الإنسان" مَنْ يكون خليفة له دون بقية مخلوقاته. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * ... قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾([323]). قال الشيخ المفيد: «فنبه الله سبحانه الملائكة على أن آدم أحق بالخلافة منهم، لأنه أعلم منهم بالأسماء وأفضلهم في علم الأنباء» ([324]). روى الشيخ الصدوق بسنده: (... عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام)، إنّ الله تبارك وتعالى لما أحب أن يخلق خلقاً بيده، ..... ثم قال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وأسفوا على الأرض ولم يملكوا غضبهم أن قالوا: يا رب أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام، لا تأسف ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك. فلما سمع الله عز وجل ذلك من الملائكة قال: إني جاعل في الأرض خليفة لي عليهم، فيكون حجة لي عليهم في أرضي على خلقي، فقالت الملائكة: سبحانك، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، وقالوا: فاجعله منا فإنا لا نفسد في الأرض ولا نسفك الدماء، قال جل جلاله: يا ملائكتي إني أعلم ما لا تعلمون إني أريد أن أخلق خلقاً بيدي أجعل ذريته أنبياء مرسلين وعباداً صالحين وأئمة مهتدين أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ينهونهم عن المعاصي وينذرونهم عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي، وأجعلهم حجة لي عذراً أو نذراً وأبين النسناس من أرضي فأطهرها منهم وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض لا يجاورون نسل خلقي ... فقالت الملائكة: يا ربنا إفعل ما شئت لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، فقال الله جل جلاله للملائكة: إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، وكان ذلك من أمر الله عز وجل تقدم إلى الملائكة في آدم (عليه السلام) من قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ...) ([325]). ثم إنّ ها هنا أمران: 1. إنّ تفضيل الإنسان على سائر مخلوقات الله لم يقتصر على عالمنا هذا الذي نحن فيه، وإنما هو تفضيل له في كل العوالم، كما أنّ سبب التفضيل واضح أيضاً وهو كونه مفطور على معرفة جميع أسمائه سبحانه. 2. إنّ التفضيل الذي اختص به الإنسان هو تفضيل بالقوة لا بالفعل، أي أنّ الإنسان عنده قابلية الارتقاء بشكل لا يدانيه ملك مقرب "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، وعنده أيضاً قابلية التسافل بشكل لا يدانيه إبليس (لعنه الله) في شيطنته "ثم رددناه أسفل سافلين"، ومن ثم فلما نقول: إنّ الإنسان أفضل المخلوقات وسيّدها فلا يعني أنّ كل إنسان هو أفضل من الملائكة - مثلاً - بالفعل، وإنما يعني أنّ لدى الإنسان قابلية للارتقاء والتكامل بنحوٍ أكبر من الملائكة، فإذا كانت الملائكة قد فطرت على معرفة بعض أسماء الله عزّ وجل فالإنسان مفطور على معرفة جميع أسمائه، ولذا اختار الله خليفته من جنس هذا المخلوق دون غيره. -4/ 1/ 3- الإنسان خليفة الله، فمن هو الخليفة الكامل ؟ بخصوص معنى الخلافة عموماً، قال ابن منظور: «واستخلف فلاناً من فلان: جعله مكانه. وخلف فلان فلاناً إذا كان خليفته»([326]). على ذلك، فإنّ معنى كون فلان "خليفة الله" هو أنه يقوم مقامه. يقول السيد أحمد الحسن (عليه السلام) في بيان معنى الخلافة: [المراد بالخليفة هنا هو مَنْ يقوم بمقام من استخلفه، ولذا فالملائكة تجدهم تكلّموا بالتسبيح والحمد والتقديس، (نسبحك، نحمدك، نقدسك) التسبيح أي التنزيه، الحمد هو الثناء، التقديس هو الطهارة. فمن يُسبِّح الله يطلب هو أن يُسبَّح، ومن يَحمِد الله يطلب هو أن يكون محموداً، ومن يُقدِّس الله يطلب هو أن يتقدَّس. فالملائكة قالوا لماذا لا تجعلنا نحن خلفاءك وخصوصاً أننا مثلك الآن مُسبَّحون محمودون مقدَّسون؛ لأننا سبّحناك وحمدناك وقدّسناك. إذن، فالخليفة ليس مجرد شخص تم اختياره عبثاً وحاشا الله، بل لابد من توفر صفة أساسية فيه وهي أن يكون صورة الله في الخلق، بدون أن يكون صورة لا يكون خليفة، لابد أن يكون كحد أدنى مُسبَّحاً محموداً مُقدَّساً، أو لنقل لابد أن يحمل الحد الأدنى من هذه الصفات. ولذا فالملائكة قالوا: هذا الذي تريد جعله خليفة ﴿يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾، إذن هو ليس مثلك، ليس مُسبَّحاً ولا محموداً ولا مُقدَّساً، كيف إذن تجعله خليفة ؟ هم استخدموا معرفتهم بالقانون الإلهي وعارضوه سبحانه وتعالى بقانونه، ولكن الذي وقعوا فيه هو خطأ في تشخيص المصداق، فهم حسبوا أنّ كلَّ روح يركّب بجسد من العالم الجسماني وتكون عنده الشهوات سيسقط فيها وترديه، ولكن الله نبّههم أني أعلم ما لا تعلمون. ما هو الذي يعلمه سبحانه وتجهله الملائكة وسيسبب خرق هذه المعرفة لدى الملائكة، وهي أنّ كل روح مخلوق يتصل بجسم مادي وتكون عنده شهوات ينشغل بها، ولا يكون مُسبَّحاً ولا محموداً ولا مُقدَّساً ؟ الذي يعرفه سبحانه وتعالى ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ بيّنه في الآيات الأخرى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ كلها، ليس بعضها فيقع من جهة جهله ببعضها، هذه المرة كلها، هذا المخلوق مؤهل لمعرفة كل الأسماء، ......] ([327]). وإذا عرفنا أنّ لخليفة الله (سواء كان نبياً، أو رسولاً، أو إماماً) كل هذا الدور المهم، نعرف حينها أنّ الإيمان به وتصديقه هو الدين كلّه: عن المفضل بن عمر أنه كتب إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) كتاباً فجاءه جوابه بهذا: (..... فأصل الدين معرفة الرسل وولايتهم. وأن الله عز وجل أحل حلالاً وحرم حراماً فجعل حلاله حلالاً إلى يوم القيامة، وجعل حرامه حراماً إلى يوم القيامة، فمعرفة الرسل وولايتهم وطاعتهم هي الحلال، فالمحلل ما حللوا، والمحرم ما حرموا، وهم أصله ومنهم الفروع الحلال ...... ثم أخبرك أن أصل الدين هو رجل، وذلك الرجل هو اليقين، وهو الإيمان، وهو إمام أهل زمانه، فمن عرفه عرف الله ودينه وشرائعه، ومن أنكره أنكر الله ودينه، ومن جهله جهل الله ودينه وشرائعه، ولا يعرف الله ودينه بغير ذلك الإمام، كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله ..) ([328]). ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل أنّ التأهيل لمعرفة كل الأسماء أمرٌ مودع في فطرة جميع الناس دون استثناء، أم أنه موجود لدى صنف خاص منهم - كالرسل مثلاً - ، بمعنى أنهم هم المؤهلون فقط لمعرفة كل الأسماء وبالتالي هم فقط من قُدَّر لهم أن يكونوا خلفاء لله سبحانه دون سواهم من الناس ؟ الجواب: إنّ المؤهل لمعرفة كل الأسماء هو الإنسان عموماً، فكل فرد منه خُلق واُودع فيه فطرة التوحيد وقابلية معرفة كل أسماء الله، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾([329]). روى الكليني بسنده: (... عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" قال: فطرهم جميعاً على التوحيد. ... عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: "حنفاء لله غير مشركين به" ؟ قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، "لا تبديل لخلق الله"، قال: فطرهم على المعرفة به، ...) ([330]). فطرهم جميعاً على التوحيد، وكذلك فطرهم جميعاً على المعرفة به. ولأنّ الناس فطروا جميعاً على معرفة الله، وهو سبحانه مطلق وغير متناهٍ من كلِّ جهة، فسيكون الإنسان - والحال هذه - المخلوق الأقرب إلى اللامتناهي بحسب فطرته، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إنّ الله سبحانه يتصف بأنه مختار لا يُلجئه أو يضطره شيء أبداً، وكذلك كان الإنسان (المخلوق الأقرب بحسب الفطرة إلى اللامتناهي) حيث أُريد له في عالم الامتحان أن يكون مختاراً، وبالتالي فسيتجه اختيار كلِّ إنسان باتجاه الارتقاء والتكامل أو الانحدار والتسافل، قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾([331]). وكما أنّ طرف الارتقاء والتكامل يكاد يكون غير متناهٍ حتى لا يداني الإنسان فيه الملك المقرب، فكذلك من جهة التسافل فإنه يكاد لا يقف عند حدٍّ بحيث لا يداني الإنسان في تسافله حتى إبليس (لعنه الله)، بل يمسي من يوجّه اختياره بهذا الاتجاه أضل من الأنعام سبيلاً، قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾([332]). هم "كالأنعام"؛ لأنهم اختاروا أن لا يعقلوا ولا يسمعوا، بل هم "أضل سبيلاً"؛ لأنّ الأنعام بحسب خلقتها لم تكن مؤهّلة لمعرفة ما أُهّل له الإنسان. إنّ تساوي الناس كلهم في الاستعداد والتأهيل لمعرفة كل الأسماء أمر تقتضيه الحكمة والعدالة الإلهية، ومن ثمَّ إذا قُدّر للناس خوض سباق التكامل والارتقاء في عالم الامتحان فسيكون الفائز منهم في السباق فائزاً باستحقاق وجدارة، كما أنّ الخسارة إن كان يُلام عليها أحد فهو الإنسان نفسه. إذا توضح هذا، أقول: إنّ مقام "الخلافة الإلهية" أمر أُودع في فطرة الإنسان (أي إنسان دون استثناء)، بمعنى أنّ مؤهلات إنسانٍ ما - كمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) وعيسى وموسى وإبراهيم ونوح (عليهم السلام) - وصيرورته خليفة لله موجودة في فطرة جميع الناس، وكان بوسعهم أن يكونوا مثلهم خلفاء لله، ولكن أكثر الناس اختارت أن لا تسمع ولا تعي ولا تعقل، بل اختارت الكفر والشرك والفسق والكذب، قال تعالى: ﴿أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾([333])، ﴿كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ﴾([334])، ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾([335])، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾([336])، ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([337])، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾([338])، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾([339]). وإذا كانت عوالم الامتحان - بما في ذلك عالمنا الذي نحن فيه - مضمارَ سباقٍ تتنافس فيه الخلائق، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ألا وإن اليوم المضمار وغداً السباق، والسبقة الجنة والغاية النار) ([340])، ولا يشذ عن ذلك التنافس والتفاضل أحد من الناس حتى رسل الله، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾([341])، فقد دلّت النصوص الدينية بشكل لا يقبل الشك أنّ الفائز في سباق الخلق بنحوٍ استطاع أن يستفيد من التأهيل الذي فُطر عليه (أي معرفة كل الأسماء) بالنحو الأتم والأكمل هو محمد (صلى الله عليه وآله)، فصار بحق سيد الأنبياء والمرسلين وسيد الكائنات طراً. قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾([342]). روى الكليني بسنده: (... عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن بعض قريش قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): بأي شيء سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ فقال: إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فكنت أنا أول نبي قال: بلى، فسبقتهم بالإقرار بالله عز وجل) ([343]). وروى الشيخ الصدوق بسنده: (... عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: خلق الله عز وجل مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي أنا أكرمهم على الله ولا فخر، وخلق الله عز وجل مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصي فعلي أكرمهم على الله وأفضلهم) ([344]). وروى الحاكم بسنده: (... عن جابر بن عبد الله قال: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: من أنا ؟ قلنا: رسول الله، قال: نعم ولكن من أنا ؟ قلنا: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر) ([345]). وبهذا يتضح: 1. إنّ الناس جميعاً متساوون من حيث الفطرة على معرفة جميع الأسماء الإلهية. 2. إنّ مقام الخلافة الإلهية مودع في فطرتهم جميعاً أيضاً، ولكنهم ضيّعوا حظهم ودسّوا ذلك التأهيل في التراب. 3. إنّ التفاضل بين الناس بما فيهم الرسل هو تفاضل معرفي، وأنّ التناسب بين المعرفة والرقيّ تناسب طردي، فبقدر ما يحسن الإنسان من المعرفة بأسماء ربه والتخلق بها يعلو مقامه، والعكس صحيح. 4. إنّ علمنا بأنّ "السابق" في عوالم الخلق جميعها هو محمد (صلى الله عليه وآله)، يضعنا أمام حقيقة أنه (صلوات ربي عليه) خليفة الله الكامل. كما يتضح أنه (صلى الله عليه وآله) الإنسان الكامل، فالتناسب بين مقام الخلافة الإلهي والإنسانية تناسب طردي أيضاً، وهو ما سيتضح أكثر الآن. -4/ 1/ 4- الإنسان الكامل (صورة الله): عرفنا أنّ الإنسان مفطور ومؤهّل لمعرفة جميع أسماء الله تعالى، وعرفنا أيضاً أنّ ذلك التأهيل لا يعني بالضرورة التحقّق بالفعل، فكما أنّ الإنسان مؤهل لمعرفة جميع الأسماء فهو أيضاً لديه قابلية الانحدار والتسافل بشكل لا يدانيه مخلوق آخر، وبالتالي فمن حيث النتيجة سيتجه الإنسان إلى أحد المسارين بعد اقتضاء إرادة الله سبحانه له أن يكون مخلوقاً مختاراً. ولما اتضح في البحث السابق أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) هو أفضل الخلق وخليفة الله الكامل، فهذا يعني أنه الإنسان الذي لم يترك منفذاً من منافذ التأهيل المعرفي الذي قُدّر للإنسان إلا وملأه بأتم صورة، وبعبارة ثانية: إننا إذا عرفنا أنّ العلم والعقل والمعرفة نور، وأنّ ما سوى ذلك ظلمة وجهل، فهذا يعني أنّ وجود محمد (صلى الله عليه وآله) قد مُلئ نوراً ولم يبقَ فيه من الظلمة مجال سوى ظلمة المحدودية والتناهي والفقر (الذي يمثل هوية المخلوق)، حيث قلنا إنّ الإنسان (كل إنسان) قُدِّر له أن يكون المخلوق الأقرب إلى ربه سبحانه، الغني المطلق واللامتناهي من كل جهة. هذا بالنسبة إلى قمة المسار التكاملي والإيجابي للخلق "أحسن تقويم"، وقد لاحظنا أنّ المتبوّء لذلك المقام هو مخلوق من جنس الإنسان، وهو محمد (صلى الله عليه وآله). وأما بالنسبة إلى أبعد نقطة في المسار التسافلي "أسفل سافلين"، فالمتوقع أن يتبوأ ذلك المقعد مخلوق من جنس الإنسان أيضاً، بل هو كذلك "ثم رددناه أسفل سافلين"، فإبليس (لعنه الله) وإن كان شره ليس قليلاً إلا أنّ فطرته - بعد كونه من الجن - لا تؤهله أن يكون الغاية القصوى في الانحدار والتسافل في مسار الخلق السلبي، وهذا بالضبط ما أشار له قول إبليس الذي حكته الآية الكريمة: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾([346])، فقوله يؤكد على أنّ هناك مخلوقاً أغواه (لعنه الله). ثم إنّ كان إبليس (لعنه الله) عدواً لابن آدم، فالنفس الإنسانية أشد عداوة، قال (صلى الله عليه وآله): (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) ([347]). ومن ثمَّ، فإذا قُدّر لمخلوق أن يتبوأ مقعد "أسفل سافلين" فهو بالتأكيد من جنس الإنسان أيضاً. وأما الإشارة له بـ "ما" في الآية، والتي تستعمل لغير العاقل كما هو معروف، فلأنّ وجود ذلك الإنسان قد مُلئ جهلاً وظلمة ولم يعد للعقل والتأهيل المعرفي المتقدم في ساحته مجال يُذكر، فكان جديراً بانطباق عنوان "الجهل" عليه تماماً ([348]). إنّ قصة العقل والجهل هذه، والتي يمثّلها مخلوقان من جنس الإنسان في مساري التكامل والانحدار كما رأينا، هي التي بيّنها الإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية التالية: روى الكليني بسنده: (... عن سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، قال سماعة: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، .....) ([349]). كما أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) يخبرنا - كما رواه الشيخ الصدوق بسنده عنه - عن النور الأول في الخلق، فيقول: (... قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي، إن الله تبارك وتعالى فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا. يا علي، لولا نحن ما خلق الله آدم (عليه السلام) ولا الحواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقها بتوحيده وتمجيده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظمت أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، ........ فبنا اهتدوا إلى معرفه توحيد الله عز وجل وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده. ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون ...) ([350]). وبالنتيجة فهناك صنفان من الخلق لم يسجدوا لآدم (عليه السلام)، أحدهما: العالون، الذين ما كان السجود لآدم (عليه السلام) إلا إكراماً لهم، وثانيهما: إبليس (لعنه الله) ومن سار بدربه، والصنفان أشار لهما قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾([351]). إنّ استكبار إبليس (لعنه الله) هذا، ما هو إلا تكرار لموقف "الجهل" الذي تكبّر ورفض مسايرة "العقل" في استجابته لأمر "أقبل" الإلهي والاقتداء به، كما أخبرنا عنه الإمام الصادق (عليه السلام)، إذ أن ورود لفظ "استكبرت" في الرواية والآية على حد سواء يكشف سبب غواية إبليس وتكراره لذات الموقف الصادر من "الجهل" في أول الخلق. وما بين الإنسان "أحسن تقويم" أو قل "النور الأول" أو "العقل الأول"، وبين الإنسان "أسفل سافلين" أو قل "الظلمة" أو "الجهل"، ترتّب الخلق كلهم، بحسب شدة القرب إلى أحد الإنسانيين في المسارين المتنافرين. وإذا أردنا أن نتصوّر المسألة بالأرقام والنسب المئوية، فيمكننا أن نقول: لنفترض أنّ لدينا خطاً مستقيماً طوله (100)، تمثل "نقطة النور المطلق" فيه نسبة (100 %)، كما تمثل "نقطة العدم" فيه رقم (0 %)، ولما كانت فطرة الإنسان هي أقرب ما تكون إلى اللامتناهي لأنه مفطور على معرفة كل أسماء الله كما عرفنا، فإنّ منتهى مسيره الإيجابي التكاملي سيمثل رقماً هو أقرب ما يكون إلى الـ (100) وستكون نسبة النور في وجوده عند ذلك المنتهى "سدرة المنتهى" تمثل نسبة هي أقرب ما تكون إلى الـ (100 %)، ولكن لا يمكن بحال أن تكون النسبة (100 %)؛ لأنّ الموجود الذي يتصف بأنه نور لا ظلمة فيه أبداً هو اللامتناهي المطلق فقط وهو الله سبحانه. كما أنّ مسيره السلبي التسافلي سيمثل رقماً هو أقرب ما يكون إلى الـ (0) وستكون نسبة النور في وجوده تمثل نسبة هي أقرب ما تكون إلى الـ (0 %)، ولكن لا يمكن أن تكون صفراً؛ لأنّ المفروض أنه موجود ومخلوق وليس عدماً محضاً. والآن، لو أردنا وضع اليد على الإنسان الذي مثّل مقام المنتهى في الكمال الإنساني، وهو محمد (صلى الله عليه وآله)، فسنكون بالحقيقة قد وضعنا أيدينا على الإنسان الكامل وخليفة الله الكامل، وكمال إنسانيته وخلافته تتضح من خلال معرفتنا بأنه المخلوق الذي استطاع أن يغطي كل مساحة التأهيل المعرفي الذي فُطِر الإنسان عليه، وبالتالي فمثل هذا الإنسان يكون بحق صورة ومثالاً أعلى لربه الذي فطره على المعرفة بكل أسمائه بأتم وجه. لذا، ورد عن تلك الصورة أنها محدثة مخلوقة، روى الشيخ الصدوق بسنده: (... عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يروون أن الله عز وجل خلق آدم على صورته، قال: هي صورة محدثة مخلوقة، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه، فقال: "بيتي" وقال: "ونفخت فيه من روحي")([352]). وحينئذٍ نستطيع إجابة هذا السؤال: كيف السبيل لنا نحن الفقراء المحدودين أن نعرف الله سبحانه مع أنه الغني المطلق غير المحدود ؟ الجواب: لا سبيل إلى ذلك إلا من خلال معرفتنا بالإنسان الكامل "صورة الله"، فمن يعرف الرحمة والعدل وغيرها من صفات الكمال بنسبة تفوق الـ (99 %) التي جسّدها محمد (صلى الله عليه وآله) في وجوده ليس بوسعه إلا أن يعترف بالعجز عن إدراك صفاته سبحانه التي تمثل نسبة الـ (100 %)، ومن ثم يكون هذا المخلوق الكريم هو السبيل إلى تعريف الخلق بربهم وتنزيههم إيّاه عن كل نقص، وهذا هو غاية التوحيد الحقيقي. -4/ 2: رسل الله وعودة الإنسانية المفقودة: في نقطة البحث هذه، نحاول الإجابة على أسئلة ثلاثة: 1. التفاوت بين الرسل أنفسهم، ما سببه وهل يُعدّ خسارة للأدنى مقاماً ؟ 2. جميع الخلق مدينون لمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) في حفظ إنسانيتهم، لكن كيف؟ 3. لو اخترنا أن نكون مثل محمد (صلى الله عليه وآله)، فهل نحتاج إلى بعث رسل ؟ -4/ 2/ 1- التفاوت بين الرسل خسارة للأدنى مقاماً: لا شك أنّ التفاضل بين الناس يكون بما يصدر منهم من أعمال ومواقف، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا نقول درجة واحدة إن الله يقول: "درجات بعضها فوق بعض" إنما تفاضل القوم بالأعمال) ([353]). كما لا شك أنّ كل عمل يصدر من الإنسان يستند إلى أساس معرفي ينطلق منه، ولذلك لا يقبل الله من الإنسان عملاً بدون معرفة. روى الكليني بسنده: (... عن حسين الصيقل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، ألا إن الإيمان بعضه من بعض) ([354]). فمن الواضح إذن، أنّ هناك تناسباً طردياً بين شدة معرفة الإنسان وجودة العمل الصادر منه، فلو فرضنا أنّ إنساناً يمتلك معرفة بمقدار (70 %) فبكل تأكيد ستكون جودة العمل بنفس النسبة أيضاً، وخلاصة الأمر أن الأساس المعرفي كلما كان أرقى كان العمل المستند إليه راقياً بنفس تلك النسبة، والعكس صحيح أيضاً. إذا عرفنا هذا، فإنّ التفاوت الموجود بين الرسل الإلهيين، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾([355])، مردّه بالنتيجة إلى درجتهم المعرفية. توضيح ذلك: إنّ جميع الرسل الإلهيين لا يقتصر حالهم على التأهيل لمعرفة كل أسماء الله فقط، بل كل واحد منهم لم يبعثه الله إلا بعد معرفته فعلاً بجميع الأسماء وتخلّقه بها، ومن ثمَّ تمام عقله الذي أهّله للبعث والإرسال كما عرفنا، ولكن التفاوت بينهم يحصل في كيفية التحلّي بكل اسم من تلك الأسماء والتي تنعكس بالنتيجة على أداء الرسول نفسه، فلو فرضنا كمثال أنّ "الصبر" اسم من تلك الأسماء وهو ليس بدرجة واحدة، وبالتالي فأكيد أنّ تجلّي هذا الاسم بنسبة (99 %) في شخصية رسول إلهي يكون أشد من رسول إلهي يتجلّى فيه "الصبر" بنسبة (98 %)، وتعد الدرجة الواحدة المفقودة خسارة بالنسبة للرسول الثاني إذا ما قيس حاله بالأول، ربما تراه يئن لفقدها طول حياته، وهكذا بالنسبة إلى سائر صفات الكمال والرقي. على هذا الأساس انقسم خلفاء الله بحسب مقاماتهم إلى: (أنبياء، رسل، أئمة). وهذه المقامات الإلهية الثلاث لم تكن لتُمنح للرسل بطريقة عشوائية (تعالى الله عن ذلك)، بل كانت وفق قانون إلهي حكيم، لا يتجاوز فيه المبعوث الإلهي مرتبة إلى أخرى أرفع قدراً إلا بعد اجتيازه مرحلة الاختبار التي يستحق بعدها منح المرتبة الأعلى، وهكذا إلى المرتبة الأعلى مقاماً وهي الإمامة كما عرفنا سابقاً. قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾([356]). وقد عرفنا أنّ هذا الامتحان كان بعد نبوته ورسالته ([357]). وعموماً، إنّ كلَّ رسول إلهي تجلّت فيه الأسماء الإلهية بدرجة أقل من رسول آخر، فإنه يرى نفسه مقصراً إذا ما قاس حاله بمن هو أعلى مقاماً منه، بل ويعتبر ذلك التفاوت خسارة حقيقية يلوم نفسه عليها ويئن لأجلها طول حياته ! إذا عرفنا هذا، يمكننا أن نعرف عمق اللوعة التي ينطوي عليها قلب أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يناجي ربه في دعائه، فيقول: (إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها فلها الويل إن لم تغفر لها) ([358]). فبالرغم من أنه (عليه السلام) أقرب الخلق مقاماً إلى خليفة الله التام والإنسان الكامل (صلى الله عليه وآله)، لذا صار نفسه ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾([359])، وبابه (أنا مدينة العلم وعلي بابها) ([360])، ولكنه يبقى يئن لذلك التفاوت، والذي يعتبره نظراً للنفس وتقصيراً يستعين على غفرانه بربه الكريم. وكذلك بالرغم من أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أقرب الخلق إلى مقام أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ولكنه بالنتيجة أقل مقاماً منه، إذن هو يعرف جيداً أنّ الفاصلة بينه وبين "الإنسان الكامل" ازدادت أكثر من أبيه، لذا نراه يقول في دعائه: (إلهي أخرجني من ذل نفسي، وطهرني من شكي وشركي، قبل حلول رمسي) ([361]). فهو (عليه السلام) يعتبر ذلك التفاوت شكّاً يستعين بربه الكريم على الخروج والطهارة منه. أما لماذا هذا الأنين والألم، والحال أنهم لا زالوا أئمة ورسلاً إلهيين كراماً يقتدي بهم جميع الخلق ممن هو دونهم مقاماً ؟ فلأنهم يعلمون تماماً أنّ وجود ذلك التفاوت بينهم وبين "الإنسان الكامل" وفقدانهم لتلك الدرجة، وإن كانت تكاد لا ترى من قبل من هو أدنى منهم ولكنها بالنهاية ملحوظة من قبل ربهم سبحانه ومن قبل الرسول الأعلى مقاماً (يا علي، ما عرفك إلا الله وأنا) ([362])، فحياؤهم منه تعالى ومن "الإنسان الكامل" يعتبرونه سبباً كافياً لتأنيب الضمير، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، إنهم يعلمون تماماً أيضاً أنّ فقدانهم لتلك الدرجة يعني فقدانهم لدرجة توازيها من التأهيل المعرفي الذي فُطر عليه الإنسان، والذي يستتبعه في نفس الوقت فقدانهم درجة من مقام الخلافة التامة والإنسانية الكاملة، ومن ثمَّ فلا يعتبرون أنفسهم - إذا ما قاسوا حالهم بالإنسان الكامل - أناساً كاملين بل شبيهين به، أي إنسان شبه كامل، وهذا "الشبه" سببه خسارة تلك الدرجة كما هو واضح، فحق لمن يكون مستوى تفكيره بهذا الرقي أن يئن ويتألم في مناجاته ودعائه. وفي نفس الوقت، يمكن اعتبار ذلك الأنين درساً معرفياً وعملياً في آنٍ واحد، ينتفع منه البشر جميعاً بما فيهم الأنبياء والرسل لتحسّس ألم التفاوت والفاصلة بينهم وبين "الإنسان الكامل"، ألم خسارة درجات ومراتب من إنسانيتهم الكاملة التي فُطروا عليها وتأهيلهم المعرفي الذي فُطروا عليه، فإن لم يكن بوسع الاعتبار إعادة ما فُقد من مراتب الإنسانية الكاملة فلا أقل يكون واعزاً في أن لا يطلق الإنسان لنفسه العنان ويسمح بزيادة الفاصلة والشرخ بصورة أكبر ومن ثمَّ يفقد المزيد من إنسانيته بسوء اختياره ! على هذا، فإنّ الإنسانية جمعاء مَدينة لمثل هذه الأنفاس والدموع الصادرة من علي وأبنائه الطاهرين (صلوات ربي عليهم)، رغم أنهم أقرب ما يكونون إلى "الإنسان الكامل" بل هم تربيته وأبواب معرفته. -4/ 2/ 2- جميع الخلق مدينون لمحمد وآل محمد في إنسانيتهم: إنّ النصوص الدينية أكدت أنّ محمداً وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) أكرم الخلق وأشرفهم طراً، وعلى ولايتهم دارت بعثة الأنبياء والرسل جميعاً، وهذه نماذج منها: روى الشيخ الصفّار بسنده: [1- ... عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث الله نبياً إلا بنبوة محمد وولاية وصيّه علي (عليه السلام). 2- ... عن أبي سعيد الخدري قال: رأيت رسول الله وسمعته يقول: يا علي ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعا أو كارهاً. ... 4- ... عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي وأخذ عهد النبيين بولاية علي (عليه السلام)] ([363]). وروى بسنده أيضاً: [1- ... عن عبد الأعلى قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما نُبّئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا عمّن سوانا. 2- ... عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما من نبي نُبّئ ولا من رسول أرسل إلا بولايتنا وبفضلنا عمّن سوانا. 3- ... عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما تنبّئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا عمّن سوانا. ..... 6- ... عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلا بها. 7- ... عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث الله نبياً قط إلا بها] ([364]). والروايات كثيرة. الآن، من طالع هذه النصوص وأمثالها وربطها بما تقدم، يمكنه أن يستفيد أمرين: أولاً: إنّ محورية "الإنسان الكامل" في البعث والإرسال الإلهي بادية بوضوح تام، كوضوح محوريته في عوالم الخلق الذي تقدم الكلام فيها. وأما التأكيد على ولاية الأئمة من آله (صلى الله عليه وآله)، فلأنهم رسلٌ منه، كما عرفناه في بحث ختم النبوة والإرسال "الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل"، وأنهم (صلوات الله عليهم) أقرب الخلق مقاماً إليه، وبابه إلى بقية الخلق بما فيهم الأنبياء والرسل. وثانياً: بعد توضح أفضلية محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) على جميع الخلق، فهذا يعني أنّ بقية الخلق مدينون لهم في التعلّم منهم والاقتداء بهم والتزود من معينهم في سير الإنسان التكاملي، ومن ثم إرجاع ما فُقد من مراتب إنسانية كان قد خسرها الإنسان بسوء اختياره، أو لا أقل الحفاظ على ما هو موجود منها وعدم التفريط بما تحت اليد منها. وإذا أردنا درساً عملياً بليغاً من "رسل الله" في هذا، فبوسعنا قراءة ما دار في رحلة موسى (عليه السلام) للقاء العبد الصالح (عليه السلام) والتعلم منه، ومع أنه من رسل أولي العزم ولكنه اعتبر أنّ إمضاء الحقب والسنين هائماً على وجهه أمرا يسيراً إن كانت نتيجته لقاء هذا العبد والتزود من علمه وإنسانيته الأرقى، قال تعالى حاكياً قوله (عليه السلام): ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾([365]). وكان سبب الرحلة، إشراف موسى (عليه السلام) على الهلاك إثر حديث نفسي تحدّث به، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (إن موسى صعد المنبر وكان منبره ثلاث مراق فحدث نفسه أن الله لم يخلق خلقاً أعلم منه، فأتاه جبرئيل فقال له: إنك قد ابتليت فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك فاطلبه، فأرسل إلى يوشع أني قد ابتليت فاصنع لنا زاداً وانطلق بنا ..... قال: فبينما هما يمشيان انتهيا إلى شيخ مستلقٍ معه عصاه، موضوعة إلى جانبه وعليه كساء إذا قنع رأسه خرجت رجلاه وإذا غطى رجليه خرج رأسه، قال: فقام موسى يصلي وقال ليوشع: احفظ علي، قال: فقطرت قطرة من السماء في المكتل فاضطرب الحوت، ثم جعل يثب من المكتل إلى البحر، قال: وهو قوله: "فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً"، قال: ثم إنه جاء طير فوقع على ساحل البحر ثم أدخل منقاره فقال: يا موسى ما اتخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر. قال: ثم قام يمشي فتبعه يوشع، قال: موسى وقد نسي الزبيل يوشع، قال: وإنما أعيا حيث جاز الوقت فيه فقال: "آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً" إلى قوله: "فِي الْبَحْرِ عَجَباً"، قال: فرجع موسى يقفي أثره حتى انتهى إليه وهو على حاله مستلقٍ، فقال له موسى: السلام عليك، فقال: وعليك السلام يا عالم بني إسرائيل، قال: ثم وثب فأخذ عصاه بيده قال فقال له موسى: إني قد أمرت أن أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً فقال كما قص عليكم: "إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً") ([366]). وفي نص آخر، يخبرنا الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً عن حال موسى (عليه السلام)، فيقول: (... حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز وجل خلق خلقاً أعلم مني، فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل: يا جبرئيل أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، وقل له إن عند ملتقى البحرين رجلاً عابداً فاتبعه وتعلم منه، فهبط جبرئيل على موسى بما أمره به ربه عز وجل فعلم موسى أن ذلك لما حدثت به نفسه ...) ([367]). موسى (عليه السلام) إذن حدّث نفسه: "لم يخلق خلقاً أعلم مني"، ومثل حديث النفس هذا أكيد أنه لا يخطر في بال "الإنسان الكامل" ولا في بال الأقرب مقاماً إليه بعد أن كانت ولايتهم (صلوات الله عليهم) المحور الذي تدور حوله بعثة الأنبياء والرسل جميعاً، لذا اعتبر مثل ذلك الخطور بلاء ابتلي به موسى (عليه السلام)، بل هلاك أحدق به. وأما سبب اعتباره هلاكاً، فلأننا عرفنا أنّ جميع الناس فُطروا على الوصول إلى مرتبة "الإنسان الكامل" وأنّ أي ابتعاد عنها تعدُّ خسارة لمراتب إنسانية كمالية بنسبةٍ ما، كما أنّ تلك المرتبة تتطلب التحلّي بجميع جنود العقل "الخمسة والسبعين" بالنحو الأتم والابتعاد عن جميع جنود الجهل ([368])، وواضح أنّ ما حدّث موسى (عليه السلام) به نفسه لا يقترب من التواضع الحقيقي "أحد جنود العقل"، وبالنسبة لرجلٍ إلهي مثل موسى (عليه السلام) فإنّ نفس الابتعاد عن جنود العقل والاقتراب من جنود الجهل - ولو على مستوى الحديث النفسي - يُعدُّ اقتراباً من الهلاك وابتلاء كبيراً. ولما كان هذا النبي الطاهر مع الله عز وجل (كيف، وموسى لا يأنف أن يتعلم من طائر يحمل الماء بظهر منقاره ليعرّفه مقدار علمه، كما رأيناه في الرواية أعلاه)، وفّر الله سبحانه له فرصة اللقاء بعبد صالح إلهي أعلم منه، فتعلّم منه ما شاء الله أن يتعلم، ومن ثمَّ بقي محافظاً على رصيده الإنساني الذي أهّله أن يكون أحد أنبياء أولي العزم، وبالتالي ابتعد عن الهلاك الذي كان قد أشرف عليه، فكان (عليه السلام) مديناً لربِّه الكريم ولذلك العبد الصالح المحمدي ([369]). فهل من سبيل لنا للاقتداء برسل الله الكرام للحفاظ لا أقل على ما تبقى لدينا من إنسانيتنا ! وأما بالنسبة إلى بقية الخلق من غير أنبياء الله ورسله، فقضية الاعتراف بالفضل لـ "الإنسان الكامل" ومن كان أقرب الخلق إليه مقاماً، أعني آله ورسله وأبوابه للخلق، المفروض تكون أوضح بكثير، فهم (صلوات الله عليهم) لم يكتفوا بالتحذير من جنود الجهل والترغيب في جنود العقل والتأكيد على التأهيل المعرفي الذي فُطر عليه الإنسان وبث مفردات المعرفة الإلهية التي تتصل جميعها بالرقي والكمال الإنساني، لم يكتفوا بتعليمها للخلق نظرياً فقط، بل جسّدوا ذلك كله أمامهم عملياً بأروع ما يكون وبما يتناسب تماماً مع مرتبة "الإنسان الكامل، وظله الذي لا يفارقه". وبالتالي فالبشرية جمعاء مدينة لأولئك المعلّمين الإلهيين. 4/ 2/ 3- هل تحتاج الإنسانية إلى رسل لو اختارت أن تكون محمداً ؟ محمد (صلى الله عليه وآله) الإنسان الكامل، وآله ظلّه الذي لا يفارقه كما عرفنا، والاقتراب منهم يعني اقتراب الإنسان من كماله الإنساني وتأهيله المعرفي الذي فُطر عليه، كما أنّ الابتعاد عنهم يعني ابتعاد عن الكمال الإنساني الذي فُطر عليه الإنسان، فصاروا بحق مقياساً إلهياً نستطيع أن نكتشف من خلاله مقدار الخسارة التي حلّت بنا ومقدار ما فقدناه من مراتب الكمال الإنساني "المنتهى" الذي أُهّلنا لنيله ولكنا لم نجدّ بتحصيله كما حصّله هؤلاء الصفوة الطاهرة من الخلق. ثم اقتضت رحمة الرب الكريم أن تقبل مساحة من التقصير في تحصيل مقام "المنتهى"، فكان أن اصطفى سبحانه ثلة من خلقه ممّن حفظوا الحد المقبول من الكمال الإنساني، وشملهم بمقام خلافته فعلاً فأرسلهم إلى بقية خلقه ممّن لم يحفظوا ذلك الحد. وبمقدار ذلك الحفظ، بل بمقدار الاقتراب إلى المقياس الإلهي المتقدم، أعني محمداً وآل محمد "منتهى الكمال الإنساني"، ترتّب سائر خلفاء الله، فكان الأقرب إلى سادة الخلق هو الخليفة الذي له مقام الإمامة، ثم من له مقام الرسالة، انتهاء بمن له مقام النبوة. وعلى هذا الأساس، كانت ولاية محمد وآله الكرام (صلوات الله عليهم) محور بعثة جميع الأنبياء والرسل الإلهيين كما عرفناه في النصوص المتقدمة، بل صار بوسعنا أن نعرف معنى الكثير من النصوص التي بيّنت فضلهم وتوسّل أنبياء الله الماضين إلى ربهم بهم، منها: روى الشيخ الصدوق بسنده: (... عن ابن عباس، قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، قال: سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ فتاب الله عليه) ([370]). وروى بسنده أيضاً: (... عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: "وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب الله عليه وهو أنه قال: "أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي" فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم) ([371]). ثم لو تجاوزنا مساحة صفوة الخلق "خلفاء الله" عموماً، لوجدنا أنه وبالرغم من شدة تنكّر الخلق، وخصوصاً البشر منهم، وعمق جفائهم للتأهيل الإلهي لفطرتهم في أن يكونوا الأقرب إليه سبحانه، لكن رحمة ربهم كذلك اقتضت أن تقبل مساحة من تقصير الناس وتفريطهم بتحصيل مقام "منتهى الكمال الإنساني" بشكل أوسع من سابقه، لتشمل هذه المرة أتباع خلفاء الله عز وجل والمصدّقين بدعوتهم ورسالتهم، فقد تفضّل عليهم ربهم بالنجاة بل ووعدهم بذلك، رغم اتساع رقعة الفاصلة بينهم وبين مقام الإنسان الكامل وظلّه، بل ومقام الرسل والأنبياء والأولياء ! بل لا يكاد ينقضي الذهول إن عرفنا الأكثر من ذلك، وأنّ فضله ورحمته سبحانه ربما استوعبت الناس ولم يشترط عز وجل أكثر من أن يرجعوا إليه وهم محتفظين بصورتهم الإنسانية ولو كانت بحالتها الدنيا، ولكن المهم بقاؤها صورة إنسانية. ولكن للأسف، حتى هذا لم يحفظه أغلب الناس وقرّروا تضييعه، واختار الكثير منهم أن يحشروا بين يديه سبحانه بصور أخرى، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾([372]). يقول السيد أحمد الحسن (عليه السلام): ["لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم": أحسن تقويم لا يعني الشكل والقدرة الجسمانية، أحسن تقويم أي أن الإنسان خلق على صورة الله، وصورة الله ليست جسمانية أو مثالية، صورة الله أي تجلي أسماء الله، فمعنى أن الإنسان مخلوق على صورة الله أي أنه مفطور ليُظهر أسماء الله في الخلق ويكون الله في الخلق، كل إنسان مؤهل ليكون هكذا، أهّلته روح القدس المتجلية في النفس الإنسانية، ولكن هناك من يضيعون حظهم فيعودون إلى أصلهم باختيارهم: "قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ" ([373]). هذه هي الحقيقة، الله أعطى الإنسان، كل إنسان، المفتاح الرئيسي الذي يفتح كل الأبواب والذي يثبت إنسانيته فيمكنه أن يفتح الأبواب واحداً بعد الآخر لينتقل من نور إلى نور أعظم منه حتى يصل إلى مواجهة النور الذي لا ظلمة فيه، ويمكنه أيضاً أن يلقي المفتاح إلى الأرض ويعود إلى حيوانيته وبهيميته والتي بها يمسي يساوي القرد كما في النص القرآني "وجعل منهم القردة" ! لا ظلم في ساحة الله، فالنار هي الدنيا لمن اختاروها وطلبوا الخلود فيها، فقط سيكشف الغطاء عنهم ليجدوها مشتعلة بأعمالهم وظلمهم وفسادهم، وملأتها عقارب حسدهم ووحوش أفكارهم وجرائمهم وحقائقهم الحيوانية البهيمية التي ستظهر لهم جلية فيعذب بعضهم بعضاً بتلك الحقائق الخبيثة عندما يكشف الغطاء. لا ظلم في ساحة الله، من طلب الخلود الدنيوي سيعطى أمنيته ويبقى حيث أراد فقط سيكشف عنه الغطاء ليرى الحقائق كما هي "لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ"([374]). الله عادل في كل شيء بل هو محسن وكريم إلى درجة لا يمكننا أن نفهمها وليس عادلاً فقط، لهذا فهو لا يؤذي أحداً بل أشد عقوبته هي أن يعطي الإنسان اختياره الذي عادة يكون فيه هلاكه الأبدي، لهذا فمعنى قوله تعالى: "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ" ([375])، وقوله تعالى: "قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ"، وقوله تعالى: "فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ" ([376]): أي انهم ألقوا المفاتيح من أيديهم وخسروا الروح الإنسانية التي بثها الله في أبيهم آدم (عليه السلام) وحثهم على تحصيلها، ولم تبقَ لهم إلا الروح الحيوانية، فعادوا إلى أصولهم حيوانات وبهائم لا يكادون يفقهون قولاً. وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "سألته عن علم العالم، فقال لي: يا جابر إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوة، وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، ثم قال: يا جابر هذه الأربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب" ([377]). فمن ليس فيه روح الإيمان أو من تسلب منه روح الإيمان تبقى له ثلاثة أرواح أو ثلاثة جهات للروح، وهذه هي نفس جهات أنفس الحيوانات فلا تكون له ميزة على القردة والخنازير، والحقيقة إنّ مسخهم هو عبارة عن عودتهم إلى أصولهم وحقائقهم التي لم يرغبوا الانتقال عنها واختاروا البقاء فيها بإرادتهم فخاطبهم الله في القرآن ابقوا كما أنتم قردة .....] ([378])، انتهى. روى الصفار بسنده: (... عن أبي بصير قال: حججت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلما كنا في الطواف قلت له: جعلت فداك يا بن رسول الله يغفر الله لهذا الخلق؟ فقال: يا أبا بصير إنّ أكثر من ترى قردة وخنازير، قال قلت له: أرنيهم، قال: فتكلم بكلمات ثم أمرّ يده على بصري فرأيتهم قردة وخنازير، فهالني ذلك ثم أمرّ يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرة الأولى، ثم: قال يا أبا محمد، أنتم في الجنة تحبرون وبين أطباق النار تطلبون فلا توجدون، والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة، لا والله ولا اثنان، لا والله ولا واحد) ([379]). وقد يخطر في بال من لا يعرف قدر "رسل الله" وحقيقتهم أنّ الدافع أناني وحاشاهم، وأن مخاطبة الإمام (عليه السلام) لأبي بصير وأمثاله بعدم اجتماعهم في النار سببه أنهم من شيعته. لا والله، فمن اختار أن يكون في قمة الكمال الإنساني بإخلاصه وورعه وصبره فإنه أبعد ما يكون عن "الأنا" سيدة الرذائل، وإنما السبب الذي يصرّ عليه سادة الخلق هو أنّ اتباع نهج "الإنسان الكامل" يحفظ للإنسان صورته الإنسانية بكل تأكيد كحد أدنى، كما يفتح أمامه أبواب العروج لنيل مراتب الكمال الإنساني التي لا تقف عند حد إلا حيث تكون أقرب ما تكون إلى اللامتناهي، كما عرفنا. إذا عرفنا هذا، دعونا الآن نسأل هذا التساؤل المهم: ماذا ستكون النتيجة لو كان جميع الناس قرّروا الاستفادة من كل التأهيل المعرفي الذي فُطروا عليه، واختار كل واحد منهم أن يكون إنساناً كاملاً ؟ النتيجة المذهلة هي: عدم حاجة الإنسان إلى الإرسال والبعث الإلهي أصلاً. ويمكننا أن نتصور النتيجة عبر بيان إجمالي لسلّم ترتّب الخلق بحسب قربهم من "الإنسان الكامل": (الإنسان الكامل) 1. مـحمــد (صلى الله عليــه وآلـه) ص 2. آل مـحــمـــد (عليهـم الســلام) ص 3. بقية أولي العزم (عليهم السلام) ص 4. بقيـة الرســـل (عليهم السـلام) ص 5. الأنبيــــاء (عليهم الســــــلام) ص 6. المؤمنـــــون بخلـفــــــــاء اللـــه ص 7. المعترضـــون على خلفـــــاء الله - (مخطط إجمالي يبين حال الناس بحسب قربهم من الإنسان الكامل) - الآن لو أردنا الزحف باتجاه مقام "الإنسان الكامل"، وافترضنا أنّ المعترضين (الصنف الأخير، وهم الجمهور العريض من البشرية) اختاروا الإيمان بخلفاء الله، فالنتيجة ليس فقط قطع عذر المعترضين الذي كان سبباً في بعث الخلفاء الإلهيين وإرسالهم كما تقدم، بل وليس فقط التخلص من الاعتراض نفسه الذي كان سبباً في إيلام خلفاء الله وقتلهم وتشريدهم بل وغيبتهم وحدوث أزمنة الفترات كما لاحظناه سابقاً، وإنما ستكون النتيجة أيضاً حفظ الحد الأدنى من الإنسانية بالنسبة لجميع الناس بما يضمن لهم النجاة. ولكن افتراض زحف هذا الصنف لا يتسبّب بانتفاء الحاجة إلى بعث خلفاء الله بكل مقاماتهم، وقد أشارت بعض الروايات إلى أنّ عددهم يصل إلى (124,000) نبي. ثم لو استمر زحف البشرية باتجاه "الإنسان الكامل" أكثر، واختار المؤمنون بخلفاء الله أن يكونوا جميعاً أنبياء بأتم درجات النبوة، فالنتيجة التي يمكن تصورها ستتلخص بتقليل معاناة وألم الرسل الإلهيين بشكل كبير (بعد افتراض كون الجميع أنبياء)، إضافة إلى حصول البشرية على حظ وافر من الكمال الإنساني بنوال كل فرد منها على نعمة تمام العقل، حيث عرفنا سابقاً أن واحدة من شرائط النبي وفور عقله وتمامه. إضافة الى أمر آخر - وهو المهم - هو انتفاء الحاجة إلى بعث خلفاء إلهيين بمرتبة النبوة مع بقاء الحاجة إلى بعث خلفاء إلهيين بمرتبة الرسل، وقد أشارت بعض الروايات إلى أنّ عددهم هو (313) رسولاً إلهياً. وسيكون حال البشرية أفضل بكثير أيضاً لو استمر الزحف أكثر باتجاه "الإنسان الكامل"، وافترضنا أنّ بقية الناس اختاروا أن يكونوا رسلاً، إذ لا يعودوا حينها بحاجة إلى بقية الرسل باستثناء رسل أولي العزم ومن فوقهم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) بكل تأكيد، ومعلوم أنّ بقية رسل أولي العزم - إن استثنينا محمداً وآله - هم أربعة فقط. وأما لو استمر الزحف أكثر باتجاه "الإنسان الكامل" واختارت البشرية أن تكون كلها كأولي العزم من الرسل، فرقيّ البشرية وعظم إنسانيتها حينها يكاد لا يوصف، والنتيجة هي عدم الحاجة إلى بعث رسل إلهيين غير محمد وآل محمد وهم 12 إماماً و12 مهدياً الذين ضمتهم وصية جدهم (صلى الله عليه وآله) ليلة وفاته ([380]). ثم إننا لو نظرنا إلى مقامات سادة الخلق، وعرفنا أنّ "الإنسان الكامل" هو محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم الأقرب له علي وفاطمة (عليهما السلام)، ثم بقية أصحاب الكساء أعني الحسنين (عليهما السلام)، ثم الأئمة التسعة من ولد الحسين (عليهم السلام)، والإمام المهدي (عليه السلام) أفضلهم، ثم المهديون الاثنا عشر (عليهم السلام)، وكل ذلك أوضحته الروايات الشريفة، وافترضنا استمرار الزحف باتجاه "الإنسان الكامل" فبالنتيجة لا يبقى هناك حاجة للإرسال، إذ لو كان المهديون (عليهم السلام) اختاروا ما اختاره آباؤهم الثمانية من ولد الحسين (عليهم السلام)، ثم اختار الجميع ما اختاره الإمام المهدي (عليه السلام) لكان الحجج الإلهيون يتجسّدون بخمسة فقط لا غير، وهم أصحاب الكساء. ثم لو اختار الجميع ما اختاره الحسنان (عليهما السلام) لتجسّدت الحجية بثلاثة لا غير (وهم أركان الهدى الأعظم: محمد وعلي وفاطمة)، ولو اختار جميع آل محمد ما اختاره علي وفاطمة (عليهما السلام) لكان الرسول الإلهي واحداً لا غير، وهو محمد (صلى الله عليه وآله)، وأما لو اختار علي وفاطمة وأبناؤهم الطيبون (عليهم السلام) ومن ورائهم الناس أجمعون ما اختاره محمد (صلى الله عليه وآله) لكان محمد هو البداية والنهاية، ولم يكن هناك رسل ولا بعث إلهي أساساً. أعتقد صار بوسعنا الآن معرفة معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): "الحجة قبل الخلق"، حيث روى الكليني بسنده: (... عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الحجة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق) ([381]). فالحجة قبل الخلق، لأن "الانسان الكامل" ومعدن الطهر والنور محمد (صلى الله عليه وآله) سبق الخلق طراً، وكان هو المخلوق الأول، الذي ملأ التأهيل المعرفي والإنساني - الذي فُطر عليه الإنسان عموماً - صفحة وجوده، وبذلك صار حجة على كل من هو دونه، ليحتل موقع الريادة في تعريف الخلق بربهم، وكذلك تعريفهم بمقدار ما خسروه من تأهيلهم المعرفي والإنساني، كلٌّ بحسبه. -4/ 3: البشرية بين رسولين: واضح أنّ عدد الرسل الإلهين كثير كما عرفنا، لكني أقصد بالتحديد المذكور في العنوان: المبدأ والمنتهى، فالإنسانية شقّت طريقها برسول إلهي وستختم مسيرتها على هذه الأرض برسول إلهي أيضاً. وبخصوص البداية، فالحديث مرة يكون عن وجود الإنسان على هذه الأرض، وأخرى يكون عن ابتداء عهد البعث والإرسال الإلهي، فالكلام إذن في أمرين: -4/ 3/ 1- متى ابتدأت البشرية عهدها على هذه الأرض، وكيف ؟ أجاب علماء الأديان عن السؤال واعتبر أغلبهم - بل هو الرأي الرسمي لديهم - أنّ البشرية ابتدأت بالإنسان الأول على هذه الأرض وهو آدم (عليه السلام)، الذي نحته الله دفعة واحدة كأول جسم إنساني على الأرض، وأنّ الفترة الزمنية كانت بحدود (6000 - 7000 عام ق. م) فقط. وهو ما أثار سخرية علماء الأحياء والطبيعة بشكل عام، باعتبار أن الحقائق العلمية المكتشفة وخصوصاً في الفترة الأخيرة أثبتت وبشكل قطعي تطوّر الكائنات الحية على الأرض بما فيها الإنسان عبر ملايين السنين حتى وصلت إلى صورتها الحالية. وفي الحقيقة، إنّ من يريد معرفة نظرية التطور وأدلتها العلمية سواء كانت أحفورية أو جينية أو تشريحية وغير ذلك، والمقبول في التطور من غير المقبول، و كذا معرفة أقوال علماء الدين فيها، الذين لم يحسنوا حتى فهمها فضلاً عن انتظار تقييم ديني صحيح منهم لها، ومناقشة أقوالهم، وغير ذلك من المسائل المتصلة بوجود الإنسان على هذه الأرض وكيفية خلق آدم (عليه السلام) وبعثه وإرساله، فعليه بقراءة كتاب "وهم الإلحاد" للسيد أحمد الحسن. وأكتفي هنا بنقل بعض الحقائق العلمية والدينية التي ذكرها السيد أحمد الحسن (عليه السلام) عن آدم (عليه السلام) الذي يجمع بين العلم والدين من الكتاب المذكور، يقول: [ ........ - والتاريخ الأحفوري الذي يخص الإنسان يسجل بداية أشباه الإنسان أو الإنسان ذو الجسم المنتصب (الهومو اركتس) بتاريخ يعود إلى الوراء (2) مليون سنة تقريباً. - كما وتسجل الأحفوريات ظهور الإنسان العاقل (الهومو سابينس) قبل (200) ألف سنة تقريباً منشقاً عن الهومو اركتس أو إنسان هايدلبيرغ، ثم تكامل الهومو سابينس إلى شكله النهائي الحالي قبل (100) ألف عام تقريباً. - ثم يسجل علم الآثار بتتبع الأدوات ظهور المهارات لدى الهومو سابينس وهجرته بحدود (70) ألف سنة تقريباً، وهذا الهجرة كانت هجرة ناجحة أدت إلى انتشار البشر في كل الأرض، وقد كانت هجرة مجموعة صغيرة (منتقاة) عن طريق باب المندب في البحر الأحمر من أفريقيا إلى الجزيرة العربية. - عمر آدم الديني أو لنقل وجوده كإنسان يعيش على الأرض يمثل رقماً بسيطاً أمام الإنسان الأرضي المكتشف علمياً، فبحسب النص التوراتي مثلاً يكون عمر آدم أو الإنسان على الأرض بحدود 6000 - 7000 سنة فقط. ..... أما بالنسبة للمرويات فهي قليلة في تحديد هذا التاريخ، وقد حدد بعض علماء السنة الفترة منذ آدم بحدود سبعة آلاف سنة. - وعموماً، علمياً الآن لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار أننا من الهومو اركتس، وهناك فرق كبير في حجم الدماغ والقدرات العقلية بيننا وبينهم، وبالتالي فآدم ليس من الهومو اركتس قطعاً، وهذا ينفي نفياً قاطعاً أن يكون آدم يعود للفترة التي سبقت وجود الهومو سابينس أي قبل (200) ألف عام، وأيضاً حتى هذه الـ (200) ألف عام منها أكثر من (100) ألف عام قضاها الهومو سابينس محصوراً في أفريقيا، وكان بدائياً في حياته ولم يكن يدفن موتاه، بل إن الهومو سابينس لم يكتمل كهيئة كاملة مطابقة للإنسان الحديث إلا قبل مئة ألف عام تقريباً، وبالتالي فآدم (عليه السلام) المذكور في النص الديني لا يمكن علمياً قد وجد جسدياً على الأرض إلا بعد تاريخ 100 ألف عام ق. م، ولكن في كل حال له امتداد تطوري إنساني يمتد ملايين السنين، وهذا يعني أنه ولد لأبوين حتماً. - البحث في تاريخ الهومو سابينس عن آدم (عليه السلام) الذي يمكن أن يتوافق مع النص الديني محصور في الفترة التي هاجرت فيها المجموعة المنتخبة من أفريقيا إلى الجزيرة العربية وما بعدها، أي منذ سبعين ألف عام تقريباً. - ... فإذا أردنا أن نقول: إنّ كل الموجودين على الأرض الآن هم من ذرية آدم الديني (عليه السلام) جسمانياً - عدا بعض قبائل أفريقيا - وأن آدم هو من ذرية المجموعة المهاجرة الأولى من أفريقيا، فلابد أن يكون آدم (عليه السلام) قد ولد من المجموعة المهاجرة في فترة زمنية بعد هجرتهم إلى الجزيرة العربية ثم انقرضت بقية المجموعة الصغيرة وبقي آدم وذريته وتكاثروا وهاجروا إلى بقية الأرض. - إن آدم الذي يجمع بين النص الديني والحقائق العلمية لم يكن قبل سبعين ألف عام بأي حال، بل بحسب بعض النصوص الدينية لابد أنه جاء من ذرية المجموعة المهاجرة من أفريقيا إلى الجزيرة العربية، وهذا نص ديني يبين أن تلك المجموعة الأفريقية من هومو سابينس أفريقيا كانوا يحجّون قبل مجيء آدم بألفي عام، أي أنهم أقوام مكلفة يعبدون الله بحسب وضعهم وإمكاناتهم وإدراكهم: عن زرارة، قال: "قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاماً فتفتيني، فقال: يا زرارة، بيت حُجَّ إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً" ([382]). إذن، فالحقيقية العلمية وهذا النص توصلنا إلى أن آدم ولد لأهل مكلفين من أولئك المهاجرين، ولكنهم كانوا من نوع نفسي دون مستوى آدم وولده. - نظرية التطور عبارة عن نظرية علمية، ولهذا فنحن عندما نورد نصوصاً دينية متوافقة معها فهذا لا يعني أننا نريد إثبات التطور من خلال النص الديني، بل غاية ما نريد هو إثبات توافق النص الديني مع هذا الاكتشاف العلمي، وربما أيضاً إثبات أحقية الدين من خلال إثبات المعارف الغيبية التي احتواها النص الديني، حيث يمكن أن يقال مثلاً: إن القرآن ذكر التطور في قوله تعالى: "والله أنبتكم من الأرض نباتاً"، وفي حين لم يتمكن الإنسان من اكتشاف هذه الحقيقة العلمية إلا حديثاً، وبهذا تثبت أحقية القرآن وأحقية الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) من خلال إخباره الغيبي عن حقيقة علمية قبل أن تكتشف بأكثر من ألف عام، ومثله يمكن أن يقال في إخبارات آل محمد (عليهم السلام) حيث أخبروا قبل أكثر من ألف عام عن وجود النسناس أو أشباه الناس قبل وجود الإنسان، وهذه حقيقة علمية اكتشفت الآن، فبحسب البحوث الجينية ثبت وجود إنسان النياندرتال المختلف جينياً عن الإنسان الحديث، كما اكتشفت أحفوريات الهومو اركتس والهومو سابينس الأفريقي. - قوله تعالى: "وقد خلقكم أطواراً * ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً * وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً * والله أنبتكم من الأرض نباتاً" ([383]). "وقد خلقكم أطوراً": الطور هو الحالة المميزة المترقية، ... والأطوار: هي الحالات المتميزة المترقية والمرتفعة، وبهذا يكون معنى "وقد خلقكم أطواراً": إن الله خلقكم في الماضي الذي تحقق وانتهى ([384]) ومررتم بأحوال متعددة ومتميزة ومترقية، أي أطوار جسمانية مترقية تصاعدياً مررنا بها حتى وصلنا إلى جسم يمتلك آلة ذكاء فائق، وبالتالي أصبح مؤهلاً فاتصلت به نفس آدم (عليه السلام)، ولا يمنع أن تكون أطوار الترقي أنجزت خلال مليارات السنين حتى وصل الأمر إلى الجسم المناسب لنزول نفس آدم (عليه السلام) وبثها في فرد منه وهو في الرحم. "ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً": ألم تروا كيف: أي إذا أردتم معرفة كيف خلقكم أطواراً فهي مسألة تشبه مسألة السماوات، إذن فالأطوار إذا لم تتضح لنا سابقاً فهي تماماً كحال السماوات السبع التي تتميز بأن بعضها فوق بعض وبعضها أرقى من بعض رتبة، إذن هذه الآية أوصلتنا إلى نفس النتيجة السابقة وهي أن جسم آدم مر بأطوار ترقي كما أن السماوات تتدرج بأطوار ارتقاء وترقي. "والله أنبتكم من الأرض نباتاً": أظن أن هذه الآية لا تحتاج أي شرح لشدة وضوحها، فالآية تقول أنتم بذرة بذرت في هذه الأرض ونبتت وأنتجت. كالنبات أنبتكم الله، والنبات لا ينتج مباشرة بل يمر بأطوار ويترقى، فالبداية تكون بذرة صغيرة تبذر في الأرض وتسقى الماء، ثم تنبت نبتة صغيرة من البذرة والأرض والماء وتكبر هذه النبتة وتترقى ومن طور إلى طور حتى تكتمل وتبدأ بإنتاج الثمر، وهذا هو ما حصل معكم، خريطة الله الجينية بذرت في هذه الأرض وترقت حتى وصلت إلى منتهاها وحققت الغرض، وسيأتي إن شاء الله بيان كيف أن هذه الخريطة هي دليل واضح على وجود الله سبحانه وتعالى، وبهذا تكون نظرية التطور دليل على وجود الله سبحانه وتعالى وليس العكس. - قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" ([385]). "إن الله اصطفى آدم": بما أن آدم (عليه السلام) هو الإنسان الأول في السماء الأولى فلا يمكن أن يقال: إن نفسه اصطفيت؛ لأن الاصطفاء لابد أن يكون من مجموعة، فلا يمكن أن ينطبق هذا الاصطفاء إلا على الجسم الأرضي الذي اتصلت به نفس آدم (عليه السلام)، وهذا معناه أن هناك خلقاً أرضيين كانوا موجودين واصطفى الله جسم آدم من هؤلاء أشباه الناس، فالاصطفاء لا يكون إلا من المماثل، وآدم كجسم يشبه من ولد بينهم وكنفس آدمية أولى بثت بينهم يصدق عليه قول إنه اصطفي منهم، أما القول إن اصطفاء آدم من بقية المخلوقات فهذا كلام لا يستقيم، فما معنى أن تقول إنك اصطفيت فرداً إنسانياً من بين مجموعة من السباع والبقر والحمير ... إلخ، هل هذا كلام له معنى أو حتى ينطق به حكيم ؟!! - من المؤكد أن مسألة التطور بتفاصيلها لا يمكن أن تكون واردة في الروايات، ولكن هناك مؤشرات موجودة في الروايات تشير إلى مسألة التطور وتبين بوضوح أن آدم (عليه السلام) لم يكن المخلوق الأول ذو الجسم الإنساني الحالي، بل سبقه خلق يشبهون الإنسان الآدمي في أجسامهم ولكنهم لم يكونوا من ولد آدم (عليه السلام) أي أنهم سبقوا آدم (عليه السلام) وقد سمتهم الروايات بالنسناس وهو اسم قريب لتسميات مراحل التطور العلمية اليوم مثل: الهومو اركتس وإنسان النياندرتال وبعض علماء الأحياء يسميهم أشباه الناس. وما يهمنا أن هناك روايات كثيرة عن آل محمد (عليهم السلام) أكدت على هذه الحقيقة العلمية التي ظهرت أخيراً نتيجة الأحفوريات والبحوث العلمية الجينية، وهذا أمر يحسب لآل محمد (عليهم السلام) كدليل وحجة على من يريد أن يعرف الحقيقة، فمن أين عرف آل محمد (عليهم السلام) أن هناك أشباه ناس سبقوا وجودنا على الأرض إن لم يكن آل محمد (عليهم السلام) متصلين بالله سبحانه، وبهذا تثبت حجية آل محمد (عليهم السلام) لمن يطلب الحق ويثبت وجود الله الذي أخبروا عنه وبلغوا عنه ونقلوا عنه هذه الحقائق، وسأقتصر على بعض الروايات: عن محمد بن علي الباقر صلوات الله عليه: "لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله عز وجل أبا هذا البشر وخلق ذريته منه" ([386]). وهذه الرواية تبين أن الله خلق قبل آدم (عليه السلام) على الأرض سبعة أنواع من أشباه الناس على الأقل، وهم ليسوا من ولد آدم وسبقوا آدم (عليه السلام) على هذه الأرض. عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقاً بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة([387])، وكان من شأنه خلق آدم كشط عن أطباق السماوات قال للملائكة: انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم، قالوا: ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك. قال: فلما سمع ذلك من الملائكة قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) يكون حجة لي في الأرض على خلقي، فقالت الملائكة: سبحانك (أتجعل فيها من يفسد فيها) كما أفسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجان ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منا فإنا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونسبح بحمدك ونقدس لك، قال عز وجل: (إني أعلم ما لا تعلمون) إني أريد أن أخلق خلقاً بيدي واجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعباداً صالحين أئمة مهتدين واجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي وأجعلهم لي حجة عليهم وأبيد النسناس من أرضي وأطهرها منهم ........" ([388]). واضح في الرواية أن هناك أشباه ناس سبقوا وجود آدم على هذه الأرض، وهناك أمر مهم آخر في الرواية وهي أن الرواية تنص على أن آدم (عليه السلام) سينزل إلى الأرض ليكون حجة على أشباه الناس قبل أن ينتهي وجودهم على الأرض أو على الأقل لنقل قبل أن يغلب عليهم الوجود الآدمي الأخير المتمثل بذرية آدم (عليهم السلام) الذي نزل "إني جاعل في الأرض خليفة يكون حجة لي في الأرض على خلقي ..... وأبيد النسناس من أرضي وأطهرها منهم". ومن المؤكد أن أول نزول آدم (عليه السلام) إلى هذه الأرض لا يوجد خلق أرضيون مدركون ليكون حجة عليهم ويهديهم إلى عبادة الله إلا النسناس (أشباه الناس)، وهذا يعني أن آدم نزل قبل أن ينتهي وجود النسناس (أشباه الناس) أو يغلب عليهم الوجود الآدمي الأخير، وهذا معناه أن آدم خلق كفرد منهم وولد جسمه منهم واتصلت نفسه المخلوقة من الطين والنفخ ([389]) بهذا الجسم ولكنه لم يكن بنفس مستواهم الوجودي، فهو مثّل نقلة جديدة للوجود المفكر والمدرك والمكلف على الأرض، أما إنذاره لأشباه الناس وتبليغه لهم مع أن درجتهم الوجودية دونه فهو كإنبائه للملائكة بالأسماء والملائكة درجتهم الوجودية والمعرفية قطعاً دون آدم (عليه السلام). وهذه المسألة تؤكدها بعض الروايات التي تدل على وجود نبي وقوم متخلفين من جهة المعرفة الدينية، بل وليس لديهم حتى ألف باء الدين ويبلغهم هذا النبي بأوليات الدين، ولا مانع أن يكون مصداقها آدم (عليه السلام): عن الحسن بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: "إن الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت فقلت: وما العلة في ذلك؟ فقال: إن الله عز ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته فقالوا: إن فعلنا ذلك فما لنا فو الله ما أنت بأكثرنا مالاً ولا بأعزنا عشيرة، فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة وإن عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا: وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟ فقال: إذا متم فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً، فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً فأحدث الله عز وجل فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال: إن الله عز وجل أراد أن يحتج عليكم بهذا هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان" ([390]). وأول الخلق المذكور في الرواية ينطبق على آدم (عليه السلام) وبالتالي فالقوم الذين رافقوه في هذه الرواية هم بعض أشباه الناس الذين سبقوا آدم (عليه السلام). أيضاً: الرؤيا في النوم واليقظة هي طريق الوحي للأنبياء فلابد أن تكون الرؤيا قد بدأت مع أول الأنبياء (عليهم السلام) وهو آدم (عليه السلام) ] ([391]) انتهى. والخلاصة التي نريد أن ننتهي إليها: إنّ بداية الإنسان كجسم يمتلك آلة ذكاء ومستعد للتكليف وحمل رسالة الله على هذه الأرض لم يكن ليحصل بين ليلة وضحاها أو أنه أمر حصل دفعة واحدة، بل مر بعدة أطوار، وكان أحد تلك الأطوار أشباه الناس أو النسناس الذين سبقوا وجود الإنسان على هذه الأرض، بل من اطلع على أطوار سير الخلق منذ لحظة الحياة الأولى على هذا الكوكب يرى أنّ البذرة الأولى التي بذرها الله على هذه الأرض وما تلاها من أطوار الخلق كانت قد كدحت كدحاً شديداً وفق تخطيط المقنّن الحكيم لها حتى وصلت - بإذن الله - إلى الجسم الإنساني المنتصب الذي يحمل آلة ذكاء فائق، المخلوق الذي أُريد له أن يكون محور هذا الكون كما كان محور عوالم الخلق العليا، إذ صار بوسعه الآن حمل الرسالة الإلهية والمثل العليا والوصول إلى التأهيل المعرفي الذي فُطر عليه والتحلي بجميع أسماء الله سبحانه في هذا العالم. -4/ 3/ 2- بداية عهد البعث والإرسال الإلهي على الأرض: لا شك أنّ بداية عهد البعث والإرسال الإلهي للمكلّفين الذين اختاروا حمل الأمانة والرسالة الإلهية ([392]) ابتدأ ببعث آدم (عليه السلام) إلى الأقوام الذين بعث فيهم واصطفاه الله سبحانه من بينهم، وما يفترق به آدم (عليه السلام) عنهم ينحصر بأحد أمرين: - إما هيئته الجسمانية. - أو رقيّ نفسه ومستوى تفكيره وإدراكه. ولا أعتقد أنّ عاقلاً يرى أنّ ما ميّز آدم (عليه السلام) عن بقية مَنْ بُعث فيهم هو هيئته الجسمانية، وأن لديه مثلاً عضواً إضافياً أو جينة انفرد واختص بها دونهم، فالمعروف علمياً ([393]) أنّ الإنسان لديه (46) كروموسوماً أو لنقل (23) زوجاً من الكروموسومات في حين لدى بقية القردة العليا (24) زوجاً، كما أننا سمعنا في البحث السابق أنّ وصول الإنسان (الهومو سابينس) إلى شكله الحالي خلال الـ (100) ألف عام الأخيرة أمر مقطوع به علمياً، وآدم (عليه السلام) كفرد إنساني أكيداً أنه لا يختلف عن بقية أفراد جنسه في هذا الجانب "الجسماني". وأما تسمية من سواه بـ (أشباه الناس) كما عرفنا، فهو في الحقيقة يشير إلى الأمر الثاني، بمعنى أنّ آدم (عليه السلام) لديه رقي نفسي ومستوى من التفكير والإدراك أرقى ممّا لدى البقية الذين وصلوا بطبيعة الحال إلى مرحلة التأهيل لإدراك دعوته ورسالته الإلهية، لذا صار حجة عليهم وابتدأ معهم رحلة الدعوة إلى الله والمثل الإنسانية الراقية، ولذا أيضاً يمكن اعتبار مجيئه يمثّل نقلة نوعية في تاريخ هذا المخلوق (الإنسان) على هذه الأرض بحيث يكون مجيء آدم (عليه السلام) وبعثته النقطة الفاصلة والفارقة بين ما كان قبله وما كان بعده. وإذا تساءلنا: كيف عاش آدم (عليهم السلام) مع جماعة من البشر دون مستواه في الرقي النفسي والفكري، ثم أين ذهب هؤلاء الجماعة ؟ فإنّ السيد أحمد الحسن (عليه السلام) أجاب هذا السؤال، وقبل إجابته كان قد أوضح قصة خلق آدم (عليه السلام) الحقيقية وبداية خلق الإنسان ذي الأصل السماوي ثم نزوله إلى الأرض لأداء الامتحان، وأن بداية خلق آدم كانت كنفس في السماء الأولى ثم اتصالها بجسده المتطور عمّن سبقه في هذا العالم، كل هذا أوضحه السيد أحمد الحسن في الفصل الثالث "التطور سنّة إلهية" من كتاب "وهم الإلحاد"، ثم أجاب السؤال المطروح وقال: [يجب معرفة أنّ الجسم لتتصل به نفس آدم لابد أن يكون مستعداً لاستقبالها، وبالتالي فلابد أن يكون الدماغ مناسباً كمّاً وكيفاً، فحجم الدماغ لابد أن يكون كافٍ للتفكير والإدراك والتعقل بالصورة المناسبة أي بمعدل حجم (1400 مل) تقريباً كأدمغتنا، وكذا الأمر بالنسبة للكيف فلابد أن يكون هذا الحجم قد تطورت خلاياه وتركيبته وقشرته بصورة مناسبة أيضاً. فلو كان الأمر كذلك بالنسبة للمجموعة التي ولد فيها آدم (عليه السلام)، إذن فهي قطعاً جماعة مفكرة ولديها قدرة على الإدراك وحتى للتفاهم فيما بينهم، وبالتالي فيمكن أن يكون آدم (عليه السلام) كنبي بعث في قوم من خلق الله بعد أن أصبحت لديهم الأهلية على معرفة الله بالمستوى الرسالي الذي بعث فيه آدم، فنزلت نفس آدم (عليه السلام) واتصلت بجسد ودعاهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى. ثم إنّ آدم وزوجته ومن آمن معهم اعتزلوهم كما فعل إبراهيم (عليه السلام) عندما اعتزل وزوجته عن قومه وهجرهم بعد أن دعاهم إلى الله وأنكروا عليه، ومن ثم شاء الله أن يغلب آدم (عليه السلام) وذريته ومن نصروه على هذه الجماعة وتنقرض هذه الجماعة ولو بعد فترة من الزمن. في زمن نوح (عليه السلام) مثلاً بعد أن حققت هذه الجماعة حماية نوعية لآدم (عليه السلام) وذريته فترة من الزمن، والقرآن يقول: إنّ الله اصطفى آدم (عليه السلام) أي اصطفاه من مجموعة "إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" ([394])، والروايات دلت على أنّ هناك نبياً بعث في قوم لم يعرفوا بعض الأمور الروحية قبله ولم يعرفوا طريق شهادة الله لخليفته في أرضه وهو طريق الرؤيا المذكور في القرآن، والأصح انطباق هذا الأمر على قوم سبقوا بعث الأنبياء من ولد آدم، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا إلا قوماً بعث فيهم أول الأنبياء من جنسنا الإنساني وهو آدم (عليه السلام): عن الحسن بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: "إن الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت فقلت: وما العلة في ذلك؟ فقال: إن الله عز ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته فقالوا: إن فعلنا ذلك فما لنا فو الله ما أنت بأكثرنا مالاً ولا بأعزنا عشيرة، فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة وإن عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا: وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟ فقال: إذا متم فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً، فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً فأحدث الله عز وجل فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال: إن الله عز وجل أراد أن يحتج عليكم بهذا هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان" ([395]). واضح من الرواية أنّ القوم المذكورين لا يعرفون شيئاً عن الاتصال الروحي بالسماء ولو كانت لديهم ديانة وعبادة فهي بمستوى دون المستوى الآدمي الذي نعرفه بينما آدم نبي وذريته يعرفون هذه الأمور ويتوارثونها بينهم، فمن المستحيل أن لا يعرف قوم من بني آدم بالرؤيا ولو حتى إجمالاً ولا يعرفون بالجنة والنار ولو إجمالاً، وأنّ هناك من دعا لها وهو آدم والأوصياء، وهذا يجعل الأمر منحصراً بآدم وأنّ القوم الذين دعاهم هم قوم لأول مرة يُدعون لعبادة الله سبحانه بحسب المنهج الديني الآدمي. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى قال: "إني جاعل في الأرض خليفة" يكون حجة لي في الأرض على خلقي ......... وأبيد النسناس من أرضي وأطهرها منهم"] ([396])، انتهى. إنّ بعثة آدم (عليه السلام) والأوصياء الأوائل من ذريته بالحقيقة بوسعها أن تكشف السر في القفزة الثقافية التي ظهرت فجأة في بضعة الآلاف الأخيرة من السنين من حياة الإنسان على هذه الأرض، والتي تمثل تنظيماً راقياً للحياة المتمدنة كقوانين العقوبات والقراءة والكتابة وما شابه، إضافة إلى اعتماد الإيثار الحقيقي غير المبني على الأنانية الجينية. يقول السيد أحمد الحسن (عليه السلام): [هناك مجموعتان إنسيتان نجحتا في المرور عبر مئات آلاف السنين الأخيرة وقد تفرعتا عن الهومو اركتس الأفريقي وهما: النايندرتال الأوربي ومجموعة الهومو سابينس الصغيرة التي هاجر بعضها عن طريق باب المندب ومن ثم ملأت العالم، وبينما نجد النايندرتال يملك معدل حجم دماغ أكبر من الهومو سابينس ولكنه لم يتطور حضارياً ولا ثقافياً كما حصل مع مجموعة الهومو سابينس ....... فما الذي دخل في معادلة تلك المجموعة الصغيرة المهاجرة عن طريق باب المندب، ما الذي طرأ على تلك المجموعة المصطفاة لتنتج جيلاً تمكّن أن يملأ الأرض ؟ يمكن أن يفترض أي شخص أي فرض يحلو له لإجابة هذا السؤال، ولكن الحقيقة إنه لا يوجد أي تفسير علمي حقيقي وكافٍ أبداً لما حصل لعقل الهومو سابينس المهاجرين من أفريقيا ............ فلا مناص إذن من الإقرار بدخول شيء جديد في المعادلة سبّب هذا التقدم الحضاري والثقافي والفكري الذي وصل بالإنسان الحديث (الهومو سابينس) إلى إحداث قفزة حضارية وثقافية واضحة وأبرز معالمها التي وصلتنا مدونة هو المثل الأخلاقية العليا كالإيثار والعدل] ([397]). وبخصوص الإيثار، يقول السيد أحمد الحسن (عليه السلام): [والحق، إنّ المنصف لابد له أن يقول إننا كنوع إنساني فعلاً أفسدنا أنانية الجينات، فالأخلاق العليا أو الإيثار الحقيقي الذي نشره أنبياء الله ورسله وجاءت به الأديان الإلهية قد حطّم هذه الأنانية، فهذه الأنانية الجينية تقول: ابني أفضل من ابن أخي، وأخي أفضل من ابن عمي، وابن عمي أفضل من الغريب، وابن مدينتي أفضل من ابن المدينة الأخرى، وابن بلدي أفضل من ابن البلد الآخر، وابن قوميتي أفضل من ابن القومية الأخرى، وبلدي أفضل من البلد المجاور. أما الأنبياء والأديان فقد جاءت بالإحسان وإيثار الغريب على النفس والأولاد، وانتشرت هذه الأخلاق الإيثارية بين الناس، ولن أتعرض لغير قصة تاريخية مشهورة في الإسلام وقد نزل بها قرآن وهي قصة أصحاب رسالة الإسلام أنفسهم وهم عائلة محمد (صلى الله عليه وآله) نبي الإسلام، هي قصة بقاء علي وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وأبنائهم الصغار جياعاً بعد أن قاموا بإعطاء طعامهم للفقراء "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً" ([398]). سورة الإنسان وهي تروي قصة الإنسان الحقيقي الذي انتصر على حيوانيته وجاء لينقذ الآخرين من حيوانيتهم الجينية الأنانية لم يطلبوا بهذا الإيثار سمعة؛ لأنه كان بالسر وهم أصلاً كتموه ولم يذيعوه، ولم يطلبوا به منفعة متبادلة فهم أعطوا ولم يأخذوا شيئاً، ولم يكن عطاؤهم يسيراً لأنه كان بالنسبة لعلي وفاطمة (عليهما السلام) مخاطرة بحياة أطفالهم. بفضل هؤلاء وأشابههم من أنبياء الله ورسله لدينا اليوم أفراد ومجموعات وحتى دول يؤثرون الآخرين الغرباء عنهم وإن كان بالقليل الذي لا يؤثّر بحالهم وربما هناك غايات من وراء العطاء في بعض الأحيان، ولكنها عموماً خطوة بالاتجاه الصحيح وصلنا لها بفضل أولئك العظماء، فهم الأمثلة الإيثارية العليا التي تعلمت منها البشرية. نحن اليوم نمتلك انتصارات حقيقية على الأنانية الجينية ولكنها جميعاً تستند على جهود أولئك العظماء أنبياء الله ورسله الذين ضربوا المثل الأعلى في الإيثار الحقيقي لينقذوا الإنسانية من حيوانيتها. أعتقد أنّ فعل علي وفاطمة (عليهما السلام) يستحق من عالم علم الأحياء التطوري أو علم الأحياء الاجتماعي الملحد أن يراجع حساباته على الأقل وهو يراهم قد شخّصوا داء الأنانية الجينية ووضعوا له العلاج قبل أن يشخّصه علماء علم الأحياء التطوري بأكثر من ألف عام] ([399]). ولكن قد يقال: إنّ السلوك الإيثاري لا ينفرد به منهج "الإنسان الكامل"، فما يوجد في الطبيعة ربما شاركه في ذلك، فالحيوانات مثلاً وإن كانت تتصرّف بصورة أنانية فالفرد منها لا يقدم الطعام لغيره أو يهتم به دون ثمن، ولكن بعض تصرفاتها لا تخلو من تصرف إيثاري، كسلوك الآباء والأمهات تجاه أبنائهم وسلوك عاملات النحل تجاه الملكة والخلية عموماً، وما شابه ؟ ولكن السيد أحمد الحسن (عليه السلام) أوضح أنّ مثل هذا السلوك وإن كان ظاهره إيثارياً ولكن حقيقته لا تعدو أن تكون سلوكاً جينياً أنانياً، فالآباء والأمهات يدارون أبناءهم لأن هناك جينة في تركيبتهم الجينية تدفعهم لهذا، وأن أحد أسباب نجاح تركيبتهم الجينية في الانتشار والبقاء هو وجود تلك الجينة التي تدفعهم لهذا السلوك، باعتبار أن الأبناء يحملون جينات الأهل بنسبة معينة، فطفل الإنسان مثلاً يحمل نصف جينات أبيه ونصف جينات أمه. فالأمر معلّل جينياً إذن، ومثله سلوك عاملات النحل التي تتسابق للتضحية عند تعرّض المملكة لهجوم، فهو الآخر معلل جينياً باعتبار أنّ العاملات الأخوات جميعاً في المملكة يحملن نسخة متطابقة من جينات الأب، وبالتالي فموت العاملة يمثل مكسباً لجيناتها أكبر من بقائها حية، إذ بتسابقها على الموت عوضاً عن أخواتها ودفاعاً عن أمها الملكة تكون قد ساهمت ببقاء واستمرار نسخ كثيرة من جيناتها الموجودة في أجساد كل أخواتها وساهمت أيضاً ببقاء البيوض والحيامن الموجودة في جسم أمها الملكة. ثم قال: [ نحن نتكلم عن سلوك إيثاري لا يعود بالنفع على الجينات ولا يمكن تعليله بأنانية الجينات واعتباره مجرد إيثار ظاهري غير حقيقي لأنه مبني على أصل أناني بيولوجي، نتكلم عن إيثار لا ينتظر صاحبه نفعاً مستقبلياً مقابله أو مدحاً أو حتى كلمة شكر من الآخرين. وهذا يبرز إلى الساحة سؤال ملح وهو: ما الذي يدفعنا لهذا الإيثار الحقيقي، وما الذي تسبب بإيجاده عندنا نحن بالخصوص ؟ الحقيقة إنّ الأمر لابد أن يكون قد بدأ بمنهج وبأشخاص، ونحن لو بحثنا الأمر تاريخياً - حيث إنّ التاريخ هو الطريق الوحيد لحسم هذه المسألة - فسنجد أنّ المنهج الذي يضجّ بهذا السلوك الراقي الحقيقي هو المنهج الديني وفرسان الإيثار هم الأنبياء والمقدسون، وأقدم ما وصلنا في الآثار من التدوين حول الإيثار نجده عبارة عن نصوص دينية ودعوات دينية أطلقتها شخصيات دينية، وهذا أمر ثابت في أقدم الحضارات الأرضية كحضارة سومر وآكاد التي يعتبر شخصياتها مثل نوح (عليه السلام) وإبراهيم (عليه السلام) أصلاً ترجع له الديانات السماوية التي تلتها كاليهودية والمسيحية والإسلام، حيث إنها أيضاً استمرت على نفس المنهج الأخلاقي السومري الآكادي. فكانت دائماً الدعوة للإيثار دينية وفرسان هذا المضمار هم الأنبياء والمرسلون وحملة الرسالات الإلهية "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً"] ([400])، انتهى. والآن، من عرف ما تقدم يعرف: 1. إنّ عهد البعث والإرسال على هذه الأرض ابتدأ ببعث آدم (عليه السلام). 2. إنّ بداية البعث الإلهي يكشف عن وصول الإنسان إلى مستوى التأهيل لإدراك الدعوة الإلهية وحمل رسالة الله على هذه الأرض. 3. إنّ ما ميّز آدم (عليه السلام) عن بقية من بُعث فيهم هو رقي نفسه ومستوى إنسانيته، وكان مطلوباً ممّن بعث فيهم التعلّم منه والأخذ عنه ليرتقوا إلى ما ارتقى إليه، وبالتالي يمكننا القول بأنّ تعاليم الإنسانية الحقيقية بثت في الناس من أول لحظة بدأ فيها أول رسول إلهي دعوته على هذه الأرض. 4. إنّ الإنسان في جانبه البيولوجي لا يختلف كثيراً عن بقية المخلوقات، إذ مرّ بأطوار ترقّي كما مرّت به بقية الأحياء على هذا الكوكب، وإن كان تركّز فيه بصورة أكبر من غيره، وهو أمر طبيعي إذا ما عرفنا محوريته في الكون ككل فضلاً عن الأرض التي قدّر له العيش عليها، لكن الإنسان يختلف عن بقية الأحياء برقيّه النفسي ومستوى إدراكه وذكائه الذي يمكن من خلاله أن يكون مرآة تنعكس فيها جميع الأسماء الإلهية، وإذا كانت إنسانيته الحقيقية منحصرة بهذا الجانب فهو مدين إذن لرسل الله الذين خطوا أروع معالم انتصار الإنسان على جينته الأنانية الحيوانية عبر بثّ سلوك الإيثار الحقيقي والعدل والمثل العليا حيث كانوا فرسان مضمار هذه المعركة المصيرية. -الإنسانية بين رسولين ولا عذر للمتخلفين: بمطالعة البحوث المتقدمة وما انتهينا إليه من نتائج فيها، يمكننا معرفة أنّ الإنسانية الحقيقية بدأت مشوارها الإنساني على هذه الأرض ببعثة رسول إلهي ومعلّم ربّاني يعلمها ما عرفه من ربه مما هم مفطورون على معرفته أصلاً، وكون الرسول الإلهي أول من وضع قدمه على الدرب يضع البشر جميعاً بأجيالهم المتعاقبة أمام مهمة تحمل مسؤوليتهم في إنقاذ أنفسهم الذي يتحقق لهم بمسايرة الرسول الإلهي ومتابعته، ويقطع من أمامهم العذر في ترك الرقي الإنساني والاكتفاء بالعكوف على تلبية متطلبات الجينة الأنانية الحيوانية التي كلما انهمك الإنسان في تلبية متطلباتها كلما كان استغراقه في الجانب الحيواني البهيمي أكبر، بعكس الانهماك في السلوك الإيثاري والمثل العليا التي يدعو إليها رسل الله كلهم فإنه بكل تأكيد يزيد من الجانب الإنساني المشرق. هذا من جانب المبدأ. وأما من جانب المنتهى، أي منتهى المسار الإنساني على هذه الأرض، فقد شاء الله سبحانه أن يختتم برسول إلهي وحجة رباني أيضاً، وهذا ما أشارت له النصوص الدينية، منها: روى الكليني بسنده: (... عن حمزة بن الطيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو بقي اثنان لكان أحدهما الحجة على صاحبه. ... عن جعفر بن محمد عن كرام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام، وقال: إن آخر من يموت الإمام، لئلا يحتج أحد على الله عز وجل أنه تركه بغير حجة لله عليه. ... عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما) ([401]). وبهذا يتضح أنّ مسيرة الإنسانية على هذه الأرض لها مبدأ ومنتهى، وأنها ابتدأت مسيرتها برسول إلهي وستختم مسيرتها برسول إلهي أيضاً، فهي حقيقة بين رسولين، وقد توسّط بين المبدأ والمنتهى آلاف الرسل الإلهيين (سواء كان لهم مقام النبوة أو الرسالة أو الإمامة)، وكل هذه الرجالات الربانية دعوتهم واحدة وهدفهم واحد وهو قطع عذر الناس أجمعين، قطع العذر الذي توضح لنا أخيراً أنّ محتواه وعمقه هو الرقي الإنساني والتأهيل المعرفي الذي فُطر عليه الإنسان عموماً، وواضح أنه هدف يعود نفعه بالنهاية على الإنسان نفسه، وأما الرب الكريم (المرسِل) فهو غني عنّا وعن خلقه كلهم تماماً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾([402]). الآن، إذا ما أردنا أن نعيد طرح عنوان فقرة البحث الرئيسية، أي: "إنسانيتي في صميم غرض الإرسال الإلهي"، فهل من طالع البحوث المتقدمة والنتائج التي تم الانتهاء إليها يتردد في الوصول إلى الحقيقة التالية: (إنّ تحصيل "إنسانيتنا الحقيقية" تقع في صميم غرض الإرسال والبعث الإلهي)! ولتأكيد هذه الحقيقة أكثر بوسعنا أن نطالع بعض توصيات الرسل، وسنرى أنّ المحور الذي تدور في فلكه هو تحقيق جانب الإنسانية الحقيقي. -4/ 4: شيء من توصيات الرسل الإنسانية: من قرأ توصيات الرسل يجدها جميعاً تلتقي في رافد واحد، وهو حفظ إنسانية الإنسان وحثه على تحصيل أكبر قدر ممكن من التأهيل الإنساني الذي فُطر عليه. لذا تضمّنت وصاياهم (عليهم السلام) الحث على التحلي بمكارم الأخلاق و"جنود العقل" مثل: الإيثار، والصبر، والشكر، والحياء، والعفو، والحلم، وكظم الغيظ، والإحسان لمن أساء، والتواضع، والعدل والإنصاف، ومواساة الفقراء والمساكين ومداراة الناس والرفق بهم وغير ذلك، وهذه نماذج من توصياتهم: 1- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إن الله عز وجل خص رسله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله واعلموا أن ذلك من خير، وإن لا تكن فيكم فاسألوا الله وارغبوا إليه فيها، قال فذكر [ها] عشرة: اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة) ([403]). 2- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (لما حضرت أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) الوفاة ضمني إلى صدره وقال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به: يا بني اصبر على الحق وإن كان مراً) ([404]). 3- عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق) ([405]). 4- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) ([406]). 5- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (لا إيمان لمن لا حياء له) ([407]). 6- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته: ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك) ([408]). 7- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة) ([409]). 8- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (فيما أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام)، يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون) ([410]). 9- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله عز وجل يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يده، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة، ورجل قال بالحق فيما له وعليه)([411]). 10- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من واسى الفقير من ماله وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقاً) ([412]). 11- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض) ([413]). 12- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو كان الرفق خلقاً يرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه) ([414]). وأيضاً: شملت توصيات "رسل الله" الإنسانية رعاية اليتيم، والرفق بالمرأة، وحقوق الإخوان، وصلة الرحم، وحسن الجوار، وتوقير الكبير، والبر بالوالدين، بل تعدت إلى الاهتمام بأمور المجتمع الإنساني عموماً. وهذه نماذج من التوصيات: 13- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: (من عال يتيماً حتى يستغني عنه أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار) ([415]). 14- عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: (ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحماً له إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يده عليها حسنة) ([416]). 15- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: (عيال الرجل أسراؤه وأحب العباد إلى الله عز وجل أحسنهم صنعاً إلى أسرائه) ([417]). 16- عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب، قلت له: جعلت فداك وما هي؟ قال: يا معلى إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل، قال: قلت له: لا قوة إلا بالله، قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك، والحق الثاني أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره، والحق الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك، والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته، والحق الخامس [أن] لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى، والحق السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهد فراشه، والحق السابق أن تبر قسمه وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك) ([418]). 17- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار) ([419]). 18- عن أبي ولاد الحناط قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: "وبالوالدين إحساناً" ما هذا الاحسان؟ فقال: الاحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين أليس يقول الله عز وجل: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون". قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): وأما قول الله عز وجل: "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" قال: إن أضجراك فلا تقل لهما: أف، ولا تنهرهما إن ضرباك، قال: "وقل لهما قولاً كريماً" قال: إن ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم، قال "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" قال: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما) ([420]). 19- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (عظموا كباركم وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كف الأذى عنهم) ([421]). 20- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله )، قال: (الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً) ([422]). 21- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحب الناس إلى الله؟ قال: أنفع الناس للناس) ([423]). 22- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، ...) ([424]). 23- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (تواصلوا وتباروا وتراحموا وكونوا إخوة بررة كما أمركم الله عز وجل) ([425]). 24- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من زار أخاه في بيته قال الله عز وجل له: أنت ضيفي وزائري، عليّ قراك وقد أوجبت لك الجنة بحبك إياه) ([426]). 25- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أقبل الله عز وجل عليهما بوجهه وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر) ([427]). 26- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة وصرف القذى عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن) ([428]). 27- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) أن من عبادي من يتقرب إلي بالحسنة فاحكمه في الجنة، فقال موسى: يا رب وما تلك الحسنة ؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته قضيت أو لم تقض) ([429]). 28- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنة وأن يهون عليه سكرات الموت وأن يوسع عليه في قبره وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى وهو قول الله عز وجل في كتابه: "وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون") ([430]). 29- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا) ([431]). 30- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع، قال: وما من أهل قرية يبيت [و] فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة) ([432]). بل تعدت توصيات "رسل الله" الإنسانية المجتمع البشري لتأخذ بنظر الاعتبار هذه المرة ما يحيط بالإنسان من أحياء ومخلوقات أخرى. وهذه نماذج من التوصيات في ذلك: 31- عن أبي حمزة، قال: (كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: ما بهمت البهائم فلم تبهم عن أربعة: معرفتها بالرب، ومعرفتها بالموت، ومعرفتها بالأنثى من الذكر، ومعرفتها بالمرعى عن الخصب) ([433]). 32- عن محمد بن عجلان قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ما من أهل بيت يكون عندهم شاة لبون إلا قدسوا في كل يوم مرتين، قلت: وكيف يقال لهم؟ قال: يقال لهم: بوركتم بوركتم) ([434]). 33- عن ابن مسعود، قال: (كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترفرف على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، فقال لأصحابه: أيكم فجع هذه؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله أخذت بيضها - وفي رواية فريخها - فقال: رده رده رحمة لها) ([435]). 34- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (للدابة على صاحبها ستة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، ولا يتخذ ظهرها مجالس يتحدث عليها، ويبدأ بعلفها إذا نزل، ولا يسمها ولا يضربها في وجهها فإنها تسبح، ويعرض عليها الماء إذا مر به) ([436]). 35- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (رئي أبو ذر رضي الله عنه يسقي حماراً بالربذة فقال له بعض الناس: أمالك يا أبا ذر من يكفيك سقي الحمار؟ فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما من دابة إلا وهي تسأل الله كل صباح "اللهم ارزقني مليكاً صالحاً يشبعني من العلف ويرويني من الماء ولا يكلفني فوق طاقتي" فأنا أحب أن أسقيه بنفسي) ([437]). 36- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنه نهى عن المثلة بالحيوان وعن صبر البهائم)([438]). 37- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (من قتل عصفوراً عبثاً أتى الله به يوم القيامة وله صراخ يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني بغير ذبح؟ فليحذر أحدكم من المثلة وليحد شفرته ولا يعذب البهيمة) ([439]). 38- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (ترفق بالذبيحة ولا يعنف بها قبل الذبح ولا بعده...) ([440]). 39- عن علي (عليه السلام): (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن قطع الشجر المثمر أو حرقه. يعني في دار الحرب وغيرها، إلا أن يكون ذلك من الصلاح للمسلمين) ([441]). 40- عن علي (عليه السلام): (والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى) ([442]). وغيرها الكثير، ولكن توقفت عند الأربعين تيمّناً. والآن إذا ما أردنا افتراض أنّ مجتمعاً إنسانياً قد قرّر التزام توصيات الرسل المتقدمة وغيرها من التوصيات التي تناولت شتى جوانب الرقي الإنساني، فهل بإمكاننا أن نتصور طبيعة عيش مثل ذلك المجتمع وعظمة الرقي والكمال الذي يسود فيه ؟ ومن الملفت حقاً أن نعرف أنّ ذلك الرقي المفترض ما كان إلا انعكاساً طبيعياً لقرار جميع أفراد ذلك المجتمع الإنساني أو الغالبية العظمى منه، قرارهم بالاعتراف بإنسانيتهم التي عزموا على تحصيلها بصورة جيدة بعد تمسّكهم بتوصيات "رسل الله" بحسب الفرض. أما إذا رأينا العكس، كما هو حاصل اليوم، بمعنى أن نرى انعدام الكمال والقيم الإنسانية المثلى في مجتمع إنساني ما، فبكل تأكيد سيكون مرد ذلك إلى تنصل معظم أفراده عن توصيات "رسل الله" وابتعادهم عن نهجهم الذي يطمح إلى بناء الإنسان الحقيقي وتحصيل أكبر قدر ممكن من تأهيله المعرفي والإنساني الذي أهّل له. وأخيراً أقول: لأنّ وصي ورسول الإمام المهدي (عليه السلام) السيد أحمد الحسن واحداً من هؤلاء الرسل الكرام، لذا ليس غريباً أن نسمع منه لما يُسأل عن هدف بعثه وإرساله للناس اليوم، فيجيب: [قال عيسى (عليه السلام): "ليس بالطعام وحده يحيى ابن آدم ولكن بكلمة الله"، وأنا عبد الله أقول لكم: "بالطعام يموت ابن آدم وبكلمة الله يحيى". فدعوتي كدعوة نوح (عليه السلام) وكدعوة إبراهيم (عليه السلام) وكدعوة موسى (عليه السلام) وكدعوة عيسى (عليه السلام) وكدعوة محمد (صلى الله عليه وآله). أن ينتشر التوحيد على كل بقعة في هذه الأرض، هدف الأنبياء والأوصياء هو هدفي، وأبيّن التوراة والإنجيل والقرآن وما اختلفتم فيه، وأبيّن انحراف علماء اليهود والنصارى والمسلمين وخروجهم عن الشريعة الإلهية ومخالفتهم لوصايا الأنبياء (عليهم السلام). إرادتي هي إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته، أن لا يريد أهل الأرض إلا ما يريده الله سبحانه وتعالى، أن تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، أن يشبع الجياع ولا يبقى الفقراء في العراء، أن يفرح الأيتام بعد حزنهم الطويل وتجد الأرامل ما يسد حاجتها المادية بعز وكرامة، أن ..، وأن ..، أن يطبق أهم ما في الشريعة العدل والرحمة والصدق] ([443]). ﴿وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾([444]). والحمد لله رب العالمين. -مصادر البحث 1- كتب سماوية: [1] القرآن الكريم. [2] الكتاب المقدس، العهد القديم والجديد. 2- كتب الحديث: [3] نهج البلاغة، مجموع ما اختاره الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تعليق الدكتور صبحي الصالح، دار الكتاب المصري - القاهرة، الطبعة الرابعة، 1435 ه - 2004 م. [4] المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تعليق السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية. [5] بصائر الدرجات الكبرى، الشيخ محمد بن الحسن الصفار، تعليق ميرزا محسن كوجه باغي، منشورات الأعلمي - طهران، 1404 ه. [6] الكافي، محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، تعليق علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية - طهران، الطبعة الثالثة، 1388 ه. [7] الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق فارس حسون، منشورات أنوار الهدى، الطبعة الأولى، 1422 ه. [8] دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف - مصر، 1963 م. [9] التوحيد، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين القمي، تعليق السيد هاشم الحسيني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة. [10] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين القمي، تعليق علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، الطبعة الثانية. [11] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن علي بن الحسين، تعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1405 ه. [12] علل الشرائع، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف، 1385 ه - 1966 م. [13] عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين، تعليق الشيخ حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1404 ه - 1984 م. [14] معاني الأخبار، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين، تصحيح علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة. [15] الأمالي، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، الطبعة الأولى، 1417 ه. [16] الخصال، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين، تعليق علي اكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم المقدسة، 1403 ه. [17] الإرشاد، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث، دار المفيد للطبع والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1414 ه - 1993 م. [18] الغيبة، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم المقدسة، الطبعة المحققة الأولى، 1411 ه. [19] الأمالي، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، دار الثقافة - قم، الطبعة الأولى، 1414 ه. [20] مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحلي، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف، 1370 ه - 1950 م. [21] عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ابن أبي جمهور محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، مطبعة سيد الشهداء - قم، الطبعة الأولى، 1403 ه - 1983 م. [22] وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لأحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414 ه. [23] مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر، السيد هاشم بن سليمان البحراني، تحقيق عزة الله الهمداني، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، 1413 ه. [24] بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء - بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه - 1983 م. [25] إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ علي اليزدي الحائري، تحقيق علي عاشور. [26] صحيح البخاري، محمد بن اسماعيل البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401 ه - 1981 م. [27] الجامع الصحيح "صحيح مسلم"، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، دار الفكر - بيروت. [28] مصنف ابن أبي شيبة في الأحاديث والآثار، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تعليق سعيد اللحام، دار الفكر. [29] المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، دار المعرفة - بيروت. 3- كتب السيد اليماني: [30] وهم الإلحاد، السيد أحمد الحسن، شركة نجمة الصباح للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2013م - 1434ه. [31] المتشابهات، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [32] شيء من تفسير الفاتحة، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [33] العجل، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [34] النبوة الخاتمة، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [35] رحلة موسى إلى مجمع البحرين، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [36] مع العبد الصالح، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [37] الحواري الثالث عشر، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [38] مراسي مختارة في موانئ سومر وآكاد، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). [39] الجواب المنير عبر الأثير، السيد أحمد الحسن، إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام). 4- شروح الحديث: [40] شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني، تعليق أبو الحسن الشعراني، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1421 ه - 2000 م. [41] الرواشح السماوية، ميرداماد محمد باقر الحسيني، تحقيق غلام حسين قيصريه ها ونعمة الله جليلي، دار الحديث، 1422 ه. [42] فتح الباري شرح صحيح البخاري، شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت، الطبعة الثانية. [43] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، محمود بن أحمد بن موسى الحنفي بدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي - بيروت. 5- كتب التفسير وعلوم القرآن: [44] تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تحقيق السيد هاشم المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية - طهران. [45] تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تعليق السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم، الطبعة الثالثة، 1404 ه. [46] التبيان في تفسير القرآن، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى. [47] مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تعليق لجنة من العلماء والمحققين، تقديم السيد محسن الامين، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، 1415 ه - 1995 م. [48] جوامع الجامع، أبو علي الفضل بن الحسن الشيخ الطبرسي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1418 ه. [49] تفسير شبّر، السيد عبد الله شبر، راجعه الدكتور حامد حفني داود، الطبعة الثالثة، 1385 ه - 1966 م. [50] تفسير الميزان، السيد محمد حسين الطباطبائي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، [51] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، [52] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، تخريج صدق جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1451 ه - 1995 م. [53] تفسير السمرقندي "بحر العلوم"، أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، تحقيق الدكتور محمود مطرجي، دار الفكر - بيروت. [54] تفسير السلمي "حقائق التفسير"، أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى الأزدي السلمي، تحقيق سيد عمران، دار الكتب العلمية - بيروت، 1421 ه - 2001 م. [55] تفسير الواحدي "الوسيط في تفسير القرآن المجيد"، علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1415 ه - 1994 م. [56] تفسير السمعاني، منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد المروزي السمعاني، تحقيق ياسر بن ابراهيم، دار الوطن - الرياض، الطبعة الأولى، 1418 ه - 1997 م. [57] تفسير البغوي "معالم التنزيل في تفسير القرآن"، الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1420 ه. [58] المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز، عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1422 ه. [59] زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الأولى، 1407 ه - 1987 م. [60] تفسير الرازي "مفاتيح الغيب = التفسير الكبير"، محمد بن عمر بن الحسن التيمي الملقب بالفخر الرازي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثالثة، 1420 ه. [61] الجامع لأحكام القرآن "تفسير القرطبي"، محمد بن أحمد القرطبي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثانية، 1405 ه - 1985 م. [62] تفسير البيضاوي "أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي البيضاوي، تحقيق محمد بن عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1418 ه. [63] تفسير النسفي "مدارك التنزيل وحقائق التأويل"، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، تحقيق يوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب - بيروت، الطبعة الأولى، 1419 ه - 1998 م. [64] تفسير الثعالبي "الجواهر الحسان في تفسير القرآن"، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، تحقيق الشيخ علي محمد معوض، دار احياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1418 ه - 1997 م. [65] تفسير الآلوسي "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني"، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي، تحقيق علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1415 ه. [66] تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 ه - 2000 م. [67] أضواء البيان في إيضاح القرآن، محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطيي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1415 ه - 1995 م. [68] التفسير الصحيح، حكمة بن بشير بن ياسين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1433 ه. [69] معاني القرآن، أبو جعفر النحاس، تحقيق محمد علي الصابوني، مركز إحياء التراث الإسلامي - مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1408 ه - 1988 م. [70] فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، طبعة عالم الكتب. [71] الأمثال في القرآن الكريم، دراسة مبسطة حول الأمثال الواردة في الكتاب العزيز، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) - قم. 6- كتب عقائد: [72] النكت الاعتقادية، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، الشيخ المفيد، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه - 1993 م. [73] الشافي في الإمامة، الشريف المرتضى، تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني، مؤسسة الصادق للطباعة والنشر - طهران، الطبعة الثانية، 1419 ه. [74] الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، منشورات جامع جهل ستون - طهران، مطبعة الخيام - قم، 1400 ه. [75] الرسائل العشر، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تصدير الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني، 1403 ه. [76] إعلام الورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى، 1417 ه. [77] الألفين في إمامة امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف المطهر، مكتبة الالفين - الكويت، 1405 ه - 1985 م. [78] عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر، تقديم الدكتور حامد حفني داود، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر - قم. [79] علم الإمام، الشيخ محمد حسين المظفر، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الثانية، 1402 ه - 1982 م. [80] ختم النبوة، الشيخ مرتضى مطهري، ترجمة عبد الكريم محمود، دار المحجة البيضاء. [81] بحث حول المهدي، السيد محمد باقر الصدر، تحقيق الدكتور عبد الجبار شرارة، مركز الغدير للدراسات الإسلامية - قم، 1417 ه - 1996 م. [82] خلاصة علم الكلام، الدكتور عبد الهادي الفضلي، دار المؤرخ العربي - بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه - 1993 م. [83] بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، السيد محسن الخرازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة. [84] العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، الشيخ جعفر السبحاني، نقله إلى العربية جعفر الهادي، مؤسسة الصادق (عليه السلام)، الطبعة الاولى، 1419 ه - 1998 م. [85] صحيح شرح العقيدة الطحاوية، حسن بن علي السقاف، دار النووي - الأردن، الطبعة الأولى، 1416 ه - 1995 م. [86] شرح المواقف، القاضي الجرجاني، كتاب المواقف للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الايجي بشرحه للمحقق السيد علي بن محمد القاضي الجرجاني، مع حاشيتين أحدهما لعبد الحكيم السيالكوتي والثانية للمولى حسن جلبي، مطبعة السعادة - مصر، 1325 ه - 1907 م. 7- كتب فقه: [87] كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلامي - قم، 1420 ه. [88] مصباح الفقيه، رضا الهمداني، الطبعة القديمة، منشورات مكتبة الصدر. [89] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، الشيخ منتظري، منشورات المركز العالمي للدراسات الإسلامية - قم، 1408 ه. [90] كتاب القضاء، تقرير أبحاث السيد الكلبيكاني، بقلم السيد علي الميلاني، مطبعة الخيام - قم، 1401 ه. [91] فقه الصادق، السيد محمد صادق الروحاني، المطبعة العلمية، الطبعة الثالثة، 1421 ه. [92] منهاج الفقاهة "التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم"، السيد محمد صادق الروحاني، منشورات كلبه شروق - قم المقدسة، الطبعة السادسة، 1431 ه. [93] منهاج الصالحين، مقدمة في أصول الدين، الشيخ حسين وحيد الخرساني، منشورات مدرسة الإمام باقر العلوم (عليه السلام). [94] صراط النجاة، الشيخ جواد التبريزي، مطبعة سلمان الفارسي، الطبعة الأولى، 1416 ه. [95] مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين، جمع وترتيب فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، منشورات دار الوطن / دار الثريا، الطبعة الأخيرة، 1413 ه. 8- كتب أصول الفقه: [96] أصول السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، تحقيق أبو الوفاء الأفغاني، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1414 ه - 1993 م. [97] هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي الرازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة. [98] تقريرات المجدد الشيرازي، المولى علي الروزدري، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى، 1409 ه. [99] نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، تحقيق الشيخ مهدي أحدي، منشورات سيد الشهداء - قم، الطبعة الأولى. [100] نهاية الأفكار، الشيخ ضياء العراقي، تصحيح الشيخ محمد المؤمن، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة. [101] بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي، تصحيح محمد عبد الحكيم الموسوي، مطبعة ستاره، الطبعة الأولى، 1425 ه - 2004 م. [102] الحاشية على كفاية الأصول "تقرير بحث البروجردي"، الشيخ بهاء الدين الحجتي. [103] تهذيب الأصول "تقرير بحث السيد الخميني"، الشيخ جعفر السبحاني، [104] مصباح الأصول "تقرير بحث الخوئي"، السيد محمد سرور الواعظ البهسودي، منشورات مكتبة الداوري - قم، الطبعة الخامسة، 1417 ه. [105] منتهى الدراية في توضيح الكفاية، السيد محمد جعفر الجزائري المروج، مطبعة الغدير، الطبعة السادسة، 1415 ه. [106] تحريرات في الأصول، السيد مصطفى الخميني، تحقيق ونشر مؤسسة تنظيم نشر آثار الإمام الخميني قدس سره، الطبعة الأولى، 1418 ه. 9- كتب أخرى: [107] كنز الفوائد، أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، تعليق الشيخ عبد الله نعمة، دار الأضواء - بيروت، الطبعة الأولى، 1985 م. [108] إقبال الأعمال، السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، تحقيق جواد القيومي، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1414 ه. [109] الفوائد المدنية، محمد أمين الاسترابادي، وبذيله "الشواهد المكية" للسيد نور الدين الموسوي العاملي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1424 ه. [110] أصل الشيعة وأصولها، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، تحقيق علاء آل جعفر، مؤسسة الإمام علي. [111] أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، تحقيق حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات - بيروت. [112] نهاية الحكمة، السيد محمد حسين الطباطبائي، تحقيق الشيخ عباس الزارعي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الرابعة عشرة، 1417 ه. [113] فدك في التاريخ، السيد محمد باقر الصدر، تحقيق الدكتور عبد الجبار شرارة، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى، 1415 ه - 1994 م. [114] أضواء على الصحيحين، الشيخ محمد صادق النجمي، ترجمة الشيخ يحيى البحراني، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، 1419 ه. [115] الاعتصام بالكتاب والسنة، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) للتحقيق والتأليف - قم المقدسة، تقديم المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام). [116] رسائل ومقالات، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) - قم المشرفة. [117] مجموعة الرسائل، الشيخ لطف الله الصافي. [118] لسان العرب، محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي، نشر أدب الحوزة - قم، 1405 ه. [119] السيرة الحلبية "إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون"، علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي الشافعي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية، 1427 ه. 10- مواقع الكترونية: [120] مركز الأبحاث العقائدية - التابع لمرجعية السيد السيستاني. [121] مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية - بإشراف الشيخ صالح الكرباسي. [122] موقع الإسلام سؤال وجواب - بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد. [123] موقع الإسلام ويب - مركز الفتوى. [124] موقع وزارة الأوقاف المصرية. [125] صفحة العلم ضد الأديان.
Footers

[1] . انظر: خلاصة علم الكلام - الشيخ عبد الهادي الفضلي: ص44.

[2] . لسان العرب - ابن منظور: ج11 ص283، 284.

[3] . مختصر بصائر الدرجات- الحسن بن سليمان الحلي: ص80.

[4] . سورة البقرة، الآية: 132.

[5] . سورة البقرة، الآية: 180.

[6] . سورة الصف، الآية: 6.

[7] . الكتاب المقدس: تثنية - الأصحاح 31.

[8] . الكتاب المقدس: ملوك الأول - الأصحاح 2.

[9] . الكتاب المقدس: متى - الأصحاح 16.

[10] . الكتاب المقدس: أعمال الرسل - الأصحاح 21.

[11] . سورة القصص، الآية: 14.

[12] . سورة الزخرف، الآية: 63.

[13] . سورة الجمعة، الآية: 2.

[14] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص164 ح6.

[15] . سورة الأنبياء، الآية 23.

[16] . سورة سبأ، الآية: 3.

[17] . سورة فاطر، الآية: 15.

[18] . سورة الزمر، الآية: 56.

[19] . مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني: ج6 ص113.

[20] . سورة السجدة، الآية: 24.

[21] . معاني الأخبار - الشيخ الصدوق: ص132.

[22] . سورة الأنعام، الآية: 48.

[23] . سورة الشورى، الآية: 48.

[24] . سورة البقرة، الآية: 129.

[25] . سورة البقرة، الآية: 151.

[26] . سورة الأنبياء، الآية: 25.

[27] . سورة المؤمنون، الآية: 32.

[28] . سورة النساء، الآية: 64.

[29] . سورة المائدة، الآية: 12.

[30] . سورة المائدة، الآية: 109.

[31] . سورة الأنبياء، الآية: 107.

[32] . سورة الحديد، الآية: 25.

[33] . سورة البقرة، الآية: 213.

[34] . سورة إبراهيم، الآية: 4.

[35] . سورة السجدة، الآية: 3.

[36] . سورة النساء، الآية: 165.

[37] . فقه الصادق - السيد محمد صادق الروحاني: ج2 ص379.

[38] . أضواء البيان - الشنقيطي: ج2 ص169.

[39] . العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) - الشيخ جعفر السبحاني: ص120.

[40] . تفسير الرازي: ج18 ص138.

[41] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج3 ص305.

[42] . أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي: ص194.

[43] . تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي: ص184.

[44] . السيرة الحلبية - الحلبي: ج1 ص497.

[45] . تفسير السلمي- السلمي: ج2 ص34.

[46] . تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي: ج3 ص321.

[47] . تفسير البيضاوي: ج5 ص158.

[48] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج2 ص134.

[49] . تفسير الرازي: ج21 ص76.

[50] . فتح القدير - الشوكاني: ج2 ص117.

[51] . كتاب الألفين - العلامة الحلي: ص354.

[52] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج2 ص309.

[53] . منهاج الصالحين - الشيخ وحيد الخراساني: ج1 ص235.

[54] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج19 ص171.

[55] . منهاج الصالحين - الشيخ وحيد الخراساني: ج1 ص479.

[56] . مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي: ج2 ص472.

[57] . الفوائد المدنية والشواهد المكية - محمد أمين الاسترابادي: ص255.

[58] . العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) - الشيخ جعفر السبحاني: ص120.

[59] . المصدر نفسه.

[60] . كتاب الألفين - العلامة الحلي: ص107.

[61] . أصول السرخسي - أبو بكر السرخسي: ج2 ص101.

[62] . تفسير الآلوسي: ج23 ص189.

[63] . بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية - السيد محسن الخرازي: ج1 ص251.

[64] . تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي: ص735.

[65] . كتاب الألفين - العلامة الحلي: ص393.

[66] . تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني للسبحاني: ج2 ص207.

[67] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج1 ص291.

[68] . نفس المصدر: ج9 ص68.

[69] . سورة آل عمران، الآية: 7.

[70] . انظر البحث: (2/3/2 - لا يمكن قبول إفادتها جميعاً غرض الإرسال) من المحور الثاني.

[71] . الاقتصاد - الشيخ الطوسي: ص77.

[72] . رسائل ومقالات - الشيخ جعفر السبحاني: ص32.

[73] . منهاج الفقاهة - السيد محمد صادق الروحاني: ج2 ص262.

[74] . نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني: ج2 ص98.

[75] . حاشية على كفاية الأصول - تقرير بحث البرجوردي للحجتي: ج2 ص81.

[76] . كتاب القضاء - السيد الكلبيكاني: ج1 ص14.

[77] . هداية المسترشدين - الشيخ محمد تقي الرازي: ج2 ص737.

[78] . تقريرات المجدد الشيرازي - المولى علي الروزدري: ج2 ص366.

[79] . مصباح الأصول - تقرير بحث الخوئي للبهسودي: ج2 ص138.

[80] . النكت الاعتقادية - الشيخ المفيد: ص44.

[81] . الرسائل العشر - الشيخ الطوسي: ص98.

[82] . إعلام الورى بأعلام الهدى - الشيخ الطبرسي: ج1 ص313.

[83] . كتاب الألفين - العلامة الحلي: ص197.

[84] . أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين: ج1 ص51.

[85] . فدك في التاريخ - السيد محمد باقر الصدر: ص182.

[86] . علم الإمام - الشيخ محمد حسين المظفر: ص28.

[87] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج9 ص68.

[88] . المصدر المتقدم: ج20 ص361.

[89] . عقائد الإمامية - الشيخ محمد رضا المظفر: ص49.

[90] . المصدر المتقدم: ص51.

[91] . صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي: ج2 ص445.

[92] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص356.

[93] . شرح المواقف - القاضي الجرجاني: ج8 ص23.

[94] . فتح الباري - ابن حجر العسقلاني: ج3 ص181.

[95] . عمدة القاري - بدر الدين العيني: ج1 ص181.

[96] . تفسير الثعالبي - عبد الرحمن بن محمد الثعالبي: ج2 ص191.

[97] . تفسير النسفي - عبد الله بن أحمد النسفي: ج1 ص244.

[98] . مصباح الأصول - تقرير بحث الخوئي للبهسودي: ج2 ص138.

[99] . نهاية الأفكار - الشيخ ضياء العراقي: ج3 ص97.

[100] . مصباح الفقيه - رضا الهمداني: ج1 ق2 ص581.

[101] . منتهى الدراية في توضيح الكفاية - السيد محمد جعفر المروج: ج4 شرح ص373.

[102] . تحريرات في الأصول - السيد مصطفى الخميني: ج6 ص359.

[103] . بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي: ج5 ص296.

[104] . النكت الاعتقادية - الشيخ المفيد: ص44.

[105] . الرسائل العشر - الشيخ الطوسي: ص98.

[106] . أصل الشيعة وأصولها - الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: ص228.

[107] . انظر: الكافي: ج1 ص178.

[108] . عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - الشيخ الصدوق: ج1 ص130.

[109] . سورة المائدة، الآية: 19.

[110] . حدّد بعض العلماء الفترة بين نوح وهود (عليهما السلام) بـ 800 سنة، وبين صالح وإبراهيم (عليهما السلام) بـ 630 سنة، وبين عيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله) بـ 500 سنة، كما دلّت عليه بعض الروايات في مصادر الشيعة، ونقل البخاري عن سلمان الفارسي أنها كانت 600 سنة، انظر: شرح أصول الكافي - المازندراني: ج2 ص289.

[111] . لسان العرب - ابن منظور: ج5 ص43.

[112] . الغيبة - الشيخ الطوسي: 221.

[113] . التبيان - الشيخ الطوسي: ج3 ص479.

[114] . تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي: ج3 ص306.

[115] . شرح أصول الكافي - المازندراني: ج2 ص289.

[116] . الرواشح السماوية - ميرداماد محمد باقر الحسيني الاسترابادي: ص45.

[117] . بحث حول المهدي - السيد محمد باقر الصدر: ص116.

[118] . انظر على سبيل المثال: جامع البيان - ابن جرير الطبري: ج6 ص227، تفسير البيضاوي - البيضاوي: ج2 ص310، تفسير السمرقندي: ج1 ص404، تفسير السمعاني: ج2 ص24، تفسير البغوي: ج2 ص23، زاد المسير - ابن الجوزي: ج2 ص256، تفسير القرطبي: ج6 ص121، تفسير الثعالبي: ج2 ص366، تفسير الواحدي: ج1 ص315، تفسير النسفي: ج1 ص276، المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز - ابن عطية الأندلسي: ج2 ص172، وغيرهم.

[119] . الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى: ج3 ص151.

[120] . تفسير شبر - السيد عبد الله شبر: شرح ص136.

[121] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج3 ص664.

[122] . المصدر السابق.

[123] . المصدر نفسه: ج14 ص133.

[124] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج16 ص244.

[125] . المصدر السابق: ج5 ص253.

[126] . أي قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ...﴾ سورة المائدة، الآية: 19.

[127] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص660.

[128] . (سؤال: وقد يعترض البعض بأنه كيف يمكن القول بوجود مثل تلك الفترة مع أن الاعتقاد السائد لدينا يقضي بأن المجتمع البشري لا يمكن أن يخلو ولو للحظة من رسول أو إمام معين من قبل الله سبحانه وتعالى ؟ الجواب: إن القرآن الكريم حين يقول: "على فترة من الرسل" إنما ينفي وجود الرسل في تلك المدة، ولا يتنافى هذا الأمر مع القول بوجود أوصياء للرسل في ذلك الوقت) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج3 ص664.

[129] . أي الآية 19 من سورة المائدة.

[130] . سورة الجمعة، الآيات: 2 - 3.

[131] . باعتبار أنّ الحجج الإلهيين بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا يخرجون عن آله وعترته كما هو مقتضى رواية الوصية المقدسة في ليلة الوفاة وكذلك حديث الثقلين، وأيضاً الروايات الكثيرة التي بيّنت أنّ الإمامة لا تخرج عن عقب الحسين (عليه السلام) وغيرها.

[132] . سورة يونس، الآية: 47.

[133] . تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي : ج2 ص123 ح23.

[134] . سورة يس، الآية: 14.

[135] . تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي: ج2 ص213.

[136] . إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري: ج2 ص274.

[137] . شرح أصول الكافي - محمد صالح المازندراني: ج6 ص66.

[138] . الأمثال في القرآن الكريم - الشيخ جعفر السبحاني: ص231.

[139] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص341 ح21.

[140] . راجع القول (3، 14) في بحث "غرض الإرسال عند العلماء" المتقدم.

[141] . تقدم قوله في الفقرة السابقة حيث يقول: (... وعلى أي حال لابد أن تكون هناك فترة خلت من الرسل بين وفاة أولئك الرسل والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك عبر القرآن عن تلك الفترة الخالية من الرسل بقوله: "على فترة من الرسل") الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج3 ص664.

[142] . مثل: ما ورد في تفسير القمي في قوله تعالى: "على فترة من الرسل"، قال علي (عليه السلام): انقطاع من الرسل) تفسير القمي: ج1 ص164..

[143] . سورة النساء، الآية: 165.

[144] . سورة طه، الآية: 134.

[145] . سورة القصص، الآية: 47.

[146] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص180 ح3.

[147] . علل الشرائع - الشيخ الصدوق: ج1 ص121.

[148] . نهج البلاغة: باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) ومواعظه / 147.

[149] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص141 ح7.

[150] . انظر البحث: (2/ 2/ 3- وقفة مع الأجوبة المقترحة) من هذا المحور.

[151] . الطوطم: كيان يمثل دور الرمز للقبيلة، سواء كان نباتاً أو جماداً، يُقدّس من قبلها باعتباره المؤسس أو الحامي لها.

[152] . انظر البحث: (2/ 2/ 4- القول الفصل في جواب شبهة الملحدين) من هذا المحور.

[153] . سورة سبأ، الآية: 3.

[154] . التوحيد - الشيخ الصدوق: ص136.

[155] . سورة المؤمنون، الآية: 115.

[156] . سورة الإنسان، الآية: 2.

[157] . سورة الأعراف، الآية: 172.

[158] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص13 ح3.

[159] . تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي: ج2 ص371.

[160] . بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: 105.

[161] . الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص194.

[162] . جامع البيان - ابن جرير الطبري: ج9 ص153. وقد اعترف الدكتور حكمة بن بشير بن ياسين، أستاذ كرسي الدراسات القرآنية في جامعة الملك عبد العزيز، بحسن سند الحديث، انظر: التفسير الصحيح: ج3 ص74، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى سنة 1433 من الهجرة.

[163] . التوحيد - الشيخ الصدوق: ص265.

[164] . سورة الأنفال، الآية: 23.

[165] . انظر البحث: (2/2/4- القول الفصل في جواب شبهة الملحدين) من هذا المحور.

[166] . انظر البحث: (2/ 3: هل إرسال الرسل ظاهرة شرق أوسطية) من هذا المحور.

[167] . العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) - الشيخ جعفر السبحاني: ص120.

[168] . تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج1 ص30 ح7.

[169] . الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص143 - 144.

[170] . الجواب متاح على هذا الرابط: http://www.aqaed.com/faq/4956/

[171] . فتاوى الأزهر: ج8 ص97. المصدر: وزارة الأوقاف المصرية، http://www.islamic-council.com.

[172] . الجواب متاح على هذا الرابط: http://islamqa.info/ar/138770

[173] . الأنثروبولوجيا (anthropology)، أو علم الإنسان: علم يدرس أعمال الإنسان وسلوكه وتجمعاته وحضاراته.

[174] . يقول السيد أحمد الحسن، بعد نقل الكثير من النصوص السومرية: (..... الملاحم والقصص السومرية والقصائد تُثبت أنّ قصة الدين الإلهي موجودة ومكتملة عند السومريين بكل جزئياتها وشخصياتها ورموزها قبل الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية، فنجد في الرِقَم الطينية السومرية الإله الحقيقي الواحد المهيمن على كل شيء، ونجد عندهم العقائد، والقيم الأخلاقية، والنواميس المقدسة، والعبادة وطرقها، وسبل الانتصار على الشيطان وعلى الدنيا وعلى الأنا وحب الذات. إذن، فهو الدين كلّه من ألفه إلى يائه عند السومريين. فمن أين أتوا به ؟ من أين جاءوا بهذه المنظومة المعقّدة التي ظهرت مكتملة فجأة في تاريخ بلاد ما بين النهرين ؟

الحقيقة التي يراها كلُّ عاقلٍ ظاهرةً كالشمس أنّ هناك قفزة ثقافية وحضارية أظهرتها لنا الثقافة والحضارة السومرية، فمن يريد أن ينكر - بعد كل ما تقدم - فهذا شأنه، وعموماً فقد وضِعتْ أُطروحات ونظريات لتفسير هذه القفزة الثقافية، ولو كان الأمر ليس كذلك لما وصل الأمر إلى أن توضع نظرية قدوم كائنات من الفضاء !!

والعجب كل العجب ممّن يقبل أنّ سبب تطور الإنسانية هو قدوم كائنات فضائية بمركباتهم وقدراتهم الكونية التي لا نرى لها أثراً على الأرض لكي يُعلِّل هذه القفزة الثقافية، ولا يقبل أنّ نفس آدم نُفخَتْ في جسم فتطوّر وانتقل إلى مستوى أرقى في الخلق والتنظيم والقدرة على التفكير والإدراك) مراسي مختارة في موانئ سومر وآكاد: ص57 - 58، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[175] . الأركيولوجيا (Archaeology)، أو علم الآثار: هي فرع علم الإنسان الذي يركز على المجتمعات والثقافات البشرية الماضية.

[176] . تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج2 ص123 ح23.

[177] . وسائل الشيعة - الحر العاملي: ج27 ص151.

[178] . المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقي: ج1 ص133 ح44.

[179] . بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج94 ص113.

[180] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص32 ح2.

[181] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص191 - 192 ح1 و2.

[182] . تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي: ج2 ص209.

[183] . الجواب المنير عبر الأثير - السيد أحمد الحسن: ج3 سؤال رقم 217، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[184] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج12 ص242.

[185] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج8 ص187.

[186] . المصدر نفسه: ج13 ص94.

[187] . مركز الاشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية - بإشراف الشيخ صالح الكرباسي. والقول متاح على هذا الرابط: http://goo.gl/wm8ruU

[188] . فيلسوف صيني ولد عام (551) ق. م في ولاية "لو" شمال الصين، وتوفي عام (479) ق. م، أقام مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية في السلوك الاجتماعي والأخلاقي.

[189] . سورة المؤمنون، الآية: 32.

[190] . سورة النساء، الآية: 64.

[191] . سورة المائدة، الآية: 109.

[192] . سورة الأنعام، الآية: 48.

[193] . سورة الشورى، الآية: 48.

[194] . سورة السجدة، الآية: 3.

[195] . سورة البقرة، الآية: 129.

[196] . سورة الأنبياء، الآية: 107.

[197] . سورة الحديد، الآية: 25.

[198] . سورة البقرة، الآية: 213.

[199] . قال ابن منظور: (والإبلاغ: الإيصال، وكذلك التبليغ، والاسم منه البلاغ) لسان العرب: ج8 ص419.

[200] . تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي : ج2 ص123 ح23.

[201] . نهج البلاغة: باب المختار من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوامره / 1.

[202] . لا يخفى أنّ الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه؛ سواء كان الإرسال منه مباشرة أو بتوسط رسل آخرين يرسلون بأمره.

[203] . تقدم ذكر بعض الروايات التي تؤكد ذلك، انظر البحث: (1/4: عدم خلو الأرض من حجة) من المحور الأول.

[204] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص291.

[205] . المصدر نفسه: ص207.

[206] . الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص137.

[207] . نهج البلاغة: باب المختار من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوامره / 1.

[208] . سورة التوبة، الآية: 40.

[209] . سورة القصص، الآيات: 20 - 21.

[210] . سورة النمل، الآية: 56.

[211] . سورة إبراهيم، الآية: 13.

[212] . تقدمت عدة روايات تفيد بأنّ: "كل قرن"، "كل خلف"، "لكل قرن إمام"، "لكل زمان إمام"، راجع بحث: (2/ 2/ 4- القول الفصل في جواب شبهة الملحدين).

[213] . قال ابن منظور: (فتر: الفترة: الانكسار والضعف. وفتر الشيء والحر ... : سكن بعد حدة ولان بعد شدة) لسان العرب: ج5 ص43.

[214] - الكافي - الشيخ الكليني: ج8 ص115.

[215] - للوقوف على هذه المخالفات بالتفصيل، راجع خاتمة بحوث المحور الأول.

[216] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص659.

[217] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص154 - 158.

[218] . الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص180.

[219] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص340 ح18 و19 و20.

[220] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص145.

[221] . المصدر نفسه: ص152.

[222] . الكافي - الشيخ الكيلني: ج1 ص341 ح21.

[223] . الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني: ص211.

[224] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص377.

[225] . سورة التوبة، الآية: 106.

[226] . سورة التوبة، الآية: 102.

[227] . سورة النساء، الآية: 98 - 99.

[228] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص381 ح1.

[229] . نفس المصدر: ج2 ص381 ح2.

[230] . الرأي السائد لدى أغلب علماء المسلمين هو القول بدخول أطفال المسلمين الجنة استناداً إلى روايات أفادت ذلك، ولكن مثل تلك الروايات لا تنافي كونهم من المستضعفين الموكولين إلى رحمة الله، وأنه إن شاء رحمهم، ولا يمكن بحالٍ استظهار الوعد بدخول الجنة منها بحيث يكونون كالمؤمنين (الصنف الأول) بعد ورود النص القطعي بكونهم مستضعفين. وأما أطفال غير المسلمين فقد اختلفت أقوالهم فيهم.

[231] . قلت (غير الكافر)؛ باعتبار أنّ "الكفر" يجعل صاحبه من أهل الصنف الثاني من الأصناف الستة، وإن شئت فقل: يجعله من أهل الفرقة الثانية من الفرق الثلاثة التي يؤول إليها مصير العباد.

[232] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج8 ص128.

[233] . الفوائد المدنية والشواهد المكية - محمد أمين الاسترابادي: ص347.

[234] . صحيح شرح العقيدة الطحاوية - حسن بن علي السقاف: ص82.

[235] . تفسير الآلوسي: ج15 ص40.

[236] . مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين: ج2 ص48، باب اليوم الآخر - 172.

[237] . للاطلاع بعض الروايات التي أشارت لعالم الذر، راجعها في بحث: (2/ 1/ 2- قطع العذر لا يوجب الإرسال لكلِّ الناس) من هذا المحور.

[238] . سورة الأحزاب، الآية: 40.

[239] . مجمع البيان - الشيخ الطبرسي: ج8 ص160.

[240] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج16 ص325.

[241] . جامع البيان - ابن جرير الطبري: ج22 ص21.

[242] . معاني القرآن - النحاس: ج5 ص356.

[243] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج13 ص279 - 282.

[244] . الاعتصام بالكتاب والسنة - الشيخ جعفر السبحاني: ص343.

[245] . الرسائل العشر - الشيخ الطوسي: ص106.

[246] . تفسير الميزان - السيد الطباطبائي: ج16 ص325.

[247] . المصدر السابق: ج2 ص144.

[248] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج13 ص277.

[249] . الجواب متاح على هذا الرابط: http://islamqa.info/ar/113393

[250] . من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق: ج2 ص585.

[251] . صحيح البخاري - البخاري: ج8 ص77، باب التعبير.

[252] . صحيح مسلم - مسلم النيسابوري: ج7 ص52، كتاب الرؤيا.

[253] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص272، باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة (عليهم السلام).

[254] . المصدر السابق: ج1 ص273.

[255] . بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص471.

[256] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص245 - 246 ح1.

[257] . سورة الجمعة، الآيات: 2 - 3.

[258] . سورة الأنعام، الآية: 130.

[259] . تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي: ج1 ص216.

[260] . سورة الأعراف، الآية: 35.

[261] . سورة يونس، الآية: 47.

[262] . تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج2 ص123 ح23.

[263] . الإرشاد - الشيخ المفيد: ج2 ص340.

[264] . الغيبة - الشيخ الطوسي: ص46.

[265] . المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي: ج8 ص678.

[266] . سورة البقرة، الآية: 124.

[267] . السؤال والتعليق وجوابهما متاح على هذا الرابط: http://www.aqaed.com/faq/1427/

[268] . رحلة موسى (عليه السلام) إلى مجمع البحرين - السيد أحمد الحسن: ص37 - 38، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[269] . سورة البقرة، الآية: 30.

[270] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص10.

[271] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص32 ح2.

[272] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص250 ح6.

[273] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص19.

[274] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص12.

[275] . المصدر نفسه: ص40.

[276] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص56 ح9.

[277] . مختصر بصائر الدرجات- الحسن بن سليمان الحلي: ص63.

[278] . وسائل الشيعة- الحر العاملي: ج27 ص30.

[279] . تقدم ذكر بعض النصوص التي تفيد ذلك في البحث: (1/ 4: عدم خلوّ الأرض من حجّة) من المحور الأول.

[280] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص41 - 42.

[281] . نفس المصدر: ص44.

[282] . بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص28.

[283] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص46.

[284] . مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي: ج1 ص174.

[285] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص63 - 64.

[286] . المصدر نفسه: ص76.

[287] . روى الشيخ الطوسي بسنده عن: (... عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي انه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الاثني عشر إمام سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر إماماً ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين)، له ثلاثة أسامي أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) الغيبة: ص150 - 151 ح111.

[288] . روى الشيخ الصدوق جواب الإمام المهدي (عليه السلام) لأسئلة سعد القمي، ورد فيه: (... أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن، قلت: لا، فقال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً .....) كمال الدين وتمام النعمة: ص461 - 462.

[289] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص324.

[290] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص198 - 201 ح1.

[291] . انظر: ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص64 - 65.

[292] . وسائل الشيعة - الحر العاملي: ج2 ص177.

[293] . بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص172.

[294] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص71 - 72.

[295] . المصدر نفسه: ص72.

[296] . المصدر نفسه: ص75.

[297] . انظر: كتاب المكاسب - الشيخ الأنصاري: ج3 ص553.

[298] . الكافي - الشيخ الكليني: ج8 ص295 ح295.

[299] . وسائل الشيعة - الحر العاملي: ج27 ص30.

[300] . دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية - الشيخ المنتظري: ج1 ص548 - 549.

[301] . نص السؤال والجواب متاح على هذا الرابط: http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=65890

[302] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج13 ص285 - 286.

[303] . ختم النبوة - الشيخ مرتضى مطهري: ص37.

[304] . انظر: بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج58 ص192.

[305] . كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي: ج2 ص61، تحقيق الشيخ عبد الله نعمة.

[306] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج13 ص282 - 283.

[307] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج13 ص284.

[308] . كما قدّمت إنّ النبي هو الذي يعرف بعض أخبار السماء فيطلعه الله على الحق وبعض الغيب بالرؤيا أو الكشف، وليس المراد هنا النبي المرسل المعصوم. (منه عليه السلام).

[309] . أي: القول بانتهاء النبوة والإرسال بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، والقول بأنّ غرض الإرسال والبعث هو هداية الخلق أو ارشادهم أو تزكيتهم أو قيادتهم ... إلخ.

[310] . سورة الفاتحة، الآية: 2.

[311] . انظر: شيء من تفسير الفاتحة - السيد أحمد الحسن (عليه السلام)، بحث "الأسماء الإلهية في سورة الفاتحة"، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[312] . نهاية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي: ص126.

[313] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص16 ح12.

[314] . سورة الإسراء، الآية: 70.

[315] . الأمالي - الشيخ الطوسي: ص489.

[316] . سورة التين، الآية: 4.

[317] . المتشابهات - السيد أحمد الحسن: ج1 سؤال رقم 4، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[318] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص254 - 255.

[319] . انظر: بحار الأنوار - المجلسي: ج11 ص114.

[320] . سورة فاطر، الآية: 1.

[321] . المتشابهات - السيد أحمد الحسن: ج3 سؤال رقم 74، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[322] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص12 ح1.

[323] . سورة البقرة، الآيات: 30 - 33.

[324] . الإرشاد - الشيخ المفيد: ج1 ص193.

[325] . علل الشرائع - الشيخ الصدوق: ج1 ص104 - 106.

[326] . لسان العرب - ابن منظور: ج9 ص83.

[327] . كتاب مع العبد الصالح - السيد أحمد الحسن (عليه السلام): ج1، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[328] . مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي: ص80.

[329] . سورة الروم، الآية: 30.

[330] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص12 ح2و3.

[331] . سورة الإنسان، الآية: 3.

[332] . سورة الفرقان، الآية: 44.

[333] . سورة البقرة، الآية: 100.

[334] . سورة الروم، الآية: 42.

[335] . سورة النحل، الآية: 83.

[336] . سورة المؤمنون، الآية: 70.

[337] . سورة آل عمران، الآية: 110.

[338] . سورة الشعراء، الآية: 223.

[339] . سورة المائدة، الآية: 103.

[340] . بحار الأنوار - المجلسي: ج65 ص360.

[341] . سورة البقرة، الآية: 253.

[342] . سورة الزخرف، الآية: 81.

[343] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص10 ح1.

[344] . الأمالي - الشيخ الصدوق: ص307.

[345] . المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري: ج2 ص604.

[346] . سورة الحجر، الآية: 39.

[347] . عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي: ج4 ص118.

[348] . انظر: كتاب العجل - السيد أحمد الحسن (عليه السلام)، بحث "الصراط المستقيم"، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[349] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص21 ح14.

[350] . عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - الشيخ الصدوق: ج2 ص237.

[351] . سورة ص، الآية: 75. انظر لمزيد من البيان في معنى الآية كتاب: الحواري الثالث عشر - السيد أحمد الحسن (عليه السلام)، ص69 - 70، بحث "من هو الشبيه المصلوب"، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[352] . التوحيد - الشيخ الصدوق: ص103.

[353] . تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج1 ص388.

[354] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص44 ح2.

[355] . سورة البقرة، الآية: 253.

[356] . سورة البقرة، الآية: 124.

[357] . راجع ص87 و99 من البحث.

[358] . مقطع من مناجاته (عليه السلام) في شعبان، انظر: إقبال الأعمال - ابن طاووس: ج3 ص296. ولأجل معرفة المزيد لمعنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في المناجاة يمكن مراجعة: المتشابهات - السيد أحمد الحسن (عليه السلام): ج1 سؤال رقم 10، وج3 سؤال رقم 78، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[359] . سورة آل عمران، الآية: 61.

[360] . التوحيد - الشيخ الصدوق: ص307، المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري: ج3 ص126.

[361] . مقطع من دعائه (عليه السلام) في يوم عرفة، انظر: بحار الأنوار - المجلسي: ج95 ص226. ولأجل معرفة المزيد لمعنى كلام الإمام الحسين (عليه السلام) يمكن مراجعة: المتشابهات - السيد أحمد الحسن (عليه السلام): ج2 سؤال رقم 27، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[362] . انظر: مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي: ص125.

[363] . بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص92 - 93.

[364] . المصدر السابق: ص94 - 95.

[365] . سورة الكهف، الآية: 60.

[366] . تفسير العياشي - محم بن مسعود العياشي: ج2 ص332.

[367] . علل الشرائع - الشيخ الصدوق: ج1 ص60.

[368] . لمعرفة جميع جنود العقل والجهل، يمكن قراءة ما رواه سماعة بن مهران عن الإمام الصادق (عليه السلام)، انظر: الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص21 - 23 ح14.

[369] . لمعرفة هوية العبد الصالح (عليه السلام) وقصة لقاء موسى (عليه السلام) به بالتفصيل، يمكن الاطلاع على كتاب "رحلة موسى (عليه السلام) إلى مجمع البحرين" للسيد أحمد الحسن (عليه السلام)، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[370] . معاني الأخبار - الشيخ الصدوق: ص125.

[371] . كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: ص358 - 359.

[372] . سورة الأعراف، الآية: 66.

[373] . القرآن الكريم - سورة المائدة، الآية: 60.

[374] . القرآن الكريم - سورة الأنبياء، الآية: 13.

[375] . القرآن الكريم - سورة البقرة، الآية: 65.

[376] . القرآن الكريم - سورة الأعراف، الآية: 166.

[377] . المصدر (الكليني - الكافي): ج1 ص272.

[378] . وهم الإلحاد - السيد أحمد الحسن: ص140 - 142.

[379] . بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص29.

[380] . تقدم نقل "الوصية المقدسة" في هامش ص: 96 من البحث.

[381] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص177 ح4.

[382] . المصدر: (الحر العاملي - وسائل الشيعة) كتاب الحج: ج11 ص12.

[383] . القرآن الكريم - سورة نوح، الآيات: 14 - 17.

[384] . "قد" حرف تحقيق هنا، أي أن خلقكم أطوراً قد تحقق وانتهى فيما مضى، وبهذا يكون المراد بالأطوار هي اطوار الترقي والتطور الجسماني التي سبقت إنزال نفس آدم (عليه السلام) إلى هذا العالم واتصالها بجسم آدم (عليه السلام). (من المؤلف).

[385] . القرآن الكريم - سورة آل عمران، الآية: 33.

[386] . المصدر (الصدوق - الخصال): ص359.

[387] . يقول السيد أحمد الحسن تعليقاً على هذا التحديد في الرواية: (أما "سبعة آلاف سنة" فواضحة أنها ليست بوحدات قياسنا التي نعرفها الآن ويمكننا تصور وحدات قياس أخرى للزمن لا نعرفها؛ لأنها في أبعاد اخرى خارج هذا الكون الذي نعيش فيه) وهم الإلحاد: ص159 - 160.

[388] . المصدر (القمي - تفسير القمي): ج1 ص36؛ (الصدوق - علل الشرائع): ج1 ص104.

[389] . سيأتي بيان المعنى في قصة خلق آدم (عليه السلام). (من المؤلف).

[390] . المصدر (الكليني - الكافي): ج8 ص90.

[391] . وهم الإلحاد - السيد أحمد الحسن: ص112، فما بعد.

[392] . قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ سورة الأحزاب، الآية: 72.

[393] . انظر: وهم الإلحاد - السيد أحمد الحسن: ص92.

[394] . القرآن الكريم - سورة آل عمران، الآية: 33.

[395] . المصدر (الكليني - الكافي): ج8 ص90.

[396] . وهم الإلحاد - السيد أحمد الحسن: ص162 - 163.

[397] . وهم الإلحاد - السيد أحمد الحسن: ص283 - 285.

[398] . القرآن الكريم - سورة الإنسان، الآيات: 8 - 9.

[399] . وهم الإلحاد - السيد أحمد الحسن: ص276 - 277.

[400] . وهم الإلحاد - السيد أحمد الحسن: ص283.

[401] . الكافي - الشيخ الكليني: ج1 ص179 - 180 ح2 و3 و5.

[402] . سورة فاطر، الآية: 15.

[403] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص56 ح2.

[404] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص91 ح13.

[405] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص99 ح2.

[406] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص102 ح17.

[407] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص106 ح5.

[408] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص107 ح1.

[409] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص110 ح7.

[410] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص123 ح11.

[411] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص145 ح5.

[412] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص147 ح17.

[413] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص117 ح4.

[414] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص120 ح13.

[415] . بحار الأنوار - المجلسي: ج72 ص4.

[416] . بحار الأنوار - المجلسي: ج72 ص4 - 5.

[417] . وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي: ج20 ص171.

[418] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص169 ح2.

[419] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص152 ح14.

[420] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص157 ح1.

[421] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص165 ح3.

[422] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص164 ح6.

[423] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص164 ح7.

[424] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص166 ح4.

[425] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص175 ح2.

[426] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص176 ح6.

[427] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص180 ح4.

[428] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص188 ح2.

[429] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص195 ح2.

[430] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص204 ح1.

[431] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص209 ح1.

[432] . الكافي - الشيخ الكليني: ج2 ص668 ح14.

[433] . الكافي - الشيخ الكليني: ج6 ص539 ح9.

[434] . الكافي - الشيخ الكليني: ج6 ص544 ح5.

[435] . بحار الأنوار - المجلسي: ج61 ص307.

[436] . الكافي - الشيخ الكليني: ج6 ص537 ح2.

[437] . الكافي - الشيخ الكليني: ج6 ص537 ح2.

[438] . بحار الأنوار - المجلسي: ج62 ص328. وصبر البهائم: حبسها وإمساكها حتى الموت.

[439] . بحار الأنوار - المجلسي: ج62 ص328.

[440] . بحار الأنوار - المجلسي: ج62 ص316.

[441] . دعائم الإسلام - القاضي المغربي: ج1 ص371.

[442] . نهج البلاغة: باب المختار من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوامره / 224.

[443] . الجواب المنير عبر الأثير: ج1 سؤال رقم 2، أحد إصدارات أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).

[444] . سورة المائدة، الآية: 12.